بلوغ المرام - كتاب: العتق (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)) رواه مسلم".

الوالد هو السبب في وجود الإنسان، جعله الله -جل وعلا- سبباً لوجوده، ولولا أن الله -جل وعلا- قيض هذا الرجل وتزوج بهذه المرأة ما وجدت، يعني ما استثني من ذلك إلا آدم وحواء وعيسى من اجتماع الصورة وإلا فبقية بني آدم على هذا، بالتزواج بين الوالدين، فهما السبب في إيجادك، فحقهما أعظم حق عليك بعد حق الله -جل وعلا-، وورد حقهما مقروناً بحق الله -جل وعلا- في كثير من النصوص، فحقهما عظيم، قد يحمل الإنسان أمه أو أباه على ظهره لحاجتهما إليه، ومع ذلك قد لا يوفي بحقهما، مع أن هذا من أفضل أنواع البر، قد يقوم بحاجتهما الخاصة عند احتياجهما إليه، ومع ذلك حقهما عظيم، فالعمل الوحيد الذي يمكن أن يكافئ به الوالد بدليل الحصر في الحديث في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه)) هو سبب وجودك، وأنت الآن في هذه الصورة تسببت في وجوده الحقيقي؛ لأنه وجوده مع الرق كلا وجود، منافعه مملوكة لغيره، لا يستطيع أن يتصرف بنفسه، فوجوده كالعدم، وأنت إذا اشتريته وجدته مملوكاً فاشتريته وأعتقته تسببت في وجوده حكماً، وإن كان الوجود الحقيقي الذي لا أثر له مما يلحقه كان موجوداً، لكن وجود، هل يلحقه ببني آدم، أو يلحقه بالبهائم التي تباع وتشترى؛ لأن أحكام الرقيق ينظر فيها باعتباره سلعة يباع ويشترى، أو باعتباره إنسان له عقله، وله تمييزه، وله اعتباره، وله مشاعره، فيتردد بين هذين الأصلين، فإلحاقه بأحدهما من باب قياس الشبه، فإذا وجد أباه والحال أنه متردد بين الإنسان والبهيمة هل يلحق بهذا أو بهذا؟ فما معنى هذا الوجود؟ كلا وجود، لكن إذا اشتراه واعتقه تسبب في وجوده الاعتباري الحقيقي الذي ينتفع به وإلا فوجوده قبل ذلك لمصلحة غيره.

((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)) رواه مسلم، قد يقول قائل: الفرق بين الوجودين بين وجود الابن وبين وجود الأب يعني قبل الولادة وقبل العتق، أما بعد الولادة وبعد العتق هذا ظاهر، لكن الكلام فيما قبل الولادة وقبل العتق، بل قبل الوطء الذي تسبب عنه الحمل وقبل العتق، وفي فرق، هذا موجود حقيقة ويأكل ويشرب ويتعبد، ما يتمكن من عبادة، ويتلذذ بأكل وشرب ونوم ويأنس، ومع ذلك هو مسخر لغيره يخدمه، فوجوده فيه نقص، لكن قبل تسبب الوالد بوجود الولد، قبل وطء الأم هذا عدم محض، ففرق بين وجود هذا وهذا، لكن في الحديث الحث على عتق الرقبة لا سيما الوالد، وإن لم تكن الصورة متطابقة من كل وجه.

((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)) في هذا الحديث مما يدل على أنه لا يعتق بمجرد الشراء، بل إذا تم ملكه له ثم أعتقه، فيفهم منه أنه يمكن أن يشتريه ولا يعتقه، ألا يفهم من الحديث هذا؟ قال: ((إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه)) ما سكت، قال: فيعتقه مباشرة، ليس فيه ثم يعتقه؛ لئلا يكون هناك تراخي، وليس فيه فيشتريه فقط لنقول: إنه يعتق بمجرد الشراء، بل يشتريه ثم يعتقه، وهذا قول من يقول: إن من ملك ذا رحم محرم لا يعتق إلا بالعتق، لا يعتق بمجرد الشراء، لكن الذي عليه عامة أهل العلم أنه يعتق بمجرد الشراء، لو اشترى أباه وفي حكمه الأم لو أشترى الأب أو أشترى الأم أو اشترى الابن أو اشترى البنت أو اشترى الأخ أو اشترى العلم أو اشترى الخال أو الخالة أو العمة بمجرد الشراء يعتق، وإن كان حديث الباب يدل على أن العتق بعد الشراء، لكن ما جاء في حديث الباب لا مفهوم له، إنما يعتق بمجرد الشراء، فالتنصيص على العتق هو مجرد توضيح، الظاهرية قالوا: إنه لا بد من الإعتاق وإلا ما يعتق، هل يستمر رقيق عند الظاهرية؟ هل يستمر رقيق إذا اشتراه؟ قالوا: نعم يستمر رقيق، ولكن يجبر على إعتاقه؛ لمفهوم الحديث، لكن حديث سمرة الذي يليه عرفنا أن مذهب عامة أهل العلم أنه يعتق بمجرد الشراء، ويكون تأويل فيعتقه قالوا: إن الشراء هو سبب العتق؛ لأنه يؤول إليه حصل أو لم يحصل، فالشراء عتق، فالشراء نفسه عتق، فالتصريح بالعتق باعتبار المآل، وأن الشراء يؤول إليه، فأطلق عليه، أو أطلق عليه على ما يقولون فنسب إليه العتق، أو صرح بذكر العتق من باب ذكر إنه يؤول إلى العتق، حديث سمرة صريح في أنه لا يحتاج إلى عتق، وأنه بمجرد الشراء وتمام الملك أنه يعتق، الذي يليه:

"وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر))" يعني بمجرد الملك حر ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) والضابط فيه بأنه لو كان أحدهما ذكر والآخر أنثى لا يصح النكاح بينهما، كما بين الوالد والولد، والولد والوالدة، والأخ مع أخيه أو أخته أو مع عمته أو خالته، لا أبناء العم ولا أبناء الخال، ولا العمة ولا الخالة؛ لأنه يصح أن يتزوج بنت عمه، وبنت خاله، وبنت عمته، وبنت خالته، فلا يعتق عليه بمجرد الشراء حتى يصرح بعتقه، بخلاف من لا يجوز له نكاحه فإنه يعتق عليه بمجرد الشراء.

قال: ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) رواه أحمد والأربعة، ورجح جمع من الحفاظ أنه موقوف" إذا تعارض الوقف مع الرفع ذكرنا مراراً أن الحكم للرفع عند جمع من الحفاظ؛ لأنه زيادة من ثقة، وهذا الذي جرى عليه المتأخرون، أو الحكم لمن وقف؛ لأنه متيقن، والرفع مشكوك فيه، يعني ذكر الصحابي متيقن، لكن المشكوك فيه ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون الحكم لمن وقف؛ لأنه متيقن، وهذا أيضاً يميل إليه جمع من الحفاظ، فيرجحون الوقف في مثل هذه الصورة، ويرجحون الإرسال في مسألة تعارض الوصل والإرسال، وهناك قول ثالث وهو أن الحكم للأحفظ، إذا كان من رفعه أحفظ فالحكم له، وإذا كان من وقفه أحفظ فالحكم له، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، هذه أقوال أهل العلم ممن يحكم بحكم عام مطرد، ولو نظرنا إلى طريقة الأئمة الكبار في مثل هذه الصورة نجدهم لا يحكمون بحكم عام مطرد، بل يرجحون بين الأقوال بالقرائن، فما دلت القرائن على أنه أرجح فالحكم له، فقد يحكم الإمام الواحد على حديث بالرفع، ويحكم على حديث آخر بالوقف، ما يقول: الحكم لمن رفع مطلقاً، ولا يقول: الحكم لمن وقف مطلقاً، وهكذا في مسألة الوقف والإرسال، بل إذا رجحت القرائن الرفع حكم به، وإذا رجحت القرائن الوقف حكم به، وهذه هي طريقة الأئمة المتقدمين، وهم أهل هذا الشأن.

طيب ما موقف طالب العلم إذا جاءه مثل هذا الحديث؟ موقفه أن يجمع الطرق، وينظر في من رفع، وفي من وقف، وسوف يتبين له إذا جمع طرق الخبر من القرائن ما يرجح به إذا كان أهلاً لذلك، ثم بعد ذلك لأن هذه المسائل مسائل دقيقة، يعني لا يقوم بها أي طالب علم، مهما طالت معاناته في علم الحديث، إذا فرغ من جمع الطرق، ومال إلى الرفع أو الوقف فإنه ينظر في أقوال الأئمة، ماذا قال الإمام أحمد؟ ماذا قال ابن معين؟ ماذا قال أبو حاتم؟ ماذا قال الدارقطني؟ وهكذا، فإذا وجد حكمه مطابقاً لأحكامهم فليحمد الله، وإذا وجد حكمه مخالف فليعد النظر في صنيعه، ويتسصحب أقوال الأئمة في مثل هذه الأمور؛ لأنه ليس فيها حكم عام مطرد تأخذ النظرية وتطبقها على جميع الأحاديث، لا، بهذا يترقى طالب العلم مع معاناة ومزوالة التخريج والدراسة للأسانيد، ومعرفة الطرق وجمع الطرق والحكم على الأحاديث إذا قارنها بأقوال الأئمة يتأهل؛ لأن يسير على طريقة معينة، وهذه تحتاج إلى عمر ومعاناة وقوة في الحفظ، ونفاذه في الفهم، يعني لا يخاطب بمثل هذا الكلام آحاد الطلاب.

((من ملك ذا ملك محرم فهو حر)) أي أنه يعتق بمجرد الملك، بمجرد تمام الملك، ومنطوقه يخالف مفهوم الحديث السابق، والحديث السابق في صحيح مسلم، ومتفق على رفعه، وهذا الحديث عند أحمد والأربعة، واختلف في رفعه ووقفه، فمن قال: إنه لا بد من إعتاقه لا سيما أهل الظاهر يقولون: حديث مسلم أرجح، ولا بد من أن يصرح بعتقه، والذي يقول: إن مفهوم حديث مسلم مخالف لمنطوق حديث أحمد والأربعة، والمنطوق مقدم على المفهوم يقول: إنه يعتق بمجرد الملك.

قال -رحمه الله- بعد ذلك:

"وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن رجلاً أعتق ستة مملوكين" ستة عبيد تحت ملكه أعتقهم دفعة واحدة "أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم" يعني في مرض موته الذي لا يرجى برئه منه، لا ينفذ تصرفه إلا بالثلث، وما زاد على الثلث لا ينفذ تصرفه؛ لأنه متهم بحرمان الورثة، لماذا لم يتصرف هذا التصرف في وقت صحته؟

"أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم" وفي هذه الحالة ليس له أن يتصرف إلا في الثلث والثلث كثير "فدعا بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجزأهم أثلاثاً" لينفذ الثلث، ويرد الثلثين إلى الورثة، إلى صاحبهم فإذا مات أوثوا عنه.

"فدعا بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجزأهم أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين" والاثنان هم الثلث بالنسبة للستة "وأرق أربعة، وقال له قولاً شديداً" رواه مسلم" وفي رواية النسائي وأبي داود: أن هذا القول الشديد قال: ((لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين)) هذا قول شديد ((لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين)) لماذا؟ لأنه حرم ورثته من الإرث ((إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)) فلا يصح، بل لا يجوز، ولا ينفذ تصرفه في أكثر من الثلث في هذه الحالة، النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا بالستة فوزعهم ثلاث فرق اثنين اثنين اثنين، فجاء بقرعة فخرجت القرعة لاثنين أعتقهما، وأرق الأربعة، رجعهم، وعلى هذا لو شخص مريض يملك ثلاثة آلاف، ثم في مرض موته وهو في المستشفى قال: تصرف بالثلاثة آلاف، وزوعوهم على الفقراء، أو اشتروا بهم شيئاً ينتفع به المسلمون، يقال: لا ما يمكن تصرفك إلا في ألف والألفين ترد، قد يقول: الألفين وش تسوي؟ لكن هذا الحكم الشرعي، هذا قد يكون ألفين، وقد تكون ثلاثة ملايين، وقد تكون أكثر أقل، المقصود أن هذا هو الحكم، النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بالستة، وفرقهم ثلاث فرق، فكل فرقة مكونة من اثنين، فأجرى القرعة فظهرت لاثنين فأعتقهما، وأرق الأربعة الباقين، فهنا النظر إلى العدد، قد يقول قائل: كل واحد من هؤلاء الستة حصل له العتق، ويجب رد الثلثين لماذا لا يعتق من كل واحد الثلث؟ ويبقى ثلثاه رقيق، وقد قيل بهذا، أنه لا يعتق اثنين ينتفع اثنان ويتضرر أربعة، فقالوا: كل واحد من هؤلاء الستة يعتق ثلثه، فيكون العتق مشاع بين هؤلاء الستة، والرق مشاع، فينتفع الجميع، ويتضرر الجميع، ما ينتفع اثنين ويتضرر أربعة، لكن الحديث في إيش؟ في صحيح مسلم، يعني هل لأحد أن يجتهد مع وجود هذا الحديث، طيب قد يقول قائل: إن هذين الاثنين الذين حالفهم الحظ، وظهرت لهم القرعة قد تكون قيمتهم تعادل قيمة الأربعة، فالاثنين يسوون لهم على مائة ألف وها الأربعة يا الله يجيبون مائتين ألف على خمسين، فكأنه تصرف بالنصف، لماذا لا ينظر إلى أقيامهم؟ وقد تكون قيمة الاثنين بقيمة واحد من هؤلاء الأربعة، لماذا لا ينظر إلى القيمة؟ قيل بهذا وقيل بهذا، لكن النص أثبت أن النظر في الثلث والثلثين إلى عدد الرؤوس، نعم عند القسمة الثلاثية، وقبل إجراء القرعة ينظر إلى مصلحة الورثة، وينظر إلى مصلحة هؤلاء الأرقاء، وينظر بعين العدل والمساواة بين الجميع، لكن يبقى أن هذا حكم شرعي، والقرعة معتبرة في الشرع في أمور كثيرة، القرعة معتبرة في الشرع، عند المشاحاة لا بد من قرعة ولا مرجح لا بد من قرعة ترجح، فالحديث يدل على هذا، وأن النظر إلى عدد الرؤوس بغض النظر عن الأقيام، وبغض النظر عن كون المنتفع البعض دون البعض، ومنهم من قال: لا، لا بد أن يعم النفع الجميع؛ لأنهم في عبارة المعتق على حد سواء، أعتقهم جميعاً، فأراد أن يستفيدوا جميعاً فلماذا نفيد اثنين ونحرم البقية؟ هذا قال فيه بعض أهل العلم، فقال: يعتق من كل واحد ثلثه، فإما أن يبقى الثلثان من كل واحد، أو يستسعى الجميع ويسددون للورثة؛ لئلا نحرم الورثة بقيمة الثلثين، لا شك أن هذا من حيث النظر والقياس يعني له وجه، لكن ما قيمة النظر والقياس في مقابل النص؟ لا قيمة، وكذا قول من يقول: ننظر إلى الأقيام؛ لأن العبرة بالثلثين بالحساب، يعني لو أن شخصاً عنده ثلاث بيوت، وفي مرض موته، قال: هذه البيوت أوقاف، الثلاثة ولا يملك غيرهم، بيت بمليون، والثاني بخمسمائة ألف، والثالث بمائة ألف، هل نقول: نأخذ واحد أين كان ونترك الاثنين، أو ننظر إلى الأقيام؟ هل نقول: ينفذ تصرفه في البيت الكبير الذي يستحق مليون، أو الصغير الذي يستحق مائة ألف، أو ننظر إلى الوسط بخمسمائة ألف، أو ننظر إلى الأقيام ونقسهما على ثلاثة؟ لا شك أننا إذا نظرنا إلى مصلحة الوارث، ومصلحة من يستفيد من هذا الوقف فلا بد أن نحسب القيمة؛ ليكون انتفاع هؤلاء وهؤلاء على حد سواء، ما نقول: والله هاذولا ثلاثة، ثلاثة بيوت أو ستة بيوت نأخذ اثنين ونخلي أربعة مثل هؤلاء الأعبد، ننظر إلى القيمة، لكن ما ورد به النص ينفذ النص، قد يقول قائل: لماذا لا نقول: يوقف ثلث هذا البيت وثلث هذا البيت وثلث هذا البيت ويبقى الثلثان؟ يعني حينما يكون الوقف مستقل، والموروث مستقل ينتفع به أصحابه لا شك أن هذا أرفق بالجميع، وإلا ما فيه ما يمنع، أنه ينفذ وقفية ثلث هذا البيت وثلث هذا البيت ويرد الثلثان، لكن ما يقال: إنه يوقف هذا البيت، أو هذان البيتان من الستة، وإن كانت قيمتها تعادل الأربعة، بغض النظر عما جاء في الحديث، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الأمور كلها في نظره الدقيق -عليه الصلاة والسلام-، فرأى أن كل واحد يشكل ثلث القيمة مع ثلث العدد ويش المانع؟ وإذا أمكن أن يطبق ما في الحديث مع ما يدل عليه النظر هذا هو الأصل. قال بعد ذلك:

"وعن سفينة -رضي الله عنه- قال: كنت مملوكاً لأم سلمة، فقالت: أعتقك وأشترط أن تخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عشت" رواه أحمد وأبو داود والنسائي".

هذا الشرط في العتق سائغ، لو قال: السيد لعبده أعتقك بشرط أن تأتي إلي في كل صلاة توصلني إلى المسجد لا أريد غير هذا، أو أعتقك بشرط أن توصل الأولاد المدارس وترجعهم، وبعد ذلك أنت حر، يعمل بالشرط وإلا ما يعمل؟ يعمل بالشرط، لكن لو قال: أبيعك، أو أبيعه عليك بشرط أن يخدمني ما عشت، نقول: لا، نهى عن الثنية إلا أن تعلم، وهذا الشرط ينافي مقتضى العقد، لكن العتق من باب الإرفاق، ليس من باب المعاوضة، فيصح فيه الشرط المجهول، ويصح فيها الشرط وإن كان ينافي مقتضى عقد البيع؛ لأنه ليس بعقد معاوضة، هنا قالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عشت، يعني طلية حياتك تخدم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قد يقول قائل: إنه ما استفاد ما دام مشروطاً عليه أن يخدم يستمر رقيق، نقول: لا الشعور بالحرية غير، الأمر الثاني: أن الخدمة وقتها معلوم، وبقية الوقت يكون له، بصفته حر، بخلاف ما لو كان رقيقاً، ففي غير وقت الخدمة لا بد أن يؤذن له أن يتصرف، أما إذا كان حراً فلا يحتاج إلى إذن، فهو مستفيد، وإن شرط عليه أن يخدم، قد يقول قائل: إن هذا التصرف من أم سلمة، فيكون موقوفاً عليها، ولا يتم به الاستدلال، نقول: حصل بعلمه -صلى الله عليه وسلم-، واستمر سفينة يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هذا الكلام.

لو قال السيد لعبده: أعتقك شريطة أن تخدمني عشر سنين، متى يتم العتق؟ بعد تمام العشر، كأنه أعتقه عتقاً معلقاً بمضي عشر سنين، ولا يتم عتقه إلا إذا تمت العشر، هل نقول: إن سفينة لا يتم عتقه إلا بعد أن توفي الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو قال: على أن تخدمني عشر سنين، أو شريطة أن تخدمني عشر سنين، قالوا: لا يتم عتقه إلا بخدمته عشر سنين، وهنا أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عشت، هل نقول: إنه ما يعتق إلى أن يموت؟ يعني ما قالت: إن تخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عاش، قالت: ما عشت، معلوم أنه لا حاجة إلى العتق بعد الموت، فدل على أنه يعتق من وقته لكن مع الشرط.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما الولاء لمن أعتق)) متفق عليه في حديث طويل.

هو حديث بريرة في قصتها مع مواليها، أنها باعوها أو كاتبوها على تسع أواقي منجمة في كل سنة أوقية، فذهبت إلى عائشة تطلب منها العون على السداد، فقالت عائشة: إن أراد أهلك، أو إن أحب أهلك أن أعدها لهم نقداً، ويكون ولائك لي عددتها لهم، فذهبت إليهم قالوا: لا، تعدها لنا وولائك لنا، أخبرت عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((اشتريها واشترطي الولاء لهم)) الحديث تقدم، تقدم الحديث في كتاب البيع حديث بريرة في تمامه تقدم، اشتريها واشترطي الولاء لهم، اعتقيها واشترطي الولاء لهم، فلما فعلت خطب النبي -صلى الله عليه- قال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط، إنما الولاء لمن أعتق)) البائع والمكاتب ليست له منة، معاوضة وأخذ القيمة، لكن من أعتق دون مقابل هذا الذي له الولاء الذي يحصل به الإرث، فإنما حرف حصر تثبت الحكم للمذكور وتنفيه عما عداه.

((إنما الولاء لمن اعتق)) ليس لغيره ممن باع أو كاتب، إنما هو لمن أعتق، وأيضاً لا يوجد ولاء يحصل به التوارث في غير العتق، فإذا أسلم على يديه لا يرث، إذا أنقذه من غرق أو حرق لا يرثه، إنما الولاء خاص؛ لأن (إنما) للحصر خاص بمن أعتق، والحديث تقدم، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي مولاهم، إيش معنى مولاهم؟ لأن جده أسلم على يده يمان الجعفي، أسلم على يده، فقيل: مولاهم، لكن هل يثبت توارث بالإسلام على يديه؟ نعم يقول به بعض الحنفية والهادوية، يقولون: يثبت التوارث، فهو ولاء، فيكون قوله: مولاهم بالنسبة للبخاري على وجهه، ويمان الجعفي هو جد شيخ البخاري عبد الله بن محمد المسندي جده، وكثير ما يقال: مولاهم، وليس بولاء عتاقة، وإنما ولاء حلف، أو سكنى بينهم، أو إسلام، أو ما أشبه ذلك، أو يد له عليه يكون مولى له من حيث التقدير والاحترام لا ثبوت بقية الأحكام؛ لأن الولاء خاص بمن أعتق بمنطوق هذا الحديث.

ثم قال -رحمه الله تعالى-:

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب))

كلحمة النسب هل يستطيع أحد أن يبيع علاقته بعمه أو بأخيه أو بأبيه؟ هل يستطيع؟ لا يستطيع، فالولاء مثله، أعتقت رقيق فثبت ولاؤه لك، جاء شخص أعجبه هذا الرقيق، وقال: هذا ما شاء الله يجمع أموال الدنيا، هذا محترف، ويحتمل أن يكون إرثه كثير، وأنت ترثه بالولاء، أشتري منك الولاء، نقول: الولاء لا يباع؛ لأنه أمر معنوي، ولحمة كلحمة النسب، كما أن العلاقة لا تباع بين الولد ووالده وبين الأخ وأخيه، وبين العم وابن أخيه وهكذا، مثل هذا لا يباع، قال: مثل هذا إرث يؤول إلى المال، أنا أشتري..، الولاء.... إلا إرثه، يعني هذه اللحمة وهذا الانتماء المعنوي سوف يتحول إلى مادي، وأنا سأشتري منك هذا المال الذي سوف ترثه منه، نقول: هذا المال مجهول، ما يدرى يمكن في آخر لحظة من اللحظات ينسحق هذا المال كله، يخسر في تجارته، فهل البيع حصل على الولاء أو على المال؟ سواء كان على الولاء الذي هو أمر معنوي يستحق به المعتق كل تقدير واحترام ومعروف في رقبة هذا المعتق، هذا أمر معنوي لا يجوز بيعه، وهكذا الأمور المعنوية كأخذ المال على الجاه، توسط لك في دائرة من الدوائر، وقبل موضوعك، قال: هات، ما تعاقدت معه على أنه أجير يأخذ أجرة المثل إذا عمل هذا العمل، لا، شفاعة، قال: ما دام مشت أمورك فلي نصيب، فأخذ المال على الجاه مختلف فيه عند أهل العلم، لكن المرجح أنه لا يجوز؛ لأنه بسبب أمر معنوي.

((لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب)) كثيراً ما نسمع في المجالس عند من توجد لديهم القطيعة، إذا حُدث عن فلان عن عمه فلان، أو عن خاله فلان، أو عن ابن عمه فلان قال: نصيبي منه لك، إن كان هو معجبك فنصيبي لك، يملك؟ هل له نصيب حسي معروف؟ لكن لو ورثه وقبل أن يصفى المال، وهذا الإرث سوف يؤول إلى المال ويقدر بمال، ويتوقع أن يبلغ كذا، وأراد واحد من الورثة، أو السيد المعتق، المولى المعتق أراد أن يستعجل هذا الإرث، فأراد أن يشتريه أحد بما يباع به نسيئة، يقول: تبيع عليه نصيبك من فلان، إذا كان مجهول ولا يؤول إلى علم فهذا لا يجوز بحال؛ لأن من شرط المبيع أن يكون معلوماً، إن كان يؤول إلى علم أو نصيبه معروف محصور ويقدر بكذا، يقدر إرثه بعشرة ملايين، وهذه زوجة لها الثمن، مليون ومائتين وخمسين، لكن تقول: ما أنا بصابرة، حصر ورثة، والمحكمة، أقسم الميراث، تحتاج إلى أشهر، اللي يعطيني مليون خلاص يكفي، نقول: لا هذا مال بمال، هذا الربا، لكن لو قالت: أنا أريد عشر سيارات قيمتها مليون، فبذلها واحد لأنها تباع بها نسيئة ما في إشكال، لا إشكال في مثل هذا، لكن دراهم بدراهم مع عدم التماثل لا يجوز.

((الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب)) رواه الشافعي، وصححه ابن حبان والحاكم، وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ".

أصله في الصحيحين هل يصحح لأن أصله في الصحيحين؟ الذي في الصحيحين حديث عبد الله بن عمر: نهى عن بيع الولاء وهبته، هل يصحح: ((الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب)) باعتبار أن أصله في الصحيح "نهى عن بيع الولاء وعن هبته"؟ أحياناً يقال: أصله في الصحيح ولا يصحح، لما يوجد من الفرق في المعنى مما في الأصل مع ما في الفرع، وأحياناً يكون هناك اشتراك في المعنى، وإن اختلف اللفظ في الصحيح وفي غيره، في الأصل وفي الفرع، وأحياناً يكون ما في الفرع لا يوجد في الصحيح، قطعة لا توجد في الصحيح، بينما بقية القصة موجودة في الصحيح، هذه تعامل على أنها حديث مستقل، يحكم عليها بمفردها، يعني ذكر الشارح عن بعض السلف أنه يجوز بيع الولاء، ومنهم من جوز هبته، لكن الحديث حجة على الجميع، ومنهم من حمل النهي "نهى عن بيع الولاء وعن هبته" على التنزيه؛ لكن الأصل في النهي التحريم، المدبر والمكاتب وأم الولد، درس الغد -إن شاء الله تعالى-....

"
قال: إذا أعتق من العبد نصفه أو بعضه وفضل الجلوس على رق بعضه فماذا عن الأحكام الشرعية عليه والواجبات؟

يكون مبعضاً يرث ويورث، ويودى بقدر ما فيه من الحرية.
أقصد الحج وصلاة الجمعة وغيرها؟
هو باقٍ على رقه؛ لأن لسيده أن يمنعه، إلا إذا كان الوقت مناوبة بينه وبين سيده، يعني قسم الوقت بحيث يتمكن من صلاة الجمعة، فصار يوم الجمعة من نصيبه، فباعتباره حر تلزمه الجمعة، وإذا قال السيد: لا، الجمعة لي أنا أحتاجها، ورفض أن يمكنه فيكون في هذه الحالة حكمه حكم الرق ومثله الحج.

يقول: كيف تكون كفارة اليمين على التخيير مع أن عتق الرقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كل ذلك لا تتساوى قيمته المالية؟

ما يقرأ القرآن؟ هي على التخيير بين الثلاثة، وهي على الترتيب بين الثلاثة والصيام.

هذا يقول:

الله -سبحانه وتعالى- من سننه أن يهلك من عصى وحاد عن الطريق المستقيم، فذكر سبحانه أنه أهلك ثمود، والمؤتفكات وغيرهن، ولكن إهلاك عاد مغاير، حيث قال سبحانه: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [(50) سورة النجم] والعرب إذا ذكرت الأولى معناه أن هناك شيء آخر، يعني أخرى، وإلا لم يصبح ميزة لذكر الأولى، وكذلك قال سبحانه: {أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [(60) سورة هود] فهل معنى ذلك أن هناك عاد غير قوم هود لم يهلكهم الله؟
يعني الوصف أحياناً يكون له مفهوم، وأحياناً يكون الوصف كاشف، ولا مفهوم له، ويكون تصريح بما هو مجرد توضيح، فلا يكون له مفهوم، ولا يقال: إن هناك عاداً أخرى، ولا عاد قوم لغير هود، وإنما هو من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وكونه أولى يعني أنها متقدم زمنها، وزعم بعض المؤرخين في قول ضعيف ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية أن عاد وثمود بعد إبراهيم، وهذا قول ضعيف، مع قوله -جل وعلا-: {الْأُولَى} [(50) سورة النجم] فلعل المستند لمن قال بهذا القول: إنها عاد ثانية أخرى بعد عاد الأولى، ولكن هذا القول ليس بصحيح.
الطالب: ما يطلق -رعاك الله- على الأولى بمعنى المتقدمة؟
هذا المعنى إيه.

يقول: في حالة ورث الولد من الوالد أمة هل ينتظر حيضة من الأمة، وأيضاً في حالة إذا أشترى أحد أمة وانتظر محيضها، ولكن اكتشف أنها حامل، هل يرجع إلى مالكها الأول، أم ماذا يفعل؟

إذا ورث الولد من والده أمة وقد كان الوالد قد وطئها فإنه لا يجوز للولد أن يطئها، ولو لم تحمل من والده وتكون أم ولد، بمجرد وطء الوالد حرمت على الولد، أما إذا أشترى أمة وانتظر الاستبراء بحيضة فتبين أنها حامل هل يرجعها إلى مالكها الأول أم ماذا يفعل؟ أولاً: أن الولد نماء، لكن إذا كانت حاجته إلى الوطء عاجلة، بحيث لا يستطيع أن ينتظر تسعة أشهر، هو في الحقيقة نماء، والولد تبع لها، نماء متصل فهو تبع لها، لكن إذا كانت حاجته إلى الوطء العاجل أكثر من حاجته إلى الولد فإن هذا يكون عيباً ترد به، وإلا هو في الأصل ليس عيب، وإنما هو نماء يغتبط به.

يقول: إذا ورث الولد امرأة من والده -يعني أمة- هل تتعق من وفاته -وفاة الوالد- أم تنتقل إلى...؟

تنتقل لأنها مال بحكم سائر الأموال، ما لم تكن حاملاً أو أم ولد وضعت فإنها تتعق بموته، أما إذا كانت ليست أم ولد فإنها تورث كما يورث سائر الأموال.

يقول: نقل ابن رشد وابن قدامة وغيرهما الإجماع على استحباب السترة، وقال بعض أهل العلم بوجوب السترة فهل الإجماع منعقد على استحبابها؟

نعم يذكرون الإجماع باعتبار أن المخالف من أهل الظاهر لا اعتداد بقوله، وأن الإجماع ينعقد بدونهم، وكثير ما ينقل النووي الإجماع مع ذكره قول داود؛ لأنه يصرح بأنه لا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، فلا يعكر عليه ذكر خلاف داود؛ لأنه لا يعتد به، فعامة أهل العلم على أن السترة مستحبة، وإن جاء الأمر بها، إن صلى أحدكم فليستتر، والأصل في الأمر الوجوب، لكنه مصروف إلى الاستحباب عند عامة أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه صلى إلى غير جدار، قال ابن عباس: يعني إلى غير سترة.

يقول: هل للإمام أن يمكث بعد التفاته جالساً يسبح أم أن عليه أن يقوم من مكانه، وينتقل إلى مكان آخر بعد استغفاره؟

يمكث في مكانه، والملائكة تصلي عليه ما دام في مكانه، فما دام في مكانه فسائر المصلين الملائكة تصلي عليهم وتدعو لهم، ما لم يؤذ، ما لم يحدث.

يقول: هؤلاء الأسرى من الكبار بعدما صاروا عبيداً لدى أعدائهم السابقين ألم يهربوا من هذا الرق أو يقوموا بتدبير أذى ومكيدة لأسيادهم، وخاصة وحقد الكفار لا يزال في قلوبهم تجاه كل مسلم؟

أولاً: أن الأسير يوثق، يشد وثاقه حتى يؤمن جانبه، فإذا أمن جانبه ورأى الوضع عند المسلمين، واستقرت نفسيته، وألفهم تمنى أن يعيش بقية عمره أسير، ولا يرجع إلى قومه.

يقول: هل نقول: من أعتق نصيبه هل ينال أجر نصيبه ولو لم يسع بالباقي؟

على كل حال من أعتق كل شيء بقدره، لكن إن كان له مال فيلزمه تحرير باقيه، وإن لم يكن له مال فيستسعى العبد غير مشقوق عليه، فإذا كان السعي يشق عليه فإنه يبقى مبعض.

يقول: ما رأيكم في الكتب التالية: روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي؟

هذا من كتب الشافعية المحضة التي لا يشار فيها إلى خلاف، بل هي متخصصة في المذهب، مثل الإنصاف عند الحنابلة، يعني كتاب في اثني عشر مجلداً كالإنصاف تماماً، ولا يشير إلى المذاهب الأخرى، فهو كتاب متخصص في مذهب الشافعية، ومؤلفه النووي، وهو مأخوذ بجملته من الشرح الكبير، فتح العزيز للرافعي، مختصر منه، وفيه إضافات من النووي، وتنبيهات نفيسة، النووي إمام من أئمة الشافعية، وله يد وباع في الحديث، وله نفس لا شك أنه إلى العمل أكثر منه إلى العلم، يعني الرجل عالم ما يشك فيه في الفقه والحديث، ومع ذلك جانب العبادة عنده قوي، فيستفاد من كتبه -رحمه الله-.
عيون الأخبار لابن قتيبة؟
عيون الأخبار من كتب الأدب الأصلية التي ينبغي قراءتها لطالب العلم، لا سيما وهو أنظف بكثير من كثير من كتب الأدب، ابن قتيبة رجل عفيف، ما هو مثل الأصفهاني صاحب الأغاني ولا غيره، ولا مثل الراغب أيضاً، الراغب الذي له يد في القرآن وغريب القرآن، وله كتب نافعة، لكن كتابه محاضرة الأوائل، هذا فيه إسفاف شديد، قد يفوق الأغاني في هذا الباب، مع أنهم لهم وجهة نظر لكنها غير مقبولة، ابن الوردي قاضي ومفتي، ومع ذلك يقول حينما ألف كتاباً في الفرق بين الجواري والغلمان، قال: إنه قد استكثر هذا الكتاب من مثل قاضي ومفتي لكن هذا المستكثر وهذا العاتب لا يدري أن العلم شيء والأدب شيء آخر، هذا الكلام مردود، هذا هو الذي يردده من يريد فصل الدين عن نواحي الحياة، قريب منه جداً، إيش معنى الأدب؟ أنت ما تتدين بحلال وحرام في سائر أحوالك؟ لماذا تنقل مثل هذا الكلام؟ ومن أنظف كتب الأدب: زهر الآداب للحصري، زهر الآداب من أفضل كتب الأدب وأعفها، لكن ما سلم صاحبه من محقق الكتاب زكي مبارك، يقول: إن الكتاب أغفل جانباً مهماً من جوانب الأدب وهو المجون، وقال كلاماً يليق به، وقال: إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدى خالص، هذا كلام المجان الذين يروجون لمثل هذا الكلام، وهذه الأفعال.
العقد الفريد؟
كتاب أيضاً جامع في الأدب، ولا يخلو، ما هو مثل عيون الأخبار أو زهر الآداب، ما يخلو من بعض الأخبار التي يلاحظ عليها ما يلاحظ، يبقى أنه أعف من كتاب الأغاني لأبي الفرج، الأغاني على سوئه قد يستفيد منه العالم، أما طالب العلم فهو يعوقه عن تحصيل ما هو أهم منه، ويخشى من تضرره بقراءته، في كلام لأبي حاتم الرازي في الجرح في جبارة بن المغلس قال: بين يدي عدل، قال الحافظ العراقي: إنها لفظ تعديل، وينطقها بين يدي عدل، ثم جاء الحافظ ابن حجر فرأى أن التعديل ومن أبي حاتم بعيد كل البعد أن يكون لمثل جبارة والأئمة كلهم على تضعيفه، فبحث عن هذه الكلمة، أو هذه الجملة: "بين يدي عدل" قال: فوجدت في كتاب الأغاني أن القائد طاهر في عصر الدولة العباسية، الطاهر مشهور من قواد الدولة العباسية، وكان أعور، جالس على مائدة، وفيها من أولاد الرشيد –أظن- أسمه إبراهيم صغير، وهم على المائدة أخذ هندبة إما دباء أو شيء نحوه فرمى به طاهر، فضرب بها عينه السليمة، فشكاه على أبيه، فقال: إنه ضرب عيني السليمة، والأخرى بين يدي عدل، يعني تالفة هالكة، عوراء، فابن حجر لما قرأ هذا الكلام تبين له المراد، ثم قال: إنه تابع القراءة في كتب الأدب، فوجد في أدب الكاتب لابن قتيبة أن العدل بن سعد العشيرة كان على شرطة تبع، فإذا أراد تبع أن يقتل أحداً سلمه للعدل، فقال الناس: بين يدي عدل، يعني هالك، يعني استفدنا من هذه الكتب معرفة هذه الجملة التي هي بدلاً من أن تكون تعديل كما هو ظاهرها صارت من أسوأ مراتب التجريح.
فأقول: إن الكتب تفيد وتنفع، لكن متى تقف في كتاب من خمسة وعشرين مجلداً، وبعض الطبعات ثلاثين مجلد على مثل هذه الفائدة؟! أقول: هذه مصلحة وفائدة مغمورة في بحار ما فيه من السوء، لكن لا يخلو كتاب من فائدة، وأقول: طالب العلم لا ينبغي أن يضيع وقته في قراءة مثل هذا الكتاب، يعني طالب العلم لا بد أن يستجم، ولا بد أن يرتاح من معاناة العلم المتين إلى شيء من كتب الأدب أو التواريخ، لكن لا يستغرق في هذا الأمر، ويضيع جل وقته، وسنام وقته في مثل هذه الأمور، فلا هذا ولا هذا.
الطالب: والبيان والتبيين رعاك الله؟
البيان والتبيين من أصول كتب الأدب والجرح، والحيوان كذلك، هذه كتب مهمة جداً في الأدب، الأمالي لأبي علي القالي، وله شرح سمط اللآلئ، نفائس، وكتاب...، كتب الأدب كثيرة، لكن منها المهم الكامل للمبرد مع شرحه النفيس: رغبة الآمل من كتاب الكامل للمرصفي، هذه الكتب يستفاد منها، لكن لا ينبغي أن تكون على حساب ما طالب العلم بصدده من علم الوحيين، وما يعين على فهم الوحيين.
شرح السنة للبغوي.
هذا يسأل على كتب متنوعة، شرح السنة للبغوي شرخ مختصر ومفيد ومتين، يعني شرح من إمام لجمع كبير من أحاديث الأحكام، فهو كتاب نفيس ونافع، وشرحه باختصار يفيد ولا يأخذ وقت، مثل معالم السنن للخطابي، ما هو مثل الشروح المطولة مثل فتح الباري وغيره، يعني تقرأ هذا الكتاب، أو تقرأ مجلد من فتح الباري؟ يعني المدة واحدة.
المصنف لعبد الرزاق، والمصنف لابن أبي شيبة.
هذه كتب قيمتها في نقل فقه السلف؛ لأن جلها آثار، يعني فقه السلف مجموع فيها.
يقول: البخاري بشرح الكرماني.
إذا كان السؤال عن البخاري فالبخاري معروف، وأما شرحه شرح الكرماني فهو شرح متوسط، أطول من شرح الخطابي، وأخصر من فتح الباري وعمدة القاري، وفيه لطائف ونفائس تشجع وتحفز طالب العلم على متابعة القراءة.
عون الباري لصديق حسن.
هذا شرح للمختصر، شرح للتجريد الصريح، وأكثر من تسعين بالمائة من الكتاب مأخوذ من إرشاد الساري بحروفه.
كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد.
هذه من كتب العلل التي لا يستغني عنها طالب علم.
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر.
محمود شاكر ما هو بمحمود أبو فهر أخو الشيخ محمد، لا، محمود متأخر وموجود له: مواطن الشعوب الإسلامية، وله التاريخ الإسلامي في سلسلة طويلة، وتاريخ طيب، والرجل معتدل، يعني فيه شيء من الاعتدال.
نيل الأوطار للشوكاني.
عاد ما يحتاج إلى أن نتحدث عنه، الشوكاني إمام، ونفسه إلى الحديث أقرب، فيفاد منه، مع أنه فيه ما فيه، يعني ليس..، مثلما تأثره ببيئته الزيدية لا بد أن يتأثر الإنسان ببيئته، لكنه محسوب على أهل السنة في الجملة.
البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي يقول: أطلعت عليه وفيه....
هو من كتب الأدب، ويزيد على ذلك أن أبا حيان معدود من الزنادقة، يقول ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة -يعني في عصر الإسلام- المعري، والتوحيدي، وأيضاً؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
ابن الرواندي.