وقد أجبتم عليه في حلقة مضتْ، ولكن أشكل علي أن مقتضى الفعل الماضي أن يكون تأمين الإمام قد مضى وانتهى قبل تأمين المأموم، فهلَّا وضحتم الأمر -بارك الله فيكم-؟
كلام السائل صحيح، فمقتضى الماضي أن يكون الحدث وقع في الزمان الماضي، هذا هو الأصل، ولذا قيل له: ماضٍ، بخلاف المضارع، والمستقبل الذي هو الأمر، ولكن يُطلق ويقال: الفعل الماضي، ويُراد به الفراغ من الفعل كما هو الأصل، مثل: (ضرب زيدٌ عمرًا)، ضربه وانتهى، و(جاء بكرٌ)، حصل المجيء وانتهى، هذا الأصل في الماضي.
ولكن قد يُطلق الماضي ويُراد به إرادة الفعل، فهو لم يفعل بعد، مثل: «إذا دخل أحدكم الخلاء» [مسلم: 267]، يعني: «إذا أراد أن يدخل الخلاء»، كما في بعض الروايات الصحيحة [البخاري: 142]، ومثل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: 98]، أي: إذا أردتَ القراءة، يعني: قبل القراءة.
ويُطلق ويُراد به الشروع في الفعل، فقوله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا كبَّر فكبِّروا» [البخاري: 378] أي: إذا فرغ من التكبير كبِّروا، لكن قوله: «إذا ركع فاركعوا» [البخاري: 378] هل نقول: إذا فرغ من الركوع اركعوا، أو نقول: إذا أراد الركوع فاركعوا؟ لا، بل إذا شرع في الركوع اركعوا، فيُطلق الفعل الماضي ويُراد به الشروع في الفعل، ومنه «إذا أَمَّن» إذا شرع في التأمين «فأَمِّنوا» [البخاري: 780]. ويرجِّح ويعيِّن هذا المعنى قوله في رواية البخاري ومسلم: «إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين» [البخاري: 782 / ومسلم: 415]، وعند مسلم «إذا قال القارئ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال مَن خلفه: آمين» [410]، ومقتضى ذلك أن يقول هو أيضًا: (آمين)؛ ليقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة دفعةً واحدةً، فهذا الذي يُعيِّن المعنى من بين المعاني الثلاثة التي يُطلق الماضي ويُراد بها: الفراغ منه كما هو الأصل، أو إرادة الفعل كما مثَّلنا، أو الشروع في الفعل كما هنا، وكما في «إذا ركع فاركعوا»، فلا يمكن أن يقال: إذا فرغ من الركوع، ولا يمكن أن يقال: إذا أراد الركوع، وإنما يقال: إذا شرع في الركوع اركعوا. ولا يعني هذا موافقة الإمام في بداية الركوع، بل يعني إذا قال: (الله أكبر) فكبِّروا للركوع، واشرعوا فيه كما شرع فيه؛ لاستحالة أن يُراد إذا فرغ من الركوع، أو إذا أراد أن يركع، فهذا المعنى متعيِّن، وهو هنا في موطن السؤال متعيِّن، والله أعلم.