الهَم المذكور هو ما ورد في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في (صحيح البخاري) عن النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه –عزَّ وجلَّ- -ومثل هذا يُسمى الحديث القدسي-، قال: قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، ومَن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئةً واحدة» [6491]، وهذا فضل الله –جلَّ وعلا-، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، والسيئة واحدة؛ ولذا يقول بعض أهل العلم: خاب من فاقتْ آحاده عشراته، آحاده أي: السيئات فهي غير مضاعفة، السيئة بسيئة، والحسنات الواحدة بعشر، ومع ذلك تفوق السيئات على الحسنات هذا عين الخيبة والحرمان والخسران.
المقصود أن الإشكال في الهَم، والهَمُّ مرتبة من مراتب القصد.
مَرَاتِبُ الْقَصْدِ خَمْسٌ: هَاجِسٌ ذَكَرُوا |
|
فَخَاطِرٌ، فَحِديثُ النَّفْسِ، فَاسْتَمِعَا |
يَلِيهِ هَمٌّ، وَعَزْمٌ، كُلُّهَا رُفِعَتْ |
|
إلا الْأَخِيرَ فَفِيهِ الإثمُ قَدْ وَقَعا |
الأخير: العزم، فإذا عزم كُتِبتْ عليه السيئة، وأما ما قبل ذلك فليس فيه إثم حتى يعمل، ومنه الهَم.
والإشكال عند السائل: كيف يعرف الملك هذا الهَم مِن هذا العبد وهو لم يظهر إلى الوجود؟ فهل يعلمون ما في قلوب الناس أنهم يَهِمُّون بكذا ولم يفعلوه؟ لا يمنع أن يكون الله –جلَّ وعلا- يُطلعهم على ذلك، أو يُعطيهم من القدرة ما يستطيعون به ذلك.
في (مجموع الفتاوى) لشيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: (فالملك يعلم ما يَهِمُّ به العبد من حسنةٍ وسيئة، وليس ذلك من علمهم بالغيب الذي اختصَّ الله به، وقد روي عن ابن عُيينة أنهم يشمون رائحةً طيبة فيعلمون أنه همَّ بحسنة، ويشمون رائحةً خبيثة فيعلمون أنه همَّ بسيئة، وهُم وإن شموا رائحةً طيبة ورائحةً خبيثة، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل ما في قلب ابن آدم يعلمونه، بل ويُبصرونه، ويسمعون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذِكره، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيُزينها له، وقد ثبت في الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث ذِكر صفية –رضي الله عنها- «أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» [البخاري: 2039]، وقُرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنًا أو كافرًا)، والله أعلم.