شرح الموطأ - كتاب الجنائز (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
باب: الصلاة على الجنائز في المسجد:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت عائشة: ما أسرع الناس، ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: صلي على عمر بن الخطاب في المسجد.
"باب: الصلاة على الجنائز في المسجد"
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر" سالم بن أبي أمية "مولى عمر بن عبيد الله" القرشي التيمي "عن عائشة" زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله تعالى عنها- أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد" سعد بن أبي وقاص بن مالك الزهري، أحد العشرة المبشرين، وآخرهم موتًا، حين مات في العقيق سنة خمسٍ وخمسين، وحمل إلى المدينة على ما سيأتي، أمرت أن يمر عليها به لتدعو له في المسجد، لتدعو له، لماذا لا تدعو له وهو بعيد؟ لا شك أن الدعاء من قرب أقرب إلى الاستحضار، فإذا دعت له بحضرة جنازته استحضرت ولم تنشغل عن الدعاء بشيء "فأنكر ذلك الناس عليها" عائشة أمرت أن يمر عليها لتدعو له، هل المراد بذلك الدعاء له بالرحمة والمغفرة، أو لتصلي عليه فيكون المراد بالدعاء هنا الصلاة؟ تطلق الصلاة ويراد بذلك الدعاء، ويطلق الدعاء ويراد به الصلاة، جاء في الحديث في إجابة الدعوة ((من كان مفطرًا فليطعم، ومن كان صائمًا فليصلِّ)) يعني يدعو، وإن قال بعضهم: إنه يصلي ركعتين ويمشي، لكن الأكثر على أنه يدعو، وهنا تقول: أمرت أن يمر عليها لتدعو له، احتمال أن يكون مجرد الدعاء، والدعاء بحضرة الجنازة لا شك أنه أقرب وأبعد عن الغفلة، أو المراد بالدعاء هنا الصلاة، وفي صحيح مسلم عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما توفي سعد أمر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمر بجنازته في المسجد فيصلين عليه، وهذا هو المناسب للترجمة أن المراد بالدعاء الصلاة؛ لأن الترجمة: باب: الصلاة على الجنائز في المسجد "فأنكر ذلك الناس عليها، فقالت عائشة: ما أسرع الناس" يعني أن نسوا السنة، أو ما أسرعهم إلى الإنكار، ينكرون ما لا علم لهم به، أو ينسوا السنة "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن بيضاء" هذه أمه، لقبها البيضاء؛ لأنها كانت بيضاء، واسمها: دعد، وأبوه وهب بن ربيعة القرشي، قد مات سنة تسع "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد"، وفي مسلم: "إلا في جوف المسجد".
وكره بعض العلماء الصلاة على الميت في المسجد لما يخشى من تلويثه؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- آذنهم وأعلمهم ونعى لهم النجاشي وخرج بهم إلى المصلى، وعرفنا أنه خرج بهم إلى المصلى ليشتهر أمر النجاشي؛ وليعلن إسلامه لأن كثير من المسلمين لا يدري هل هو أسلم أم لا؟ وليكثر الجمع عليه لما قدمه من أيادٍ في خدمة هذا الدين، فهو رد نافع لهذه الأمة، والحديث وإن كان منقطعًا عند جمهور رواة الموطأ إلا أنه موصول في صحيح مسلم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: صلي على عمر بن الخطاب في المسجد" وروى ابن أبي شيبة أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبًا صلى على عمر في المسجد، في ذلك دليل على جواز الصلاة على الميت في المسجد، وأما ما يخشى من احتمال تلويث المسجد فهذا احتمال ضعيف مع أنه يحتاط لهذا عند الغسل، فتعمل كافة الاحتياطات، بحيث لا يخرج شيء منه بعد الغسل, وعلى كل حال السنة الثابتة في جواز الصلاة على الميت في المسجد، ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وفعل صحابته من بعده.
سم.
باب: جامع الصلاة على الجنائز:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- وأبا هريرة -رضي الله عنه- كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة الرجال والنساء، فيجعلون الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه.
وحثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر، قال يحيى: سمعت مالكًا -رحمه الله- يقول: لم أر أحدًا من أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنا وأمه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الصلاة على الجنائز"
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عثمان" أمير المؤمنين، ثالث الخلفاء الراشدين، مناقبه أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- "وعبد الله بن عمر وأبا هريرة -رضي الله عنهم- كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة" يعني يصلى على أكثر من جنازة في وقت واحد صلاة واحدة فتجزئ عن صلاة على كل واحد على حدة، يصلون على الجنائز مرة واحدة، ولا خلاف في جواز ذلك.
هذا يسأل عن التكبيرات رفع اليدين مع تكبيرات صلاة الجنازة؟
هو ثابت عن ابن عمر موقوف عليه، والمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ضعيف، بل شديد الضعف، ويعارض فعل ابن عمر فعل ابن عباس -رضي الله عنهما-، على كل حال الأكثر على أن اليدين ترفعان، كونه ثبت عن ابن عمر الصحابي المؤتسي المقتدي صح عنه ذلك، فالمرجح رفع اليدين.
إذا صلي على الميت في المسجد ثم صلي عليه عند المقبرة فهل لمن صلى عليه في المسجد أن يصلي عليه مرة ثانية في المقبرة مع جماعة أخرى؟
ليس له أن يصلي، إذا صلى عليه مرة يكفي.
يقول: "فيجعلون الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة" وعلى هذا أكثر العلماء، وقال ابن عباس وأبو هريرة وأبو قتادة: هي السنة، ومعلوم أن الصحابي إذا قال: السنة أو من السنة أنه مرفوع حكمًا، فيقدم الرجال ثم الصبيان الأحرار ثم العبيد ثم النساء، هذا الترتيب عند أهل العلم، الأكمل فالأكمل، ثم إذا وجد أكثر من واحد من نوع واحد يقدم الأفضل فالأفضل، يعني لو وجد عشرة رجال مثلًا من يقدم منهم؟ يقدم الأفضل فالأفضل منهم، وقال الحسن وسالم والقاسم: إن النساء مما يلي الإمام، والرجال مما يلي القبلة مأخذ هذا؟ نعم؟ نعم جهة القبلة أشرف فيقدم لها الأكمل، جهة القبلة أشرف؛ ولذا الصف الأول أفضل من الثاني، فإذا قدمنا الرجال كأنهم صاروا في الصف الأول، والنساء أخرناهن كأنهن كن في الصف الثاني، وهذا وضعهن في صلاتهن خلف الرجال، فليكن الحكم كذلك في الصلاة عليهن، وقد يسمع الكلام لأول مرة يستغرب، النساء هن الذين بعد الإمام مباشرة، هذا له وجه، لكن جماهير أهل العلم على أن المقدم في هذا مما يلي الإمام الرجال، ولو جئنا إلى عكس ما قاله أولئك الذي يلي الإمام الصف الأول الذي هو الأكمل من الخلف، فليكن الذي يليه من الأمام هو الأكمل، يعني إذا كانت المسألة مجرد التماس علل، فإذا قال أولئك: إن جهة القبلة أشرف فليكن الرجال أحق بها، والنساء وضعهن خلف الرجال مما يلي الرجال، فليكن في الصلاة عليهن كذلك، نقول: إن الأكمل والأتم في الصفوف الذي يلي الإمام من خلفه فليكن الذي يلي الإمام من أمامه أكمل أيضًا، والعبرة في هذا النقل.
"فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة" ويقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه" يسلم سلام التحليل من الصلاة التي افتتحها بالتكبير حتى يسمع من يليه، يعني كغيرها من الصلوات، وكذا كان يفعل أبو هريرة وابن سيرين، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي يجهر بالتسليم، ويروى عن مالك رواية أنه يسر بالتسليم، وبه قال الشافعي، إذًا كيف نعرف أن الإمام انتهى من صلاته على الجنازة؟ بانصرافه، يعلم تمام الصلاة بانصراف الإمام على قولهم بالإسرار، وإلا فالقول المعتمد في المسألة هو الجهر بالتسليم كالجهر بالتكبير.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر" يعني من الحدثين، وبهذا قال جماهير أهل العلم، بل نقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك إلا ما يروى عن الشعبي، فالشعبي جوز صلاة الجنازة من غير طهارة، والجمهور دليلهم: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا تقبل صلاة من غير طهور)) وهذه صلاة، لها جميع أحكام الصلاة، جوز شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- التيمم لمن خشي أن ترفع الجنازة، وجهة نظره -رحمه الله- أنه بديل عن الطهارة والطهارة لا يتمكن منها في الوقت المناسب المطلوب؛ لأنها لا يمكن أن يتطهر الطهارة الكاملة بالوضوء، فلما لم يستطع أن يتطهر بالوضوء يعدل إلى البدل وغيره لا يرون ذلك، لماذا؟ لأنه مع القدرة على استعمال الماء لا يصح التيمم، وذكرنا في أول الكتاب في المفاضلة بين الشروط بين الوقت والطهارة، وقلنا: إن رأي مالك تقديم الوقت عن الطهارة خلافًا للجمهور، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى رأي مالك، وهذا عند التزاحم والمسألة سبقت.
على كل حال إذا كان يدرك القيراط بالطهارة الكاملة لا يسوغ له بحال، لكن إذا خشي، يقول: صلاة بطهارة ناقصة أفضل من لا شيء؛ لأنه بين أن يصلي بالتيمم أو لا يصلي، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عنده أقوال لا شك أنها تنبئ عن إحاطة وإدراك لمقاصد الشريعة، وفهم ثاقب، لكن يجبن عنها كثير من الناس، إذا ضاف قومًا وهذا البيت مملوء من النساء مثلًا، شخص ضاف قومًا نزل عند قوم، وفيه خليط من الرجال والنساء الكبار والصغار فاحتلم وخشي أن يتهم، شيخ الإسلام يجوز له التيمم، لكن هل يقول بهذا أحد؟ هل يستطيع أن يجرؤ أحد يقول بهذا القول؟ هل يستطيع أحد أن يقول: تطوف الحائض إذا خشيت فوات الرفقة وحبسهم؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟)) لا شك أن شيخ الإسلام عنده من العلم ما يجعله يقدم على مثل هذه الأقوال، عنده علم وفهم لمقاصد الشرع، وعنده أيضًا لهذه المسائل نظائر وأقيسه تجعله يقول بهذا القول، وهذا ظاهر في كل من تضلع من العلم تكون له مثل هذه الأقوال التي ترى في بادئ الأمر أنها شواذ، فإذا اجتمع عند المرء سعة إطلاع، وقوة علم وقوة حفظ وفهم وإدراك وإحاطة لا شك أنه سوف يوجد عنده مثل هذه الأقوال، لكن لا يعني أنه معصوم كل ما يقوله هو الصواب، ما يلزم، على الإنسان أن يكون وقافًا عند النصوص، وأهل العلم يؤكدون على أنه إن أمكنك ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل، لكن إذا أعياك الأمر ولا وجدت، ما بقي في المسألة إلا اجتهاد فاجتهد إن كنت من أهل العلم، نعم؟
نعم هذه مسألة مهمة تحصل كثيرًا، لا سيما في الحرمين أو الحرم المكي الذين يتأخرون عن صلاة الجنازة والإعلان عنها، صلى الفريضة وبعد أن انتهى من الأذكار كبر للراتبة، ثم قيل: الصلاة على الميت، وشرع الإمام في الصلاة عليه. هل يقطع النافلة التي وقتها موسع ويصلي على الجنازة التي تفوت أو يستمر امتثالًا لقوله -جل وعلا-: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] هو يقطع النافلة للفريضة ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) يقطع النافلة فهل يقطعها لصلاة الجنازة إذا خشي فواتها؟
لا شك أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يدرك منها شيئًا ولا تكبيرة أنه يقطع النافلة في وقتها الموسع.
"وحثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر" لكن من فاتته صلاة الفريضة وجاء وكبر للفريضة، ثم أعلن عن صلاة الجنازة وكبر عليها وشرع بها لا يجوز له أن يقطع الفريضة، هم يقولون: إن قلب منفرد فرضه نفلًا يقلبها نفلًا في وقتها المتسع يجوز عندهم، يقلبها نفلًا إذا غلب على ظنه أنه يدرك الجماعة وإلا فلا يجوز.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر"
قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: لم أر أحدًا من أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنا وأمه" لأنهما من جملة المسلمين، يقول ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافًا تبعًا لإمامه، لكن قال قتادة: لا يصلى عليه، يقول قتادة: لا يصلى على ولد الزنا، لكن قول الجماهير يصلى عليه هو واحد من المسلمين ولا ذنب له، هناك من المسلمين من لا يصلى عليه البتة، ومنهم من لا يصلي عليه الإمام وعلية القوم ويترك الصلاة عليهم لذويهم ومعارفهم، ومن أراد من عامة المسلمين، وهذه المسألة لأهل العلم فيها أقوال كثيرة، منهم قاتل نفسه والغال وقاطع الطريق والمحارب، المقصود هناك من الأموات من صرح أهل العلم بأنه لا يصلي عليهم الإمام، ومنهم من لا يصلى عليه البتة كالشهيد، نعم لا يصلى عليه، شهيد المعركة، ويأتي ما قاله أهل العلم بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- هل صلي عليه أم لم يصلَّ عليه؟
سم.
باب: ما جاء في دفن الميت:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذًا، لا يأمهم أحد، فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه)) فحفر له فيه، فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه فسمعوا صوتًا يقول: "لا تنزعوا القميص" فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: كان بالمدينة رجلان أحدهم يلحد، والأخر لا يلحد فقالوا: أيهما جاء أول عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالكٍ أنه بلغه أن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول: ما صدقت بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت وقع الكرازين.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: رأيت ثلاث أقمار سقطن في حجري حجرتي، فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودفن في بيتها قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك وهو خيرها.
وحدثني عن مالك عن غير واحدٍ ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل -رضي الله تعالى عنهما- توفيا بالعقيق وحملا إلى المدينة، ودفنا بها.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ما أحب أن أدفن بالبقيع؛ لأن أدفن بغيره أحب إليّ من أن أدفن به، إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه، وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في دفن الميت" حكم دفن الميت معروف، حكم التكفين والصلاة وحمل الميت ودفنه كلها فروض كفايات، لا بد منها، يأثم من علم بحال الميت بحيث يدفن من غير تكفين أو يدفن من غير صلاة أو لا يدفن، فإذا قام به القدر الكافي سقط هذا الوجوب على الجميع، صار في حكم المشارك سنة.
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين" وهذا كما في الصحيح عن عائشة وأنس، ولا خلاف فيه بين العلماء، وأن ذلك لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة "ودفن يوم الثلاثاء" توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب، والمشهور عند الجمهور أنه دفن يوم الأربعاء، والسبب في تأخير دفنه -عليه الصلاة والسلام- اشتغال في أمر البيعة حتى استقر الأمر على الصديق، ولا شك أن وجود النبي -عليه الصلاة والسلام- بين أظهرهم أقطع للخلاف، وأبعد للنزاع وإن كان ميتًا -عليه الصلاة والسلام-، لما له من الهيبة، فلا يرفع الصوت بحضرته حيًّا وميتًا، فتأخيرهم الدفن لكي يكون باعثًا لهم على سرعة الاستخلاف كون الجنازة تؤخر، وهناك أمور مختلف عليها يقال: تترك هذه الجنازة حتى ننتهي؛ لأنها لو دفنت صارت هذه الأمور على التراخي، ومن أعظم ما يختلف فيه بعد موت الإمام الخلافة من بعده.
"وصلى الناس عليه أفذاذًا" يعني أفرادًا أرسالًا "لا يؤمهم أحد" روى ابن سعد عن علي قال: هو إمامكم حيًّا وميتًا فلا نقدم عليه أحد، قال الباجي: اختلف في الصلاة عليه فقال بعض الناس: لم يصلَّ عليه، وإنما يأتي الرجل والرجال فيدعون له ويترحمون عليه "صلى الناس عليه أفذاذًا" يعني دعا له الناس صلاة لغوية، وهذا له وجه، وجه ذلك لأنه أفضل من الشهيد والشهيد لا يصلى عليه، الشهيد تكفيه الشهادة عن الصلاة عليه، والجمهور وهو الصحيح فيما قاله عياض وغيره: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلوا عليه صلاة شرعية حقيقية لا مجرد الدعاء فقط، وكون الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه لا يعني أن غيره لا تطلب له مزيد الرفعة، والدرجة بالصلاة عليه، والمسألة مسألة دين وشرع فيه نصوص، كون الشهيد لا يغسل لئلا يذهب هذا الدم الذي يشهد له يوم القيامة، وطيب رائحته يدل عليه، فمثل هذا لا تنبغي إزالته، فالشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه، وهكذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بشهداء أحد وغيرهم.
طالب:........
لكن ما هو بشهيد معركة، هو أعظم من الشهيد -عليه الصلاة والسلام-، لكن لو مات شهيد فالمبطون والمطعون والغريق كلهم شهداء، والمقتول دون نفسه، دون ماله، دون عرضه، شهداء، لكن... نعم؟
طالب:........
هذا قيل به يدعون له ويترحمون عليه، لكن الصحيح ما ذكره القاضي عياض عن الجمهور أنه صلاة حقيقية، لا هو الباجي قال: قال بعض الناس: لم يصلّ عليه، وإنما كان يأتي الرجل والرجال فيدعون له ويترحمون عليه صلاة لغوية، على كل حال الاحتمال هذا في مثل صلاته -عليه الصلاة والسلام- على شهداء أحد بعد ثمان سنوات كالمودع لهم، منهم من يقول: إن هذه صلاة لغوية مر عليهم ودعا لهم -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إنها صلاة شرعية، وهذه خاصة بهم، وإلا فالأصل أن الشهيد لا يصلى عليه.
"لا يأمهم أحد فقال ناس: يدفن عند المنبر" لأنه روضة من رياض الجنة "وقال آخرون: يدفن بالبقيع" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اختاره لأصحابه "فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني الخلاف قد يوجد من الناس اقتراحات وخلافات كذا وكذا، لكن الذي يحسم المواقف النص "فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه))" وروى الترمذي عن أبي بكر مرفوعًا: ((ما قبض الله تعالى نبيًّا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه)) "فحفر له فيه، فلما كان عند غسله -عليه الصلاة والسلام- أرادوا نزع قميصه" لأن هذه سنة الغسل عندهم على ما تقدم بحثه وتقريره "فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص وغسل وهو عليه" -عليه الصلاة والسلام- وتقدم هذا.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" هذا عند أبي داود وغيره، هذا الحديث مخرج عند أبي داود عن عائشة، وابن ماجه عن بريدة وغيرهم.
طالب:........
مفرق، المقصود له ما يشهد له، جمله كلها لها ما يشهد لها، نعم؟
طالب:........
هم سمعوا هاتف، يسمعون صوته ولا يرون أحدًا.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" هذا وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه "عن عائشة أنه قال: كان في المدينة رجلان أحدهم يلحد" وهو أبو طلحة زيد بن سهل "والأخر لا يلحد" وهو أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكل على ما عهد عليه الأمر في بلده، الأنصار يلحدون، أهل المدينة يلحدون، وأهل مكة لا يلحدون "والأخر لا يلحد -وهو أبو عبيدة- فقالوا: أيهما جاء أولُ" ممنوع من الصرف للوصف ووزن أفعل، ويجوز صرفه ونصبه على الظرفية أولًا "أيهما جاء أول عمل عمله" فإن جاء أبو طلحة لحد له -عليه الصلاة والسلام-، وإن جاء أبو عبيدة لم يلحد له -عليه الصلاة والسلام-، "فجاء الذي يلحد أول" أبو طلحة "فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ولا شك أن اللحد أفضل لحديث سعد عند مسلم: "ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليّ اللبن نصبًا كما فعل برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني ما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.
روى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا: ((اللحد لنا، والشق لغيرنا)) لكن المراد بغيرنا كما قال الزين العراقي: أهل الكتاب، والحديث فيه ضعف، وعلى تقدير ثبوته ليس فيه نهي عن الشق، إنما فيه تفضيل اللحد والإجماع على جواز الأمرين، وإن كان اللحد أفضل، لكن قد لا يتسنى اللحد، تكون الأرض رخوة لا يمكن لحدها وحينئذٍ يعدل عن ذلك إلى الشق.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أم سلمة هند بنت أبي أمية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول: ما صدقت بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت وقع الكرازين" تعني المساحي، لما أدخل في قبره وأهيل عليه التراب صدقت، وهذا شأن كل من يفقد محبوبًا ما يصدق أنه مات من هول المصيبة، وتجد هذا الشخص من فقد حبيبه يتصور دخوله عليه في كل يوم، يأخذ أيامًا إلى أن يدب اليأس إلى قلبه، ثم يصدق ويرضى بالواقع، فكيف بأشرف الخلق -عليه الصلاة والسلام-؟! ما صدقوا بموته، الصحابة طاشت عقولهم من هول المصيبة حتى أنكر ذلك عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، رغم ما جبله عليه من علم وعقل ورأي وقوة قلب، لكن في مثل هذه المواقف يظهر الأفضل، وإن كان الجميع فضلاء، وظهر في هذا الموقف فضل الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- "حتى سمعت وقع الكرازين" يعني المساحي، يقول ابن عبد البر: لا أحفظ عن أم سلمة متصلًا، وإنما هو عن عائشة، الذي عندنا في الكتاب أن أم سلمة، والذي ذكره ابن عبد البر وهو مخرج عند ابن سعد من قول عائشة، رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عبد الله بن موهب كذا، والصواب عثمان عن أم سلمة فهو وارد عن أم سلمة وعن عائشة -رضي الله عنهما-، يقول العبودي في رحلاته الكثيرة: أنه شاهد في الهند شخصًا معه جنازة يحملها على سيكل –دراجة- ومعروف أن هناك الزحام الشديد، وعلى دراجة نازل على دراجة لو وضعت بالعرض تأذت وآذت، فجعل لها مثل ما يجعل للكسير جباير، ووقفها بالطول هكذا معه، أنت تريد أن يدفن هكذا؟ نعم؟
طالب:.......
الجهل الجهل، في هذه المقبرة امرأة دفنت فكان واحد من الذين حضروا الدفن يقترح عليهم أن تجعل على ظهرها مستلقية ووجهها مكشوف لكي ترى السماء، ما أدري هي تريد تبقى مكشوفة وإلا...، متر من التراب كيف ترى السماء؟ ونسب ذلك إلى أحد العلماء المعاصرين، وهذا ليس بصحيح.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك بن سعيد أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري" هذه راوية يحيى، وفي رواية ابن القاسم: "حجرتي"، "فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق" على أبيها؛ لأنه عنده علم بالتعبير، تعبير الرؤى، "قالت: فلما..." ما رد عليها؛ لأنه عرف تأويلها وتأويلها مما تكرهه، وهكذا ينبغي إذا كانت الرؤيا لا تحمل بشارة للرائي فالأولى صرفه عنها، وعدم تأويله لها، لكن وقعت هذه الرؤيا، نعم تعبيرها وقع "فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودفن في بيتها" يعني أدنى شخص تقال له هذه الرؤيا لا يتردد في تأويلها، وأنها أمر مكشوف، لكن قبل موتهم صعب، تأويلها صعب إلا من صارت له يد في هذا الباب "قالت: فلما توفي رسول لله -صلى الله عليه وسلم- ودفن في بيتها قال لها أبو بكر: هذا أحد أقماركِ" يعني الذي رأيتِ في الرؤيا "وهو خيرها" وفيما كانوا عليه في الرؤيا، واعتقاد صحتها، ويكفي أنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، لها أصل في الشرع؛ ولذا يسعى بعض الناس إلى منع تعبيرها ما له أصل في الشرع لا يمكن منعه، نعم أسيء استخدامها، وتوسع في أمرها، يعني كالرقية، ولكل منهما أصل في الشرع، بعض الناس يطالب بمنع جميع الذين يرقون الناس؛ لأنه وجد بعض الناس يستخدم هذا الأمر استخدامًا غير طيب، ومثله الرؤيا الشيء الذي ليس له أصل في الشرع لا يمكن منعه، لكن يمكن مراقبته والحد منه، أما كل رؤيا تؤول فهذا ليس بصحيح، وكل إنسان يتصدى كل من أراد أن يلج أبواب الشهرة وأبواب الغناء يرتكب هذا الأمر أو ذاك، وإن كان ليس عنده أدني علم بهذه الأمور، المريض يستمسك بأدنى شيء، والفزع من رؤيا يراها إذا أولت له انبسط فيشتهر بعض الناس بارتكاب أحد هذين الأمرين، ولا شك أن لهما أصل في الشرع، فالمنع بالكلية غير وارد، ولا مانع من أن تراقب هذه الأمور فمن أساء استخدامها يمنع، نعم؟
طالب:........
قد يحصل قضايا من شخص من الأشخاص أو من أشخاص بأعيانهم تجعل لولي الأمر أن يمنعها، وما المانع؟ ما فيه ما يمنع من منع من يستخدم الأمر الشرعي على غير وجهه أبدًا.
كيف؟
طالب:........
معروف، يظهر، ينكشف، بعضهم عبر الرؤيا بما يشبه أفعال السحرة، يعني هل يستدل مهما قلنا بمعرفة المعبر أو العابر هل يستدل بشيء من الرؤيا على معرفة الملابس الداخلية؟ أقول: التوسع في هذا الباب ليس بمرضٍ إطلاقًا، وله أصل في الشرع فالمنع منه بالكلية ليس بمرضٍ أيضًا.
يقول: "حدثني عن مالك عن غير واحد ممن يثق به" هذا تعديل على الإبهام، والجمهور على أنه غير مقبول، إذا قال: حدثني الثقة، حدثني من أثق به، لا يقبل حتى يسميه فيعرف للناس هل هو بالفعل ممن يثق به أو لا، وأطلقها جمع من أهل العلم لما وقف على أعيانهم عرف أنهم ليسوا ممن يوثق به، الشافعي يقول: حدثني من لا أتهم، ومالك يقول: حدثني من أثق به، لا يقبل هذا على إطلاقه، فلا بد من التسمية لينظر في أمره وحاله، قد يكون عنده ثقة لكن عند غيره ليس بثقة، قد يكون اغتر به فوثقه، قد يكون نظر إليه من جهة لا تؤثر عند غيره في التوثيق، المقصود أن مثل هذا لا يكفي، بل لا بد من التسمية.
ومبهم التعديل ليس يكتفي |
|
به الخطيب والفقيه الصيرفي ج |
المقصود أن مثل هذا لا بد أن يسمى، منهم من يقول: إن هذا لازم لمن يقلد هذا الإمام، المالكية يلزمهم أن يعتمدوا توثيق مالك ولو لم يسمه، الشافعية يلزمهم أن يعتمدوا توثيق الشافعي ولو لم يسمه، لكن هل يعتمد البيهقي أو النووي أو ابن حجر أو غيرهم من الشافعية قول الشافعي: حدثني من لا أتهم في إبراهيم بن أبي يحيى، لا يمكن، متروك إبراهيم بن أبي يحيى، لكن هو نظر إليه من جهة، أو قاله في حديث بعينه مما ضبطه وأتقنه، المقصود أن هذه المسألة المعتمد عند أهل العلم أنه لا يكفي التعديل على الإبهام.
"أن سعد بن أبي وقاص" آخر العشرة موتًا، سنة خمس وخمسين، "وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل" أيضًا أحد العشرة، توفي سنة خمسين "توفيا بالعقيق" كل في سنة موته، ما توفيا دفعة واحدة، وهو موضع قرب المدينة "وحملا إلى المدينة" وكل بعد موته، يعني ما حملا دفعة واحدة، لم يتوفيا دفعة واحدة، ولا حملا دفعة واحدة، بل حملا بعد موتهما "ودفنا بها" ويحتمل أن النقل لكثرة من كان بالمدينة من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما، أو لفضل اعتقد في الدفن بالبقيع، أو لكي يقرب الأمر على أهلهما لزيارتهما، المقصود أن المقاصد كثيرة، وهذا إذا وجد مثل هذه الأسباب جاز نقل الميت من بلد إلى آخر، ما لم يترتب عليه التأخير الذي يخالف الأمر بالإسراع بالجنازة، والمسألة...، نعم؟
طالب:.......
لو أوصوا ولا يترتب على هذا تأخير وهو في بلد إسلام أو بلد كفر، بلد الكفر ينقل إلى بلاد الإسلام أما بلاد الإسلام فلا يختلف الأمر لا سيما إذا ترتب على ذلك تأخير للدفن، والعلماء يختلفون في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، قال بعضهم: يكره، وصرح بعضهم بالكراهة لما فيه من التأخير، تأخير الدفن، وقيل: يستحب، حسب الأسباب التي سبق ذكرها والأولى أنه جائز، يجوز النقل من بلد إلى بلد لا سيما إذا لم يترتب عليه تأخير شديد يعارض الأمر بالإسراع، التأخير لا شك أن الأصل التعجيل، لكن إذا وجد مصلحة راجحة فلا مانع من التأخير، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أُخر من الاثنين إلى الأربعاء، إذا وجدت مصلحة راجحة لا مانع من التأخير، مثل شخص وجد مقتولًا ولا يدرى ما سبب قتله، أُخر لكي يتأكد من وضْعِه وأمْرِه، مثل هذا لا بأس به.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ما أحب أن أدفن بالبقيع" عروة يقول: "ما أحب أن أدفن بالبقيع" مقبرة المدينة "لئن أدفن بغيره أحب إلى من أن أدفن به" ثم بين السبب؟ فقال: "إنما هو أحد رجلين" لأن المقبرة في وقته قد اكتملت، فهو لا بد أن يوضع مع أحد رجلين "إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه" لأنه قد يعذب في قبره فيتأذى بذلك "وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه" هو ما كره مجالسة الصالح إنما احترام لهذا الصالح، كره أن تنبش عظامه من أجله، عروة بني له قصر في العقيق، وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها، فمات هناك، عروة أحد فقها العلماء العباد رأى تغيرًا في أهل المدينة، فانتقل إلى العقيق واعتزل الناس، وهذا في عصر خيار الأمة، فكيف بعصرنا الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن والشرور والآثام، وحصل فيه ما يحير ويبهر على كافة المستويات؟ والله المستعان.
ومسألة العزلة والخلطة مسالة معروفة عند أهل العلم، وأُلِّفت فيها المصنفات وشراح الحديث من قرون، يعني من سبعة قرون وثمانية قرون يؤثرون العزلة، حتى قال قائلهم: والمتعين في هذه الأزمان العزلة -هذا يقوله في القرن الثامن- لاستحالة خلو المحافل عن المنكرات، فلا شك أن العزلة فيها نجاة، وفيها خلاص، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((يوشك أن خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن)) وهذا يتفاوت الناس فيه فمن كان نفعه أعظم فالخلطة بحقه أفضل، ومن خشي على نفسه أن يتأثر وتأثيره على الناس أقل فالعزلة في حقه أفضل.
سم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير بن مطعم عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في الجنائز، ثم جلس بعد.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يتوسد القبور، ويضطجع عليها.
قال مالك -رحمه الله-: وإنما نهي عن القعود عن القبور فيما نُرى للمذاهب.
وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- يقول: كنا نشهد الجنائز فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر" الوقوف يعني القيام للجنازة إذا مرت، والجلوس على المقابر يعني على القبور.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد" بن قيس الأنصاري "عن واقد بن عمرو بن سعد" بن معاذ الأشهلي الأنصاري "عن نافع بن جبير بن مطعم" بن عدي القرشي "عن مسعود بن الحكم" بن الربيع بن عامر الأنصاري "عن -أمير المؤمنين رابع الخلفاء- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد" كان يقوم في الجنائز، بل أمر بذلك كما صح عن جمع من الصحابة، منهم عامر بن ربيعة وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وفي الصحيحين عن جابر قال: مرت بنا جنازة فقام لها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقمنا فقلنا: إنها جنازة يهودي، فقال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا)) وفي الصحيحين من حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني في جنازة اليهودي هذه: ((أليست نفسًا؟)) وفي القيام تعظيم لشأن الموت، وهو تعظيم لله -عز وجل- الذي قبض الأرواح، وتعظيم شأن الموت تعظيم لما بعده من الأهوال، والأهوال إنما تعظيمها لعظم موجدها وهو الله -جل وعلا-، لا شك أن الموت له رهبة وله وقع في النفوس الحية بخلاف القلوب الميتة، وقد كان الناس منذ أمد قريب إذا مرت بهم الجنازة صار لهم شأن آخر، يتأثرون أيامًا، الآن الصغار قبل لا يطيقون رؤية الجنازة، والكبار يتأثرون تأثرًا بالغًا، الآن الصغار يناهزون الاحتلام وقد رأينا جمعًا منهم يعبثون بالجنائز، يلعبون، تنتظر الصلاة عليها وهو يرفع الغطاء عنها أو ينزله، وأما بالنسبة للكبار فحدث ولا حرج، وقد رأيت كاهلًا في الخمسين من العمر يدخن على شفير القبر، أين القلوب؟ القبر يذكر، والجنازة تذكر، لكن من يتذكر قلوب؟! قلوب ران عليها الذنوب.
طالب:.......
نعم، مواعيد، ونكت، وطرائف، وحدث ولا حرج مما يحصل في المقابر، مواعيد، بل يحصل معاصٍ "كان يقوم على الجنائز ثم جلس بعدُ" بالبناء لأنه مقطوع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، يعني بعد ذلك، جلوسه هذا -عليه الصلاة والسلام- يحتمل أمرين: أنه نسخ للقيام والأمر بالقيام، وحينئذٍ لا يكون القيام مشروعًا بعد نسخه، وبهذا قال جمع من أهل العلم، بل قال بعضهم: يكره القيام بعد نسخه، ومنهم من قال: إن الجلوس لبيان الجواز، وحينئذٍ يكون صارفًا للأمر، بدلًا من أن يكون الأمر للوجوب يكون للاستحباب، وبهذا قال جمع من أهل العلم، والمسألة محتملة إن كان جلوسه -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز وهو احتمال فهذا تبقى مشروعية القيام، لكن لا على سبيل الإلزام، وإن كان جلوسه نسخًا لما كان قبل ذلك فلا يبقى للقيام مشروعية، لكن إذا أمر بشيء ثم ترك ما نهي عنه ترك، الأمر به أولًا الأصل فيه الوجوب، ثم ترك الأمر به هل يعني هذا أنه يقتضي النسخ؟ نعم لو نهي عنه لا إشكال في أن الحكم تغير وانتهت المشروعية، وأقل الأحوال حينئذٍ الكراهة، لكن أمر به ثم ترك الأمر أو ترك القيام، على كل حال الاحتمال قائم، وبكل من الاحتمالين قال بعض العلماء، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى أن المشروعية باقية إلا أن هذا صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وجمع من أهل العلم يرون أنه منسوخ، والاحتمال مثل ما ذكرنا قائم.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور، ويضطجع عليها" نعم أخرجه الطحاوي بإسناد رجاله ثقات، وهو ثابت عن علي -رضي الله عنه-، وفي البخاري قال نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور، علي يتوسد القبور، ويضطجع عليها، وفي البخاري عن نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور، ثبت النهي عن ذلك في حديث أبي مرثد الغنوي: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) هذا مخرج في مسلم، وروى مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه وتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر)) وإذا كان النهي عن المشي بالنعال بين القبور لا على القبور منهي عنه، فكيف بإهانة أصحاب القبور بالجلوس عليها، والمشي عليها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر)) وفي صحيح مسلم من حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) الإمام مالك -رحمه الله تعالى- ساق خبر علي مقرًا له، ويرى جواز ذلك، لكن ما موقفه من حديث أبي مرثد تأوله "قال مالك: وإنما نهي عن القعود عن القبور فيما نُرى -يعني نظن- للمذاهب" يعني لقضاء الحاجة، يعني ولا تقعدوا عليها لقضاء حاجة، أما مجرد الجلوس فلا، مقبول التأويل وإلا غير مقبول؟ نعم؟ ولا تقعدوا عليها يعني لقضاء الحاجة؛ ولذا يقول: "وإنما نهي عن القبور فيما نرى للمذاهب" المذاهب يعني الذهاب لقضاء الحاجة، ثم أطلق على قضاء الحاجة نفسها، إذا أراد المذهب أبعد -عليه الصلاة والسلام-، يعني أراد قضاء الحاجة، فالمذاهب هي قضاء الحاجة، ويحتج بفعل علي -رضي الله عنه-، وفعل عمر -رضي الله عنه-، لكن إذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يعارض بقول أحد كائنًا من كان، يقول ابن بطال وهو من المالكية: تأويل مالك بعيد، وهو من المالكية.
"وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف -الأنصاري- أنه سمع -عمه- أبا أمامة بن سهل بن حنيف -صحابي بدري شهير- يقول: كنا نشهد الجنائز فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا" حتى يعلموا بالصلاة عليه، ويخبروا بالصلاة عليه، أو يؤذن لهم بالانصراف، فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا، ظاهر اللفظ يدل على أنهم يعلموا بالصلاة، ويؤذنوا بالصلاة عليها، وفي هذا المبادرة بالصلاة علي الميت، يجلس آخر الناس، نعم الإمام ينتظر المصلين كسائر الصلوات، فإذا جاء آخرهم بُدأ بها، شرع في الصلاة من غير تأخير، الاحتمال الثاني وقال به بعض أهل العلم يقول: حتى يؤذنوا يجلس آخر الناس، يعني ما ينصرفوا بعد الدفن حتى يؤذن لهم، هل يملك أحد منع الناس من الانصراف؟ يقول الباجي: هذا فيه نظر، ما فيه أحد يمنع الناس من الانصراف، فإذا صلوا وانتهوا خلاص ينصرفوا، دفن الميت وانتهوا من دفنه ينصرفوا ما يحتاجون إلى إذن، والأمر الذي لا يملك منعه لا يحتاج إلى استئذان.
يقول: وكان ابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من التابعين ينصرفون إذا وريت بلا إذن، وهو قول مالك والشافعي وأكثر العلماء، المسألة ما تحتاج إلى إذن إذا انتهوا من دفنها انصرفوا، وإن قال بعضهم: إنه ما يجلس آخر الناس حتى يؤذن لهم بالانصراف، هذا فهم لكنه بعيد، ففي الخبر مشروعية الإسراع بالصلاة على الميت ولا يتأخر بها، تنتظر الجماعة وينتظر المصلون، لكن بعد ذلك يبادر بالصلاة عليها.
طالب:........
لا الإذن جاء متعقبًا للجلوس، فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا.
طالب:........
نعم، ما يجلس آخر الناس، إذا انتهى آخر الناس من الجلوس يؤذنوا.
طالب:........
يستقيم؟ ما يستقيم، لا، هو الذي يقرأها هكذا..... فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا، أما الجلوس إذا وضعت عن الأعناق فهذه السنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس، فهل ينتظر الناس قيامًا على كلامك حتى يؤذن لهم بالجلوس؟ واللفظ لا يساعد، السياق لا يساعد بدليل أنهم جلوس هم، يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا، يعني عكس ما فهته.
باب: النهي عن البكاء على الميت:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن الحارث، وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه: أنه أخبره أن جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه، فصاح به، فلم يجب، فاسترجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((غلبنا عليك يا أبا الربيع)) فصاح النسوة وبكين، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية)) قالوا: يا رسول الله وما الوجوب؟ قال: ((إذا مات)) فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا، فإنك كنت قد قضيت جهازك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟)) قالوا: القتل في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمعٍ شهيد)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- تقول: وذكر لها أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيهودية يبكي عليها أهلها، فقال: إنكم لتبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن البكاء على الميت"
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر" ويقال: ابن جبر "بن عتيك" الأنصاري "عن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه" عتيك بن الحارث جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه، عتيك بن جابر بن عتيك عن عتيك، عتيك المذكور في آخر نسبه من جهة أبيه هل هو المروي عنه هنا جده من جهة أمه، فيكون جده من الجهتين هو هو وإلا غيره؟
طالب:........
نعم الذي يظهر أنه غيره، عن عتيك بن الحارث بن عتيك وهو جد عبد الله الراوي عنه ابن عبد الله بن جابر أبو أمه "أنه أخبره أن جابر بن عتيك" جابر بن عتيك أخبره جابر بن عتيك هو جد عبد الله لأبيه، جده لأمه يرويه عن جده لأبيه، عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك جده لأبيه من؟ جابر من عتيك، وجده لأمه عتيك بن الحارث، فجده هو يروي عن جده لأمه عن جده لأبيه "أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء يعود عبد الله بن ثابت -بن قيس الأنصاري الأوسي- فوجده قد غلب عليه" يعني غلبه الألم "فصاح به" أي ناداه مع رفع الصوت "فلم يجبه" ناداه -عليه الصلاة والسلام- رافعًا صوته فلم يجبه "فاسترجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قائلًا: إن لله وإن إليه راجعون "وقال: ((غلبنا عليك يا أبا الربيع))" يعني مت، خطفتك المنون، غلبتنا عليك، غلبنا عليك، يعني أخذت منا يا أبا الربيع، وهي كنيته "فصاح النسوة" عرفنا أنه مات "وبكين" كالعادة أول من يبكي النساء؛ ولذا يقول العربي في البنت: "والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء، وبرها سرقة" كيف؟ "والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء، وبرها سرقة" ما تملك إلا البكاء وماذا تريد تدافع بسيف وإلا شيء، ما عندها غير هذا؛ ولذا إقحامها في غير ما جبلت عليه ظلم لها، وبرها سرقة، يعني تأخذ من بيت زوجها وتصل أهلها "فصاح النسوة وبكين" وفي هذا إباحة البكاء على المريض قبل موته؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقرهن "وجعل جابر يسكتهن"؛ لأنه سمع النهي عن البكاء، فحمله على عمومه بما في ذلك هذه الصورة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهن)) يبكين حتى يموت ((فإذا وجب)) يعني مات، الأصل في الميت أنه يسقط، سقط ميتًا يعني وجب، الوجوب في الأصل السقوط {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحـج] يعني سقطت، المقصود أنه إذا وجب يعني مات ((فلا تبكين باكية)) والمعنى أنها لا ترفع صوتها في البكاء، أما دمع العين وحزن القلب فقد جاءت بالسنة، حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، أرضى الناس بقدر الله , وهذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء "قالوا: يا رسول الله، وما الوجوب؟ الذي أردت "قال: ((إذا مات لا تبكين باكية)) ما الفرق بين البكاء قبل موته وبعد موته؟ قبل موته لا يصحبه صوت، لكن البكاء عند المصيبة أي مصيبة كانت، نعم؟
طالب:........
نياحة، نعم، وقبل موته لا يعذب، هو ما فيه شك أن الوضع يختلف حتى البكاء يختلف ما قبل الموت وما بعد الموت، يعني الذي قبل الموت بكاء محتمل من غير رفع صوت ولا صراخ، لكن البكاء المعتاد بعد الموت هو الداخل في حيز النهي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن البكاء المعهود، الذي عهده في وقته بعد الموت يرفع الصوت، ما هو مثل البكاء قبل الموت وإلا لو حصل بكاء على أي مصيبة كانت مما نهي عنه سواء كان قبل الموت أو بعده، إنما رخص في البكاء قبل الموت؛ لأن نوعية البكاء في هذا الوقت لا تصل إلى حد ما يصل إليه البكاء بعد الموت وإلا ما فيه شك أن البكاء مع رفع الصوت جزع تسخط "فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا، فإنك كنت قد قضيت" أي أتممت "جهازك" أي ما تحتاج إليه في الغزو، تأهب للغزو في سبيل الله ثم مات، بعد أن تجهز يكتب له الأجر -إن شاء الله- "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته)) لا شك أن الإنسان يؤجر على ما ينويه من خير، وإذا بذل أسبابه وحيل بينه وبينه حصل له الأجر كاملًا على قدر نيته، يقول ابن عبد البر: فيه أن المتجهز للغزو إذا حيل بينه وبينه يكتب له أجر الغزو على قدر نيته، والآثار بذلك متواترة صحاح، منها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((والله إن بالمدينة)) يعني تبوك، يقول لأصاحبه: ((والله إن بالمدينة قومًا ما سرتم مسيرًا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم حبسهم العذر)) يعني حيل بينهم وبين أن يحققوا ما نووا وما أرادوا، وفي مسلم عن أنس مرفوعًا: ((من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه)) أي أعطي ثوابها ولو لم يقتل، يعني من سأل الشهادة بصدق ما هي بدعوى من سألها بصدق حصل له ثوابها ولو مات على فراشه.
((وما تعدون الشهادة؟)).... نعم؟
طالب:.......
كذلك إذا حيل بينه وبينها، ما هي المسألة أماني نعم، الله -جل وعلا- هو المطلع على السرائر، بعض الناس يتمنى أمنية وهو ما فعل شيئًا وما بذل شيئًا ويتمنى شيئًا يعوقه بعض الناس في المجالس يتمنى الشهادة، ويتمنى جميع أعمال الخير، ثم إذا جاء وقت الحاجة تمنى أنه معذور أعمى وإلا أعرج، هل هذا تمنى الشهادة بصدق؟ الله المستعان.
((وما تعدون الشهادة؟)) قالوا: القتل في سبيل الله" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة: ((إن شهداء أمتي إذًا لقليل)) إن كانت الشهادة القتل فقط ((الشهداء سبعة)) تقدم قبل مائة صفحة تقريبًا في باب: ما جاء في العتمة والصبح عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي في طريق))... إلى آخره، ثم قال: ((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)) خمسة، وهنا قال: ((الشهداء سبعة)) وجاءت نصوص أخرى فيها زيادة على الخمسة وعلى السبعة، حيث يتحصل من مجموعها عشرون خصلة، ذكرها ابن حجر في فتح الباري، والحصر هنا غير مراد، وكأنه -عليه الصلاة والسلام- أعلم بالخمسة، ثم أعلم بالسبعة، ثم زيد عليهم، هذا حصر ليس بمراد ((الشهداء سبعة)) ليس المعنى لا غير؛ لأنه جاء في النصوص ما يدل على الزيادة، وقد يأتي من يأتي كما جاء في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) يأتي من يأتي من المغفلين ويقول: في هذا الحصر نظر، تنظر في كلام من؟ في كلام من لا ينطق عن الهوى، النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم بالخمسة ثم زيد عليهم، ثم زيد إلى أن وصلت الأوصاف عشرين، الشهداء جمع شهيد، ثم قال: ((المطعون شهيد)) واختلف في سبب تسميته شهيدًا، الشهيد من الشهود وهو المشاهدة، أو من الشهادة بمعنى الحضور {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] يعني شاهد، فشهيد يعني فعيل، هل هو بمعنى الفاعل أو المفعول؟ هل هو شهيد بمعنى شاهد مثل {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة]؟ يعني شاهد أو مشهود له بمعنى المفعول؟ نعم؟
طالب:.......
شاهد وشهيد، هو شهيد على كل حال، لكن هل هو شاهد أو مشهود؟ يشاهد يعني، وتشهده الملائكة، بمعنى أنه مشهود، يقول ابن حجر: اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدًا، فقال النضر بن شميل: لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة ((من شهد منكم الشهر فليصمه)) يعني من حضر، وقال ابن الأنباري: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد الله من الكرامة، وقيل: لأنه يشهد له بالأماني من النار، وقيل غير ذلك أقوال، المقصود أنه شاهد من جهة ومشهود له من جهة أخرى.
((المطعون شهيد)) أي الميت بالطاعون شهيد ((الغرق شهيد)) يعني من مات بالماء غرقًا شهيد ((وصاحب ذات الجنب شهيد)) وهو مرض معروف، يقول ابن حجر: يقال له: الشوصة، وما الشوصة هذه؟ عند المتأخرين يقولون: التهاب غلاف الرئة، فيحدث معه سعال وحُمّى ونقص في الجنب يزداد عند التنفس، هذه ذات الجنب، جاء في بعض الأخبار الشوصة يقول ابن حجر: ذات الجنب الشوصة، جاء في بعض الأخبار عزي لابن ماجه عزاه القرطبي وغيره لابن ماجه ولم أقف عليه: ((من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص)) فالشوص يمكن أنه ذات الجنب، نعم؟
طالب:.......
هو معروف على كل حال، ذات الجنب شهير في كلامهم كثير، مرض شهير فيحدث منه السعال والحمى ونقص في الجنب يزداد عند التنفس، التهاب غلاف الرئة.
يقول: ((والمبطون شهيد)) الميت بمرض البطن بأي داءٍ يكون في البطن ((والحرق شهيد)) يعني الموت بالنار مبطون مطعون اسم مفعول غرق حرق الصيغة فعل غرق صيغة مبالغة ((والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد)) يعني تحت الأنقاض الهدم سواء كان في بيت أو في غيرها، وقريب من هذا حوادث السيارات، كأن السيارة تهدمت عليه، لا سيما إذا لم يتسبب إذا اعتدي عليه ((والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بالجمع شهيد)) شهيد ما قال شهيدة، المرأة شهيد، يعني مثل قتيل وجريح {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ} [(56) سورة الأعراف] ما قال: قريبة، بعض المحققين يقول: ما فيه تطابق بين المبتدأ والخبر، ولا بد من المطابقة ما فيه، ثم يهجم على النص ويصححه؛ لأنه ما فيه مطابقة، الأصل مطابقة المبتدأ والخبر.
"جمع" يقول الحافظ ابن حجر: بضم الجيم وسكون الميم وقد تفتح الجيم، وقد تكسر أيضًا، وهي النفساء، وقيل: الذي يموت ولدها في بطنها، ثم تموت بسبب ذلك، وقيل: التي تموت بجمع بمزدلفة، أي امرأة تموت بمزدلفة شهيدة، يقول ابن حجر: وهو خطأ ظاهر، وقيل: التي تموت عذراء، والأول أشهر، وجاء النهي عن الجزم بالشهادة لأحد، لكن الرجاء وغلبة الظن المؤمل من الله –جل وعلا- من غير جزم، وما يدريك عن حقيقة الأمر، نعم؟
طالب:.......
والأصل في النهي التحريم، لكن يبقى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم ((ما عليك إلا نبي وصديق وشهيد)) فيجزم بالشهادة لمن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن عداهم على الرجاء.
طالب:.......
يعني البكاء له طرفان أو أطراف، له طرف شديد وطرف سهل، يعني طرف ممنوع وطرف جائز، كما أن النعي منه ما هو ممنوع، ومنه ما هو جائز، منه ما فعله -عليه الصلاة والسلام- ونهى عن النعي، فيحمل هذا على حالة وهذا على حالة، ما فعله محمول على أنه ليس بصوت مرتفع إنما هو حزن القلب ودمع العين.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
على كل حال هذه أقوال أهل العلم في المرأة تموت بجمع هي النفساء، نعم؟
طالب:.......
لا ما يشهد له إنما ترجى له، على القاعدة العامة: أنه يرجى للمحسن الثواب ويخشى على المسيء العقاب، نقول: ترجى له الشهادة أما الجزم فلا، هذه مسألة فرع مما يراه بعض أهل العلم أن من اتفقت ألسنة الناس عليه بالثناء أنه يشهد له بالجنة، مات شخص عرف من نشأته بالخير والفضل، واتفقت ألسنة الناس بالثناء عليه يشهد له بالجنة هذا قول لبعض أهل العلم، لكن المعروف في مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يقطع لأحد لا بجنة ولا بنار، أنتم شهداء الله في الأرض، هم شهدوا، لكن توجت هذه الشهادة بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، فعلى كل حال من اتفقت ألسنة الناس على مدحه شهود، ويبقى أن ما عند الله عنده، والمقرر عند أهل السنة والجماعة أنهم لا يقطعون لأحد.
طالب:.......
لا هو إذا ماتت بالنفاس يعني بالسبب، النفاس هو خروج الدم الذي سببه الولادة، فمن باب أولى إذا ماتت حال الولادة، القول الأول: أنها النفساء خلاص ولدت وماتت، ولها من حال الولادة إلى أن ينتهي النفاس على القول الأول، القول الثاني: الذي مات ولدها في بطنها وماتت بسببه، والأقوال مثل ما سمعتم، لكن قول الأكثر أنها تموت في النفاس، يعني من أثر الولادة، وفي حكم الهدم السيارات وغيرها مما يتسبب بالبراكين والزلازل، المقصود أن كل هذه إذا كان الإنسان على خير ترجى له الشهادة، لكن مثل هذه الأمور لا يغتر بها، أقول: مثل هذه الشهادة لا يغتر بها، لا يغتر بها سيئ العمل، وإن أحسن الرجاء ووسع الرجاء بالله -عز وجل-، لكن يبقى أنه يخونه عمله، فلا بد من إحسان العمل لترجى هذه الأمور، على كل حال للإنسان أن يحتاط لنفسه فيرجو ويغلب على ظنه -إن شاء الله- ويؤمل من ربه خيرًا، أما القطع فليس له، على كل حال إن كان الإنسان ينظر إلى وسائل الإعلام الآن فإنها تطلق على غير المسلمين، وتطلق على ناس فجار لا يصلون ولا يعرفون الله طرفة عين، الكلام على ما عند الإنسان من عمل هذه لا شك أنها الشهادة تاج، لكن تاج يوضع على ماذا؟ لا بد من سابقة، لا بد من عمل، إن كانت الشهادة لا تكفر الدين ثلاثة دراهم، تحتاجها إلى أن توفى لتتم الشهادة، فالمسألة تحتاج إلى سابقة.
يعني هل الوعد للصلاة أو للميت؟ فيتعدد الأجر بعدد الأموات أو لا بد من تعدد الصلوات؟ اللائق بفضل الله –جل وعلا- وكرمه أن يكون بعدد الأموات، من صلى على عشر جنائز صح أنه صلى على عشرة من المسلمين، وله بكل صلاة قيراط بعدد الأموات -إن شاء الله تعالى- هو اللائق بفضل الله -جل وعلا-.
هذا الكلام ليس بصحيح، قد يكون الأثر المترتب على الخوف الأثر المرئي هو في التابعين أكثر، يتجلى مثل هذا في كون بعض التابعين لا يحس بمن حوله وهو يصلي، وفي كون بعض التابعين يغمى عليه ويصعق عند سماع القرآن وقد يموت وهذا لا يوجد في الصحابة، إن كان المراد به هذا فنعم موجود في التابعين ومن بعدهم من خيار الأمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- أنزل عليه القرآن وأخبر أنه قول ثقيل، لا يتحمله أي قلب، هو قول ثقيل، لكن إذا نزل هذا القول الثقيل على قلوب كاملة قوية تتحمل هذا القول الثقيل تأثرت به من غير أن يعتريها نقص؛ لأن الغشي نقص فتتأثر به التأثر التام من غير أن يعتريها نقص، فهي تستشعر عظمة هذا الكلام، وتحتمل هذا الكلام العظيم لقوتها؛ لما جعل الله فيها من القوة والتحمل، وإلا أخشى الناس وأتقاهم لله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك صحابته الكرام، انتهى الجيل الأول من الصحابة أصحاب القلوب القوية العظيمة التي تتحمل هذا الكلام العظيم وتستشعر عظمته، جاء الجيل الذي يليهم وقد ورثوا عن الجيل الأول تعظيم شعائر الله، وتعظيم كلام الله، واستشعار عظمة كلام الله، لكن القلوب ضعفت، فإذا نزل هذا القول الثقيل العظيم على قلوب ضعيفة مع استشعار العظمة لا بد من أن تتأثر، فيعتريها ما يعتريها من نقص بسبب هذا التأثر، ثم استمر الأمر على هذا في القرون المفضلة، ثم خلفهم خلوف قلوب ضعيفة، لكن مع عدم استشعار عظمة هذا الكلام فصار لا يؤثر فيها، وإلا فمن من الناس اليوم يتأثر بسورة هود؟ ما فيه أحد إلا القليل النادر، ولقد عهدنا الناس في ليلة الثاني عشر والثالث عشر من رمضان حينما تقرأ هذه السورة ترتج المساجد من البكاء، يستشعرون، ومنهم من يحصل له شيء من النقص لاستشعار عظمة القرآن، مَن مِن الناس اليوم يستشعر عظمة قوله –جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر]؟ هي لا تحرك شعرة في أي مسلم الآن إلا من رحم الله، يبدأ القارئ في السورة وينتهي ما كأنه يقرأ، وليس هذا قوة في القلوب لا أبدًا، القلوب أضعف مما هي عليه في عصر التابعين، لكن مع ضعف هذه القلوب عدم استشعار عظمة هذا الكلام، وإلا لو نزلت بالمرء أدنى مصيبة من أمور الدنيا هل يتحمل؟ ما يتحمل إلا القليل النادر، هذا الذي يظهر من تراجم السلف لا شك أن هذا له نصيب.
السؤال هذا يقول: ما تفسير كون التابعين أشد خوفًا من الله من الصحابة؟
هم ليسوا أشد خوفًا من الله -جل وعلا-، لكن آثار هذا الخوف تظهر عليهم أشد من ظهورها في عصر الصحابة؛ لقوة الصحابة في تحمل مثل هذا الكلام العظيم بخلاف من جاء من بعدهم.
أولًا: الكتاب غير كامل، الأمر الثاني: أنه قد ينقل بعض المذاهب من كتب غير مشهورة في هذه المذاهب، ويعتمد روايات غير معمول بها في هذه المذاهب؛ لأن كل مذهب له رواية أو قول يختلف عن القول الآخر، فالفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي يجمع المذاهب وليست الميزة في جمعه، الميزة في المراجع التي اعتمدها، وذكرها بالجزء والصفحة؛ ليتأكد الإنسان مما نقله، ويستكمل بحث هذه المسائل من هذه المصادر.