شرح سنن أبي داود - كتاب الطهارة (20)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ"
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ يَعْنِي الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ" الحلبي وهو ثقة، والإتيان ب (يعني) هنا، العلماء يأتون في نسب الراوي الذي لم ينسب لهم، إذا حدَّثه شيخه عن شيخٍ لم ينسبه، قال: يعني فلان أو هو ابن فلان، وهذا موجود في الصحيحين وغيرهما، لكن إذا كانت الرواية عن الشيخ المباشر من ينتظر أبو داود أن ينسبه له؛ ليخرج من العهدة بقوله يعني؟ أبو داود لو قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع من يقول: إنك افتريت على أحد؟ لكن لو قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، قال: "حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ" هو فلان ابن فلان؛ لأنه ما قيل له ذلك من قبل شيخه فالجادة مطروقة، لكن شيخه له أن ينسبه. فهمنا المسألة؟ يعني: متى يقال يعني فلان، أو هو ابن فلان؟ إذا كان الشيخ صاحب الكتاب ما نُسب له الشيخ، شيخه ما نسب شيخه، فله أن يزيد في نسبه ما يوضحه، ويخرجه عن دائرة الإهمال بنسبته لأبيه، أو ما يكشفُ أمره، لكن يقول (يعني) لأنه شيخه ما قال فلان بن فلان بن فلان، قال: فلان وسكت، ولا يأتي في مثل هذا السياق الذي معنا؛ لأن أبا داود هو المتحدث، ما حُدث بشيء لم يكشف فيحتاج إلى كشفه، لكنه هو المتحدث فلا يحتاج إلى قوله (يعني).
ولعل هذه من تصرفات بعض الرواة عن أبي داود، كاللؤلؤي، وابن داسه، ومعروفُ في كتب المتقدمين الرواة عن الأئمة لهم مدخل في كتبهم، وهذه طريقة معروفة عندهم، يعني في المسند حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، وهل المسند من تصنيف عبد الله، أو من تصنيف الإمام؟ نعم، هو من تصنيف الإمام. وجميع الموطآت تروى عن مالك عن طريق من روى الموطأ، والموطأ بالاتفاق للإمام مالك، حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك، هذه معروفة عندهم في التأليف، ولعل قوله (يعني) ليست لأبي داود؛ لأنه لا يحتاج إليها، أبو داود لا يحتاج إليها؛ لأن له أن ينسب شيخه على ما هو معروف، لو قال: نسب شيخه إلى عاشر جد، أيش يقول الناس؟ يقولون: أخطأ؟ هو يتحدث عن شيخٍ ويتحدث عنه ويخبر عنه، بخلاف ما لو حدثه شيخه عن شيخٍ أهمله، فإن له أن يزيد في نسبه، لكن يشير إلى أن هذه الزيادة من عِنده بقوله (يعني) أو (هو).
قال: "حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ يَعْنِي الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ" الحلبي ثقة، مخرج له في الصحيحين، "قال: حدثنا أبو المليح" الرقي، "عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ زَوْرَانَ" ويُقال: زروان، بتقديم الراء على الواو أو العكس، وهو أيضًا ثقة.
عن أنس بن مالك "عَنْ أَنَسٍ يَعْنِي ابْنَ مَالِكٍ" هنا جارٍ على الجادة أم لا؟ يمكن الذي حدثه قال: عن أنس وسكت، فأراد أن يزيد في نسبته فقال: يعني؛ فلئلا يكون افتات على شيخه وزاد في نسب شيخه، يبين ذلك، وهذا المعروف في الصحيحين من ذلك الشيء الكثير.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والإسناد كما رأينا الرجال كلهم ثقات، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، قَالَ: «هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ»". الأمر الأصل فيه الوجوب، وحمله الجمهور على الاستحباب عند من تثبت عنه أو عنده هذه الأخبار، وإلا قال الإمام أحمد: لا يثبت منها شيء، لا يثبت في تخليل اللحية شيء. ابن القيم في ((معالم السنن)) أورد طرقًا كثيرة، وأحاديث كلها تدل على التخليل، لكن مفردات هذه الأحاديث كلها أعلها ابن القيم -رحمه الله-. ولا يعني أنها إذا كانت كلها معلولة، وقول الإمام أحمد: لا يثبت في تخليل اللحية شيء، لعله أراد بمفرداتها، وابن القيم أعلها بمفرداتها؛ لذا قال بعضهم: إنها بمجموعها -وهي كثيرة- تدل على أن للمسألة أصلًا في تخليل اللحية، ويفرقون بين اللحية الكثيفة التي لا تُرى منها البشرة واللحية الخفيفة التي تُرى منها البشرة، فالذي يُرى منه البشرة لابد من تخليلها وإيصال الماء إلى البشرة، والكثيفة أمرها محمول على.. التخليل على الاستحباب، ومسح ظاهرها، أو غسل ظاهرها كافٍ تبعًا للوجه.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَالْوَلِيدُ بْنُ زَوْرَانَ، رَوَى عَنْهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاحٍ، وَأَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ" يقصد من ذلك رفع الجهالة عنه؛ لأنه روى عنه راويان، وإذا روى عن الراوي اثنان ارتفعت عنه الجهالة (جهالة العين). وابن رسلان يقول: رجاله ثقات، ويستدلون به على مشروعية تخليل اللحية على سبيل الوجوب، كما هو الأصل في «أَمَرَنِي رَبِّي»، وبه قال المزني من الشافعية، قال ابن رسلان في شرحه: والصحيح عدم الوجوب؛ لأنه لم يأمر به الأعرابي في الحديث المتقدم. ويُقال في هذا مثل ما قيل في المضمضة والاستنشاق. يعني: هل اللحية من مسمى الوجه فتدخل بما أمر الله به، أو ليست من مسمى الوجه؟ والأطلس الذي لا لحية له وجهه ناقص أم كامل؟ كامل.
فاللحية قدر زائد على الوجه عند هؤلاء الذين يقولون بعدم الوجوب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أحاله على ما في كتاب الله -جلَّ وعلا- وليس فيه تخليلُ اللحية.
على كل حال النصوص المجملة إذا جاء ما يبينها ويوضحها، فالمبين يقضي على المجمل، والخاص يقضي على العام، والمقيد يقضي على المطلق، كما أن الناسخ يقضي على المنسوخ وهكذا، فإذا جاءت نصوص مفسرة واضحة لا ترد بعمومات أو بمجملات؛ لأنه لا تعارض بينها. فالمتجه ما دام الإسناد كله ثقات، والحديث في إسناده ما فيه إشكال، وإن قال الإمام أحمد: لم يثبت في التخليل شيء، ولعله أراد مثل ما شرح ابن القيم في ((معالم السنن)) المفردات -مفردات الأخبار-، وإلا ورد فيها أحاديث كثيرة بينها ابن القيم في ((معالم السنن)) لكنه أعلها كلها.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ".
التخليل هذا بالنسبة للحية، وفي حديث لقيط السابق «خلل بين الأصابع»، يعني: أصابع اليدين والرجلين، ولا شك أنَّ الحرص على السُّنَّة وتطبيق السُّنَّة من علامات التوفيق، ومن أمارات التثبيت. الإمام أحمد -رحمه الله- وهو يحتضر أشار بما يفيد أنه يريد الوضوء، فحملوه ووضؤوه، فأشار بيده ما يفيد إلى تخليل الأصابع -أصابع رجليه-؛ لأنه لا يستطيع، في هذا الظرف، وفي حال الاحتضار ما نسي السُّنَّة -رحمه الله-. والشيخ -رحمة الله عليه- ابن باز شيخنا، حصل له نظير هذا في الاحتضار أشار إلى أنه يريد الوضوء، فألبسوه النعل اليسرى قبل اليمنى فخلعه -خلع النعل اليسرى- لماذا؟ لأنه خلاف السُّنَّة، فمن عاش على الشيء مات عليه. الإمام أحمد إمام أهل السُّنَّة، وعمله وحرصه على السُّنَّة لا يخفى على أحد، والشيخ ابن باز كذلك عاش على السُّنَّة، ناصرًا للسُّنَّة، ناشرًا للسُّنَّة، محتجًا بالسُّنَّة، قريب من، بل أكثر من ستين سنة -رحمه الله-؛ ولذلك عاش عليها ومات عليه، في آخر لحظة تُلبَس النعل اليسرى قبل اليمنى فيخلعها، فالواحد منا لعدم الاهتمام بهذه الأمور لا يبالي، لبس اليمنى أو اليسرى، الله المستعان. فيفوت عليه بسبب ذلك من الفضائل الشيء الكثير، وقد يسمع المؤذن ولا يجيبه، مع أن الأمر ميسور، وليس عنده ما يشغل مع الحثِّ والترغيب الوارد في ذلك، وقل مثل هذا في سنن كثيرة، الذي لا يهتم بالسُّنَّة يفوت عليه أمور عظيمة وقد لا يوفق، ولا يُعان على بعض الواجبات؛ لأنَّ التساهل في الأمور المشروعة يجر إلى ما ورائه، كما أن الاسترسال في الأمور المباحة يجر إلى ارتكاب المكروهات، وهكذا.
قال -رحمه الله تعالى-: "بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ"
"حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ" الإمام المشهور، وهو شيخ لأبي داود، وأبو داود من الرواة عنه، وإن كان في الحديث كما هنا، أو في المسائل الفقهية، وأبو داود له مسائل عن الإمام أحمد، قال: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ" الأموي الحافظ، "عَنْ ثَوْر" ابن يزيد، مخرج له في البخاري "عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ" الحمصي وهو ثقة، "عَنْ ثَوْبَانَ" مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً"، السرية: قطعة من الجيش أعلاها أربعة مائة، وأدناها فيما يُقال خمسة، ستة، عشرة، يُقال لها: سرية؛ لأنها تسري غالبًا في الليل، ويفرق بينها وبين الغازات أو الغزوة، أن الغزوة لا يُقال لها غزوة إلا إذا كان فيها الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
"سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ" يعني: الشديد، "فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ"، والعصائب هي العمائم، سميت بذلك؛ لأنه يعصب بها الرأس، كما يُعصب من أثر الألم، والمرض يُعصب بالعمامة، فيقال للعمائم: عصائب، "وَالتَّسَاخِينِ" التي هي الخفاف؛ التساخين الخفاف؛ لأنَّها تسخِّن القدم وتدفئه. "أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ" التي هي العمائم، وهذه المسألة مختلف فيها، مسألة المسح، وسيأتي في الحديث اللاحق "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ ويمسح عِمَامَة قِطْرِيَّة"، ومع ذلك مسح مقدم رأسه، فالحديث الأول يدل على المسح على العمامة بمفردها، والحديث الثاني يدل على المسح على العمامة مع مقدم الرأس؛ ولذا يختلف أهل العلم في حكم المسح على العمامة، فذهب جماعة من السلف، ومن فقهاء الأمصار من قال بالجواز- جواز المسح على العمامة بمفردها- ومنهم الإمام أحمد والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور، وداود الظاهري، قالوا بالمسح على العمامة. ومنهم من قال: لا يمسح عليها إلا مع مقدمة الرأس، كالناصية، وجاء ذلك في الصحيح مع الحديث الذي يلي هذا، مع أن الحديث الذي يليه مضعّف كما سيأتي. قالوا: يمسح على العمامة لا بمفردها، وإنما يمسح عليها مع الناصية، وكأنَّ المسح على العمامة عند هؤلاء لا قيمة له، لماذا؟ لأنهم يرون الاكتفاء بمسح جزءٍ من الرأس، فإذا مسحت الناصية صح أنه مسح جزءًا من الرأس، فلا يحتاج إلى مسح العمامة، كونه مسح العمامة، هذا قدر زائد على ذلك.
قال: " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ" المصري، وإمام من أئمة المسلمين، تكلم فيه النسائي بدون حجة، ومع ذلك قال العلماء: إن النسائي آذى نفسه بكلامه في هذا الإمام العظيم، "قال: حدثنا عبد الله بن وهب" المصري الإمام المعروف، قال: "حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ" وهو من رواة مسلم الحضرمي، "عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ المدني، عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ" قالوا: لا يعرف اسمه، وهو في عِداد المجهولين، لا لأنه لا يُعرف اسمه، لا يُعرف اسمه من جهة، ولا يُعرف عن حاله شيء، فهو مجهول.
"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ"، والقطر، قالوا: نوعُ من القماش أو البُرود نوع فيه ألوان منها الحمرة، وبعضهم يقول: قطرية نسبة إلى قطر، قرية -على اصطلاح المتقدمين- قرية بالبحرين على اصطلاحهم وتحديداتهم الجغرافية لا شك أنها تختلف عن الواقع الآن؛ يعني لو.. كتب البلدان لا شك أن الأمور تغيرت، والظروف اختلفت، والدول لا شك أنها تعاقبت على البلدان، ولو قالوا: قطر قرية بالبحرين ينسب إليها هذا النوع من الثياب القطْرية، ترون ما قالوا: قطَرية، هو بالنسبة إلى قطَر قطَري، وإذا أنثت تقول: قطَرية قالوا: قطَر، (بفتح القاف والطاء، ولما دخلت عليها (ياء النسب) كسروا القاف وخففوا الطاء، ما معنى خففوها؟ يعني سكَّنوها، الحرف المتحرك ثقيل، لكنه إذا سُكِّن خف، يعني هل النسبة تغير من واقع الكلمة شيئًا؟ النسبة إلى سلِمة بكسر اللام، أيش؟
النسبة إليها سَلَمي، بفتح اللام. والنسبة إلى ملِك ملَكي، وإلى النمر نمري، يقولون عن ابن عبد البر النمري، هو منسوب إلى النمر، فمكسور الثاني في النسبة يفتح ثانيه، وهنا النسبة إلى قطَر قِطْري، والعمامة قِطْرية كذا قالوا، لكن لو تقول لواحد من أهل قطر: يا قِطْري ما يرضى، نعم. كما أن النسبة إلى البحرين أيش تقول؟
طالب: ...
أيش تقول، بحريني؟ الآن البحرين مفرد أم مثنى؟
طالب: ...
مثنى، تثنية بحر، وإذا أردت أن تنسب تعيد الكلمة إلى أصلها. كالبحرين في حال نصب أم جر؟ ليست بحر، وأصلها من غير دخول العوامل، بحران اثنان، بحران فالنسبة إليها تقول: بحراني، هذا قلنا هذا هو الصواب، لكن لما كانت هذه النسبة تلتبس بوصفٍ لقوم غير مرضيين، يُعدل عنها، لا مانع من العدول عنها، وإلا هذا الأصل أن يُرجع في الشيء عند النسبة إليه إلى أصله، كما قالوا في النسبة إلى الجمع يرد إلى أصله، الجمع عند النسبة يُرد إلى أصله، والنسبة إلى الجمع شاذة، استثنوا من ذلك إذا كان الجمع أشهر من المفرد، أو أن الإفراد يوقع في لبس، مثل الأنصار تقول: أنصاري نسبة إلى الجمع، وإلا فالأصل أن ترد الأنصار جمع ناصر، تقول: ناصري، لكن هذا يوقع فيه لبس، والنسبة إلى الأنصار اشتهرت اشتهار الشمس في رابعة النهار.
"وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ، أو يديه" في بعض الروايات، بعض النسخ، يعني: كفيه، المراد باليد هنا: الكف، ما هو يدخل يده إلى المرفق، ولا إلى الإبط، لا، المراد بذلك الكف. "مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ"، وعرفنا أن أبا معقل الراوي عن أنس مجهول؛ ولذا ضعفوا هذا الحديث.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: " بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ"
عرفنا ما في مسح العمامة من أقوال لأهل العلم، منهم من يقول: تمسح بمفردها؛ لما في أحاديث الباب وغيرها مما يدل عليه، ومنهم من يقول: تمسح مع الناصية، وهذا قول من يرى الاكتفاء بمسح بعض الرأس، فصار مسح العمامة كأنه لا وجود له، ومنهم من يمنع ذلك مطلقاً؛ لأن العمامة ليست كالخف، العمامة لا يشق نزعها مثل الخف، والذين قالوا بالمسح على العمامة اشترطوا لمسحها الشروط التي تشترط للخف، منها أن تلبس على طهارة، كما سيأتي في الحديث اللاحق، وأن تكون مدارة تحت الحلق، وأن تكون ذات ذؤابة، لئلا تلتبس بعمائم المشركين.
"بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ"
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ" وهو عبد الله قاضي مصر، متكلم فيه من قِبل أهل العلم، قالوا إن كتبه احترقت، فاختل ضبطه وحفظه؛ فضعفوه من أجل هذا. والجمهور على تضعيفه، من أهل العلم من وثقه، لكن ثلاثة عشر من أئمة الحديث كلهم ضعفوه، ومنهم من قواه في روايته عن العبادلة، وعلى كل حال المعتمد فيه حالة التضعيف، وابن حجر قال: صدوق في ((التقريب))، وحسَّن له أحاديث في ((فتح الباري))، وضعف له أخرى، حسَّن له أحاديث، وضعَّف أحاديث؛ لأنَّه في مثل حاله، وكلام الأئمة فيه ينظر في مرويه، إذا كان مرويه لا يتضمن مخالفة وماشيًا على الجادة عند ابن حجر في تحسينه لخبره، في حديث جابر مثلًا في المسند، كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، قال: بإسنادٍ حسن وهم من رواية ابن لهيعة، لكنه ضعف له أحاديث كثيرة؛ فالمؤثر في الاختلاف في الحكم على أحاديثه هو واقع الحديث، هل يتضمن مخالفة فيكون ابن لهيعة ما ضبط، أو يكون ماشيًا على الجادة، فيكون ابن لهيعة قد ضبطه وأتقنه. وعلى كل حال الحكم ينبغي أن يكون مطَّرِدًا، فإذا ضعفته فأحاديثه ضعيفة، وجد ما يشهد لهذا الحديث يتقوى ويُقبل يصير حسنًا، نمشي على قاعدة مطَّردة، كونه يكون له شاهد، أو لابن لهيعة متابع، وتقويه من غير بيانٍ لمن يقرأ عنك أن له شاهدًا أو متابعًا هذا يوجد خللًا في المتعلم.
"عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو" المعافري، وهو صدوق، "عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ" عبد الله بن يزيد الْحُبُلِيِّ، خرَّج له مسلم، والمعافري صدوق، والحُبُلي مخرج له عند مسلم، وابن لهيعة عرفنا أنه ضعيف ووثقه بعضهم، "عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ" صحابي، الفهري صحابي وأبوه صحابي أيضًا، "قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ" في رواية ابن ماجه (يخلل) يعني: يدخل الخنصر بين أصابع الرجلين ويوصل إليها الماء. والحديث مع كون ابن لهيعة فيه، إلا أنه مصحح من قبل جمع من أهل العلم، وابن القطان في ((بيان الوهم والإيهام)) هو إمام من أئمة الحديث صححه.
"إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ" وهذا مجرد فعل، لكنه بيان لما أُمر به في الآية، والبيان بيان الواجب واجب لا سيما في حق من لا يصل الماء إلى ما بين أصابعه، بعض الناس لا سيما أصابع الرجلين تكون شبه ملتصقة، إذا كانت ملتصقة لابد من إيصال المال إلى ما يمكن إيصاله إليه، لكن إذا كانت شبه ملتصقة، ومع كبر السن تيبس الأصابع يصعب تفريقها بمفردها يصعب، فلابد من التخليل بالأصابع ليصل الماء إلى المفروض.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ"
المسح على الخفين ثابتٌ ثبوتًا قطعيًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقد رواه عنه سبعون من الصحابة، وابن منده أفرد له جزءًا وأوصلهم إلى ثمانين صحابيًّا، فلا ينكر المسح على الخفين إلا مبتدع، ولم يحفظ عن أحد من أهل العلم ممن يُعتد بقوله أنه أنكر المسح على الخفين، يذكر عن مالك أنه لا يقول به في الحضر، لكن الموجود في الموطأ والمأثور عند كبار أصحابه أنه لا يفرق بين الحضر والسفر، وأنه يقول به كسائر الأئمة، وأنكره بعض المبتدعة وشددوا في النكير على من أثبته، ورد عليهم علماء الإسلام بالأدلة الصحيحة والصريحة، ولكن شأنهم الخلاف، ثبت في السُّنًّة؛ ديدنهم خلاف السُّنَّة، مثل هؤلاء ما فيهم حيلة، والرد عليهم- وإن كان متعينًا- لكنه لا يجدي؛ ولذا أدخل الأئمة هذه المسألة- التي هي مسألة المسح على الخفين- في كتب العقائد؛ لأن المخالف فيها من المبتدعة، ولا يعرف في أهل السُّنَّة من خالف فيها، ولذلك جعلوها من البدع التي تذكر في كتب العقائد.
قال- رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ" المصري الإمام، "قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ" الأيلي، وهو من رجال الصحيحين، "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ" الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، إمام من أئمة المسلمين، قال: "حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَاد" ابن أبيه، يسمونه زياد بن أبيه، ومنسوب لأبي سفيان. "حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَاد" وهو ابن أبيه، وفي الموطأ أنه من ولد المغيرة، لكن كلام مالك- رحمه الله- مع إمامته مرجوح.
"أنَّ عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع أباه المغيرة بن شعبة يقول: عدل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-"، أي مال وانحرف عن الطريق، "عدل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا معه في غزوة تبوك"، وكانت سنة تسع وهي آخر غزواته- صلى الله عليه وسلم-، وهي المعروفة بغزوة العسرة، للشدة التي حصلت له- عليه الصلاة والسلام- من بُعد المسافة وشدة الحر، والعدو كبير وأعدادهم هائلة وعُددهم، لا شك أن كل هذا يدل على صبر وثبات منه- عليه الصلاة والسلام-، وصبر واحتساب من أصحابه- رضي الله عنهم-.
"يَقُولُ: عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ" عدل ليقضي حاجته، وعلى هذا في السُّنَّة بالنسبة للماشي على طريق إذا أراد أن يقضي حاجته ينحرف وينصرف عن الطريق؛ لئلا يقضي حاجته في طريق الناس، لا سيما إذا كان الطريق مسلوكًا.
"وَأَنَا مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْر" وهذا يحتمل أنه قبل الوقت، ويحتمل أنه قبل الصلاة، ولكنهم قالوا: إن فيه فضيلة الوضوء قبل دخول الوقت، بناءً على أن الفجر المراد به الوقت، ولا شك أن الاستعداد والتأهب للصلاة قبل دخول وقتها يدل على اهتمام وحرص. "فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راحلته فَتَبَرَّزَ" كناية عن الغائط، "ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِدَاوَةِ"، سكبت يعني: صببت، وفيه أنه لا مانع من إعانة المتوضئ فالنبي- عليه الصلاة والسلام- صبوا عليه الماء وأحضروا له الماء؛ ولذا يقول العلماء: وتباح معونته وتنشيف أعضائه ولا مانع من هذا؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- صُبَّ عليه وأعين في هذا، والذي يصب لا شك أنه يعين المتوضئ ويبقى أن المتوضأ هو الذي يباشر الوضوء، والذي يُمِر الماء على يديه ويدلكها.
وبحثوا مسألة إعانة المتوضأ من قِبل غير المسلم، ما كان الناس يتصورون أن فيه كافرًا يوضئ مسلمًا، إلى وقت قريب، لكن لما خالطنا السائقين والخدم وغيرهم، وجد غير المسلمين، فما حكم إعانة غير المسلم المسلم على الوضوء، فيها شيء أم ما فيها شيء؟ إن كانت الإعانة تحتاج إلى نية، فالكافر ليس من أهل النية، وإذا كان الذي يعينه يصب، دوره مثل دور الصنبور الذي يُفتح، ما يحتاج إلى نية ولا يحتاج إلى شيء؛ ولذا قالوا: لا مانع أن يعينه غير مسلم.
قوله- عليه الصلاة والسلام-: «إنا لا نستعين بمشرك»، وهذا قاله في حال حرب (قتال)، ولا شك أن المشرك إذا اُستعين به في مثل هذه الظروف أنه قد يخون المسلمين ويخذلهم، لكن في مثل الماء، وهو في الأصل أجير، ويبقى أن كون الإنسان المسلم يتولى العبادة بنفسه لا شك أنه أكمل، لكن الرسول- عليه الصلاة والسلام- إتاحته لفرصة من يعينه تشريفًا له، ما هو مثل غيره- عليه الصلاة والسلام-، أيضاً الأب لو قال لولده أو لزوجته: صُب عليَّ من الماء، أيضًا هذا فيه تشريف وليس هذا تكليفًا، بخلاف لو قال لقرين له أو لزميل: تعال صُب عليَّ، هذه فيها ما فيها.
"فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِدَاوَةِ"، وهي إناءُ صغير من جلد، "فَغَسَلَ كَفَّيْهِ" الاستنجاء ما ذُكر، ولا يُتوقع أن المغيرة يصب عليه وهو يستنجي، فما ذكره المغيرة باعتبار أنه ما باشره، لكن ابن عبد البر قال..، أو استدل به ابن عبد البر على أنه- عليه الصلاة والسلام- استجمر بالأحجار مع وجود الماء؛ لأنّ. الاستنجاء ما ذكر، فإما أن يكون لم يذكر؛ لأنَّ المغيرة ما تولاه بنفسه فلا يحتاج إلى ذكره، أو أنه اكتفى بالأحجار والأحجار كافية بالإجماع. الاستجمار بالحجارة كافٍ، وثبتت به الأحاديث الصحيحة.
"فَغَسَلَ كَفَّيْه، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ"..
قال- رحمه الله-: "ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ" أي كشف، والمراد: أنه أراد ذلك. "ثُمَّ حَسَرَ" أراد أن يحسر، وأن يكشف عن ذراعيه "فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ" الأكمام ضيقة، "فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إِلَى الْمِرْفَقِ" يعني: مع المرفق. الأكمام ضيقة، وبعضهم أشار إلى أنه يستحسن لبس الضيق؛ لأنَّه أعون للحركة، لا سيما في حال السفر، والغزو. هذا في طريقه في غزوة تبوك قالوا ذلك، والأولى- يعني في الأحوال العادية- لا يلبس شيئًا ضيقًا يؤذيه عند إرادة خلعه، أو شيئًا واسعًا يزيد على قدر الحاجة، وبعض الناس أو المسلمين في بعض الجهات يلبس أكمامًا تكسو بعض الناس، تصلح ثوبًا لبعض الناس، هذا موجود، نعم.
ولذا يقول ابن القيم: وأما الأكمام التي هي كالأخراج- الخرج الذي يوضع فيه المتاع- بعض الناس يصنع مثل هذا، هذا موجود من قديم، وهو موجود الآن في بعض الجهات، يوجد عند بعض المصريين والسودانيين، وكان موجودًا عندنا ما يسمى بالأردان، معروف الردن: يعني الكم يصل إلى الأرض، كان موجودًا هذا، على كل حال كل هذا خلاف السُّنَّة، ولكن جاء الوصف فضاقت.. "فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ"- عليه الصلاة والسلام-.
من أعجب ما سمعت من بعض من يتصدى للتعليم، أن في الحديث دليلًا على مشروعية استعمال الكبك، معروف الكبك؟
طالب: ....
معروف؟ الذي في طرف الكم هذا، الأزرار التي في طرف الكم، لكن الكبك هو للتضييق أم للتوسيع؟
طالب: للتضييق.
الأصل إذا فتح الزرار، يصير أوسع من العادة، فما يؤدي الغرض، وليس في الحديث ما يدل عليه، على أن الكبك في الأصل كما ذكر الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) أن أم سلمة اتخذت لكميها أزرارًا؛ لئلا ينكشف ساعدها، لكن الناس الآن تعودوا عليه وصار من العادات، يعني هو ما يتعلق به حكم شرعي، لكنه صار من العادات، وما زلنا في بلادنا بالنسبة لطلاب العلم يتقونه، عندنا في نجد وفي كل البلدان، علماء كبار يلبسونه في بعض الأقطار، ما في شيء؛ لأنه صار من العادات ما يتعبد به، هو يلبس على أنه سُنَّة؟ لا، لكنه إما زينة لبعض الناس، أو أنه رأى الناس يفعلونه، واستحسنه كاستحسانهم.
على كل حال الحديث ما فيه ما يدل عليه؛ لأنه لن يصنع مثل ما صنع الرسول- عليه الصلاة والسلام- يأتي ليخرج اليد من تحت الجبة، والزرار موجود، أو بيفك زراره ويتوضأ بالراحة؟ لا، فما فيه مشابهة لكمه- عليه الصلاة والسلام-.
"فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إِلَى الْمِرْفَقِ"، (وإلى) بمعنى (مع) لأن (إلى) غاية، تأتي أحيانًا مع دخول المغيَّ، وأحيانًا تقصر دونه، والقرائن والدلائل الأخرى تدل على المراد. والنبي- عليه الصلاة والسلام- غسل ذراعه حتى أشرع في العضد، مما يدل على دخول المرافق.
"وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ" وهذا تقدم، "ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ" يعني: مسحهما، والمسح سواء كان على الرأس، أو على الخفين، من الوضوء فيصح أن يقال لمن مسح توضأ، ثم قال: توضأ أي مسح على خفيه، والمسح على الخفين مجمع عليه بشروطه، بأن يُلبس على طهارة، وأن يكون ساتر للمحل المفروض، وأن يكون خفًا يثبت بنفسه.
"ثُمَّ رَكِبَ"، يعني: راحلته بعد أن توضأ، "فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ" حتى نجِدُ، أو نَجِدَ؟
طالب: ....
أيش؟
طالب: ....
بأيش؟
طالب: ....
لا، ما تجيء مضمرة، ما ينصب بأن المضمرة في هذه الحال؛ لأنَّه مضاف إلى اسم، يعني: مسند الفعل إلى.. لكن دعونا من المضمرة وغيرها، نقول: (حتى نَجِدُ، أو نَجِدَ)؟ قالوا: الراجح الرفع؛ لأنه لا يراد منها المستقبل. المضارع للحال، أو للاستقبال، لكن حتى يمشون إلى أن يجدوا، ولا وجدوا؟
"حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ" هم يجدونهم في المستقبل يكون مضارعًا أو هم وجدوا فهو ماضٍ؟ وجدوا؛ لذلك قالوا: المرجح الرفع، وجوِّز النصب على اللفظ.
"حَتَّى نَجِدُ، أو نجدَ النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ" وفيه فضيلة له، عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد العشرة المبشرين، قد اختاره الصحابة كلهم ليكون إمامًا لهم، وأوقفوه موقف الرسول- عليه الصلاة والسلام-، مما يدل على فضله وميزته، " فَصَلَّى بِهِمْ حِينَ كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ" يعني: أول وقت الصلاة؛ لأنه لو كان في أثناء الوقت؛ لوجدهم الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما أقاموا الصلاة، لو كان في أثناء الوقت، أو في آخره لوجدهم النبي- عليه الصلاة والسلام- لم يشرعوا في صلاتهم لكن ما يدل على أنهم أقاموا الصلاة في أول وقتها.
قال: "وَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ" وهذا فيه صلاة الفاضل خلف المفضول، وهذا أمر متفق عليه، لكن عند الاختيار ينبغي أن يُقدم الفاضل؛ لحديث «يؤم القوم أقرؤوهم لكتاب الله» إلى آخره.
"فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاتِهِ" ليأتي بما فاته؛ ليتم صلاته، "سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" هل قام بعد التسليمة الأولى، أو بعد التسليمتين؟ اللفظ محتمل، وكل على مذهبه من يقول الواجب التسليمة الأولى فقط والثانية سُنَّة؛ يقول: يقوم المسبوق بعد التسليمة الأولى، ومن يقول بوجوب التسليمتين كأحمد ومن معه، يقول: لا يقوم لقضاء ما فاته إلا بعد أن يُسلِّم الإمام التسليمتين.
"فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاتِهِ فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ" أمر يعني ليس بعادي، أن يصلي الناس والرسول- عليه والصلاة والسلام- وراءهم يقضي صلاته، لا بُد أن يجدوا في أنفسهم شيئًا، لا سيما وأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، ما عرف أنه يتخلف، ويحصل لهذه الحالة نظائر، وكان الناس يفزعون إذا رأوا العالم متأخرًا، كان الناس يفزعون أيام كان العلماء علماء، أهل علم وعمل، لكن الآن تجده عاديًّا، تلتفت تجده في طرف الصف، عالم، ولا آخر الصفوف، وهذا لا شك أنه حرمان، إلا إذا كان هناك عذر، أو العالم منشغل بما هو أهم. على كل حال ينبغي أن يلاحظ مثل هذا الأمر؛ لأنَّ العالم قدوة، إذا رآه عامة الناس يتأخر تأخروا، وقالوا: لو كان فيه مزيد فضل لسنا بأحرص من فلان، والله المستعان.
"فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ" يعني: حينما رأوا الرسول- عليه الصلاة والسلام- مأمومًا، مسبوقًا، يعني: يجدون في أنفسهم، ويحز في نفوسهم أن يجدوا الرسول- عليه الصلاة والسلام- وهو الإمام القدوة في هذا الموقع، ولكن وقوع مثل هذا لا شك أنه من باب التشريع، فيه فوائد كثيرة جدًّا شرعية، والنبي- عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الفجر، لكن هل في هذا حجة لمن ينام جلَّ الأيام عن صلاة الفجر، ويقول: الرسول نام عن صلاة الفجر؟ ونسي في صلاته ليسن، وليس في هذا حجة لمن يأتي وقد ملأ وشحن رأسه وذهنه بمشاغل الدنيا، ولا يدري هو في الأولى أو في الرابعة، ويقول الرسول- عليه الصلاة والسلام- نسي، نسي ليسن ويشرع، ونام عن صلاة الصبح مرة واحدة لذلك، بعض الناس عندهم من الحرص، وذُكر عن بعضهم أنه لو فاتته تكبيرة الإحرام يُعاد، يمرض، لو فاتته الصلاة يجلس أسبوع مريض. فمثل هذا لو لم تحصل هذه القضية منه- عليه الصلاة والسلام- أنه فاتته صلاة الفجر، ماذا يصير وضعه؟ لكن تسلية لمثل هؤلاء، وليس فيها حجة للمفرطين، فمثل هذا كونه- عليه الصلاة والسلام- يقتدي بواحد من صحابته، هذا من باب التشريع، واستنبط منه فوائد كثيرة جدًّا.
"فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُمْ: «قَدْ أَصَبْتُمْ»" يعني: فيما فعلتم، أصبتم يعني: ما تأخرتم؛ لأنَّ الغائب كما يقولون عذره معه، ما يدرون متى يجي، « أَوْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ» وعلى كل حال الخبر في الصحيحين وغيرهما، وفيه المسح على الخفين.
ثم قال- رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ" القطان، "ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" (الحاء) مرت بنا مرارًا، أنها (ح) التحويل من إسناد إلى آخر، "وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ" وهو ابن سليمان التيمي، "عَنِ التَّيْمِيِّ" أبيه سليمان، علم من أعلام المسلمين، قال: "حَدَّثَنَا بَكْرٌ" ابن عبد الله المزني، "عَنِ الْحَسَنِ" البصري، وهؤلاء أربعة من التابعين، يروي بعضهم عن بعض، المعتمر تابعي، وأبوه، وبكر المزني، والحسن البصري كلهم تابعيون يروي بعضهم عن بعض، ووجد الثلاثة بكثرة أكثر من الأربعة، والخمسة أقل من الأربعة، والنادر وجود ستة من التابعين، يروي بعضهم عن بعض، ستة في طبقة واحدة يروي بعضهم عن بعض، في أطول إسنادٍ في الدنيا، في سنن النسائي في فضل سورة الإخلاص، فيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وأفرده الخطيب البغدادي بمصنف.
"عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ" واسمه حمزة، وجاءت تسميته في بعض الروايات عروة، "عن حمزة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ" الناصية مقدم الرأس "- وَذَكَرَ- فَوْقَ الْعِمَامَةِ" يعني: ذكر المسح فوق العمامة، يعني: مع الناصية، "قَالَ: عَنِ الْمُعْتَمِر، سَمِعْتُ أَبِي" المعتمر بن سليمان، يقول: سمعت أبي، أبوه سليمان التيمي كما تقدم، "يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ" المزني، "عَنِ الْحَسَنِ" البصري، "عَنِ حمزة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ".
في هذا دليلُ لمن يقول أنه لا بُد من الجمع بين المسح على جزءٍ من الرأس مع العمامة، ولا يكتفى بمسح العمامة. أمَّا بالنسبة للمسح على الخفين فهو متواتر، ويرويه سبعون من الصحابة، وعند ابن منده ثمانون كما تقدم، وما روي من خلافه عن بعض الصحابة عن علي- رضي الله عنه-، وعائشة، وأبي هريرة كل هذا لا يثبت ولا يصح.
"قَالَ بَكْرٌ" هو ابن عبد الله المزني، "وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ الْمُغِيرَةِ"، في السند الأصل حدثنا بكر عن الحسن البصري عن ابن المغيرة، وهنا في التعليق قال بكر: "قد سمعته من ابن المغيرة" يعني: مباشرة بدون واسطة الحسن، وهذا متصور أن يروى الخبر بواسطة، ثم يلتقي الراوي مع من روى عنه الواسطة فيرويه عنه بدون واسطة، يروي الخبر عن الحسن عن ابن المغيرة، ثم يتيسر له لقاء ابن المغيرة فلا حاجة لذكر الحسن إذا رواه عنه مباشرة.
ثم قال- رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ" وهو ابن أبي إسحاق السبيعي، "قال: حَدَّثَنِي أَبِي" يونس بن أبي إسحاق، والابن عيسى مخرج له في الصحيحين وغيرهما، وأبوه يونس مخرج له في صحيح مسلم، ومسدد إمام الأئمة معروف، "عَنِ الشَّعْبِيِّ" عامر بن شراحيل، "قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ المغيرة، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكبة" ركبة جمع راكب، كما يقال: قَرَأَة جمع قارئ، والرَكَبة جمع راكب، وفي تفسير الطبري- رحمه الله تعالى- في ((جامع التفسير)) إذا ذكر القراءات والخلاف فيها، قال: والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القرأة على ذلك. القرأة جمع قارئ، والركبة هنا جمع راكب.
يقول المغيرة: "وَمَعِي إِدَاوَةٌ" الإداوة: الإناء الصغير من الجلد، "فَخَرَجَ الرسول- عليه الصلاة والسلام- لِقضاء حَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ" يعني صببت عليه "فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ"، وجاء في صحيح مسلم أنها جُبة شامية، ولا اختلاف؛ لأنَّ الروم في الشام، "ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَضَاقَتْ فَادَّرَعَهُمَا" أنه معناه أنه نزع ذراعيه من أسفل الجبة، وادرع من الذراع، كما يقولون ادَّكر من الذكر، "فَادَّرَعَهُمَا ادِّرَاعًا" افتعل افتعالًا من الذراع، كما في ادَّكر ادكارًا، من التذكر والذكر.
"ثُمَّ أَهْوَيْتُ" يعني: مددت يدي "إِلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنْزَعَهُمَا" وفي هذا خدمة العالِم كما تقدم، "فَقَالَ لِي: «دَعِ الْخُفَّيْنِ»" اتركهما، «فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ» يعني: في الخفين، «وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» والمراد: الطهارة الشرعية، يعني: من الحدث، وحملها داود على الحسية من النجاسة، ولا يشترط تقدم الطهارة على لبس الخف، ولكن عامة أهل العلم حملوا الطهارة هنا على الطهارة الشرعية من الحدث.
وتقدم الطهارة مشروط لصحة المسح، والمراد بطهارة القدمين معًا، يقول: «فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ»، يعني: حال كونهما طاهرتان، يعني: معًا؛ وعلى هذا لو غسل اليمنى، ثم لبس الخف، ثم غسل اليسرى، ثم لبس الخف ما يصح؛ لأنَّه لا يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين؛ ولذا يقولون: الواجب في مثل هذا- لو حصل- أن ينزع الخف من القدم اليسرى، ثم يلبسها في جديد، وغسل اليمني أدخلها الخف، ثم غسل اليسرى أدخلها الخف، قالوا: الشرط ما يتحقق، لا يتحقق إلا وهما طاهرتان، قالوا: ما الحل؟ وماذا يفعل؟ يعيد الوضوء أم ماذا يفعل؟ قالوا: يخلع الخف من القدم اليسرى، ثم يلبسها ليصح أنه أدخلهما طاهرتين، أو يخلع القدم اليمني؟ اليمنى لأنه أدخل اليسرى بعد طهارة القدمين. أما اليمنى أدخلها قبل طهارة القدم اليسرى، قال بعضهم: هذا نوعُ من العبث يخلع ويلبس مجرد يخلع ويلبس، نقول: هذا تعبد، جاء الشرع بهذا الشرط فلابد من تحققه.
"فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، قَالَ أَبِي: قَالَ الشَّعْبِيُّ: شَهِدَ لِي عُرْوَةُ" يعني: ابن المغيرة، "عَن أبيه، أو على أَبِيهِ"، يعني: أنه روى هذا الحديث، "وَشَهِدَ أَبُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أنه قاله.
ثم قال- رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ" القيسي الحافظ، شيخ البخاري ومسلم، قال: "حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ" يعني: المتقدمة. "قَالَ: وسرنا فَأَتَيْنَا النَّاسَ يصلون" بعض الكلمات ليست من الأصل، لكن تذكر للتوضيح، "قَالَ: فَأَتَيْنَا النَّاسَ" يعني: سرنا ومشينا حتى أتينا الناس يصلون كما تقدم، "وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ" كما تقدم، "فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" عبد الرحمن بن عوف، "لَمَّا رَأَى النَّبِيّ-َ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّر" كما صنع أبو بكر- رضي الله عنه- حينما صلى بالناس في مرض النبي- عليه الصلاة والسلام-.
"فَأَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ" يعني: استمر في صلاتك ولا يتأخر، "قَالَ: فَصَلَّيْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (قال) يعني: المغيرة، "قَالَ: فَصَلَّيْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلْفَهُ رَكْعَةً" وهي الركعة الأول بالنسبة لهم، والثانية بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف مع من معه من الصحابة.
"فَصَلَّيْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ" (أنا) ضمير فصل لا بُد منه ليصح العطف على الضمير المتصل المرفوع، ولا يجيزون العطف على الضمير المتصل إلا بفاصل. إمَّا الضمير المنفصل، أو فاصل ما كما قالوا. "فَصَلَّيْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلْفَهُ رَكْعَةً" يعني: هي الركعة الأولى بالنسبة له- عليه الصلاة والسلام-، والثانية بالنسبة لعبد الرحمن ومن معه، "فَلَمَّا سَلَّمَ" يعني: عبد الرحمن، "قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا" ما زاد على ركعتين، صلى مع عبد الرحمن بن عوف ركعة، ولمَّا سلم عبد الرحمن بن عوف صلى ركعة، "لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا" يعني: ما زاد ركعة ثالثة، يحتاج إلى هذا الكلام؟ ما زاد عليها سجودًا للسهو، ما جاء بسجود سهو؛ لأنه جلس وتشهد تشهُّدًا في غير موضع، المسبوق ليس بتابع الإمام، ويفعل أفعالًا لا تصح منه لو كان منفردًا، التشهد الأول الذي تشهده مع عبد الرحمن بن عوف، موقعه من الصلاة زائد، من أجل ماذا؟ من أجل متابعة الإمام، وجاء بهذا."وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا".
ثم "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وعبد الله بْنُ الزُّبَيْرِ، وعبد الله َابْنُ عُمَرَ، يَقُولُونَ: مَنْ أَدْرَكَ الْفَرْدَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ" يعني: في مثل حاله- عليه الصلاة والسلام- ما أدرك إلا فردًا، وتشهد مع الإمام في غير موضع التشهد، هؤلاء يقولون: عليه سجود سهو؛ ولذلك نُبِّه في الرواية على أنه لم يزد على ذلك، ما فيه سجود للسهو، لماذا يلزمه سجود السهو عند هؤلاء؟ لأنَّه أتى بفعلٍ زائد على مقدار صلاته. طيب لو أتى بأربع تشهدات كمن يأتي والإمام قد رفع رأسه من الركعة الثانية من صلاة المغرب، يدخل معه ويتشهد معه التشهد الأول وقد فاته ركعتان، ثم يتشهد معه التشهد الثاني، ثم إذا صلى ركعة يجلس للتشهد الأول بالنسبة له، ثم يتشهد التشهد الثاني، كل هذه تجب من أجل ماذا؟ المتابعة، ولا يلزم منها سجود سهو، قالوا: عليه سجدتا السهو؛ لأنَّه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع التشهد، وحديث الباب يرد قولهم، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: «وما فاتكم فأتموا» ولم يأمر بسجود، يدل على أنه لا يلزم، ولا سهو ها هنا؛ لأنَّه فعله عمد لا عن سهو، وهذا العمد إمَّا أن يمضي بدون سجود كما في حديث الباب، أو أنه يكون مبطلًا للصلاة. يعني: لو تعمده منفرد أو إمام وجلس للتشهد في غير موضعه تعمد؛ صلاته تبطل.
لعلنا نقف على هذا.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"