شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسأل بعض الإخوان عن الشرب في مثل هذه هل هو شرب من فيّ السقاء الذي جاء النهي عنه أو لا؟
لا شك أنه ورد النهي عن الشرب من في السقاء، ونهى عن اختناث الأسقية، يعني الشرب من أفواهها، وعلة النهي أن رجلاً شرب من فم السقاء فانساب في بطنه جان من الماء، فجاء النهي عن الشرب من فم السقاء، وإذا عرفنا العلة -علة النهي- وأنه قد يوجد في الماء ما يضر الإنسان مما لا يتمكن من رؤيته فمثل هذا الذي بين أيدينا في حكم الإناء؛ لأنه يرى ما في جوفه، يرى ما في بطنه فلا يتصور أن فيه ما يضر، لكن بالنسبة للعلب العلب الحديد التي لا يبين ما في جوفها مثل هذه يتجه النهي فيها، فلا بد أن يصب منها في إناء ويشرب، أما هذه يرى ما في جوفها كالإناء تماماً، فلا تظهر علة النهي في مثل هذا.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا والحاضرين والمستمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال: أخبرني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي الحافظ، قال:
أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب ح وحدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن مصعب بن سعد عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» في حديثه: «إلا بطهور» قال أبو عيسى...
قال هناد، قال هناد في حديثه.
قال هناد في حديثه: «إلا بطهور» قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي المليح...
قال أبو عيسى: هذا الحديث..
قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وفي الباب عن أبي المليح عن أبي هريرة وعن أبيه وأبي هريرة وأنس، وأبو المليح بن أسامة اسمه: عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- أبو عيسى محمد عيسى بن سورة الترمذي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، في كتابه الجامع الذي هو أحد أصول الإسلام الخمسة المتفق عليها، والسادس اختلف فيه أهل العلم الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، اختلف في السادس فمنهم من جعله موطأ الإمام مالك كرزين في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامعه، ومنهم من جعله الدارمي، ومنهم من جعله السادس ابن ماجه كابن طاهر في شروط الأئمة وفي أطرافه.
أما جامع أبي عيسى فمتفق على كونه من الستة لم يختلف فيه أحد، يقول -رحمه الله تعالى-: "أبواب الطهارة" جرت عادة المؤلفين أن يترجموا بتراجم كبرى ويفرعوا عليها، فيقولون: كتاب هذه هي العادة المطردة عندهم، ويدرجون تحت الكتاب أبواب، وتحت الأبواب أحاديث، وفي غير الحديث فصول، أبو عيسى -رحمه الله تعالى- لم يذكر كتب في ثنايا كتابه، لم يذكر كتباً، وإنما ذكر أبواب جمع باب، والباب في الأصل ما يدخل ويخرج منه، هذه حقيقته اللغوية والعرفية العامة، أما حقيقته العرفية الخاصة عند أهل العلم فهو ما يضم مسائل وفصول، أو ما يستنبط منه المسائل كالأحاديث.
"أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الأبواب جمع باب كما ذكرنا، والطهارة مصدر طهر يطهر طاهرة، وطهراً، والمصدر طهّر تطهيراً، ويراد بها النظافة والنزاهة، هذه حقيقتها اللغوية، وأما حقيقتها الشرعية: فهي رفع الحدث سواء كان الأكبر أو الأصغر.
"عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا عن غيره، هذا الأصل فيما بني عليه الكتاب، أنه ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أبواب الدين التي منها أبواب الطهارة، وأما ما يذكره المؤلف من الآثار وأقوال فقهاء الأمصار فهي قليلة بالنسبة للأحاديث من جهة، ومن جهة أخرى هي مبنية على هذه الأحاديث، فالأصل في هذه الأبواب الأحاديث المرفوعة المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كتب السنة الستة كلها مترجمة بكتب، كتاب الإيمان، كتاب العلم، كتاب الطهارة، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة.. إلى آخره، ما عدا صحيح مسلم فإنه لم يترجم، لم تذكر فيه تراجم، وإنما فيه أحاديث سرد هكذا، وإن كانت الأحاديث مرتبة على الكتب والأبواب، لكن مسلماً جرد كتابه من هذه التراجم لئلا يخلط كلامه بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأبو عيسى الترمذي بدل من أن يقول: كتاب كما يقول البخاري، أو يقول أبو داود أو النسائي أو ابن ماجه يقول: أبواب.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور" باب ما جاء يعني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال في الترجمة: "أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فلا يحتاج أن يكرر هذا، يكفي في الترجمة الكبرى أن يذكر المصدر، ولا يحتاج إلى أن يشير إليه في التراجم الفرعية "ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور" هذه الترجمة نص حديث ابن عمر الآتي تحتها، وهنا قدم الطهور والطهارة على غيرها من شروط الصلاة كما جرت بذلك عادة جماهير المصنفين خلافاً للأمام مالك الذي قدم "باب وقوت الصلاة" وهذا له دلالته في الأهمية؛ لأن الأولية لها دخل في الأولوية، فلما قدم الطهارة عن بقية شروط الصلاة صارت الطهارة عنده أهم الشروط، وهي مفتاح الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والشرط يتقدم على المشروط، تقديم الطهارة للاهتمام بشأنها، والإمام مالك حينما قدم الوقوت دليل على أن اهتمامه بالوقت أعظم من اهتمامه بالطهارة، ولكلٍ وجهة، ويظهر مثل هذا الاختلاف فيما إذا استيقظ الإنسان من نومه أو تذكر صلاة نسيها وبقي من وقتها ما لا يستوعب فعلها مع الطهارة لها، فهل يتطهر ويصلي ولو بعد خروج الوقت أو يراعي الوقت ويترك الطهارة؟ يعني الطهارة الكاملة بالوضوء أو بالغسل مثلاً استيقظ قبل طلوع الشمس بخمس دقائق، وعليه غسل مثلاً، لو اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم وصلى أدرك الصلاة في وقتها، على ترتيب الإمام مالك يدرك الوقت؛ لأنه أهم من الطهارة، وعلى قول جمهور أهل العلم يتوضأ ويغتسل ويأتي بالطهارة الكاملة ولو خرج الوقت فإنه وقتها ولو خرج ما دام ما فرط هو وقتها، على كل حال عامة أهل العلم على تقديم الطهارة، وأنها لا تصح الصلاة إلا بها مع القدرة عليها، أما مع العجز فلا، ولهذا قال: "باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طُهور" بضم الطاء، والمراد به ما يعم الوضوء والغسل والتيمم عند عدم الماء، يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا قتيبة بن سعيد" أبو رجاء البغلاني، محدث خراسان، المتوفى سنة أربعين ومائتين "قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة" جرت عادة أهل الحديث أن يحذفوا (قال) في الخط من الإسناد، ويتلفظوا بها، وصرح كثير منهم بأنه لا بد من الإتيان بها، وإن قال بعضهم: إن حذفها في اللفظ تبعاً للخط لا يؤثر في الإسناد، ولذا لا يلزم الإتيان بها، وعامة أهل العلم أنه يلفظ بها، وإن لم يتأثر الإسناد بتركها "قال: حدثنا أبو عوانة" وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، المتوفى سنة ست وسبعين ومائة، إمام ثقة حافظ، لم يتكلم فيه أحد بحجة، وإن قال بعض المعاصرين فيه ما قال اعتماداً على تصحيف وقع في كتاب، ورماه بالوضع، تصحيف قال: أبو عوانة وضاع، اسمه: وضاح هو، فقال: إنه وضاع تبعاً لهذا التصحيف، وذلك لهوى في نفسه؛ لأنه ورد عن طريقه حديث يهدم مذهبه، فقال: أبو عوانة وضاع، وهذا تصحيف جاء في كتاب من الكتب وإلا فاسمه وضاح، وتبادر إلى ذهنه أن المقصود الوصف لا الاسم، وصفه بكونه وضاعاً، لكن هذا رجل مفتون لا يلتفت إلى ما ذكر، والأئمة كلهم على توثيقه، وهو إمام متفق على إمامته، ومن رجال الكتب الستة، الوضاح بن عبد الله اليشكري قد يلتبس على من لا علم عنده ولا خبرة له بأبي عوانة صاحب المستخرج، أبو عوانة الإسفرايني صاحب المستخرج على صحيح مسلم، لكن من لديه أدنى معرفة بالتواريخ ومواليد الرواة ووفيات أهل العلم يعرف أن هذا غير هذا؛ لأن هذا متوفى سنة مائة وستة وسبعين، ولذلك له مستخرج على صحيح مسلم، يعني متأخر جداً عن الأئمة، في القرن الرابع، الالتباس بالكنية قد يظن بعض من لا خبرة له أنهما واحد وهما اثنان، ومثل هذا الالتباس لا يذكر في مثل كتاب: (الموضح لأوهام الجمع والتفريق) للخطيب الذي موضوعه التباس الرواة، حتى يجعل الواحد اثنين والاثنين واحد، قد يحصل الالتباس في الاسم يحصل الالتباس في الكنية، في النسبة، قد يحصل الالتباس في ذلك كله، وتتحد الطبقة فيجعل البخاري الراوي اثنين مثلاً أو العكس، ثم يُستدرك عليه، وغيره من الأئمة يحصل هذا كثير لوجود التشابه في الرواة، في أسمائهم، وأنسابهم، وكناهم، وطبقاتهم، وموضوع هذا أو هذا الموضوع إنما محله مثل كتاب: (موضح أوهام الجمع والتفريق) لكن ما عندنا أبو عوانة مع أبي عوانة الإسفرايني لا يجعله الخطيب في كتابه؛ لأنه لا يلتبس بينهما بون شاسع ما يقرب من قرنين، فلا التباس بينهما.
واستخرجوا على الصحيح كأبي |
| عوانة ونحوه فاجتنبِ |
إلى أخره.
"حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب" بن أوس، أحد أعلام التابعين، متوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة "ح وحدثنا هناد" ح هذه ح مفردة هكذا ترسم بصورتها، في أثناء الأسانيد يراد بها التحويل من إسناد إلى أخر، ويستفاد منها الاختصار هذا معناها عند عامة أهل المشرق "ح وحدثنا هناد" المغاربة يقولون: إن المراد بالحاء هذه رمز الحديث، ويلفظون إذا وصلوها بالحديث عن سماك بن حرب الحديث وحدثنا هناد، وهي في مثل هذا لا يترجح قول المغاربة، لكن في مثل ما يفعله الإمام البخاري كثيراً يذكر الإسناد كاملا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: ح وحدثنا فلان، هذا لا يقصد منها التحويل ولا يستفاد منها اختصار الإسناد، لأنه ذكره كاملاً، فمثل هذه يتجه فيها قول المغاربة، ومنهم من يقول: إن الحاء هذه أصلها خاء في صحيح البخاري، ويكون المراد أن الإسناد رجع إلى المؤلف الذي هو البخاري ورمزه خاء، لكن وجودها في أسانيد صحيح البخاري لا تترتب عليها الفائدة التي من أجلها اختصار الأسانيد كما هنا، على أن البخاري إنما يستعملها على قلة بالنسبة لاستعمال مسلم أو أبي داود أو غيرهما، مسلم مكثر من تحويل الأسانيد، والإمام البخاري مقل.
"ح وحدثنا هناد" بن السري، الزاهد، شيخ الكوفة، المتوفى سنة ثلاثة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا وكيع" هو ابن الجراح الرؤاسي، محدث العراق، الإمام العلم المشهور، توفي سنة سبع وتسعين ومائة "قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، المتوفى سنة أربع وستين ومائة "عن سماك" هو ابن حرب السابق، وهنا يلتقي الإسنادان "عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص" الزهري، المتوفى سنة ثلاث ومائة "عن ابن عمر" عبد الله، العابد، الناسك، الصحابي الجليل، المتوفى سنة ثلاث وسبعين "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور»" هذا الحديث له مناسبة إيراد؛ لأن هناك مناسبة ورود ومناسبة إيراد، مناسبة الورود هي التي تبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- على قول الحديث، مثل سبب النزول بالنسبة للآيات، هذا يقال له: سبب ورود، ومعرفته من الأهمية بمكان لطالب العلم؛ لأنه يعرف به الظرف الذي ورد فيه الحديث، وإذا عرف السبب زال الإشكال وبطل العجب، يعين على فهم الحديث السبب، وهنا سبب إيراد لا سبب ورود، سبب إيراد للراوي عبد الله بن عمر لهذا الخبر، أنه زار ابن عامر، ابن عامر هذا أمير على البصرة والي وهو في عرفهم يسمى عامل، كان عاملاً على البصرة، فقال له ابن عامر: ادع لي، عاده وهو مريض فقال له: ادع لي، يعني ابن عمر وجد الناس محيطين بابن عامر هذا، كما جرت بذلك العادة عند الكبار من أهل الدنيا كلهم يدعو له بالعافية والسلامة من هذا المرض، لكن ابن عمر لا يلتفت إلى هذه الأمور؛ لأنه لا مطمع له فيما عنده، فقال له ابن عامر: ادع لي، "فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» وكنتَ على البصرة" والمناسبة بين الجملتين ظاهرة، يعني فكما أن الصلاة لا تقبل بغير طهور، الصدقة أيضاً لا تقبل إذا لم تكن من حلال، وكنت على البصرة، والإمارة مظنة، الإنسان إذا لم يكن فوقه رقيب ولا حسيب مظنة لأن يتساهل في بعض الأمور، ثم يتصدق بشيء منه، ولا تقبل صدقة من غلول، والغلول أعم من الأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم، هدايا العمال غلول، ومن استعملناه على شيء فليأتينا بقليله وكثيره، ابن عامر كان على البصرة، مع أنه معروف بالفضل والخير والكرم والشجاعة، لكن مثل هذا لا يمشي عند ابن عمر، وإن مشى عند كثير من الناس.
«لا تقبل صلاة بغير طهور» لا تقبل هنا نفي للقبول، ونفي القبول في النصوص يطلق ويراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، نفي الصحة كما هنا «لا تقبل صلاة بغير طهور» يعني: لا تصح، «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» هذه يراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، كما في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] «لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر» «لا يقبل الله صلاة عبد آبق» «من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً» والفرق بين القبولين الفرق بينهما متى يطلق القبول ويراد به نفي الصحة؟ ومتى يطلق القبول ويراد به نفي الثواب؟ إذا أطلق نفي القبول بسبب تخلف شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها، أو جزء لا تصح إلا به، يعني إذا ترتب على انتفاء شيء مؤثر في الصلاة، أمّا إذا أطلق بإزاء أمر خارج عن العبادة فإنه ينفى الثواب المرتب عليها وتصح ويسقط بها الطلب، وتجزأ عند أهل العلم، لكن لا ثواب له عليها، فالعبد الآبق، إباق العبد هل له ارتباط بالصلاة؟ هل من شروط الصلاة أن يبقى البعد عند سيده في خدمته؟ ما له علاقة بالصلاة لأمر خارج عن ذات العبادة وعن شرطها، أما إذا توجه نفي القبول إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو جزئها الذي لا تصح إلا به اتجه القول بالبطلان، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] لم يقل أحد من أهل العلم: إن صلاة أو جميع عبادات الفساق مردودة، لا تصح، بمعنى أنه إذا تاب من فسقه يعيدها، لم يقل أحد من أهل العلم بهذا، إنما عباداتهم صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، لكن الثواب المرتب عليها باعتبار أن الإنسان يتقرب إلى الله -جل وعلا-، وهو متلبس بمعصية مثل هذا كيف يرجو ما عند الله من ثواب وقد تلّبس بما يغضب الله -جل وعلا-؟ أهل العلم يفرقون بين أن يعود النهي إلى شرط كالسترة مثلاً، وبين أن يعود إلى أمر خارج عن شرط الصلاة أو عن ذاتها، فلا يؤثر فيها إنما يؤثر في ثوابها، فمن صلى وهو مسبل، من صلى وبيده خاتم ذهب، من صلى وعلى رأسه عمامة حرير صلاته صحيحة، لكنه آثم بمعصيته الثواب المرتب على العبادة لا يحصل له في قول عامة أهل العلم، وأما بالنسبة إذا عاد النهي إلى الشرط، لو صلى وعليه سترة حرير ما صحّت صلاته؛ لأنه مطالب بهذا الشرط لهذه العبادة، فكيف يطالب أو يتقرب بأمر يطالب به وهو في الوقت نفسه محرم عليه ومنهي عنه؟ هذا من باب الجمع بين الضدين «لا تقبل صلاة بغير طهور» صلاة نكرة في سياق النفي، نكرة في سياق النفي فتعم جميع الصلوات، كل ما يطلق عليه صلاة في عرف الشرع لا تقبل إلا بطهور، لا تقبل إلا على طهارة، فالصلوات الخمس تدخل دخولاً أولياً، النوافل ذات الركوع والسجود تدخل دخولاً أولياً، الصلوات المعتادة داخلة بلا إشكال، الصلوات غير المعتادة مثل العيد والكسوف والجنازة أيضاً تدخل؛ لأنها صلاة يشملها لفظ صلاة؛ لأنها نكرة في سياق النفي، فلا تصح هذه الصلوات إلا بطهور، السجود المفرد سواء كان للشكر أو للتلاوة عند جمع من أهل العلم هو صلاة، يشترط له ما يشترط للصلاة، وقال بعضهم: إنه ليس للصلاة، ليس في صلاة فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، وسجد ابن عمر على غير طهارة، وعلى غير استقبال، وهو الصحابي المؤتسي.
النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد في سورة النجم، وسجد معه الناس كلهم من مسلمين ومشركين، يقول بعض أهل العلم: إنه لا يتصور أن جميع هذه الجموع كلهم على طهارة، ولا بين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن سجودهم غير صحيح، لكن هل السجود المفرد يقال له: صلاة أو أن الصلاة أقل ما يقال فيها: ركعة بركوعها وسجدتيها؟ السجود المفرد، يعني لو إنسان سجد سجدة شكر يقال: صلى؟ وهل تتأدى تحية المسجد بسجود مفرد، يقول: صلى والعدد لا مفهوم له عند بعض أهل العلم أنه المقصود إيجاد صلاة، فنقول على هذا: يسجد سجدة شكر أو يسجد سجدة تلاوة ويكفيه يجلس، العلماء يختلفون في الركعة الكاملة هل تكفي أو لا بد أن يأتي بركعتين ليمتثل ما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» وهذا هو المعتمد أنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو أوتر بواحدة ما كفت، ما تجزئ عن تحية المسجد، على كل حال المسألة خلافية في سجود التلاوة، فمن يقول: هو صلاة يشترط له ما يشترط للصلاة من طهارة وستارة واستقبال وغيرها من..، ونية وتحليل وتسليم وتحريم وتحليل تكبير وتسليم، كل هذا يشترط لها إذا قلنا: صلاة، وإذا قلنا: إنه أمر بالسجود فسجد ولم يؤمر بأكثر من ذلك، نقول: إنها ليست بصلاة، والسجدة المفردة ليست بصلاة، وأقل ما يطلق عليه صلاة ركعة بركوعها وسجودها، لكن الأحوط أن يتطهر لها، ويستقبل القبلة، ويستتر، ويأتي بها على ضوء ما يأتي به في صلاته.
«لا تقبل صلاة بغير طهور» طُهور بضم الطاء وفتحها طَهور، وفرّقوا بين الضم والفتح بأن الطهور مصدر والمراد به فعل المكلف الذي هو التطهر والتطهير، والطهور ما يتطهر به كالوضوء، الوضوء بالفتح يقال للماء الذي يتطهر به، وبالضم يقال للتوضؤ الذي هو فعل المكلف المصدر، وجمع من أهل اللغة لا يفرقون بين الضم والفتح.
«ولا صدقة من غلول» الأصل في الغلول أنه الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، لكن يراد به ما هو أعم من ذلك، وأن جميع ما يؤخذ على غير وجهه، ومن غير حله، ومن غير بابه الشرعي فإنه غُلول، وابن عمر لما ساق الخبر، يقصد هذه الجملة ويرد أن يعظ ابن عامر بهذه الجملة، وأن يتوب وأن يتخلص مما أخذه من غير وجهه "قال هنّاد في حديثه: «إلا بطهور»" بدلاً من قول..، بدل من قول قتيبة، يعني هناد في روايته: «إلا بطهور» وقتيبة في روايته: «بغير طهور» وهل هناك فرق بين الاستثناء بـ(إلا) والاستثناء بغير؟ لا فرق بينهما، لكن التنصيص على مثل هذا مما يدل على دقة أهل الحديث، وأنهم يذكرون فروقاً لا أثر لها في الحكم إلا أنه من باب الأمانة، لفظ هذا الراوي يختلف عن ذاك، والرواية بالمعنى جائزة عند أهل العلم، ولو اقتصر على رواية قتيبة ولم يشر إلى رواية هناد ما لحقه تبعة؛ لأن الرواية بالمعنى جائزة، وإذا رواه بلفظ قتيبة دخل فيه من حيث المعنى لفظ هناد، والإمام مسلم يعنى بهذا أشد العناية، ببيان اختلاف الرواة، ولو في حرف غير مؤثر، بينما الإمام البخاري لا يعنى بذلك كثيراً، ومن هنا رجح بعضهم صحيح مسلم من هذه الحيثية على صحيح البخاري؛ لأنه يعتني بألفاظ الرواة، يوجه بعض من يقوم على تحفيظ السنة إلى العناية بصحيح مسلم وحفظ ألفاظه، ثم ذكر زوائد البخاري، ثم بعد ذلك زوائد مسلم، يُعنى بالمتفق عليه من خلال لفظ مسلم، ثم زوائد البخاري ثم زوائد مسلم، وأقول: إنه لا بد من العناية بالبخاري قبل مسلم، وكون الإمام مسلم يُعنى بهذه الألفاظ اختلاف ألفاظ الشيوخ لا يعني أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يمكن أن ينتقد من هذه الحيثية، الإمام مسلم يوافق الجمهور في جواز الرواية بالمعنى، وجواز الرواية بالمعنى شامل للصحابة فمن دونهم، وإذا كان هنّاد نص على أن الرواية: «إلا بطهور» فمن الذي يضمن أن وكيعاً وهناد يروي عنه ما سمع الحديث بلفظ: «بغير طهور» ثم رواه بالمعنى؟ يعني كون الإمام مسلم يُعنى بألفاظ الرواة الذين يجيزون الرواية بالمعنى، ما في شك أن هذا دقة وتحري للإمام مسلم، لكن هل نضمن أن دقة الإمام مسلم تؤدينا إلى الجزم بيقين أن هذا هو اللفظ النبوي؟ هو يروي عن رواة بألفاظ، وهم يرون جواز الرواية بالمعنى، فإذا كان الراوي يستجيز وهذا قول جمهور أهل العلم جواز الراوية بالمعنى يستجيز أن يروي الخبر بالمعنى، وقد يكون رواه بالمعنى، يمكن هنّاد سمعه كما سمعه قتيبة «بغير طهور» ثم رواه بالمعنى، واعتنى الترمذي بذكر لفظ هناد وذكر لفظ قتيبة، هل نجزم بأن لفظ هناد هو اللفظ النبوي؟ لا نجزم بهذا، لكن هذا من باب الأمانة في النقل رواه عن شيخه بهذا اللفظ، وإلا فالرواية بالمعنى توسع الدائرة قليلاً وتجعلنا لا نجزم بأن هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ذلك تبعاً لما جاء عن أهل العلم في الرواية بالمعنى.
"قال أبو عيسى: هذا الحديث أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ" أصح هذه أفعل تفضيل وكذلك أحسن، ومن مقتضى أفعل التفضيل أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف وهو هنا الصحة والحسن، وفاق أحدهما الآخر، فيكون هذا الحديث حديث ابن عمر أصح ما في الباب وأرجح من غيره، اشتركا في الوصف الذي هو الصحة وفاق أحدهما الآخر في هذا الوصف الذي هو الصحة، لكن من خلال الاستقراء لعمل أهل الحديث نجدهم لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فقد يقولون في حديث ضعيف: هو أصح شيء في هذا الباب، يعني أقوى ما في هذا الباب وإن كان ضعيفاً، فهم لا يستعملونها على بابها، وقد جاءت في النصوص، نصوص الكتاب والسنة على غير بابها {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] يعني ممن؟ أصحاب الجنة خير ممن؟ من أصحاب النار، وأصحاب النار دلت النصوص أنه لا خير عندهم، لا خير لهم ولا عندهم ولا فيهم، ولا مقيل لهم، فضلاً أن يكون المقيل حسناً، فاستعمال أفعل هنا على غير بابها، هنا الترمذي يقصد الباب الذي يوافق فيه أهل اللغة، وأنه يرجح هذا الحديث على حديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» هذا حديث أبي هريرة في الصحيحين، ولا شك أن حديث أبي هريرة أرجح من حديث ابن عمر؛ لأنه متفق عليه "أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ" وهو مخرج في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه "وَأَبِي هُرَيْرَةَ" وهو متفق عليه، وقد أشرنا إليه "وَأَنَسٍ" عند ابن ماجه وأبي بكرة، وأبي بكر أيضاً، والزبير وأبي سعيد الخدري وغير هؤلاء، قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص، وفي الباب أيضاً عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء، وابن مسعود ورباح بن حويطب عن جدته، وسعد بن عمارة، وذكر أحاديثهم الهيثمي في مجمع الزوائد، المقصود أن الحديث مروي من طرق كثيرة جداً فثبوته قطعي، ثبوته قطعي، ولذا أجمع الأئمة وجميع فقهاء الأمصار على أن الطهارة شرط لا تصح الصلاة إلا بها.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وأبو المليح بن أسامة اسمه: عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي" وقال الحافظ في التقريب: أبو المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي، يقول: اسمه: عامر، وقيل: اسمه زيد، وقيل: زياد، وعلى كل حال فهو ثقة، وقد اشتهر بكنيته، وقد جرت العادة أن من يشتهر بالكنية يضيع الاسم، يضيع اسمه، كما أن من يشتهر بالاسم تضيع كنيته، ولذا الصحابي الجليل أبو هريرة -على ما سيأتي- اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة جداً، تزيد على ثلاثين قولاً، لماذا؟ لأنه اشتهر بكنيته، وقتادة بن دعامة ضاعت كنيته واختلف فيها، لكن من طلاب العلم من يعرف كنية قتادة؟ لأنه اشتهر باسمه، وأن كنيته أبو الخطاب، وكثير من الرواة الذين شهروا بالاسم يختلف في كناهم، فيذكر له عشر كنى للاختلاف في كنيته، وكذلك من عرف بالكنية يضيع الاسم، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود منهم من يقول: اسمه كنيته، واختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، وهذا عند المتقدمين والمتأخرين، فمن شُهر بشيء ضاع غيره.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في فضل الطهور:
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز، قال: حدثنا مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله...
عن أبيه عن أبي هريرة.
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء -أو نحو هذا-، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس، وقالوا: عبد الله بن عمر، وهكذا قال محمد بن إسماعيل، وهو الأصح.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وثوبان والصنابحي، وعمرو بن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو، والصنابحي الذي روى عن أبي بكر ليس له سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واسمه: عبد الرحمن بن عسلية، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبض النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الطريق، وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال له: الصنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إني مكاثر بكم الأمم فلا تقتتلن بعدي».
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في فضل الطهور" في الباب السابق بين المؤلف -رحمه الله تعالى- أن الطهور شرط لصحة الصلاة، وأنها لا تقبل بدونه، ومع كونه شرط فقد رُتب عليه الثواب العظيم، والطهور وإن كان في الأصل وسيلة إلى الصلاة إلا أنه باعتبار ما رتب عليه من ثواب وأجر هو غاية من هذه الحيثية، فقد يكون الشيء وسيلة إلى غيره من جهة وغاية من جهة أخرى، فباعتبار أنه لا يطلب إلا للصلاة وما لا يجوز فعله إلا به فهو وسيلة من هذه الحيثية، وباعتبار ما رتب عليه من ثواب وأجر صار غاية، ففيه فضل عظيم، وورد في مدح فاعله، ومن يصبر عليه، ومن يسبغه على المكاره، ومن يستوفيه، وأنه أمانة بين العبد وبين ربه الشيء الكثير الذي لا يحاط به من النصوص، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- من فضله أنه يكفر الذنوب.
"قال: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري" الخطمي المديني المتوفى سنة أربعة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز" المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة، أحد الرواة المكثرين عن مالك، بل هو من رواة الموطأ، معن بن عيسى القزاز وروايته للموطأ من أتقن الروايات "قال: حدثنا مالك بن أنس" بن أبي عامر الأصبحي، إمام دار الهجرة، نجم السنن، الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، يقول فيه الإمام الشافعي: هو النجم.
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن |
| تزكية كـ(مالك) نجم السنن |
فلا يحتاج إلى أن يفاض في ذكره ومناقبه، وقد ألفت في مناقبه وشمائله كتب، فلسنا بحاجة إلى الإفاضة في هذا "ح وحدثنا قتيبة" تقدم الحديث على هذه الحاء المفردة وهكذا تنطق "حا" وحدثنا قتيبة هو ابن سعيد الذي سبق ذكره "عن مالك" بن أنس الإمام "عن سهيل بن أبي صالح" المدني صدوق بأخرة، مات في خلافة المنصور "عن أبيه" أبي صالح ذكوان السّمّان، المتوفى سنة إحدى ومائة عن الصحابي الجليل أبي هريرة حافظ الأمة، "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. إلى أخره.
أبو هريرة الصحابي الجليل، الفقيه القارئ المحدث المشهور، معدود من القراء ومن الفقهاء ومن المفتين المكثرين في عهد الصحابة مع توافرهم وكثرتهم، ورماه بعضهم بعدم الفقه، كما أن هذا أيضاً رمى ابن عمر بعدم الفقه، نظراً لميله إلى التنسك والعبادة، وبنى على ذلك أن أحاديث أبي هريرة وأحاديث ابن عمر لا تقبل في الأحكام وإنما تقبل في الفضائل، رتبوا على كون ابن عمر عابد وناسك أنه لا يعنى بالفقه، ورتبوا على كون أبي هريرة راوية للحفظ فقط، وأنه لا يعنى بالفهم، رتبوا عليه أنه غير فقيه، وفرّعوا على ذلك أن الرواية في الفقه لا تقبل إلا عن الفقهاء، وهذا قول معروف في بعض المذاهب، لكن فقه ابن عمر لا يحتاج إلى استدلال، بل هو من فقهاء الصحابة، ومن العبادلة المشهورين بالفتيا، وأما أبو هريرة فأثبت شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه من الفقهاء، وأستدل على ذلك بمسائل في الفتاوى رداً على من رماه بغير الفقه، منها: ما ذكره عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه سأل أبا هريرة فقال: إذا طُلقت الرجعية ثم نكحت زوجاً أخر هل ترجع بطلقاتها أو تعود صفر كالبائن؟ المطلقة ثلاثاً إذا بانت من زوجها ونكحها زوج آخر ثم طلقها ورجعت إلى الأول تكون صفر من جديد تبدأ، ماذا عن من طلقت مرة أو مرتين ثم تزوجت زوج آخر تعود بطلقاتها الأولى والثانية أو تعود صفراً كالبائن؟ عمر سأل أبا هريرة هذا السؤال، فماذا قال؟ أبو هريرة قال له: تعود بطلقاتها السابقة، تعود بطلقاتها السابقة، وأنه لا تمحى الطلقات إلا بالبينونة التي لا يرتب عليها ما بعدها، أما ما أمكن ترتيب ما بعده عليه فإنها تعود به، هكذا قال أبو هريرة لعمر -رضي الله تعالى عنه-، وحينئذٍ شهد له بالفقه، وهناك مسائل كثيرة نقلها شيخ الإسلام وابن القيم للاستدلال على أن أبا هريرة من فقهاء الصحابة، خلاف لمن يرميه بغير ذلك، نُقل عنه فتاوى وعده ابن القيم من المفتين في الصحابة في أعلام الموقعين ذكر المكثرين من الفتوى ثم المتوسطين وعدّ منهم أبا هريرة، المقصود أنه من فقهاء الصحابة، وذكر ابن العربي أنه في بغداد لما زار المشرق اجتمع في مجلس فتكلم شخص فقال: حدثنا شيخنا فلان أنه اجتمع نفر في مجلس فطعن أحدهم في أبي هريرة فنزل من السقف حية بعض الروايات تقول: إنها لدغته في وقته فمات، وبعضهم يقول: إنه ذعر صاحب الذعر والهلع إلى أن مات، المقصود أن الكلام في الخيار خطر، لا سيما إذا كان الكلام فيهم لما عندهم من خير، والذي يظهر من المتكلمين في أبي هريرة عموماً إنما مرادهم الطعن في الدين، وحملة الدين لا الطعن في الأشخاص، ولذلك لا تجد أحد من المستشرقين أو من أذنابهم من يتكلم في أبيض بن حمال ونحوه من الصحابة الذي لا يروي إلا الحديث أو الاثنين أو الثلاثة، إنما يطعنون في أبي هريرة لينتهون من نصف الدين، إذا طعنوا في أبي هريرة، فالذي يطعن في أبي هريرة لا شك أنه طعن في الدين، وطعن فيما حمله من دين، ولم يصلنا الدين إلا بواسطة أبي هريرة وأمثال أبي هريرة، فالطعن في الصحابة طعن في الدين، وإذا ذكر له اللازم والتزم به خرج من الدين بلا شك، إذا طعن في الشاهد فهو طاعن في المشهود به، إذا طعن في الحامل فهو طاعن في المحمول به، وإذا طعن في الدين خرج منه.
يقول: "عن أبي هريرة" أبو هريرة على ما سيأتي في كلام المؤلف -رحمه الله- اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة جداً زادت على الثلاثين قولاً، والمرجح عند الإمام البخاري على ما سيأتي أنه عبد الله بن عمرو، وقيل: عبد شمس، والمرجح عند غيره -عند الأكثر- أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المتوفي سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين.
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن» هذا شك، هذا شك من الراوي هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: المسلم أو المؤمن؟ «فغسل وجهه» هذا عطف تفسير، غسل وجهه معطوف على توضأ من باب عطف التفسير، أو يقال: إذا توضأ أراد الوضوء، إذا توضأ أراد الوضوء فغسل وجهه يعني باشر الوضوء؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء كما هو الأصل باعتبار أن الفعل يدل على الحدث في الزمن الماضي، الفعل الماضي، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا كبر فكبروا» يعني إذا فرغ من التكبير فكبروا «إذا ركع فركعوا» يعني إذا شرع في الركوع اركعوا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت القراءة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، وهنا إذا توضأ يعني أراد الوضوء.
«إذا توضأ -أراد الوضوء- العبد المسلم أو» هذه للشك «أو المؤمن فغسل» الفاء عاطفة، وقلنا: إن هذا من باب عطف التفسير «وجهه خرجت» جواب (إذا) إذا توضأ فعل الشرط، وجوابه: خرجت، يعني: غُفرت «خرجت من وجهه كل خطيئة» يعني كل ذنب «نظر إليها بعينيه» كل خطيئة، (كل) من ألفاظ العموم «نظر إليها بعينيه مع الماء» نظر إليها بعينيه، كل هذا "كل خطيئة" من ألفاظ العموم، وعلى هذا يدخل جنس الخطيئة، فيشمل الكبائر والصغائر، هذا من خلال هذا اللفظ الذي يفيد العموم، لكن الجمهور على أن العبادات إنما تكفر الصغائر، وإذا كانت الصلاة لا تكفر الكبائر فالوضوء من باب أولى الذي شرع من أجل الصلاة، إذا كانت الغاية لا تكفر الكبائر إذاً الوسيلة من باب أولى، فالجمهور على أن الذنوب المكفرة والخطايا الممحوة بهذه العبادات أعني الوضوء والصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان المراد بها الصغائر، وقد جاء ما يدل على ذلك بالنص «ما اجتنت الكبائر»، «ما لم تغش كبيرة» وهذا قول الجمهور، وإن كان بعض أهل العلم يميل إلى أنها تكفر جميع الذنوب الكبائر والصغائر.
«خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه» لكن ينبغي أن يُعرف حقيقة هذه العبادات المكفرة، وهي أنها العبادات التي يؤتى بها على الوجه الشرعي، على الوجه الشرعي، يعني مثلما قال شيخ الإسلام: الصلاة التي لا يخرج صاحبها إلا بعشرها إن كفّرت نفسها كفى فضلاً عن أن تكفر غيرها، كثير من الناس ومن طلاب العلم ومن ينتسب إلى العلم وممن اشتهر -نسأل الله العفو والمجاوزة- بطلب العلم قد يدخل في صلاته ويخرج منها وليس له من أجرها شيء، وغاية ما يهمه عند سلام الإمام ألا يقول له جاره: أعد صلاتك؛ لأنه قد يتصرف تصرفات لا يعيها، وهذه غفلة شديدة يحتاج الإنسان إلى مراجعة، مراجعة لنفسه، والإنسان طلاب العلم يقرؤون القرآن ولا يؤثر فيهم، يصلون الصلاة ولا أثر لها في سلوكهم، تجد الجهة منفكة يصلي، ويقرأ القرآن ويزاول ما يزاول من أموره العادية كآحاد الناس، فعلى الإنسان أن يراجع قلبه.
«خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع أخر قطر الماء» لكن هل العين تغسل؟ لتخرج الخطايا مع الماء أو مع أخر قطر الماء؟ لماذا لا تخرج الخطايا من الأنف الذي يستنشق فيه الماء ويقطر منه الماء؟ لماذا لا تخرج الخطايا مع الفم الذي يتقاطر منه الماء؟ التنصيص على العينين، يقول أهل العلم: لأن العين طليعة القلب، العين طليعة القلب، فإذا خرجت الذنوب التي اقترفتها العين نظف القلب، والتنصيص على العين لا يخرج الفم وما يزاول به من معاصي وخطايا، ولا يخرج الأذن والسمع وما يزاول بها من استماع لما يحرم استماعه، لكن التنصيص على العين لأهميتها؛ لأنها البريد بريد القلب وهي طليعته، فالتنصيص عليها لأهميتها، وإلا فالفم واللسان وآفات اللسان تحتاج إلى ما يكفرها وكذلك الاستماع، وقد عم وانتشر استماع الخنا والفجور والكلام الذي كان يستحيا من الكناية عنه فضلاً عن التصريح به.
«خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه» نظر إليها بعينيه النظر يكن بإيش؟ بالعين، النظر يكون بالعين، فذكر العينين بعد النظر لا شك أنه تأكيد وإلا فالنظر لا يكون إلا بالعينين.
«مع الماء» يعني مع انفصال الماء «أو مع أخر قطر الماء» وهذا أيضاً شك من الراوي "أو نحو ذلك" ألا يحتمل أن يكون تقسيم وأن من الناس من تخرج خطاياه مع الماء يعني مع أوله أو في أثنائه، ومن الناس من لا تخرج خطاياه إلا مع أخر قطر الماء لعظمها بالنسبة للآخر يحتمل التقسيم وإن نص أهل العلم على أنها للشك.
«وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة» وهذا كسابقه يحتمل الصغائر والكبائر، والجمهور على أنها الصغائر فقط «بطشتها يداه» يعني زاولت هذه الخطيئة يداه، سواء كان بالضرب أو بالأخذ «مع الماء أو مع آخر قطر الماء» الخروج هذا للخطايا والذنوب المراد به غفران هذه الذنوب، والتعبير عن الغفران بالخروج الذي هو في الأصل للمحسوسات ليبين أن هذه الذنوب وهذه المعاصي نظراً لتأثيرها في فاعلها مثل تأثير الأمور الحسية عُبر عنها بما يعبر به عن الأمور الحسية، وإن كان بعضهم يرى أنه لا مانع من أن يكون الخروج حسياً، فتأثير الذنوب حسي، فالذنب يؤثر في القلب نكتة سوداء، نكتة سوداء لا بد من خروج هذه النكتة، وخروجها ما دام وجودها حسياً فخروجها حسي، حتى يخرج نقياً من الذنوب، يعني إذا انتهى من وضوئه انتهى من ذنوبه، والمراد بالوضوء الذي يؤتى به على وجه الشرعي.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرّج كسابقه في صحيح مسلم "وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان" واسمه: ذكوان مولى جويرية الغطفانية، بعض الشراح مع تنصيص الترمذي على أبي صالح قال: هو أبو صالح واسمه: مينا، هذاك مضعف وهذا ثقة، وينص الترمذي ويخرج الحديث في مسلم صحيحه ويفسر بغير هذا؟ لا شك أن هذه غفلة من هذا الشارح؛ لأن الذي فسره به ضعيف، هذا حديث حسن صحيح، استشكل الجمع من قبل الإمام الترمذي بين الصحة والحسن، فالحسن حقيقة تختلف عن حقيقة الصحة، فالحديث الصحيح غير الحديث الحسن؛ لأن الحكم على الحديث بالصحة شهادة بأنه وصل إلى مرتبة عليا، وإرداف هذا الحكم بالحسن إنزال له عن بلوغ هذه المرتبة، ولا شك أن هذه التعبير مشكل، وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة كثيرة وصلت إلى بضعة عشر قولاً، جواب عن هذا الإشكال، يعني الإشكال متصور أو غير متصور؟ يعني لما يقال لك: ما تقديرك في الشهادة مثلاً؟ تقول: جيد جداً ممتاز، هذا ما في أحد ما يضحك عليك لما تقول هذا الكلام؛ لأنك بالامتياز أوصلت نفسك إلى الدرجة العليا ثم نزلتها بالجيد جداً، فجمعت بين وصفين مختلفين، لكن هذا مع اتحاد الجهة مشكل بلا شك، مشكل بلا شك، لكن مع انفكاك الجهة يزول الإشكال، فإذا كان تقديرك العام جيد جداً وتقديرك في مواد التخصص مثلاً ممتاز زال الإشكال، انفكت الجهة، وهنا يقول أهل العلم: إذا كان الحديث مروياً بأكثر من إسناد روي بإسناد صحيح وبإسناد حسن زال الإشكال، فغاية ما هنا لك أن يقال: هذا حديث حسن وصحيح، يعني حسن من طريق وصحيح من طريق آخر، أو يكون السبب في الجمع بينهما تردد الإمام الترمذي في الحكم على الخبر، هل يصل على درجة الصحة أو يقصر دونها؟ وتردد في حكمه فجمع بين الحكمين، وغاية ما في الأمر أن يكون الحكم عنده حسن أو صحيح، فحذف حرف التردد، منهم من يقول: إن حسن صحيح مرتبة بين الصحة والحسن فتكون صحة مشربة بحسن، أو حسن مشرب بصحة كما يقولون في ما إذا خلط الليمون مع السكر يقال: حامض حلو، يعني يشرب هذا بهذا، وهذا جواب استحسنه بعضهم، ومنهم من قال: إن الحسن لغوي، يعني حسن اللفظ، والصحة ترجع إلى ثبوت الخبر، إلى غير ذلك من الأقوال، وعلى كل حال الحديث لا إشكال في صحته، فهو في صحيح مسلم.
قال: "وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس -يعني هو عبد شمس- وقالوا هو: عبد الله بن عمرو وهكذا قال محمد بن إسماعيل" والمراد به الإمام البخاري، ويكثر الترمذي في النقل عن الإمام البخاري في جامعه في الكلام على الأحاديث والكلام على الرواة أيضاً، وفي العلل "وهو الأصح" عند الإمام البخاري، لكن الأكثر على أنه عبد الرحمن بن صخر.
"قال أبو عيسى" هذه كنية المؤلف الترمذي "وفي الباب عن عثمان بن عفان" يعني وهو حديث متفق عليه، حديث عثمان متفق عليه، وفيه بيان فضل الوضوء "وثوبان" وهو مخرج عند مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي "والصنابحي" عند أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم "وعمرو بن عبسة" مخرج عند مسلم "وسلمان" عند البيهقي "وعبد الله بن عمرو" قال المبارك فوري: إنه لم يقف على من خرجه، وذكر المنذري في الترغيب عدة من الصحابة غير هؤلاء.
ويوجد في بعض النسخ زيادة هنا: "والصنابحي هذا الذي روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي" هذه لا توجد في النسخ المطبوعة، لكن هي موجودة في بعض النسخ المخطوطة الصحيحة كما نص على ذلك صاحب التحفة قال -يعني في أصل الترمذي-: "والصنابحي هذا الذي روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي"، "والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبض النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يصل- وهو في الطريق" قبل وصوله بخمس ليالٍ "وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث" قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال له: الصنابحي أيضاً" قال ابن حجر: وقد وهم من قال فيه الصنابحي: الصنابح بن الأعسر يقول ابن حجر: قال بعضهم: الصنابحي كما قال الترمذي هنا، لكن ابن حجر حكم على هذا القول بالوهم، والوهم يقابل الظن، يقابل الظن وبينهما الشك والعلم فوق الجميع؛ لأن المعلوم إما ألا يحتمل النقيض بوجه وهو ما يفيد العلم، أو يحتمله مع الرجحان وهو الظن، أو المساواة وهو الشك، أو المرجوحية وهي الوهم، فالاحتمال المرجوح يقال له: وهم.
"يقال له: صنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي»" يعني مغالب ومباهي بكم الأمم «فلا تقتتلن بعدي» والاقتتال لا شك أنه يفضي إلى القلة، يفضي إلى القلة ضد الكثرة؛ لأن الاقتتال نتيجته القتل، من نتيجته ولازمه غالباً القتل، والقتل لا شك أنه قضاء على الإنسان الذي يرجى منه مع طول العمر النسل الذي يحصل به التكاثر، الذي يحصل به التكاثر، لكن قد يقول قائل: إن هذا المقتول قد علم الله -جل وعلا- أنه يقتل، وأن هذا حتفه وهذه مدته انتهت فهل للنهي عن الاقتتال أثر في المكاثرة وعدم المكاثرة؟ لا شك أنه من حيث الظاهر القتل قضاء على الإنسان الذي لو بقي هذا الإنسان لتزوج الزوجة والزوجتين والثلاث والأربع، وأنجب الأولاد، المكاثرة هذه هو لا شك أنه أكثر الناس تبعاً النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومع الأسف أنه يوجد ممن يكتب ويسخر من كثرة النسل، يسخر من كثرة النسل، ومع الأسف إذا كان شيء من هذه الكتابة بيد كانت تكتب الشيء الكثير لنصر الدين وأهل الدين مع الأسف أن يوجد مثل هذه الكتابات التي تطالب بتحديد النسل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ويكتب بأسلوب في غاية من السخرية، ويقرن المسلمين في تكاثرهم وامتثال أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بغيرهم من أمم الكفر الذين حددوا النسل وتفرغوا لتربية أولادهم مع الأسف ربوهم على إيش؟ ربوهم على الخنا والفجور، ويقول: تفرغ لتربية أولادهم، وأنتجوا وغلبوا المسلمين في مخترعاتهم وفي صناعاتهم، فإذا كانت هذه النظرة إلى الحياة وكان المنظور إليه والهدف من وجود الناس هو مسألة إقامة الحضارة وعمارة الدنيا فقط هذا إشكال كبير، هذا خلل في التصور، الجن والإنس إنما أوجدوا للهدف الأعظم والأسمى وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» وهنا في حديث الصنابحي يقول: «إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ويأتي من يكتب ويسخر ممن يتزوج الزوجات، وينجب الأولاد البنين والبنات، ثم بعد ذلك يربط هذا بضياع الأولاد، ما على المسلم إلا أن يفعل ما أُمر به، والنتائج بيد الله -جل وعلا- يتزوج، ويبذل السبب في الإنجاب وفي المكاثرة والكثرة، ويبذل السبب في التربية، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، أما أن يقال: لا يتزوج لأن التربية صعبة، أو يحدد النسل من أجل أن يسيطر، هناك ناس ما عندهم إلا على ولد واحد، وضاقت الدنيا بهم بسببه وهو واحد، وبعض الناس عندهم ما شاء الله عدد كبير يصلون إلى الأربعين والخمسين وتجد جلهم صالحين، وخير من يعينك على تربية أولادك أولادك الكبار سيعينونك على تربية الصغار، ومع هذا يقول يطالب بعضهم حتى مع الأسف ممن ينتسب إلى طلب العلم بتحديد النسل نظراً إلى تحقيق رغبات وافدة وليست نابعة من بين المسلمين.
سم، تفضل.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور:
حدثنا قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» قال: أبو عيسى هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبل حفظه، قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: محمد وهو مقارب الحديث، قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر و أبي سعيد.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ، وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ».
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الباب الثالث:
"باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور"
يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا قتيبة وهناد" وكلاهما تقدم ذكره والترتيب هكذا قتيبة وهناد في كثير من النسخ، وفي الطبعة الهندية وهي متقنة: هناد وقتيبة، والأمر لا يختلف "ومحمود بن غيلان" العدوي المروزي، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين "قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان" جرت عادة الأئمة أنهم إذا رووا الحديث عن أكثر من واحد أنهم يعطفون الثاني على الأول والثالث على الثاني، وإذا كان هناك فروق بين ألفاظهم بينوا صاحب اللفظ، وهذا يُعنى به الإمام مسلم كثيراً ويقول: حدثنا قتيبة وهناد ومحمود واللفظ لهناد مثلاً، وعلى هذا يكون المعنى لقتيبة ومحمود، وغير مسلم لا يعنى بهذا إلا أحياناً، والبخاري لا يذكر شيئاً من ذلك، يروي الحديث عن شيخين ولا يبين صاحب اللفظ، وإن كان الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: ظهر بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما، يعني للأخير، وهذا ظهر بالاستقراء وهو الكثير الغالب من صنيع الإمام البخاري، وعندنا أمثلة على خلاف ما يقوله ابن حجر، وما دامت الراوية بالمعنى سائغة فالخطب سهل، والأمر يسير -إن شاء الله تعالى-.
"قالوا" الثلاثة قتيبة وهناد محمود بن غيلان "قالوا: حدثنا وكيع" بن الجراح الذي تقدم ذكره "عن سفيان" بن سعيد بن مسروق الثوري، "عن سفيان" هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة، السنة التي ولد فيها أحمد، واحد وستين أو أربع وستين؟
طالب:........
أربع وستين، إمام من أئمة المسلمين لا يحتاج إلى تزكية، استفاض ذكره، واشتهر أمره، إمام في كل باب من أبواب الدين أعني سفيان، إمام في العلم، إمام في الفقه، إمام في العمل، في العبادة، في الزهد، لا يحتاج إلى إفاضة في ذكر مناقبه -رحمه الله تعالى-، وهو فقيه متبوع له تبع، له مذهب استمر أكثر من قرنين، ثم انقرض بعد ذلك، ومع ذلك تطالعنا الصحف أحياناً بذم الزهد، ويمثل بسفيان، كتب في إحدى الصحف عن الزهد وأنه خمول وتعطيل للدينا، تعطيل لما أمر الله به من عمارة الأرض، والآيات في الزهد والتزهيد في الدنيا والإعراض عنها، والنصوص الصحيحة الصريحة من الأحاديث النبوية لا تخطر على بال أمثال هؤلاء، ولا يلتفتون إلا إلى أمور الدنيا فقط، لا يهمهم إلا الدنيا، ثم يضرب بسفيان والإمام أحمد ومن نحا نحوهم في العلم والعمل، وقبل ذلك الصحابة «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر، وكان ابن عمر بعد ذلك يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" والكاتب هذا في صحف سائرة دائرة بين الناس يكتب عن الزهد ويذم الزهد، ويضرب أمثلة بسفيان وأحمد ونظرائه، يعني صار المدح قدحاً لما أختلت الموازين، وصار الهدف الدنيا، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، الإنسان إنما خلق لتحقيق العبودية، وأما الدنيا فمن أجل أن يتزود منها ما يعينه على تحقيق الهدف، ولذا النصوص كلها تأمر بالإعراض عن الدنيا، والإقبال عن الآخرة، ولم يرد إلا مثل قوله –جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لأنه مع كثرة النصوص التي تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة قد يوجد من بعض المسلمين من لا يكتسب إعراضاً عن الدنيا، يترك الكسب بالكلية يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] يعني مما يعنيك ويبلغك إلى مرادك، ومع الأسف أن كثير من المسلمين الآن يحتاج أن يقال له: "لا تنس نصيبك من الآخرة" سفيان هذا إمام من أئمة المسلمين معروف بعلمه وزهده وورعه وروايته.
"ح" تقدم الكلام عليها "حدثنا محمد بن بشار" العَبْدي البصري المعروف ببندار، المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين "قال: حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي" الإمام العلم ابن حسان الأزدي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة "قال: حدثنا سفيان عن عبد الله" سفيان هذا في السند مهمل، ويحتمل أن يكون المراد به الثوري، ويحتمل أن يكون المراد به ابن عيينة، لكن كلهم أطبقوا على أن المراد به الثوري؛ لأنه جاء في بعض الطرق ما يدل عليه، وعلى كل حال هناك قواعد ذكرها أهل العلم، منها ما ذكره الحافظ الذهبي في أخر الجزء السابع من السير، قواعد لتمييز المهمل كسفيان وحماد ونحوهما، إذا جاءنا سفيان في سند ما نعرف سفيان هل هو الثوري أو ابن عيينة:؟ من القواعد التي ذكروها أنه إذا كان بينه وبين الأئمة المصنفين اثنين فالغالب أنه الثوري، وإذا كان بينه وبين الإمام واحد أنه ابن عيينة.
يعني في حديث: الأعمال بالنيات قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، وهنا بينه وبين الترمذي اثنين إذاً الثوري، لكن ليست هذه قاعدة كلية مطردة، لكن هذا مما يرجح به ويمال ويستروح إليه، وعلى كل حال إذا استغلق الأمر وعجزنا عن تحديده فكيفما دار فهو على ثقة لا أثر له في الخبر، "حدثنا سفيان عن عبد الله بن عقيل" هنا سفيان يروي الحديث بصيغة العنعنة (عن) عبد الله بن محمد بن عقيل، وسفيان رغم إمامته وجلالته واتفاق الأئمة على إمامته إلا أنه وصف بشيء من التدليس، لكنه ممن احتمل الأئمة تدليسه، فحديثه مقبول ولو لم يصرح بالتحديث، لقلة تدليسه وندرته في جانب إمامته، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، توفي بعد الأربعين عم محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، محمد بن علي بن أبي طالب، أمه من بني حنيفة فنسب إليها، ليتميز عن أولاد فاطمة -رضي الله عنها-.
توفي سنة ثمانين، عبد الله بن محمد بن عقيل يروي عن محمد بن الحنفية يقولون: مات بعد الأربعين، وشيخه محمد بن الحنفية مات سنة ثمانين، كيف؟ هذا ينبغي أن يتنبه لها، ولذلك بالإمكان أن يقال: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري مات سنة أحدى وستين، وعبد الله بن محمد بن العقيل مات بعد الأربعين يعني ومائة، هم لا يذكرون المئات يذكرون الطبقات أن من بعد الطبقة الرابعة مات كذا، من بعد السابعة والثامنة مات بعد كذا، فلا يذكرون المئات، فينتبه لهذا، وهذا أمور واضحة لا تشكل على طلاب العلم، لكن التنبيه عليها مهم، عبد الله بن محمد بن عقيل سيأتي كلام المؤلف عنه، وأنه صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.
"عن محمد" بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية "عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم» قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق تكلم بعض أهل العلم فيه من قبل حفظه" أولاً: نشوف الكلام في ابن عقيل عبد الله بن محمد بن عقيل، يقول المؤلف -رحمه الله-: هو صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث، وقال ابن خزيمة: لا يحتج به، وقال الذهبي: صدوق كقول الترمذي، وقال ابن حجر: صدوق في حديثه لين.
قولهم: صدوق لفظ الصدوق من ألفاظ التعديل، وإن كان الخلاف في قبول من وُصف بها قوي عند أهل العلم، منهم من يقول: إن صدوق لا تشعر بشريطة الضبط، ولذا لا يقبل حديث الصدوق، لا يحتج به، وممن شهر هذا القول أبو حاتم الرازي، سئل عن أكثر من راوي فيقول: صدوق، ثم يقول ابنه: أتحتج به؟ فيقول: لا، وذلكم لأن لفظ الصدوق لا يشعر بشريطة الضبط، بمعنى أنه إذا كان الشخص ملازم للصدق قد يكون ملازم للصدق، ونضرب مثال بشخص مشهور ويطرق بابه عشرات المرات، وفي كل مرة يقول لولده: انظر من في الباب؟ فيأتي فيقول له: زيد، ثم يقول له: أأذن له، فيأتي فإذا هو بالفعل زيد، الولد صادق وإلا غير صادق؟ صادق، يطرق ثاني فيقول: عمرو، ويكون الخبر صحيح، وثالث ورابع وعاشر وعشرين ومائة، كلهم يخبر بالواقع هو صادق على كل حال، ولم يكذب ولا مرة من خلال المائة التي جُرِّب فيها فهو يستحق لفظ المبالغة صدوق، لكن لو سأله أبوه من الغد فقال: اذكر من جاءنا وطرق الباب علينا بالأمس فيعد اثنين ثلاثة عشرة عشرين ويعجز عن ثمانين ضابط وإلا غير ضابط؟ غير ضابط، إذاً هو صدوق باعتباره ملازم للصدق ما كذب ولا مرة، لكن الضبط غير ضابط، فكلمة صدوق وإن كان فيها مبالغة في الصدق إلا أنها لا تشعر بشريطة الضبط، والذي معنا شاهد على ذلك.
"تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه"
الفريق الثاني الذين يستدلون ويحتجون برواية الصدوق يقولون: صدوق صيغة مبالغة وعدل أهل العلم عن صادق إلى صدوق لنكتة، الذي لا يكذب يقال له: صادق، لكن أبلغ منه إذا كان يقال له: صدوق، وأبلغ من ذلك إذا كان صدِّيق مثلاً، فالصدوق الذي يلازم الصدق في حياته كلها، والكذب لا يشترط فيه العمد والقصد، فيدخل فيه الخطأ، فلو أخطأ هذا الشخص الملازم للصدق مرة مرتين ثلاث ما استحق الوصف بصدوق؛ لأن الكذب لا يشترط له القصد والعمد، فمجرد ما يحصل الخطأ في كلامه لا يستحق الوصف بصدوق الذي هو المبالغة، فالصدوق الملازم للصدق في جميع أخباره بحيث يخبر بالواقع في كل ما يسأل عنه، ولا يقع الخطأ منه؛ لأنه لو وقع منه ما يخالف الواقع ولو عن طريق الخطأ وغير القصد فإنه لا يستحق الوصف بصدوق، إذاً هذا اللفظ والعدول عن اسم الفاعل إلى صيغة المبالغة تدل على أنه ضابط، أنها مشعرة بشريطة الضبط، وعلى كل حال الذي اعتمده أهل العلم المتأخرون الذهبي وابن حجر وغيرهم أن صدوق مشعرة بشريطة الضبط، لكنها ليست في أعلى درجاته، وإنما يتوسط في أمر الصدوق، ويقال في حديثه أنه حسن، وعلى هذا جرى العلماء في أحكامهم على الأحاديث.
والحديث قال عنه أبو عيسى: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وأخرجه الشافعي وأحمد وأصاحب السنن إلا النسائي، وقال النووي في الخلاصة: حديث حسن، هو اللائق به، يعني الحكم بالحسن هو اللائق به.
"قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل" يحتجون به لأنه في عدالته لا مطعن فيه، الطعن فيه من قبل حفظه، ومثل هذا يحتمله الأئمة فيما لا يخالف فيه، إذا لم يكون هناك مخالفة فيقبل الخبر، "قال محمد -يعني البخاري-: وهو مقارب الحديث" مقارِب الحديث، وقد يقال: مقارَب، وهذه من الألفاظ التي تذكر في أدنى مراتب التعديل مقارِب الحديث ومقارَبه، يعني أنه يقارب الناس في حديثهم وهو اسم فاعل، أو يقاربه الناس في حديثه فهو مقارَب، فلا يبعد عن الرواة إذا روى حديثاً فإنه لا تقع منه المخالفة إلا قليلاً، فإذا كان مقارب للناس في حديثه ويقاربه الناس في أحاديثهم فإنه لا يوجد الخطأ الكثير عنده؛ لأنه لو وجد الخطأ الكثير في حديثه ما صار مقارباً لهم ولا صاروا مقاربين له، وهذا يدل على أنه يضبط.
على كل حال الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، ولذا قال الذهبي -رحمه الله تعالى- بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر" أخرجه أحمد، وسيأتي قريباً بعد هذا، وإن كان في بعض النسخ دون بعض على ما سيأتي "وأبي سعيد" وسيأتي حديث أبي سعيد في كتاب الصلاة، وأخرجه ابن ماجه، وقال الترمذي: حديث علي أجود إسناداً من هذا، يعني حديث أبي سعيد، وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن زيد وابن عباس ذكر ذلك الزيلعي في (نصب الراية) وابن حجر في (التلخيص)، والكلام على متن الحديث -إن شاء الله- وما بعده من أحاديث يأتي غداً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أفضل تحقيق هو طبعة حلب بتحقيق أبو غدة استدرك على المؤلف أحاديث كثيرة فعمله في هذا الكتاب جيد.
بأي شيء يبدأ الطالب المبتدئ هل بالفقه أم بأصوله وكذلك بالنسبة للتفسير هل يبدأ بالتفسير أم بأصول التفسير وهل يبدأ طالب العلم بدراسة كتب العقيدة كلها ومن ثَم يبدأ بالفقه أم يبدأ بالتدريج من الكتاب المقرر في كل مستوى تدريجيًا وبعد ما ينتهي ينتقل إلى المستوى الذي يليه وهل يدرس الفنون كلها أم كل واحد على حدة؟
أما بالنسبة لدراسة الفقه مع الأصول معًا في آن واحد هذا هو الأصل لأن كل واحد يفيد الآخر فالأمثلة التطبيقية لعلم الأصول هي موجودة في كتب الفقه فهذا يفيد هذا، هذا تأصيل وهذا تفريع وتنظير وقل مثل هذا في قواعد التفسير وأصول الحديث وغيرها وأما كون الطالب يبدأ في أكثر من فن في آن واحد أو يقتصر على فن واحد فهذا يختلف باختلاف الطلاب فالطالب الذي يتشتت إذا قرأ في أكثر من فن يقال له الزم فنًا واحدًا والطالب الذي يمل من قراءة فن واحد يقال له اقرأ في أكثر من فن.
هذا قلنا أفضل الشروح شرح ابن سيد الناس وتكملته للحافظ العراقي لكنه لم يُطبَع فالآن الذي بأيدي الناس عارضة الأحوذي للترمذي والطبعة الموجودة محرَّفة ممسوخة وعلى كل حال من استطاع أن يستفيد فليستفد الطبعة الموجودة المصورة عن طبعة التازي والصاوي فهذه طبعة سقيمة جدًا وفيها تحريف وتصحيف وإدخال في المتن ما ليس منه ومن الشروح النافعة لطلاب العلم تحفة الأحوذي.
ومنهم من يقول إنها سحر ولا يجوز حضورها وكل فريق يرمي الآخر بالتهم هؤلاء متشددون وهؤلاء متساهلون منفتحون فما القول الفصل وهل هناك أعمال ممكن تعتمد على خفة اليد والتدرب وإذا كانت من السحر فما حكم حضورها ومشاهدتها عبر البلوتوث أو الفيديو؟
على كل حال هذه الأعمال التي يسمونها احتراف أو خفة كثير منها ضروب وأنواع من السحر أنواع من السحر لأن الإنسان قد يعان من قبل الجن في أول الأمر ولا يستعين بهم ثم بعد ذلك يستدرج نسأل الله العافية وإذا كان العمل ليس في مقدور الإنسان ليس في مقدور الإنسان وخارج عن مقدوره فإن هذا لا يخلو إما أن يكون كرامة فينظر في حاله إن كان من المستقيمين والملتزمين بالكتاب والسنة واحتاج إلى هذه الكرامة ووقع في موقف في مأزق في ظرف محرج ثم فُرج عنه بهذا الخارق هذا كرامات الأولياء لا تنكر ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة الاعتراف بكرامات الأولياء وإن كان عمله مخالف للاستقامة وعلى غير الهدي النبوي فإن هذا لا شك أنها أحوال شيطانية كثير منها يدخل في حيز السحر نسأل الله العافية.
أفضل طبعات الصحيح هي الطبعة التركية الطبعة العامرة في ثمانية أجزاء في ثمانية أجزاء.
وقد سُتِرت العورات وذكرت هذا وذكر أنها يفضي إلى مشاهدة العورات وأنا ذكرت هذا في الجواب قلت إذا كانت العورات مستورة ولم يؤد إلى ترك واجب ولم يصد عن ذكر الله ولا عن الصلاة مع أن هذا دون إثباته خرط القتاد لأن المباريات من أصلها والكرة إنما أوجدت لهذا الأمر يعني أوجدها الأعداء للصد عن ذكر وعن الصلاة وفيها البغضاء والفحشاء يعني العلل التي من أجلها حُرِّم الخمر ولذا يفتي بعض أهل العلم بتحريمها فعلاً ومشاهدة وعلى كل حال إذا لم تفضِ إلى شيء من ذلك فالأصل الإباحة لاسيما إذا استعين بها على ما يزعمون أنها لتقوية البدن وحفظت معها العورات واستتر الإنسان سترًا تامًا ولم يضيع بسببها واجب ولم يرتكب محظور يتساهل فيها جمع من أهل العلم على أن هذه المباريات إنما تعرف في قنوات مشتملة على كثير من المخالفات لا يعني أنه إذا أفتي بشيء معين أن يطرد على جميع ما يعرض في هذه القناة فلو قال قائل مثلاً أنا أشاهد الفتاوى في قناة كذا في قناة كذا حكم مشاهدة المفتي وهو يفتي والاستماع إليه والإفادة من كلامه لا يعني أن هذا إباحة لما يعرض في القناة لا يعني أن هذا يجر إلى ما وراءه نعم قد يحتاط في الفتوى وأنه لا يمكن أن يسمع هذه الفتاوى في هذه القناة إلا وقد اقتناها أقول لا يلزم قد يكون في مكان عند شخص ضيف مثلاً ويسمع هذه الفتاوى ولا يسمع غيرها وعلى كل حال السلامة لا يعدلها شيء لا يعدلها شيء لكن مثل ما يقال بالاحتياط يقال أيضًا من بالاحتياط للمنع يقال أيضًا بالاحتياط للإباحة لأنهما طرفان فيتقي الله جل وعلا من يتولى إفتاء الناس بأن لا يشدد عليهم في تحريم ما أباح الله لهم كما أنه لا يجوز له بحال أن يفتي بتحليل ما حرم الله عليهم.
يقول لبس البنطال عند الزوج هذا منكر فيه تشبه يقول تفتي بتحريم التصوير ثم تجيز النظر إلى المباريات.
على كل حال الجهة منفكة الجهة منفكة ولا يلزم من هذا جواز هذا أبدًا.
أفضلها طبعة أولاد الشيخ مكتبة أولاد الشيخ في خمسة عشر جزءًا وطبعة السلامة طبعة مكتبة طيبة الطبعة الثانية أمثل من الأولى يستفاد منها وطبعة الشعب أيضًا في ثمانية أجزاء طبعة مصرية طيبة لأنها طبعت عن أقدم الطبعات.. عن أقدم النسخ الخطية النسخة الأزهرية فهي مفيدة.
على كل حال كل شروح مسلم الموجودة لو جمعت ما جاءت شرح واحد من شروح البخاري ومسلم شرح بسلسلة متتابعة من الشروح بدأت من المُعْلِم للمازري كتاب صغير في ثلاثة أجزاء مطبوع ثم إكمال المعلم للقاضي عياض ثم إكمال إكمال المعلم للأُبِّي ثم مكمل إكمال الإكمال للسنوسي هذه الكتب يكمل بعضها بعضًا، النووي أخذ من الشروح السابقة أخذ من القاضي عياض ومن المازري ومن التحرير للأصفهاني وأكثر من النقل عنه ولأبي العباس القرطبي مختصر لصحيح مسلم شرحه بشرح نافع جدا اسمه المُفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم فإذا جمعت هذه الشروح استفاد طالب العلم منها ويبقى أن هناك إشكالات لا تحلها جميع هذه الشروح.
الذي يظهر أن طبعة أبي الأشبال طيبة الباكستاني طبعته طيبة، وطبعة محمد عوامة أيضًا جيدة.
على كل حال تحقيقاته جيدة وهو من أفضل ما يقرأ له لكن الكتاب ما قرأته.
كتاب المنهل العذب المورود لشرح سنن أبي داود كم عدد المجلدات التي زاد عليها ابنه في تكملة الشرح أفيدونا بفوائد هذا الشرح وهل له ميزة على غيره؟
للأب عشرة أجزاء عشرة أجزاء وأتمه الولد في ستة أجزاء ويقال إنه الآن في أواخر الكتاب أما فوائد الكتاب فهو مرتَّب منظَّم يشرح الحديث على الفنون يفرد الرجال ثم يأتي بغريب الحديث ثم بفقهه ثم بعد ذلك يردفه بالآداب مثل طريقة العيني.
يقول: اطلعت في المكتبة على مختصر لكتاب البخاري وهو مختصر ابن أبي جمرة فأعجبني لأنه مؤلفه فيما أحسب من رواة الصحيح وهو قريب من أربعمائة حديث فأحببت أن أحفظه علمًا أنني لم أحفظ العمدة ولا البلوغ..
ابن أبي جمرة هذا اختصر البخاري وشرحه في مجلدين كبار اسمه بهجة النفوس وتحليها في معرفة ما لها وما عليها وهو شرح معتبَر عند أهل العلم ومعتمد ينقلون عنه كثيرًا ومؤلفه لا يسلم من شوب البدعة ويُنقل عن الكتاب فوائد وفيه أيضًا ما ينفع طالب العلم لكن يقرأ فيه على حذر.
يقول: أن أشتري إرشاد الساري دلني على أفضل نسخة موجودة في الأسواق؟
إذا تيسر لك الطبعة السادسة أو ما صُور عنها فهي طبعة صحيحة.
الحفظ المجرد قد لا يثبت في الذهن وإنما يثبت بالتطبيق يثبت بالتطبيق ولذا من قرأ في إرشاد الساري أو حتى الكرماني إذا انتهى من الكتاب يكون عنده تصوُّر عن رجال البخاري أكثر مما لو قرأ تراجمه في التقريب لأن الخبر الترجمة مربوطة..، الراوي مربوط بمرويه التصور يكون تام وأيضًا عبارة هؤلاء أبسط من عبارة التقريب فيستفيد من قرأ في الشروح ونظر في الرجال لكن من أراد كيفية حفظ الرجال بما قيل فيهم من أقوال أهل العلم يجعل التقريب محور يقارنه بما في الكاشف والخلاصة فإذا انتهى رجع مرة أخرى فراجع عليه تهذيب الكمال وتقريب التهذيب بزياداته فينظر كيف انتقى ابن حجر هذه اللفظة التي لم يقل بها أحد من أهل العلم من أقوالهم التي قد تبلغ عشرين ابن حجر ينتقي لفظ مناسب لحال هذا الراوي من وجهة نظره من وجهة نظره هو فينظر في أقوال أهل العلم في هذا الراوي فيرى أن التوسط فيه أن يقال صدوق نص بعضهم على أنه يخطئ قال ربما يخطئ وإذا نص أكثر من ذلك على أنه يخطئ قال صدوق يخطئ وهكذا إذا كانت الأقوال متجهة إلى توثيقه قال ثقة وإذا كانت الأقوال متجهة أو أكثرها متجه إلى تضعيفه قال ضعيف وهكذا فهذا اجتهاد ابن حجر ووقفنا على اختلاف في أحكامه على الرواة في التقريب وفي مؤلفاته الأخرى فعبيد الله بن الأخنس من رواة البخاري قال فيه في فتح الباري ثقة ثقة وشذ ابن حبان فقال يخطئ لماذا؟ لأنه استصحب الخبر الذي رواه في صحيح البخاري وغفل عنه في التقريب نظر في أقوال أهل العلم وغفل عما قرره في الفتح وعن روايته في الصحيح فقال عبيد الله بن الأخنس صدوق قال ابن حبان يخطئ فلنعلم جميعًا أن الأحكام في التقريب اجتهادات بشر نعم حافظ ومطِّلع وصاحب استقراء واطلاع واسع وصاحب فهم ثاقب ولكنه ليس بمعصوم فطالب العلم المبتدئ يمكن أن يتدرب ويتمرن على التقريب لا بأس كما يتمرن على كتب المصطلح المؤلفة للمتأخرين لا مانع لكنه إذا تأهل وصارت لديه الأهلية لا يعول على التقريب يعني لا يكتفي بالتقريب يراجع التقريب ثم يراجع كلام أهل العلم فقد يخالف يخالف ما جاء في التقريب الرجل ثقة لماذا أنزله ابن حجر إلى مرتبة صدوق؟ الرجل ضعيف أقوال أهل العلم المترجح منها أنه ضعيف لماذا رفعه الحافظ إلى صدوق فمثل هذا لا بد أن يكون الاعتبار في ذهن طالب العلم وهو يراجع التقريب نعم من شيوخنا من يراجع التقريب ولا يراجع غيره ومعوَّله عليه في الجملة لكن هذا في اعتباري وتقديري ليس بسديد يعني التعويل عليه وعدم النظر في غيره نعم من ليست لديه أهلية من المبتدئين يريد أن يتمرَّن لا ليحكم حكمًا جازمًا به ملزمًا به غيره له أن يعتمد على التقريب كما يعتمد متون الفقه وكما يعتمد كتب المصطلح عند المتأخرين أو أصول الفقه عند بعض المذاهب المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من العناية بها الذي تسعفه الحافظة ويستطيع أن يحفظ يمسك التقريب ويحفظه مثل ما يحفظ الزاد وإذا قيل إن حفظ الزاد مهم فحفظ التقريب أيضًا مهم لكن يبقى أنه مثل ما قلنا لا بد أن يعنى بالأحكام لماذا اختار ابن حجر هذا اللفظ لهذا الراوي؟ لماذا اختلف قوله في التقريب وفي غيره من مؤلفاته؟ نجد اختلاف في عدد سُجل أظن ثلاث رسائل اختلاف أقوال الحافظ ابن حجر في التقريب مع أقواله في فتح الباري أو التلخيص أو غيره من كتبه فهو حينما يحكم على الراوي في الفتح مثلاً نأخذ مثلاً ابن لهيعة ثلاثة عشر من العلماء ضعفوه ووثقه عدد قليل جدًا وثقه بالنظر بالنظر الخاص إلى رواية العبادة بعضهم فالجمهور على تضعيفه وقال ابن حجر في التقريب صدوق وقال في أكثر من موضع من فتح الباري ضعيف وقال في موضع في حكمه على حديث قال أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن مع أن فيه ابن لهيعة فمثل هذا يجعل طالب العلم لاسيما الذي لديه الأهلية لا يتعجل في أخذ الحكم من التقريب لاسيما إذا كان الراوي في الصحيحين أو في أحدهما لأنه قد يقول مثلاً صدوق يخطئ مثل ما قال في عبيد الله بن أخنس وهو من رجال الصحيح فمثل هذا لا يتعجل فيه فعندي أن التخريج للراوي في الصحيحين أقوى بكثير من أقوال من جرَّح هذا الراوي اللهم إلا إذا كان التجريح نسبي إضافي بالنسبة لراوٍ من الرواة فيتقى بالنسبة لهذا الراوي كما أشار أخونا كاتب الرسالة بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ لا متون الأحاديث ولا أسانيد الأحاديث فمثل هذا يوصَى وذكرناه مرارًا أنه بالنسبة للأسانيد يعنى بالسلاسل المشهورة التي يروى بواسطتها أحاديث كثيرة وتُعرف هذه السلاسل بواسطة تحفة الأشراف سند واحد مكوَّن من أربعة رواة فيه مائة حديث، أنت إذا حفظت هؤلاء الأربعة فلان عن فلان عن فلان ارتحت من مائة سند وهكذا تبدأ بالأكثر ثم الذي يليه ثم الذي يليه على سبيل التدلي هذا بالنسبة للنظر في الأسانيد وبالنسبة لما قيل في الرواة ممن لا، أقول بالنسبة لحفظ ما قيل في الراوي من الأقوال يكون المحور مثلاً التقريب فيراجَع في هذا الراوي الراوي الأول يراجع فيه في العرضة الأولى الكتب المختصرة الكاشف والخلاصة ويسجل قال الذهبي كذا وقال في الخلاصة كذا إلى أن ينتهي ثم يعود إلى الكتاب مرة ثانية فيراجع عليها المطولات ولو اكتفى في هذه المرة بتهذيب الكمال للحافظ المزي وتهذيب الحافظ ابن حجر بزياداته يستفيد كثيرًا وتتكون لديه الأهلية أهلية الموازنة بين أقوال أهل العلم في الراوي بعد النظر في كتب المصطلح والنظر أيضًا في مواقع الاستعمال عند أهل العلم.. في مواقع الاستعمال عند أهل العلم فابن حجر مثلاً على سبيل المثال عندنا بيجينا راوي العلاء بن عبد الرحمن العلاء بن عبد الرحمن قال هو ثقة عند أهل الحديث يقوله الترمذي يعني ملاحظة مواقع الاستعمال عند أهل العلم مهمة جدًا يقول الترمذي العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي ثقة عند أهل الحديث وفي التقريب صدوق ربما وهِم صدوق ربما وهِم مع أنه مخرج له عند مسلم فإذا نظرنا إلى مواقع الاستعمال ما نظرنا النظر المجرد علم نظري فقط نستفيد كثيرًا ونظير ذلك ما ذكرناه في مناسبات بالنسبة للتفقه من كتب السنة التفقه من كتب السنة لا يكون إن كانت الحافظة تسعف وأراد أن يحفظ بأسانيدها وبتراجمها بآثارها بفقه أهل الحديث طيب لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف فليجعل المحور صحيح البخاري ويراجِع عليه الكتب الأخرى مثل ما شرح وأفضنا فيه في مناسبات كثيرة.
قلنا أن من يحسن قراءة الحروف الفارسية وإن كانت بالعربي فعليه بالطبعة الهندية الأولى والذي لا يحسن ذلك فعليه بالطبعة السلفية.
ذكرنا هذا في أكثر من مناسبة وذكر حتى في هذا الدرس ذكرنا هناك كتب كثيرة في الإملاء لكن من أفضلها كتاب الإملاء للشيخ حسين والي هذا مطبوع قبل مائة سنة كرر طبعه مرارًا وله كتاب تمرين الإملاء تمرين الإملاء.
هذه طبعة طيبة في اثني عشر جزءًا وأحسن منها وأجود طبعة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وطبعات التركي لكتب الفقه وشروح الموطأ طبعة طيبة لكن تحتاج إلى مزيد من التخريج والتعليق وإلا هي أفضل من سوابقها.
يقول كثيرًا ما نسمع ما يسمى بجادة طلب العلم وهي في العقيدة الأصول وبعدها التوحيد وبعدها الواسطية مع شروح مبسطة ثم متوسطة ثم كبيرة وكذا في الحديث وكذا في الفقه فمدى فاعلية مثل هذا المنهج الذي قد يستغرق السنين الطويلة والحفظ والتسميع والمراجعة وغير ذلك ثم هذا المنهج لا يتبناه إلا قلة من المشايخ بل نرى من يعارضه ويفضل أن تحفظ الكتب الستة وغيرها مع اختلاف المنهج في ترتيبها.
على كل حال لن يستطيع طالب العلم أن يصعد إلى سماء العلم بغير سلم لن يستطيع يعني سواء ضَحك على نفسه أو ضُحك عليه أو غُرر به لن يستطيع أن يصعد إلى سماء العلم بغير سُلم الجادة هي السُّلم شخص ما قرأ الأصول الثلاثة ولا كتاب التوحيد ولا الواسطية ولا الحموية ولا التدمرية على الطريقة المعروفة يبي يصعد إلى درء تعارض العقل والنقل أو نقض التأسيس أو غيرها أو يقول أنا ما ني بحاجة إلى هذه الكتب لا بد من الجادة يعني شخص ما حفظ الأربعين ولا يعرف الأربعين ولا يعرف عمدة الأحكام ولا بلوغ المرام يبي يطلع إلى البخاري ما يمكن أن يترقى بهذه الطريقة وقل مثل هذا في سائر العلوم وشرحنا هذا الأمر مرارًا والأشرطة موجودة عند التسجيلات ومتداولة.
هؤلاء يسمون بغير أسمائهم قد يسمون أفعالهم سرك ويسمون بالمحترفين وأفعالهم ضروب من السحر لأن السحر منه ما له حقيقة ومنه ما هو تخييل ومنه ما هو تخييل وهذا ضرب من السحر لا إشكال فيه الذي يخرج عن مقدور البشر لا يخلو إما أن يكون كرامة لفاعله وهذا لا بد أن يعرض فاعله على الكتاب والسنة فإن كانت أعماله وسمته وهديه وطريقته موافق للكتاب والسنة وكان هذا الخارق للعادة مما يحتاجه هذا يسمى خارق وخوارق العادات معروف ومقرر عند أهل السنة والجماعة لكن إذا كانت الأفعال مخالفة للكتاب والسنة فإن هذه الأعمال أعمال شيطانية خوارق شيطانية أو مخارق شيطانية يضعون الصخور على صدورهم ويسكرونها على صدورهم ويأكلون الحديد ويدخلون الحديد في عيونهم ويدخلونها من جهة ويخرجونها من جهة هذا هو السحر بعينه إن لم يكن هذا هو السحر فلا سحر.
يقول: نرى بعض الشباب ممن هم قدوات لنا يقول نرى بعض الشباب ممن هم قدوات لنا بالعلم والدين والورع والصدق هكذا نعلمهم ولا نزكيهم على الله ثم نراهم بعد ذلك انتكسوا مما يزرع الخوف في نفوسنا خشية من سلوك طريقهم فما هي الأسباب التي جعلتهم ينحرفون وماضيهم كما ذُكر ونحن نعلم أن الله ليس بظلام للعبيد؟
في الحديث الصحيح لابن مسعود يقول حدثني الصادق المصدوق يقصد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن قال «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» وجاء القيد في حديث أبي موسى وغيره «ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس» يعني هذا الشخص عنده دخيلة خانته في وقت الحاجة إلى حسن الخاتمة المقصود أن حسن الخاتمة واللهج بالدعاء بحسن الخاتمة والثبات ينبغي أن يكون ديدن كما سلف هذه الأمة يفزعون من سوء العاقبة نسأل الله العافية ويلجؤون إلى الله جل وعلا ويضرعون إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو بالثبات «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فما شأن غيره؟! وإذا كان هذا في الأوقات التي فيها عز ونصر للدين فكيف يكون الأمر في أوقات يخاف الإنسان المتدين على نفسه بمجرد انتسابه إلى الدين ويفتن بسبب ذلك ويرى غيره يفتن فيخاف من نظير فتنته فيبادر إلى التخلي عن هذا الدين نسأل الله العافية الآن بعض الشباب الذين ظاهرهم الالتزام والاستقامة تجدهم ارتكبوا بعض المخالفات بضغط من الوالدين تجد الأب يقول يا ولدي خفف لحيتك أطل ثوبك لا توقعنا في حرج ولا نفسك في مشكلة ولا كذا ولا كذا هذا نسأل الله العافية هذا ضلال إذا كان الدين يوقع في حرج ويوقع في إشكال المقصود من الدين الدين الصحيح لا دين المتطرف ولا دين الجافي الدين المعتدل دين الوسط الذي يهدي للتي هي أقوم المقصود أن مثل هذا موجود ووجد ضغوط من بعض الآباء وبعض الأمهات خشية على أولادهم لكن هذا ليس بمبرر لطاعة الوالد ولا الوالدة في ارتكاب المحرم.
فيه كتاب في خمسة مجلدات اسمه أعلام النساء أعلام النساء وفيه أيضًا كتاب الدر المنثور في تراجم وطبقات ذوات الخدور في مجلد كبير مطبوع من أكثر من مائة سنة وصُوِّر مرارًا وهذا فيه تراجم وفيه فوائد وقد يترجمون لبعض من عندهن شيء من المخالفات أو البدع لأنها كتب تجمع وكتب التراجم وكتب الرجال في الحديث وغيرهم يفردون النساء يعني النساء لهن حظ ونصيب من كتب التراجم.
الخط سيئ والإملاء رديء لو اهتم بنفسه وبما ينفعه في أمور دينه ودنياه ولو لم يكن من ذلك إلا تحسين الخط بدال هذه المباريات وإضاعة الأوقات لكان على خير إن شاء الله تعالى المباريات لا شك أنها إضاعة وقت بدون فائدة هذا إذا سلمت من المحظورات من مشاهدة عورات وما أشبه ذلك وألهت عن ذكر الله وعن الصلاة وأوقعت ما يستقبح من الضغائن والأحقاد في القلوب.
هذا إذا كان بدون مقابل فهو من أكل أموال الناس ليس هذا من باب التبرع بل إن هذا مُلجأ وليس بطيب نفس منه.
ذكرنا في مناسبات كثيرة أن أفضل طبعات فتح الباري طبعة بولاق لكن قد لا تتيسر لكل أحد فيكتفى بالطبعة السلفية الأولى لأنه طبع سلفية أولى وثانية وثالثة.
أحسنها على الإطلاق شرح ابن سيد الناس مع تكملة الحافظ العراقي.
إذا كانت المعصية في المكان العادي أو الزمان العادي فإنها تعظَّم في المكان المعظَّم وفي الزمان المعظَّم فعلى هؤلاء النسوة أن يتقين الله جل وعلا وعلى أولياء أمورهن من المسؤولية والتبعة بحيث يأطرونهن على الحق وعلى الحشمة والعفاف وإذا تركها تتساهل في هذا الأمر قد يبتلى بأمر عظيم عقوبة له على هذا التساهل ورأينا من هذا ورأى غيرنا شيء يعتصر القلب لكن إلى الله المشتكى والجهود مبذولة مع المسؤولين وعلى الله جل وعلا أن يكللها بالنجاح.
كتاب معروف ومشهور ومتداول وهو في جميع الأقطار الإسلامية له شأن عظيم يعني هو ديدن عند كثير من المسلمين في كثير من الأقطار لكنه فيه شوب البدعة واضحة والخروج عن منهج السلف الصالح في كثير من المباحث العقدية وفيه أيضًا أخبار باطلة لا أصل لها وأحاديث موضوعة هذا موجود وفيه فوائد لاسيما ما يتعلق بأمراض القلوب ومن هنا جاء التشديد في أمره بالنسبة لشيوخنا وشيوخهم إلى أئمة الدعوة كلهم لا يرون القراءة في هذا الكتاب لما فيه من مخالفات عقدية وفيه أحاديث باطلة وفيه مسائل معروفة، ومعروف أن الغزالي من حيث الاعتقاد أشعري في الأسماء والصفات وغيرها وهو أيضًا متصوف قد شاب الزهد الديني بالفلسفة القديمة فمنهجه في هذا خاطئ وباطل نسأل الله العافية وعنده طوام لكن لا يعني أن طالب العلم الذي يميِّز بين الحق والباطل يمنع من الإفادة منه نعم لما كان الأمر على الحيطة والحذر وإمكان تحقيق هذه الحيطة بمنع الكتاب كان لا يوجد في البلد مثلاً إلا نسخة واحدة هذه يمكن منع الاطلاع عليها لكن الآن كم طبع الكتاب من طبعة وكم من نسخة في كل طبعة؟ وكم من نسخة في بيت كل طالب علم من طلاب العلم الآن؟ هذا لا يمكن منعه؛ وعلى هذا ينبَّه على خطئه وفي تقديري أن لو انبرى له طالب علم بارع متميز وقرأه وعلق عليه وبيَّن الأخطاء التي فيه يمكن أن يستفاد منه أما في وضعه الحالي فطالب العلم المتوسط قد لا يتخلص من كثير من مخالفاته.