التعليق على تفسير سورة التكاثر من تفسير الجلالين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فاختيار هذه السورة من قبل الإخوة المنظمين لهذا الدرس اختيار موفق في هذه الأيام التي نعيشها والغفلة قد استولت في قلوب كثير من الناس، والانشغال قد استحوذ على كثير من القلوب منه ما هو انشغال حقيقي ومنه ما هو انشغال وهمي، فتجد الجميع مشغول وإذا طلبت من أحد موعد قال مشغول، سواء كان ذا شغل أو لا سواء كان ذا شأن أو لا، فكل الناس يعتذر بأنه مشغول، نعم كثير من الناس مشغول بدنياه وأكثر الناس مشغول بغير شاغل، بعض الناس مشغول فيما ينفعه في أخراه، وأكثر الناس مشغول بتدبير أمور دنياه مما هو على حساب أخراه، وبعض الناس منشغل بغيره لا بنفسه ولا بدينه وبماله، وعلى كل حال الاختيار في هذا الظرف الذي نعيشه موفق، كثير من الناس بدلاً من أن يقال له ولا تنس نصيبك من الدنيا كثير من الناس يحتاج إلى أن يقال له ولا تنس نصيبك من الآخرة، لأن شغله الشاغل الدنيا، هذه السورة أعني سورة التكاثر سورة مكية والدليل على ذلك وجود كلا لأنه كما قال الناظم
مَــا نَـــزَلَــتْ كَــــلَّا بِــــيَـــــــــثْـرِبَ وَلَا هِـيَ فِـــــــي نِصْـفِ جُـــزْءِهِ الْأَعْـــلَــى
يعني ليست في النصف الأول من القرآن إنما هي في النصف الأخير وما نزلت بيثرب ما نزلت بالمدينة وإن كان السيوطي وغيره يستروح ويميل إلى أنها مدينة وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك فالسورة من السور العظيمة في القرآن الكريم، ويحتاج إلى تدبرها كل مسلم، وهي علاج لكثير من أمراض القلوب، لكن علينا أن نتدبر ونعتبر ونتعظ.
معروف أن بداية السور تفتح بالبسملة وكل سورة من سور القرآن عدا براءة مفتتحة بـ بسم الله الرحمن الرحيم، والخلاف بين أهل العلم هل هي آية من كل سورة؟ فهل بسم الله الرحمن الرحيم آية من سورة التكاثر أو ليست بآية؟
الإجماع قائم على أن البسملة بعض آية في سورة النمل هذا محل إجماع لا يندرج تحت الخلاف، وهي ليست بآية اتفاقًا في أول سورة براءة، وما عدا ذلك هو محل الخلاف، فمن أهل العلم من يقول إنها آية من كل سورة، ومنهم من يقول هي آية من سورة الفاتحة فقط، ومنهم من يقول إنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، ومنهم من يقول إنها ليست بآية مطلقًا، عدا ما أجمعوا عليه في سورة النمل، فالأقوال بعد تحرير النزاع بعد إخراج ما في سورة النمل ومطلع سورة براءة، الاتفاق قائم على أنها بعض آية في سورة النمل وليست بآية في أول سورة التوبة هذا محل إجماع، فإذا حررنا محل النزاع تحررنا هل هي مائة وثلاث عشرة آية في مائة وثلاث عشرة سورة أو هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور أو هي آية في سورة الفاتحة فقط دون غيرها من السور أو ليست بآية مطلقًا هذا محل خلاف بين أهل العلم، وتحريره بذكر أدلته موجود في كتب الفروع وفي مقدمات التفاسير المقصود أن هذا مطروق عند أهل العلم، والسورة بُدئت قراءتها من أولها القراءة مطلقًا تبتدأ سواء كان من أول سورة أو من أثنائها تبدأ بالتعوذ، فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم فتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند بداية القراءة سواء كانت القراءة من أول السورة أو من أثنائها، لكن البسملة إنما تكون إذا افتتحت السورة من أولها.
يقول الله –جل وعلا- : "{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ألهاكم بمعنى شغلكم"، و{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} هل هو على سبيل الإخبار من الله –جلا وعلا- أو على سبيل الاستفهام يعني ءألهاكم؟ يعني أشغلكم؟ وصدكم عن الأهم؟ أولاً الإنسان مخلوق، الجن والإنس خُلقوا لهدف عظيم وغاية نبيلة وهدف أسمى وهو تحقيق العبودية لله –جل وعلا-، فكونه ينشغل عن هذا الهدف بغيره والسياق سياق ذم يكون مذمومًا بهذه لآية {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ألهاكم يعنى "شغلكم" وسواء كان إخبار أو استفهام إنكاري بتقدير الهمزة كله يدل على أن السياق سياق ذم وأن من ينشغل عما خلق له فهو مذموم
يا غفلاً عمَّا خُلِقْتَ لَهُ انتبه .......................
{أَلْهَاكُمُ} بمعنى شغلكم {التَّكَاثُرُ} الصيغة هذه تفاعل مثل تضارب وتقاتل والتفاعل في الغالب يقع بين أكثر من طرف يقع من أكثر من طرف، التكاثر هذا يذكر المفسرون أنه أن سبب النزول أن بني عبد مناف تكاثروا مع بني أسد تكاثروا مع غيرهم فقالوا: نحن أكثر منكم. وقال الآخرون: نحن أكثر منكم. فصاروا يعددون منا فلان ومنا فلان وفلان فلان وفلان، والقبيلة الأخرى تقول كذلك منا فلان وفلان وفلان وفلان إلى أن انتهوا من تعداد الأحياء فذهبوا إلى المقابر يعدون وهذا منا وهذا منا وهذا منا وهذا منا يشيرون إلى القبور والقبيلة الأخرى كذلك يتكاثرون فينشغلون بهذا عما خلقوا له، فقال الله –جل وعلا- : {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} حتى جئتم إلى المقابر من أجل هذا التكاثر لتتكاثروا بأعدادكم وتتباهوا برؤسائكم الذين تتفاخرون بهم لا من أجل الزيارة الشرعية، يعني حتى وصل الأمر إلى أن بدأتم بتعديد الأموات، فالذي يتفاخر بالأموات دليل هذا على قلة بضاعته مما يمكن أن يفخر به، وإلا فالميت ميت لا يستطيع أن يدفع عن نفسه فضلاً عن غيره. هذا ذكره كثير من المفسرين ورأوا أن الآية نزلت في ذلك {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} هذه الغاية إلى أن وصلتم إلى المقابر انتهى الأحياء من التعداد والتفاخر فانتهى بكم الأمر أن ذهبتم إلى المقابر لا تعتبروا ولا لتتعظوا ولا لتمتثلوا الأمر، الأمر بزيارة القبور لا للانتفاع لا لنفع أنفسكم ولا لنفع من في القبور بالدعاء لهم وإنما للتفاخر والتكاثر.
هذا يوجد نظيره في مجالس المسلمين تجد مثلاً واحد من بلد وآخر من بلد، شيء لا ينفع حقيقة يقضي على الوقت بدون فائدة ولو انشغل بدلاً من ذلك بالباقيات الصالحات التي لا تكلفه شيء سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غراس الجنة سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر لكن تجده في المجالس أنت من بلد كذا وأنا من بلد كذا بلدنا أكبر منكم بلدنا أقبل منكم بلدنا سكانه كذا بلدنا كذا، وينتهي الوقت على هذا لا شيء هذا تكاثر يدخل في الآية، فهذا حقيقية يقضي على الأوقات بدون فائدة، فلو استغلت هذه الأنفاس بما ينفع في الدنيا والآخرة كان أفضل نعم تجد بلدنا سكانه بلغو مليون يقول الآخر لا بلدنا أكبر بلدنا أقدم بلدنا أعرق لأجل ماذا؟؟ ثم ماذا؟ هذا كثير في المجالس يدور، وتجد الإنسان إذا مُدح بلده لا تسعه ثيابه ثم ماذا؟ إذا مدح نعم بدين وخير واستقامة وفضل هذه نعمة يشكر الله –جل وعلا- عليها لكن ما معنى إنه يمدح بأي شيء فضلاً عن كون يمدح هو بنفسه، لو قيل لزيد من الناس أن الأمير الفلاني أو الوزير الفلاني ذكرك البارحة فضلاً عن الملك تكلم بك البارحة وقال فلان ونعم يعني لو تكفيه هذه الكلمة يمكن ما ينام تلك الليلة، وتجده يتحدث بها في المجالس ويغفل مثل قوله –عليه الصلاة والسلام- نقلاً عن ربه -عز وجل- : «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» أي ذكر فلان من الناس مهما عظم قدره وذكر الله –جل وعلا- لعبده؟ لكننا ننشغل بالقشور، وننصرف عما خلقنا له {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} وعلى التفسير الأول التفاعل على بابها، وأهل العلم يدخلون كل ما يشغل عن الهدف الذي خلق له في عموم الآية حتى ذكر الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه: اقتضاء العلم العمل أن الانشغال بتحصيل الكتب العلمية الشرعية النافعة إذا زاد عن الحد دخل في هذه الآية يقول: وما جامع الكتب. ويقصد بذلك القدر الزائد عن الحاجة وما جامع الكتب إلا ككانز الذهب والفضة. يعني إذا كان كانز الذهب والفضة يقول: أنا في رصيدي كذا من الألوف أو من الملايين وجامع الكتب يقول أنا عندي كذا من نسخة كتاب كذا، وعندي كذا طبعة من كتاب كذا. ولا شك أن هذا على حساب العلم والعمل والشواهد لا تحتاج إلى ذكر يعني كل إنسان يحس هذا من نفسه، يقول عندنا مثلاً قيلت عنده كذا من كتاب مثلاً طبعة كذا عنده الطبعات كلها والنسخ متعددة من كل طبعة هذا لا شك أنه تكاثر، وهذا حاصل وموجود في أوساط طلبة االعلم ولا شك أن كثرة الكتب مشغلة عن التحصيل كما قال ابن خلدون فتدخل أيضًا في التكاثر إذا كان يجمع هذه الكتب ليتباهى بها، والله فلان من الناس عنده أكبر مكتبة يكفيه أن يقال هذا وقد قيل، ويحرص بعض الناس على الكتب النادرة التي يشار إليه من أجلها والله فلان يملك نسخة من كتاب كذا، تدرون أن في بعض الكتب تحفظ في البنوك من أجل أن لا يسطى على البيوت من أجلها هذا تكاثر هذا تشاغل وأعظم كتاب كتاب الله بأرخص الأثمان يباع وصحيح البخاري والكتب الستة ورياض الصالحين وكتاب التوحيد والكتب النافعة بأرخص الأثمان، يعني يكفي طالب العلم دراهم يسيرة ليقتني ما ينفعه في دينه ودنياه، ومع ذلك ينشغل بهذا التكاثر بجمع النوادر وجمع الطبعات ونحن كغيرنا نعاني من هذا الأمر يعني وإن برأ الإنسان لنفسه أنه يجمع لنفسه ولغيره قد يحتاج غيره إحالة على طبعة لا توجد فيسعفه ويعينه، لكن هذه النتيجة ما تستحق أن يصرف من أجلها الجهود وتنفق فيها الأموال فهذا أدخله أهل العلم من ذلكم الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل في الآية {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ومن نعم الله –جل وعلا- أنه كل ما اشتدت الحاجة إلى شيء رخصت قيمته وضربنا مثال بأعظم كتاب كتاب الله –جل وعلا- بينما يوجد من الكتب ما قيمته ألوف يعني كتاب لا يسوى من يقتنيه ما يستحق من يتعب عليه يباع بتسعين ألف والنووي يقول أنه اقتنى هذا الكتاب فأظلم قلبه وصعب عليه الحفظ حتى أخرجه ثم عاد إلى ما كان عليه ويباع في أسواق المسلمين بتسعين ألف، مائة ألف، لأن الطبعة نادرة فقط ومؤلفه ما أدري أي شيء؟ شيء لا قيمة له انشغال بتوافه وغفلة عما خلق له الإنسان وهو تحقيق العبودية، وتجد من يقتني الكتب.. ممن يقتني الكتب لا أقول كل من.. تجد ممن يقتني الكتب ولا سيما إذا كانت النية مدخولة قد ينشغل بهذه الكتب عن الصلاة فتجد يضرب موعد مع كتبي يبيع الكتب ثم يقول: نصلي في المكان الفلاني. ثم يركب سيارته وتفوته الصلاة بسبب هذه الكتب، يا أخي هذه غاية قدمت.. هذه وسيلة تقدم على الغاية! وإذا صف في صلاته لا سيما إذا رأى نوعية من الكتب ثم أقيمت الصلاة وطلع يصلي تجد التفكير كله في هذه الكتب، هذا إذا كان هذا الكلام فيما يعين على طاعة الله –جل وعلا- وهو كتب الشرع فكيف بغير ذلك ممن انشغل به الناس بما يشبه الجنون بل بعضهم بالفعل جن بسبب ذلك، يعني الفترة التي عشناها أشهر يعني انشغال الناس بالأسهم يعني ذكروا خيالات شيء ما يخطر على قلب عاقل يعني مجموعة كبيرة يصلون صلاة الظهر ويجهر الإمام ويأمنون ولا واحد ينتبه هل هذه علامات خير؟ والله ليست علامات خير وتكون العاقبة الخسران المبين –نسأل الله العافية- ويبقى أن في العمر فسحة لمن ارعوى وراجع نفسه {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فكل شيء يشغل به المرء عما خلق من أجله وهو الهدف العظيم وهو تحقيق العبودية لله –جل وعلا- يدخل تحت هذه الآية.
هل من التكاثر المذموم مما أصله يقرب إلى الله –جل وعلا- يعني مثل ما ذكرنا في الوسائل الكتب وجد هذا لكن الغايات هل منها ما يدخل في هذا المذموم؟ نعم إذا حصل به التكاثر والتفاخر يذم من هذه الحيثية فإذا قال شخص من الناس أنا أقرأ في اليوم عشرة أجزاء وقال الثاني أنا أقرأ خمسة عشر جزءًا يُذمون من هذه الحيثية من حيث التكاثر والتفاخر بما يقرأون أما القراءة معروف وضعها وحكمها وأجرها العظيم، كل حرف فيه عشر حسنات يعني الإنسان إذا قرأ عشرة أجزاء يحصل على مليون حسنة في اليوم فهو مطلوب منه أن يكثر لكن منهي ومذموم أن يكاثر {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} عرضنا على التأويل الأول أنهم زاروا المقابر لا زيارة شرعية، ولا من أجل الاعتبار ولا الادكار ولا الاتعاظ ولا امتثال الأمر النبوي: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» لا؛ إنما ليعددوا أمواتهم ليضيفوهم إلى الأحياء على التأويل الثاني: أنكم انشغلتم بامور دنياكم عما خلقتم له وتكاثرتم بهذا حتى زرتم المقابر يعني حتى متم فتجد الإنسان منشغل في حياته مستغرق منهمك لا ينتبه إلا حين لا ينفعه انتباهه فيندم ولات ساعة مندم إذا نزل به الموت انتبه {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} يعني حتى متم، والبرزخ لا شك أنه زيارة لأنه ليس بمحل إقامة، فالذي يموت يدفن في قبره في حكم الزائر لأنه سوف يعود سوف يبعث ثانية، ولذا لما سمع الأعرابي من يقرأ هذه السورة قال: بعث القوم ورب الكعبة. لأنه لابد للزائر أن يعود بعث القوم ورب الكعبة. أعرابي ما يقرأ ولا يكتب فاستدل على البعث من هذه الآية وكثير من المسلمين يقرأ وكأنه لا يقرأ، ومثل هذا الكلام لا يحرك فيه شعرة مع الأسف، تدبر القرآن لا شك أنه يورث من العلم والعمل والتقوى واليقين والطمأنينة ما لا يدركه إلا ما عاناه، يعني من منا يقف عند قول الله –جل وعلا- : {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر:8] هل نقف عند هذه الآية؟ زرارة بن أوفى لما سمعها أو قرأها على رواية في صلاة الصبح مات صعق فمات، لأن لها معاني ووراءها ما وراءها ونحن نتجاوزها نبدأ في السورة وما ندري إلا ونحن في آخرها لا تحرك بنا شعرة فعلى الإنسان أن يراجع نفسه ويعيد كيفية قراءته للقرآن
فتدبر القرآن رمتَ الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} والزيارة بالنسبة للرجال سنة باجماع أهل العلم.
يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة» وجاء عنه أيضًا –عليه الصلاة والسلام- «أكثروا من ذكر هاذم اللذات» فالإنسان لا شك أنه يصاب بالغفلة لا سيما في الظروف التي نعيشها لا شك أنها سبب في غفلة كثير من الناس لما خلقوا له، انشغلوا بالقيل والقال وتجد مع الأسف حتى ممن ينتسب إلى العلم تجد نصيب القرآن من وقته يسير جدًا إن وجد وإلا بعضهم تطلع الشمس وتغيب ما قرأ شيء من القرآن وهذا لا يليق بمسلم أن لا يتعاهد كتاب ربه، تطلع الشمس وهو في صحف ووسائل إعلام مختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية وتحليلات وماذا قال فلان وماذا حصل في كذا والنتيجة لا شيء، وهو لا يقدم ولا يؤخر بينما القرآن الذي هو أعظم كتاب دستور الأمة مصدرها الأول التي تصدر عنه في جميع تصرفاتها تجد تطلع الشمس وتغرب ما فتح المصحف، مع الأسف بعض طلاب العلم ليس للقرآن نصيب من وقته إلا إذا قدر أنه تقدم للمسجد قبل الإقامة بدقائق وجد نفسه أنه لابد عاد يمضي هذا الوقت فالقرآن لا شك أنه رأس مال فإذا ضمنه القرآن فما بعده ربح، قراءة القرآن لا تكلف شيء، تجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس بإمكانك أن تقرأ القرآن في سبع من دون أي تعب، ومن دون تضييع أي حق من الحقوق، تقرأ القرآن في سبع والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» فإذا جلس المسلم يذكر الله يذكر بعد صلاة الصبح يأتي بالأذكار المشروعة ثم يقرأ القرآن إلى أن تنتشر الشمس بإمكانه أن يقرأ أربعة أجزاء ثم يختم في كل سبع وهذا أمر مجرب وجربه صغار الطلاب ، وإذا الإنسان فرض من وقته نصيبًا محددًا لورده اليومي من القرآن لا شك أنه يوفق ويسدد في باقي يومه وبقية أعماله من أمور دينه ودنياه يكون ضمن يومه، لأنه يكثر السؤال من طلاب العلم يقولون حفظنا القرآن لكن عجزنا عن المراجعة كيف نراجع؟ وهو يبخل على القرآن بالوقت أعطِ القرآن من وقتك أعطه من السنام لا تعطيه من الأطراف وأنت جالس تنتظر في مستشفى وإلا في مكان ما تريد أن تطالع وتراجع ما يكفي يا أخي على الفرغة فإذا لم تهتم بكتاب الله فكيف تهتم بغيره، مع الأسف يوجد بعض الناس يهتمون بالحديث والحديث على العين والرأس ما أحد يقلل من شأن الحديث لكنه على حساب القرآن تجد بعض طلاب العلم يحفظ القرآن ثم يتركه، القرآن هو الكلام الوحيد المتعبد بتلاوته مجرد قراءته مجرد قراءة القرآن تؤجر عليها كل حرف بعشر حسنات والختمة ثلاثة ملايين حسنة هذا أقل تقدير، بعض الناس يضاعف الله لهم إلى سبعمائة ضعف وجاء في الحديث في المسند لكن ما يسلم من مقال وأهل العلم يتسامحون في هذا في باب الفضائل «إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة» إلى مليونين حسنة الحسنة الواحدة، الحديث ضعيف لكن يبقى أن فضل الله لا يحد له، قد يقول قائل هذا أمور عظيمة كأنه يتكاثر ما عند الله –جل وعلا- نعم فضل الله لا يحد وإذا كان آخر شخص يدخل الجنة يقال له تمنى فتنقطع به الأماني يفكر يهوجس آخر واحد يدخل الجنة ما كفوه على حساب الخلق؟ فيقال له أترضى أن يكون لك كملْك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: إيه وربي. فيقال له: لك هذا وعشرة أمثاله. فضل الله عظيم لكن لابد أن نبذل من أنفسنا لابد من بذل السبب لابد من الصدق مع الله –جل وعلا- فزيارة القبور مشروعة ولا شك أنها علاج لقساوة القلوب وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، {يِوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} {إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء:88-89] كيف يسعى الإنسان لسلامة قلبه؟ قالوا يكثر من ذكر هادم الذات لأنه إذا ذكر في شيء قلله شيء كثير يقلله ثم بعد ذلك يجعل الإنسان ينصرف إلى ما وراء هذا الموت ويزور القبور وفيها العبرة والتذكرة للآخرة لكن مع الأسف وإلى الله المشتكى أن الإنسان يطل في هذه القبور وكأنه حفرة عادية لا فرق بينها -كما يقول بعض الإخوان- وبين حفرة الزيت التي يغير بها الزيت ما فيه فرق، وقد رأيت شخصًا في الخمسين في عمره ونصف اللحية أبيض يدخن على شفير القبر قلوب تحتاج إلى علاج، وحياتها بتدبر كلام الله وبالإكثار من ذكر الموت وبزيارة القبور، ثم بعد ذلك وهو أبلغ من الزيارة مشاهدة المحتضرين كما يقول أهل العلم مشاهدة المحتضرين لكن هذا ما يتيسر لكل أحد، فعندك العلاج في كتاب الله –جل وعلا- والعصمة في كلام الله –جل وعلا- فالإنسان إذا تدبر القرآن لا شك أنه يورثه ذلك التدبر من اليقين والإيمان والطمأنينة شيء لا يخطر على بال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-.
فعلينا أن نعنى بهذا الكلام العظيم ونبذل الأسباب التي تعين على حياة القلوب ونجانب الموانع، لابد من بذل الأسباب واجتناب الموانع لأن بعض الناس قد يبذل سبب ولا يحصل له ما يريد لماذا؟ لأن عنده ما يمنع من تأثير السبب في مسببه فلا بد من اجتناب الموانع تجد الإنسان مخلط في كسبه ويريد حياة قلب! لا يتورع عن الشبهات ثم بعد ذلك يريد قلبا سليما من الغش والحقد والغل! لا، عليك أولاً بالموانع فاجتنبها ثم ابذل الأسباب وإذا كانت دعوة ترد من أجل لقمة يأكلها من كسب حرام فكيف إذا كان مخلط في جميع مكاسبه النبي –عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب يا رب يدعو الله –جل وعلا- بهذا الاسم العظيم الذي يقول أهل العلم أنه أولى ما يدعى به حتى قرر جمع منهم أنه إذا دعي بهذا اللفظ خمس مرات أجيبت الدعوة، ونعرف أن هذا سبب إذا ما كان هناك مانع وإلا إن وجد مانع ما تجاب الدعوة، وأخذوا هذا الكلام من الأدعية الورادة في آخر سورة آل عمران إلى أن قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [سورة آل عمران:195] المقصود أن هذا الأشعث الأغبر الذي يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب فكونه أشعث وأغبر منكسر القلب مسافر والمسافر له دعوة مستجابة ومع ذلك مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي في الحرام فأنى يستجاب له. أنى يستجاب له وهذه الموانع موجودة؟ كيف يستجاب! استبعاد. وتجد بعض الناس يقول أقدم لا تفوتك الفرص ومع الأسف منهم من ينتسب إلى طلبة العلم أقدم مسألة شبهة مسألة مختلِط طهر يا أخي باب التطهير موجود. نقول يا أخي ما ينفعك هذا التطهير لماذا؟ لأن التطهير من تمام التوبة والتوبة لها شروط فهل تحقق شرط واحد من هذه الشروط؟ وهو يقول لك أقدم ساهم لا تفوتك وإن كانت مختلطة لكن طهر يا أخي ما تبرأ ذمتك لماذا؟ لأنك ما تبت أصلاً شروط التوبة الإقلاع فورًا وهو يقول لك استمر وطهر لا تقلع فورًا لماذا تقلع؟، الندم فكيف تندم وأنت مستمر، والعزم على أن لا يعود، شروط التوبة الثلاثة كلها ما هي بموجودة ثم يقول لك طهر، التطهير من تمام التوبة يعني أنت تتعامل بمعاملة محرمة ثم تبت تبت من هذه المعاملة، الله –جل وعلا- يتوب عليك التوبة تهدم ما كان قبله إذا كانت خالصة لله –جل وعلا- متوفرة فيها الشروط التوبة تهدم ما كان قبلها لكن بشروطها، فإذا توافرت شروطها نعم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له بل فضل الله –جل وعلا- أعظم، لأن الله –جل وعلا- يبدل السيئات حسنات، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ ..} إلى أن قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان:68-69-70] فإذا تاب الإنسان بدل الله سيئاته حسنات، أما يقول لك لا تتب معناه يقول لا تتب إذا كان يقول لك استمر ومن شرط التوبة أن تقلع فورًا ومع الاستمرار كيف تندم وأنت مستمر؟ وكيف تعزم على أن لا تعود وأنت مستمر؟ فشروط التوبة كلها متحققة.. فالتطهير غير وارد مع تخلف جميع شروط التوبة، لأن التطهير من تمام التوبة فإذا تبت طهر إذا جاءك شيء مال فيه شبهة من غير قصد ورد عليك وأنت ما تدري تخلص منه، أما ان يرد عليك وأنت مقدم عليه أبدًا يا أخي بعضهم يقول هذه أمور يعفى عنها، أمور يسيرة يعفى عنها مثل يسير النجاسة يعفى عنها، يعني في مذهب أبي حنيفة أن الشيء اليسير من النجاسة يعفى عنه وإلا معروف عند الحنابلة والشافعية أنه لا يعفى عما لا يدركه الطرف من النجاسة يمثلون بأمثال رؤوس الإبر هذا لا يعفى عنه عند الحنابلة والشافعية وأبو حنيفة يقول: يعفى عن اليسير. لكن ما معنى اليسير عند أبي حنيفة؟ هل يستطيع أبي حنيفة وغير أبي حنيفة أن يأتي لشخص ويقول بل على ثوبي شيء يسير لأنه معفو عنه يعني إذا ورد عليك شيء من غير قصد هذا يسير يمكن يعفى عنه لكن تقصد هذه النجاسة ويقول يعفى عنه أبدًا ما يقول بهذا عاقل فضلاً عن الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان –رحمة الله عليه- فهم يتشبثون بأمور يوقعون بها ويلبسون بها على العامة لكنها ما تنفعهم فعلى الإنسان أن يطيب المطعم، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة أي إنسان يمد يديه هل فيه أحد يمكن أن يستغني عن الدعاء؟ وارتباطه بالله –جل وعلا- لابد أن يكون وثيقًا ما دام مسلمًا مؤمنًا بالله –جل وعلا- فلا شيء إلا عن طريقه –عز وجل- فأنت إذا طلبت من المخلوق أعطاك أو حرمك فالمعطي هو الله –جل وعلا- فأنت تسأل الله –جل وعلا- وتلهج بدعائه من أجل أن يحقق لك ما تريد من أمور دينك ودنياك فإذا كنت عازما على الدعاء وتريد أن يستجاب دعائك يا أخي ابذل الأسباب وعليك بنفي الموانع.
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} {كَلَّا} يقول أهل العلم: كلا حرف ردع وزجر، وذكرنا في بداية الدرس أنها لا توجد في السور المدنية وإنما هي في السور المكية وبهذا استدل على أن هذه السورة مكية {كَلَّا} والسيوطي ينتصر لكونها مدنية لأنه جاء في آخرها {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذِ عَنِ النَّعِيم} قصة النبي –عليه الصلاة والسلام- مع أبي بكر وعمر وهي في المدينة قطعًا لأن الذي أضافهم رجل من الأنصار، فاستدلوا بها على أن السورة مدنية وعلى كل حال سواء كانت مكية أو مدنية هي ليس فيها من الناسخ والمنسوخ ليس شيء.. آياتها محكمة وعلى هذا سواء كانت مكية أو مدنية لا فرق لأن من فوائد المعرفة المكي والمدني معرفة المتقدم من المتأخر الناسخ والمنسوخ ولا ناسخ ولا منسوخ إذًا سواء كانت مكية أو مدنية لا فرق {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تأكيد وهذا لا شك أنه أسلوب تهديد، {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد لأنك إذا علمت وبان عليك ما كان قد خفي عليك سوف تندم لانشغالك بالمفضول عن الفاضل {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} هذا من باب التأكيد اللفظي وعطف التأكيد على المؤكد يأباه أهل اللغة، الأصل أن التأكيد اللفظي بدون عطف وهنا معطوف الثاني على الأول بثم التي تدل على التراخي ولذلك يقول أهل العلم أن قوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} الأولى إذا عاينتم يعني عند الموت وتيقنتم المصير ودفنتم في قبوركم وبانت لكم النتيجة {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا دخلتم إلى دار الجزاء، {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} ، {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} ماذا يحصل لكم؟ جواب لو لو أن علمكم علم من تيقن ما الذي يحصل لكم؟ لما حصل لكم التشاغل والتكاثر {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} وعلم اليقين يحصل بخبر الصادق وجاءتنا الأخبار القطعية في كتاب الله وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- أننا مبعوثون بعد الموت ومجازون على أعمالنا إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر يعني حصل لنا العلم اليقيني واليقين يوصف به العلم، فعندنا علم يقين وعين اليقين وحق اليقين، ابن القيم –رحمه الله- في مدارج السالكين يقول: إن علم اليقين يحصل بخبر الصادق علم اليقين وعين اليقين يحصل بالمشاهدة بالرؤية وحق اليقين يحصل بالمباشرة، لو جاء زيد من الناس وهو عندك ثقة ومعه عمرو وبكر وخالد يعني مجموعة من الثقات قالوا إنه جاءنا في بلدنا فقع الذي هو الكمأة أو عسل مثلاً بمجموع هؤلاء تستطيع أن تكذب؟ ما تستطيع لأن كلهم ثقات ومجموعة يعني واحد يحصل منه الخطأ والوهم لكن إذا تظافروا وصاروا أكثر من واحد تجزم بأن خبرهم يقيني يفيد العلم لا يحتمل النقيض، فيحصل علم اليقين بخبر الصادق هؤلاء صادقون وخبرهم مفيد للعلم، لكن إذا طلعت للسوق وشفت العسل يباع أو الفقع يباع هذا عين اليقين لكن لو قال لك صاحب العسل تفضل ذق أنت تدخل إصبعك وتلعق هذا اسمه ماذا؟؟ حق اليقين، وهو مرتبة أعلى من علم اليقين ومن عين اليقين يعني في خبر الصادق عندنا الذي لا يحتمل النقيض أن هناك جنة وهناك نار، نعم لكن إذا رأينا وعاينا الجنة والنار قبل الدخول هذا ماذا؟؟ علم اليقين فإذا دخلنا نسأل الله -جل وعلا- أن يبلغنا دار السلام فهذا هو حق اليقين {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} يعني كأنكم.. ما دام الخبر لا يحتمل النقيض وهو من الله –جل وعلا- بحيث لا نتردد فيه هل هناك مراء أن هناك جنة ونار؟ فيه أحد مسلم يشك أن هناك جنة ونار؟ لكن كثير من الناس في أعماله وتصرفاته كأنه يشك فلو علم علم اليقين وصدق التصديق الذي تترتب عليه آثاره لصار كأن هذا الخبر مشاهد لكان مثل علم اليقين ما فيه فرق والقرآن جاء فيه التعبير عن الأخبار الصادقة التي لا تحتمل النقيض المتواترة المستفيضة أنها مثل المشاهد في المرئية في الرؤية مثل المشاهد المرئي ولذا يقول الله –جل وعلا- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [سورة الفجر:6]{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [سورة الفيل:1] يخاطب من؟ يخاطب النبي –عليه الصلاة والسلام- والنبي –عليه الصلاة والسلام- ما شاهد ولا رأى لا عاد ولا أصحاب الفيل لأنه ولد سنة الفيل، فكيف يخاطب بالرؤية ألم تر؟ لأنه جاءه الخبر بطريق ملزم لا يستطيع أن ينكر يعني جاءه الخبر بطريق يقيني والخبر اليقيني في حكم المشاهد في القطعية {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} كأنكم ترون الجحيم فالتدبر لا شك أنه يورث علم وعمل ويجعل الإنسان كأنه يشاهد هذه الأمور ولذا الصحابي لما قال للنبي –عليه الصلاة والسلام- : أصبحت مؤمنًا حقًا فقال له النبي –عليه الصلاة والسلام- : «اعقل ما تقول فإن لكل حق حقيقة» فذكر أنه كأنه يرى الجنة والنار والملائكة وكذا وكذا فهذه الأخبار من الله –جل وعلا- باعتبارها أنها صدرت منه لا تحتمل النقيض كأخبار النبي –عليه الصلاة والسلام- التي صحت عنه لا تحتمل النقيض فمالنا كأننا مكذبون يعني نسمع هذه الأخبار ولا تؤثر فينا ثم لترونها ماذا؟؟ نعم عين اليقين، بعد علم عين وذلك بعد المشاهدة، مجرد خبر هذا علم اليقين مشاهدة عين اليقين {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} النعيم يختلف أهل العلم والمفسرون ذكروا أقوال فمنهم من يقول: الصحة والعافية هذا نعيم. ومنهم يقول: المأكل والمشرب والملبس نعم هذا نعيم، منهم من يقول: الصحة والفراغ كما جاء في حديث: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغ» الله –جل وعلا- يوالي علينا النعم، ونعم الله علينا تترى {وَإِنْ تَعِدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا} [سورة النحل:18] نحن نتقلب في النعم ولا نحسب لها أي حساب نعمة السمع نعمة البصر نعمة العقل نعمة الدين رأس المال النعم من المأكولات والمشروبات التي توفر لنا في بلادنا في زمننا شيء لا يخطر على بال، يعني قبل وقوعه لو تحدث عنه متحدث قيل ضرب من الجنون وتجبى إلينا الثمرات من كل فج ووجد على مائدة واحدة طعام من ست القارات نعيم، والقرطبي في تفسيره يذكر عن بعض السلف في تفسير قول الله –جل وعلا- {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَّءَاهُ اسْتَغْنَى} [سورة العلق:6-7] يقول: من وضع على مائدته ثلاثة أصناف من الطعام فقد طغى. ينقل عن بعض السلف فكل شيء أنت محاسب عليه {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} النبي –عليه الصلاة والسلام- خرج في يوم من الأيام وما أخرجه إلا الجوع، وجاء في عيشه –عليه الصلاة والسلام- معروف في الصحيحين وغيرهما أنه يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ما يوقد في بيته نار، وطعامه –عليه الصلاة والسلام- الأسودان التمر والماء أشرف الخلق يعني لو كان في هذه النعم التي نتقلب فيها مزية لنا على غيرنا كان النبي –عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام أولى منا بها لكن نخشى أن تكون بعض أقدامنا قدمت لنا في الدنيا وحجبت عن أولئك الأخيار لتتوفر لهم أجورهم في الآخرة، النبي –عليه الصلاة والسلام- خرج من بيته ما أخرجه إلا الجوع فلقي أبا بكر وعمر فقال: «ما الذي أخرجكما» فقالا الجوع، فقال: «واللهِ ما أخرجني إلا الذي أخرجكما» فذهب –عليه الصلاة والسلام- بصاحبيه إلى رجل من الأنصار يقال له أبو الهيثم بن التيهان فطرق الباب وسلم في بعض الروايات أن المرأة ما ردت السلام يعني ما أذنت لهم، يعني ما سمعوا رد السلام منها ولا قالت أدخلوا والعادة في الاستئذان أن يقول المستأذن السلام عليكم أأدخل؟ يكررها ثلاثًا إن أذن له وإلا انصرف، سلم النبي –عليه الصلاة والسلام- ثلاثًا واستأذن فلم يؤذن له فانصرف فقالت: المرأة هلموا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- : «ما أردتِ؟» قالت: أردت أن استكثر من سلامك لأن السلام دعاء من النبي –عليه الصلاة والسلام- بالسلامة وهذا جاء عن أبي موسى أنه ما رد السلام على النبي –عليه الصلاة السلام- ثلاثًا فانصرف النبي –عليه الصلاة والسلام- ليستكثر من سلامه، فأذنت لهم بالدخول فسألوا عن صاحب البيت، فقالت ذهب يستعذب لنا الماء يأتي لنا بماء عذب نشرب، فلما جاء وقد وجد النبي –عليه الصلاة والسلام- في مزرعته أو بيته كما في بعض الروايات أكثر الروايات على أنها مزرعة، فرح واستبشر ورحب وقال إنه لا أحد أكرم منه ضيوفًا فعمد إلى نخلة فجذ منها عذقًا ووضعه بين أيديهم فأكلوا من البسر والتمر ثم جاء لهم بالماء البارد وأخذ المُدية السكين ليذبح لهم ما يكرمهم به ويضيفهم به وإكرام الضيف واجب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، فكيف إذا كان الأضياف خير الخليقة فقال لهم النبي –عليه الصلاة السلام- «إياك والحلوب» احذر أن تذبح الحلوب، فذبح لهم وشوى بعض وطبخ البعض الآخر قدم لهم فأكلوا من التمر وشربوا من الماء البارد وأكلوا من هذه الذبيحة فلما فرغوا قال النبي –عليه الصلاة والسلام- : «والله لتسألن عن هذا النعيم» فكيف بمن كان ديدنه ذلك يوميًا يحصل له مثل هذا هذا النعيم الذي نتقلب به ما كان يخطر على قلوب من تقدمنا في السن لكن هل شكرنا؟ كثير من الناس نعم هذه البلاد أبتليت بالضراء طويلاً حتى أكلوا الجيف ومع ذلك ما تنازلوا لا عن دين ولا عن عرض حافظوا على أديانهم وعلى أعراضهم، لكن لما فتحت علينا الدنيا وانبسطت تنازلنا عن كثير مما كنا متمسكين به، فهل هذا من شكر النعمة؟
{ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} فمن الذي يُسأل؟ هل يسأل المسلم؟ هل يسأل الكافر فقط؟ من أهل العلم من يرى أن الذي يسأل الكافر أما المسلم الذي يعبد الله –جل وعلا- عبادته شكر لهذه النعمة، وأما الكافر الذي يتقلب في النعم ولا يشكر هذا هو محل السؤال والمرجح أن كل أحد يسأل؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- والأخبار.. صحيح لما أكل ما أكل عند أبي الهيثم وفي بعض الروايات عند أبي أيوب قال: «والله لتسألن عن هذا النعيم» فإذا كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يخاطب أبا بكر وعمر وأنهم يسألون فكيف بمن دونهم؟ ممن يفطن للشكر مرة ويغفل عنها مرات فكل أحد يسأل عن النعيم المسلم والكافر لكن الكافر يسأل سؤال تقريع وتبكيت والمؤمن على قدر شكره إن كان ممن يلهج بالذكر والشكر فهذا يسأل سؤال إكرام وتقرير ليزاد في نعيمه، وإن كان ممن يغفل عن الشكر يأتيه من التقريع مايناسبه ثم بعد ذلك مآله إلى خير -إن شاء الله تعالى-.
نقول نكتفي بما تقدم مما يتعلق بالتفسير السورة، والسورة حقيقة من السور العظيمة وكل القرآن عظيم لكن لضيق الوقت والأسئلة كثيرة نكتفي بما تقدم ونجيب على بعض الأسئلة مما يحتمله الوقت بين الأذان والإقامة..
والله أعلم وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"شيخ الإسلام جزم في مواضع أن العذاب للروح ثم قال وقد يقع العذاب على البدن.
طالب علم بدون كتب كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح ما فيه علم إلا بكتب، فلا بد من جمع الكتب لكن ما معنى الجمع؟ تجمع ما تحتاج إليه أما تجمع من كل كتاب خمس نسخ عشر نسخ هذا موجود يا الأخوان يعني مثل فتح الباري مطبوع عشر مرات يجمع العشر طبعات ومن كل طبعة ثلاث نسخ أربع نسخ يعني يصير عنده أربعين نسخة من فتح الباري، تدرون أن مثل هذا موجود؟ موجود وهذا الذي نتكلم عنه أما شخص احتاج إلى تفسير الطبري وتفسير القرطبي وتفسير ابن كثير تفسير البغوي تفسير.. قد يحتاج إلى مائة تفسير ما المانع؟ وفي كل تفسير ما لا يوجد في غيره هذا ما هو من التكاثر اللهم إلا إذا كان في المجالس يقول عندي مائة تفسير وأنت ما عندك إلا خمسين ستين، هذا تكاثر، لكن الإشكال فيمن يجمع من كتاب واحد من طبعة واحدة أعداد هذا لا شك أن في جمعه نظر وهذا الذي نفعله ويفعله كثير من طلاب العلم نسأل الله أن يتجاوز عنا، فأما كيف يصل إلى الإخلاص فعليه أن يصدق مع الله –جل وعلا- ويجاهد نفسه ويتحسس نيته لأن النية شرود، في بالك أنك الآن تطلب العلم لله –جل وعلا- من أجل أن تنقذ نفسك وتنير غيرك بهذه النية تطلب العلم وتصل إلى ما يرضي الله بواسطة هذا العلم وتعبد الله على بصيرة وتفقه الناس في الدين ثم بعد ذلك تزل يعرض لك حظ من حظوظ نفسك فتنصرف هذا إذا عدت قريبًا يعني انتبهت وارعويت وعدت قريبًا ما يضرك هذا لأن ما هو بمتصور العصمة ما هي بمتصورة والإنسان يخطئ ويغفل لكن عليه أن يعود ويراجع نفسه قريبًا أما إذا انساق واسترسل وراء حظوظ النفس ونسي ما خلق من أجله ونسي من يطلب العلم له فالويل له ثم الويل له، والذي يطلب العلم ليقال هو أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار
ومن يكن.................. ........................
ماذا؟؟
.......ليقول الناس يطلبه أخسر بصفقته في موقف الندم
فعلى الإنسان أن يصحح النية ويتعاهد هذه النية. قد تشرد قد يغفل ثم يرجع هذا –إن شاء الله- لا يضر لكن الكلام في الاسترسال مع حظ النفس والله المستعان، وكونه يمضي خمس ساعات في القراءة والمطالعة يوميًا هذا ليس بكثير على العلم، وأنا أجزم لو استمر على هذا وعرف فائدة القراءة وتلذذ بها لاحتاج إلى وقت أطول، وعرفنا من كان يقرأ في اليوم أكثر من نصف الوقت يعني بعضهم يقرأ خمسة عشر ساعة في اليوم والليلة والله المستعان.
ما فيه أحد لا يكره الموت كل الناس يكرهون الموت ويودون أن لو اندفع وما من ميت إلا ندم منهم من يكره الموت لأنه ليس عنده من العمل المشرف ما يقدم به إلى الله –جل وعلا- ومنهم من يكره الموت كي يزداد من الأعمال الصالحة التي ترفع درجاته في الجنة، فعلى الإنسان أن يحرص على ما يفيده في هذا الباب وهو أن يقدم لآخرته من الزاد، والزاد هنا هو التقوى.
نعم يعذب منهم من أخذ وهذا يروى عن علي –رضي الله عنه- قال ما كنت أعرف عذاب القبر حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} فلولا أنه يعذب في قبره ما هدد بها ولا جعلت غاية لهذا الانشغال وهذا الالتهاء والنبي –عليه الصلاة والسلام- أمرنا بالاستعاذة من عذاب القبر في نهاية كل صلاة.. وكيف يقول: هل هو جسدي أو روحي؟ شيخ الإسلام يقول أن الذي يعذب في القبر الروح.
يقول هذا أن في الجوال مكتوب لفظ الجلالة الله وفي اللام المتوسطة صليب وينص على الفارس والشيطان.. -نسأل الله العافية- والأباتشي.
العوامل للجرجاني اسم كذا: العوامل للجرجاني وموضوعه الحروف العاملة التي تعمل وتؤثر في مدخولها وهذا الكتاب من أهم الكتب لطالب العلم، وكانت عناية العلماء وطلاب العلم فائقة لكن عندنا الدراسة النظامية التي مشت على نمط معين حقيقة همشت كثيرا من الكتب المهمة في كثير من العلوم وإلا فكتاب العوامل طالب العلم عليه أن يقرأه مع شروحه له شروح كثيرة جدًا مع شروحه بعد الأجرمية وقبل القطر قبل قطر الندى والتسلسل عند أهل العلم في قراءة كتب النحو الأجرومية والعوامل معها مباشرة ثم القطر ثم الألفية مع شروحها وكل بلد لهم كتب يفضلونها ويعتنون بها فكافية ابن الحاجب لها شأن عظيم في الجنوب في جنوب الجزيرة في اليمن وما والاها ولها أيضًا شأن في المشرق.
ذكرنا أن مما يعالج به القلب القاسي تدبر القرآن والذكر والإكثار من ذكر هادم اللذات وزيارة القبور وأيضًا زيارة المرضى ..الإنسان إذا مر بمستشفيات ومر بالمرضى ونظر في أحوالهم ونظر التباين الكبير بين هؤلاء المرضى يعني وقفنا في العناية المركزة شخص لا يعي.. أشخاص لا يعون ما يقولون لكن أحوالهم متباينة منهم من يسمع القرآن من لسانه واضح وهو لا يعي ولا يرد جوابا ولا ينطق بكلمة غير القرآن ومنهم من إذا جاء وقت الأذان سمع الأذان بلسانه ومنهم من إذا جاء وقت الصلاة كأنه يتهيأ ليقوم يصلي ومنهم من سمع وهو تحت الأجهزة يسب ويشتم لأن هذا ديدنه في وقت الصحة والذي يقرأ القرآن ديدنه في وقت الصحة والذي يذكر الله –جل وعلا- ديدنه في وقت الصحة فعلى الإنسان أن يتعرف على الله في الرخاء ليعرفه في الشدة.
بعض الناس يسمع قوله –عليه الصلاة والسلام- «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يقول المسألة كلها أربعة أيام هذه مقدور عليها أربعة أيام ما يتكلم فيها بكلمة لكن إذا ذهب هناك يستطيع؟ وديدنه في طول العام القيل والقال؟ والله ما يستطيع لأنه ما تعرف على الله في الرخاء ليعرف في الشدة فإن جاءه أحد ليتكلم معه وإلا هو ذهب ليبحث ورأينا ورأى غيرنا من يجاور في العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام في أشرف البقاع ويجلس يلزم المسجد، وقد يعتكف في العشر الأواخر ثم بعد ذلك يذهب الوقت في القيل والقال تجده بعد صلاة العصر مثلاً يفتح المصحف ليقرأ هو ما جاء تركه أعماله في بلده وترك أولاده وجاء يجاور في هذا المكان إلا من أجل كسب الحسنات فيفتح المصحف ثم يقرأ وما تعود ما عرف الله في الرخاء ثم يقرأ صفحة صفحتين وجه وجهين ورقة ورقتين ثم يلتفت يمينًا وشمالاً عله يرى أحدًا من المارة يعرفه فإن لم يجد رجع إلى القراءة ثانية وهكذا ثم بعد ذلك يترك المصحف ثم يذهب ليبحث عمن يتكلم معه، فعلى الإنسان أن يتعرف على الله في الرخاء ليعرف في الشدة، أربعة أيام في الحج لا يستطيع أن يملك لسانه لأنه في طول الأيام الماضية في القيل والقال جلسات واستراحات ونزهات وفلان وعلان ويالله.. ما يوفق أبدًا لحفظ لسانه في هذه الأيام الأربعة والله المستعان.
أولاً كتم العلم لا يجوز، فمن سئل عن علم يعلمه أو من كتم علمًا يعلمه ألجم بلجام من نار نسأل الله السلامة والعافية فالذي يكتم العلم قد ارتكب إثمًا ومع ذلك بالمقابل الذي يفتي بغير علم يكذب على الله –جل وعلا- {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ الْكَذِبَ هَذا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [سورة النحل:116] ولنستحضر قول الله –جل وعلا- في سورة الزمر {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [سورة الزمر:60] فعلينا أن نعنى بأمورنا قبل غيرنا لا نفتي بغير علم ولا نكتم العلم لا هذا ولا هذا.
هذا الحديث الصحيح من حديث عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال له: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» لأنه بلغه أن عبد الله بن عمرو أراد أن يشدد على نفسه فأراد أن يقرأ القرآن في ليلة في كل ليلة يعني يقوم يصلي ولا ينام ويصوم ولا يفطر ويقرأ القرآن في كل ليلة فالنبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «اقرأ القرآن في شهر» يعني كل يوم جزء قال إنه يطيق أكثر من ذلك قال: «اقرأ القرآن في عشرين» قال إنه يطيق أكثر من ذلك قال: «اقرأ القرآن مرتين في الشهر» قال إنه يطيق أكثر من ذلك قال: «اقرأ القرآن ثلاث في الشهر» كل عشر قال إنه يطيق أكثر من ذلك فقال: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» مثل هذا الكلام يوجه لمثل هذا الشخص المتحمس لأن هذا علاج يعني إذا جاك شخص مندفع لا بد من أن تكسر من هذه الحدة لأنه لو قال له اقرأ القرآن في ثلاث ما يقتنع لا بد أن يزيد لأن الشخص الذي في نفسه شيء لا بد أن يحققه ولا شك أن هذه رغبة في الخير لكن أيضًا هذه الرغبة لابد أن تكون على حساب أبواب من أبواب الخير فالنبي –عليه الصلاة والسلام- هذا المندفع يرده قليلًا لكن لو جاءنا شخص طالب علم ما يقرأ القرآن ولا بالشهر مرة نقول له عثمان يقرأ القرآن في ركعة وين أنت ما تقتدي بالأخيار؟ وعساه أن يقرأ في سبع.. فهذه النصوص الشرعية علاج للأفراد وللجماعات أنت إذا رأيت مجتمع متطرف متشدد تورد عليهم نصوص الوعيد أم نصوص الوعد؟ أنت إذا أوردت عليهم نصوص الوعيد زادوا في تشددهم فأنت تعالجهم بنصوص الوعد. الدين يسر لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لكن إذا جئت إلى مجتمع متساهل مفرّط فتورد عليهم من نصوص الوعيد علهم يلزموا الجادة، فمثل هذه النصوص سواء وجهت إلى أفراد أو جماعات هي علاج.
المنهج تبدأ بقراءة القرآن آية آية ثم ترجع إلى هذه الآية كلمة كلمة وما يشكل عليك معناه من الألفاظ تبحث عنه في كتب التفاسير القرآن الموثوقة أو في كتب غريب القرآن لأنها أخصر وتصل إليها بسهولة وهناك كتاب في غريب القرآن لطيف الحجم كبير القدر عند أهل العلم اسمه: غريب القرآن أو نزهة القلوب في غريب القرآن لابن عزيز السجستاني وغريب القرآني لابن قتيبة كتب كثيرة في غريب القرآن فعليك أولاً أن تحلل ما يشكل عليك تحليلاً لفظيًا لتفهم المعنى ثم بعد ذلك الآية كاملة تنظر في معانيها في كتب التفسير الموثوقة.
القرآءة من شاشة الجوال كالقراءة من الورقة أو القراءة عن ظهر قلب لا إشكال فيها يعني إذا كان القرآن يُرى وواضح ويقرأ ومضبوط ومتقن ما فيه إشكال هي قراءة على كل حال، لكن الدخول بها في دورات المياه إن كان القرآن ظاهر على الشاشة فلا يجوز الدخول فيه دورة المياه أبدًا وإن كان مخفي بحيث لو حلل هذا الجوال ما وجد قرآن فهو شبيه بما في القلب الإنسان يدخل الدورة وفي جوفه كلام الله –جل وعلا- لا مانع من الدخول به في الدورة إذا كان غير ظاهر على الشاشة.
ما أدري ما العلاج المقصود أن الاستماع عند سماع القرآن لابد منه لأن من الناس من يسمع لكن لا يكفي لابد من الاستماع ولابد من الإنصات {إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [سورة الأعراف:204] فلا شك أن الاستماع مع الإنصات تؤجر عليه ولذا يقول أهل العلم: يسجد المستمع لقراءة القارئ دون السامع. يعني الذي يسمع من غير قصد هذا لا يؤجر أما الذي يقصد الاستماع والانتفاع بهذه القراءة لا شك أن له من الأجر مثل أجر القارئ.
جاء في أجرها أن من قرأها كمن قرأ ألف آية لكنه حديث ضعيف.
الشكر يكون بالاعتراف بها يعترف الإنسان بها ويعتقد ذلك ويعتقد أنه لولا الله يسرها له ما كان بحوله ولاطوله أن يحصل عليها يعترف بها باطنًا ثم يتحدث بها ظاهراً في المجالس يبين أن الله –جل وعلا- أنعم علينا بهذه النعم ويعدد هذه النعم ولا يقصد من ذلك التزيد وأن الله حباه بما لم يعط غيره إنما يتكلم فيها على سبيل الإجمال ويفصل بما يشترك فيه مع الناس، وما عند لدى عموم الناس من هذه النعم ثم بعد ذلك يستعمل هذه الجوارح بالشكر العملي بأن لا يستعمل جارحة من جوارحه التي أنعم الله عليه فيما لا يرضي الله –جل وعلا، فلا ينظر ببصره إلى ما حرمه الله عليه ولا يستمع بإذنه إلى ما حرم الله عليه ولا يجول بخواطره وهواجسه في مزابل المعاصي والمنكرات، لأن بعض الناس وهو على فراشه يتجول وخطراته كلها فيما حرم الله عليه ومع الأسف أنه يوجد من الناس وهذا يكثر السؤال عنه أنه وهو في صلاته تخطر له هذه الخطرات، فعلى الإنسان أن يحسم هذه المادة ويجعل خطراته كلها فيما ينفع نعم قد يشق عليه الأمر في بدايته لكن إذا أنه عالج هذا الموضوع بصدق وإخلاص أعين عليه.
النبي-عليه الصلاة والسلام- قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاضفر بذات الدين تربت يداك» الدين رأس المال، لا تقدم عليه شيء وإن جاء معه من صفات أخرى فلا شك أن هذا مطلوب لكن رأس المال الدين ليكن همك الدين.
ما دام النظام يمنع وأنت يأتيك من بيت المال ما يكفيك –بهذا القيد- فإن كان يكفيك فلا يجوز لك أن تزاول التجارة إلا بإذن وإن كان رزقك من بيت المال لا يكفيك وعملك ومزاولتك للتجارة لا يخل بوظيفتك فأرجو أن يكون الأمر أخف.
التكاثر في المال وخدمة.. كيف؟ أصبح من يؤيد هذا بحجة أنه من التكاثر في المال كيف يؤيد بالتكاثر الذي ذمه الله –جل وعلا- لا السياق فيه ركاكة؛ نعم خدمة المجتمع وكون المراة العاملة العاطلة على ما يقولون إهدار لطاقات يمكن أن يستفاد منها لكن مع الأسف أن هناك خلل في التصور هم هدفهم.. ما هدفهم إخراج المرأة لنفع الناس لنفع نفسها ونفع غيرها أبدًا، هدفهم إفساد المرأة أما كيف يسمون المرأة وهي في بيتها تخدم زوجها وتربي أولادها يسمونها عاطلة يريد أن تخرج لتخدم أولاد الناس وتأتي بمن يخدمها في بيتها ويربي أولادها إذا جلست في بيتها لتربي أولادها قالوا عاطلة إذا خرجت لتربي أولاد الناس قالوا عاملة وحينئذٍ تحتاج إلى من يأتي ليربي أولادها عنها ويخدم زوجها ويخدمها مع زوجها لا شك أن هذا خلل في التصور، ولا شك أن النوايا مكشوفة في مثل هذا، فحاجة المرأة إلى خدمة زوجها، حاجة زوجها إليها وحاجة البيت إليها حاجة تربية الأولاد هذه أعظم خدمة أما أن تهدر هذه الأمور التي هي الموافقة للفطرة الموافقة للأمر الإلهي {وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ} [سورة الأحزاب:33] ونحن نقول لا تقر في بيتها يعني عاطلة والله ليس الهدف من هذا أن تخدم وإنما الهدف من هذا أن تكون فريسة لسباع البشر فليحذر كل إنسان يغار على محارمه من مثله.
النبي –عليه الصلاة والسلام- في رواه الأئمة البخاري ومسلم وغيرهما يقول –عليه الصلاة والسلام- : «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» وذكر منها «القدمين» فإذا كان رفع القدمين في السجود من أوله إلى آخره فالصلاة باطلة لأن السجود على سبعة أعظم ركن من أركان الصلاة السجود حينئذ باطل لكن لو رفع إحدى قدميه مثلاً احتاج أن يحك القدم الأخرى من لسعة أو شبهها أو غفل ورفع ثم أرجعها هذا صلاته صحيحة لكن لا ينبغي، ينبغي أن يعي صلاته وليس له من صلاته إلا ما عقل وإذا كان يعقل صلاته فلا يرفع رجله لا قدم ولا شيء مما أمر بالسجود عليه والله المستعان.