شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (134)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم "شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث محمود بن الربيع -رضي الله عنه- قال: عقلت من النبي -صلى الله عليه وسلم- مجةً مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

سبق ذكر ألفاظ الحديث، وبقي أن الدلو وإن كان تقدم شيء مما يتعلق به، وأنه يذكر ويؤنث، وهو -أعني الدلو- والذنوب والسجل متقاربة، إلا أن بعضها قد يطلق على الدلو الفارغ، وبعضها يطلق على الدلو المملوء بالماء، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الطهارة، والحديث فيه من الفوائد كما يقول أهل العلم: جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث، جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث، من أين؟

المقدم: كون هذا الصبي حضر مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس سنين؟

وعقل.

المقدم: لكن هل هو مجلس حديث يا شيخ؟ والدلو أين كانت معلقة؟

.. بدارهم، من بئرهم، من بئرهم، لكن يبقي أن أهل العلم قالوا: ما دام عقل المجة وهو بهذه السن، فلماذا لا يحضر الصبيان الذين يعقلون مثل ما يعقل محمود مجالس الحديث؟

المقدم: نعم، وليس المقصود أنه هو حضر المجلس بالتالي عقل المجة.

المقصود أنه موجود في مجلسه -عليه الصلاة والسلام- وحصل له ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم، هذا يؤخذ من الحديث، وهذا من حُسن خلقه- عليه الصلاة والسلام-، كان يُعنى بالأطفال ويداعبهم ويمزح معهم، واستدل به بعضهم على تسميع من يكون ابن خمس سنين، ومن كان دونها يكتب له حضور كما تقدم، تقدم أن قول الأكثر قول الجمهور أن السن أن بداية التحمل يكون في خمس.

المقدم: والأداء بعد.

الأداء بعد البلوغ، الأداء بعد البلوغ، لكن ليس هذا بحد محدود؛ لأنهم يكتبون لابن خمس فصاعدًا سمع، ولمن دون الخمس يكتبون حضر، وهذا مجرد اصطلاح عندهم، يقول ابن حجر: وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه، ما يدل على الخمس، يعنى الاقتصار على خمس، يعنى كون محمود عقل وهو ابن خمس لا يعنى أن الناس كلهم يعقلون ولهم خمس سنين، بل قد يتقدم وقد يتأخر، ولا يمنع أن يكون محمود قد عقل قبل ذلك، لكن هذه واقعة عين حصلت وهذا سنه.

 يقول ابن حجر: وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه، بل الذي ينبغي، بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم، فمن فهم الخطاب سمع، وإن كان، فمن فهم الخطاب سُمِّع، يعنى يسمع الحديث، وإن كان دون ابن خمس وإلا فلا، وإلا فلا.

 وقال ابن رشيد: الظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مظنة لذلك، مظنة لذلك، لا أن بلوغها شرط لابد من تحققه، لابد من تحققه -والله أعلم.- وقريبًا منه ضبط الفقهاء سن التمييز بستٍ أو سبع، والمرجح أنها مظنة لا تحديد، وأشرنا في درس مضى، يعني في حديث ابن عباس في الكلام على الترجمة، أنه لا سن يضبط التمييز، وأنه قد يميز قبل السبع، وبعضهم قد لا يميز إلا في العشر، لكن السبع حينما جعلها الشارع حدًّا لحضور الصلاة والأمر بها، عرفنا أن جُل الناس، غالب الناس يميز لسبع، والأحكام إنما تبنى على الغالب، والنوادر لا أحكام لهم، فلا يقال: إن هذا مميز وابن أربع سنين يؤمر بالصلاة، ولا أن هذا لم يميز وهو ابن عشر سنين لا يؤمر بالصلاة، الشرع العام إنما يأتي بسن محددة بحيث لا يتضرر أحد بكبر ولا بصغر، وهذا سبقت الإشارة إليه، ومن أقوى ما يتمسك به في أن المرد في ذلك إلى الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص ما أورده الخطيب من طريق أبي عاصم، قال: ذهبت بابني وهو ابن ثلاث سنين إلى ابن جريج فحدثه، قال: أبو عاصم: ولا بأس بتعليم الصبي الحديث والقرآن وهو في هذا السن، يعني إذا كان فهمًا، إذا كان فهمًا، يعني إذا كان يفهم، ابن ثلاث سنين، الآن الأطفال في الروضة يفهمون أم ما يفهمون؟ يفهمون ما يناسب..

المقدم: سنهم.

 عقولهم، نعم، لكن هل يمكن أن يحفظ ابن ثلاث سنين القرآن؟ قد..

الأخ الحاضر: قد يبدأ به.

 قد يبدأ به، وقد يحفظ، ويوجد من أطفال المسلمين من يحفظ قصار السور وهو ابن ثلاث سنين، وهذا مرده إلى عناية الأبوين، وتأهل الصبي، قصة أبي بكر بن المقرئ الحافظ في تسميعه لابن أربع سنين بعد أن امتحنه بحفظ سورة من القرآن مشهورة، أوردها الخطيب في الكفاية قال: سمعت القاضي أبا محمد الأصفهاني يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين..

المقدم: نعم.

 وأحضرت عند أبي بكرٍ المقرئ ولي أربع سنين، وأحضرت عند أبي بكرٍ المقرئ ولي أربع سنين، فأرادوا أن يسمعوا لي فيما حضرت قراءته فقال بعضهم: إنه يصغر عن السماع، فقال لي ابن المقرئ: اقرأ سورة الكافرون، فقرأتها، فقال: اقرأ سورة التكوير فقرأتها، فقال لي غيره يعنى من الحاضرين: اقرأ سورة والمرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها.

المقدم: الله.

فقال ابن المقرئ: سمعوا له والعهدة علي، بلا شك سورة المرسلات..

المقدم: صعبة.

 هذه يمتحن بها الطلاب، في السابق يمتحن بها الطلاب، لا شك أن من كان هذا مستواه يسمع، أثبت جدارة، أثبت قدرة. يقول السخاوى في فتح المغيث، وقد رأى أبو نعيم الفضل بن دكين أبا جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وهو يلعب مع الصبيان وقد طينوه، وكان بينه وبين والده مودة، فنظر إليه وقال: يا مُطين، قد آن لك أن تحضر مجلس السماع، وكان ذلك سبب تلقيبه مطينًا، نعم، كيف مطين؟ يلعب مع الصبيان.

المقدم: طينوه.

طينوه، يعني وضعوا عليه الطين، فآن لك أن تحضر مجلس السماع، وهو في هذه السن بحيث يطين، يعني هذا طفل صغير، وقد آن لك أن تحضر مجلس السماع، وكان ذلك سبب تلقيبه مطينًا، ومات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع، ثم روى عنه عامة كتبه، ونقلها الناس عنه، وكذا سمع القاضي أبو عمر الهاشمي السنن لأبي داود من اللؤلؤي وله خمس سنين، واعتد الناس بسماعه، وحملوه عنه، وكفي ببعض هذا متمسكًا في الرد، فضلًا عن مجموعه، بل قيل: إن مجرد إحضار العلماء للصبيان يستلزم اعتدادهم بروايتهم بعد البلوغ، لكنه متعقب بأنه يمكن أن يكون الحضور؛ لأجل التمرين والبركة، وفي عون الباري لصديق حسن خان، عون الباري موضوعه..

المقدم: شرح التجريد.

 شرح التجريد، شرح مختصر البخاري، قلت: ومن هذا القبيل سماع السيوطي من صاحب فتح الباري من ابن حجر، وهو ابن ثلاث سنين كما يظهر ذلك من سنة وفاة الحافظ وسنة ولادة السيوطي، الحافظ مات سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، والسيوطي ولد سنة..

المقدم: تسع وأربعين.

 تسع وأربعين، وصرح بأخذه منه في التدريب شرح التقريب، ويكثر من: قال شيخنا، قال شيخنا، لكن يندر أن يقول: سمعت الشيخ عنه بخلاف السخاوي؛ لأن سنه يصغر عن مسألة السماع، لكن قد يروي، سماع السيوطي من صاحب فتح الباري قد يسمع منه الحديث أو الشيء اليسير، لكن ليس من طلاب ابن حجر الذين يعتمد عليهم في ضبط كتبه.. في ضبط أقواله، ويدخل في إجازة ابن حجر، فهو شيخٌ له بالإجازة كونه سمع منه وهو ابن ثلاث سنين، يقول: صرح بأخذه يعني فتح الباري منه في التدريب، وذكره علي القاري في ديباجة كتابه المرقاة شرح المشكاة.

 وذكر الشوكاني -رحمه الله- في إرشاد الفحول تلمذته للحافظ من هذه الجهة، ويذكر في تلاميذ الحافظ ويقول إنه قال شيخنا، قال شيخنا، يكثر من قوله: قال شيخنا شيخ الإسلام، فهو شيخ له، أما أن يكون بهذا السماع وهو ابن ثلاث سنين، أو يكون بالإجازة العامة التي تناول السيوطي وغير السيوطي، فقد يأتي شخص بولده إلى المدرسة وهو ابن أربع أو ثلاث أو خمس سنين، ويطالب بقبوله وهو في هذه السن؛ لكونه يعقل، لكونه يميز، لكن هل يترك المجال لاسيما في التعليم العام الذي يشمل الناس كلهم؟ أما في التعليم الخاص فممكن، في تعليمٍ عام الذي هو في مثل التشريع العام إنما تضرب له سن محددة؛ إذ لو ترك مثل هذا، لو فتح الباب لمثل هذا ما ضبط بضابط، إذًا لابد من سنٍ محددة في الأمور التي تعم الناس كلهم، والأصل في ذلك أمر الصبيان بالصلاة لسبع، فالأمور العامة يحدد فيها، يضرب فيها سن يشمل الجميع، أما في الأمور الخاصة فكلٌّ له طريقته.

 والحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ستة مواضع، في ستة مواضع، لكن بعض هذه المواضع مقصودة للبخاري، يكون الحديث أصلًا في الباب، وفي بعضها لا يكون مقصودًا للبخاري، إنما يرد عرضًا أثناء الإسناد، يرد الحديث عرضًا في أثناء الإسناد، وسيأتي بيان ذلك.

 الحديث أخرجه الإمام البخاري في ستة مواضع:

 الأول هنا في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير؟  قال: حدثني محمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو مسهر، قال: حدثني محمد بن حرب، قال: حدثني الزبيدي عن الزهر عن محمود بن الربيع، فذكره، وتقدم ذكر مناسبته، ومحمد بن يوسف هو البيكندي، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مُسهر الدمشقي، ومحمد بن حرب الخولاني الحمصي، والزبيدي محمد بن الوليد الحمصى.

 الموضع الثاني في كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، في كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا أبي عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع، قال: وهو الذي مج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وهو غلام من بئرهم، يقول العيني: هذا الحديث لا يطابق الترجمة أصلًا، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، يقول: حديث محمود بن الربيع لا يطابق الترجمة أصلًا، وإنما يدل على ممازحة الطفل بما قد يُصب عليه؛ لأنه مج الماء، وإنما يدل على ممازحة الطفل بما، يقول: قد يصعب عليه؛ لأن مج الماء قد يصعب عليه، وإن كان قد يستلذه، كيف يصعب عليه؟ كذا قال، المقصود أنه لم يدرك الرابط، لم يدرك الرابط.

المقدم: بين الحديث والترجمة.

بين الحديث والترجمة، ولذا قال: هذا الحديث لا يطابق الترجمة أصلًا، أي فرق بين أن يكون الماء مستعملًا في المضمضة، وأن يكون مستعملًا في الوضوء، هذا في حكم المضمضة، المج في حكم المضمضة وارد، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: بلى بلى.

يعني الآن المجة لم تخرج من الفهم،

المقدم: بلى.

 فهي في حكم المضمضة، والمضمضة جزء..

المقدم: من الوضوء.

من الوضوء، إذًا كيف يقول: هذا حديث لا يطابق الترجمة؟ باب استعمال فضل وضوء الناس، المستعمل في رفع حدث، البخاري لم ينظر إلى الفرق بين المضمضة التي استعملت لرفع حدث، وبين المضمضة التي لم تستعمل لرفع حدث، فلا فرق بينهما من حيث المعني الظاهر، فيه فرق أم ما فيه فرق؟

المقدم: ما فيه فرق.

هل يتأثر الماء بقصد المستعمل؟

المقدم: أبدًا.

لا فرق، البخاري -رحمه الله تعالى- يري أنه لا فرق، فهذه مضمضة، سواءً استعملت في رفع حدث أو لم تستعمل لرفع حدث، العيني كأنه يرى أنه لم يستعمل لرفع حدث، إذًا لا أثر لهذا الاستعمال في طهارة الماء، تقسيم الماء عند أهل العلم كلٌّ على مذهبه، مذهب المالكية لا يؤثر في الماء إلا النجاسة، لا يؤثر في الماء إلا النجاسة، والمستعمل مثل غيره، المستعمل في رفع حدث، مثل غيره في التطهير، وليس في المياه، ثمّ إلا طاهر أو نجس، وهذا الذي يذهبُ إليه شيخ الإسلام، وهو ما تمناه الغزالي أن يكون مذهب الشافعي مثل مذهب مالك في هذا؛ لأنه أيسر وأسهل المذاهب الثلاثة الذين يقسمون الماء إلى طاهر، وطهور، ونجس، يرد عندهم مثل هذا الكلام، البخاري يريد أن يبين أن فضل الماء المستعمل؛ لأن استعمال الماء لا أثر له في الماء، وكونه يستعمل في المضمضة، أو في غيرها من أعضاء الوضوء لا فرق، وكونه يستعمل لرفع حدث أو لمجرد التبريد لا فرق عنده، لكن الذين يقولون إنه إذا رفع حدثًا، خلاص انتقل من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا ولهم أدلتهم، والأقوال سيأتي بسطها إن شاء الله تعالى في موضعها من كتاب الوضوء.

 المقصود أننا عرفنا المطابقة بين حديث الترجمة من وجهة نظر البخاري وهي دقيقة جدًّا لا بد منها، ولذا نفاها العيني.

 الموضع الثالث في كتاب الأذان، باب من لم يرَ رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة، باب من لم يرَ رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة، قال: حدثنا عبدان، عبدان، ما اسمه؟ عبد الله بن عثمان المروزي، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: أخبرني محمود بن الربيع وزعم أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعقل مجةً مجها من دلو كان في دارهم، وإيراد هذا الحديث هنا عرضًا من لم يرَ رد السلام على الإمام واكتفى بالتسليم بتسليم الصلاة، إيراد البخاري لهذا الحديث هنا عرضًا، يريد أن يبين.. هو جاء ذكر محمود بن الربيع يروي عن عتبان، فأراد أن يبين شيئًا من حال محمود بن الربيع، يقول: قال: أخبرني محمود بن الربيع وزعم أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعقل مجةً مجها من دلوٍ كان في دارهم، وإيراده لهذا الحديث هنا عرضًا في إسناد، قال محمود: سمعت عتبان بن مالك الأنصاري، ثم أحد بني سالم، كنت أصلي لقومه في بني سالم، فذكر قصة عتبان، وستأتي إن شاء الله تعالى.

 الحاصل أن قصة محمود لا علاقة لها بالترجمة، وإيرادها هنا ليس مقصودًا.

 الموضع الرابع في كتاب التهجد، الموضع الرابع في كتاب التهجد، باب صلاة النوافل جماعةً، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثني إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري، أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعقل مجةً مجها في وجهه من بئرٍ كانت في دارهم، فزعم محمود أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري، فذكر قصته، وهذا الموضع أيضًا كسابقه إيراد قصة محمود عرضًا لا قصدًا، فلا علاقة لها بالترجمة.

 الموضع الخامس في كتاب الدعوات، باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع، وهو الذي مج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وهو غلام من بئرهم، مناسبة الباب للكتاب ظاهرة، باب الدعاء للصبيان في كتاب الدعوات، الدعاء للصبيان من كتاب الدعوات، يعني المطابقة ظاهرة.

المقدم: بين الباب والكتاب.

نعم، ومناسبة الحديث للباب، الدعاء للصبيان بالبركة، مناسبة الحديث للباب أن التبريك كما يقول بالقول كما يكون بالقول..

المقدم: يكون بالفعل.

 يكون بالفعل، الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم، يعني مطابقة ظاهرة؛ لأن الدعاء للصبيان بالبركة وحصول البركة ما يكون بدعائه -عليه الصلاة والسلام-، كما دعا لابن عباس يكون أيضًا بفعله كما مج في وجه محمود بن الربيع.

المقدم: وهذا يرجح القول الأول الذي كنا نتحدث أن هذا الفعل ليس للممازحة، ربما يكون للبركة.

أنه للبركة؛ لأن هذا مرجح، ولا يمنع المراد به أن يراد به.

المقدم: الممازحة.

الجميع، الجميع.

 الموضع السادس في كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، قال: حدثنا معاذ بن أسد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: أخبرني محمود بن الربيع، وزعم محمود أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: عقل مجةً مجها من دلو كانت في دارهم، قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصاري فذكر قصة عتبان وإيرادها هنا، ماذا؟ عرضًا، يعني كما تقدم في الموضعين السابقين، المقصود أن البخاري -رحمه الله تعالى-، خرج الحديث في هذه المواضع منها ثلاثة مقصودة، ثلاثة القصد منها ظاهر، وثلاثة تأتي القصة عرضًا في قصة عتبان بن مالك.

 والحديث أيضًا مخرجٌ في صحيح مسلم، فهو متفقٌ عليه.

المقدم: لمحمود بن الربيع -رضي الله عنه- حديث غير هذا يا شيخ؟

الآن لا أذكر شيئًا، لا أذكر شيئًا، وكونه يذكر في هذا الحديث ويعرف به في هذا الحديث، يعرف به في هذا الحديث، يعرف به في هذا الحديث يدل على أنه مقل، ولذا قال ابن حجر في ترجمته: جُل روايته عن الصحابة، إذا كان ابن عباس -رضي الله عنهما- من صغار الصحابة، وهو أكبر، ناهز الاحتلام، يقال: إن ما رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام- مباشرة، سمع من النبي عليه الصلاة والسلام- أربعة أحاديث.

المقدم: والباقي رواية عن صحابة.

أربعة أحاديث، نعم يرويها بواسطة، لكن الحافظ ابن حجر قاله الغزالي، الحافظ ابن حجر يقول: جمعت مما سمعه ابن عباس من النبي -عليه الصلاة والسلام-، مما صح أو حسُن فيبلغ الأربعين، ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الوابل الصيب يقول: إنه يروي عن النبي عليه الصلاة والسلام- مباشرةً عشرين، المقصود إذا كان ابن عباس مع قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- وتقدم سنه بالنسبة لمحمود لا يروي إلا هذا العدد اليسير وهو من جلة الصحابة، قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، زوجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، خالته أم المؤمنين، خالته ونام عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكونه لا يروي بدون واسطة إلا هذه الأحاديث قد يستنبط منه شيء، قد نستنبط منه أن ابن عباس نام عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، نام عنده في بيته، بل نام في عرض الوسادة، نام في عرض الوسادة، فكم سمع من النبي عليه الصلاة والسلام- في تلك الليلة؟ قصة الصلاة فقط، سمع قصة الصلاة، لكن كم يسمع الإنسان لو نام عند شخص من الكلام الذي.. من الغث والثمين؟ كم يسمع لو نام شخص عند آخر من خبر؟

فهذا يدلنا على حفظ اللسان إلا فيما ينفع، حفظ اللسان إلا فيما ينفع، فكونه نام عند النبي -عليه الصلاة والسلام- بل في عرض وسادته، لكن لو نام شخص منا عند أحد لسمع منه أخبار الدنيا وأعاجيبها مما صح ومما لم يصح، فهذا يعطينا درسًا في حفظ اللسان إلا فيما نفع، والله المستعان.

الأخ الحاضر: أحسن الله إليكم يا شيخ، يشكك بعض الكتاب المعاصرين في مسألة سماع الصغير، أو مسألة حفظ الصغير، فيقول: كيف كان يقال مثلًا هناك من يحفظ القرآن عمره مثلًا ست سنوات، أو عشر سنوات أو ما أشبه ذلك، وأشار بعض الكتاب إلى ابن عباس -رضي الله عنه-، وكيف أنه تحمل هذا العلم، وأنه حفظ والنبي -عليه الصلاة والسلام- مات وابن عباس في هذا السن الصغير؟

كل هذه الدعوة يردها الواقع، يردها الواقع وما زلنا ولا نزال نسمع الأعاجيب من الصبيان، وسمعنا من هو دون ست سنين ممن يحفظ القرآن كاملًا في عصرنا، يعنى أمثلة حية واقعية، يحفظ القرآن وهو ابن خمس سنين، الآن موجود، وابن ست سنين، وابن سبع، وابن عشر كثير، ولله الحمد، بل شرع بعضهم في حفظ السنة وهو دون العشر.

المقدم: سبحان الله.

وقد رأيت شخصًا ممن ينتسب إلى العلم وهو مصري، ومعه ابنان له، أحدهما في الحادية عشرة، والثاني في الثانية عشرة، قد حفظا القرآن والصحيحين، والآن يحفظان -لما رأيتهم قبل خمس سنوات- في أبي داود والترمذي كل يوم خمسين حديثًا بأسانيدها من أبي داود، وخمسين بأسانيدها من سنن الترمذي.

المقدم: ما شاء الله، ما شاء الله، لا إله إلا الله.

يعنى هذا موجود، يعنى ليس بغريب في هذا العصر الذي كثرت فيه الملهيات والمشغلات، فكيف بعصر النبوة مع حرصهم وشدة تلقيهم عنه -عليه الصلاة والسلام- وضبطهم لما يقول؟

المقدم: الله المستعان. جزاك الله خيرًا، وأحسن الله إليكم فضيلة الشيخ. بهذا أيها الإخوة، نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نستكمل بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.