الوُقٌوفْ بِعَرَفَة ومُزْدَلِفَة

الوُقُوف بعرفة رُكن من أركان الحج، والحجُّ عَرفة، والوُقُوفُ بمُزْدَلِفة من واجِبات الحجّ في قولِ الأكثر، وليسَ برُكْن خِلافاً مِمَّنْ زَعَم ذلك، وليسَ بِسُنَّة كما قالَهُ بعضُ أهل العِلْم، فالتَّرخيصُ فيهِ لأهلِ الأعذار يدلُّ على عدم رُكْنِيَّتِهِ، إذ الرُّكْن لا يُرَخَّص فيه، وأيضا ًالحاجة إلى التَّرخيص يَدُلُّ على الوُجُوب إذْ المَنْدُوب لا يحتاج إلى استئذان وطلب رُخصة، فَأَعْدَل الأقوال إنَّ المَبِيت بمُزدلفة واجِب، منْ تركَهُ يَجْبُرُهُ بدم عند جُمهُور العُلماء، قال حدثني يحيى عن مالك أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: ((عَرَفة كُلُّها مَوْقِف)) يعني يُجْزِئ الوُقُوف في أيِّ جُزْءٍ منها، على أنْ يَتَأكَّد الإنْسَان أنَّهُ في مُحيط عرفة، داخِل عرفة ولا يتساهل في هذا؛ لأنَّه لو وَقَفْ وانْصَرَف، وهو قريبٌ جدًّا من حُدُودِ عَرَفة ولمَّا يدْخُلها حجُّهُ ليس بصحيح! فعرفَة كُلُّها مَوْقِف فيُجْزِئ الوُقُوف فيها ((وارتَفِعُوا عنْ بطن عُرَنة)) وهو موضع بين مِنى وعرفات، يقولون ما بين العَلَمَيْن الكبيريْن جِهة عَرفة والعَلَمَيْن الكبيريْن منْ جِهة مِنى يعني بين الحُدُود، وبطن عُرنة ليسَ من عَرفة؛ ولِذا أُمِرَ بالارْتِفَاعِ عنها، نُسِبَ لِلإمام مالك -رحمهُ الله تعالى- أنَّهُ يقول بطن عُرنة من عَرَفة؛ يُجْزِئ؛ لكنْ لا يجُوز الوُقُوفُ فيهِ، يَحْرُم الوُقُوف ببطن عُرنة، وإنْ كان من عَرَفة، طيِّب الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقول: ((وارتَفِعُوا عنْ بطن عُرنة)) كيف يقول ارتفعُوا وهي من عرفة؟! قالوا: لأنَّهُ لو لم يكُن من عرفة لما احتاجَ أنْ يُذْكَر، عَرَفَة كُلُّها مَوْقِف؛ لكنْ مَفْهُومُهُ أنَّ ما عدا عَرَفَة ليسَ بِموقِف، فلو كان بطن عُرنة ليسَ من عَرَفة لما احْتِيجَ إلى التَّنبيهِ عليهِ؛ ولِذا لمْ يَقُل -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- عَرَفة كُلُّها مَوْقِف وارتَفِعُوا عن مِنى، ارتَفِعُوا عنْ مُزدلِفَة؛ لأنَّها لَيْسَت من عَرَفة؛ لكنْ لما كان بطن عُرنة من عَرَفة احْتَاجَ إلى أنْ يُنَبَّه عليهِ؛ لأنَّ الوُقُوف لا يجُوزُ فيه، يَأْثَم الوَاقِفُ فيهِ وإنْ كانَ مُجْزِئً، والصَّواب قولُ عامَّةِ أهل العِلْم  أنَّ بطْن عُرنة ليس منْ عَرَفَة؛ فلِذا منْ وَقَفَ فيهِ فَحَجُّهُ باطِل! ((وارتَفِعُوا عنْ بطن عُرنة، والمُزْدَلِفةُ كُلُّها موقِف)) المُزْدَلِفة يُقال لها جَمْع؛ لأنَّهُ يجتمع فيها النَّاس بعد الوُقُوف، وهي أيضاً يَزْدَلِفُ فيها النَّاس يَتَقَرَّبُون فيها، ((والمُزْدَلِفةُ كُلُّها موقِف، وارْتَفِعُوا عن بطنِ مُحَسِّرْ)) وهو وادٍ بين مِنى ومُزْدَلِفة، يُقال أنَّ فيل أبرهة حَسَرَ فيهِ وأَعْيَا وكَلَّ وتَعِبْ ((وارْتَفِعُوا عن بطنِ مُحَسِّرْ)).