عِظَمْ شَأْنِ الحج

الحج جاء في شأنِهِ والتَّشديد والتَّأكِيد في أَمْرِهِ ما جَاء مِنْ نُصُوص الكتاب والسُّنَّة، ولو لَمْ يَرِد فيهِ إلاّ ما جاء من قولِهِ تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97]، والجُملة التِّي تَلِيها: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران/97]، هذا ممَّا يُشدِّد ويُؤَكِّد ويُبيِّنْ أَهَمِّيَّة هذا الرُّكْن لأنَّ ارتباط جُمل القرآن وعطف بعضها على بعض ليس عَبثاً أنْ يُعْطف قولهُ -جلَّ وعلا-: {ومَنْ كَفَر} [سورة آل عمران/97] على بَيَانِ فَرْضِ الحج؛ ولِذا يَرَى بعضُ أهلِ العلم أنَّ الذِّي لَدَيْهِ مَقْدِرَة واسْتِطَاعة على الحج ولم يَحُجّ أنَّهُ يَكْفُر، هي رِواية عند الحنابلة عن الإمام أحمد يَنْصُرُها بعضُ المَالِكِيَّة كَبَقِيَّة الأركان؛ لكنْ الجُمهُور على أنَّهُ لا يَكْفُر تَارِكُ الأرْكَانِ الثَّلاثة والخِلافُ في الصَّلاة؛ لكنْ جاءَ فيها من النُّصُوص الخاصَّة ما جاء: ((العَهْد الذِّي بيننا وبينهم الصَّلاة فمن تَرَكَها فقد كَفَر))، ((بينَ العَبْدِ – أو المرء والكُفر تَرْكُ الصَّلاة)) المَقْصُود أنَّ تارك الأركان الثَّلاثة على خَطَرٍ عظيم؛ وإنْ كان الجُمهُورُ على أنَّهُ لا يَكْفُر، ليسَ معنى هذا أنَّ الإنْسَانْ كَوْنُهُ  لا يَكْفُر ولا يَخْرُج من الدِّين بالكُلِّيَّة بأنَّ الأمْر سهل! لا، جاءَ عن عُمر -رضي اللهُ تعالى عنهُ- أنَّهُ كَتَبَ إلى الأمْصَار أنْ يَنْظُروا من كان ذا  جِدَة ولم يَحُج أنْ تُضْرَب عليهِ الجِزْيَة، ويُرْوَى أيضاً مرفُوع: ((من اسْتَطاعَ الحج ولم يحج فليَمُتْ إنْ شاءَ يَهُودِيًّا وإنْ شَاء نَصْرَانِيًّا))؛ لكنْ رَفْعُهُ ضَعِيف جدًّا؛ بل أدْخَلَهُ ابن الجَوزي في المَوضُوعات لا يَصِل إلى حَدِّ الوَضْع، المَقْصُود أنَّهُ ضَعِيف مرفُوع، فشَأْنُ الحج كَغَيْرِهِ من الأركان عَظِيمٌ جدًّا، وكثير من الذِّين لديهم الاستطاعة؛ بل الذِّين لا يُكَلِّفُهُم الحجُّ شيئاً  يَتَبَرَّع أبُوهُ بأنْ يَحُجَّ بِهِ، ومع ذلك يقول والله السَّنة هذي ربيع نبي نستغلّ الوقت عطلة ولا دراسة وربيع ويروح لرحلة ولا نُزهة! أو يَتعلَّل بِدراسة، وبعض الشَّباب -مع الأسف- أنه من طُلاَّب الكُلِّيَّات الشَّرعيَّة يقول والله تسليم البحث في أوَّل الدِّراسة بعد الحج، ولا أستطيع أنْ أَحُج، وكُلُّ هذا من إيثارِ الفَانِيَة، يا أخي: لماذا تَدْرُس أنت؟! تَتْرُك فريضة من فرائِض الإسلام، رُكْن من أرْكَان الإسلام تقول: تسليم البَحْث في أول الدِّراسة؟! هذا سَمِعْنَاهُ مِراراً! فَضلاً عمّن يقول: والله الأيَّام ربيع ولا أستطيع، يجي الحج في سنةٍ ما فيها ربيع نحج!!! معَ أنّ الحج لا يُكلِّفُهُ شيء البَتَّة، كثير من الشَّباب يَتَبَرَّع آبَاؤُهُم أنْ يَحُجُّوا بِهِم، ومع ذلك يَتَعلَّلُون بهذهِ الأعذار الوَاهِية، فالحَذر الحذر، والمُبادرة المُبادرة، الآن تَسْتَطِيع أنْ تَحج، ما يُدْرِيك عن المُسْتَقبل! يمكن يجي وقت من الأوقات لا سَمَحَ الله ما تَسْتَطِيع، أمْنُ الطَّريق الذِّي نَعيشُهُ ونَتَفَيَّؤُهُ نِعمة لا يَقْدِرُها إلاَّ من عَرَفْ ما كان عليهِ النَّاس في الزَّمن الماضي، تُصلِّي المغرب في هذهِ البلاد، وتُصلِّي الفجر بالبيت الحرام، وأنت مُرتاح جدًّا، تَتَّصِل بِمن تُريد، تَأْكُل ما تَشَاء، وتَشْرَب ما شِئْتْ، وتَقْرَأ إنْ شِئْتْ، وتَسْمَع إنْ شِئْتْ، وتَنَام أيضاً وأنْت في الطَّريق، على منْ كُلِّف أنْ يُبَادِر، ويَتَعَيَّن هذا في حقّ طُلاَّب العلم مَهْمَا كانت أعْذَارُهُم، إذا كان يَسْتَطِيع فَعَلَيْهِ أنْ يُبَادِر على خِلافٍ بينَ أهلِ العلم في الحج، هل هو على الفور أو على التَّراخي؟ وهل كان فرضُهُ سنة سِتّ أو تِسِع أو عَشر؟ خِلاف؛ لكن الذِّي رَجَّحَهُ ابن القيِّم أنَّهُ فُرِض سنة تِسِع، وكثيرٌ منْ أهلِ العلم يَرَوْنَ أنَّهُ على التَّراخي؛ لكنْ مع ذلك على الإنْسَانْ أنْ يَتَعَجَّل الحج؛ لأنَّهُ ما يدري ما يَعْرِضُ لهُ.