الجهل داء قاتل كما قال ابن القيم وغيره، فعلى المسلم أن يسعى جاهدًا في رفع هذا الوصف القبيح الذميم الذي يوقعه فيما يغضب الله -جل وعلا- وهو لا يشعر، وقد يفعل شيئًا تبطل معه عبادته ولا يشعر؛ لأنه جاهل.
فكيف يليق بمسلم أن يُعرِض عن دين الله لا يتعلمه ولا يتفقه فيه؟ لا سيما في الأركان، وفي مثل هذه الحالة: الصيام ركن من أركان الإسلام، والجماع مبطلٌ له بالإجماع، فكيف يليق بمسلم أن يخفى عليه مثل هذا؟
وهذا الجاهل الذي جامع في نهار مضان جاهلًا لا يخلو:
- إما أن يكون جاهلًا بأصل الحكم، وأن الجماع لا يفطِّر وأنه لا شيء فيه، فمثل هذا لا شيء عليه، كما قرر ذلك أهل العلم.
- وإن كان يعرف أن الجماع محرَّم ولكنه يجهل ما يترتَّب عليه من الكفارة، فهذا لا شك أنه تلزمه الكفارة؛ لأن الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: "هلكتُ" [البخاري: 1936]، عَرَف أن الجماع لا يجوز، وأنه مبطلٌ للصيام، ولكنه لا يدري ما الذي يترتَّب عليه، فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بوجوب الكفارة عليه؛ لأنه عالمٌ بالتحريم.
وأما إذا اجتمع الجهل بالتحريم مع الجهل بما يترتَّب عليه، وهذا يُتصوَّر فيمن سكن في بادية بعيدًا عن مواطن العلم، أو في بلاد غير المسلمين أو عاش بين غير المسلمين، فإنه يُتصوَّر منه أن يظن أن الجماع لا يفطِّر، كما يُتصوَّر منه ما هو أعظم من ذلك، ولذلك على المسلم أن يسعى أن يتردَّد على أهل العلم ويسألهم، ويجالسهم ويستفيد منهم، ويقرأ ما ينفعه إذا كان قارئًا، فالجهل لا شك أن فيه خرمًا للدين، ولذلك جاء في النواقض أن منها من أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يرفع به رأسًا، فقد يقع في الشرك الأكبر وهو لا يشعر، وقد تبطل صلاته وهو لا يعلم، مع جهله، وقد يبطل صيامه -كما هنا-، أو غير ذلك من العبادات. المقصود أن مثل هذا يجب رفعه عن المسلم، وهناك أمور لا يسع المسلم جهلها، بل عليه أن يتعلَّمها، وهناك أمور من دقائق وتفاصيل العلم لا تلزم جميع الناس، بل هي من فروض الكفايات، والله أعلم.