هذا الذي رجَّحه الصنعاني -رحمه الله- في (السبل) هو ما يراه الحسن البصري -رحمه الله- من أن الغسل ثمان غسلات، وليست سبعًا، ويكون في الغسلة الثامنة تراب. ويمكن حمل هذه الرواية على وجه يتَّفق ويلتئم مع الروايات الأخرى، وأن الغسلات سبع، فإذا دُلك بالتراب، ثم أُتبع الماءَ سبع مرات، أو خُلط مع الماء في الغسلة الأولى، وأُلحقتْ بستٍّ، صحَّ أن الأولى التي بالتراب والماء بمنزلة غسلتين، فتكون ثمانيًا على هذا الاعتبار، وتلتئم هذه الرواية مع الروايات الأخرى.
ومثل هذه الأمور تأتي أحيانًا على وجه يستغربه طالب العلم من بعض تصرُّفات العلماء، فالصنعاني ذَكر أن الحَيد عن هذه الرواية إنما هو بسبب التعصُّب للمذهب، وهو ليس بتعصُّب للمذهب بقدر ما هو تعصُّب للروايات الصحيحة، وحمْلُ هذه الروايات على ما صحَّ من روايات أخرى ممكن.
فمثلًا: في حديث «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا» [البخاري: 2736]، هل يوجد أصرح من هذا في العدد؟ ومع ذلك من أهل العلم -ممن يُعتدُّ بقوله- مَن يقول: (الأسماء الحسنى مائة، وليست تسعة وتسعين)، ويستدل بهذا الحديث، كيف؟ هل يوجد أصرح من «تسعة وتسعين..مائة إلا واحدًا»؟ لكن كلامه له وجهٌ وجيه، كيف؟
إذا أضفتَ إلى لفظ الجلالة (الله) تسعة وتسعين؛ لأنه غير داخل في العدة «إن "لله" تسعة وتسعين اسمًا»، هذا على هذا القول.
لكن مَن يقول: إنها تسعة وتسعون فقط، يقول: إن للمُسمَّى بهذا الاسم (الله) تسعة وتسعين اسمًا، منها (الله). فهم فهموا أن لفظ الجلالة الاسم من غير نظر إلى المُسمَّى، والأكثر فهموه على أن المراد به المُسمَّى.