تعليق على تفسير سورة الأعراف من أضواء البيان (10)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:
"قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ}[الأعراف:176] الآية، ضرب الله تعالى المثل لهذا الخسيس الذي آتاه آياته فانسلخ منها بالكلب، ولم تكن حقارة الكلب مانعة من ضربه تعالى المثل به، وكذلك ضرب المثل بالذباب في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73]، وكذلك ضرب المثل ببيت العنكبوت في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41]، وكذلك ضرب المثل بالحمار في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الجمعة:5]، وهذه الآيات تدل على أنه تعالى لا يستحي من بيان العلوم النفيسة عن طريق ضرب الأمثال بالأشياء الحقيرة، وقد صرح بهذا المدلول في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26]".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
فما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من الأمثال التي ذكرها الله -جل وعلا- وضربها في كتابه بأمور حقيرة على أشياء نفيسة، ولا يلزم أن يكون المثل المضروب موافقًا لما ضُرِب له من كل وجه، المثل والشبه قد يكون من وجه لا يؤبه له، لكنه موجود، وضرب الأمثال لتوضيح المقال، فإذا ضُرِب المثل فعلى طالب العلم لا سيما في كتاب الله -جل وعلا- وسُنَّة نبيه -عليه الصلاة والسلام- أن ينتبه لهذه الأشياء ولهذه الأمثال التي يضربها الله؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43]، تمر الأمثال في كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يلقي لها طالب العلم بالاً، وقد أُلِّفَت فيها المؤلفات، وابن القيم -رحمه الله- في هذا الباب له القِدْح المُعَلَّى، يبين ويذكر الأمثال ويوضحها بأشياء قد لم يكن سُبِق إليها -رحمه الله- وله عناية فائقة في الأمثال، ولأبي الشيخ كتاب في أمثال الحديث، وعلينا أن ننتبه لهذه الأمثال، ولا يقول القائل مثل ما قال من سلف من السفهاء: إن الله يذكر الأشياء الحقيرة في كتابه، ولا ينزه كتابه من الذباب والبعوض وكذا وكذا، جاء الرد عليهم {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة:26]، ما فيه أصغر من البعوض أو أحقر من البعوض.
فيضرب المثل بهذا الحقير لينتبه، ليتنبه له، وهناك أمور من خلال هذه الأمثال دلت على أشياء بالتأمل والتفكُّر استُنبِطَ منها أشياء كبيرة، أهل النظر والفكر والاعتبار من المفسرين ذكروا أشياء.
واحد من أهل العلم توفي -رحمه الله- يصلح الساعات، كانت الساعات محسوسة، ما هي بإلكترونية، كانت ساعات حسية وفيها مسامير لا ترى بالعين المجردة، بمكبِّر يقول: لما فكك الساعة جاء ذباب فاختطف مسمارًا من هذه المسامير فتبعته لأستنقذه منه فما استطعت، وبقيت الساعة بدون هذا المسمار، {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ}[الحج:73]، واقع عملي، ما هو مجرد أمثلة وأمثال تضرب ما لها حقيقة ولا واقع، هي واقعة، ومع ذلك تصور الرجل بحجمه يتابع هذا الذباب، والله -جل وعلا- يقول: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} يدل على أن الإنسان لو تـأمل في نفسه، في تركيبه، في ما اشتمل عليه من أمور محسوسة ومعنوية، لاحتاج أن يعيد النظر في نفسه، والله -جل وعلا- يقول: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:21]. ولابن القيم -رحمه الله- في أقسام القرآن الذي هو التبيان في أقسام القرآن كلام على هذه الآية من أنفس ما كُتِب فيها.
فالنظر في النفس، النظر في النفس يعيد النظر فيها، يعني انظر في نفسك وتفكُّر وتأمُّل، وانظر ما جاءك عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وطبِّق تجد العجائب.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} [البقرة:26] بياء واحدة أم يائين؟
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
لغة قريش بياءين، تميم بياء واحدة، ولذا في صحيح البخاري: بابٌ إذا لم تستحِ كسرة بدون ياء فاصنع ما شئت، ثم ذكر الآية في الباب بياءين، والحديث الذي أورده «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي- ياء واحدة- إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»، والثانية حذفت بالجازم، بعض الناس إذا لم تستحِ يأخذ القلم يعدِّل، يحذف الياء؛ لأنه مجزوم، لا، الجازم حذف ياءً وأبقى ياءً، وهذا الفرق بين اللغتين.
"قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180]. هدد تعالى في هذه الآية الذين يلحدون في أسمائه بتهديدين: الأول: صيغة الأمر في قوله: وذروا فإنها للتهديد".
يأتي الأمر، ومن معانيه التهديد، اصنعوا ما شئتم، تهديد، ومنه: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180].
"والثاني: في قوله: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180]، وهدد الذين يلحدون في آياته في سورة حم " السجدة " بأنهم لا يخفون عليه في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}[فصلت:40]".
لا يخفون أي يعلمهم، ويعلم سرائرهم، ويعلم ما دقَّ وجلَّ من أمورهم، وإذا كان لا يخفى عليه شيء من أمورهم، فهل يفلتون من عقابه؟ هل يفلتون من عقابه؟ كلا.
"ثم أتبع ذلك بقوله: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ}[فصلت:40] الآية، وأصل الإلحاد في اللغة: الميل، ومنه اللحد في القبر، ومعنى إلحادهم في أسمائه هو كاشتقاقهم اسم اللات من اسم الله، واسم العزى من اسم العزيز، واسم مناة من المنان، ونحو ذلك. والعرب تقول: لحد وألحد بمعنى واحد، وعليهما القراءتان".
وعليهِما وعليهِما.
"وعليهِما القراءتان: يلحدون، بفتح الياء والحاء من الأول، وبضمها وكسر الحاء من الثاني".
من الأول يعني الثلاثي، ومن الثاني الرباعي ألحد.
طالب: ...............
ومعنى؟
طالب: ...............
هو كاشتقاق.
"قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:187] الآية. هذه الآية الكريمة تدل على أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله- جل وعلا-، وقد جاءت آيات أخر تدل على ذلك أيضًا، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا. إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} [النازعات42:44]، وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}[الأنعام:59]، وقد ثبت في الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنها الخمس المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:34] الآية".
تطاول بعض الناس وادعى علم ما ادعاه منها، فقالوا عن الساعة قيل في كتب أشراط الساعة قال من قال: إنها تكون بعد التسعمائة بقليل، وجاءت التسعمائة والألف والمائة والمائتان إلى وقتنا هذا وما قامت الساعة، وكتب من كتب في أشراط الساعة من يقول: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة، من أين أخذوها؟
طالب: حساب الجمل.
حساب الجمل بغتة ألف وأربعمائة وسبعة، وقيل غير ذلك، وكل ما تقدم الزمان زادوا؛ لأنهم ينكشفون، ويبقى سر لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، حتى قال -جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] قال المفسرون: أكاد أخفيها عن نفسي، يعني مبالغة في إخفائها، وأما المخلوقون فلا سبيل لهم إلى ذلك، ويأتي من يقول: ألف وأربعمائة، ألف وأربعمائة وسبعة، وهكذا، مع هذه التأكيدات، وينزل الغيث قال من قال: إنهم يستمطرون ويمطرون وينزلون المطر بآلاتهم وصناعاتهم، ويعلم ما في الأرحام أما ما في هذا الباب فحدِّث ولا حرج من الدعاوى.
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
على كل حال هذه الخمس لا يعلمها إلا الله، وإن وُجد شيء مما يفتتن به بعض الناس فيبقى الغيب غيبًا، لا سبيل لأحد إليه، ولذلك قال: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ} [الواقعة68:70].
طالب: ...............
ما جاء بالتأكيد لماذا؟ لأنه لا ينازع في ذلك، ولا يستطيعه أحد، بينما الزراعة {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة:65]؛ لأن المخلوق ينازع الخالق، يقول: أنا أزرع، أعرف، أزرع ويطلع، نعم، قد ينازع الخالق، لكن الإنبات ليس بيده، لكن السبب؟ يوجد منه سبب، بينما إنزال المطر لا سبيل لأحد إليه، ولا يمكن أن يدعيه من يدعيه وهو صادق في دعواه أو له نصيب في دعواه من الواقع.
"قوله تعالى: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف:188] الآية. هذه الآية تدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وقد أمره تعالى أن يقول إنه لا يعلم الغيب في قوله في " الأنعام ": {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}[الأنعام:50]، وقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}[الجن26:27] الآية، وقال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل:65] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. والمراد بالخير في هذه الآية الكريمة قيل: المال، ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى المال في القرآن، كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات:8]، وقوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}[البقرة:180]، وقوله: {قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ}[البقرة:215] الآية، إلى غير ذلك من الآيات".
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
يعني ما تحتمل معنى آخر؟
تحتمل.
طالب: ...............
ماذا؟
في القرآن أي آية محمولة على هذا؟ لا.
"وقيل: المراد بالخير فيها العمل الصالح كما قاله مجاهد وغيره، والصحيح الأول؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- مستكثر جدًّا من الخير الذي هو العمل الصالح ؛ لأن عمله -صلى الله عليه وسلم- كان ديمة، وفي رواية كان إذا عمل عملاً أثبته. قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:189] الآية".
هو الخير بمعناه العام في مقابل الشر والسوء، هذا الخير، بمعناه العام، وكل ما يحتمل هذا اللفظ يدخل فيه.
طالب: ...............
هو ما ذكر إلا هذا.
طالب: ...............
عرض عليه أن تقلب الجبال ذهبًا -عليه الصلاة والسلام-.
"قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:189] الآية، ذكر في هذه الآية الكريمة أنه خلق حواء من آدم ليسكن إليها أي ليألفها ويطمئن بها، وبيّن في موضع آخر أنه جعل أزواج ذريته كذلك وهو قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:21]، قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف:190] في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء والقرآن يشهد لأحدهما، الأول: أن حواء كانت لا يعيش لها ولد فحملت فجاءها الشيطان فقال لها: سمّي هذا الولد عبد الحارث فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث فقال تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا}[الأعراف:190] أي ولدًا إنسانًا ذكرًا جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول كما أوضحه ابن كثير في تفسيره".
وهو ضعيف كما قرره أهل العلم، وإن كان كثير من المفسرين يرجح هذا الرأي، ويدعمه بآثار وأخبار إسرائيلية ولكنه قول مرجوح.
"الوجه الثاني: أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحًا كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء; لأنهما أصل لذريتهما كما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ}[الأعراف:11]، أي بتصويرنا لأبيكم آدم؛ لأنه أصلهم بدليل قوله بعده: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}[الأعراف:11]، ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[الأعراف190:191]، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، لا آدم وحواء، واختار هذا الوجه".
لو كان ثابتًا عن آدم هذا الفعل وهذا الشرك لنُقِلت توبته منه كما نُقِلت توبته من أكل الشجرة، والشرك أعظم، نسأل الله العافية، الشرك أعظم، لا بد منه من توبة من توبة، ولما لم ينقل دلّ على أنه لم يثبت.
"واختار هذا الوجه غير واحد؛ لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير، والعلم عند الله تعالى".
تأباه العصمة، العصمة لآدم؛ لأنه نبي من الأنبياء، والأنبياء معصومون ومن أعظم ما يعصمون منه الشرك الذين بعثوا من أجل هدمه، وهداية الناس إلى التوحيد ونقض الشرك، ولو حصل ممن يدعو الشرك فكيف يدعو؟
"واختاره ابن كثير، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف199:200] بيّن في هذه الآية الكريمة ما ينبغي أن يعامل به الجهلة من شياطين الإنس والجن، فبيّن أن شيطان الإنس يعامل باللين وأخذ العفو والإعراض عن جهله وإساءته، وأن شيطان الجن لا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه، قال في الأول".
أيهما أشد شيطان الإنس أم شيطان الجن؟ شياطين الجن، هو صحيح أن شيطان الجن تكفيك منه الاستعاذة بالله من الشيطان، وأما شيطان الإنس فلو تستعيذ إلى يوم القيامة إلا بأمر إلهي، لكن شيطان الجن أيضًا لو تحببت إليه وتوددت إليه ينصرف؟ بخلاف شيطان الإنس، فكلٌّ له أسلوبه وما ينبغي أن يعامل به كما بيّن الشيخ -رحمه الله-.
"قال في الأول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف199]، وقال في الثاني: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف200]، وبيّن..".
هذه من الأمور التي تأتي على خلاف ما يتعاظمه الناس، الناس يتعاظمون أمر الجن ويخافون منها أكثر من الإنس، وهنا العلاج بالاستعاذة، يأتي من يسأل ويقول: أيهما أنجى؟ بول الآدمي أو بول الشيطان؟ يأتي لك بأشياء تنفر منها ينفر منها طبعك، وطبع أمثالك، والجواب؟
طالب: ...............
ماذا؟
طالب: ...............
بال الشيطان، ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه، وما أُمِر بغسله، ولو أُمر بالغسل من النجاسة، مثل أمر الغسل من النجاسة.
طالب: ...............
مثل الأمر بغسل النجاسة ولو على سبيل الوجوب والاستنشاق مختلف فيه من الأصل، أيًا كان إن كان حقيقيًّا فالسؤال عن الحقيقي، وإن كان معنويًّا فالسؤال عن المعنوي.
"وبين هذا الذي ذكرنا في موضعين آخرين. أحدهما: في سورة قد أفلح المؤمنون، قال فيه في شيطان الإنس: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون:96]، وقال في الآخر: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}[المؤمنون97:98]. والثاني: في حم السجدة قال فيه في شيطان الإنس: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]، وزاد هنا أن ذلك لا يعطاه كل الناس، بل لا يعطيه الله إلا لذي الحظ الكبير والبخت العظيم عنده فقال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:35]، ثم قال في شيطان الجن: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[فصلت:36]. قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ}[الأعراف:202] ذكر في هذه الآية الكريمة أن إخوان الإنس من الشياطين يمدون الإنس في الغي ثم لا يقصرون وبيّن ذلك أيضًا في مواضع أخر كقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83]، وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ}[الأنعام:128] وبيّن في موضع آخر أن بعض الإنس إخوان للشياطين، وهو قوله: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}[الإسراء:27] الآية".
الباقلاني أبو بكر كانت له مناظرات مع النصارى وغيرهم، فمرّ بمحضر أو مجمع في مجموعة من النصارى أو غيرهم الله أعلم، فتغامزوا فيما بينهم كل واحد يقول: هذا شيطان؛ لأنه أُعطي قدرة على الحجاج والمناظرة، سمع هو فقال: إني أرسلت لأؤزكم؛ لأنه شيطان يؤزهم، والشيطان تحتمله أمور كثيرة، لكن على الكافرين، ما تحتمل، نبدأ بالسورة أم نقف؟
طالب:...
ما رأيك؟ نبدأ بالسورة أم نقف؟
طالب: ...............
نعم.