شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالعلم المورث لخشية الله -جل وعلا- من أفضل ما تصرف فيه الأوقات ومن أعظم ما تهدر فيه الأنفاس، فهو أفضل النوافل على الإطلاق؛ فالعلم الشرعي المورث لخشية الله -جل وعلا- جاءت النصوص القطعية من الكتاب والسنة بمدحه، والثناء على أهله، وبيان منزلتهم ومراتبهم في الدنيا والآخرة.
والكتاب المسمى بكتاب العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي شيخ الأئمة، شيخ الأئمة -شيخ البخاري ومسلم وغيرهما- هو مما يحث على طلب العلم، وليس هو من متين العلم الذي يقصده الناس، يتفقهون منه أو يعملون بأحكامه، بل هو آداب ومنارات، وهو أيضًا سياط تسوق المتردد في طلب العلم، وأقوال لسلف هذه الأمة يستنير بها طالب العلم، وتحدوه إلى المزيد من التحصيل وعدم التثاقل وعدم التخاذل، بل تحثه على طلب المزيد من العلم الشرعي المورث للخشية ببيان شيء من أقوال السلف وأفعالهم في هذا الصدد، فهو ليس من متين العلم -كما ذكرنا- بل هو من مُلح العلم، وهي أشبه ما تكون بمنارات ودلائل تحدو طالب العلم للاستزادة منه، وإن شئت فقل: هو شبه المشهيات، شبه الكوامخ والجوارش التي يأكلها الناس قبل الطعام؛ لتكون مقدمة للأكل ومشهية ومشجعة عليه.
وإذا كان الأكل من الطعام والشرب من الشراب يقوم به دنيا الإنسان، ويقوم به أوده وجسمه، وبواسطته تتم عمارة الأرض، فالعلم يقوم به دين الإنسان الذي هو رأس ماله، دينك دينك، إنما هو لحمك ودمك، فالدين هو رأس المال، وإذا كنا ننتقي أطيب الطعام، ونأكل قبله المشهيات، ونشرب بعده المهضمات فلا أقل من أن يهتم الإنسان بدينه مثل اهتمامه ببدنه، والأصل أن يكون أعظم؛ لأنه إنما خلق للعبودية، لعبادة الله -جل وعلا- وخشية من أن ينساق وراء هذه العبودية فينسى الدنيا التي بواسطتها وبها -بل هي ظرف لإقامة هذه العبودية- قيل له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}؛ لأن المسلم المعبد المذلل لله -جل وعلا- بصدد تحقيق هذه العبودية بحيث يخشى عليه أن ينسى نصيبه من الدنيا فاحتاج أن يذكر بها.
لكن من نظر في واقع المسلمين عمومًا، لا أقول: العامة فقط، بل بعض طلاب العلم، بل بعض من ينتسب إلى العلم هو بحاجة ماسة إلى أن يقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة؛ لأنه انهمك في أمور دنياه ونسي آخرته.
مثل هذا الكتاب يحدونا ويسوقنا إلى المزيد والاستزادة من العلم، والعلم يدلنا إلى ربنا، وإلى طريقه السوي المستقيم، ويجعلنا نعبد الله على بصيرة، ولذا تم اختيار هذا الكتاب؛ ليشرح في هذه الأيام الثلاثة -إن شاء الله تعالى- ونحن في مكان طيب مبارك -بيت من بيوت الله- نرجو أن نكون في روضة من رياض الجنة، تحفنا الملائكة، ولا ننسى من سعى في بنائه، وسعى في تجديده أيضًا، الباني الأصلي، والمجدد لهذا المسجد فندعو لهم بالمغفرة والرحمة والرضوان، والتسديد في القول والعمل، وأن يحشرنا معهم في زمرة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
قبل البدء بالكتاب يحسن التعريف بمؤلفه، وذكرت أن كنيته أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي شيخ من شيوخ الأئمة -أئمة الإسلام البخاري ومسلم-، والشيخ كتب -الشيخ عمر جزاه الله خيرًا- كتب نبذة يسيرة عن صاحب الكتاب يتحفنا بها -جزاه الله خيرًا- تفضل.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذه الترجمة جاءت –أيضًا- بناءً على مشورة شيخنا وفقه الله وأثابه.
اسم المؤلف: هو زهير بن حرب بن شداد الحرشي النسائي ثم البغدادي.
قال عنه الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في السير: الحافظ الحجة أحد أعلام الحديث مولى بني الحرش بن كعب بن عامر بن صعصعة، وكان اسم جده أشتال فعرب شدادًا، نزل بغداد بعد أن أكثر التطواف في طلب العلم، وجمع وصنف وبرع في هذا الشأن هو وابنه وحفيده محمد بن أحمد، وقل أن اتفق هذا لثلاثة على نسق، أما ولادة المصنف -رحمه الله-: فقد ولد سنة ستين ومائة.
تعليقًا على ما ذكره الشيخ في كونه يقل أن يوجد من أهل العلم ثلاثة على نسق -كما يذكر أهل العلم في رواية الراوي عن أبيه عن جده- نعم هو قليل بل نادر، نادر جدًّا؛ لأن هذا العالم الذي يزدحم الناس عليه ويضربون آباط الإبل، ويشدون الرحل من أجل اللقاء به، والإفادة منه، تجد أزهد الناس فيه أهله وجيرانه، أزهد الناس، وهذه حكمه إلهية؛ لئلا يقول العالم الذي تخرج على يديه بعض أولاده وأحفاده؛ لئلا يقول: إنه بعلمه وفضله نالوا هذه المنزلة، لتقطع مثل هذه التصورات وهذه التوهمات؛ ولذا يوجد من أولاد الأنبياء بل من زوجات الأنبياء من هنَّ على ضلال -نسأل الله السلامة والعافية- فالهادي هو الله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص].
وأيضًا مما يصد عن أخذ الولد عن أبيه كونه يراه على وجوه مختلفة، فمرة يراه على وجه مناسب، ومرة يراه على وجه غير محتشم؛ لأنه تزول الكلفة بينه وبين أولاده، فيختلف تصور الأولاد لأبيهم عن تصور الناس إليه، وكذلك الجيران وكثرة مخالطتهم له، وهذا في السابق، أما الآن الجار إن رآه في المسجد فخير وبركة، لكن هذه الكلفة تزول مع كثرة الخلطة، فلا يقدره قدره مثل ما يقدره الشخص الذي لا يراه إلا محتشمًا في مجلسه متهيئًا لدرسه، والله المستعان.
أما شيوخه فهم كثر: ومنهم جرير بن عبد الحميد، وقد أكثر عنه المصنف في هذا الكتاب، وهشيم بن بشير وحميد بن عبد الرحمن الرواسي، وعبدة بن سليمان، والوليد بن مسلم، وسفيان بن عيينة، وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم، ووكيع، ويحيى القطان وأبو سفيان محمد بن حميد، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق وابن علية، وخلائق كثر.
يقول الذهبي -رحمه الله تعالى-: وينزل في الرواية إلى عفان ومعلى بن منصور وكامل بن طلحة الجحدري ونحوهم.
أما تلاميذه فهم كثر أيضًا وعلى رأسهم الشيخان البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه، أما النسائي فقد روى عنه لكن بواسطة رجل، وأما الترمذي فإنه لم يرو عنه في جامعه لا بواسطة ولا بغيرها.
وممن روى عنه من أكابر الأئمة أبو زرعة وأبو حاتم، وإبراهيم الحربي، وأبو يعلى الموصلي، وموسى بن هارون، وأبو القاسم البغوي وغيرهم، رحمهم الله جميعًا.
وثقه يحيى بن معين وقال ابن معين في رواية: أبو خيثمة يكفي قبيلة، وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: أبو خيثمة حجة في الرجال؟ قال: ما كان أحسن علمه.
وقال عنه النسائي: ثقة مأمون، وقال عنه الحسين أبو فهم: ثقة ثبت، وقال عنه أبو بكر الخطيب البغدادي: كان ثقة ثبتًا حافظًا متقنًا، وأما الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فيقول عنه في التقريب: ثقة ثبت.
روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث.
يقول عنه ابنه الحافظ –ابن أبي خيثمة-: مات أبي في خلافة المتوكل ليلة الخميس لسبع خلون من شعبان سنة أربع وثلاثين ومائتين وهو ابن أربع وسبعين سنة -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
أخبرنا الشيخ الإمام العالم الزاهد عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري -أيده الله- في شهر رمضان من سنة أربع عشرة وست مائة بالموصل برباط أخيه قال: أنبانا الشيخ الإمام العالم مجد الدين أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الأصفهاني قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الفتح إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن الإخشيد السراج في سنة ثمان عشرة وخمسمائة وسنة اثنين وعشرين وخمسمائة قال: أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد الكتاني المقرئ قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي.
هذه الأسانيد التي تذكر في أوائل الكتب ليست من صنع المؤلفين -مؤلفي الكتب- إنما هي من رواية تلاميذهم، ولذا بل من النساخ المتأخرين من رواة الكتب المتأخرين الذين يروونها بأسانيدهم، كل يذكر إسناده، فلو جاء راو بعد عز الدين بن الأثير الجزري راو ذكر بعد الراوي عن ابن الأثير هذا، يذكر ابن الأثير، ومن عادتهم الثناء على الشيخ، وذكروا هذا في آداب المحدث، في آداب المحدث أن يثني على شيخه عند الرواية عنه، وهذا موجود من قبل الصحابة والتابعين يثنون على شيوخهم.
لكن الشيخ أنا أقول: هو بحاجة إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء؛ ولذلك يقول: أخبرنا الشيخ الإمام العالم الزاهد عز الدين إلى آخره، وهذه الأسانيد هي بمثابة الأنساب للكتب، يعني لولا هذه الأسانيد ما قبلت هذه الكتب، لصارت مقاطيع لا يعتمد عليها ولا يوثق بها، لكن إذا استفاضت هذه الكتب واشتهر أمرها بين الناس وصارت المعلومات التي تحتويها هذه الكتب على الجادة التي يسلكها من نسبت إليه واستفاض أمرها ونقل عنها الناس لا يضر أن توجد بلا أسانيد أو بأسانيد منقطعة أو فيها من تكلم فيه، لكن الأصل إذا خلت من ذلك كله ألا يثبت كلام إلا بإسناده، يعني لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، يعني لو وجد كتاب الآن يتداول لا يعرف مثلًا من كتب مما ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية أو للإمام أحمد أو غيرهما بدون إسناد ما قبلناه حتى ننظر في محتوى هذا الكتاب، هل هو ماشٍ على قواعد الإمام أحمد وأصوله، هل هو جارٍ على ما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية أو لا، فإن كان جاريًا على سننه وقواعده وملتئمًا مع مؤلفاته قبلناه وإلا فلا، أما إذا وجد الإسناد بالرجال الموثوقين –بالثقات- فإننا نقبل وننسب هذا لشيخ الإسلام ونقول: إذا كان فيه مما يخالف ما يراه شيخ الإسلام، قلنا: قول آخر لشيخ الإسلام، يعني إذا وجدنا الأسانيد الصحيحة أثبتنا، إذا لم نجد نظرنا في محتوى هذه الكتب؛ ولذلك نجد بعض الكتب التي تكلم فيها بعض الحفاظ في نسبتها إلى الأئمة والعلماء الذين أضيفت إليهم، وهي جارية على سننهم ونقل عنها العلماء الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد تكلم فيه الحافظ الذهبي، الحيدة للكناني تكلم فيه..، كثير من الكتب تكلموا فيها، لكن يبقى أن هذه الكتب إذا نقل عنها العلماء واستفاض ذكرها بينهم من غير نكير، شيخ الإسلام ابن تيمية نقل عن الرد على الزنادقة في أكثر من مائة موضع من كتبه ينسبه إلى الإمام أحمد، وما فيه أيضًا مناسب -موافق لما يعتقده الإمام أحمد- فلا داعي لنفيه على طريقة الحافظ الذهبي.
هذه الأسانيد أقول: وجد كتب نسبت إلى بعض العلماء وهي لا تثبت نسبتها إليهم، إخبار النساء المنسوب لابن القيم هذا ليس بصحيح، أيضًا الفوائد -الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن- منسوب إلى ابن القيم وليس له؛ لأنه لا يمشي مع ما يراه ابن القيم وما يقرره ابن القيم -رحمه الله تعالى- فيه إثبات المجاز، فيه إثبات أنواع لا يثبتها ابن القيم، ابن القيم يشدد في نفي المجاز ويرى أنه طاغوت بواسطته توصل المبتدعة إلى نفي ما أرادوا نفيه، وإثبات ما أرادوا إثباته، فمثل هذه الكتب التي محتواها يخالف ما يعتقده الإنسان ترد، وما عدا ذلك إن وجدت أسانيد صحيحة أو الاستفاضة -وهي كافية- كالأنساب، يعني إذا أثبتنا نسب فلان بالاستفاضة بين الناس نثبت نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه بالاستفاضة، وكونه يتداول بين أهل العلم من غير نكير، نعم.
طالب:.......
نعم، غير الفوائد، الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن، غير الفوائد المطبوع باسم الفوائد المعروف من كتب ابن القيم -رحمه الله تعالى-.
طالب:.......
لا، لا تتجاوز شيئًا أبدًا، كما وضع.
قال -رحمه الله تعالى-:
حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: "اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تغد بين ذلك".
نعم جرت عادة المؤلفين القدامى أن يذكر اسم المؤلف في بداية السند، وقد يذكر الراوي عن المؤلف في بداية السند، هذه طريقة المتقدمين في التصنيف.
هنا حدثنا أبو خيثمة: من القائل؟ المؤلف أبو خيثمة، إذن من الذي يقول: حدثنا أبو خيثمة؟
الراوي عنه.
طالب: القاسم البغوي.
نعم أبو القاسم البغوي.
الراوي عنه يقول: حدثنا أبو خيثمة، وهذه هي طريقة المتقدمين، وقد يذكر البغوي، حدثنا أبو القاسم البغوي، قال: حدثنا أبو خيثمة، كما يقال في المسند: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، وهو من وضع الإمام أحمد، يعني من تصنيف الإمام أحمد.
إذن ما الفائدة من ذكر عبد الله، ومن ذكر الإمام أحمد والمؤلَّف للإمام أحمد؟
في الموطأ يقول: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك: نعم هذه طريقة المتقدمين في التصنيف، المتأخرون لا يصنعون مثل هذا، المؤلف المتأخر يبدأ مباشرة بمن حدثه على التدريج، يعني لو وجدت طبقة أصحاب الكتب الستة ما تجدهم يذكرون أسماءهم ما تُذكر أسماؤهم في الكتب، مباشرة يقول البخاري: حدثنا الحميدي، ومباشرة يقول مسلم: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، فلا تجدهم يقولون: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا الحميدي، لا؛ هذه طريقة انقرضت في نهاية القرن الثاني، بدأت الطريقة التي تليها بحذف الأسماء التي لا علاقة لها بتصنيف الكتاب، لها علاقة بثبوت الكتاب ورواية الكتاب، لكن لا علاقة لها بتصنيف الكتاب، والذي لا يعرف طريقة المتقدمين يحصل عنده لبس، ويحصل عنده شك؛ ليس من المعقول أن يقول المؤلف: حدثنا، يعني نفسه، هذه لا يهضمها المتأخرون؛ لأنهم ليسو على صلة بمؤلفات المتقدمين.
ولذا فتح الله على شخص لا علاقة له بالعلم، ألف كتابًا أكبر من هذا إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي، وهذا أديب لا علاقة له بالعلم أصلًا، بل أديب ليس بسوي بعد، ليس بسوي، أكثر وقته وعقله غير موجود، ويكتب إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي، لماذا؟
لأنه يقول: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- على أنه على صلة قوية بكتب المتقدمين مع ذلكم في نشره لمسند الإمام أحمد حذف حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، حذف، بدأ بشيخ الإمام أحمد، ولا شك أن هذا تصرف غير مرضٍ من الشيخ مهما بلغت علمية الشيخ ومنزلة الشيخ، لكن هذا تصرف غير مُرضٍ؛ لأن هذا تدخل في كتب الناس.
والشيخ أحمد يؤكد على الأمانة العلمية، وهذا ليس من الأمانة العلمية، وجدنا الكتاب ننشره كما هو، نعم نبين لماذا ذكر أبو خيثمة، لماذا يذكر من بعد أبي خيثمة، وهكذا فهذه أمور لا بد من الانتباه لها؛ لأن بعض الناس يثبت وينفي بناءً على ما عنده، وهذا الكلام ليس بصحيح، كما فعل الذي أصلح أشنع خطأ -على حد زعمه- فالذي ليس عنده علم ولا خبرة بكتب المتقدمين يقدم على مثل هذا، الجهل يصنع أعجب من هذا.
يقول: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدثنا وكيع: بن الجراح قال: حدثنا الأعمش: سليمان بن مهران، عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: أبو عبيدة ابن؟
طالب:.......
نعم.. قال عبد الله: قال: قال عبد الله، صيغة قال هذه هل تدل على أنه سمعه منه مباشرة أو هو منقطع؟ هل سمع أبو عبيدة من ابن مسعود؟ نعم الخلاف موجود ترى منهم من أثبت، نعم، الأكثر على أنه لم يسمع من أبيه، الأكثر على أنه لم يسمع من أبيه، لكن الكلام الذي نقله جازمًا به، قال: قال عبد الله: نعم، ولن ينسب إلى أبيه إلا ما ثبت عنده نسبته إليه، والكلام صحيح في الجملة، ومثل هذا الكلام لا يشدد في كيفية ثبوته، وإلا (قال)، مثل (عن)، لا تقتضي الاتصال إلا بالشروط المعروفة.
قال عبدالله: "اغد عالمًا": يعني صر عالمًا، اسع لأن تكون عالمًا، فإن لم تستطع فكن متعلمًا، متعلمًا تطلب العلم.
"ولا تغد بين ذلك": احرص على أن تكون عالمًا ينفع الناس، حرصت فلم تستطع؛ لأن المسألة ما هي بـ..، هذه أقسام، الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، النبي لا يعطي، المعطي هو الله -جل وعلا-، الشيخ لا يعطي طلابه بأي حال من الأحوال، لكنه يقسم العلم بينهم بالسوية، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم على الناس هذا العلم، لكن من أخذه، من وفق له، من كتب له العطاء من هذا العطاء الذي هو من أفضل الأعطيات، من منحه الله -جل وعلا- شيئًا من العلم هذا مكتوب له كما كتب له رزقه وأجله، ونهايته أيضًا، فعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا لأن يكون عالمًا؛ ليرفع بهذا العلم درجات في الدنيا والآخرة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة].
"اغد عالمًا": احرص على أن تكون عالمًا، لكن عالم لماذا؟ لماذا تحرص أن تكون عالمًا؟ هل تكون عالمًا -تحرص لأن تكون عالمًا- لأن تصدر في المجالس؟ لأن يحترمك الناس ويقدروك؟
لا لا، هذه حقيقة مرة الجهل خير منها، إنما تحرص أن تكون عالمًا؛ لتنفع نفسك وغيرك، لتعبد الله على بصيرة، لتحقق الهدف الشرعي من وجودك -وهو العبودية- وتدعو إلى الله على بصيرة، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف]، أتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- هم العلماء الذين يدعون إلى الله على بصيرة.
"اغدُ عالمًا أو متعلمًا": لأن بعض الناس يحرص أن يكون عالمًا، لكن ما يقسم له شيء من هذا، يطلب العلم عشرات السنين، ومع ذلكم يستمر يطلب العلم، فمثل هذا إذا فاتته منازل العلماء لن يفوته ما رتب على مجرد سلوك الطريق، ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)).
والله -جل وعلا- هو المعطي، تجدون الجموع والفئام يحضرون الدروس، وبعضهم أحرص من بعض، لكن النتائج مختلفة، تجد هذا بعد عشر سنين إمامًا يشار إليه، وتجد هذا بعد عشرين ثلاثين أربعين سنة في مكانه جالس، لذا جاء في حديث معاوية: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) وسيأتي هذا، ((وإنما أنا قاسم والله هو المعطي)): يعني لا أستطيع، نعم، العلم ما هو بمواد محسوسة تنقل من مكان إلى مكان، لا، حتى الأمور المحسوسة لا يستطيع الإنسان إذا لم يوفقه الله -جل وعلا- للحصول عليها ما استطاع بجهده ولو كان من أبرع الناس وأذكاهم.
فعلى الإنسان أن يحرص، أن يحرص لأن يكون عالمًا، إذا لم يكن عالمًا ولم يستطع ولم يوفق لهذه المنازل وهذه المراتب، أقل الأحوال أن يكون متعلمًا يلازم حلق الذكر، رياض الجنة، يثني الركب عند أهل العلم، ويحرص ويلهج بالدعوة الصادقة إلى الله -جل وعلا- أن يبلغه منازل العلماء.
ولا تغدُ بين ذلك: يعني لا تكن عائرًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا إلى العلماء ولا إلى المتعلمين.
وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره: ((الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالمًا ومتعلمًا))، فالدنيا لا خير فيها، الدنيا لا خير فيها إن خرجت عمّا يرضي الله -جل وعلا- من ذكره والقيام بعبوديته، والعلم والتعليم، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت حنظلة يحدث عن عون بن عبد الله قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: يقال: إن استطعت أن تكون عالمًا فكن عالمًا، فإن لم تستطع فكن متعلمًا فإن لم تكن متعلمًا فأحبَّهم، فإن لم تحبَّهم فلا تبغضهم، فقال عمر: "سبحان الله لقد جعل الله -عز وجل- له مخرجًا".
يقول: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت حنظلة يحدث عن عون بن عبد الله قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: الخليفة الراشد الزاهد: يقال: إن استطعت أن تكون عالمًا فكن عالمًا: هذه أمنية اسع لتحقيقها وتحصيلها، فإن لم تستطع: أن تكون عالمًا، فكن متعلمًا: وهو بمعنى ما سبق، وهو بمعنى ما سبق، فإن لم تكن متعلمًا فأحبَّهم: عليك أن تحب العلماء والمتعلمين؛ لأن المرء مع من أحب، فإن لم تحبَّهم: الإنسان قد يحصل له ما يعوقه عن تحصيل هذه المحبة؛ لأن المحبة عبادة وطاعة لله -جل وعلا- لكن قد لا يوفق الإنسان؛ لأن هذه أمور قلبية، قد يكون عنده من الأعمال ما يحول دونه ودون هذه المحبة؛ لأنه قد يقول قائل: إن الإنسان ما الذي يمنعه من أن يحب أهل الخير؟ وهل كل شخص يوفق لحب أهل الخير؟ قد يكون عنده من الأعمال ما يحول دونه ودون هذا العمل الفاضل الخيِّر، {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [(54) سورة سبأ]، فإن الله -جل وعلا- يحول بين المرء وقلبه، لماذا؟ ظلمًا؟ لا والله {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت]، وإنما لوجود بعض الأعمال التي تجعل هذا الشخص يحال بينه وبين قلبه، وبينه وبين مراده، قد يحب الإنسان، يود الإنسان أن يكون ذاكرًا شاكرًا؛ لما يسمع من فضل الذكر، لكن تجد من أيسر الأمور عليه الكلام الكثير -القيل والقال- لكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أثقل من الجبال عنده، لماذا؟ هل هي بالفعل ثقيلة؟ ليست ثقيلة، لكن عنده من الأعمال ما يحول بينه وبين تسهيل هذه الأمور وتيسيرها.
فإن لم تكن متعلمًا فأحبهم: لماذا؟ لأن المرء مع من أحب، فإن لم تحبهم فلا تبغضهم: أقل الأحوال عالج قلبك لا تبغضهم؛ لأن بعض الناس ما يكفيه أنه لا يحب أهل العلم، بل إذا رآهم يكاد يتميز من الغيظ -نسأل الله السلامة والعافية- لما جبل عليه من خبث طوية، وسوء النية، وكل هذا سببه التساهل بالأمور اليسيرة من فضول الكلام، وفضول الأكل وفضول النظر، وفضول النوم، هذه الفضول تتراكم على القلب وهي الران، ثم بعد ذلك تسهل عليه مزاولة المكروهات، ثم يجرؤ على المحرمات، ثم بعد ذلك يطبع على قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- فمثل هذه الأمور ينبغي أن يتنبه لها الإنسان.
فقال عمر: "سبحان الله قد جعل الله -عز وجل- له مخرجًا": نعم جعل الله -عز وجل- للإنسان مخرجًا؛ ما كل إنسان يستطيع أن يكون عالمًا، وما كل إنسان تتيح له الظروف -ظروف معيشته ومن يمول- أن يكون متعلمًا، ولا كل إنسان يستطيع أن يقهر نفسه على حب العلماء والمتعلمين، قد يتظاهر بذلك، لكن المسألة مسألة المحبة القلبية، ما كل إنسان يستطيع ذلك، لكن أقل الأحوال جاهد قلبك ونفسك على عدم بغضهم.
لو أدرك الناس قيمة العلم وأهمية العلماء وأنه لا صلاح للعباد في دينهم ولا دنياهم إلا بواسطة أهل العلم، لأحبهم من سويداء قلبه، من عمق فؤاده، حتى أفتى جمع من أهل العلم أنه يحرم البقاء في بلد ليس فيه عالم يفتي الناس ويبصرهم.
يعني تصور نفسك أنك في واد مظلم، موحش، كثير السباع، وطريق طويل بين أشجار مظلمة موحشة، وسباع، وحيات، وصخور، وجبال، ووهاد، مظلم ثم جاء واحد معه نور -كشاف ولو صغير- يدلك الطريق، له معروف عليك وإلا ما له معروف عليك؟ نعم، هذا أنقذك من المهلكة، يعني أقل الأحوال تفقد العقل، هذا إذا سلم الجسم، فجاء صاحب هذا النور وأنار لك الطريق ولو كان يسيرًا، والعلماء بهذه المثابة، يعني طالب العلم عنده نور يسير يمشي نفسه ويمشي الناس معه -بعض الناس معه- لكن العالم الذي مثل الشمس يغطي أرجاء الدنيا، هذا فضله على الأمة قد لا يدركه كثير من الناس.
تصور نفسك وقعت في مأزق، وقعت في بلية، وقعت في هفوة في زلة وبحثت عن أحد ينقذك منها ما وجدت، كيف تتصور نفسك؟
لكن أهل العلم هم أهل هذه المشكلات وحل الأزمات، وهذا المثال ذكره أبو بكر الآجري في كتابه أخلاق العلماء، فالعلماء الناس بأمسِّ الحاجة إليه، يعني إذا كانوا بحاجة إلى الأطباء الذين يعالجون أمراض الأبدان، فهم أحوج إلى العلماء الذين يعالجون أمراض القلوب، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
هذا الحديث الذي يروى بهذا الإسناد من كلام عبد الله موقوف عليه هو مخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث معاوية -رضي الله عنه- مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
((يفقهه في الدين)) ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)): والدين شامل للخصال كلها -للإسلام، والإيمان والإحسان-؛ ولذا في حديث جبريل لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإيمان والإسلام والإحسان في نهايته قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))، فالدين شامل للإسلام، للأعمال الظاهرة والباطنة، ولما هو أعظم من ذلك من منزلة المراقبة لله -جل وعلا-، وبعض الناس يستدل بمثل هذا الحديث على فضل الفقه العملي، الذي مشتمل على العبادات والمعاملات والمناكحات والأقضية والأحكام، الذي هو الفقه المعروف عندنا، لكن نقول: أهم من ذلك الفقه الأكبر، العلم بالله -جل وعلا-، وما يجب له من صفات وأسماء ومن حقوق، وما لا يجوز أن يضاف إليه، هذا أعظم، وإن كان الفقه العملي مهمًّا، لكن الفقه في الدين يعني في جميع أبواب الدين، ((يفقهه في الدين)): يعني في جميع أبوابه.
((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)): هل معنى هذا أن من لم يتفقه في الدين قد أراد الله به شرًّا؟ هل يفهم من هذا أن عوام المسلمين أراد الله بهم شرًّا؟
لا أبدًا، لكنه يريد الله -جل وعلا- خيرًا بمن يفقهه في الدين، خيرًا وقدرًا زائدًا على أصل الدين، فعوام المسلمين عندهم الدين، والتفقه في الدين قدر زائد على أصل الدين، فهذا خير على خير، ولا يقول قائل: إن العوام الذين لا يطلبون العلم أراد الله بهم شرًّا، لا، الذين وفقهم الله -جل وعلا- لاعتناق هذا الدين والاستسلام والانقياد لله -جل وعلا-، بحيث لا يكون لهم خيرة إذا جاءهم أمر الله وأمر رسوله، هؤلاء أراد الله بهم خيرًا، لكن من فقهه الله في الدين يضاف إلى ذلك الخير خير عظيم، فمفهومه أنه لم يرد الله به خيرًا، نعم، لم يرد الله به خيرًا: الخير المرتب على التعلم والتفقه في الدين، أما الخير الموجود في أصل الإسلام موجود في عوام المسلمين وموعود لهم، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: "يا أيها الناس تعلموا فمن علم فليعمل".
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: "يا أيها الناس تعلموا: تعلموا لتناولوا من الله -جل وعلا- الأجر والثواب العظيم، المرتب على العلم والتعلم.
"فمن علم فليعمل": الثمرة العظمى المرتبة على العلم والمرجوة منه هي العمل به، وإلا فالذي لا يعمل بعلمه، لا يأتمر بالأوامر ولا ينتهي إذا نهي عن شيء، هذا علمه وبال عليه.
"تعلموا فمن علم فليعمل": بما علم؛ لأن الثمرة هي العمل، وإلا فالعلم بلا عمل كما يقال: كالشجر بلا ثمر، لا فائدة فيه.
والعمل يختلف، إن كان العمل واجبًا وجب العمل به، وفسق بتركه، وخرج عن دائرة أهل العلم ولو حصل شيئًا من العلم، فما يحمله الفساق من علم هو ليس بعلم في الحقيقة، إنما العلم ما نفع، وعمل به صاحبه، وبين له ووضح له الطريق الموصل إلى الله -جل وعلا-.
أما العلم الذي لا ينفع فقد جاء الأمر بالاستعاذة منه، نعم، يتعوذ الإنسان من علم لا ينفع؛ لأنه وبال على صاحبه، فإذا ترك ما أمر به وقد علم وبلغه الأمر أو ارتكب ما نهي عنه بعد أن بلغه وعرف النهي، هذا ليس بعالم، هذا جاهل، فالذي يحمله الفساق هو ليس بعلم، ليس بعلم، وإن سماه الناس علمًا، لكنه ليس بعلم؛ ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، إنما يحمل العلم الشرعي العدول من الناس، قد يقول قائل: إنه يوجد في الواقع أناس يشار إليهم وعندهم علم، وعندهم شهادات بالعلوم الشرعية، لكن في الحقيقة ليس بعلم؛ لأنه جاء في الحديث وإن اختلف في تصحيحه.
((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ابن عبد البر يقول: إن من يحمل العلم فهو عدل، يكفي كونه يحمل العلم.
قلت ولابن عبد البر كل من عني |
| بحمله العلم ولم يوهن |
لكن المسألة عرفية، يعني بعض الناس يقول: إنه عالم، لكنه عالم ليس بعالم رباني، ولا عالم حق، إنما هو عالم ضلال، والمتجه أنه جاهل وليس بعالم؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء]، يعملون السوء بجهالة، كل من عصى الله هو جاهل، ولو هو حامل علوم الدنيا، فكل من عصى الله -جل وعلا- فهو جاهل.
هل معنى هذا أن الذي لا يعرف حكم الزنا ويزني تقبل توبته، والذي يعرف حكم الزنا ويزني لا تقبل توبته؟ لا، الذي يعرف الحكم والذي لا يعرف الحكم كلهم جهال، فدل على أن الذي لا يعمل بعلمه جاهل، دلت الآية على أن الذي لا يعمل هو جاهل، وإن ادعى له أنه عالم. فمن علم فليعمل: نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: "أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: طلب العلم، فقال: "إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا لما يطلب".
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود: القارئ المعروف، عن زر بن حبيش قال: "أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟: ما الذي جاء بك؟ قلت: أطلب العلم: جاء ليطلب العلم، مثل هذا يرحب به، فهو وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم ذكر له ما يعينه على الاستمرار في طلب العلم، فقال: "إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا لما يطلب": رضًا لما يطلب، تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا لما يطلب، تتواضع له، وهذا من خفض الجناح، فإذا كانت الملائكة تتواضع لطالب العلم، ومنهم من يقول: تضع أجنحتها لتظله مما يؤذيه وتحميه.
على كل حال هذا الحديث جاء هكذا موقوفًا، وجاء مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى كل حال هو مرفوع حكمًا؛ لأن مثله لا يقال بالرأي ((إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم)).
وجاء فيما يتعلق بهذا الحديث من شؤم مخالفة السنة والاستهزاء بالسنة والاستهتار بالسنة، ذكر المؤرخون قصة حصلت لشخص معروف يعني عندهم، لما سمع بهذا الحديث شخص مستهتر وضع في خفيه مسامير -نسأل الله السلامة والعافية- قالوا: لماذا؟ قال: ليطأ أجنحة الملائكة، فخسف به، ساخت به الأرض.
والقصص في هذا الباب كثيرة، يذكرها العلماء كالحافظ ابن كثير وغيره من المؤرخين، ذكروا أن شخصًا استاك في دبره، جعل السواك في دبره، كلهم يطلقون على أنه أحس بشيء في بطنه، وهذا الشيء يزيد شيئًا فشيئًا إلى أن بلغ أشهر فنزل منه قطعة -قطعة كبيرة من اللحم- فصارت تصرخ بأعلى صوت إلى أن جاءت ابنة هذا الرجل فرضختها بحجر!
كل هذا من شؤم الاستهزاء والاستهتار بالسنة، وبعض الناس من قصد ومن غير قصد، حتى بعض الشباب الأخيار، وبعض العوام قد يقول كلامًا محتواه الاستخفاف بالسنة، لكن علينا أن ننتبه لهذا، فالاستخفاف بالسنة شأنه عظيم؛ لأنه استخفاف بالدين، استخفاف بالدين، واستهزاء بالدين، والاستخفاف والاستهزاء كما يكون بالقول يكون بالعمل أيضًا، فنكون على غاية الحذر من هذا الباب، وليكن همنا وديدننا تعظيم الدين، وما جاء به الدين، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن شمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "إن الذي يعلم الناس الخير يستغفر له كل دابة حتى الحوت في البحر".
يقول: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم هو أبو معاوية الضرير، يكثر عنه أبو خيثمة، قال: حدثنا الأعمش عن شمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: "إن الذي يعلم الناس الخير يستغفر له كل دابة": الذي يعلم الناس الخير، ويبث الخير والعلم في الناس بنية صالحة خالصة صادقة، يستغفر له كل دابة، حتى الحوت في البحر": وهذا الحديث وإن وقف على ابن عباس إلا أنه صح مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أقل الأحوال أن يكون حسنًا، لكن منهم من صححه.
يستغفر له كل دابة، حتى الحوت في البحر: وينبغي أن نكون على علم بأن هذا الأمر -وهو التعلم والتعليم- ليس فيه نصف حل، بمعنى أنك تخرج كفافًا لا لك ولا عليك، إما أن يستغفر لك كل شيء، كل دابة حتى الحوت، وإما أن تكون أول من تسعر به النار يوم القيامة -نسأل الله السلامة والعافية- فلنكن على اهتمام من هذا الأمر، يعني لا تحيدوا عن هذه النصوص، نعم هذه معالم في طريق طالب العلم ينبغي أن يعتني بها ويجعلها حاديًا له للاستزادة، لكن لا ينسى الطرف الآخر وهو الإخلاص لله -جل وعلا-، يطلب العلم ويعلم مخلصًا لله -جل وعلا- في ذلك؛ لئلا يكون من أول من تسعر بهم النار -نسأل الله السلامة والعافية- نعم من تعلم بنية خالصة صالحة مخلصًا لربه في ذلك مهتديًا بهدي وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- له هذا الوعد، وما جاء في غيره من النصوص لكن ليكن على حذر من شرود النية، للنية شرود لا بد من تعاهدها؛ لأنه في غمار الحياة لا شك أنه سوف يعرض له عوائق وصوارف تعوقه وتصرفه عن الإخلاص، لكن مع ذلك ينبغي له أن يتفقد النية، لا يعتمد على مثل هذا الخبر يقول: نتعلم ونعلم وينظر إلى الناس يتعلمون ويعلمون ويجزم بأن هذا العالم الفلاني، العالم الرباني يستغفر له كل شيء، نعم هذا وعد ممن لا يخلف الميعاد، لكن يبقى مع ذلك أن هناك نصوص أخرى ينبغي أن يجعلها الإنسان نصب عينيه، فيتعلم ويعلم مستحضرًا النية الخالصة الصالحة يقصد بذلك وجه الله -جل وعلا- نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا بشر بن منصور عن ثور عن عبد العزيز بن ظبيان قال: قال المسيح بن مريم -عليه السلام-: "من تعلم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيمًا في ملكوت السماء".
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا بشر بن منصور عن ثور عن عبد العزيز بن ظبيان قال: قال المسيح بن مريم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-: "من تعلم وعلَّم وعمل: والواو هذه لمطلق الجمع والتشريك وإلا فالترتيب أن يتعلم ويعمل ويعلم فمن تعلم، تعلم العلم النافع المورث للخشية، وعمل به وعلمه الناس، فذاك يدعى عظيمًا في ملكوت السماء": هذا عن المسيح -عليه السلام- وهو معنى الرباني في قول مشهور عند أهل العلم، بل معتبر، أن العالم الرباني هو الذي يتعلم ويعمل ويُعلم، يتعلم العلم ويعمل به في نفسه ويعلمه غيره، هذا هو العالم الرباني.
المطلوب من العلماء أن يكونوا ربانيين، وجاء في الصحيح عن ابن عباس أن الرباني الذي يعلم الناس صغار العلم قبل كباره، يعني يبدأ بالتدريج، يبدأ الطلاب بالتدريج، لينظر في مصالح الطلاب، لا في مصلحته هو؛ لأنه إذا جاءك الطالب المبتدئ تبدأ به بالمتون الصغيرة، ثم بعد ذلك يترقى إلى أن يصل إلى مرتبة المتوسطين، ثم مرتبة المنتهين، ولكل طبقة من طبقات المتعلمين كتب تناسبهم، فيعلم صغار العلم قبل كباره، وبعض من ينتسب إلى العلم -وهذا من خلال التجربة موجود مع الأسف- ينظر في مصلحته هو، ينظر في حاجته هو، ويغفل عن حاجة الطالب، هو بحاجة إلى أن يسمع الكتاب الفلاني، هذا الطالب مبتدئ أو متوسط، محدث يقول: والله أنا بحاجة إلى أن أسمع علل الدارقطني تعال اقرأ يا ولدي علل الدارقطني، الطالب لا يستفيد شيئًا من هذا الكتاب، هل هذا من النصيحة للطالب؟ هل هذا من بداية التعليم لصغار العلم قبل كباره، هل هذا العالم يستحق أن يكون ربانيًّا؟ لا، يأتي طالب يقول له: أريد أن أقرأ، والله أنا أحب شيخ الإسلام، يقول: يا الله هات درء تعارض العقل والنقل وإلا نقض التأسيس، وإلا غيرها، لا، هذا ليس بنصح أبدًا للطالب، يعني على المعلم ألا ينظر إلى مصلحته هو، ينظر إلى مصلحة الطالب فيربي الطلاب بصغار العلم، إذا احتاج إلى قراءة شيء ينظر إلى طالب منتهٍ أو يقرأ بنفسه، الحمد لله المسألة فيها سعة، أما أن يكلف الطلاب ما لا يطيقون، ويبدأ بهم بما لا يستوعبون هذا ليس بصحيح وليس من النصح للطلاب، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: "تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يُخْتَلُّ إليه".
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا ابن خازم، هو أبو معاوية السـعدي محمد بن خازم الضرير، قال: حدثنا الأعمش: الأعمش: سليمان بن مهران عن شقيق: أبي وائل شقيق بن سلمة، التابعي الجليل عن عبد الله بن مسعود قال: "تعلموا، تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يختل إليه": متى تكون الحاجة ماسة إليه؟ الخلة شدة الحاجة، نعم؛ لأن الإنسان إذا تصور أن الأمة في يوم من الأيام تحتاج إليه فيطلب العلم، لكن من نظر وقال: والله الحمد لله الآن طلاب العلم والعلماء ألوف مؤلفة، الأمة ليست بحاجة لي، لا تنظر إلى نفسك بهذا المنظار؛ لأنك لن تطلب العلم إذا نظرت بهذا المنظار، لكن لا تدري متى تكون الحاجة ماسة إليك، قد تشد الخلة إليك وأنت ما تأهلت لأن تكون أهلًا لأن يحتاج إليك.
فعلى الإنسان أن يهيئ نفسه لهذا اليوم الذي يكون الناس بأمس الحاجة إليه، وسيأتي في الحديث في الخبر الذي يليه خبر عمر، نعم.
أحسن الله إليكم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا ابن عون عن الأحنف قال: قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "تفقهوا قبل أن تسودوا".
يقول: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا ابن عون عن الأحنف قال: قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "تفقهوا قبل أن تسودوا": الضبط الثاني: قبل أن تسودوا، لا شك أن من سود فقد ساد:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم |
| ولا سراة إذا جهالهم سادوا |
يعني من سود فقد ساد، ويصلح أن يقال: تسودوا، يعني تولوا أمور العامة لأن تكونوا سادة على الناس وقادة، ومن سود فقد ساد، السيد قد تكون سيادته بنفسه كما هو الأصل، الأصل أن السيد يسود بنفسه، حتى لو أجبر على السيادة هو المتسبب لهذه السيادة، لو سود من قبل غيره وأجبر عليها وألزم بها هو السبب، وهو الذي بجهده وكل هذا كله بتوفيق الله وتقدير الله -جل وعلا-، وصل إلى هذا الحد بحيث يلزم بالسيادة، فإذا سود فقد ساد بلا شك، فأسباب السيادة هو الذي أوجدها.
"تفقهوا قبل أن تَسُودوا، قبل أن تُسُّودوا" تسودوا بأن تكونوا سادة على الناس، رؤوس يرجع إليكم الناس، فالذي يتفقه قبل ذلك لا شك أنه ينتفع وينفع غيره، لكن الذي يسود أو يسّود قبل أن يتفقه وقبل أن يتأهل، لا شك أنه سوف يتضرر بذلك؛ لأنه سوف يندم، ولات ساعة مندم، السيادة بحاجة إلى وقت؛ لأنه يكون وقته مشغول بأمر العامة إذا ساد، فمتى يتفقه؟ قد يشكل عليه أشياء، قد يعرض عليه مسائل ومشاكل لا يستطيع حلها؛ لأنه لم يتفقه، فإذا تفقه قبل ذلك حل المشاكل على مقتضى النظر الشرعي؛ لأن عنده ما يعينه على ذلك، قد تفقه قبل ذلك.
أيضًا ما يصاحب هذه السيادة من أمور نفسية تجعله لا يطيق التفقه بعد ذلك، لا يستطيع أن يجلس بين الناس مع صغار الطلاب وكبارهم ليتعلم وقد ساد صار ملكًا أو وزيرًا أو أميرًا، صعب، يصعب عليه ذلك؛ ولذا يؤمر الإنسان بأن يتفقه قبل أن يسود، ومثل هذا يمكن أن يوجه لطلاب العلم الشرعي الذين يتوقع أن يكونوا سادة، إما دعاة وإما قضاة، وإما علماء، ومعلمين، عليهم أن يبنوا أنفسهم قبل أن يصلوا إلى هذه المرحلة، افترض نفسك في يوم من الأيام على كرسي القضاء وعندك الخصوم وعرضوا عليك المسألة لا تدرك أطرافها ولا أبعادها، ما عندك من العلم الشرعي ما يعينك على حلها، مثل هذا يجب عليه أن ينتبه لنفسه قبل ذلك.
منهم من يقول: "قبل أن تسودوا": قبل أن تتزوجوا؛ لأن في الزواج مشغلة، والزوج سيد في بيته، فيحث طالب العلم في وقت -قبل الزواج- أن يحرص ويجد ويجتهد بتحصيل العلم.
ومنهم من يقول: "تفقهوا قبل أن تُسَوِدوا: قبل أن تُسَوِّدوا، منهم من ضبطها هكذا وقال: معناه قبل أن تشيبوا، يبيض الشعر فتحتاجوا إلى تسويده، وهذا حث لطلب العلم في وقت الشباب والصغر.
يقول الإمام البخاري لما ساق الخبر: "وبعد أن تسودوا"؛ لأن الإنسان قد يسمع هذا الكلام، ثم يقول: إن عمر يقول: تفقهوا قبل أن تسودوا، مفهومه اتركوا الفقه بعد السيادة، خلاص فات الأوان ما يسعفكم، نقول: لا ما فاتك، يقول الإمام أبو عبد الله: "وبعد أن تسودوا" وبعد أن تسودوا، يعني بعد السيادة، والأمثلة -ولله الحمد- في القديم والحديث كثيرة، يوجد من يحضر الدروس الآن من كبار القضاة يحضرون، بل من كبار الدعاة، ويوجد ممن يعلم الناس، ومشهور بالتعليم وعنده مئات من طلاب العلم يقرؤون عليه، إذا وفد عليهم الوافد من أهل العلم جاءوا بطلابهم وحضروا الدروس؛ تحقيقًا لمثل قول البخاري: وبعد أن تسودوا.
فالسيادة ليست مانع، ليست بمانع حقيقي، قد تكون مانعًا وهميًّا، بعض الناس يتوهم أنه بعد أن ساد كيف يجلس، يعني تصور رئيس محاكم ببشته وهيئته وأتباعه من القضاة بحلقة درس جالسين ومعهم كتبهم يعلقون، هذا موجود -ولله الحمد- لكن ما فيه شك أن حظوظ النفس قد تصرف عن شيء من هذا، فكلام البخاري -رحمه الله تعالى- فيه ما يدل على أن طالب العلم يستمر في الطلب، ويستفيد من كل أحد، ولا ينبل الشخص حتى يأخذ عمن هو مثله، ومن هو فوقه، ومن هو دونه، قد تكون بحاجة إلى مسألة بحثها واحد من طلابك، فتأخذ من الطالب، ما المانع؟ نعم، أنت بأمس الحاجة إلى العلم، ما دمت سلكت هذا الطريق فلتستفد هذا العلم من كل أحد.
ورواية الأكابر عن الأصاغر باب معروف في علوم الحديث، يروي الكبير عن الصغير، ما المانع، وهذا باب معروف وأمثلته كثيرة جدًّا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق وأتقى الخلق وأخشاهم تلقى حديث الجساسة عن تميم الداري، وأبو بكر أخذ عن عائشة وعمر أخذ عن عبد الله بن عمر، وهكذا لا ينبغي أن يكون الكبر هذا مشكلة أمره مشكل، الكبر لا يتعلم العلم مستحيٍ ولا مستكبر {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف].
فعلى طالب العلم أن يتواضع لغيره ولو كان دونه، ما المانع؟ يستفيد من كل أحد، والمسألة مسألة جهاد؛ لأن النفس قد لا تقنع بهذا، يعني جبلت على خلاف هذا، لكن على الإنسان أن يتطبع ويتأدب بالأدب الشرعي، نعم.
طالب:.......
ما فيه شك أن الانقطاع موجود في السند لكنه ثابت من وجوه أخرى، وخرجه الإمام البخاري تعليقًا إلى عمر مجزومًا به، ومخرج في كثير من المصادر، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: "والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون"، قال الأعمش: فقال لي الحكم: لو كنت سمعت بهذا الحديث منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كثير مما كنت أفتي".
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله: "والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون": مجنون لأنه يسعى في هلاك نفسه، والعاقل الذي يسعى في خلاصها، يسعى في هلاك نفسه، وجاء في الخبر: ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار))، والخبر فيه ضعف، لكن لا شك أن الذي يجرؤ على الفتيا في كل مسألة هذا لا بد وأن يقول على الله بغير علم، لا بد أن يكذب على الله، شاء أم أبى، والكذب على الله -جل وعلا-، والقول على الله بغير علم، شأنه عظيم، {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(33) سورة الأعراف]، ذكر هذا بعد ماذا؟ بعد الشرك، وأهل العلم يقررون أن الآية سيقت على سبيل الترقي، لا على سبيل التدلي، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [(7) سورة الصف]، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} [(116) سورة النحل]، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ} [(116) سورة النحل]، فيدخل دخولًا أوليًا في قول الله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر].
فالذي يقول في كل ما يسأل عنه، يفتي، هذا مجنون بلا شك؛ لأنه يهلك نفسه، ويحرق نفسه، وأهل العلم يقررون أن على المفتي أن يسعى في خلاصه، لا في خلاص السائل، ومن ترك لا أدري أصيبت مقاتله.
وحال السلف في هذا الباب معلوم، حال السلف في تدافعهم وتدارئهم الفتيا قد يتدافعه عشرة أو أكثر إلى أن تتعين على شخص فيفتي، وكثير ممن يتصدى للإفتاء اليوم قبل أن يتم السؤال يجاوب، في منتصف السؤال يبدأ بالجواب، منتصف السؤال، لا يتسنى له أن يتأمل السؤال حتى يجاوب.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- في قضايا كثيرة يسأل وهو المعصوم فيسكت، يسأل فيسكت، لا يجيب بسرعة، ثم يقول: أين السائل؟ فيجيبه.
من أهل العلم من يقول: أنه ينتظر الوحي، ومنهم من يقول: إنه ليربي المفتين بعدم العجلة في السؤال؛ لأن من يتأنى في الغالب يسدد، إما أن يسدد فيوفق للجواب الصحيح، أو يتأمل المسألة فلا يجد عنده جوابًا لها، فيقول: لا أدري، وليس فيه عيب أن يقول الإنسان: لا أدري، كما قال الإمام مالك: اذهب، اذهب يا أخي قل لأهل العراق: إن مالك يقول: لا أدري، ماذا يصير.
"والله إن الذي يفتي الناس بكل ما يسألونه لمجنون" قال الأعمش: فقال لي الحكم بن عتيبة؟ معروف، من الفقهاء،: لو كنت سمعت بهذا الحديث: يعني بهذا الخبر عن ابن مسعود وهو الذي ملئ علمًا، لو كنت سمعت بهذا الحديث منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كثير مما كنت أفتي": قد يقول قائل: إنه ابتلي، ابتلي بالفتوى؛ لأن الإشكال أن الإنسان يقرر مثل هذه الأمور وينقل حال السلف، فإذا تؤملت حاله وطبعه –طريقته- أنه مبتلى في هذا الباب، إما بالمقابل أو بغير المقابل، قد يقال: إن الذي من مقابل يجب عليه أن يفتي، ولا يدرأ الفتيا؛ لأنه يخلع هذا، لكن الذي بغير مقابل، يعني ما عين من قبل ولي الأمر لهذا الأمر عليه أن يدرأ الفتيا بقدر ما استطاع، بقدر الاستطاعة، إلا إذا تعينت عليه، إذا تعينت عليه، عليه أن يفتي إذا كان يعرف، إذا كان يعرف، وقبل ذلك عليه أن يؤهل نفسه، عليه أن يتأهل للفتيا.
والفتيا شأنها عظيم، وظيفة الأنبياء، وهي التوقيع عن الله -جل وعلا-، قد تولاها كثير من خيار الأمة، من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم إلى صحابته ثم التابعين، ثم إلى عصرنا هذا، ويتولاها الخيار من الناس إلى آخر الزمان، إذا قبض الله العلماء، ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال، بل يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))، والبوادر الآن ظاهرة، من خلال الوسائل، من خلال قنوات، ومن خلال، حتى من خلال -الله يعفو ويسامح- دروس ومحاضرات وندوات، تجد الأسئلة عشرات بل مئات ومع ذلك كلها يجاب عنها، إلا إذا كانت مسألة حساسة يخشى منها فقد يتورع عنها؛ خوفًا على نفسه، هذا الحاصل يا إخوان، هذه مشكلة، بلية هذه، يعني الإنسان يستدرج يعني من أول الأمر شيئًا فشيئًا فشيئًا، إلى أن تصير عادة، عادة عنده خلاص، والحكم وهو الحكم في منزلته علمًا وعملًا يقول: لو كنت سمعت بهذا الحديث منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كثير مما كنت أفتي: يتورع الإنسان، عليه أن يحتاط لنفسه، والله المستعان، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن رجاء الأنصاري عن عبد الرحمن بن بشر الأزرق قال: "دخل رجلان من أبواب كندة وأبو مسعود الأنصاري جالس في حلقة فقال أحدهما: ألا رجل ينظر بيننا؟ فقال رجل في الحلقة: أنا، قال: فأخذ أبو مسعود كفًّا من حصى فرماه به، وقال له: إنه كان يكره التسرع إلى الحكم".
هذا الأثر يقول فيه: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن رجاء الأنصاري عن عبد الرحمن بن بشر الأزرق قال: "دخل رجلان من أبواب كندة: في أي مسجد؟
طالب:.......
نعم، في الكوفة، وأبو مسعود الأنصاري: عقبة بن عمر البدري الأنصاري على خلاف بينهم في نسبته إلى بدر، هل شهدها كما يقول البخاري، أو سكنها كما يقوله الجمهور؟.
وأبو مسعود الأنصاري جالس في حلقة: وهي حلْقة -بإسكان اللام، وفتحها شذوذ- يعني ما يقال حلَقة، يعني كما نسمع في دروس التحفيظ، نعم، فتحها شذوذ.
جالس في حلقة فقال أحدهما: ألا رجل ينظر بيننا؟: خصومة بين هذين الاثنين، ألا رجل ينظر بيننا؟ فقال رجل في الحلقة: أنا: تسرع تعجل، والنوايا والمقاصد بيد الله، عند الله -جل وعلا- لا يطلع عليها أحد؛ لأن فض المنازعات والإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال، فيظن به أنه أراد أن يبادر لهذا العمل الفاضل، ويظن به أيضًا -احتمال آخر- أنه تعجل ليرى مكانه، القلوب بيد الله -جل وعلا- ما يجزم عليه بشيء، لكن على كل حال العجلة مذمومة.
فقال أحدهما: ألا رجل ينظر بيننا، فقال رجل في الحلقة: أنا، قال: فأخذ أبو مسعود كفًّا من حصى: هذا فقه الصحابة علم الصحابة، أناة الصحابة، فأخذ أبو مسعود كفًّا من حصى فرماه به وقال له: إنه كان يكره التسرع إلى الحكم": في عافية، الناس يتدافعون الفتيا التي ليس فيها إلزام، فضلًا عن القضاء، وهذا نوع من القضاء، وموقف السلف من القضاء معروف، يضربون عليه، يجلدون عليه، ولا يقبلونه؛ لأنه مزلة قدم، ((قاضيان في النار وقاض في الجنة))، فالسلف ينفرون منه، ويأبونه أشد الإباء، لكنه أمر لا بد منه، يجب على ولي الأمر أن يعين القضاة، يجب عليه أن يتولى القضاء بنفسه إن استطاع، فإن لم يستطع فيولي من يكفيه المؤونة.
من أوجب الواجبات على ولي الأمر، لكن أيضًا بالمقابل..؛ لأن كثير من المسائل ينظر إليها من جهتين، من جهة العامة ومن جهة الخاصة، عندنا النصح لكل مسلم، والدين النصيحة، لو جاء شخص يستشير وقال: أنا رشحت للقضاء ما رأيك، أوافق أو لا أوافق؟ يعني هل كل شخص يبغي أن يقال له: إن السلف ينفرون من القضاء؟ أو ينظر في المصالح العامة والخاصة في مثل هذا الأمر؟ فإذا اقتضت المصلحة العامة أنه يتولى القضاء ينصح بالقضاء، بغض النظر عن مصلحته الخاصة؛ لأن أمر العامة أهم، لكن إذا كانت المسألة غير متعينة عليه، أو كان مستواه أقل، ينصح أن يترك، يبين له طريقة السلف في القضاء، وهذا بادر -والله أعلم بنيته- لكن في الجملة العجلة والاستعجال لمثل هذا الأمر مكروه عند أهل العلم؛ لأنه من فروض الكفايات، فلعل الإنسان أن يقوم به من يكفي غيره، ويكفيه التبعة.
سم.
أحسن الله إليك.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن صالح بن خباب عن حصين بن عقبة عن سلمان قال: "علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه".
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن خازم قال: حدثنا الأعمش عن صالح بن خباب عن حصين بن عقبة عن سلمان الفارسي قال: "علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه": هذا الحديث موقوف على سلمان، ويروى مرفوعًا، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
"علم لا يقال به": يعني لا يعمل به؛ لأنه يطلق القول ويراد به الفعل والعمل، من ذلك حديث التيمم: "فقال بيديه هكذا"، فقال يعني ضرب بيديه، فالقول أعم من النطق، فيتناول النطق ويتناول العمل، فالعلم الذي لا يقال به لا باللسان ولا بالجوارح، هذا مثل الكنز الذي لا ينفق منه، يعني تصور إنسانًا عنده ألوف مؤلفة من الذهب والفضلة وكانزها طامرها تحت الأرض ويتكفف الناس، هذا عاقل أم مجنون؟ هذا ليس بعاقل قطعًا.
يعني لو تصورنا حال شخص توفي قبل خمس سنوات، مدرس من أربعين سنة يمن عليه من يعطيه كأس الماء، ويأخذ الماء بالجيك من المسجد، وليس عنده أي شيء من الوسائل التي تريحه، لا عنده كهرب، ولا فرش، ما عنده شيء، البيت على التراب، ومع ذلكم لما توفي وجدت رواتبه من يوم التعيين إلى وفاته، راتب كل شهر مربوط بحبل ومكتوب عليه شهر كذا من عام كذا، ويجمعه بعلب حليب، من أول يوم إلى أن مات، ووجدت مدفونة في المدفن، ووجد شنط فيها بشوت ومشالح بعدد بنات إخوانه، أكلتها الأرضة، بنات إخوانه؛ لأنه جرت العادة إنه إذا تزوج، هو ما تزوج، إذا تزوجت بنت الأخ، هو عم يصير عمًّا، يعطى العم بشتًا، وجد بعدد بنات الإخوان، والدراهم وجدت مربوطة بحبال مكتوب عليها، مثل هذا مثل الذي عنده علم ولا ينفق منه، هذا محروم بلا شك، وليس هو المحروم الذي تدفع له الصدقة، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24- 25) سورة المعارج]، ليس هو الأول، وإن سميت بالعرف محروم، نعم، هو محروم عرفًا، لكنه شحيح في الاصطلاح، نسأل الله السلامة والعافية، فالذي عنده علم ولا ينفع نفسه، ولا ينفع غيره مثل هذا، مثل الذي عنده كنز لا ينفق منه، يكون وبالًا عليه، وقودًا له يوم القيامة، تمثل له أمواله كما جاء في الحديث الصحيح، فيعذب بها، والله المستعان.
"أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، فعبد الله هذا أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، ابن أم عبد، صحابي شهير من جلة الصحابة، وخيارهم، وبعضهم يرى أنه إذا أطلق عمومًا عبد الله في السنة، إذا أطلق واشتبه ولم يتعين، ولم يستطع الباحث تعيينه أنه ابن مسعود، يعني من خلال التلاميذ ما استطاع أن يبين، إذا اشترك الراوي عن العبادلة مثلًا وابن مسعود فينصرف الذهن إلى ابن مسعود، وإذا أطلق عبد الله انصرف إليه، فضلًا عن كونه يروي عنه ابنه أبو عبيدة.
أقول: هذه طريقة المتقدمين في التصنيف، طريقة المتقدمين في التصنيف، يذكر المؤلف، بل قد يذكر الراوي عن المؤلف في أثناء الكتاب، وهذه الطريقة موجودة إلى نهاية المائتين وبداية القرن الثالث، ثم بعد ذلك صاروا يقتصرون على ذكر شيوخ المؤلفين، فلا يذكر المؤلف ولا يذكر من يروي عنه.
لعل هذا يكون في الوصايا التي تكون في آخر هذه الدورة إن شاء الله تعالى.
أقول: الطعن في المسلمين عمومًا، أعراض المسلمين كما يقول ابن دقيق العيد: حفرة من حفر النار -نسأل الله السلامة والعافية- والغيبة جاء في النصوص القطعية من الكتاب والسنة على تحريمها والتعظيم من شأنها، وإذا كانت فيمن نفعه في الأمة ظاهر كانت أعظم، كان شأنها أعظم، يقرر أهل العلم أن لحوم العلماء مسمومة، نعم قد يوجد التقصير من بعض أهل العلم، قد يوجد، فهم بشر يصيبون ويخطئون، لكن هم في الجملة أهل علم وعمل إذا كان المقصود بهم الكبار من شيوخنا، هم عرفوا بالعلم والعمل والإخلاص، والنصح للأمة، لكن لا يعني أنهم معصومون من كل خطأ، لا، هم يخطئون كغيرهم، لكن يكفيهم أنهم يجتهدون ويبذلون ما يستطيعونه، وليعلم كل إنسان أنهم يبذلون ما يستطيعونه لكن ليس بالمقدور أن ينفذ كل ما يقولون، هذا على مر العصور، العلماء ينصحون ويوجهون ولا يلزمون، لا يستطيعون الإلزام على مر العصور، حصل من الصحابة -رضوان الله عليهم- إنكار على بعض الولاة ولم يمتثل، إذا حصل هذا يعني يرفع السيف، ما هو بصحيح، ليس معنى هذا أنه إذا لم يمتثل طالب العالم أو وجد منكرًا مثلًا أنكره من وفقه الله -جل وعلا- للإنكار، على حسب الدرجات المعروفة التي جاءت بها السنة، لكن لم يتغير هذا المنكر، حتى إنكار المنكر إذا ترتب عليه منكر أعظم منه في الشرع مندوح، لك مندوحة ألا تغير ولا يجب، بل لا يجوز لك أن تغير المنكر بمنكر يترتب عليه أعظم منه، فهل معنى هذا أنه إذا لم يستجب لأهل العلم أنهم يرفعون السيف وينزعون اليد من الطاعة؟
أبدًا، عليهم أن ينصحوا، وعليهم أن يبينوا، وعلى أهل الحل والعقد أن يمتثلوا ويستتيبوا، لكن كل يؤدي ما عليه، وهذا موجود في علماء الأمة في القديم والحديث.
نعم كثرت الشرور من الداخل ومن الخارج، وكيد للإسلام وأهله، وتواطأ الأعداء وتكالبوا عليه، لكن ما يلزم أن العلماء بيدهم كل شيء، ومعروف أن اليد لا يجوز نزعها حتى يرى الكفر البواح، ولا يجوز الخروج على الولاة إلا إذا رؤي الكفر البواح، والله المستعان.
على كل حال الخير يطلق ويراد به أمور كثيرة جدًّا، لكن إذا قرن بالتعليم فالمراد به العلم، وإلا فالمال خير، وجاء في القرآن تسميته خيرًا، {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [(180) سورة البقرة] يعني مالًا، فالمال يقال له: خير، لا سيما إذا اكتسب من وجوهه الشرعية وأنفق في مصارفه الشرعية، لكن إذا اقترن بالتعليم فالمراد به العلم، وهنا يقول: إن الذي يعلم الناس: فالمراد به العلم.
أما قوله: كيف يعمل بهذه الأخبار التي تحث على التعلم، أولًا: الحث على التعلم جاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولم يطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطلب المزيد من شيء إلا من العلم، وقد استشهد الله -جل وعلا- العلماء على أعظم مشهود به، وهو الشهادة له بالوحدانية، ولا يطلب لمثل هذا الأمر العظيم إلا الشهود العظماء، فقد شهد الله -جل وعلا- لنفسه، وشهد له ملائكته، وشهد له أولو العلم، بأنه لا إله إلا هو، فمنزلتهم لا شك أنها في الشرع عظيمة جدًّا.
أما بالنسبة لدرء الفتيا فالمقصود به إذا لم تتعين؛ لأنها إذا لم تتعين ووجد من يفتي غيرك فأنت في حل، وأنت معرض للخطأ الصواب، ادرأ مثل هذا الأمر، لكن إذا تعين عليك الإجابة، عليك أن تجيب: ((من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة))، فلا بد من التعلم، ما يقول الإنسان: والله أنا علي وعيد إذا أفتيت، أنا علي وعيد إذا أخطأت، لكن عليك أن تبذل الجهد، وتخلص لربك وتنصح لدينك، وإذا أخطأت لك أجر، مأجور، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.