تعليق على تفسير سورة آل عمران (14)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا بحث موسع عن الأسباط، خمس صفحات في المعنى اللغوي، ثم بعد ذلك: ثانيًا: في كلام العلماء والمفسرين في معنى الأسباط.
ذكر أولًا: قول ابن جرير في تفسيره: "أما الأسباط الذين ذكرهم فهم اثنا عشر رجلًا من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا أسباطًا كما حدثنا بشر". ثم ذكر آثارًا تدل على ما قال.
قول ابن أبي حاتم، ذكر أقوال منسوبة إلى أصحابها بالأسانيد، وذكر أسماءهم على أنهم أبناء يعقوب –عليه السلام-.
قول البغوي -رحمه الله-: "يعني أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر سبطًا، واحدهم سبط، سموا بذلك؛ لأنه وُلد لكل واحد منهم جماعة، وسبط الرجل، وسبط الرجل حافده". جمع الحافد: أحفاد. ومنه قيل للحسن والحسين: سبطا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب من بني إسماعيل، والشعوب من العجم، وكان في الأسباط أنبياء. قال: وما أُنزل إليهم. وقيل: هم بنو يعقوب من صُلبه، صاروا كلهم أنبياء.
قول ابن الجوزي: "فأما الأسباط فهم بنو يعقوب، وكانوا اثني عشر رجلًا".
قال الزجاج: "السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسبط في اللغة: الشجرة التي لها قبائل".
طالب: معروفة يا شيخ.
ماذا؟
طالب: يقول: معروفة السبط عندهم.
ما هو السبط؟
طالب: ...
تعني الشجر؟
طالب: نعم.
هي نبت معروف، لكنه مراد أو ما هو مراد، شعر سبط، جاءت به سبط العظام، على كل حال المادة مطروقة، لكن المراد في الآية هو محل الاهتمام.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
صلى الله عليه وسلم.
وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
قول القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: والأسباط ولد يعقوب –عليه السلام-، وهم اثنا عشر ولدًا، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس، واحدهم سبط، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل، وسموا الأسباط من السبط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون، وقيل: أصله من السَّبَط بالتحريك؛ أي الشجر؛ أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبَطَة.
قال أبو إسحاق الزجاج: ويبين لك هذا ما حدثنا به محمد بن جعفر الأنباري، قال: حدثنا أبو نجيد الدقاق، قال: حدثنا الأسود بن عامر، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوحًا، وشعيبًا، وهودًا، وصالحًا، ولوطًا، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، ومحمدًا –صلى الله عليه وسلم-.
اللهم صل وسلم عليهم.
ولم يكن أحد له اسمان إلا عيسى ويعقوب، والسِّبط الجماعة، والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد، وشعر سَبط وسَبِط: غير جعد. انتهى.
قول ابن كثير رحمه الله: وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط بنو يعقوب، اثنا عشر رجلًا، وَلد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسباط.
وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل.
وقال الزمخشري في (الكشاف): الأسباط: حفدة يعقوب؛ ذراري أبنائه الاثني عشر، وقد نقله الرازي عنه، وقرره، ولم يعارضه.
وقال البخاري: الأسباط قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل الله -تعالى- من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:20]، وقال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} [الأعراف:160]، وقال القرطبي: وسُمّوا الأسباط من السِّبط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون. وقيل: أصله من السَّبَط بالتحريك، وهو الشجر؛ أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبطة.
قال الزجاج: ويبين لك هذا ما حدثنا محمد بن جعفر، محمد بن جعفر الأنباري، قال: حدثنا أبو نجيد الدقاق، قال: حدثنا الأسود بن عامر، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وهود، وصالح.
تقدم هذا.
تقدم، نعم، أحسن الله إليك.
بقي كثير؟
طالب: ...
قول السيوطي -رحمه الله- في (الدر المنثور): وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الأسباط بنو يعقوب، كانوا اثني عشر رجلًا، كل واحد منهم ولد سبطًا أمة من الناس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: الأسباط بنو يعقوب: يوسف، وبنيامين، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودانو، وقهاث، وكوذو، وباليون. وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر، عن عبد الله بن عبد الثمالي أنه سمع النبي –صلى الله عليه وسلم-.
صلى الله عليه وسلم.
يقول: «لو حلفت لبررت، إنه لا يدخل الجنة قبل الرعيل الأول من أمتي إلا بضعة عشر إنسانًا: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى، ومريم». انتهى.
قال الألوسي.
دل على أن الأسباط شخص واحد.
طالب: ...
نعم؟
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
الذي يعد، لكن المقصود أن الأسباط واحد من هؤلاء.
طالب: أكثر من عشرة.
نعم، أكثر من عشرة.
طالب: هنا مكتوب سبعة.
ما يلزم الاستيعاب، المقصود أنه لا يزيد على المراد، والواضح من السياق أن الأسباط شخص واحد، ودرج الناس على التسمية به في عصر التابعين ومن بعدهم، يسمون الأسباط. يوسف بن أسباط.
قال الألوسي رحمه الله: والأسباط جمع سبط كأحمال وحمل، وهم أولاد إسرائيل، وقيل: هم في أولاد إسحاق كالقبائل في أولاد إسماعيل، مأخوذ من السِّبط، وهو شجرة كثيرة الأغصان، فكأنهم سُموا بذلك لكثرتهم، وقيل: من السُّبوطة، وهي الاسترسال، وقيل: إنه مقلوب البَسْط، وقيل للحسنين: سبطا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ لانتشار ذريتهم، ثم قيل لكل ابن بنت: سبط، وكذا قيل له: حفيد أيضًا.
واختلف الناس في الأسباط أولاد يعقوب هل كانوا كلهم أنبياء أم لا؟ والذي صح عندي الثاني، وهو المروي عن جعفر الصادق –رضي الله تعالى عنه-، وإليه ذهب الإمام السيوطي، وألَّف فيه؛ لأن ما وقع منهم مع يوسف –عليه الصلاة والسلام- ينافي النبوة قطعًا، وكونه قبل البلوغ غير مُسلَّم؛ لأن فيه أفعالًا لا يقدر عليها إلا البالغون، وعلى تقدير.
لكن قد يقال: إنه قبل النبوة، أو بعد البلوغ وقبل النبوة. نعم.
طالب: الأسباط شخص واحد، لماذا قال: كلمة عشرة يا شيخ، {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف:160]؟
هو هنا قال: السبط شخص واحد ليس بصحيح، والقول بأن كلهم يندرج تحت هذه الكلمة بما في ذلك أولادهم يرد عليهم أنهم أُنزل عليهم، هل أُنزل على أفرادهم أو يدخل كل مجموعة أو كل أمة تحت نبيها؟ فيكون الإنزال على نبيهم، وهم تبع له؟ كما نقول: أُنزل علينا القرآن. وهو منزل على محمد –عليه الصلاة والسلام-.
وعلى كل حال الأقوال كلها فيها ما فيها، والتسميات التي ذكرت أُخذت عن أهل الكتاب، ما أُخذت بالأدلة الصحيحة.
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
على كل حال التقدير مقبول، لكن يبقى أن الأصل عدم التقدير.
طالب: ...، هي بدل.
أممًا أسباطًا، بدل، نعم.
طالب: فيه قول الطاهر ابن عاشور، وقول شيخ الإسلام.
شيخ الإسلام؟
طالب: نعم، ابن تيمية.
كثير؟
طالب: هذا صفحة، وهذا صفحة.
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
اقرأ كلام شيخ الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كما في (جامع المسائل): المجموعة الثالثة: الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن ولا عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، بل ولا عن الصحابة خبر بأن الله تعالى نبَّأهم، وإنما احتج من قال: إنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء: {وَالأَسْبَاطِ} [البقرة:136، النساء:163]، وفسِّر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب.
والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصُلبه، بل ذريته كما يقال فيهم أيضًا: بنو إسرائيل، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل. قال أبو سعيد الضرير: أصل السبط شجرة ملتفة كثيرة الأغصان، فسُمّوا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة، كذلك الأسباط كانوا من يعقوب، ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سِبطي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم صل وسلم عليه.
والأسباط حَفَدة يعقوب، ذراري أبنائه الاثني عشر، وقال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} [الأعراف:159-160]، فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كل سبط أمة، لا أنهم بنوه الاثنا عشر، بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطًا، فالحال أن السِّبط هم الجماعة من الناس.
ومعناه أن الإنزال عليهم إنزال على بعضهم، لا على كلهم.
ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب لم يُرد أنهم أولاده لصُلبه، بل أراد ذريته كما يقال: بنو إسرائيل، وبنو آدم. فتخصيص الآية ببنيه لصُلبه غلط، لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى، ومن ادَّعاه فقد أخطأ خطأً بينًا".
والقول الأشهر عند أهل العلم أن السبط: ولد البنت، ليس بولد الولد.
"والصواب أيضًا أن كونهم أسباطًا إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة، فإنه لا يُعرف أنهم كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام:84] الآيات، فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوة يوسف نُبئوا كما نُبئ يوسف لذُكروا معه.
وأيضًا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [القصص:14] ، وقال في يوسف كذلك. وفي الحديث: «أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؛ نبي من نبي من نبي».
«الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم»، نعم.
فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه هذا الكرم، وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوا به ذكر اعترافهم بالخطيئة، وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئًا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف، وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة، ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد، وقطيعة الرحم، وإرقاق المسلم، وبيعه إلى بلاد الكفر، والكذب البيِّن، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحك شيئًا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف، فثم إن القرآن يدل على أنه لم يأتِ أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف؛ لآية غافر.
ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك عُلم أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوِّي بعضها بعضًا، وقد ذكر أهل السِّير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضًا، وأوصى بنقله إلى الشام، فنقله موسى. والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذريتهم الذين قُطِّعوا أسباطًا من عهد موسى، كل سبط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال: ويعقوب وبنيه، فإنه أوجز وأبين. واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل؛ للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباط من عهد موسى. والله أعلم.
تحررت المسألة؟
طالب: نعم.
ماذا؟
طالب: نعم. الله المستعان.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
عليه الصلاة والسلام.
قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} [آل عمران:90-91].
يقول تعالى متوّعدًا ومتهدِّدًا لِمَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، ثُمَّ ازْدَادَ كُفْرًا، أي استمر عليه إلى الممات، ومخبرًا بأنه لن تقبل لهم توبة عند مماتهم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النِّسَاءِ:18]، وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران:90]؛ أَيِ الْخَارِجُونَ عَنِ الْمَنْهَجِ الْحَقِّ إِلَى طَرِيقِ الْغَيِّ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا، ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، ثُمَّ ارْتَدُّوا، فَأَرْسَلُوا»".
باب التوبة مفتوح إلى قيام الساعة، يُغلق إذا قامت الساعة، وظهرت العلامات الثلاث أغلق باب التوبة، {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام:158]، أو لما يحصل لكل فرد بمفرده من المعاينة والغرغرة، مثل هذه الأمور تُغلِق باب التوبة، إذا طلعت الشمس من مغربها، والدجال، والدابة، هذه العلامات الثلاث {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام:158] إذا ظهرت، ومثله في كل شخص إذا غرغر، وبلغت الروح الحلقوم، انتهى، وأولى ذلك إذا مات وعاين العذاب فإنها لا تُقبَل توبته، {حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النِّسَاءِ:18]، طيب المُدَد المتطاولة في عمرك تُعرَض عليك التوبة، وتعرف الأدلة، ومع ذلك تسوِّف، والله المستعان.
"«فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صل وسلم عليه.
"«فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران:90]» وهكذا رواه، وإسناده جيد.
ثم قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدى بِهِ} [آل عمران:91]؛ أَيْ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ خَيْرٌ أَبَدًا وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا فِيمَا يَرَاهُ قُرْبَةً، كَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
اللهم صل وسلم عليه.
"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَكَانَ يُقْرِي الضَّيْفَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ: هَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ «لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنَ الدهر: رب اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ». وَكَذَلِكَ لَوِ افتدى بملء الأرض ذَهَبًا مَا قُبِلَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ} [الْبَقَرَةِ:123]، وَقَالَ: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إِبْرَاهِيمَ:31]، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [الْمَائِدَةِ:36]، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدى بِهِ} [آل عمران:91]، فَعَطَفَ".
بهذا القيد: أن يموت على الكفر، لكن لو ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإنه يُقبَل منه الإسلام، والصحبة تثبت لمن رأى النبي –عليه الصلاة والسلام-، ومات على الإسلام ولو تخلَّل ردة كما هو مقرَّر عند أهل العلم، لكن شريطة أن يموت على الإسلام.
طالب: ... تارك الصلاة.
ماذا؟
طالب: تارك الصلاة.
إذا ترك الصلاة، ثم عاد إليها؟
طالب: لا ...
المسألة كل على مذهبه، لكن يبقى أن القيد معتَبَر، انظر: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النِّسَاءِ:18]، {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة:217]، بهذا القيد، أما إذا رجع إلى دينه قبل أن يموت، عاود الإسلام قبل موته فإنه يموت على الإسلام على خلاف بين أهل العلم: هل الرِّدَّة السابقة تُحبط عمله، فيحتاج أن يعيده من جديد إذا أسلم أو لا؟ والقيد يقتضي أنه لا يحبط إلا إذا مات على الرِّدة.
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، قول عبد الله بن جدعان: «رب اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».
ما قال، لو قالها كان..
طالب: ...
ماذا؟
طالب: مقيد بمن لم يُسلم.
هو ما أسلم، ولا قالها.
طالب: مقيد بالكافر أو المسلمين؟
المسلم مسلم، يعني كونه فرَّط وترك شيئًا لا يُشترط في إسلامه، هذا ما يضره.
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
ما هو؟
طالب: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
طالب: العصاة.
يعني إذا أصابتهم مصيبة قصدك؟
طالب: العصاة.
العاصي، هذا يفرِّط، المطلوب منه أذكار، ومطلوب منه أدعية، لكن إذا تركها فماذا يصير؟ يرتد بسببها.
طالب: لا، أقصد أني ...
المسلم قد يترك بعض الواجبات، وقد يترك كثيرًا من المندوبات، وقد يرتكب بعض المحرمات، يبقى في دائرة الإسلام، مآله إلى الجنة، لكن كونه ترك واجبًا يعذَّب عليه، كونه ارتكب محرَّمًا يعذَّب عليه إلى آخره.
"فَعَطَفَ {وَلَوِ افْتَدى بِهِ} [آل عمران:91] عَلَى الْأَوَّلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أن لا يُنْقِذَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِثْلَ الْأَرْضِ ذَهَبًا، وَلَوِ افْتَدَى نَفْسَهُ مِنَ اللَّهِ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا بِوَزْنِ جِبَالِهَا وَتِلَالِهَا، وَتُرَابِهَا وَرِمَالِهَا، وَسَهْلِهَا وَوَعْرِهَا، وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قال: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ".
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
"«يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نعم. فيقول الله: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ». وهكذا أخرجه البخاري ومسلم.
طريق أخرى: وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
اللهم صل وسلم عليه.
"«يُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، خَيْر مَنْزِلٍ. فَيَقُولُ: سَلْ وَتَمَنَّ. فَيَقُولُ: مَا أَسْأَلُ وَلَا أَتَمَنَّى إِلَّا أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ عَشْرَ مِرَارٍ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، شَر مَنْزِلٍ. فيقول له: تفتدي مِنِّي بِطِلَاعِ الْأَرْضِ ذَهَبًا؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، نَعَمْ. فَيَقُولُ: كَذَبْتَ، قَدْ سَأَلْتُكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وأيسر، فَلَمْ تَفْعَلْ. فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ»".
نعوذ بالله من النار، عندك «بطلاع» أو «بطلائع»؟
طالب: عندي "«بطلاع»".
ف "خ" و "ز" «بطلاع»، وبقية النسخ «طلائع».
طالب: يقول: في الأصل الملء.
ماذا؟
طالب: في الأصل الملء؛ ملء الأرض.
الفرق سهل، لكن طلاع، ثلاثة: ما يعلوها حتى يطلع عنها ويسيل.
"وَلِهَذَا قَالَ: {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} [آل عمران:91]؛ أَيْ وَمَا لَهُمْ مِنْ أَحَدٍ يُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَا يُجِيرُهُمْ مِنْ أَلِيمِ عقابه".
طالب: ...
ماذا؟
طالب: قولكم في إثبات صفة الرؤية، هل الأولى إثباتها للرؤية أو اللقيا.
أيهم؟
طالب: الصحبة.
الصحبة: من رأى النبي –عليه الصلاة والسلام-.
طالب: ... من لقيه أو من رآه ...
هم يقولون: من رأى النبي –عليه الصلاة والسلام- مع أنه قد يراه كمن جاء ليحنك، جيء به ليحنك، هل هذا تثبت له الصحبة؟ العلماء يختلفون، ومنهم من يقول: من لفظ الصحبة لا بد من ثبوت المصاحبة، ما يكفي مجرد لقاء، وأقوال العلماء معروفة، لكن التعبير السائد والتعريف السائد للصحبة والصحابي: أنه من رأى النبي –عليه الصلاة والسلام-، ومات على ذلك.
"قوله تعالى: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92].
رَوَى وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ} [آل عمران:92] قال: البِرّ: الْجَنَّةُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءُ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ –تَعَالَى-، فَضَعْهَا يَا رسول الله حيث أراك اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
اللهم صل وسلم عليه.
"«بَخٍ بَخٍ! ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ. وَقَدْ سَمِعْتُ: وَأَنَا أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ".
-صلى الله عليه وسلم-.
"«فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عمه»، أخرجاه".
في الصحيحين.
"وفي الصحيحين أن عمر قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْ سَهْمِي الَّذِي هو بخيبر، فما تأمرني به؟ قال: حبِّس الْأَصْلَ، وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ»".
هذا الأصل في شرعية الأوقاف، وصية النبي –عليه الصلاة والسلام- لعمر بهذه الصيغة على سبيل الوقف؛ تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة (الثمرة)، والوقف إسلامي، لا يُعرف في الجاهلية، لا يعرفه أهل الجاهلية، وشُرع بهذا الحديث؛ حديث عمر –رضي الله عنه-، وهو الصدقة الجارية، باب من أبواب الصدقة الجارية التي إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا منها، ومما ذكر معها.
مع الأسف أن كثيرًا من الأُسَر لا سيما ذات الثراء والغناء أن الوقف يكون سببًا لقطيعة الرحم، ولذا يوصي بعضهم يقول: تخلصوا منه. ينجزه الإنسان في حياته؛ لأن الأوقاف لا شك أنها شرعية، وصدقة جارية ينتفع بها الإنسان بعد موته، وهي من أضمن الأمور لاستمرار هذه الصدقة.
لكن مع ذلك تصرفات الناس، وطمع كثير من الناس يجعلها تؤدي إلى هذه النتيجة التي ليست حميدة، تجد كثيرًا من أولاد الفقراء والمعوزين بينهم كثير من التآلف والتصافي، بينما إذا وجد أولاد أغنياء، ووجد بينهم مثل هذه الأوقاف، مع طول المدة تحصل القطيعة، لا سيما إذا كثرت الأموال، وكثرت الحاجة عند بعض الورثة أو ورثتهم.
فمثل هذا لا بد أن يُعالَج ويُضبَط، تُضبَط الوثائق بشروط وقيود لا يحصل معها خلل يؤدي إلى القطيعة، والمشايخ عندهم هذه الأخبار، غالبًا بيوت الفقراء ما يصير فيها قطيعة؛ لأنه ما فيه شيء يتقاطعون عليه، بينما بيوت الأغنياء فيها القطيعة، وفيها، والخير كثير وموجود، وصارت أسبابًا لأمور كثيرة من أمور العلم والتعليم، والتوسيع على الفقراء والمساكين من الأقربين والأبعدين، فما يعني أن وجود مثل هذه التصرفات يكون أصل التشريع فيه شيء، الخلل في التطبيق، لا في أصل التشريع.
طالب: بارك الله فيكم، ما هو الضابط في الوقف؟
ماذا؟
طالب: ما هو الضابط في الوقف؟
الضابط فيه أن يكون أصله، أن يكون الأصل موقوفًا لا يُتصرَّف فيه، والمنفعة هي التي يُستفاد منها، ويبقى الأصل على أصله.
طالب: يعني المساجد ما تدخل فيها؟
ماذا؟
طالب: المساجد ما تدخل فيها؟
ماذا؟
طالب: المساجد ...
يكون من ثمرته، ومن ريعه، من ريع الوقف يعمر مسجد وكذا. فهو تسبيل الأرض لبناء مسجد؛ هذه وقف.
"وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَضَرَتْنِي هَذِهِ الْآيَةُ: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، فَذَكَرْتُ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أحبّ إليّ من جارية لي رُومِيَّةٍ، فَقُلْتُ: هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَلَوْ أَنِّي أَعُودُ فِي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ لَنَكَحْتُهَا؛ يعني تزوجتها".
ولو جعلها حرة وأعتقها، وجعل عتقها صداقها كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- لصفية لكان له أجران كما جاء في الحديث الصحيح: «ورجل أعتق جارية، ثم رباها وأدبها فأعتقها، ثم تزوجها»"؛ يكون له أجران.
طالب: أحسن الله إليك، هل يحق للواقف التصرف في المال الموقوف؟ ...
يتصرف في أصل الوقف أو في ريعه؟
في ريعه.
طالب: ...
في ظل ما اشترطه الواقف؟
طالب: ...
في حياته أو في وفاته؟
طالب: حياته.
والمسألة وقف منجز، يعني ليس بوصية بعد موته، ما يجوز، خلاص، الوقف ما يغيَّر، والعلماء يقولون: شرط الواقف مثل نَصِّ الشارع؛ لأن الذي يبغى أن يتصرف يجعلها وصية، لا تثبت إلا بموته.
طالب: ... هذا الريع يتصرف فيه في حياته.
النَّظارة هذه.
طالب: ...
... الأوقاف، يتصرفون فيها، ويتجاوزون في مصارفها، وبعضهم ما يثبت له مما ذكر من هذا الريع مما يعود أجره وثمرته إلى ما ينفعه في الآخرة، يصير كأنه وقف من أجل عدم التصرف، من أجل ألا يُباع هذه البيت.
طالب: ...
نعم.
طالب: ...
الأمور التي يؤجَر عليها لا إشكال فيها، لكن هناك أمور من ضمن نفقاته وتصرفاته قد لا يؤجَر عليها، قد يؤزَر عليها.
"قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:93-95].
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدثنا هشام بْنُ الْقَاسِمِ".
هاشم، هاشم.
"هشام".
طالب: هاشم.
طالب: هاشم.
هاشم. "حدثنا هاشم بْنُ الْقَاسِمِ".
"حدثنا هاشم بْنُ الْقَاسِمِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قال: حَدَّثَنَا شَهْرٌ قال: قال ابن عباس «حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلم عليه.
"«فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ: أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَكَيْفَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ؟ وأخبرنا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فِي النَّوْمِ؟ وَمَنْ وَلَيُّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ لَئِنْ أخبرهم ليتابعنه، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فطَالَ سقمُهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللهم نَعَمْ. فقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بالله الذي لا إله إلا هو الذي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ؟ فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، إِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. قَالَ: وإِنَّ وَلِيِّيَ جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ. قَالُوا: فَعِنْدَهَا نفارقك، لو كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ لَتَابَعْنَاكَ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] الآية، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ".
طالب: ... في سنده هاشم بن القاسم.
ماذا؟
طالب: ...هاشم بن القاسم..
نعم هاشم بن القاسم، وفي السند: شهر بن حوشب، وهو ضعيف عند عامة أهل العلم.
بعض الأطباء يذكر أن الشحم الطبيعي من الإبل ما يضر، وأجريت عليه الدراسات والتحاليل فقالوا: لا ضرر فيه، ولا كوليسترول، وإنما ما يذكره بعضهم من أنه رافع لكثير من الأمور الضارة هو من اليهود، وأنه حُرِّم عليهم ما حملته الظهور، فأرادوا أن يحرموا الناس منها، فبثوا مثل هذه الدعايات، ورأينا من يأكل من الشحم ويكثر ولم يضره سواء أكان من لحم الإبل أو من لحم الغنم.
وعلى كل حال كل ينظر في مصلحته، وفي ملاءمة جسمه لما يأكل، والله المستعان.
ماذا عندك يا أبا عبد الله ...
طالب: ...
هيا..
طالب: ... هذا العلو يؤثر؟
في رواية: السبق..
الحمد لله رب العالمين.