تعليق على تفسير سورة التوبة من أضواء البيان (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} [التوبة: 41] الْآيَةَ. لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ رَفْعَ هَذَا التَّشْدِيدِ بِقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] الْآيَةَ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60]. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرِّقَابِ: الْمُكَاتَبُونَ).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في قول الله -جل وعلا-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} [التوبة: 41]، هذه أمر بالنفير العام إلى الجهاد، ثم عُذر أهل الأعذار من المرضى والضعفاء والذين لا يجدون ما يُحملون عليه، ومنهم الأعرج والأعمى إلى غير ذلك ممن استثني، وجاء الاستثناء، وإلا فهذه الآية فيها قوة وشدة في النفير إلى الجهاد: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} [التوبة: 41] يعني كلكم، ففي قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة: 91] الآية كما قال المؤلف نسخ لهذا التشديد الذي في الآية وتخفيف للأمر الذي جاء فيها.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60]. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرِّقَابِ: الْمُكَاتَبُونَ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُكَاتَبِينَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرِّقَابُ أَعَمُّ مِنَ الْمُكَاتَبِينَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْتَقَ الرَّقَبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]).
طالب: .......
الكمال لله، نعم. المؤلف -رحمه الله- في أول التفسير أجمل، أخذ يفصل فيما بعد أكثر، وإلا ففي سورة الحج أكثر مما تقدم كله، أكثر من مجلدين الذي تقدم.
طالب: (صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ. وَذَكَرَ فِي "الْأَحْزَابِ" أَنَّهُ مَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ لَهُ الْعَذَابَ الْمُهِينَ، وَذَلِكَ فِي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57]).
أعوذ بالله.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} [التوبة: 64]، إِلَى قوله: {مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64]. صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْذَرُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ سُورَةً تَفْضَحُهُمْ، وَتُبَيِّنُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُهُمْ مِنَ الْخُبْثِ).
وهكذا كل من ينطوي قلبه على شيء سواء كان من النفاق أو مما دونه من المعاصي أو غيرها، لا يرغب في أن تُذكر المعصية ولو لم يُسمَّ، وتجده أحيانًا يتهم المتكلم بأنه يقصده ولو لم يذكره بشيء، من هذا الحذر وهذه الخشية، تجد الذي لديه معصية ويحضر درسًا ثم تُذكر هذه المعصية يقول: إن نظر المدرس متجه إليه، هذا موجود، ويصرحون أحيانًا، وبعضهم يأتي إلى المتكلم يقول: ستر الله علي وأنت فضحتني بين الناس، قال له: أنا ذكرتك الآن؟! من هذا الباب، من باب الحذر أن يُذكر بشيء؛ لأن في قلبه شيئًا، وفي نفسه شيئًا، ومنطوي على شيء، نعم.
طالب: (ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مُخْرِجٌ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد: 29]، إِلَى قوله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ شِدَّةَ خَوْفِهِمْ، وَهُوَ قوله: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون: 4]).
ومن شدة خوفهم على الاطلاع على ما في أنفسهم قد يذكرونه في المنام ويُعرف ذلك عنه ويُنقل عنه.
واحد ذهب إلى بلد ما، وخطب امرأة وكانت معه أخت، رحم، ذهب بها إلى العلاج وأعطاها الهدايا والصلات، أعطى أخته شريطة أن لا تعلم زوجته، وما يعلم إلا أخته هذه، لما خطب هذه المرأة. رجع إلى البلد ليأتي بالرخصة، وفي المنام أخذ يتحدث عن فلانة فلانة ما فلانة، وما أدري إيش وما... تحدث عن هذه الزوجة، لما قام من النوم إذا المرأة أخذت متاعها ووضعته عند الباب لتذهب إلى أهلها، قال: ماذا حصل؟ قالت: أنت معرس، قال بالأيمان المغلظة أنه ما حصل شيء، وخرج واتصل بأخته وقال: ألم آخذ عليك العهود والمواثيق أنك ما تعلِّمين؟ قالت: والله ما علَّمت.
يعني من شدة حرصه أخذ يهذي بها في منامه، من شدة حرصه على الكتمان هذى بها في المنام، أمسك الزوجة قال من الذي قال لك؟ قالت: أنت، أنت القائل لي بالفراش ....... تتكلم، جاء بقصتها كاملة من شدة حرصه على الكتمان، يعني من شدة حرصه على الكتمان فضح نفسه.
وهذا العادة المتبعة في أن من يحرص على شيء أنه لا بد أن يفلت على لسانه شيء من شدة الحرص.
وكان الشيخ الطنطاوي يجيب على الأسئلة في التلفزيون من سنين طويلة، مرة من المرات قال: هذه المرأة السائلة تحرج بالمحرجات كلها أن لا أذكر اسمها، وبين كل كلمتين ثلاث: أرجو وأؤكد أن لا يظهر اسمي للسامعين. لما انتهى الخطاب وكان من ورقتين أو ثلاث طويل وكررت عشرين مرة أرجو ألا تذكر اسمي، أرجو، أرجو، أرجو، لما انتهى قال: هل عرفتم اسمها؟ والله إني لا أعرفه؛ لأنها ما ذكرته، لكن من شدة الحرص، هي ما ذكرت اسمها، لكن من شدة حرصها أن لا يظهر اسمها جعلت تكرر هذا الكلام.
فدائمًا الذي يشتد حرصه على شيء لا بد أن يخرج منه شيء من شدة الحرص، وهؤلاء المنافقون يحذرون أن تُنزّل عليهم سورة؛ لأنهم في قلوبهم من الدخل والدغل- نسأل الله العافية- ما يخشون معه أن تنزل سورة تفضحهم، وهذه السورة سورة التوبة تسمى الفاضحة، فضحت المنافقين وذكرت أوصافهم كأن القارئ يراهم عيانًا.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 74]. صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مَا وَجَدُوا شَيْئًا يَنْقِمُونَهُ، أَيْ: يَعِيبُونَهُ وَيَنْتَقِدُونَهُ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ فَأَغْنَاهُمْ بِمَا فَتَحَ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعَابَ).
وهذا من أسلوب المدح بما يشبه الذم، أما وما نقم ابن جميل إلا أن أغناه الله ورسوله، ماذا ينقم ابن جميل لما منع الزكاة؟ ما عنده حجة إلا أن الله أغناه ورسوله، وقول القائل:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
هذا مدح، لكنه يسمى عيبًا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو أقوى.
طالب: (وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعَابَ أَوْ يُنْقَمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْآيَةُ كَقوله: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8]، وَقولِه: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} [الأعراف: 126]، وَقوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 40]. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: قَوْلُ نَابِغَةِ ذبْيَانَ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ.. بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
مَا نَقَمُوا مِنْ أُمَيَّةَ إِلَّا.. أَنَّهُمْ يَضْرِبُونَ إِنْ غَضِبُوا
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
فَمَا يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ فَإِنِّي.. جَبَانُ الْكَلْبِ مَهْزُولُ الْفَصِيلِ).
ما معنى جبان الكلب مهزول الفصيل؟
طالب: كلبه يخاف يا شيخ.
كلبه؟
طالب: من كثرة زواره.
نعم، من كثرة زائريه، من كثرة ضيوفه، والفصيل مهزول؟
طالب: من الحلب.
يحلب للضيوف ولا يترك له شيئًا، ولا يتركه أيضًا يشب حتى يقوى، يذبحه.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81]).
أعوذ بالله.
طالب: (ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ شِدَّةَ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقوله: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وَقوله: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج: 15، 16]، وَقوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56]، وَقوله: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 19 - 21]، وَقوله: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29] الْآيَةَ، وَقوله: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَزْنِ جَهَنَّمَ بِالْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ، فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَزْنَهُ "فَعَنَّلُ" فَالنُّونُ الْمُضَعَّفَةُ زَائِدَةٌ، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ: الْجِيمُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ، مِنْ: تَجَهَّمَ: إِذَا عَبَسَ وَجْهُهُ؛ لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بِوَجْهٍ مُتَجَهِّمٍ عَابِسٍ).
وعلى هذا فهي كلمة عربية ووزنها عربي.
طالب: (لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بِوَجْهٍ مُتَجَهِّمٍ عَابِسٍ، وَتَتَجَهَّمُ وُجُوهُهُمْ وَتَعْبَسُ فِيهَا لِمَا يُلَاقُونَ مِنْ أَلَمِ الْعَذَابِ. وَمِنْهُ قَوْلُ مُسْلِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيِّ:
شَكَوْتُ إِلَيْهَا حُبَّهَا فَتَبَسَّمَتْ.. وَلَمْ أَرَ شَمْسًا قَبْلَهَا تَتَبَسَّمُ
فَقُلْتُ لَهَا جُودِي فَأَبْدَتْ تَجَهُّمًا.. لِتَقْتُلَنِي يَا حُسْنَهَا إِذْ تَجَهَّمُ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: جَهَمَهُ: إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهٍ كَرِيهٍ مُجْتَمِعٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْفَضْفَاضِ الْجُهَنِيِّ:
وَلَا تجهمِينَا أُمَّ عَمْرٍو فَإِنَّمَا.. بِنَا دَاءُ ظَبِيٍ لَمْ تَخُنْهُ عَوَامِلُهُ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: جَهَنَّمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالْأَصْلُ "كَهِنَامُ" وَهُوَ بِلِسَانِهِمُ "النَّارُ"، فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَأَبْدَلُوا الْكَافَ جِيمًا).
فصارت جهنام، بدل كهنام جهنام، ثم عُربت لتعريبها.
طالب: على الثاني هذا .......
لا يصرفها.
طالب: .......
لكن في الأعجمية يستعمل عَلمًا أم وصفًا؟
طالب: كأنها وصف .......
وصف أم عَلم؟
طالب: .......
يعني عَلم على النار، ولو كان استعماله وصفًا في الأعجمية وعُرب؟
طالب: .......
لا لا لا، أنا أقول: العلمية والعجمة هل المراد العلمية عندهم أم عندنا؟
طالب: ظاهره كلاهما.
طالب: .......
عندك من رواة الصحيح عبد الله بن سِيَاهٍ، قالوا: هو أعجمي سياه، ولكن استعماله في الأعجمية صفة ولا يستعمل علمًا، ولذلك صُرف. فهمت؟
طالب: .......
أين؟
طالب: .......
يعني صار ثلاث علل إن كان عَلمًا، فهو ممنوع لثلاث علل.
طالب: ....... عربية ....... والتأنيث.
هذا إذا كانت عربية، لكن إذا كانت أعجمية؟
طالب: .......
لا، هو قد تُمنع الكلمة لعلتين أو ثلاث، لكن إذا كان الثلاث علل وقاوم واحدة من هذه الواحدة ما يقتضي صرفه في الكلمات الأخرى، حِمْص علمية وتأنيث وعجمة، ثلاث، قاوم واحدة من هذه العلل الثلاث كونه ثلاثيًّا ساكن الوسط مثل هند، لكن هل هذه تقاوم واحدة فيبقى ممنوعًا بالاثنتين أو تقاوم الثنتين جميعًا؟
طالب: يمنع الثنتان.
ماذا؟
طالب: أقول: يمنع لعلتين؛ لأن من موانع الصرف العلمية والتأنيث.
نعم، لكن صار ثلاثيًّا ساكن الوسط.
طالب: .......
ماذا تقول؟
طالب: أقول ....... إلا أن تخبرنا.
أنا أقول: هو مُنع لثلاث علل، هذا الأصل، الأصل فيه ثلاث علل، فيه مقاوم وهو أنه ثلاثي ساكن الوسط مثل هند فيصرف، فهل هذه العلة تقاوم واحدة ويبقى ثنتان أو تقاوم الثنتين كلهن فيصرف مثل هند ولا ندقق في الباقي؟
طالب: الله أعلم هل العلة هذه تدفع العلتين؟
على كلامهم اختلفوا ليست مسألة إجماع.
طالب: .......
تدفع الثنتين.
طالب: .......
كونه ثلاثيًّا ساكن الوسط هذا يصرف من أجله، لكن هذا فيما مُنع لعلتين، فما مُنع لثلاث مثل حمص هل العلة هذه .......
طالب: لها خبر عندك يا شيخ بالراجح من هذه؟
أنت رجِّح أنت.
طالب: ....... علتين تمنع ....... بحث جيد.
نعم.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} [التوبة: 83]، إِلَى قوله: {الْخَالِفِينَ} [التوبة: 83]، عَاقَبَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مَعَ نَبِيِّهِ، وَلَا الْقِتَالِ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّ شُؤْمَ الْمُخَالَفَةِ يُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقوله: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} [الفتح: 15]، إِلَى قوله: {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح: 15]، وَقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] الْآيَةَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَالْخَالِفُ هُوَ الَّذِي يَتَخَلَّفُ عَنِ الرِّجَالِ فِي الْغَزْوِ فَيَبْقَى مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّنْفَرَى:
وَلَا خَالِف دَارِيَّة مُتَرَبِّب يَرُوحُ وَيَغْدُو دَاهِنًا يَتَكَحَّلُ).
يقول: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ} [الفتح: 15]، وهم في الأصل متخلفون، وعُدل إلى المخلفين اسم مفعول عن اسم الفاعل؛ لأنهم بتخلفهم صاروا ليسوا بأهلاً لأن يضاف إليهم فعل، ما هم بكفء يضاف لهم فعل، متخلّفين، صاروا مخلَّفين، أشار بعض المفسرين إلى هذا.
طالب: .......
هو الخالف ....... هو مخالف .......
طالب: عندنا مخالف يا شيخ.
أم مخلَّف يعني ما هي بمخالف، مثل خالف.
طالب: لكن بيت الشنفرى يا شيخ استبدال الشاهد ....... للخالف وليس المخالف.
لكن هو الشيخ هنا يتكلم عن الآية: {ذَرْنَا نَكُنْ} [التوبة: 86]؟
طالب: مع الخالفين أيضًا.
نعم.
طالب: الآية والبيت كله يدل على أنها الخالف، وأن المخالف خطأ مطبعي.
نعم.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 86]. ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ إِذَا أَنْزَلَ سُورَةً فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ، وَالْجِهَادِ مَعَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَأْذَنَ الْأَغْنِيَاءُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَطَلَبُوا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتْرُكَهُمْ مَعَ الْقَاعِدِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوِ. وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الشَّاكِّينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَذَلِكَ فِي قوله: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 44، 45].
وَبَيَّنَ أَنَّ السَّبِيلَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ مَطْبُوعٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ، بِقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 93] الْآيَةَ.
وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ شِدَّةَ جَزَعِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ، كَقوله: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد: 20] الْآيَةَ، وَقوله: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ).
أمر طبيعي وعادي أن من لا يرجو ثواب الله لا يحب الإقدام عليه، والجهاد فيه إزهاق أرواح، فالذي لا يرجو ثواب الله كيف يقدم على أن تزهق روحه ومصيره إلى جهنم؟ يخاف من ذلك أشد الخوف، وما الذي أرخص أرواح الصحابة عليهم؟
طالب: ثقتهم بالله.
ثقة بالله وإيمانهم القوي، وأنهم يقدمون على ما هو خير مما هم فيه، أما هذا فيقدم على شر مما هو فيه، فلا بد أن يجزع.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] الآية. صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِإِحْسَانٍ، أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ مَعَهُمْ فِي رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَعْدِ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ بِإِحْسَانٍ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْخَيْرِ كَقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] الْآيَةَ، وَقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} [الحشر: 10] الْآيَةَ، وَقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 75]. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ يَسُبُّهُمْ وَيُبْغِضُهُمْ، أَنَّهُ ضَالٌّ مُخَالِفٌ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ حَيْثُ أَبْغَضَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بُغْضَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُضَادَّةٌ لَهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَتَمَرُّدٌ وَطُغْيَانٌ).
ولذا قال شيخ الإسلام في منهاج السنة أن هؤلاء الذين يسبون الصحابة ومن تبعهم بإحسان الذين يسبون الصحابة ليس لهم نصيب في الفيء؛ لأن الذي يسبهم ما يُتصور أنه يتبعهم بإحسان، كيف يتصور أن يتبعهم وهو يسبهم؟ إذن ليسوا من القسم الذين اتبعوهم بإحسان، وهؤلاء معطوفون على السابقين من المهاجرين والأنصار الذين قُرر لهم ما قُرر من الفيء، إذن الذي يسبهم ليس له نصيب من الفيء.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] الْآيَةَ. صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذَكَرَ تَعَالَى نَظِيرَ ذَلِكَ عَنْ نُوحٍ فِي قَوْلِهِ عَنْهُ: {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون} [الشعراء: 112] الْآيَةَ، وَذَكَرَ نَظِيرَهُ عَنْ شُعَيْبٍ -عَلَيْهِمْ كلُّهم).
كلِّهم.
(عليهم كُلِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ- فِي قوله: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود: 86] اهـ. وَقَدْ أَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ).
طالب: .......
نعم، يتصور أنهم رواة ويظن أنهم رواة يروون الحديث؟
طالب: .......
هم إذا حضروا القراءة قال بعضهم لبعض: ماذا قال آنفًا؟ ما يمسكون شيئًا، ما يتصور أن المنافق يحفظ حديثًا، كما أنه لا يتصور أن يحفظ آية، فهذا أمر مقطوع عليه، ولا ذكر ولا واحد من المختلف فيه.
طالب: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] الآية. لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذِهِ الْمَوْعِدَةَ الَّتِي وَعَدَهَا إِيَّاهُ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهَا فِي سُورَةِ "مَرْيَمَ" بِقوله: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]. هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْثَ هَذَا الرَّسُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْفُسِنَا الَّذِي هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُشْعِرَةِ بِغَايَةِ الْكَمَالِ، وَغَايَةِ شَفَقَتِهِ عَلَيْنَا، هُوَ أَعْظَمُ مِنَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَجْزَلُ نِعَمِهِ عَلَيْنَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164] الْآيَةَ، وَقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28]، وَقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، أَمَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُمْتَثِلٌ ذَلِكَ، فَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ -عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ-، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى هُوَ شَأْنُ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ-).
لما قيل له -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، ماذا كان رده؟ {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، غاية في التوكل والتسليم.
طالب: (كَمَا بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ عَنْ هُودٍ – عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: 54 - 56] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ جُمْلَةِ الرُّسُلِ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} [إبراهيم: 12] الآية. وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى عِظَمِ تَوَكُّلِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ.. أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبْ»).
لما تفرَّقوا عنه -عليه السلام- وثبت للمشركين أخذ يُشهر اسمه، والعادة جرت أن من يبرز لعدوه يحاول جادًّا وبقدر الإمكان أن لا يعرفه عدوه، يستخفي عنه؛ لئلا يصيبه بما يريد بأذى، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- معتمدًا على ربه، ومتوكلاً عليه: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، والله المستعان.
كم بقي من درس؟
طالب: .......
يعني بقي درسان؟
طالب: .......