تعليق على تفسير سورة هود من أضواء البيان (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود:5].
يُبَيِّنُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّ السِّرَّ كَالْعَلَانِيَةِ عِنْدَهُ، فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ وَمَا يُعْلَنُ وَمَا يُسَرُّ، وَالْآيَاتُ الْمُبَيِّنَةُ لِهَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]، وَقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235]، وَقَوْلِهِ: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف:7]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} الْآيَةَ [يونس:61]، وَلَا تَقْلِبُ وَرَقَةً مِنَ الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ إِلَّا وَجَدْتَ فِيهَا آيَةً بِهَذَا الْمَعْنَى".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عِلم الله –جلَّ وعلا- بكل شيء، بما دقَّ وما جلَّ، وما ظهر وما خفي، حتى إنه –جلَّ وعلا- يعلم السِّر وما هو أخفى من السر، ويعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
جميع الاحتمالات التي ترد على الذهن في هذا المجال جاءت بها النصوص، والآيات في هذا كثيرةٌ لا تُحصى، كما قال الشيخ –رحمه الله-: "وَلَا تَقْلِبُ وَرَقَةً مِنَ الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ إِلَّا وَجَدْتَ فِيهَا آيَةً بِهَذَا الْمَعْنَى".
ما الفائدة من معرفة مثل هذه الآيات؟ أنه إذا كان الأمر كذلك فعلى المسلم أن يُراقب الله في جميع شئونه، في صغيرها وكبيرها، وأن يعبد الله كأنه يراه، ومعلومٌ أن ما جاء به الخبر القطعي أنه يُنزّل منزلة المشاهد في القطعية، أنت لا ترى الله حتى تموت إن كنت من أهلها، لكنه يراك {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:219]، {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:218]، ويراك في جميع أحوالك وتصرفاتك، الله يعلم خائنة الأعين.
بعض الناس يحاول أن يستخفي بعمله أو بفعله أو بلحظاته أو نظراته أو خطرات قلبه يستخفي بذلك عن الله –جلَّ وعلا-، وأنى له ذلك مع هذه النصوص التي ذكرها المؤلف –رحمه الله- وغيره من النصوص؟
"تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَاعِظًا أَكْبَرَ، وَلَا زَاجِرًا أَعْظَمَ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ، مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَعْمَلُهُ خَلْقُهُ، رَقِيبٌ عَلَيْهِمْ، لَيْسَ بِغَائِبٍ عَمَّا يَفْعَلُونَ، وَضَرَبَ الْعُلَمَاءُ لِهَذَا الْوَاعِظِ الْأَكْبَرِ، وَالزَّاجِرِ الْأَعْظَمِ مَثَلًا لِيَصِيرَ بِهِ كَالْمَحْسُوسِ، فَقَالُوا: لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ مَلِكًا قَتَّالًا لِلرِّجَالِ، سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ، شَدِيدَ الْبَطْشِ وَالنَّكَالِ عَلَى مَنِ انْتَهَكَ حُرْمَتَهُ ظُلْمًا، وَسَيَّافُهُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَالنَّطْعُ مَبْسُوطٌ لِلْقَتْلِ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ دَمًا، وَحَوْلَ هَذَا الْمَلِكِ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ جَوَارِيهِ وَأَزْوَاجُهُ وَبَنَاتُهُ، فَهَلْ تَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْحَاضِرِينَ يَهِمُّ".
طالب: يهِم أو يهتم؟
الأصل يهِم من الهَم "يهِم بريبةٍ، يهتم.
"فَهَلْ تَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْحَاضِرِينَ يَهِمُّ بِرِيبَةٍ أَوْ بِحَرَامٍ يَنَالُهُ مِنْ بَنَاتِ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَأَزْوَاجِهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ عَالِمٌ بِأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ؟! لَا، وَكَلَّا! بَلْ جَمِيعُ الْحَاضِرِينَ يَكُونُونَ خَائِفِينَ، وَجِلَةً قُلُوبُهُمْ، خَاشِعَةً عُيُونُهُمْ، سَاكِنَةً جَوَارِحُهُمْ خَوْفًا مِنْ بَطْشِ ذَلِكَ الْمَلِكِ.
وَلَا شَكَّ -وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى- أَنَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ -جَلَّ وَعَلَا- أَشَدُّ عِلْمًا، وَأَعْظَمُ مُرَاقَبَةً، وَأَشَدُّ بَطْشًا، وَأَعْظَمُ نَكَالًا وَعُقُوبَةً مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ، وَحِمَاهُ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، فَإِذَا لَاحَظَ الْإِنْسَانُ الضَّعِيفُ أَنَّ رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَيْسَ بِغَائِبٍ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يَقُولُ وَمَا يَفْعَلُ وَمَا يَنْوِي؛ لَانَ قَلْبُهُ، وَخَشِيَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَحْسَنَ عَمَلَهُ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا".
المسألة مفترضة في ملكٍ يرى أن هذه الأمور من العظائم، وأنه يراها خادشة وقادحة في مُلكه وهيبته، أما من يرى هذه الأمور بحسب تشريعاتهم وبحسب قوانينهم الوضعية أنها أمور لا شيء فيها، فقد يحصل ما يحصل، ويُفعَل بنسائه في بيته، وقد يكون على فراشه.
الكلام على من يرى هذه الأمور من عظائم الأمور ممن يتديَّن بدين الإسلام مع أن هذا يتنافى مع الظلم، لكن قد تُوجد هذه الغيرة على المحارم من غير مسلم كما هو شأن العرب في الجاهلية، ومن تُوجد فيهم الغيرة والحمية على نسائهم؛ لأن بعض –مع الأسف الشديد- الذين يعملون بالقوانين، هذه القوانين كثيرٌ منها يُشرِّع هذه الأمور ويُبيحها لاسيما إذا كانت برضا، والله المستعان.
طالب: ............
على فترة ما يتوقع أنها مستمرة
"وَمِنْ أَسْرَارِ هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْكُبْرَى أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صَرَّحَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَ الْخَلْقَ مِنْ أَجْلِهَا هِيَ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَلَمْ يَقُلْ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ عَمَلًا، فَالِابْتِلَاءُ فِي إِحْسَانِ الْعَمَلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} الْآيَةَ [هود:7].
وَقَالَ فِي الْمُلْكِ: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2]"
مع أن الإكثار مما يُرضي الله –جلَّ وعلا- من الأعمال مطلوب، ورُتِّبَت عليه الأجور العظيمة، في أنواع العبادات، قالوا: إذًا نُكثِر، قال: «اللهُ أَكْثَرُ»، ولا ينهى في هذا إحسان العمل؛ ليكون هذا مع إحسان العمل، الإكثار من الأعمال الصالحة الحسنة، ومعناه أنه إذا أكثر أخل بالعمل وحُسن العمل.
نعم قد يُفهَم من بعض التصرفات في كلام بعض أهل العلم في المفاضلة مثلًا بين قراءة كثرة الحروف أو التدبر مثلًا يُوجد هذا في كلام لأهل العلم، هل معنى هذا أن الذي يُفضِّل كثرة الحروف؛ تحصيلًا لثواب من قرأ بحرفٍ كان له عشر حسنات، وله بكل حرف وهكذا... إلى آخره، هل معناه أنه مع الإخلال بالعمل وجودته؟ الأصل لا، لكن هذا له أجره، وهذا له أجره، فإن انضم الأمران فنورٌ على نور.
لئلا يسمع هذا الكلام من يرى أن كثرة العمل ليس لها قيمة، الصلاة خير مستكثرٍ منه، والقرآن بكل حرفٍ عشر حسنات.
طالب: بكثرة السجود.
«أعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ»، والنصوص في هذا كثيرة، لكن المعوَّل عليه أولًا وآخرًا هو الإحسان.
"وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا هِيَ أَنْ يُبْتَلَى -أَيْ يُخْتَبَرَ بِإِحْسَانِ الْعَمَلِ- فَإِنَّهُ يَهْتَمُّ كُلَّ الِاهْتِمَامِ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ لِنَجَاحِهِ فِي هَذَا الِاخْتِبَارِ، وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ الْكُبْرَى سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذَا لِيُعَلِّمَهُ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي خُلِقَ الْخَلْقُ لِأَجْلِ الِاخْتِبَارِ فِيهِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى ذَلِكَ هِيَ هَذَا الْوَاعِظُ، وَالزَّاجِرُ الْأَكْبَرُ الَّذِي هُوَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَفْعَلُ خَلْقُهُ، فَقَالَ لَهُ: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود:5]، وقوله: {يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود:5] وَفِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {مِنْهُ} [هود:5] فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود:5] يَزْوَرُّونَ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْءِ اسْتَقْبَلَهُ بِصَدْرِهِ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْهُ وَانْحَرَفَ ثَنَى صَدْرَهُ، وَطَوَى عَنْهُ كَشْحَهُ. بِهَذَا فَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَهُمْ يُعَبِّرُونَ بِاعْوِجَاجِ الصَّدْرِ عَنِ الْعُدُولِ عَنِ الشَّيْءِ وَالْمَيْلِ عَنْهُ، وَيُعَبِّرُونَ بِإِقَامَةِ الصَّدْرِ عَنِ الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ وَعَدَمِ الْمَيْلِ عَنْهُ.
فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ غَيْلَانَ بْنِ عُقْبَةَ الْعَدَوِيِّ عَدِيِّ الرَّبَابِ:
خَلِيلَيَّ عُوجَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا |
|
عَلَى دَارِ مَيٍّ مِنْ صُدُورِ الرَّكَائِبِ |
تَكُنْ عَوْجَةً يَجْزِيكُمَا اللَّهُ عِنْدَهُ |
|
بِهَا الْأَجْرَ أَوْ تُقْضَى ذِمَامَةُ صَاحِبِ |
مي ما حركتها؟
طالب: مجرورة.
هي إعرابها مجرورة.
طالب: مضاف إليه.
مضاف إليه، لكن مصروفة أو غير مصروفة؟
طالب: عَلم مؤنث.
نعم عَلم مؤنث إن كان عربيًّا بعد.
طالب: ...........
ماذا يكون؟
طالب: مصروف؟
لكن ماذا يصير؟
طالب: ...........
ممنوع من الصرف؟
ألَا يا اِسلَمِي يا دارَ مَيَّ......... |
|
............................................ |
طالب: ...........
لكن الممنوع من الصرف إذا صار هو مضافًا يُصرَف، ثم صار مضافًا إليه ما يؤثر.
ما مر عليك البيت
ألَا يا اِسلَمِي .................. |
|
............................................ |
كمِّل.
طالب: ..........
ألَا يا اِسلَمِي يا دارَ مَيٍّ عَلى البِلَى |
|
وَلا زالَ مُنهَلا بِجَرعائِكِ القَطرُ |
ما مر عليك الشواهد؟
طالب: ..........
نعم غير مصروف.
طالب: ..........
تزداد نعمة الله عليك.
طالب: ..........
لكن أظنك جئت بعد التصرُّف في شرح ابن عقيل، أو ما درست في المعهد؟
طالب: ..........
الله يخلف عليك.
"يَعْنِي: اثْنِيَا صُدُورَ الرَّكَائِبِ إِلَى دَارِ مَيٍّ.
وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُ الشَّنْفَرَى:
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ |
|
فَإِنِّي إِلَى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمِيلُ |
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
أَقُولُ لِأُمِّ زِنْبَاعٍ أَقِيمِي |
|
صُدُورَ الْعَيْشِ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ |
وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي الْأَخْنَسِ".
طالب: ما أدري، لكن كأنه مرَّ عليّ صدور العيس.
ماذا؟
طالب: عندنا العيش.
طالب: في الطبعة التي عندنا العيش.
صدور العيس معروفة: الإبل.
طالب: عندنا العيش، قرأ الشيخ العيش.
ماذا عندك في الطبعة؟
طالب: ..........
لا لا عيس، صدور العيس.
طالب: ..........
لا لا ما طبعتها المصرية، طبعها المدني في مصر، وأما دار الكُتب المصرية فما طبعتها، طبعت القرطبي.
"وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، كَانَ حُلْوَ الْمَنْطِقِ، يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يُحِبُّ وَيَنْطَوِي لَهُ بِقَلْبِهِ عَلَى مَا يَسُوءُ".
طالب: ..........
شريق نعم.
"وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، كَانَ إِذَا مَرَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَنَى صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ، وَطَوْطَأَ رَأْسَهُ وَغَطَّى وَجْهَهُ؛ لِكَيْلَا يَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَدْعُوَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، حُكِيَ مَعْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُجَامِعُوا أَوْ يَتَغَوَّطُوا وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ حِجَابٌ، يَسْتَحْيُونَ مِنَ اللَّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى {يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود:5]، يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ لِأَجْلِ كَرَاهَتِهِمُ اسْتِمَاعَ كَلَامِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: وَإِنِّي {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} الْآيَةَ [نوح:7]".
ما تشتمل عليه الآية من معانٍ متعارضة، وهل سياقها يدل على مدح أو على ذم؟ هؤلاء الذين يغطون رؤوسهم وعوراتهم عند كشفها يَرد فعلهم مع هذا السياق؟
طالب: هو السياق ما يُفيد، لكن البخاري ما أخرج إلا هذا الأثر؟
على كل حال إذا كان السياق يُساعد فلا مانع من إرادته، وإن كان السياق يأبى فهو بعيد، وأما من حيث الجملة فالمعاني كلها يمكن أن تدخل.
طالب: ..........
نعم.
طالب: ما أشاروا لقول البخاري، وما أشاروا لقولة تثنوني، البخاري ذكر تثنوني
طالب: ..........
كل الكلام في البخاري؟
طالب: لا، وقال ابن عباس هذا الذي ذكره البخاري.
طالب: البخاري ذكر قول ابن عباس في كلام طويل.
طالب: تثنوني تجيء.
طالب: ..........
نعم.
"وَقِيلَ: كَانُوا إِذَا عَمِلُوا سُوءًا ثَنَوْا صُدُورَهُمْ وَغَطَّوْا رُءُوسَهُمْ، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَخْفَوْا بِهِ عَمَلَهُمْ عَلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} الْآيَةَ [هود:5].
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ: (أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ) [هود:5]، وَتَثْنَوْنِي مُضَارِعُ اثْنَوْنَى، وَوَزْنُهُ افْعَوْعَلَ مِنَ الثَّنْيِ كَمَا تَقُولُ: احْلَوْلَى مِنَ الْحَلَاوَةِ، وَصُدُورُهُمْ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ: تَثْنَوْنِي، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْهُ} [هود:5] عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا مَرَّ فِي الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ".
طالب: ما رجح يا شيخ.
احتمال المعاني في الآية واردة، وهذا الفعل يحتمل أن يكون على سبيل المدح، وأن يكون على سبيل الذمّ، لكن ظاهر السياق الذم، فالذي يغطي رأسه وعورته أو وجهه؛ لئلا يراه الله –جلَّ وعلا- على حالةٍ لا يرتضيها هذا استغشى ثيابه، وهو في هذه الحالة يُمدَح أم يُذَم؟
طالب: يُمدَح.
يُمدَح، لكن عمومًا السياق سياق ذم.
طالب: ..........
لا.
طالب: إذا جعلناه مدحًا يكون هذا ابتداءً جديدًا؟
نعم خلاص انقطع عن السياق.
طالب: الكلام الذي منذ قليل في القول المأثور عن أن أبا بكر لم يسبقهم بكثير صيامٍ ولا صلاة، هذا كأنه يُنزِل من قدر أبي بكر، ولا يرفع منه.
لا، هو جارٍ في سياق صنيع أبي بكر؛ لأن أبا بكر لم يُكثِر من هذه الأمور بالنص، وإنما أحسن هذه الأمور وأتقنها.
طالب: لما تقرأ سيرة أبي بكر تجده مُكثِرًا جدًّا.
(هو لم يسبقكم) هذا نص قاطع؛ لأنه يُوجد من هو أكثر منه في العمل.
طالب: وجه القطعية؟
أين؟
طالب: (لم يسبقهم) قلت: هذا النص قاطع.
كلام النبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «لم يسبقهم».
طالب: ليس بكلام النبي.
نعم؟
طالب: كلام بكر المزني.
بكر بن عبد الله.
طالب: ..........
نعم استنباط.
طالب: حتى إن بعضهم عارضه بكثير من الأحاديث، ومنها أنه تصدق بماله كله..
كونه تُوجد نماذج لا يعني أن هذا ديدنه، الآن في التابعين من هو أكثر عملًا من الصحابة، هذا شيء معروف، ومن التابعين من انقطع إلى العبادة بالكلية، ولم يفعل ذلك كثيرٌ من الصحابة.
طالب: ..........
معروف..
طالب: ..........
ما عندنا إشكال، لكن...
طالب: ..........
طالب: هل هي صحيحة؟
هذا الإشكال.
ما هي؟
طالب: الإشكال أنه..........
طالب: ..........
{وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:21]، ولا عندنا إشكال في فضل أبي بكر، وأنه أفضل الأمة بعد نبيها، لكن الكلام على أنه قد يصوم الإنسان يومًا، ويقر في قلبه من هذا الصيام وينتفع بهذا الصيام أكثر ممن صام شهرًا، فالمعوَّل على ما ينتفع به القلب.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7] صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِحِكْمَةِ ابْتِلَاءِ الْخَلْقِ، وَلَمْ يَخْلُقْهُمَا عَبَثًا وَلَا بَاطِلًا، وَنَزَّهَ نَفْسَهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَهَدَّدَهُمْ بِالنَّارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]، وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115-116]، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} الْآيَةَ [هود:8] الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ هُنَا: الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَنِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} الآية [يوسف:45] أَيْ: تَذَكَّرَ بَعْدَ مُدَّةٍ.
تَنْبِيهٌ: اسْتُعْمِلَ لَفْظُ (الْأُمَّةِ) فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةَ اسْتِعْمَالَاتٍ:
الْأَوَّلُ: هُوَ مَا ذَكَرْنَا هُنَا مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأُمَّةِ فِي الْبُرْهَةِ مِنَ الزَّمَنِ.
الثَّانِي: اسْتِعْمَالُهَا فِي الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْغَالِبُ، كَقَوْلِهِ: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} الْآيَةَ [القصص:23]، وَقَوْلِهِ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} الْآيَةَ [يونس:47]، وَقَوْلِهِ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً} [البقرة:213] الْآيَةَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
الثَّالِثُ: اسْتِعْمَالُ (الْأُمَّةِ) فِي الرَّجُلِ الْمُقْتَدَى بِهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} الآية [النحل:120]".
الرجل المقتدى به يُنزَّل منزلة الأمة إذا كان فيه من الأوصاف والمزايا ما لا يُوجد في فرد، إنما يُوجد في أمة، فمن هذه الحيثية نُزِّل منزلة الأمة.
طالب: ........... فيمن أطلق عليهم من الرواة أنه كان أمة، من بعد الصحابة..
الله يقويك.
"الرَّابِعُ: اسْتِعْمَالُ (الْأُمَّةِ) فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الْآيَةَ [الزخرف:22]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} الْآيَةَ [الأنبياء:92]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يُرِيدُ بِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أَعْطَاهُ جَزَاءَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّورَى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يُبَيِّنُ فِي (سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ) تَعْلِيقَ ذَلِكَ عَلَى مَشِيئَتِهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الآية [الإسراء:18]".
يعني ليس الجزاء في الدنيا حتمًا إنما هو معلَّقٌ بالمشيئة.
طالب: ...........
لا، قد يكون جُزي بأشياء غير ظاهرة، فيظن أنه لم يُجازَ، وقد يُظَن أنه لم يُجازَ وفي حقيقته وصله من نِعم الله –جلَّ وعلا- ونِعمه كثيرة التي وصلت إلى كل أحد، فهذه المشيئة على حسب ظهور هذه النعمة أو عدم ظهورها.
"وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَايَةَ الْإِيضَاحِ فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَلِذَلِكَ اخْتَصَرْنَاهَا هُنَا".
خُذ دفع الإيهام.
قال –رحمه الله- في (دفع إيهام الاضطراب): "قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْكَافِرَ يُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ كَالصَّدَقَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَقِرَى الضَّيْفِ، وَالتَّنْفِيسِ عَنِ الْمَكْرُوبِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} يَعْنِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا؛ ثُمَّ نَصَّ عَلَى بُطْلَانِهَا فِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} الْآيَةَ [هود:16]، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا} الآية [الشورى:20]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية [الأحقاف:20].
وَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَقَوْلُهُ: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:39] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمَاضِيَةِ فِي سُورَةِ (الْأَنْفَالِ) وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْكَافِرَ يُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهُ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ عَمَلِ الْكَافِرِ وَاضْمِحْلَالِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِبُطْلَانِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْآخِرَةِ فِي كُفْرِ الرِّدَّةِ وَفِي غَيْرِهِ.
أَمَّا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى بُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَكَقَوْلِهِ: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:18]، وكقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ} الآية [النور:39]، وقوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].
وَأَمَّا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى بُطْلَانِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْآخِرَةِ فَكَقَوْلِهِ فِي كُفْرِ الْمُرْتَدِّ: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة:217]، وَكَقَوْلِهِ فِي كُفْرِ غَيْرِ الْمُرْتَدِّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران:21] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:22].
وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ لِلْإِكْرَامِ بَلْ لِلِاسْتِدْرَاجِ وَالْإِهْلَاكِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182-183]، وكقوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران:178]، وكقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]، وقوله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55-56]، وقوله: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم:75]، وقوله: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف:33] إلى قوله: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:35] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: وَيَظْهَرُ لِي صَوَابُهُ لِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، أَنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يُثِيبُهُ اللَّهُ بِعَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ وَصَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُثِيبُهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِيهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي عَيْشٍ رَغْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي بُؤْسٍ وَضِيقٍ.
وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى أَشَارَ إِلَيْهِ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمَشِيئَةِ فِي قَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18] فَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود:15]، وَعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا} [الشورى:20].
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لَهُمَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحِ الْبَارِي) فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ: (بَابُ الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ).
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:15] الْآيَتَيْنِ".
ولا يُجزَم بأن هذا لم يُعطَ شيء أو يُكافأ بشيءٍ في مقابل ما عمله من أعمال الخير؛ لأن أنواع الخيور تتعدد، أنواع الخيرات متعددة، فقد يكون وصله أشياء أو حُبِس عنه أشياء لو وصلت إليه تضرر بها، ولكن لكونه فعل هذا من أعمال الخير جُزي بذلك، لكن الخير المحض الذي يُرى هو الذي يُمكن أن يُقال فيه مثل هذا الكلام.
هناك أعمال يُجازى بها المسلم قد لا تكون تُرى، ويُدركها الإنسان من نفسه وقد لا يُدركها، لكن فضل الله واسع وأنواعه ومجالاته رحبةٌ واسعة جدًّا، والله المستعان.
طالب: العطاء الذي يكون في الدنيا يصدق عليه مسمى المجازاة؟
هو المقصود.
طالب: أقصد الآن الشيخ قرر أن النصوص دلت على أن عمله باطل، ومردود، وغير مقبول، وغير صالح... إلى آخره؟
لكن من باب المكافأة؛ لئلا يقع في دائرة الظلم أو يكون له نوع حُجة أو كشيءٍ من هذا، لرفع مثل هذا.
طالب: ............
صالح في نظره وفي نظر الناس، في نيته في هذا العمل، لكن هل هو مقبول أو مردود؟ مردود معروفة.
طالب: يعني تُحمَل نصوص البطلان على الجزاء الأخروي فقط؟
نعم.
طالب: تعتبر هذه من قبيل...
المجازاة في الدنيا.
"وَيَدُلَّ لِهَذَا التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.
الثَّانِي: وَهُوَ وَجِيهٌ أَيْضًا، أَنَّ الْكَافِرَ يُثَابُ عَنْ عَمَلِهِ بِالصِّحَّةِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَالْأَوْلَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود:15] يَعْنِي الدُّنْيَا، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] وَبِظَاهِرِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَا.
فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَعَلَى هَذَا فَبُطْلَانُ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا شَرْعًا فِي عِصْمَةِ دَمٍ وَلَا مِيرَاثٍ وَلَا نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَلَا تَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]".
هذا دليل على أن الأعمال غير الصالحة سواءً كانت في هيئتها أو في مقاصدها فيما يُبطلها؛ لأن مدار العمل على أمرين: الإخلاص والمتابعة.
فإذا لم يُوجد الإخلاص بطل العمل، وإذا لم تُوجد المتابعة كذلك {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7] قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه.
فإذا كان خالصًا لله –جلَّ وعلا- ولم يكن صوابًا لم يُقبَل، والعكس إذا كان صوابًا وإلا فهو في الغالب ليس صوابًا، لكن قد تكون صورته صورة الصواب؛ لأن من شرط المتابعة الإخلاص، ولذلك قال بعضهم: يجتمع الشرطان في واحد، لكن التفصيل وذِكر الشرطين أوضح للناس وأيسر لفهمهم.
"وَلَا تُدَّخَرُ لَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ وَلَا تَكُونُ فِي كِتَابِ الْأَبْرَارِ فِي عِلِّيِّينَ، وَكَفَى بِهَذَا بُطْلَانًا.
أَمَّا مُطْلَقُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ بِهَا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ كَلَا شَيْءٍ، فَلَا يُنَافِي بُطْلَانَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ} [آل عمران:185]، وقوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64]، وقوله: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف:33] إلى قوله: {لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:35] وَالْآيَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ» ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف:33] الْآيَة.
ثُمَّ قَالَ: أَسْنَدَهُ الْبَغَوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ مَنْظُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ عَدَلَتِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَيْئًا».
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ أَنَّ كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ ضَعِيفَةٌ إِلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتَضِدُ بِالْأُخْرَى فَيَصْلُحُ الْمَجْمُوعُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الطُّرُقَ الضَّعِيفَةَ الْمُعْتَبَرَ بِهَا يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ.
لَا تُخَاصِمْ بِوَاحِدٍ أَهْلَ بَيْتٍ |
|
فَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا |
طالب: ............
ماذا؟
طالب: زكريا بن مندور أليس معترضًا به؟
ما كل اعتراضٍ ينفع، لا بُد أن يكون الضعف غير شديد، أما إذا كان الضعف شديدًا؛ فوجوده مثل عدمه، الحديث الذي يعتضد للاحتجاج ما يصل إلى مرتبة الحسن الذي هو محل الاحتجاج، وأما لو كثرت الطرق وهي ضعيفةٌ، وضعفها فيه نوع شدة فإنها لا تنفع ولو كثرت؛ فوجودها مثل عدمها.
"فَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا" وهذا جاء به الشيخ –رحمه الله- وجيء به أيضًا من قِبل شخصٍ عامي سمع ابنه يقول ساق حديثًا، وقال: إنه ضعيف، قال: إياك أن تحقر أحدًا كم من ضعيف نفع الله به.
الأساليب الدارجة ما تُنزَّل على قواعد الحديث "ضعيفان" يعني متصور أن المسألة فيها حديثان أقل درجة من واحد، وعند التعارض والترجيح يُرجَّحان عليه إذا كانت القواعد تُساعد على هذا الترجيح، وإلا فقد يُرجَّح واحد على عشرة أحاديث؛ لقطعية ثبوته، وقطعية دلالته، بخلاف الأحاديث التي تُورَد من أجل أن يشهد بعضها لبعض وتكون بمنزلة الحديث الواحد.
"لِأَنَّ زَكَرِيَّا بْنَ مَنْظُورِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْقُرَظِيَّ وَزَمَعَةَ بْنَ صَالِحٍ الْجَنَدِيَّ كِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ زَمْعَةَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ لَا مُسْتَقِلًّا بِالرِّوَايَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ".
جُندي أم جَندي؟
طالب: ما أدري.
فيه جَندي من أجناد اليمن، لكن هذا منهم أم لا؟
انظر يا أبا عبد الله.
طالب: ... الجَندي.
طالب: قال في التقريب: زمعة بن صالح بسكون الميم، الجَندي بفتح الجيم...
هذا الذي أعني.
طالب: ...........
هذا قصور في التخريج ابن حجر... ابن كثير.. ابن كثير.
طالب: ...........
ما هو ابن كثير الذي قال عن البغوي؟
طالب: ابن كثير نعم عزا للبغوي والطبراني.
طالب: ذكره ابن كثير، ثم قال: أسنده البغوي.
طالب: وأخرجه الطبراني.
طالب: ورواه الطبراني.
"الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} [هود:15] أَيْ نُعْطِيهِمُ الْغَرَضَ الَّذِي عَمِلُوا مِنْ أَجْلِهِ فِي الدُّنْيَا، كَالَّذِي قَاتَلَ لِيُقَالَ: جَرِيءٌ، وَالَّذِي قَرَأَ لِيُقَالَ: قَارِئٌ، وَالَّذِي تَصَدَّقَ لِيُقَالَ: جَوَّادٌ، فَقَدْ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِتَوْفِيَتِهِمْ أَعْمَالَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَيَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الْمُجَاهِدِ وَالْقَارِئِ وَالْمُتَصَدِّقِ أَنَّهُ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: إِنَّمَا عَمِلْتَ لِيُقَالَ، فَقَدْ قِيلَ".
هؤلاء هم الثلاثة الذين هم أول من تُسعَّر بهم النار، نسأل الله العافية.
"أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِصِحَّةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود:15] وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِهَذِهِ الْآيَةِ بِمَا يَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلْجِهَادِ لَا يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْغَنَائِمَ فَإِنَّهُمْ يُقْسَمُ لَهُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ جِهَادِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقَسْمُ لَهُمْ مِنْهَا هُوَ تَوْفِيَتُهُمْ أَعْمَالَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى".