تعليق على تفسير سورة آل عمران (23)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرَّ بنا في المجلس الماضي كلمتان أشكلتا:
إحداهما: قوله: "قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: زَعَمَ الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ}[آل عمران:113] قَالَ: لَا يَسْتَوِي أَهْلُ الْكِتَابِ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-".
يقول الكاتب: قلت: الظاهر أن ما وقع هكذا في نُسخ ابن كثير هو الصواب؛ لأن البخاري وأبا حاتمٍ الرازي ترجما للحسن بن يزيد العجلي، وذكرا أنه يروي عن ابن مسعود، ويروي عنه ابن أبي نجيح، بل ساق الخبر هذا الأثر بعينه في (التاريخ الكبير) و(الجرح والتعديل).
ثانيًا: ورد في كتاب ابن كثير "وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزَّانِ، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ..." إلى آخره.
قلت: لعل الصواب حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أيوب بن محمد الوزان بإسقاط أبو، وتقديم ابن على محمد، والدليل أن ابن أبي حاتم ترجم له في الجرح والتعديل، فقال: أيوب بن محمد الرَّقي الوزَّان، وهو ابن محمد بن زياد بن فروخ مولى ابن عباس، روى عن ابن إسحاق، روى عنه أبي.
يعني أبا حاتم وهذا نفس الإشكال.
يقول: مرَّ في آخر الحديث الماضي أثرٌ رواه ابن أبي حاتم.
ما أراه.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول: مرَّ في آخر الحديث الماضي أثرٌ رواه ابن أبي حاتم وقع في سنده في طبعة الشعب، وأولاد الشيخ، وطيبة "أبو أيوب محمد بن الوزَّان" وفي طبعة ابن الجوزي الأولى "أيوب محمد بن الوزان" كذا، وفي طبعة المكتبة الإسلامية "أيوب بن محمد الوزَّان" وهذا الأخير هو الموافق لتفسير ابن أبي حاتم طبعة مكتبة الباز، ومكتبة دار ابن الجوزي، وكما في كُتب التراجم، وهو أيوب بن محمدٍ الوزان الرِّقي أبو محمد، ويُقال: أبو سليمان شيخ أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، روى عنه عيسى بن يوسف، وروى عنه أبو حاتمٍ الرازي، ووقع أيضًا في السند نفسه في الطبعات المذكورة ابن أبي الدهقانة إلا أنها صُحِّحَت في طبعة ابن الجوزي إلى أبي الدّهقانة؛ لتوافق ما في تفسير ابن أبي حاتم، وهي كذلك في المصادر الأخرى التي ورد فيها هذا الأثر، ومنها مصنف ابن أبي شيبة، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلَّال، وتاريخ الطبري.
ووردت كُنيته في الثقات لابن حبان أبو دهقان، وفي التاريخ الكبير والجرح والتعديل لابن أبي حاتم أبو الدهقان، زاد في التاريخ الكبير وقال بعضهم: أبو الدهقانة، وليس له روايةٌ في الكُتب الستة.
انتهى؟
طالب: ............
التصحيف في أسماء الرجال كثير، والمعوَّل في تصحيحها على كُتب الرجال بعد تصحيحها؛ لأنها قد تُوجد في كُتب الرجال في طبعاتٍ لم يُعتنَ بها، أو لم يُوجد لها نُسخ في وقت طباعتها، فتُطبع هذه الكُتب؛ لأن تصحيح الرجال توقيفي، ولا يُستدل عليه بما قبله وما بعده، إنما يُؤخذ من الكُتب المُصحَّحة المتلاقَّاة بالسند عن الأئمة.
والكُتب الكبيرة مثل: التاريخ الكبير، والجرح والتعديل، وبقية كُتب الرجال هذه طُبِعَت قديمًا في الهند، وفيها نوع عناية ومقابلة من الشيخ/ المعلمي -رحمه الله- ومع ذلك لم تسلم، فأُعيدت طباعتها على نُسخ وُجِدَت، وإن كنا لا نضمن أن هذه النُّسخ أصح من السابقة، لكن بالمقابلات القديمة مع الحديثة مع ما جاء في الأسانيد في الكُتب الصحيحة المسندة المتلقاة عن الأئمة يظهر الصواب.
والخطأ والوهم موجود حتى في عصر الرواية، الإمام مالك سمَّى ابن عثمانَ عمرَ، والأئمة كلهم على أنه عمرو، ومالك إذا مر على بابه يقول: هذا باب عمر، مُصِرٌّ -رحمه الله- ماذا يقول؟
........................................ |
|
وَمَالِكٌ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ
|
وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِ |
|
أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ
|
إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ |
|
فهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ
|
إلى أن قال:
........................................ |
|
وَمَالِكٌ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ
|
يقول: هذا من نوع المنكر، تسمية ابن عثمان منكر؛ لأنه خالف الأئمة.
يقول العراقي:
قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ نَزْعِهْ |
|
خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ
|
يعني هذا المنكر وليس بغلطٍ براوٍ ولا...
والمثال الثاني في المتن الذي أورده العراقي:
نحو: َكُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ الخَبَرْ |
|
وَمَالِكٌ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ
|
في حديث أبي ذُكير يقول: «كُلُوا البلحَ بالتمرِ، فإنَّه إذا أكلَه ابنُ آدمَ غضبَ الشيطانَ، وقال: عاش ابنُ آدمَ حتى أكلَ الجديدَ بالخَلِقِ» مع أن إطلاق النكارة عليه فيه نظر، مثل تسمية الإمام مالك لابن عثمان عمر، لقول ذلك استنكر الحافظ العراقي (قُلْتُ: فَمَاذَا؟) ما الذي يصير؟
نعم يا شيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: "وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزَّانِ".
ما الذي استقر عليه الأمر في التصحيح عند الكاتب؟
طالب: أيوب بن محمد.
أيوب بن محمد، "قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبَ بن مُحَمَّدُ الْوَزَّانِ" بإسقاط أبو.
"قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنْبَاعِ، عَنِ أَبِي الدِّهْقَانَةِ".
وهذا عليه كلام، أبي الدهقانة، ماذا قال عندك؟
طالب: الدهقان.
صوابه؟
طالب: الدهقان.
طالب: .........
يعني كلاهما....
طالب: .........
كمِّل يا شيخ.
"قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنْ هَاهُنَا غُلَامًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ حَافِظٌ كَاتِبٌ، فَلَوِ اتَّخَذْتَهُ كَاتِبًا، فَقَالَ: قَدِ اتَّخَذْتُ إِذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. فَفِي هَذَا الأثر مع هذه الآية دليلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ الَّتِي فِيهَا اسْتِطَالَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ واطلاعٌ على دواخل أمورهم الَّتِي يُخْشَى أَنْ يُفْشُوهَا إِلَى الْأَعْدَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118].
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْرَائِيلَ، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قال: حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: كَانُوا يَأْتُونَ أَنَسًا فَإِذَا حَدَّثَهُمْ بِحَدِيثٍ لَا يَدْرُونَ مَا هُوَ، أَتَوُا الْحَسَنَ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ، فَيُفَسِّرُهُ لَهُمْ، قَالَ: فَحَدَّثَ ذَاتَ يَوْمٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
لأن الحسن لازم أنسًا، والملازمة تُعطي الملازم من فَهم كلام المتكلم ومقاصده ما لا يفهم هذه المقاصد من رآه قليلًا أو من لم يلازمه الملازمة التامة؛ ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- أعرف الناس بأحواله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وبمقاصد كلامه؛ لأنهم لازموه.
والعلماء يقولون أو يضربون المثل بفهم الصحابة لمقاصد الأفعال والكلام النبوي، يقولون: لو أن شخصًا خدم شخصًا سنين عديدة، ألا يعرف ما يُحبه هذا الرجل وما يبغضه وما يكرهه، وما يحبه من الأكل ومن الشُّرب؟ تولَّد لديه ملكة يعرف بها كل ما يحتاجه هذا الشخص؛ لأنه لازمة ملازمة طويلة، أما من خدم مدة يسيرة...؛ ولذلك تجدون أعرف الناس بكلام العالم الأكثر ملازمة، الذي يعرف المداخل والمخارج، ومقاصد الكلام، ومن حضر مدةً يسيرة هذا ما يُدرِك إلا بقدر ما حضر.
طالب: .........
الملازمة عند المتقدمين عندهم لها شأنٌ عظيم.
طالب: .........
شيوخنا المعاصرون كثير ممن يأتون إلى الشيخ/ ابن باز -رحمة الله عليه-، مع أن كلامه واضح جدًّا، لكن بعضهم ما يفهم؛ لأنه ما لازم، ولا يدري كيفية مخارج الحروف، ولا طريقة الشيخ في أداء الجُمل، ما يفهمونه، لكن الذين يعرفونه فبالشم مثل ما يقول أهل العلم: إن الأئمة يعرفون الحديث بالشم، والله المستعان.
طالب: ..........
... عن الحديث؟ هو بوجوده أو بعد موته؟
طالب: ..........
نعم، هيبة هيبة، وهذا الشيء مُجرَّب، والطلاب في مجالس الحديث يفوت عليهم شيء من كلام الشيخ المُحدِّث، فلا يستثبتونه منه، يأخذونه ممن بجانبه ممن لازم هذا الشيخ -هيبة-، والشيخ إذا أراد أن يُجيب على كل سؤال من أسئلة الطلاب واستشكال هذا غاب عليه كلمة، وهذا ما سمع هذه الكلمة، ضاع الدرس، هذا موجود عند أهل العلم.
ويقول: وثبتني فيه فلان، سمعت فلانًا وثبتني فيه فلان، يعني تضيع الكلمة تضيع الجملة، ثم يسأل عنها من بجانبه ويتثبَّت.
"قَالَ: فَحَدَّثَ ذَاتَ يَوْمٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» فَلَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ، فَأَتَوُا الْحَسَنَ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَنَا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» فَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَّا قَوْلُهُ: «لا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
يعني لا تنقشوا نقش خاتمه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بدعوى الاقتداء به -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- اتخذ خاتمًا من وَرِق، وجعل نقشه محمدٌ رسول الله، كل كلمة بسطر في الخاتم.
"وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الشرك".
المشركين.
في الموضعين.
"وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الشرك المشركين» يَقُولُ: لَا تَسْتَشِيرُوا الْمُشْرِكِينَ فِي أُمُورِكُمْ. ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}[آل عمران:118] هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى -رحمه الله تعالى- وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هُشَيْمٍ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ بإسناده مثله في غَيْرِ ذِكْرِ تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ".
الحديث يُفسِّره ما جاء في السُّنن من النهي عن الإقامة بدار المشركين، والإقامة بين ظهرانيهم، قال: «لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» يعني لا تستضيء بنار المشركين، يعني ابعد عنهم لا ترى نورها، ولا يرون نور نارك، كما سيأتي مما يُشير إليه المؤلف- رحمه الله-.
"وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِيهِ نَظَرٌ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ «لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» أَيْ: بِخَطٍّ عَرَبِيٍّ؛ لِئَلَّا يُشَابِهَ نَقْشَ خَاتَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّهُ كَانَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ. وَأَمَّا الِاسْتِضَاءَةُ بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، فَمَعْنَاهُ لَا تُقَارِبُوهُمْ فِي الْمَنَازِلِ بِحَيْثُ تكون مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، بَلْ تَبَاعَدُوا مِنْهُمْ، وَهَاجِرُوا من بلادهم، ولهذا روى أبو داود «لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا»، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ أَوْ سَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ»، فَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِ بِالْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
طالب: ..........
كلام الحسن نعم.
طالب: ..........
الحسن البصري ماذا يرى في معنى مراءاة النار أو القُرب من المشركين، والاستضاءة بنارهم؟
طالب: .........
هو القرب منهم يقتضي هذا وهذا، فكلام الحسن يدخل بعموم النص؛ لأنه إذا قربت منه احتجت إلى استشارته في يومٍ من الأيام، فأبعد عنه؛ لتُحقق الحديث الشامل العام، والاستشارة فرد من أفراد ما يتطلبه القُرب، لكن قَصر المعنى عليه هذا الذي استشكله ابن كثير.
"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:118] أَيْ: قَدْ لَاحَ عَلَى صَفَحَاتِ وُجُوهِهِمْ، وَفَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ، مَعَ مَا هُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَيْهِ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْبَغْضَاءِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، مَا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ على لبيبٍ عاقل، ولهذا قال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[آل عمران:118].
وقوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119] أي: أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرونه لَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، فَتُحِبُّونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ".
يعني من باب الاغترار، وهذا ليس هو القاعدة والأصل، لكنه قد يُوجد، لما رُوجِع الإمام مالك في توثيق العُمري عبد الله بن عمر المُكبَّر، قال: غرَّني بكثرة جلوسه في المسجد، الثاني قال: لو رأيت هيبته ولحيته، ما شككت فيه، لكن هذا ما هو بمُطَّرد، ما هو بهذه الجادة عند أهل العلم، لكن الإنسان قد يغتر.
كم خُدِع من شخص؟! حدِّث ولا حرج، لكن أهل العلم لا شك أنهم أهل نباهة، وبهم حَفِظ الله الدين، فلا يُقال مثل هذا الكلام يعني له وجود أو شيء، قد يُوجد من شخص، وقد يُوجد... الإنسان يغتر.
الآن كم من شخص صاحب دين وتحرٍّ وعلم، ويأتيه شخص ويخطب بنته ظاهره الصلاح، ولا يتردد في قبوله، ثم يطلع... الله يتوب علينا.
فالاغترار موجود بالبشر؛ لأنهم غير معصومين، لكن ليس هو الأصل، الأصل في المؤمن أنه حذِر يحسب للأمور حسابها.
"أي: أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرونه لَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، فَتُحِبُّونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ لَا يُحِبُّونَكُمْ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}[آل عمران:119] أَيْ: لَيْسَ عِنْدَكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ شَكٌّ وَلَا رَيْبٌ، وَهُمْ عِنْدَهُمُ الشَّكُّ وَالرِّيَبُ وَالْحِيرَةُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}[آل عمران:119] أَيْ: بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابِهِمْ وَبِمَا مَضَى مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ، رَوَاهُ ابن جَرِيرٍ.
{وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ}[آل عمران:119] وَالْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الأصابع، قاله قتادة. وقال الشاعر:
أودّكما مَا بَلَّ حَلْقِيَ رِيقَتِي |
|
وَمَا حَمَلَتْ كَفَّايَ أَنْمُلِي الْعَشْرَا
|
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْأَنَامِلُ الْأَصَابِعُ".
والأنامل سواءً كنت الأصابع أو أطراف الأصابع إطلاق أحدهما على الآخر لا إشكال فيه، إطلاق الجزء على الكل تُطلق الأنملة، وتُريد الأصبع، أو إطلاق الجزء وإرادة الكل، هذا ماشٍ وجارٍ في لغة العرب، {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}[نوح:7] هو يُدخِل الأصبع كله في أُذنه؟
طالب: ...........
لا.
"وَهَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ وَالْمَوَدَّةَ، وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ}[آل عمران:119] وَذَلِكَ أَشَدُّ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران:119] أَيْ: مَهْمَا كُنْتُمْ تَحْسُدُونَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَغِيظُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مُتِمٌّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُكَمِّلٌ دِينَهُ، وَمُعْلٍ كَلِمَتَهُ وَمُظْهِرٌ دِينَهُ، فَمُوتُوا أَنْتُمْ بِغَيْظِكُمْ".
عندك الإضافات: مُتمُّ نِعمتهِ أو مُتمٌّ نِعمتهُ، ومثله مُكمِل، مُكمِّل، ومُعلٍ، ومُظهر، هل تكون هذه بالإضافة أو بالقطع؟
طالب: ..........
مُكمِلٌ دينَهُ أو مُكمِلُ دينهِ؟
طالب: .........
ما فعلنا شيئًا.
طالب: .........
بالإضافة لِما مضى.
طالب: .........
للمستقبل، إذا قال: أنا قاتلٌ زيدًا، هذا قاتل أو يُهدّده؟ يُهدد، وإذا قال: أنا قاتلُ زيدٍ، هذا قتله وانتهى.
ومن ذلك {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}[الطلاق:3]، فالشواهد على ذلك كثيرة، لكن المهم أن هذه القاعدة يُنتَبه لها؛ لأنه يختلف المعنى، يعني لو جاء شخص قال: أنا قاتلٌ زيدًا، يصير قاتله؟ هذا إذا كان يعي ما يقول، ما هو من جيلنا وعصرنا بعد أن اختلفت الألسن، أما إذا قال: أنا قاتلُ زيدٍ فهو يعترف أنه قاتله.
طالب: .........
أين؟
طالب: ...........
بدون ياء، هنا بدون ياء، ولا نُطبِّق القاعدة نقول: إنه مُعلٍ كلمته أنه سيُعليها فيما بعد.
"{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران:119] أَيْ: هُوَ عَلِيمٌ بِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُكُمْ وَتُكِنُّهُ سَرَائِرُكُمْ مِنَ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ وَالْغِلِّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُرِيَكُمْ خِلَافَ مَا تُؤَمِّلُونَ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي النَّارِ التي أنتم خالدون فيها فلا خروج لكم منها".
"لا محيد لكم عنها ولا خروج لكم منها" من بعض النُّسخ.
"ثم قال تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}[آل عمران:120] وَهَذِا الْحَالُ دَالٌّ عَلَى شِدَّةِ الْعَدَاوَةِ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ خِصْبٌ وَنَصْرٌ وَتَأْيِيدٌ وَكَثُرُوا وَعَزَّ أَنْصَارُهُمْ، سَاءَ ذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ سَنَةٌ أَيْ: جَدْبٌ أَوْ أُدِيلَ عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءُ، لِمَا لله تعالى فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ -كَمَا جَرَى يَوْمَ أُحُدٍ- فَرِحَ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مخاطبًا عباده للمؤمنين: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران:120]، يُرْشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ بِاسْتِعْمَالِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِأَعْدَائِهِمْ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ. وَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ.
ثُمَّ شَرَعَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ قِصَّةِ أُحُدٍ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الِاخْتِبَارِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَبَيَانِ صَبْرِ الصَّابِرِينَ فَقَالَ تعالى".
قف عليه.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد.