شرح المنظومة الميمية في الآداب الشرعية (4)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة حافظ -رحمه الله تعالى-:
ما العلم إلا كتاب الله أو أثرٌ |
| يجلو بنور هداه كل منبهمِ |
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ما العلم إلا كتاب الله أو أثرٌ |
| يجلو بنور هداه كل منبهمِ |
العلم: قال الله قال رسوله، وأصل العلوم، وأس العلوم كتاب الله -جل وعلا-، وما جاء في بيانه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
ما العلم إلا كتاب الله أو أثرٌ |
| ................................... |
العلم قال الله قال رسوله |
| قال الصحابة هم أولو العرفان |
المقصود أن العلم المعول فيه أولاً وآخراً على نصوص الوحيين، وما يقرأ وما يدرس من علوم أخرى إنما هي من أجل الإعانة على فهم الوحيين، قد يقول قائل: إن من طلاب العلم الآن من ينفق أوقاته بل عمره في علوم فيها شيء من البعد عن كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يتخصص في اللغة العربية، وينفق عمره ويموت على هذه الحالة، أو يتخصص في أصول الفقه مثلاً، أو يتخصص في أي علم من العلوم، أما إذا تخصص في الحديث أو تخصص في الفقه، واستند في فقهه على نصوص الوحيين هذا متخصص في الوحيين ولا إشكال فيه، إذا كان تخصصه في فقه الكتاب والسنة لا في الفقه الذي هو الرأي المجرد، فقه المقلدة، وإضاعة العمر في كتب التقليد، يدرس روضة الطالبين مثلاً للنووي سنين، أو يدرس الإنصاف اثنا عشر مجلد في سنين، هذا لا شك أنه بعيد عن الوحيين، عن علم الكتاب والسنة، اللهم إلا إذا اتخذ هذا الكتاب الفقهي منهج، وخطة بحث يسير عليها، فينظر في مسائل هذا الكتاب، ويسعى جاهداً للاستدلال لها من الكتاب والسنة، فيكون حينئذٍ يتفقه على الكتاب والسنة بواسطة هذين الكتابين، وإلا بعض الناس يتخصص في الفقه وتعرفون فقهاء المذاهب تنتهي أعمارهم وهم يجعلون أئمتهم هم الأصول، وإذا خالف قول الإمام نصاً من الكتاب والسنة فالمقدم قول الإمام، والنص إما مؤول أو منسوخ، فهل مثل هذا وإن تخصص في الفقه وزعم أنه يدخل في حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) هل يدخل في الحديث؟ لا، لا يدخل يا أخي، هذا يتخصص في آراء الناس، الذي يتخصص في التفسير ومعوله وعمدته في تفسير كلام الله -جل وعلا- على كتب التفسير بالرأي، يمضي عمره في تفسير الرازي، تفسير الزمخشري، تفسير فلان، تفسير..، نعم إذا تخصص في التفسير بالأثر، فتخصص في التفسير من خلال تفسير الطبري، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير ابن كثير، تفاسير الأئمة، تفاسير السلف، فهذا يدور في فلك الكتاب والسنة، فمعوله على الكتاب والسنة، وقد حضرت مجادلة بين شخص تخصصه في القرآن وعلوم القرآن، وآخر تخصصه في السنة، فقال صاحب القرآن اللي في قسم القرآن قال: يا أخي نحن أهل الله وخاصته، وقال الثاني لأنه يعرف أن زميله هذا وإن تخصص في التفسير وعلوم القرآن إلا أنه إنما يدرس الطلاب التفسير من كتب التفسير بالرأي، يعني لا يوجد من يدرس التفسير في الدراسات المنهجية الأكاديمية من خلال تفسير الطبري أو ابن كثير، يعني دُرس ابن كثير سنين في كلية الشريعة، وانتقل منه إلى تفسير الشوكاني، لكن معول المتأخرين ممن يتصدى للتفسير الكتب التي فيها الطرائف، وفيها الاستنباطات الدقيقة، والأقوال العجيبة والغريبة، كتفسير الزمخشري، تفسير الرازي، التفاسير المعروفة عند أهل هذا الشأن.
قال له صاحب الحديث: أنتم أصحاب الرأي، يعني لا فرق بينكم وبين أهل الرأي، ونحن أهل الأثر، التفسير الحقيقي تبعنا ما هو تبعكم؛ لأنه ما التفسير إلا ببيان النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا تطاول المتخصص في التفسير وهو بعيد كل البعد عن كتاب الله -جل وعلا- بما يعانيه ويزاوله من تفاسير بالرأي، وهي مشحونة بالآراء المخالفة لما جاء عن الله وعن رسوله من اعتقاد خلف يخالف ما عليه السلف، فمثل هذا لا يقال: إنه من أهل القرآن، أو من أهل الله وخاصته.
ما العلم إلا كتاب الله أو أثرٌ |
| ................................... |
نعم التفسير بالأثر يجمع لك الأمرين، التفقه في فقه الكتاب والسنة يجمع لك الأمرين، لكن مع ذلك لو أن طالب علم اعتمد على كتاب فقهي مجرد عن الدليل، يعني يقال: الإنصاف مثلاً اثنا عشر مجلد ما في عدد المجلدات -صلى الله عليه وسلم- نعم هذا كتاب فقه محض، لكن هذه المسائل لها أدلتها، فإذا حرص طالب العلم الذي يتفقه على هذا الكتاب للاستدلال لمسائل الكتاب هذا يتفقه من الكتاب والسنة، ومعوله على الكتاب والسنة، وإن اتخذ هذا الكتاب وسيلة لهذا التفقه كما شرحنا مراراً التفقه عن طريق الزاد مثلاً، قد يقول قائل: والله الزاد ما فيه أدلة لا في كتاب ولا سنة، فيه أقوال المؤلف وفيها ما يخالف الدليل وفيها ما يخالف المذهب، نقول: لا مانع أن يتفقه طالب العلم على كتاب مختصر في مذهب معين من المذاهب المعتبرة عند أهل العلم، ويجمع أدلة هذه المسائل ويعنى بها، ويقارن بينها، ويذكر من وافق ومن خالف، وأدلة الموافق..، يتفقه على الكتاب والسنة بهذه الطريقة؛ لأن المسألة تحتاج إلى دقة في النظر، بعض الناس يلوم من يتفقه أو يتخصص في الفقه أو الأصول أو اللغة إذا سخر اللغة وقد تخصص فيها لخدمة الكتاب والسنة هذا يتعلم الكتاب والسنة ويعلم الكتاب والسنة، ويؤثر عن إمام من أئمة المسلمين أنه يقول: أخذت ثلاثين سنة أفتي الناس من كتاب سيبويه، يعني هل كتاب سيبويه فيه أحكام الصلاة وأحكام الزكاة؟ لا، فيه مسائل توضح له النصوص من الكتاب والسنة، فالذي يعنى باللغة العربية لخدمة الكتاب والسنة هذا على خير، هذا يدرس الكتاب والسنة، يعني ماذا لو شرح شخص كتاب مختصر في النحو الأجرومية مثلاً، ثم قال للطالب فلان: أعرب لي الفاتحة من خلال دراستك للأجرومية، أعرب لي سورة الناس من خلال..، وأعرب لي كذا، الطالب يفهم القرآن ويرتبط بالقرآن ويفهم اللغة، ومثله لو قال: في مشكلات في الأحاديث من حيث الإعراب، جمعها ووزعها على الطلاب فاستفادوا الأمرين العربية واستفادوا ما يتعلق بالسنة، وصلة الوحيين باللغة العربية قوية جداً، حتى أن بعض الأحكام اختلف فيها أهل العلم للاختلاف في إعرابها، فمعرفة العربية في غاية الأهمية لطالب الكتاب والسنة.
يعني من أوضح الأمثلة ما يُذكر في هذا الباب ((ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه)) والرواية الأخرى وهي ضعيفة: ((ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه)) الجمهور أخذوا بالرواية الأولى وقالوا: إن الجنين ذكاته هي ذكاة أمه، فإذا ذكيت الأم كفى، الحنفية قالوا: لا ((ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه)) يعني كذكاة أمه يذكى، لا بد أن يذكى مثل أمه، اختلف الحكم الشرعي.
أيضاً في مسائل الاعتقاد ما معوله على العربية، في مسائل كثيرة جداً مرجعها إلى العربية، لكن ماذا عن شخص تخصص في العربية ولم تكن النصوص على باله، وأمضى عمره في شرح المفصل لابن يعيش، كتاب مطول جداً، وفيه القيل والقال، وكلام كثير جداً، مفيد في بابه، لكنه مع ذلك عائق عن الأهم.
"وبالمهم المهم ابدأ لتدركه" كما في درس الأمس "وقدم النص" لا بد من تقديم النصوص، لا بد أن يكون السائق والحادي هو النص، لا بد أن يكون السائق والحادي لطالب العلم هو النص، وأما أقوال الرجال يستفاد منها في فهم النص، لا سيما أهل التحقيق منهم.
ما العلم إلا كتاب الله أو أثرٌ |
| يجلو بنور هداه كل منبهمِ |
ما في علم إلا عن طريق الوحيين، والذي يزعم أنه يتلقى العلم عن غير طريق النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ضال -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا طريق موصل إلى الله -جل وعلا- إلا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام-، فالعناية بأقواله وأفعاله وسيرته وشمائله من خير ما يعين على العلم والعمل.
والكتم للعلم فاحذر إن كاتمه |
| في لعنة الله والأقوام كلهمِ جج |
عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
................................... |
| في لعنة الله والأقوام كلهمِ جج |
إذا كانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين من بقي؟
"والكتم للعلم فاحذر" {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} [(159-160) سورة البقرة] قد يمر بالإنسان ظرف، قد يمر به خوف، قد يمر به كذا، ثم يحتاج إلى بيان فيكتم، ثم إذا ندم على ذلك وتاب تاب الله عليه، لكن مع ذلك ليحذر طالب العلم الكتم له.
"ومن عقوبته" يعني عقوبة الكاتم.
...................أن في المعاد له |
| من الجحيم لجاماً ليس كاللجمِ |
ما هو بمثل لجام فرس وإلا لجام بعير وإلا لجام حمار، لا، ما هو بعبارة عن حبل تلجم به الدابة، لا "ليس كاللجم".
أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه إلا أتي به يوم القيامة ملجماً بلجام من النار)) وهذا الحديث أقل أحواله الحسن؛ لأن له طرق يشد بعضه بعضاً، وفي لفظ: ((من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) -نسأل الله السلامة والعافية-.
وصائن العلم عمن ليس يحمله |
| ................................... |
نعم؟
طالب:.......
العلم الوارد في النصوص الحث عليه والتحذير من كتمه أو الإخلال بالنية فيه إنما المراد به العلم الشرعي، لكن من باب النصيحة والدين النصيحة أن الإنسان إذا جاء يستشير ويستنصح في علوم الدنيا تبذل له النصيحة، يعني لو أن طبيباً صلى بمسجد من المساجد وقال له واحد: والله يا فلان أنت تخصصك في كذا، وأنا عندي هذه المشكلة، يقال له: تعال للعيادة، وامثل أمام الكونتر وقص الفاتورة وادفع القيمة، هذا ليس مما ينبغي أن يسود بين المسلمين، لكنه إن فعل ذلك لا يأثم، مثل المزارع ومثل الصانع؛ لأن الذي يأثم به العلم الذي يبتغى به وجه الله -جل وعلا-.
وصائن العلم عمن ليس يحمله |
| ما ذا بكتمان بل صون فلا تلمِ |
يعني لو جاء شخص عليه أمارات أنه ليس من أهل العلم، ويسأل عن مسألة لا تهمه، ولا يحتاج إليها، مثل هذا لو لم يجب، وصُرف عما هو أهم بالنسبة له بأسلوب يسميه أهل البلاغة أسلوب الحكيم؛ لأن الإنسان قد يسأل عن شيء فيرى المسئول أن هذا السائل حاجته أمس إلى غيره، فيرشده إلى هذا الغير الذي هو أحوج إليه وأمس، هذا لا شك أنه ليس بكاتم.
وصائن العلم عمن ليس يحمله |
| ما ذا بكتمان بل صون فلا تلمِ |
جاء في سنن ابن ماجه بسند ضعيف مرفوعاً: ((واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب)) ولذا لا يحسن أن يؤتى بكتاب ويقرأ على أناس لا يستفيدون منه، فالناس منازل، ولهم عقول، فلا بد أن يفادوا بما يفيدهم، وما يناسب عقولهم، وأما الذي يكون لبعضهم فتنة، وبعضهم لا يفهم، وبعضهم يقع في العلم وأهله بسبب ذلك هذا لا يحسن أن يلقى على غير أهله.
وإنما الكتم منع العلم طالبه |
| من مستحقٍ له فافهم ولا تهمِ |
"الكتم منع العلم طالبه" يعني إذا جاء الطالب للشيخ واستفتى وسأل لا يكتم، وإذا أراد أن يقرأ لا يُمنع، لكن بحدود طاقة الشيخ؛ لأن طلاب العلم فيهم كثرة، والفنون كثيرة، والكتب كثيرة، ولو جاء كل واحد ولزمت إجابته لشق ذلك، بل لاستحال تلبية رغبات جميع طلاب العلم، يعني افترض أنك في منتصف كتاب، ويأتي طالب علم يقول: والله ودنا نبدأ من أول الكتاب، هل منعك لهذا الطالب أو عدم استجابتك لرغبته هذا كتم للعلم؟ لا، هذا ليس بكتم للعلم، الشيخ باذل ولا قصر، وإذا أراد أن يستجيب لكل طالب ما وفى بحاجة ولا واحد منهم؛ لأن كل واحد حاجته تختلف عن حاجة غيره.
وإنما الكتم منع العلم طالبه |
| من مستحقٍ له فافهم ولا تهمِ |
تعلم واعمل وعلم وادع وأمر وانه، إذا تعلمت العلم اعمل بهذا العلم، إذا تعلمت وعملت علم هذا العلم، وادع إلى ربك بالتبيان والحكم، مر بالمعروف، وانه عن المنكر، كل هذه من وظائف العالم والمتعلم على حد سواء.
وأتبع العلم بالأعمال وادع إلى |
| سبيل ربك بالتبيان والحكمِ |
فاقتده بهم، واصبر لا بد أن يعترضك في طريقك شيء من الأذى، ولذا في المسائل الأربع للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب المسائل الأربع: الأولى العلم، الثانية: العمل بالعلم، والثالثة: الدعوة إليه، والرابعة: الصبر على الأذى فيه {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(1-2) سورة العصر] إلا من استثنى {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [(3) سورة العصر] لا بد من توفر هذه الأمور، لا بد من الأذى، لا يظن الإنسان أنه يصل إلى المراتب والمنازل العليا ولا يحصل له شيء، ولا إمامة إلا بابتلاء وأشد الناس ابتلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، ما في نبي ما ابتلي، ولا إمام من أئمة المسلمين سهلت له الطرق منذ أن ولد إلى أن مات أبداً، والإمام لا تنال بالراحة، بل لا بد من التعب ولا بد من العناء ولا بد من الأذى؛ لأن لك خصوم، فالمتعلم يعترضه ما يعترضه، وقد يعترضه أقرب الناس إليه من الوالدين والإخوة والأقارب، وما أشبه ذلك، المعلم كذلك يعترضه من يعترضه، وهذا كثير ومشاهد على مر العصور إذا كان الأنبياء ما سلموا من هذه الاعتراضات فأتباعهم على سننهم ونهجهم، ولذا يقول:
"وفي الرسل ذكرى" يعني تذكر، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما دعا قومه ماذا حصل له؟ آذوه ورموه بأبشع الأوصاف، وأدموا قدميه، وكسروا ثنيته.
.................................. |
| .....وفي الرسل ذكرى فاقتده بهمِ |
اقتده هذه هاء السكت {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [(90) سورة الأنعام] هذه هاء السكت.
واصبر على لاحق من فتنة وأذى |
| فيه وفي الرسل ذكرى فاقتده بهمِ |
يعني لشخص واحد، واللام هذه مؤكدة، وواقعة في جواب قسم محذوف، والله
لواحد بك يهديه الإله لذا |
| خير غدا لك من حمر من النعمِ |
قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعلي: ((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) واحد، ومعلم الناس الخير كم يهتدي على يديه، لا سيما إذا كان علمه وعمله وتوجيهه وتعليمه نابع من إخلاص لله -جل وعلا-، وإلا فكم ترون وتسمعون ممن يعلم ومن يفتي ومن يوجه وينصح، تجد الكلام لا أثر له، وهذا مرده إلى الإخلاص، والقبول من الله -جل وعلا-.
لواحد بك يهديه الإله لذا |
| خير غدا لك من حمر من النعمِ |
((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) والدال على الخير كفاعله، ومن دل على هدى فله مثل أجر فاعله.
واسلك سواء الصراط المستقيم ولا |
| تعدل............................ |
عليك بالصراط المستقيم، واسأل الله -جل وعلا- حيث أمرك في كل ركعة من ركعات الصلاة أن يهديك الصراط المستقيم، وأنت على الصراط المستقيم اسأل الله -جل وعلا- أن يثبتك على الصراط المستقيم، ولا تعدل عنه، لا يميناً ولا شمالاً، لا تعدل عن الصراط المستقيم "ولا تعدل" لا تميل عن هذا الصراط المستقيم.
"وقل ربي الرحمن واستقمِ" ((قل آمنت بالله ثم استقم)) "قل ربي الرحمن واستقمِ" يعني على دينه وعلى صراطه المستقيم.
نعم.
الوصية بكتاب الله -عز وجل-
وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا |
| ب الله لا سيما في حندس الظلمِ |
لما انتهى الناظم -رحمه الله تعالى- من الوصايا العامة لطالب العلم أوصى بكتاب الله -جل وعلا-، ثم أردف ذلك بالوصية بالسنة، فقال -رحمه الله تعالى-:
الوصية بكتاب الله -عز وجل-
وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا |
| ب الله لا سيما في حندس الظلمِ |
جاء الترغيب في قراءة القرآن، وأن لقارئه بكل حرف عشر حسنات ((لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) فـ(آلم) ثلاثة حروف، فيها ثلاثون حسنة، وهذا على أقل تقدير، والمضاعفة من الله -جل وعلا- بكرمه الواسع الذي لا يحد تصل إلى سبعمائة ضعف، وجاء في حديث تكلم فيه أهل العلم في المسند: ((إن الله ليضاعف لبعض عباده إلى ألفي ألف حسنة)) الحسنة إلى مليونين حسنة، إذا قرأت القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل حصل لك من الأجور الشيء الذي لا يخطر على بالك، ولا على بال غيرك، يعني أقل تقدير الختمة الواحدة فيها ثلاثة ملايين حسنة، وعند جمع من أهل العلم أن أجر الحروف يثبت بمجرد القراءة، ولذا يرجح بعضهم السرعة في القراءة كسباً لأجر الحروف، وهذا قول معروف عند الشافعية، ومنهم من يقول: لا، القراءة على الوجه المأمور به أعظم أجراً من السرعة، ولو قلت الحروف، الناظم -رحمه الله تعالى- يقول:
وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا |
| ب الله لا سيما في حندس الظلمِ |
إذا قرأت في ساعة جزءاً واحداً بالتدبر والترتيل، وقرأ غيرك في الساعة خمسة أجزاء بالهذ أيهما أفضل؟ الخلاف معروف بين أهل العلم، الجمهور على أنك بالتدبر والترتيل تنال من الأجر أعظم مما يقرأه غيرك هذاً، ولو كان أكثر منك حروفاً، هذا قول الجمهور، وعند الشافعية أن تحصيل أجر الحروف أعظم، نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
إيه معروف هذا، يعني افترض أن شخصاً يختم في الشهر عشر مرات، وآخر يختم في الشهر مرة واحدة، هذا الذي يختم عشر مرات أجره مضروبة الواحدة في ثلاثة ملايين، ثلاثين مليون حسنة في الشهر، والثاني الذي يتدبر ويرتل هذا أجر ختمة واحدة، لكنه أعظم في الكيفية وإن قلت الكمية.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى |
| فالعلم تحت تدبر القرآنِ |
شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من العلم والإيمان والطمأنينة ما لا يدركه من لا يفعل هذا الفعل، فهذا أمر فائدته..، كثيراً ما يذكر ابن القيم -رحمه الله- مواقف حصلت له بسبب هذا، وفي أول فائدة من كتاب الفوائد ذكر أنموذج للتدبر وفهم القرآن، كتاب الفوائد لابن القيم أول فائدة ذكر أنموذجاً للتدبر، لتدبر كلام الله -جل وعلا- من خلال سورة (ق) ابن القيم -رحمه الله- في الهدي يقول: هذا الذي يختم عشر مرات في الشهر، وذاك الذي يختم مرة واحدة في الشهر مثاله كمن أهدى درة واحدة، وهذا أهدى عشر درر، أهدى عشر، وهذا أهدى درة واحدة، أو هذا حصل له عشر، وهذا حصل له درة واحدة، فذهبا إلى السوق وعرضا ما معهما من هذه الجواهر الثمينة، هذه العشر الواحدة بألف، المجموع عشرة آلاف، وهذه الواحدة بمائة ألف، هذه باع العشر بعشرة آلاف، وهذا باع الواحدة بمائة ألف، هذا تنظير لمن يقرأ بالتدبر والترتيل مع قلة الحروف، والثاني مع كثرة الحروف.
بعضهم يقول: إن الذي يقرأ ولا يفقه ولا يعقل هذا مذموم، وجاء عن ابن مسعود وغيره ذم هذه الطريقة، لا شك أنها في مقابل التدبر والترتيل المأمور به، يعني التدبر جاء في أربعة مواضع من القرآن، جاء في سورة النساء، وجاء في سورة المؤمنون، وجاء في (ص) وجاء في (محمد) القتال، والترتيل جاء في المزمل، وجاء في أيضاً نصوص أخرى من السنة.
المقصود أن الوجه المأمور به لقراءة القرآن بالتدبر والترتيل، لكن ماذا عن شخص اعتاد السرعة والهذ وحاول مراراً أن يتدبر ويرتل وعجز؟ لأن العادة لا شك أنها تملك الإنسان، يعني هؤلاء الذين يسرعون في السيارات إذا ركب السيارة صار يمشي على ما يقولون: طبلون السيارة يمشي مائتين مائة وثمانين، ثم بعد ذلك يرى حادث ويتأثر، ثم يرفق قليلاً قليلاً ثم يرجع إلى ما تعود، هذا نظير من تعود السرعة في القرآن، تجده يسرع، ثم إذا مر عليه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد] هدأ، وصار يرتل إلى أن يكمل السورة بعد يمكن يكمل أو لا يكمل ثم يعود إلى طريقته، وهذا الذي يسرع في السيارة يسرع يمشي مائة وثمانين مائتين، فإذا رأى حادث هدأ، صار يمشي سبعين ثمانين، ثم ينسى يزيد إلى المائة مائة وعشرين وخمس عشر دقائق ورجع إلى طريقته، فالمسألة مسألة تعود، فالذي لا يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل خير علاج له أن يسمع، يسمع القراءات المؤثرة من القراء المعروفين بصلاحهم، ويجاهد نفسه في التدبر والترتيل، وعرف من المتقدمين من تختلف عنده القراءة، فعنده القراءات لتحصيل الحروف، وكان يختم في كل يوم، وقراءة للتدبر مكث فيها أكثر من عشرين سنة، يمكن كل يوم آية، يتدبر كل يوم آية، ويمكن يراجع عليها كل التفاسير، فلا شك أن الوجه المأمور به هو التدبر والترتيل كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا |
| ب الله لا سيما في حندس الظلمِ |
في الليل؛ لأنه أبعد عن المشاغل، وأفرغ للقلب، والمشاغل أكثر ما تكون في النهار، وإن كان ظرفنا الذي نعيشه قد يكون انعكس، يعني عندك من الساعة الثامنة إلى أذان الظهر هذا في الظرف الذي نعيشه مثل حندس الظلم في السابق، نعم؟
طالب:.......
نعم تخلو الشوارع ولا أحد يتصل، ولا أحد يعترض على أحد، نعم.
على كل حال المستمع ما هو بالسامع، المستمع أجره عظيم، ويشتركان في الأجر إلا أن معاناة القراءة يختص بها القارئ، لا سيما في حندس الظلم لأنه أخفى، وأفرغ إلى القلب والبال، وأحضر للقلب، لكن ماذا عن حديث: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة))؟ لأن بعض الناس طريقته في القراءة سراً، لا يسمع منه ولا حرف، وبعض الناس يجهر، أيهما أفضل؟ يعني ما جاء في قول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [(110) سورة الإسراء] يدل على أن التوسط هو المطلوب، لكن هذا الحديث يدل على أن المسر بالقراءة أفضل، لكن هل المسر بالقراءة والجاهر بها في الحديث يعني في كيفية الأداء أو في الاستخفاء عن الناس؟ نعم الاستخفاء عن الناس، المقصود أن يقرأ في مكان يستخفي به عن الناس، كما أنه يتصدق بصدقة لا يعلمها أحد، كما جاء في حديث السبعة: ((رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) فالمسر بالقرآن الذي يتخذ مكاناً بعيداً عن نظر الناس لا شك أنه أقرب إلى الإخلاص، وأدعى إلى حضور القلب، بخلاف من كانت قراءته في مجامع الناس، لكن إذا كان ممن يقتدى به، وطلاب العلم يرون أهل العلم ليس هناك وقت لقراءة القرآن عندهم، يعني يخيل لطلاب العلم الآن أن المشايخ ما يقرؤون قرآن، أول النهار في الدوام، ثم بعد ذلك يرتاحون، ثم دروس، ثم اجتماعات، ثم نوم وهكذا، هم لهم نصيب من التعبد من قيام ومن تلاوة ما في إشكال، لكن أين هذا من عمل المتقدمين الذين ديدنهم النظر في عهد الله والنظر في كتابه؟ يوجد من شيوخنا المعاصرين الآن من يضاهي المتقدمين في تلاوة القرآن، مع أنه قائم بأعمال كبيرة جداً، يداوم دوام كامل، وله أيضاً دروس، وله ارتباطات واجتماعات، ومع ذلك يقرأ القرآن في ثلاث، لكن ما يلزم أن يكون على مرأى من طلاب العلم، نعم طلاب العلم يحتاجون إلى قدوات، ولذلك نجد كثير من الحفاظ قراءة القرآن ليس لها نصيب عندهم، يقرؤون في العلوم الأخرى أضعاف أضعاف ما يقرؤون القرآن، بل يتعجب بعضهم إذا جاء إلى المسجد ووجد الشيخ يقرأ فقال له: أنا أريد معي كتاب اقرأ عليك، فيقول الشيخ: والله أنا مشغول، ثم يتعجب هذا الطالب يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن! يعني سمعت هذه بالحرف، سمعت ما هي افتراضيه، كأن القرآن لا نصيب له من عمر الإنسان، فإذا كانت قراءة القرآن في المجامع في المساجد في المواضع الذي يجتمع فيها الناس من قبل القارئ ليقتدى به، يقتدي به طلاب العلم، يقتدي به عامة الناس، يقتدي به أهل الغفلة، فلا شك أن له من الأجر مثل أجورهم، وهذا قد يعرض للأمر المفوق ما يجعله فائقاً.
لعلنا نستأنف الوصية بكتاب الله غداً -إن شاء الله تعالى-.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...
"عرفنا بالأمس أن كتب الحديث متون الحديث المرتبة لطلاب العلم لا بد مما يواكبها من المتون الفقهية، فالمتن الفقهي بحاجة ماسة إلى كتب الحديث، لا سيما كتب أحاديث الأحكام، وأيضاً كتب أحاديث الأحكام بحاجة ماسة إلى كيفية الاستنباط عند أهل العلم، والتصرف في النصوص المتعارضة، فتجد في كلام أهل العلم ما يحل لك إشكال في حديثين متعارضين، فيمشيان معاً يتواكبان أعني متون الفقه مع متون الحديث، وكلها مرتبة عند أهل العلم، لا متون الحديث ولا متون الفقه، يعني لو أن الطالب مثلاً بدأ بعمدة الأحكام مع عمدة الفقه، أو بدأ ببلوغ المرام مع زاد المستنقع؟ هذا يخدم هذا، وهذا يخدم هذا.
على كل حال هذه مخالفات ومعاصي، فعليك أن تستمر في نصحها، وتوجيهها بالرفق واللين، وبيان الأضرار الناتجة والناجمة عن مشاهدة هذه الأفلام وهذه المسلسلات وهذه الأغاني، وتحضر لها البديل، والرفق ما دخل شيئاً إلا زانه، وعليك أن تصبر وتجتهد في نصحها، وتغيير مسارها ومسلكها، ومثل هذه الأمور لا توجب طلاق ولا تقتضيه؛ لأنها مخالفات ومعاصي تتحملها هي، فإذا أبرأت ذمتك بنصحها ومنعت من دخول هذه الأشياء إلى بيتك؛ لأنك أنت صاحب السلطان، لك أن تمنع هذه الآلات من دخول البيت، هذا إذا لم تستجب بالرفق واللين وتتركها قناعة، تتركها بشيء من الحزم.
يعني أنت تستمع في بيت من بيوت الله أو في بيتك؟ لأنه يوجد في بلدان أخرى يجتمعون في مسجد ويستمعون هؤلاء اجتمعوا في بيت من بيوت الله، لكن إذا كنت تستمع وأنت في بيتك فأنت في بيتك، ولست في بيت من بيوت الله، وأجرك عند الله عظيم، إلا أنه لا يصل إلى حد الأجر المرتب على التعني لحضور الدروس.
الأفضل أن تجمع بينهما، فتجلس في مصلاك تذكر الله وتقرأ القرآن حتى ترتفع الشمس، ثم بعد ذلك تخرج إلى بيتك لاستماع الدروس، وإذا نظرنا في الموازنة بين هذه الأعمال الصالحة فتعلم العلم أفضل من نوافل العبادة، هذا إذا كانت قراءة القرآن لمجرد تحصيل الثواب المرتب على الحروف، أما إذا كانت قراءة القرآن على الوجه المأمور به للتعلم والتفقه والإفادة من كتاب الله فهذا أعظم وجوه الطلب.
لعله يقصد المنظومة الميمية للشيخ حافظ، المنظومة طبعت في حياته على نفقة الملك سعود طبعة جيدة، فيها أخطاء يسيرة يمكن أن تستدرك، ثم طبعت بعد ذلك مراراً، وباعتبار أن الكتاب ما تداوله النساخ، فأخطاؤه طفيفة.
هذا إن كان في بيته متسع فالأصل أن يستحم مع زوجته أو بمفرده، وتستحم بمفردها في بيت يكنهما، أما إذا كانت البيوت تضيق عن هذا، وهم بحاجة إلى الاستحمام، فإذا ذهبت الزوجة إلى حمامات النساء، وذهب هو إلى حمامات الرجال فهذا هو الأصل؛ لأن الاختلاط ولو في الممرات لا شك أنه يترتب عليه أمور لا تحمد، لا سيما في الحمامات التي تتطلب شيء من التكشف، لا أقول: كشف عورات مغلظة وإلا شيء، إنما لوجود المياه ووجود المنظفات وكذا قد يحتاج الإنسان إلى رفع ثوبه فيبدو شيء من جسده.
لا، أنت الآن حديث: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) أنت جالس في بيتك ما سلكت الطريق، لكنك مع ذلك تعد من طلاب العلم، ولك أجر عظيم -إن شاء الله تعالى-، وصرفك لهذا الوقت وهذا الجهد أيضاً تؤجر عليه، لكن يختلف الوضع بين كون الطالب يأخذ من الشيوخ مشافهة ومباشرة ويجثو بين أيديهم، ويتكلف عناء الطريق، وعناء الظروف من حر وبرد يختلف اختلافاً كبيراً عن شخص جالس في بيته ويسمع من جهاز أو آلة أو شريط، أو ما أشبه ذلك، وعلى كل حال هو مأجور، إذا لم يتيسر له سلوك الطريق والحضور بين يدي الشيوخ فيرجى.