شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (12)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: في وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟
حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: رأيت علياً توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو والربيع وعبد الله بن أنيس وعائشة.
حدثنا قتيبة وهنّاد قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد خير ذكر عن علي مثل حديث أبي حية إلا أن عبد خير قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه، حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي، وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي حديث الوضوء بطوله، وهذا حديث حسن صحيح، وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال: مالك بن عرفطة وروى عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي، وروي عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة، والصحيح خالد بن علقمة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: في وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كان؟" يعني في صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام-، من أقرب الناس إليه علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- ابن عمه، وزوج بنته.
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد وقتيبة" هناد بن سري، وقتيبة بن سعيد، "قالا: حدثنا أبو الأحوص" سلام بن سليم الحنفي، مولاهم الكوفي، ثقة متقن، أبو الأحوص، "قالا: حدثنا أبو الأحوص" وجاء في تاريخ ابن أبي خيثمة عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، عندنا هنا التحديث بالصريح، حدثنا أبو الأحوص، في تاريخ ابن أبي خيثمة عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، معقول وإلا غير معقول؟ كيف؟
طالب: حدث فقتل.
يعني التحديث بعد قتله، لكن عن هذه لا يراد بها التحديث ولا يراد بها الرواية، لا يراد بها الرواية، ويأتون بها مثالاً لـ(عن) في غير الرواية، يعني عن قصة أبي الأحوص، عن قصة أبي الأحوص لا رواية عنه، على كل حال اسمه: سلام بن سليم، كوفي ثقة متقن، "عن أبي إسحاق" عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وإسحاق السبيعي ثقة متقن من رجال الكتب الستة "عن أبي حية" بن قيس الهمداني الوادعي مقبول من الثالثة وتقدم ذكره، "قال: رأيت علياً توضأ" علي بن أبي طالب الخليفة الراشد الرابع من الخلفاء الراشدين، شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، مناقبه وفضائله أكثر من أن تحصر "توضأ" يعني شرع في الوضوء، شرع في الوضوء؛ لأن الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، إذا قلت: جاء زيد فقد حضر لا شك، وقام زيد استتم القيام، الأصل فيه الفراغ، ولذلك يقال فيه ماضٍ لأنه حصل قبل الكلام، في الماضي قبل الكلام، هذا الأصل فيه، وقد يطلق ويراد به الشروع كما هنا رأيت علياً توضأ يعني شرع في الوضوء، وكما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «وإذا ركع فاركعوا» ليس معناه إذا فرغ من الركوع، بل إنما إذا شرع في الركوع، يطلق أيضاً ويراد به إرادة الفعل، إرادة الفعل، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة.
"رأيت علياً توضأ" بعضهم يقول: بدلاً من شرع بالوضوء يعني أراد الوضوء، أراده، لكنه بالفعل شرع وباشر، فغسل كفيه، شرع فيه فغسل كفيه، ومنهم من يقول: إن توضأ هنا على بابها، توضأ وفرغ من الوضوء، توضأ وهذا تعبير عما حصل إجمالي، تعبير إجمالي عما حصل، توضأ والتفصيل بالفاء، فالفاء تفريعية على ما تقدم على المجمل، "فغسل كفيه" والكف من أطراف الأصابع إلى الرسغ إلى المفصل، هذا الكف "فغسل كفيه -يعني إلى الرسغين- حتى أنقاهما" أنقاهما يعني أزال ما عليهما من وسخ إن وجد، أنقاهما يعني: أسبغ غسلهما "ثم مضمض ثلاثاً" والمضمضة إدخال الماء في الفم ثم إدارته باللسان والشدقين ثم مجه، والمج على هذا من المضمضة، وعلى هذا لو أدخل الماء في الفم ثم أداره فيه فابتلعه هل نقول: مضمض وإلا ما مضمض؟ نعم، على هذا التعريف لا يكون تمضمض، ومنهم من لا يدخل المج في المضمضة، وحينئذٍ إذا أدخله في فمه ثم أداره تمت المضمضة ثم إن شاء مجه وإن شاء ابتلعه، وإذا كان المقصود من المضمضة تنظيف الفم قد يقول قائل: الفم نظيف، اللعاب ينظفه باستمرار، وهو مغلق لا يدخل إليه غبار ولا شيء.
على كل حال الوضوء إنما هو للتنظيف، حكمته الظاهرة التنظيف، وإخراج الوسخ الحسي والمعنوي، المعنوي إخراج الوسخ المعنوي فالذنوب تخرج مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فالفم لا شك أنه أحياناً يكون فيه بقايا طعام فيحتاج إلى تنظيف، قد يكون فيه رائحة من كثرة كلام أو من إطالة سكوت يحتاج إلى تنظيف، وعلى هذا المج من المضمضة، المج من المضمضة؛ لأنه إذا ابتلعه، والشرع جاءت الأدلة المتظافرة على حثه على النظافة ونظافة الباطن أهم من نظافة الظاهر، ليس معنى هذا أنه إذا نظف ظاهره انتهى، بل الشرع يعتني بالنظافة الباطنة والظاهرة، فإذا ابتلعه ما اهتم بنظافته الباطنة التي قد يتسبب عنها بعض الأمراض، فالمج حينئذٍ من المضمضة.
"واستنشق ثلاثاً" استنشق، الاستنشاق: جذب الماء بالنفس داخل الأنف، داخل الأنف، ثم إخراجه من الأنف أيضاً بالنفس، كثير من الناس لا يحسن الاستنشاق، يجعل الماء بكفه ثم يدخله في أدنى أنفه، والاستنشاق جاءت المبالغة فيه: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» فيستنشق الماء بنفسه حتى يصل إلى خياشيمه، والشيطان يبيت على خيشومه، فالمقصود أن مثل هذا صحيح كثير من الناس ما يتحمل، ويتأذى بوصول الماء إلى خيشومه على كل المشقة تجلب التيسير، إذا كان يشق عليه بحيث لا يطيقه أو يتضرر به فالضرر لا بد من إزالته، والشرع لا يأتي بما يضر، لكن عليه أن يبالغ امتثالاً للأمر النبوي.
"استنشق" الاستنشاق هو إدخال الماء وجذبه بالنفس، والاستنثار إخراجه بالنفس، وجاء في بعض الروايات: "استنثر ثلاثاً"، استنثر ثلاثاً، ويراد بالاستنثار هنا الاستنشاق جذبه بالنفس، أو يكون من لازمه الاستنثار، الاستنثار من لازم الاستنثار الاستنشاق، لا يمكن أن يستنثر إلا بعد أن يستنشق، فيكون التعبير من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، وهو الاستنشاق، وبعضهم يقول: إن الاستنشاق والاستنثار بمعنىً واحد، لكن واضح أن النثر غير الجذب.
"وغسل وجهه ثلاثاً" معروف حدود الوجه من منابت الشعر إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، "وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً" ذراعيه ثلاثاً، في الآية آية الوضوء: {وَأَيْدِيَكُمْ} {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة]
وهنا قال: "وذراعيه ثلاثاً" مقتضى الآية وما جاء في بيانها من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يغسل يديه إلى المرافق، فغسله لليدين وإطلاق اليدين في آية الوضوء يشمل من أطراف الأصابع إلى المرافق، من أطراف الأصابع إلى المرافق، والحديث حينما يقول: ذراعيه ثلاثاً إنما هو من المفصل إلى المرفق، وهذا يفعله كثير من الناس، إذا غسل يديه قبل الوضوء ما عاد إليهم مرة ثانية، إنما يكتفي بغسل الذراعين، يكتفي بغسل الذراعين، واليد الوارد ذكرها في الآية وفي الأحاديث الصحيحة من فعله وقوله -عليه الصلاة والسلام- تشمل ما بين أطراف الأصابع من أطراف الأصابع إلى المرافق، ولذا لو اقتصر على الذراعين فقط دون غسل الكفين الوضوء غير صحيح، غير صحيح؛ لأن اليد المطلقة في الآية تشمل الكف، قد يقول قائل: إذا غسل الكفان بنية الوضوء ثم اقتصر على غسل الذراعين بعد غسل الوجه فقد تم المقصود، فهل هذا يجري على قول من يرى الترتيب أو على قول من لا يرى الترتيب؟ نقول: يجزئ على قول من لا يرى الترتيب، لكن من لا يرى الترتيب هل يسوغ تفريق العضو الواحد؟ يعني هل عند الذين يقولون، لا يرون الترتيب يقول: يغسل نصف وجهه ثم إذا مسح رأسه غسل النصف الثاني؟ يسوغ هذا عندهم؟ إذن لا يسوغ حتى على قول من لا يرى الترتيب، لا يسوغ حتى على قول من لا يرى الترتيب، فهذه الرواية لا شك أنها.. يحكم بشذوذ هذا اللفظ، يحكم بشذوذ هذا اللفظ، أو أنه أطلق الذراع وأراد اليد من باب إطلاق البعض وإرادة الكل وهو سائغ، سائغ في لغة العرب.
"وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرة" وهذا اللفظ مفسر لما أجمل في الأحاديث السابقة "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" الذي يستدل به من يرى تثليث المسح، وأن الرأس يمسح ثلاثاً، فهذه الرواية مفسرة، ومسح برأسه ثلاثاً، ولها ما يشهد لها، والذين وصفوا فعله -عليه الصلاة والسلام- بالتفصيل ما ذكروا التثليث في المسح، ويقتضيه المعنى إذ لو كرر المسح لطلب الغسل، لو كرر المسح لطلب الغسل، وإنما اكتفي بمسحه تخفيفاً، فإذا كررناه ثلاثاً فلنفرق بينه وبين الغسل، وهذا قول الأكثر، يرى الشافعية التثليث، لكن الأكثر على إفراد المسح، مسح الرأس مرة واحدة، وهذا تقدم الكلام فيه في الحديث رقم (34) باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة، حديث الربيِّع أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ قالت: ومسح رأسه، مسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة، مرة واحدة، ثم قال أبو عيسى: وقد روي من غير وجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح برأسه مرة، المقصود أن هذا هو المرجح عند أهل العلم.
"ثم مسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين" ثم غسل قدميه إلى الكعبين، وفيه رد على القائلين بمسح القدمين، مسح القدمين، وهذا تقدم، قد تقدم في أظن في آخر درس في العام الماضي، في آخر درس نعم، باب: ما جاء ويل للأعقاب من النار، وذكرنا قول المخالفين من الرافضة أنهم يكتفون بالمسح، وأن هذا القول منسوب لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام المشهور، والنسبة إليه لا تصح، لا تصح، والمفسرون ينسبونه بعضهم ينسبه إلى محمد بن جرير بن رستم الطبري، وهو من الشيعة، ولا يبعد أن يثبت هذا عنه؛ لأن هذا قولهم؛ لأن هذا قول الشيعة، وأما ابن جرير فالذي أوقع في الإشكال تعبيره بالمسح في تفسيره، ويريد بذلك المسح الغسل والمبالغة في الدلك على لغة، بدليل أنه أردف هذا القول بحديث: «ويل للأعقاب من النار» بطرقه، ولو كان يرى المسح والاكتفاء بظاهر القدم كما يقول الشيعة ما جاب حديث «ويل للأعقاب من النار» فلا تصح نسبة القول بالمسح إلى الإمام محمد بن جرير الطبري، ففي فعله فعل علي -رضي الله تعالى عنه- ثم غسل قدميه إلى الكعبين رد على القائلين بمسح القدمين ممن يزعم الاقتداء بعلي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، هم يعتقدون عصمته ويقتدون به، ويرون أنه هو المتبوع، ومع ذلك يخالفونه هو غسل قدميه إلى الكعبين وهم يقولون بالمسح.
"ثم قام فأخذ فضل طهوره" يعني بقية مائه، بقية مائه "فشربه وهو قائم" فشربه وهو قائم، "ثم قال -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" يعني وضوءه، يعني شرح الوضوء عملياً، والتعليم بالفعل لا شك أنه أثبت من التعليم بالقول وأرسخ، "فشربه وهو قائم" جاء في رواية: ثم قال: "إن أناساً يكرهون الشرب قائماً وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صنع مثل ما صنعت" "إن أناساً يكرهون الشرب قائماً وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صنع مثل ما صنعت" النهي عن الشرب قائماً، والزجر عنه، والتشديد في أمره ثابت في صحيح مسلم عن أنس قال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائماً، وجاء في الحديث: «من نسي فشرب قائماً فليقئ» هذا لا شك أنه تشديد في أمر الشرب قائماً، وعلي -رضي الله تعالى عنه- شرب وهو قائم، وأضاف رفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه شرب من شن معلق وهو قائم، وشرب من ماء زمزم وهو قائم، فماذا عن النهي والزجر الثابت في صحيح مسلم؟
من أهل العلم من يرى أن النهي منسوخ، منهم من يرى أنه منسوخ، وعلى هذا يكون الشرب قاعداً أو قائماً لا فرق بينهما، ومنهم من يرى أن الشرب قائماً مع ثبوت النهي صارف، صارف عن التحريم إلى الكراهة، وعلى هذا يكون الشرب جالساً أفضل من الشرب قائماً، وإن كان بعضهم يرى أن الشرب من ماء زمزم على وجه الخصوص، شربه قائماً أفضل، وبعضهم يرد ذلك إلى الأصل وهو النهي، والحظر مقدم على الإباحة، و يحمل شربه من ماء زمزم قائماً أن الأرض قد تلوثت بالمياه فلا يستطيع الشرب وهو جالس.
على كل حال النهي ثابت والزجر صحيح من حديث أنس في صحيح مسلم، والشرب قائماً أيضاً ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، فإما أن نقول: إنه صارف عن التحريم إلى الكراهة وهذا أولى، فيبقى الشرب جالساً أفضل، أو كما قال بعضهم بالنسخ وحينئذٍ يستوي الأمران.
ثم قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟".
قال أبو عيسى: "وفي الباب عن عثمان" في الصحيحين وغيرهما، "وعبد الله بن زيد" فيهما أيضاً، وفي السنن، "وابن عباس" عند البخاري، "وعبد الله بن عمرو" عند أحمد وأبي داود والنسائي، وابن ماجه، "والربيع" عند أبي داود، "وعبد الله بن أنيس وعائشة"، وقال الشارح: إنه لم يقف على حديثهما، لم يقف على حديثيهما.
ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد خير" الإسناد متحد، حدثنا قتيبة هناد وقتيبة قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق إلى هنا متحد، ثم بعد ذلك الأول عن أبي حية، والثاني عن عبد خير، عن عبد خير بن يزيد الهمداني أبي عمارة الكوفي مخضرم ثقة، لم يصح له صحبة، من كبار أصحاب علي، "ذكر عن علي مثل حديث أبي حية، إلا أن عبد خير قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه"، وأبو حية قال: أخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، فالاختلاف بينهما في هذه الجملة فكأنه في حديث أبي حية لم يبق إلا الشيء اليسير بحيث يستوعب شربه، أخذ فضل طهوره يعني ما بقي منه فشربه وهو قائم، وفي حديث عبد خير: أخذ من فضل طهوره، يعني من بقيته بكفه فشربه.
(من) هذه تبعيضية وإلا بيانية؟ تبعيضية وإلا بيانية؟ إذا قلنا: تبعيضية وجد الاختلاف بين الحديثين، وإذا قلنا: بيانية ارتفع الخلاف، ما صار بينهما فرق، وأيهما أولى الائتلاف مع إمكانه أو إثبات الاختلاف؟ هاه؟
طالب:.......
بلا شك أن التأليف بين النصوص أولى، فإذا قلنا: (من) هذه بيانية انتهى الإشكال، فلا يكون هناك فرق بينهما.
قال أبو عيسى: "حديث علي رواه أبو إسحق الهمداني" إسحاق السبيعي "عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي".
أما حديث أبي حية وعبد خير فالحديثان اللذان تقدما في الباب، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي يروي عن علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، كذّبه الشعبي وغيره، وهو معروف بالتشيع والغلو فيه، وعلى هذا المرجح عند أهل العلم ضعفه، بل الشعبي كذبه، قال: حدثنا الحارث الأعور وكان كذاباً، هذا في مقدمة صحيح مسلم.
وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن علقمة عن عبد خير عن علي حديث الوضوء بطوله، وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة، خالد بن علقمة، وكنيته أبو حية، وهو وادعي همداني، هناك عن أبي حية بن قيس الهمداني الوادعي، وهذا أيضاً خالد بن علقمة وادعي همداني وكنيته أبو حية يلتبس بالسابق لكنه غيره، ذاك أبو حية بن قيس، وهذا أبو حية خالد بن علقمة، فهو غيره، أبو حية بن قيس يروي عن علي مباشرة، وهذا يروي عن عبد خير عن علي -رضي الله عنه- حديث الوضوء بطوله، وحديثه مخرج عند أبي داود والنسائي والدارمي والدارقطني، وهذا حديث حسن صحيح، هذا حديث حسن صحيح، الحديث صحيح حديث علي -رضي الله تعالى عنه- في الوضوء صحيح لا إشكال فيه.
قال: "وروى شعبة هذا الحديث -وننتبه لهذا الاختلاف- وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال: مالك، بدل خالد" خالد بن علقمة، قال شعبة: مالك بدل خالد، وعرفطة بدل علقمة، فبدلاً من أن يقول: خالد بن علقمة قال: مالك بن عرفطة، عن عبد خير عن علي، واتفق الحفاظ الترمذي وأبو داود والنسائي على أن شعبة وهِم في هذا التصحيف، وهم في هذا التصحيف، إنما هو خالد بن علقمة، وشعبة يقول: مالك بن عرفطة، ويمثلون به لتصحيف السمع؛ لكون الكلام على وزن صَرفي واحد، يلتبس على السمع، يعني قد يقول لك: قال عاصم، تقول: عامر، تظنه عامر وهو عاصم، قال: أحدب، تظنه الأحول، هذا قريب، السمع أحياناً يلتقط خطأ ويصحِّف، فمثل هذا تصحيف سمع عند أهل العلم، كما صحف عاصم الأحول بعامر الأحدب، لكون الكلمتين على ميزان صرفي واحد، يلتبس عند السامع فلا يحدد المقصود والمراد، وهنا مالك بن عرفطة بدل خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي.
قال: "وروى عن أبي عوانة" عوانة اسمه إيش؟ الوضاح بن عبد الله اليشكري، الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو من الثقات الحفاظ، معروف الوضاح بن عبد الله اليشكري، خلافاً لمن رماه بالوضع، الكوثري قال: وضاع، معتمداً على تصحيف وقع في كتاب سئل من أبو عوانة إمام من الأئمة؟ قال: ذاك وضاع، وهو يريد ذاك الوضاح يريد اسمه، فوقع التصحيف ففرح به هذا المبتلى بمثل هذا -نسأل الله السلامة والعافية-، وأهل الأهواء يفرحون بمثل هذه الأخطاء والتصحيفات، أبو عوانة اسمه: الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة من ثقات الرواة، رواه عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي، قال: وروى عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة والصحيح خالد بن علقمة.
يعني أبو عوانة مرة قال: خالد بن علقمة، ومرة قال: مالك بن عرفطة، فأيهما الأولى؟ منهم من يقول: إنه روي عنه مالك بن عرفطة ثم قيل له: إن شعبة وهم في ذلك فرجع إلى قول غيره، فرواه عن خالد بن علقمة وفي كلام أبي داود الموجود في بعض نسخه في رواية ابن العبد فقط، أن أبا عوانة رواه عن خالد بن علقمة على الصواب عند الجمهور فقيل له: إن شعبة يرويه عن مالك بن عرفطة فقال شعبة: أحفظ، فرواه عن مالك بن عرفطة، فعلى هذا يكون مالك بن عرفطة عند أبي عوانة بعد الرواية عن خالد بن علقمة، والصحيح خالد بن علقمة.
هذا كلام الترمذي يوهم شعبة في تصحيفه خالد بن علقمة إلى مالك بن عرفطة، وكذلك النسائي قال: وهم شعبة، وأبو داود في رواية ابن العبد نص على ذلك.
هذا الراوي من شيوخ شعبة، من شيوخه، وشعبة من أهل التحري والتثبت وشدة النقد، حتى قال جمع من أهل العلم: إنه لا يروي إلا عن ثقة، هذا شيخ من شيوخه فكيف تصحّف عليه؟ نعم شعبة ليس بالمعصوم، شعبة ليس بالمعصوم، لو كان من طبقة متقدمة ويسمع اسم هذا الراوي من غيره قد يتصحف عليه، لكن هو شيخه كيف يتصحف عليه اسم شيخه؟ قد يقول قائل: إن هذا سبق لسان، ويحصل كثير سبق اللسان، بل الناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس لا يخلو مجلس من مجالسه إلا وفيه سبق لسان مرة أو مرتين أو ثلاث، وبعض الناس -ما شاء الله- ضابط ومتقن ما يسبق لسانه إلا في القليل النادر، وشعبة من هذا النوع، حافظ ضابط متثبت، ولو قدر أنه سبق لسانه لصحح، قد يقول قائل: إنه حدّث به بعد زمن طويل ونسي اسم شيخه، احتمالات لا شك أنها واردة، لكن من مثل شعبة في حفظه وضبطه وإتقانه وتحريه ودقته، لا يتصور مثل هذه الأمور، والشيخ أحمد شاكر له كلام يعني الذين وهموا شعبة أئمة حفاظ كبار جبال، والشيخ أحمد شاكر له كلام، يعني له وجه، كلام له وجه، فلنقرأ كلام الشيخ أحمد -رحمه الله-، عندك يا أبا عبد الله؟ في نسخة أحمد شاكر؟ نعم؟
طالب:........
نعم هكذا ذكر، ذهب الترمذي إلى آخر الكلام، وهو طويل، لكن نصبر عليه؛ لأنه كلام مهم، ويفيد طالب العلم، ويدل على دقة عند الشيخ -رحمه الله-، وعلى عناية واهتمام بالحديث ورجاله، لكن لا يعني أنه صواب في كل ما يقول، لا، نعم.
عفا الله عنك.
قال الشيخ أحمد شاكر: هكذا ذهب الترمذي إلى أن شعبة أخطأ في اسم شيخه، وكذلك قال النسائي في سننه، فإنه روى حديث أبي عوانة عن خالد بن علقمة، ثم روى حديث شعبة عن مالك بن عرفطة، ثم قال: هذا خطأ، والصواب خالد بن علقمة، ليس مالك بن عرفطة، وكذلك صنع أبو داود في سننه، فروى الحديث من طريقين عن خالد بن علقمة، ثم رواه من طريق شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة، ثم قال أبو داود: ومالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة، أخطأ فيه شعبة.
قال أبو داود: قال أبو عوانة يوماً: حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير، فقال له عمرو الأغضف: رحمك الله أبا عوانة هذا خالد بن علقمة، ولكن شعبة مخطئ فيه، فقال أبو عوانة: هو في كتابي خالد بن علقمة، ولكن قال شعبة: هو مالك بن عرفطة، قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة، قال أبو داود: وسماعه قديم.
قال أبو داود: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة، وسماعه متأخر كأنه بعد ذلك رجع إلى الصواب، وهذا الذي قاله أبو داود في شأن مالك بن عرفطة لم يوجد في كل نسخ السنن، وإنما وجد في رواية أبي الحسن بن العبد عن أبي داود كما ذكره الحافظ ابن حجر في التهذيب، وكما نقله في عون المعبود عن كتاب الأطراف للحافظ المزي.
وقال أبو زرعة الحافظ فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في كتاب العلل: وهم فيه شعبة، قال ابن حجر في التهذيب وقال البخاري وأحمد وأبو حاتم وابن حبان في الثقات وجماعة: وهم شعبة في تسميته حيث قال: مالك بن عرفطة.
يعني يضاف إلى من تقدم الترمذي وأبو داود والنسائي يضاف البخاري وأحمد وأبو حاتم وابن حبان، وجماعة أيضاً كلهم وهموا شعبة، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يتصدى لهؤلاء الجبال لينطحها بقرنه -رحمه الله-، نعم.
عفا الله عنك.
وعاب بعضهم على أبي عوانة كونه كان يقول: خالد بن علقمة مثل الجماعة، ثم رجع عن ذلك حين قيل له: إن شعبة يقول: مالك بن عرفطة، وقال: شعبة أعلم مني، وحكاية أبي داود تدل على أنه رجع عن ذلك ثانياً إلى ما كان يقول أولاً، وهو الصواب.
وهذا الإسناد قد جعله علماء المصطلح مثالاً لتصحيف السماع، أي أن الراوي يسمع الاسم أو الكلمة فتقع في أذنه على غير ما قال محدثه.
نعم لكونها على نفس الوزن الصرفي المراد، نعم.
فيرويها عنه مصحفة، انظر مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي وتدريب الراوي، وشرحنا على ألفية السيوطي، وشرحنا على اختصار علوم الحديث لابن كثير.
وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن محمد بن جعفر وحجاج بن شعبة عن مالك...
وحجاج عن....
عفا الله عنك.
وحجاج عن شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الدُّباء والحنتم والمزفت، ثم رواه أيضاً عن روح بن شعبة قال: حدثنا....
عن روح عن...
عن روح عن شعبة قال: حدثنا مالك بن عرفطة، وقال أحمد: إنما هو خالد بن علقمة الهمداني وهم شعبة.
وأنا أتردد كثيراً فيما قالوه هنا، أما زعم أن تغيير الاسم إلى مالك بن عرفطة من باب التصحيف فإنه غير مفهوم؛ لأنه لا شبه بينه وبين خالد بن علقمة في الكتابة ولا في النطق، ثم أين موضع التصحيف؟ وشعبة لم ينقل هذا الاسم من كتاب إنما الشيخ شيخه رآه بنفسه وسمع منه بأذنه وتحقق من اسمه، نعم قد يكون عرف اسم شيخه ثم أخطأ فيه، ولكن ذلك بعيد بالنسبة إلى شعبة، فقد كان أعلم الناس في عصره بالرجال وأحوالهم حتى لقد قالوا عنه: "إنه لا يروي إلا عن ثقة".
وفي التهذيب عن عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: كان شعبة أمة وحدة في هذا الشأن، يعني في الرجال، وبصره بالحديث وتثبته وتنقيته للرجال، وفيه عن تاريخ ابن أبي خيثمة قال شعبة: ما رويت عن رجل حديثاً إلا أتيته أكثر من مرة، والذي رويت عنه عشرة، أتيته أكثر من عشر مرار، فمثل هذا الرجل في تحريه وتوثقه في شيوخه لا يظن به أنه يجهل اسم شيخه الذي روى عنه، وأتاه أكثر من مرة كما يقول، نعم قد يخطئ في شيء من رجال الإسناد ممن فوق شيخه، أما في شيخ نفسه فلا، أما الحكاية عن أبي عوانة التي نقلها أبو داود فإنها إن صحت لا تدل على خطأ شعبة، بل تدل على خطأ أبي عوانة، وأنا أظنها غير صحيحة، فإن أبا داود لم يذكر من حدثه بها عن أبي عوانة، وإنما الثابت إسناده أن أبا عوانة روى عن خالد بن علقمة، وروى عن مالك بن عرفطة، فالظاهر عندي أنهما راويان، وأن أبا عوانة سمع من كل واحد منهما.
كلام الشيخ -رحمه الله- الذي سمعناه يدل على دقة فهم بلا شك، لكنه في مقابل هؤلاء الأئمة الكبار لا يعتبر به، وكلامه يتجه لو وجدنا في كتب الرجال راويين بهذين الاسمين من هذه الطبقة بعينها، يعني لو وجدنا خالد بن علقمة، ومالك بن عرفطة في نفس الطبقة وجدناهما خالد بن علقمة مترجم له، ومالك بن عرفطة مترجم له، ووجدناه في نفس الطبقة، ووجدنا الآخذين عنهما ومن رووا عنه، يشتركون في بعض الشيوخ، وبعض التلاميذ قلنا: إنه يحتمل أنه رواه مرة عن هذا ومرة عن هذا، لكن إذا بحثنا في كتب الرجال ما وجدنا مالك بن عرفطة، ما وجدنا إلا واحد منهم إما هذا أو هذا، فلا شك أن كلام الأئمة هو المتعين، وأن شعبة مهما بلغ في الحفظ والضبط والإتقان أنه يهم.
مالك -رحمه الله- نجم السنن وهم، عمرو بن عثمان الحفاظ كلهم على أنه عمرو بن عثمان ومالك يسميه عمر، وهو متثبت منه، ومتحقق منه، وكان إذا مر بداره أشار إليها، هل نقول: إن مالك في مقابل الأئمة كلهم هو الصواب مع أنه متأكد من الاسم ومتحقق منه؟ أو نقول: إنه بالنسبة لخلاف مالك سهل؛ لأن الاسم عمر وعمرو متقاربان، وقد يكون للشخص أكثر من اسم، يكون بعض الأسماء ثقيل فيخفف.
الآن الخطابي أبو سليمان يختلف في اسمه الأكثر على أنه حمد بن محمد، مصدر حمد، ومنهم من يقول: اسمه: أحمد، وأن هذا اسمه في الأصل ثم خفف، فيختلفون في اسم الواحد وهو من المعروفين، لكن يبقى أن الصواب شيء واحد، وما عداه يحكم عليه بالوهم إذا لم يحتمل، فإذا وجدنا راويين بهذين الاسمين من طبقة واحدة يتفقان قلنا: كلام الشيخ متجه، ويش المانع؟ لا سيما وأن شعبة إمام، وأبو عوانة أيضاً إمام حافظ، فالجرأة على تخطئة مثل شعبة الجرأة على تخطئة مثل شعبة يعني فيها صعوبة، لكن يبقى أن حكم الأئمة أحمد والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والترمذي وأبو داود والنسائي كلهم يقولون: أخطأ، وابن حبان في الثقات ينص على أنه أخطأ، الشيخ أحمد كلامه لا شك أن له وجه، لا نقول: إنه باطل من كل وجه، نقول: له وجه ويدل على دقة في النظر، لكن ليس هو الصواب، ليس هو الصواب، يعني مثل هذا الكلام لو أن الشيخ أحمد شاكر في آخر عمره اقتنع بكلام الأئمة، ورجع عن قوله قبل طبع الكتاب هل من الأفضل أن يذكر هذا الكلام وإلا ما يذكره؟ يعني هل الأفضل أن يذكر مثل هذا الكلام قبل الكتاب ورجع عنه أو لا يذكره أصلاً؟ أو يذكره ثم يبين أنه رجع عنه؟ أنا أقول: ذكر مثل هذا الكلام مفيد جداً لطالب العلم، هذا الكلام يفتح آفاق أمام طالب العلم في كثير من المضايق، في غاية الأهمية، يعني كيف شخص من الحفاظ المتقنين المتثبتين يخطئ في اسم شيخه، يعني الأئمة في كفة، لو جعلت في مقابلهم ألف من الحفاظ ما عادلوا هؤلاء الأئمة الذين ذكروا، فكيف بشخص متأخر معاصر؟ لكن هذا يدل على إمامة في هذا الباب، وليس كل كلام مرجوح ينسف بالكلية، لا، يستفاد منه، يعني يستفاد منه في مسائل نظائر لهذه المسألة، فهذا الكلام على طالب العلم أن يتأمله ويدقق فيه، ولو لم يكن راجحاً، يستفيد منه في مواطن، في حديث: «لا نكاح إلا بولي» الإمام البخاري رجح الوصل مع أن من أرسله كالجبل شعبة وسفيان، هم الذين أرسلوه، نقول: البخاري قوله راجح وإلا مرجوح؟ النظر في مثل هذه المسائل في غاية الدقة، من أراد الدقة عند أهل الحديث يرجع إلى حديث «لا نكاح إلا بولي» عند الترمذي يشوف إيش قال الترمذي -رحمه الله- في سبب ترجيح رأي البخاري؟ يعني كلام لا يخطر على البال، ما يقوله عالم معاصر أو جاء بعد الأئمة من تلقاء نفسه أبداً، ليس هذا مما يدرك إلا عن طريق الأئمة، فكلام الشيخ أحمد شاكر ترى في غاية الدقة، وفي غاية الشفافية، لكن يبقى أنه في مقابل كلام الأئمة الحفاظ الكبار مرجوح، نعم.
عفا الله عنك.
باب: في النضح بعد الوضوء:
حدثنا نصر بن علي وأحمد بن عبيد الله السليمي البصري قالا: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح» هذا حديث غريب، وسمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث، وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان وابن عباس وزيد بن حارثة وأبي سعيد وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان، واضطربوا في هذا الحديث.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في النضح بعد الوضوء" والواضح من الترجمة أنه يأخذ قليلاً من الماء فيرش مذاكيره بعد الوضوء؛ ليتقي الوسواس، وهذا لا شك أنه علاج فيمن ابتلي بالوسواس، أو ظهرت مبادئه، ينضح على فرجه وعلى سراويله الماء ليحيل إليه ما يلقي الشيطان عليه، فإذا قال الشيطان: إنك خرج منك شيء بعد الوضوء قال: لا هذا من الماء الذي نضحناه، وقد يغلب على ظنه خروج شيء فإن كان نضح ورش لم يلتفت إليه، وإن كان لم ينضح ولم يرش فاختبر نفسه ووجد بالفعل أنه قد خرج منه لا شك أن هذا ناقض، لكن إذا كثر مثل هذا لا بد من النضح، ولا يمكن أن يتقى الوسواس إلا بمثل هذا.
قال -رحمه الله-: "حدثنا نصر بن علي" الجهضمي "وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي" البصري الوراق ثقة من العاشرة "قالا: حدثنا أبو قتيبة سلْم بن قتيبة" الخرساني، قالوا: صدوق من التاسعة "عن الحسن بن علي" بن محمد بن علي بن ربيعة بن نوفل "الهاشمي" ضعيف جداً، يقول البخاري: منكر الحديث -على ما سيـأتي-، "عن عبد الرحمن" بن هرمز "الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح» يعني إذا فرغت من الوضوء فانتضح، إذا توضأت يعني إذا فرغت من الوضوء فانتضح، وعرفنا السبب والحكمة من هذا الانتضاح؛ ليحيل إليه ما يظن خروجه، فإذا ظن أنه خرج منه قال: إنه من هذا الماء المنضوح.
يقول ابن العربي في العارضة: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أربعة أقوال: الأول: معناه إذا توضأت فصب الماء على العضو صباً ولا تقتصر على مسحه فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، وعلى هذا يكون مفاد الحديث الإسباغ، إسباغ الوضوء، على العضو يعني جنس العضو المغسول من وجه أو يد أو رجل، إذا توضأت فصب الماء على العضو يعني المغسول صباً، ولا تقتصر على مسحه فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، والثاني: معناه استبرئ الماء بالنثر والتنحنح، وهذا لا شيء، هذا القول لا يعتمد عليه، ولا يعول عليه، بل نص أهل العلم على أن مثل هذا الفعل بدعة، الثالث: معناه إذا توضأت فرش لإزالة الذي يلي الفرج؛ ليكون مذهباً للوسواس، وهذا ما ذكرناه سابقاً، الرابع: معناه الاستنجاء بالماء، الاستنجاء بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار، يعني لا تقتصر على الاستجمار، بل استنجي بعده، فإن الحجر يخفف الوسخ والماء يطهره.
وعلى كل حال الأكثر على الفهم الأول، وأن المراد به رش الماء على المذاكير والسراويل وما يلي المخرج.
«إذا توضأت فانتضح» قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه، قال: "وسمعت محمداً يقول –يعني محمد بن إسماعيل البخاري-: "سمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث" والبخاري إذا قال: منكر الحديث، يعني البخاري شديد الورع في أحكامه على الرواة فلا تجده يقول: كذاب ولا وضاع ولا دجال ولا متهم، إنما يكتفي بقوله: منكر، أو يقول: تركوه، أو متروك، أو نحو هذه العبارات، وعلى كل حال ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ضعيف لضعف الهاشمي هذا.
يقول الشارح: حديث الباب ضعيف وفي الباب أحاديث عديدة مجموعة يدل على أن له أصلاً، يدل على أن له أصلاً.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان" عند أبي داود وابن ماجه، وعند أحمد في المسند أيضاً، وابن عباس عند عبد الرزاق في الجامع، وزيد بن حارثة عند ابن ماجه والدارقطني، وفي إسناده ابن لهيعة، وأبي سعيد الخدري قال الشارح: لم يقف عليه، وقال بعضهم -يعني بعض الرواة-: سفيان بن الحكم، وقال: "وفي الباب عن أبي الحكم ابن سفيان" قال بعض الرواة: "سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان" على الشك "واضطربوا في هذا الحديث".
في التقريب الحكم بن سفيان وقيل: سفيان بن الحكم، قيل: له صحبة، لكن في حديثه اضطراب، في حديثه اضطراب، هل الاضطراب في الحديث أو في اسمه؟
الاضطراب أن يروى الخبر على أوجه مختلفة متساوية فهل روي هذا الخبر بألفاظ مختلفة أوجه مختلفة متساوية؟ مختلفة من حيث المعنى متساوية من حيث الحكم بحيث لا يستطاع ترجيح بعضها على بعض؟ فيبقى الاضطراب؟ وإذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، أو الاختلاف في اسمه؟ كما اختلفوا في اسم عمرو بن حريث، أو أبو عمرو بن حريث، أو ابن عمرو بن حريث في حديث الخط، ومثلوا به للمضطرب، ففرق بين أن يكون مضطرب المتن، وأن يكون مضطرب السند، والاضطراب لا شك أنه موجب للضعف، لكن يبقى أن هذا شيء وذاك شيء آخر.
هذه الأحاديث التي ذكرها الشارح مثل حديث أبي الحكم بن سفيان وحديث ابن عباس، وزيد بن حارثة وحديث أبي سعيد، وأيضاً في الباب عن جابر أخرجه ابن ماجه وعن أسامة بن زيد رواه أحمد، وفي إسناده رشدين بن سعد الذي تقدم ذكره، وعلى كل حال وجود هذه الأحاديث الذي يدل مجموعها على مشروعية النضح لرفع أو لدفع الوسواس، لرفعه إن كان موجوداً، أو لدفعه إن لم يكن موجوداً، لا شك أن مجموع هذه الأحاديث تدل على أن له أصلاً، وبعض الناس إنما ابتلي بالوسواس بهذا السبب، إذا توضأ قال: إنه خرج منه شيء، ثم إذا توضأ ثانية خيل إليه الشيطان أنه خرج منه شيء، والشيطان يلعب بمقاعد بني آدم وبمذاكيرهم حتى يظن أنه خرج منه شيء وهو لم يخرج في الحقيقة، ولذا قال: «إذا أحس أحد أو أدرك أحد شيء من ذلك فلا ينصرف»، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» يعني حتى يتيقن؛ لأن الأصل الطهارة، نعم.
سم.
عفا الله عنك.
باب: في إسباغ الوضوء:
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»
و حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء نحوه، وقال: قتيبة في حديثه: «فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» ثلاثاً.
وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعَبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو وعائشة وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي وأنس.
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني، وهو ثقة عند أهل الحديث.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في إسباغ الوضوء" أي إتمامه وإكماله، ومنه درع سابغ يعني تام كامل وافي، يغطي البدن.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر" السعدي، وهو ثقة حافظ "قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر" بن أبي كثير الأنصاري الزرقي، من الثقات أيضاً "عن العلاء بن عبد الرحمن" بن يعقوب الحرقي، قال ابن حجر: صدوق، وذكر الترمذي أن أهل الحديث وثقوه "عن أبيه" عبد الرحمن بن يعقوب ثقة "عن -الصحابي الجليل- أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا؟» ألا: استفهام، ولا، نافية وليست للتنبيه بدليل إجابتهم بـ(بلى) قالوا: بلى يا رسول الله، فهو يستفهم، وإذا دخل الاستفهام على نفي لا بد أن يكون الجواب بـ(بلى) ولو كان الجواب نعم انقلب المعنى {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [(172) سورة الأعراف] ولو قالوا: نعم، قال: لكفروا؛ لأنها تقلب المعنى.
«ألا أدلكم؟» قالوا: بلى، فائدة السؤال ليكون الكلام أوقع في النفس؛ ليكون الكلام أوقع في النفس، كثيراً ما يأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأخبار على جهة الاستفهام، يسأل ثم يجيب، وقد يجيبون ويصوبهم ويسددهم، وقد يكلون العلم إلى الله ورسوله إلى عالمه «أتدرون من المفلس؟» قالوا..، يعني يعرفونه المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرد هذه الحقيقة وإن كانت شرعية، لكنه لم يردها إنما أراد أن ينبه على أمر أهم، وهو أن الإنسان يتعب في تحصيل الحسنات ثم يفرقها ويوزعها بحيث لا يبقى منها شيء، هذا هو المفلس الحقيقي، أما من جمع الدراهم والدنانير ثم فرّقها هذا أمره سهل، هذا خسر شيء من الدنيا وذاك خسر الآخرة.
«ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا»؟ {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [(39) سورة الرعد] يعني المحو هذا من كتاب الحفظة، من كتاب الحفظة، يمحى مثل هذا، وهو دليل على غفرانها، دليل على غفران هذه الخطايا، قاله النووي.
«ويرفع به الدرجات؟» أي يعلي به المنازل في الجنة، قالوا: بلى يا رسول الله قال: «إسباغ الوضوء» أي إتمامه باستيعاب المحل بالغسل «على المكاره» المكاره: جمع مكره، والمراد به ما يكرهه الإنسان، ويشق عليه كالبرودة الشديدة، أو الحرارة الشديدة، وغلاء الثمن، أو ما يمنع في البدن من الارتياح إلى الماء، «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى» جمع خطوة، وهي ما بين القدمين، وكثرة الخطى إنما تكون ببعد الدار عن المسجد، وكثرة التردد إلى المساجد، كثرة الخطى إنما تكون ببعد الدار عن المسجد، فمن كان بيته بعيداً عن المسجد لا ينتقل إلى قرب المسجد، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لبني سلمة: «بني سلمة دياركم، تكتب آثاركم» كما أن القريب من المسجد لا يبحث عن بيت بعيد من المسجد لأجل هذا؛ لأن البعد والقرب ليس مقصوداً لذاته، ليس مقصوداً لذاته، والمشقة إنما يؤجر عليها الإنسان إذا كانت تابعة للعبادة، أما لذاتها فليست من مقاصد الشرع، بعض الناس إذا خرج من بيته وهو يرى المسجد دار على الحي ثم دخل المسجد، هذا لا يكتب له إلا ما بين بيته وبين المسجد، هذا يكتب له التقدم إلى المسجد، هذا يدخل المسجد قبل من بيته بعيد، هذا له أجره وذاك له أجره، فليس القرب والبعد من المقاصد، اللهم إلا إن بعض الناس البعد قد يبعث في نفسه الكسل، أحياناً يقول: والله الآن ما يمدينا على الصلاة، المسجد بعيد إذا كان قريب تشجع، فمثل هذا يقرب من المسجد؛ ليكون عوناً له على الصلاة حيث ينادى بها مع الجماعة.
«وكثرة الخطى إلى المساجد» في الذهاب أو في الذهاب والإياب، أما بالنسبة للجمعة فالحديث ثابت في أنه في ذهابه وإيابه تكتب له الخطى، أما بالنسبة لغيرها فهو المأمول من فضل الله وكرمه، والقياس على الجمعة صحيح؛ لأنه خرج من بيته لا ينهزه إلى المسجد إلا الصلاة، فتكتب له هذه الخطى، وليس بحاجة إلى الخطى في الرجوع إلا من أجل الصلاة، فتكتب له -إن شاء الله تعالى-.
«وانتظار الصلاة بعد الصلاة» انتظار الصلاة يعني وقت الصلاة بعد فراغه من الصلاة السابقة، فيكون القلب معلق بها، معلق بالصلاة، معلق بالمساجد، فيكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «رجل قلبه معلق بالمساجد» ليس المراد بالمساجد ذاتها، وإنما المراد الصلاة «وانتظار الصلاة بعد الصلاة» ويمكن انتظار صلاة العصر بعد صلاة الظهر، يمكن انتظار المغرب بعد صلاة العصر، يمكن انتظار العشاء بعد صلاة المغرب، لكن هل يمكن انتظار الفجر بعد صلاة العشاء؟ لا يمكن، وهل يمكن انتظار الظهر بعد صلاة الفجر؟ هذا لا يمكن، الإمكان والذي لا يشق انتظار الصلوات الثلاث، لا يمكن انتظار صلاة الظهر أو صلاة الفجر إلا بالاعتكاف شخص معتكف نعم، مع أنه لا ينتظر، بل قد ينصرف عن انتظار الصلاة لنوم أو نحوه.
«فذلكم الرباط» فذلكم الرباط المُرغب فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} [(200) سورة آل عمران] وإن كان الرباط إذا أطلق فالمراد به ملازمة الثغور، والجهاد في سبيل الله، وربط النفس وحبس النفس على ذلك هذا هو المراد به إذا أطلق في النصوص، لكن هذا الرباط حبس للنفس على هذه الطاعة العظيمة، ففيه شبه من المرابطة في سبيل الله، «فذلكم الرباط» تعريف جزئي الجملة، تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، يعني لا غيره، وهذا حصر إضافي بلا شك، ومما يدل على فضل مثل هذا العمل وإن كان غيره لا سيما الرباط في سبيل الله الذي هو الجهاد أعظم منه، وجاء فيه أكثر النصوص، والرباط أيضاً والمرابطة لطلب العلم وتعليمه، والمرابطة من أجل الدعوة إلى الله -جل وعلا-، كل هذه من أبواب الخير التي جاءت النصوص بالحث عليها.
"وحدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد" يعني هو الدراوردي "عن العلاء بن عبد الرحمن نحوه" العلماء إذا قالوا: نحوه فإنما يريدون به المعنى، ولا يريدون به اللفظ، بخلاف ما إذا قالوا: مثله.
"نحوه وقال: قتيبة في حديثه: «فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط» ثلاثاً" كررها ثلاثاً، إما أن يكون من أجل تعظيم الأمر والاهتمام بشأنه، أو لكونه على عادته أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم تكلم ثلاثاً، ولا شك أن مثل هذا في غاية الأهمية في حياة المسلم، والحديث مخرج في صحيح مسلم، وعند الإمام مالك في الموطأ، وعند النسائي وابن ماجه.
قال أبو عيسى: "وفي الباب عن علي" عند أبي يعلى والبزار والحاكم "وعبد الله بن عمرو" عند البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، وأيضاً هو عن ابن عمر لأن بعض النسخ: عبد الله بن عمرو وبعضها عبد الله بن عمر، وهو مروي عنهما، أما حديث عبد الله بن عمرو فهو في الصحيحين والسنن، وأما حديث ابن عمر فهو عند ابن خزيمة "وابن عباس" عند الترمذي سيأتي في اختصام الملأ الأعلى "وعَبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو" وليس هو السلماني وإنما هو الكلابي، أما عبيدة بن عمرو السلماني فهو عبيدة بالفتح، "عبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو" وهو عند أحمد في المسند والبزار والطبراني "وعن عائشة وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي" وعائشة لا يدرى..، لم يقف الشارح على من أخرجه، عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أخرجه البغوي في شرح السنة "وأنس" عند البزار.
قال أبو عيسى: "حديث أبي هريرة في هذا الباب حديث حسن صحيح" وعرفنا أنه مخرج عند مسلم "والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني" الحرقي نسبة إلى الحرقة بطن من جهينة "وهو ثقة عند أهل الحديث".
وذكرنا فيما تقدم أن الحافظ في التقريب قال: صدوق ربما وهم، ولكنه ما دام مخرج له في الصحيح فقد جاز القنطرة، فالمتجه توثيقه على ما قال الترمذي، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"ذكرتم بالأمس إشكالاً وهو فيما يتعلق بمرتبة المقبول عند ابن حجر -رحمه الله تعالى- فإنه قال: السادسة من المراتب في الكلام على أحوال الرواة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.
وذكرتم أنكم تتطلبون الفرق بين الأحكام على هؤلاء الرواة: الضحاك بن حمرة ضعيف من السادسة، الضحاك بن نبراس لين الحديث من السابعة، الضحاك المعافري مقبول من السادسة.
هذا الكلام كله ذكرناه بالأمس، ثم قال:
وبحثت عنها في التقريب فوجدت أمثلة لهذا الإشكال.
أنا ما قلت: إن ما في التقريب إلا هذه الأسماء الثلاثة، فيه كثير ممن حُكم عليه بمقبول، وكثير ممن حكم عليه بلين، وكثير أيضاً ممن حكم عليه بضعيف، وأتيت بهؤلاء الثلاثة؛ لأن تراجمهم متقاربة كلهم اسمهم: الضحاك، يعني تكاد تكون في صفحة واحدة من التقريب الأسماء الثلاثة، ولم أقصد بذلك الاستيعاب، قلنا: إن المقبول كثير في التقريب، والضعيف كذلك، واللين كذلك.
قال: وبحثت عنها في التقريب فوجدت أمثلة لهذا الإشكال عباد الأسدي الكوفي ضعيف من الثالثة، عباد بن أبي علي البصري مقبول من الرابعة، عباد بن ميسرة المنقري لين الحديث من السابعة.
هذه أيضاً تصلح أمثلة لكن ليس على سبيل الحصر.
يقول: وقد توجه -والله أعلم- حل لهذا الإشكال عندي: وهو أن من الأسانيد ما يقبل الحكم عليها، إما بإطلاق الصحة، إما بإطلاق الصحة على الإسناد لكون رجاله متسلسلين بالثقات وهو متصل، أو بإطلاق الضعف لوجود راوٍ ضعيف أو لين، وبعض الأسانيد لا يقبل هذا الحكم الإجمالي، بل لا بد من الفحص والبحث والتنقيب، مثل من قيل فيه: مقبول حتى نتأكد من المتابعة أو لا، ومثله من قيل فيه: صدوق يخطئ حتى نعرف هل هو من صوابه أو من خطأه، ومثله من قيل فيه: صدوق يهم، فلا نحكم على السند إجمالاً حتى يتبين لنا هل هذا الحديث مما وهم فيه أو ما تيقن فيه.
مفاد كلام الكاتب -وفقه الله- أننا حينما نحكم على الإسناد المجرد، الإسناد المجرد، الإسناد الخاص لحديث ما، وقد وجد فيه ضعيف نقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وجد فيه لين، نقول: الإسناد.. الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وجد فيه مقبول نتوقف، لا نحكم عليه بالصحة ولا بالضعف حتى نبحث، فإن وجدنا له متابعاً قبلناه وإلا رددناه إلى لين وضعفناه، وأنا أقول: لا يزال الإشكال باقياً، لا يزال الإشكال باقياً، كوننا نتوقف عن الحكم عليه لا يعني أننا نقبله، مما يفيد فيه لفظ مقبول حيث يتابع، فإننا لا نستطيع أن نحكم على هذا الراوي بأنه مقبول إلا إذا وجدنا متابعة.
يعني الكلام الذي ذكره الأخ يعني في ظاهره أوجد فرقاً، لكن في باطنه وحقيقة الأمر لا فرق؛ لأنه حيث نتوقف في حديث المقبول حتى نجد المتابع، وكوننا نجزم برد حديث الضعيف أو اللين دون النظر فيه، إذا وجدنا متابع لهذا الضعيف أو لهذا اللين، فما الحكم؟ ألا يرتقي؟ وإذا حكمنا على حديث بأنه ضعيف هل معنى هذا أننا أجهزنا على الحديث ووجوده مثل عدمه بالكلية؟ لا ليس الأمر كذلك، بل نبحث عما يرقيه، فإن وجدنا قبلناه سواء في ذلك الحديث الضعيف الذي ضعفه ليس بشديد، أو حديثه أو راويه ممن وصف بأنه لين، وهذا الضعف أيضاً ليس بشديد، فإن وجدنا ما يتابعه قبلناه وإلا فلا، وكذلك المقبول سواءً حكمنا عليه بالضعف حتى نجد المتابع، أو توقفنا فيه حتى نجد المتابع لا فرق؛ لأننا ما دمنا متوقفين فيه فإننا لن نعمل به، لن نعمل حتى نجد المتابع، وهذا الفرق في نظري لا يحل الإشكال، لا يحل الإشكال، اللهم إلا عند من يقول: أن الضعيف لا يقبل الترقية مهما كان ضعفه، وأن المتقدمين لا يقوون بالطرق، كما يتردد على لسان بعض الناس، وإن كان فيه ما فيه الكلام، الكلام فيه ضعف، وإلا لا يختلف اثنان في أن الحديث الذي يأتي من طريقين أقوى من الحديث الذي يأتي من طريق واحد مساوٍ لأحد الطريقين، فالإشكال باقٍ، الإشكال باقي، سواءً حكمنا مباشرة أو حكمنا عليه بالتوقف ثم بحثنا عن متابع، علماً بأننا نحكم عليه باللين حتى نجد المتابع، حتى نجد المتابع.
يقول: وبعض الأسانيد لا يقبل هذا الحكم الإجمالي، بل لا بد من الفحص والبحث والتنقيب مثل من قيل فيه: مقبول حتى نتأكد من المتابعة أو لا.
يعني لو نظرنا إلى مرويات هؤلاء الذين قيل فيهم: مقبول أو لين، يعني إذا كان حكم ابن حجر ناتج عن استقراء تام لمرويات هؤلاء الرواة، وأنه وجد أحاديث من قال فيه: مقبول في الجملة أقوى من أحاديث من قيل فيهم: لين، فهذا ينفع عند التعارض، فهذا ينفع عند التعارض، فإذا تعارض حديث من قيل فيه: لين ووجدنا له متابع مع حديث من قيل فيه: مقبول ووجدنا له متابع فإننا نقدم حديث من قيل فيه: مقبول، وهذا عند التعارض لا عند أصل الحكم على الأحاديث.
يقول: ومن القواعد عند أئمة النقد من المحدثين القول في الراوي الذي فيه تفصيل غالباً ما يكون صواباً مثل ما نقل عن يحيى بن معين في جرير بن حازم فقال عنه: ثقة إلا في قتادة فهو ضعيف، يقول: أرجو النظر في هذا الكلام وتعليقكم عليه، والله أعلم.
على كل حال هو يدل على عناية واهتمام لا شك، وشيء من الخبرة والدربة، لكنه لم يحل الإشكال، الإشكال عندي ما زال باقياً.
الحفظ المجرد قد لا يثبت في الذهن، وإنما يثبت بالتطبيق، يثبت بالتطبيق، ولذا من قرأ في إرشاد الساري أو حتى الكرماني، إذا انتهى من الكتاب يكون عنده تصور عن رجال البخاري أكثر مما لو قرأ تراجمهم في التقريب؛ لأن الراوي مربوط بمرويه، التصور يكون تام، وأيضاً عبارة هؤلاء أبسط من عبارة التقريب، فيستفيد من قرأ في الشروح ونظر في الرجال، لكن من أراد كيفية حفظ الرجال بما قيل فيهم من أقوال أهل العلم يجعل التقريب محور، يقارنه بما في الكاشف والخلاصة، فإذا انتهى رجع مرة أخرى، فراجع عليه تهذيب الكمال، وتقريب التهذيب بزياداته، فينظر كيف انتقى ابن حجر هذه اللفظة التي لا يقل بها أحد من أهل العلم من أقوالهم التي قد تبلغ عشرين، ابن حجر ينتقي لفظ مناسب لحال هذا الراوي من وجهة نظره، من وجهة نظره هو، فينظر في أقوال أهل العلم في هذا الراوي فيرى أن التوسط فيه أن يقال: صدوق، نص بعضهم على أنه يخطئ قال: ربما يخطئ، وإذا نص أكثر من ذلك على أنه يخطئ قال: صدوق يخطئ، وهكذا إذا كانت الأقوال متجهة إلى توثيقه قال: ثقة، وإذا كانت الأقوال متجهة أو أكثرها متجه إلى تضعيفه قال: ضعيف، وهكذا فهذا اجتهاد ابن حجر، ووقفنا على اختلاف في أحكامه على الرواة في التقريب وفي مؤلفاته الأخرى، فعبيد الله بن الأخنس من رواة البخاري، قال فيه في فتح الباري: ثقة، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، لماذا؟ لأنه استصحب الخبر الذي رواه في صحيح البخاري، وغفل عنه في التقريب، نظر في أقوال أهل العلم وغفل عما قرره في الفتح، وعن روايته في الصحيح، فقال: عبيد الله بن الأخنس صدوق، قال ابن حبان: يخطئ، فلنعلم جميعاً أن الأحكام في التقريب اجتهادات بشر، نعم حافظ ومطلع وصاحب استقراء واطلاع واسع وصاحب فهم ثاقب ولكنه ليس بمعصوم، فطالب العلم المبتدئ يمكن أن يتدرب ويتمرن على التقريب لا بأس، كما يتمرن على كتب المصطلح المؤلفة للمتأخرين، لا مانع، لكنه إذا تأهل صارت لديه الأهلية لا يعول على التقريب، يعني لا يكتفي بالتقريب، يراجع التقريب ثم يراجع كلام أهل العلم، فقد يخالف، يخالف ما جاء في التقريب، الرجل ثقة لماذا أنزله ابن حجر إلى مرتبة صدوق؟ الرجل ضعيف في أقوال أهل العلم، المترجح منها أنه ضعيف لماذا رفعه الحافظ إلى صدوق؟ فمثل هذا لا بد أن يكون اعتباره في ذهن طالب العلم وهو يراجع التقريب، نعم من شيوخنا من يراجع التقريب ولا يراجع غيره، ومعوله عليه في الجملة، لكن هذا في اعتباري وتقديري ليس بسديد، يعني التعويل عليه وعدم النظر في غيره، نعم من ليست لديه أهلية من المبتدئين يريد أن يتمرن لا ليحكم حكماً جازماً به، ملزماَ به غيره، له أن يعتمد على التقريب كما يعتمد متون الفقه، وكما يعتمد كتب المصطلح عند المتأخرين، أو أصول الفقه عند بعض المذاهب، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من العناية بها.
الذي تسعفه الحافظة، ويستطيع أن يحفظ يمسك التقريب ويحفظه مثل ما يحفظ الزاد، وإذا قيل: إن حفظ الزاد مهم فحفظ التقريب أيضاً مهم، لكن يبقى أنه مثل ما قلنا: لا بد أن يعنى بالأحكام، لماذا اختار ابن حجر هذا اللفظ لهذا الراوي؟ لماذا اختلف قوله في التقريب وفي غيره من مؤلفاته؟ نجد اختلاف في عدد سجل أظن ثلاث رسائل، اختلاف أقوال الحافظ ابن حجر في التقريب مع أقواله في فتح الباري أو التلخيص أو غيرهما من كتبه، فهو حينما يحكم على الراوي في الفتح مثلاً، نأخذ مثلاً ابن لهيعة ثلاثة عشر من العلماء ضعفوه، ووثقه عدد قليل جداً، ووثقه بالنظر الخاص إلى رواية العبادلة بعضهم، فالجمهور على تضعيفه، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق، وقال في أكثر من موضع من فتح الباري: ضعيف، وقال في موضع في حكمه على حديث قال: أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن مع أن فيه ابن لهيعة، فمثل هذا يجعل طالب العلم لا سيما الذي لديه الأهلية لا يتعجل في أخذ الحكم من التقريب، لا سيما إذا كان الراوي في الصحيحين أو في أحدهما؛ لأنه قد يقول مثلاً: صدوق يخطئ، مثل ما قال في عبيد الله بن الأخنس وهو من رجال الصحيح، فمثل هذا لا يتعجل فيه، فعندي أن التخريج للراوي في الصحيحين أقوى بكثير من أقوال من جرح هذا الراوي، اللهم إلا إذا كان التجريح نسبي، إضافي، بالنسبة لراوي من الرواة فيتقى بالنسبة لهذا الراوي، كما أشار أخونا كاتب الرسالة.
بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ لا متون الأحاديث، ولا أسانيد الأحاديث، فمثل هذا يوصى -وذكرناه مراراً- أنه بالنسبة للأسانيد يعنى بالسلاسل المشهورة التي يروى بواسطتها أحاديث كثيرة، وتعرف هذه السلاسل بواسطة تحفة الأشراف، سند واحد مكون من أربعة رواة فيه مائة حديث، أنت إذا حفظت هؤلاء الأربعة فلان عن فلان عن فلان ارتحت من مائة سند، وهكذا تبدأ بالأكثر ثم الذي يليه ثم الذي يليه، على سبيل التدلي، هذا بالنسبة للنظر في الأسانيد وبالنسبة لما قيل في الرواة ممن لا..، أقول: بالنسبة لحفظ ما قيل في الراوي من الأقوال يكون المحور مثلاً التقريب، فيراجع في هذا الراوي الراوي الأول يراجع فيه في العرضة الأولى الكتب المختصرة الكاشف والخلاصة، ويسجل قال الذهبي كذا، وقال في الخلاصة كذا، إلى أن ينتهي، ثم يعود إلى الكتاب مرة ثانية، فيراجع عليه المطولات، ولو اكتفى في هذه المرة بتهذيب الكمال للحافظ المزي وتهذيبه للحافظ ابن حجر بزياداته يستفيد كثيراً، وتتكون لديه الأهلية أهلية الموازنة بين أقوال أهل العلم في الراوي بعد النظر في كتب المصطلح، والنظر أيضاً في مواقع الاستعمال عند أهل العلم، في مواقع الاستعمال عند أهل العلم، فابن حجر مثلاً على سبيل المثال عندنا بيجينا راوي العلاء بن عبد الرحمن، العلاء بن عبد الرحمن قال: هو ثقة عند أهل الحديث يقوله الترمذي، يعني ملاحظة مواقع الاستعمال عند أهل العلم مهمة جداً، يقول الترمذي: العلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني الحرقي ثقة عند أهل الحديث، وفي التقريب صدوق ربما وهم، صدوق ربما وهم، مع أنه مخرج له عند مسلم، فإذا نظرنا إلى مواقع الاستعمال ما نظرنا النظر المجرد، علم نظري فقط نستفيد كثيراً، ونضير ذلك ما ذكرناه في المناسبات بالنسبة للتفقه من كتب السنة، التفقه من كتب السنة لا يكون..، إن كانت الحافظة تسعف وأراد أن يحفظ الكتب بأسانيدها بتراجمها بآثارها بفقه أهل الحديث طيب، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف ليجعل المحور صحيح البخاري، ويراجع عليه الكتب الأخرى مثل ما شرح، وأفضنا فيه في مناسبات كثيرة.