شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (25)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله عنهما- قالت: جاءت أم سليم بنت مِلحان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟ قال: «نعم إذا هي رأت الماء فلتغتسل» قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي قال: وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل" يعني من الاحتلام ترى أنها تُجامع، وإذا رأت ما يرى الرجل في المنام ورأت أنها تجامع من قبل زوجها أو من غيره، فلا يخلو الحال إما أن ترى الماء بارزاً، ماء النطفة فإنه حينئذٍ يجب عليها الغسل على ما في حديث الباب وغيره، فهي كالرجل والنساء شقائق الرجال، وإن لم ترَ الماء فهذا من تلاعب الشيطان، ولكن ليس عليها غسل.
قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة" عن أم سلمة عن أمها أم سلمة "قالت: جاءت أم سليم بنت ملحان" وهي أم أنس بن مالك "إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق" هذه الجملة قدمتها تمهيداً لعذرها في ذكر ما يستحيا من ذكره، فجاءت بهذه المقدمة لتلج إلى الموضوع التي تريده؛ لأن لو سألت مباشرة بدون مقدمات لا سيما عند النساء أو من النساء هذا شيء ينبو عنه السمع والفطرة المستقيمة في مثل هذه الأمور، الحياء الذي يمنع من النطق بهذا الكلام موجود عند النساء أكثر منه عند الرجال، ونساء الأنصار مدحن بهذا؛ لأن الحياء لم يمنعهن من معرفة الحق "قالت أم سليم: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق" بياءين في لغة قريش، وبياء واحدة عند تميم "لا يستحي" ويظهر أثر ذلك في حال الجزم فعند قريش إذا قلت: «إذا لم تستحي» بياء واحدة حذفت واحدة من أجل الجزم وأبقيت الثانية، وعلى لغة تميم تقول: «إذا لم تستحِ» بكسرة، «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» والإمام البخاري لم خرج الحديث في كتاب الأدب أورد الحديث بياء واحدة «إذا لم تستحي» لأن واحدة حذفت للجزم وبقيت واحدة على لغة قريش، والترجمة قال: «باب إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» على لغة تميم.
"إن الله لا يستحيي من الحق" المراد بالحياء هنا المنفي {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} [(26) سورة البقرة] الله -جل وعلا- كما في هذا الحديث وفي الآية أيضاً "لا يستحيي من الحق" ومفاده أنه يستحي من الباطل، وإثبات الحياء لله -جل وعلا- مقرر عند أهل السنة والجماعة على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن جاء بصيغة النفي لكن النفي له مفهوم مقرر فإذا كان لا يستحي من الحق فمفهومه أنه يستحي من ضده، وبعضهم يؤوله بالامتناع، هذا لازم الاستحياء الامتناع فلا يمتنع من قول الحق، وإذا جاءت الصفة منفية فإن كان مقابلها مؤكد مجزوم به فهو مراد، كما في «فإن الله لا يمل حتى تملوا» الملل من المخلوق مؤكد من صفته الملل «فإن الله لا يمل حتى تملوا» فإثبات الملل لله -جل وعلا- من هذا النص وإن كان منفياً إلا أنه مرتب على أمر محقق فأثبته من أثبته من أهل العلم، ومنهم من لم يثبت الملل لله -جل وعلا- وقال: إن معنى الحديث لا يمل وإن مللتم، لا يمل وإن مللتم كما في قولهم: إن فلاناً الخطيب أو الشاعر أو المناظر لا ينقطع حتى ينقطع خصمه، إذا انقطع بعد انقطاع خصمه هل هذه صفة مدح وإلا ذم؟ ليست بصفحة مدح، لكن كونه لا ينقطع وإن انقطع خصمه هذه صفة مدح، وهذا قرره الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح البخاري وغيره من أهل العلم.
"إن الله لا يستحيي من الحق" الحياء يطلق على معنى شرعي ومعنى عرفي، فالحياء الشرعي خير كله ولا يأتي إلا بخير، وفي الصحيح أن رجلاً كان يعظ أخاه في الحياء فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير» والحياء شعبة من شعب الإيمان ولم يرد ما يخصصه دليل على أن الحياء الشرعي ممدوح على كل حال، وهو الذي يبعث على ترك ما يذم به فاعله شرعاً أو عرفاً، وأما ما يمنع صاحبه من قول الحق وإنكار الباطل، والأمر والنهي والدعوة والتعليم هذا يسميه الناس حياء، يقولون: فلان لا يأمر ولا ينهى يستحي، ولا يعظ ولا يعلم يمنعه الحياء، هذا ليس بحياء هذا هو الخجل المذموم هذا خجل مذموم ليس بحياء وإن سمي عرفاً حياء؛ لأنه يمنع، بجامع المنع مع الحياء الشرعي، لكن هذا يمنع مما يمدح به شرعاً فهو مذموم، والحياء الشرعي يمدح مما يُذم به شرعاً فهو ممدوح.
"إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل" وفي رواية أحمد: "إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام" إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام تغتسل، يعني المرأة ترى زوجها يجامعها والرجل يجامع زوجته ويرى أنه يجامع زوجته في المنام هذا ما في إشكال؛ لأن قلبه معلق بزوجته دون غيرها، وهذه المرأة معلقة بزوجها دون غيره، لكن من رأى أنه يجامع غير زوجته من امرأة معلومة أو مجهولة هل في هذا ما يذم به؟ أو نقول: إن النائم رفع عنه القلم فلا يؤاخذ؟ أو نقول: إنه ما رأى ذلك حتى ترددت في ذهنه وعلى خاطره في اليقظة؟ لأن هذا يحصل أنه يرى أنه يجامع امرأة أجنبية عنه لا تحل له، وقد تكون من محارمه هل هذا لازم وإلا ليس بلازم؟ هل هذا نتيجة تفكير في حال اليقظة وإلا حصل هكذا اتفاقاً؟ نعم؟ هو ممن يجامع محارمه هذا في الغالب أنه اتفاقاً، لا يوجد نفس سوية تشرئب إلى المحارم بخلاف من مسخت فطرته، أما كونه يجامع امرأة أجنبية ليست من محارمه إذا كانت معلومة بعينها معروفة امرأة الجيران وإلا امرأة تحدثوا عنها في مجلس وإلا كذا ومدحت له ثم رأى أنه يجامعها هذا قد يقول قائل: إن هذا بسبب التعلق الذي هو مجرد حديث نفس في اليقظة يعني لا يؤاخذ عليه في اليقظة وهذا الكلام يجرنا إلى مسألة أخرى وهي مما يكثر السؤال عنه قد تكون زوجته ليست على المستوى الذي يطلبه فلا يمكن أن يعاشرها حتى يتخيل غيرها وهذا موجود ويسأل عنه كثير؛ لأن التفكر والتخيل له نصيب في مسألة الإقدام أو الإحجام على الوطء، هذه يكثر السؤال عنها، أنه يقول: أنا والله لو اقصد زوجتي...؛ لأن زوجته ليست على المستوى الذي يثيره ويشجعه، يقول: لا بد أن أتخيل كذا إما امرأة رآها أو في شاشة أو في صحيفة أو مجلة إما صورة وإلا حقيقة يقول: يتخيلها فماذا عن مثل هذا التخيل؟ وهل يختلف الحال فيما إذا تخيل امرأة لها حقيقة ولها وجود في الواقع أو تخيل صورة لا حقيقة لها؟ يعني يتخيل أن زوجته على هذه الهيئة أو على هذه الصورة أما إذا كانت لا حقيقة لها فالأمر سهل، أما إذا كانت ذات حقيقة فإن ترديدها في نفسه قد يغريه بها، قد يغريه بها بحيث لو سنحت له فرصة من كثرة هذا التفكر وهذا التذكر يمكن ما يتورع عنها، وعلى كل حال على الإنسان أن يقنع بما رزقه الله، وأن يستعف ليعفه الله -جل وعلا-، وهذه التخيلات ليست من أعمال أهل التحري، إنما هي من أعمال أهل مد النظر إلى النساء، إما بحقائقهن أو صورهن، أما من قصر نظره على زوجته فإن مثل هذا لا يحصل منه، والله المستعان.
"قال: «نعم إذا هي رأت الماء»" أي المني الموجب للغسل، إذا رأت ذلك يجب عليها الغسل، وعرفنا فيما تقدم أن الرؤية لا يلزم أن تكون بصرية، إنما تكون بالبصر أو ما يقوم مقامه من لمس أو إحساس يغلب فيه على الظن يكفي مثل هذا، وإلا لو قلنا: إن الرؤية بصرية هنا، لقلنا: إن الأعمى أو العمياء لا يلزمهما غسل في هذه الحالة؛ لأنهما لا يرون، وكذلك المبصر في حال الظلام لا يلزمه لأنه لا يرى.
"فلتغتسل" اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، ففيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال كالرجل "قالت أم سلمة -أم المؤمنين-: قلت لها -تعني أم سليم-: فضحت النساء يا أم سليم" إذ حكيت عنهن ما يدل على شهوتهن، فالاحتلام لا شك أنه يدل على الشهوة، لكن هذه الفضيحة لا أثر لها ولا قيمة لها مغمورة في جانب المصلحة المرتبة على معرفة الحكم الشرعي.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وعامة أهل العلم".
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أم سليم" يعني من حديثها عند مسلم "وخولة" عند النسائي وأحمد في المسند "وعائشة وأنس" وكلاهما مخرج في صحيح مسلم.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إليّ ولم أغتسل.
قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين إن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته، وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل" يستدفئ يعني يطلب الدفء، السين والتاء هذه للطلب، يطلب الدفء والحرارة بأن يضع أعضاءه على أعضائها، ولا يلزم أن يكون بغير حائل، يعني لا يلزم أن تكون مجردة وهو مجرد، بل إذا اغتسل ولبس ثيابه ونام معها في فراشها وعليها ثيابها حصل له الدفء، يعني ليس من لازم ذلك أن يكونا مجردين، يعني الجسم لا شك أنه مشتمل على الحرارة، وإذا أصابه الماء انخفضت هذه الحرارة فاحتاج إلى الدفء، لكن لا يلزم من هذا الدفء أن يكون مجرداً وهي مجردة، فالمسألة أعم من ذلك، والأصل أنهما مشتملين بثيابهما، هذا الأصل؛ لأن مس المرأة في هذه الحالة لا يخلو من شهوة، والمس مضى فيه ما مضى من النصوص والخلاف، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض؟ مسألة سبق تفصيلها، على كل حال الرجل إذا اغتسل وقد يكون العكس المرأة تغتسل ويتأخر غسل الرجل فستدفئ به، وكل منهما يستدفئ بصاحبه إذا احتاج إلى ذلك {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [(187) سورة البقرة].
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن حريث" بن أبي مطر فزاري مضعف عند أهل العلم "عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إلي ولم أغتسل" ربما هذه حرف تقليل وإلا تكثير؟ يعني ربما يعني في أحياناً قليلة أو في أحياناً كثيرة؟ يعني الأصل فيها التقليل، {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} [(2) سورة الحجر] هذا قليل وإلا كثير؟ نعم؟ كثير، كثير بل كلهم يتمنون أن لو كانوا مسلمين، نعم؟
طالب:.........
في الآخرة كلهم يتمنون أن لو أسلموا، فالأصل فيها التقليل، وقد ترد للتكثير، ومن يقول بالمجاز أن حقيقتها التقليل ومجازها التكثير، وفي قول الحافظ العراقي في بحث المستخرجات قال:
إذا خالفت لفظاً ومعنى ربما |
| ................................... |
هي تخالف في اللفظ كثيراً لكن مخالفتها في المعنى قليلة، فقالوا: إنه استعمل اللفظ في حقيقته ومجازه، استعمله في حقيقته في مخالفة المعنى، وهذا قليل.. استعمله في مجازه في مخالفة اللفظ وهو استعمله في حقيقته في مخالفة المعنى وهو قليل، واستعمله في مجازه في مخالفة اللفظ وهو كثير، وهنا تقول: ربما اغتسل النبي.. هذا تقليل، هذا على الأصل ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي، أي طلب الحرارة مني وجعلني بمثابة الثوب فستدفأ بي فضممته إلى ولم أغتسل، يعني لم أغتسل بعد، يعني لم أغتسل للجنابة الأولى أو لجنابة أخرى؟ نعم؟
طالب:.......
ولم أغتسل، أغتسلُ فعل مضارع وإلا ماضي؟ مضارع، والمضارع للمستقبل وإلا لما مضى من الزمان؟ الأصل فيه أنه للحال أو الاستقبال، لكن اقترانه بـ(لم) نعم، تجعله في الماضي؛ لأن (لم) حرف نفي وجزم وقلب، يعني تقلب الفعل من الاستقبال إلى المضي، يعني لم أغتسل قبل ذلك، وإن كان يلزمها أن تغتسل بعد عن الجنابة، والحديث كما هو في جامع الترمذي مخرج أيضاً في سنن ابن ماجه.
"قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس" حريث بن أبي مطر الفزاري ضعيف عند أهل العلم، وأبو عيسى يقول: ليس بإسناده بأس، يقول الملأ علي قاري في مرقاة المفاتيح: سنده حسن، يعني مثل كلام الترمذي: "ليس بإسناده بأس" لكن مثل ما ذكرنا في إسناده حريث بن أبي مطر وهو ضعيف عند أكثر العلماء، وبهذا يكون الخبر ضعيفاً لا يرقى للحجية "وهو قول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين إن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة" هذا الحكم الشرعي ما في إشكال من حيث الحكم لا بأس أن يغتسل لا سيما في الأيام الباردة ثم يندس في فراشه مع زوجته، ويلتصق بها ليستدفئ بها فإن حصل منه ما يوجب الغسل اغتسل ثانية، وإن حصل منه ما يوجب الوضوء توضأ وإلا فهو على طهارته ولا يلزم لهذا الحكم أن يكون خبر الباب ثابتاً فإنه معروف من أدلة أخرى، قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" ومثلما ذكرنا أنه ليس من لازمه أن يكون مجرداً وهي مجردة، وكل على مذهبه في نقض الوضوء بمجرد المس.
سم.
عفا الله عنك يا شيخ أليس المشهور عن الشافعي أن مس المرأة....؟
إلا معروف عن الشافعي أن مس المرأة..، لكن من حائل هنا ما يلزم أن يكون من غير حائل.
يعني نقله عن الشافعي هنا أنه إذا كان بحائل؟
إيه لا بد، لا بد، الشافعي ولو من غير شهوة، ولذلك الشافعية يتحرجون حرجاً شديداً في المطاف خشية أن تقع يد المرأة أو يد الرجل على الآخر ولو من غير قصد.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير».
وقال محمود في حديثه: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعن عبد الله بن عمرو وعمران بن حصين.
قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه قال: وهذا حديث حسن، وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما وصليا، ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء، ويروى عنه أنه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء، وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء"
التيمم منصوص عليه في موضعين من كتاب الله -جل وعلا-، وفي أحاديث كثيرة من سنته -عليه الصلاة والسلام-، وهو بدل عن طهارة الماء مع فقده، إذا فقد الماء أو تعذر استعماله فلم يجد الماء حقيقة أو حكماً يعني إذا لم يجد الماء حقيقة بأن كان الماء مفقود أو حكماً بأن كان موجوداً إلا أنه لا يستطاع استعماله، إما لمرض أو لجرح لا يستطيع معه مس الماء أو مرض يتأخر برئه أو يزيد، أو لعدم القدرة على تملكه كل هذا يجعله في حكم المعدوم، وفقدان الماء شرط لصحة التيمم {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء] في الآيتين، ومنهم من يقول: إن المبرر للتيمم أكثر من سبب منها عدم وجدان الماء وهذا متفق عليه، ومنها المرض، ومنها السفر، نعم؟
طالب:........
هذا عامة أهل العلم على أنه مقيد؛ لكن وجد من يقول: إن مجرد السفر مبيح للتيمم، ولو كان الماء عنده، ولو راجعت السيل الجرار للشوكاني عرفت أن هناك من يقول بأن مجرد السفر مبرر للتيمم، وهو من رخصها عندهم، لكن عامة أهل العلم على أن فقدان الماء حقيقة أو حكماً هو الشرط لجواز التيمم وصحته، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء].
قال: "باب: التيمم للجنب إذا لم يجد الماء" أما بالنسبة للوضوء فمن عليه حدث أصغر فبحث عن الماء ولم يجد فتيمم هذا لا خلاف فيه، لكن بالنسبة للجنب فيه كلام لبعض من تقدم ثم انعقد الإجماع، يعني يذكر عن عمر وابن مسعود أنهما لا يجيزان ولا يبيحان التيمم للجنب، ولعل السبب في قولهما التشديد في أمر الجنابة إذا لم يكن ثَمَّ ماء فيجعلان الإنسان لا يتساهل في أمره، إذا لم يكن عنده ماء لا يحرص على الجماع، على الوطأ على ما يوجب الغسل، هذا من جهة، الجهة الثانية أيضاً هو فيه احتياط لطلب الماء، فإذا عُرف مثل هذا القول تحرى الإنسان في الموجب للجنابة وتحرّى أيضاً في الخروج من تبعتها؛ لأنه لو لم يرد مثل هذا القول عند أهل العلم كان الإنسان يتسامح، يعني يطأ متى شاء ولو لم يكن عنده ماء، وقد يكون الماء عنده قريب ولا يبحث عنه، فإذا وجد مثل هذا القول الذي ظاهره التحري لا شك أن الإنسان تكون عنده وقفة في هذا الباب يعني لا يحرص على تكرار الجنابة مثلاً إلا إذا احتاج إلى ذلك حاجة شديدة، وإذا حصل منه ذلك تحرَّى في البحث عن الماء؛ لأنه يوجد من يقول بعدم صحة التيمم للجنابة، ومع ذلك انقرض القول بعدم صحته، واتفق العلماء وأجمعوا على أن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان" وهو الثوري "عن خالد بن مهران" الحذَّاء بصري وهو من الثقات من رجال الكتب "عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي ثقة أيضاً "عن عمرو بن بجدان" عمرو بن بجدان البصري، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن حجر: لا يعرف "عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الصعيد» {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [(43) سورة النساء] «إن الصعيد الطيب» والصعيد الأصل فيه ما تصاعد على وجه الأرض أياً كان، الصعيد الطيب يعني الطاهر «طهور المسلم» كالماء «وإن لم يجد الماء عشر سنين» «فإذا وجد الماء فليتقِ الله ويمسه بشرته» كما في بعض الروايات، الصعيد وهو المنصوص عليه في القرآن ما تصاعد على وجه الأرض، فعلى هذا يجوز التيمم بكل ما كان على وجه الأرض أياً كان، كل ما يسمى صعيد يتيمم به، وجميع أجزاء الأرض يتيمم بها «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» يعني في حديث الخصائص، وهذا قول المالكية والحنفية، جاء في حديث الخصائص عند مسلم: «وجعلت ترتبها لنا طهوراً» مما جعل الحنابلة والشافعية يقولون: لا يتيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد، والقول الأول للمالكية والحنفية بكل ما تصاعد على وجه الأرض مما يسمى أرض، «جعلت لي الأرض» هذا من الأمثلة التي يمثل بها للزيادة من الثقة تربتها هذه زيادة، وهل هي زيادة موافقة أو زيادة مخالفة، لا شك أنها موافقة من وجه ومخالفة من وجه، الموافقة باعتبار أن التراب جزء من أجزاء الأرض، وفرد من أفرادها أو وصف من أوصافها، والموافقة من هذه الحيثية والمخالفة في الإطلاق والتقييد أو في العموم والخصوص، يعني مستمسك الحنابلة والشافعية في قولهم: إنه لا يتيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد من هذه الرواية: «وجعلت تربتها لنا طهوراً» والمالكية والحنفية يقولون: جعلت لي الأرض مع ما في الآيتين من التنصيص على الصعيد، هل في هذا معارضة أو ليس فيه معارضة؟ ذكرنا أن فيه موافقة من وجه ومخالفة من وجه، متى تكون مخالفة؟ هل تكون مخالفة إذا قلنا: إن بين النصين عموم وخصوص؟ أو قلنا: بينهما إطلاق وتقييد؟ لأن الشراح حينما يبحثون مثل هذه الرواية تجده في أول الكلام يقول: تُقيد الرواية الأولى بالثانية، وفي أثناء الكلام يقول: يُخصص النص الأول أو اللفظ الأول بالثاني مع أن التقييد شيء والتخصيص شيء أخر حقيقة وحكماً، فمن حيث الحقيقة التخصيص تقليل في الأفراد، والتقييد تقليل في الأوصاف، وإذا أردنا أن نحرر هذه المسألة لأن المسألة حصل فيه خلط وفيها أيضاً من بعض الشراح بعض الكلام الذي يقضي بعضه على بعض، فإذا حُررت هذه اللفظة أو ما بين اللفظين من نسبة إما عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد انتهى الإشكال انحلت عندنا، فإذا قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد قلنا: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد وحينئذٍ يتجه قول الشافعية والحنابلة، وإذا قلنا: إنه من باب العموم والخصوص قلنا: التنصيص على التراب وهو فرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص لماذا؟ لأن الحكم واحد والتنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص إنما يقتضي الاهتمام بشأن الخاص والعناية به، فيكون أولى من غيره من أفراد العام، لكن هذا لا يقتضي تخصيص، ولعل هذا هو معول من يقول بالتيمم بجميع ما على وجه الأرض، هذا عام وخاص وذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن من يقول: إن هذا من باب الإطلاق والتقييد فلا مفر له من أن يقول: التيمم لا يجوز إلا بالتراب، والتراب قيد، لكن إذا نظرنا من حيث الواقع هل التراب وصف من أوصاف الأرض أو فرد من أفرادها؟ فرد من أفرادها، ولذا القول المتجه هو قول الحنفية والمالكية، وأنه يتيمم بجميع ما على وجه الأرض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم من أصل الجدار.
«أن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» والمراد بهذا الكثرة وطول المدة، لا المدة المقدرة المحددة بحيث لو لم يجد الماء إحدى عشر سنة لا يتيمم لا المراد بذلك تكثير المدة؛ لأنه لا يمكن أن يجلس عشر سنين ما وجد الماء، لكن هذا من باب المبالغة ولا مفهوم للعدد هنا «وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء» في بعض الروايات: «فليتقِ الله» ولا شك أن التقوى تدعو إلى الاحتياط والتحري والخروج من عهدة الواجب بيقين، الخروج من عهدة الواجب بيقين، ويتساهل كثير من الناس بأمر التيمم، فالماء عندهم أو على مقربة منهم ومع ذلك يتيممون إذا كان الإنسان في مكانٍ الماء قريب منه جداً لكنه يخاف أن يذهب إلى الماء، وهناك خوف محقق، وخوف يغلب على الظن، وتوهم للخوف يعرف أن الأرض أرض مسبعة فإذا ابتعد عن محله السباع موجودة هذا خوف محقق، وهناك خوف دونه بحيث يغلب على ظنه أنه يتعرض للأذى، وهناك خوف موهوم بعض الناس يخاف من مجرد الظلام، وإن جزم أنه ليس هناك شيء، يعني هو في بيته وقام لصلاة الليل فتح الماء ما وجد ماء، المسجد أمتار منه وفيه ماء، لكنها ظلام لا يستطيع أن يخرج، هل ينزل التوهم منزلة الواقع أو منزلة غلبة الظن؟ عند الجمهور لا؛ لأن مجرد التوهم هذا لا يبيح له التيمم، ومن أهل العلم من يقول: إن هذا التوهم عند بعض الناس أشد من الخوف المحقق عند كثير من الناس، بعض الناس يسمع عواء الذئب ويأخذ ما يدفعه به ويخرج، وبعضهم يسمع صياح الديك ولا يخرج، يعني الناس يختلفون يتفاوتون في مثل هذا، يعني بعض الناس خطر عليه أن يجن إذا خرج ولو لم يكن هناك شيء، فلا شك أن الإنسان إذا بلغ به الأمر إلى هذا الحد {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يتيمم.
«إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله» اللام لام الأمر «وليسمه» فليمسه أيضاً لام الأمر، فلا بد من الإمساس من إمساسه الماء بشرته يعني جلده «فإن ذلك» يعني الإمساس، إمساس الماء «خير» خير من عدم الإمساس، والخيرية هذه ليست على بابها، فالإمساس خير بلا شك، والأصل في خير أنها أفعل تفضيل، يقابل هذا الإمساس عدم الإمساس فهل في عدم الإمساس مع وجود الماء خير؟ ليس فيه خير {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] ومستقر أهل النار -نسأل الله العافية- ومقيلهم ليس فيه خير البتة، لكن أفعل التفضيل هذه ليست على بابها «فليتقِ الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير» فليتق الله وليسمه بشرته، هذا أصابته جنابة فتيمم وصلى الفجر والظهر والعصر، تيمم، يتيمم ويصلي هذه الأوقات لأنه لم يجد الماء، وجد الماء بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أو خمسة «فليتقِ الله وليمسه بشرته» للحدث الماضي للجنابة الماضية أو لما يستقبل؟ نعم؟
طالب:........
كيف؟
طالب:.......
للجنابة الماضية أو المستقبلة؟ أو بأسلوب أخر التيمم هل هو مبيح أو رافع؟ وعند من يقول: أنه رافع هل يرفع رفع مطلق أو رفع مؤقت؟ نعم؟
طالب: يعني حينما أنه وجد الماء...
نعم؟
طالب: حينما وجد الماء لغت الطهارة السابقة وهي التيمم.
بطلت.
طالب: فبقي بدون طهارة.
لو افترضنا أنه وضوء أحدث حدث أصغر ثم توضأ ثم وجد الماء توضأ وصلى ثم وجد الماء للطهارة المستقبلة وإلا الماضية؟ «فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته» هذا الذي يقول: إنه يرفع رفع مطلق يقول: لا يمسه بشرته خلاص، حدثه وارتفع، والذي يقول: إنه مجرد مبيح يقول: يتقي الله وليمسه بشرته حتى في الحدث الأصغر، والذي يقول: يرفع رفع مؤقت يقول: يتقي الله وليمسه بشرته لما مضى من أحداث كبرى، أما الأحداث الصغرى ارتفعت فإذا وجد الماء بطلت طهارته، فهو رافع رفع مؤقت، وما الذي يترتب على هذا؟ أن هذا الذي أصابته الجنابة في الليل فتيمم لصلاة الصبح تيمم لصلاة الظهر والعصر ثم وجد الماء، إذا قلنا: رفع رفْع مطلق قلنا: خلاص لا يمسه بشرته، ارتفع حدثه إلا لما يستقبل من الأحداث، وإذا قلنا: رفع مؤقت، قلنا: يتقي الله ويمسه بشرته لما مضى من حدث كالجنابة السابقة، وهذا أولى ما يحمل عليه الحديث، أولى ما يحمل عليه الحديث، لماذا؟ لأننا إذا قلنا: إنه رفع مؤقت وليتقِ الله وليمسه بشرته لما مضى قلنا: الحديث مؤسس لحكم جديد، وإذا قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته لما يستقبل من الأحداث قلنا: الحديث مؤكِّد، نصوص الطهارة كلها تدل على هذا لو لم يأتِ هذا الحديث ما فقدنا شيء، هذا الحديث ما جاءنا بشيء جديد، كل نصوص الطهارة تقول: إذا وجد الماء عليه أن يتطهر، وإذا قلنا: إنه للحدث الماضي الذي تيمم عنه قلنا: إنه مؤسس لحكم جديد والتأسيس عند أهل العلم خير وأولى من التأكيد، وعلى هذا يكون حكم التيمم أنه رافع، لكنه رفع مؤقت، حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء استعمله لما مضى من حدث وما يستقبل، يقول الشوكاني: إذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أحد الفقهاء السبعة أنه قال: لا يلزمه، قال الشوكاني: وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره -صلى الله عليه وسلم- للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء، قال: محمود بن غيلان في حديثه: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم» ومحمد بن بشار لفظه: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم» ومحمود قال: «وضوء المسلم» ولا فرق بينهما، فالوضوء والطهور هو الماء الذي يتطهر به ويتوضأ به.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين" حديث أبي هريرة عند البزار، وحديث ابن عمرو عند أحمد في المسند، وعمران بن حصين في الصحيحين.
"قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء" خالد بن مهران الحذاء، ولم يكن حذاء، وإنما كان يجلس عندهم "عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر" وهي الرواية المخرجة في الأصل، الرواية المخرجة في الأصل، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن وجدان عن أبي ذر هذا الوجه الأول، والوجه الثاني قال: وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه ولعله هو المسمى عمرو بن بجدان، رواه أبو داود في سننه، قال المنذري في مختصر السنة: هذا الرجل من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله، سماه خالد الحذاء عن أبي القلابة، وسماه الثوري عن أيوب، قال: وهذا حديث حسن صحيح، قال الإمام الترمذي –رحمه الله-: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، قال الشوكاني في النيل: ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني، وصححه أبو حاتم وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي، قال الحافظ: وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول، أبو الحسن بن القطان صاحب: (بيان الوهم والإيهام) إمام من أئمة هذا الشأن، وإن كان متأخر عن الأئمة لكنه إمام معتبر، قال ابن حجر: وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول، وقال المبارك فوري: وقد غفل الحافظ أيضاً فقال في التقريب: لا يعرف حاله، يعني وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه ابن القطان، لهذا نظائر يعني الإمام والعالم يحصل منه هذا ليس بمعصوم، يعني الآن يصف ابن القطان بالغفلة؛ لأنه قال: مجهول، وقد قال عنه: لا يعرف حاله، يعني مجهول، ويُذكّرنا بانتقاد الحافظ ابن حجر لصاحب العمدة: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين» فلفظة: «من الإثم» هذه ليست في الصحيحين إلا في رواية الكشمهني، ووصفه ابن حجر بأنه ليس من الحفاظ، وانتقد الحافظ عبد الغني في العمدة حيث ذكرها، ومع ذلكم ذكرها في البلوغ وقال: متفق عليه، يعني هو ليس بمعصوم يغفل مثل ما يغفل غيره، لكن يعني في مثل هذه الأمور التي ينتقد فيها الغير قد يقول قائل: إنه في وقت الانتقاد، في وقت انتقاده لغيره رأى في نفسه أنه أهل لهذا الانتقاد وأن غيره وهم وأنه تنبه فابتلي، فابتلي وإلا كيف ينتقد ويقع في نفس الخلل؟ نعم إذا طالت المدة ممكن يعني ابن حجر نفسه في فتح الباري قال: عبيد الله بن الأخنس ثقة وهو من رواة البخاري قال: ثقة وشذ ابن حبان فقال: يخطئ ، ونفسه ابن حجر في التقريب قال: صدوق يخطئ ، فهؤلاء وإن كانوا أئمة وأهل اطلاع واسع وأهل حفظ وعلم متين مؤصل إلا أنهم ليسوا بمعصومين، وبهذا نعرف أن وقوع الخطأ من أهل العلم يعني متوقع فإذا كان هذا من هؤلاء الكبار الحفاظ فكيف يكون اللوم على من دونهم بمراحل؟ ويتفكه بأعراضهم إذا وقعوا في خطأ من يعرى من الخطأ والنسيان كما يقول الإمام أحمد -رحمه الله-، فإذا أخطأ الإنسان يلتمس له ويُنبه، والحمد لله كل يأخذ من قوله ويرد.
قال –رحمه الله-: "وهو قول عامة الفقهاء في الجنب والحائض" في قول عامة الفقهاء أن أو إن؟ أن أو إن، أما لو قال: قال عامة الفقهاء: إن الجنب هذا ما فيه خيار؛ لأن كسر همزة (إن) بعد القول متعين، فهل القول الذي هو المصدر مثل قال؟ ها؟ يعني موقع الجملة: "أن الجنب" أو "إن الجنب"؟ هل هي مقول للقول أو هي بدل من القول؟ إذا كانت مقول القول لا مفر من كسر همزة (إن) وإذا قلنا: إنها بدل من القول والقول كلمة واحدة وبدلها في حكمها وأن وما بعدها تؤول بكلمة؛ لأن مقول القول لا بد أن يكون جملة، مقول القول لا بد أن يكون جملة، فلا بد أن تكسر همزة إن، وإذا قلنا: إنها بدل من القول الذي هو كلمة وليس مقول للقول قلنا: إن الجنب والحائض، ما الذي عندكم؟ نعم؟
طالب:........
لا، الشيخ -رحمه الله- في غاية من الدقة في هذا الباب، الشيخ أحمد شاكر في غاية من الدقة في هذا الباب، ما يقال: أخطأ ما يخفى عليه مثل هذا الأمر، وأن همزة إن لا بد أن تكسر بعد القول لكنه جعلها بدل من القول وليس مقولة للقول، نعم؟
طالب:.......
مقول للقول أو هي القول بدل من القول؟ بدل، لا ما هي مقولة القول، هي القول نفسه، ليست مقولة للقول، لا ليست مقول القول أبداً، ولذلك الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- قال: أن الجنب والحائض يعني كل منهما إذا لم يجدا ماء تيمما وصليا.
قال الشوكاني: وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف، يعني التيمم للحدث الأكبر إلا ما جاء عن عمر وابن مسعود يعني مثلما ذكرنا في أول الباب، والسبب ما ذكرنا عدم التساهل في هذا الباب، لا في السبب الموجب للغسل ولا في كيفية التخلص من عهدة الواجب، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب، وقيل: إن عمر وابن مسعود رجعا عن ذلك، وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة الصريحة "ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء" ينتظر حتى يجد الماء "ويروى عنه أنه رجع عن قوله" قال: يتيمم إذا لم يجد الماء "وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق" وعرفنا أنه إجماع.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المستحاضة
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: «لا إنما ذلكِ عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي».
قال أبو معاوية في حديثه: وقال: «توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت».
قال: وفي الباب عن أم سلمة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المستحاضة" المستحاضة مستحاضة: اسم مفعول، فالاستحاضة لا تنسب إليها بخلاف الحيض، فيقال: فلان حاضت ويقال: استحيضت ما يقال: استحاضت لماذا؟ لأن الحيض ينسب إليها شيء كتب الله على بنات آدم، وأما بالنسبة للاستحاضة فلا ينسب إليها لأنها ركضة شيطان على ما سيأتي، فلا تنسب إليها أما الحيض ينسب إليها فيقال: حاضت ولا يقال: استحاضت، إنما يقال: استحيضت المرأة، والمراد بالاستحاضة جريان الدم من عرق في أدنى الرحم، بخلاف الحيض فإنه من عرق في قعر الرحم، فيقال: استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة إذا زاد عن وقت عادتها أو استمر بها فلم ينقطع يقال لها: مستحاضة، ويقال لهذا الدم دم فساد، وقد يقول له المتأخرون: نزيف، المقصود أن أحكام الاستحاضة تتخلف عن أحكام الحيض.
قال -رحمه الله-: "حدثنا هنّاد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أُستحاض" بصيغة المجهول مثل ما ذكرنا من الفرق بين الاستحاضة وبين الحيض "إني امرأة أستحاض فلا أطهر" أي لا ينقطع عني الدم "أفأدع الصلاة؟" يعني أترك الصلاة، أفأدعُ أتركُ فعل مضارع «من لم يدع» مضارع أيضاً «لينتهين أقوام عن ودعهم» مصدر، يعني مستعمل، المادة مستعملة في المصدر وفي المضارع، لكن ماذا عنه في الماضي؟ يقول أهل اللغة: إنه أميت ماضيه، أميت ماضيه يعني فلم يستعمل، لم يستعمل بدل الماضي ودع ترك، وأما قراءة {مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ} [(3) سورة الضحى] ويش القراءة يا أبو عمر؟ شاذة؟ نعم شاذة "ما ودعك ربك" قراءة شاذة.
"أفأدع الصلاة؟" يعني لعلمها أن الحائض لا تصلي، فهل حكمي حكم الحوائض أو الحكم يختلف؟ قال: «لا» لا تدعي الصلاة «إنما ذلك» الذي تشتكينه «عرق» يعني دم عرق «وليست بالحيضة» بفتح الحاء، قال النووي: إنه متعين، يعني فتح الحاء أو قريب من المتعين؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض، وإن رجح الخَطابي الكسر وقال: ليست بالحِيضة، لكن هو في جميع الروايات في الموضعين بفتح الحاء «وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة» يقول ابن حجر: وفي روايتنا بفتح الحاء في الموضعين وجوزه بعضهم بفتح الحاء وكسرها لا سيما الموضع الثاني، الحيضة يعني التي تعرفينها بوصفها أو وقتها، يعني إن كانت معتادة بوقتها، إن كنت مميزة بوصفها «فدعي الصلاة» لأن المستحاضة هذه إما أن تكون معتادة يعني عادتها ستة أيام من اليوم السابع إلى الثالث عشر معتادة، فإذا أقبلت عادتها من اليوم السابع إلى اليوم الثالث عشر تجلس؛ لأنها معتادة، وإن كانت مميزة تعرف لون الدم، لون الدم الذي كان يأتيها قبل الاستحاضة، ودم الحيض كما جاء وصفه دم أسود يُعْرِف، يعني له رائحة، له عرف، له رائحة منتنة، ولونه أسود فاجلسي هذه المدة التي يكون فيها الدم بهذه الصفة «فإذا أقبلت الحيضة» التي تعرفينها بوصفها أو وقتها «فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» وإذا أدبرت يعني انتهت المدة أو انتهى الدم الذي له لون أسود وله رائحة فاغسلي عنك الدم وصلي يعني بعد الاغتسال؛ لأن حكمها حكم الحيّض بعد الاغتسال تغسل الدم وتغتسل وتصلي، وفي رواية للبخاري: «ثم اغتسلي وصلي» "قال أبو معاوية في حديثه: وقال: «وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» بعضهم يقول: هذا مدرج، ورده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وجزم بعضهم بأنه موقوف على عروة، ورد الحافظ أيضاً هذا، وقال: لم ينفرد به أبو معاوية، وفيه أن المرأة إذا انقضت حيضتها فإنها تتوضأ لكل صلاة، هذه الجملة وهي من المرفوع: «توضئي لكل صلاة» بخلاف «اغتسلي لكل صلاة» على ما سيأتي، وفيه أن المرأة إذا انقضت حيضتها -يعني المستحاضة- فإنها تتوضأ لكل صلاة فلا تصلي به أكثر من فريضة واحدة، وهذا حكم من حدثه دائم فإن وضوءه لا يرفع الحدث؛ لأن الحدث موجود فكيف يرتفع؟ كالمستحاضة ومن به سلسل بول وما أشبه ذلك، فلا تصلي به أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية وبهذا..؛ لأنه قال: «توضئي لكل صلاة» وعموم (كل) يشمل الفرائض والنوافل، كل ما أرادت أن تصلي توضأت، لكن إلزامها بالوضوء لكل صلاة من فرائض ونوافل يلزم منه المشقة، والمشقة تجلب التيسير، والصلاة إذا أطلقت فإنما يراد بها الفريضة، وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة فإنها تتوضأ لوقت كل صلاة، إذا دخل الظهر توضأت، ثم تصلي به ما شاءت إلى أن يدخل وقت العصر، فعلى هذا لو كانت تجمع الصلاة مستحاضة تجمع الصلاة على القول الأول تتوضأ بين الصلاتين، وعلى الثاني تتوضأ وضوء واحد؛ لأن الذي يجمع يجمع في وقت واحد، لا يجمع في وقتين، وعند المالكية يستحب الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر، وهذا على القول بأن وضوء أهل الأعذار ممن حدثه دائم يرفع الحدث، وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط كما كانت تفعل أم حبيبة على ما سيأتي.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أم سلمة" مخرج عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في المسند "قال أبو عيسى: حديث عائشة" جاءت فاطمة "حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان، متفق عليه "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة" جاوزت أيام أقرائها، يعني هذه المعتادة الذي عادتها معلومة فإنها تجلس ما كانت تجلسه قبل الاستحاضة، وأما إذا كانت مميزة فتعمل بالتمييز، والتمييز يعرف بلون الدم ورائحته، وإذا كانت متحيرة غير مميزة ولا معتادة يأتي كلام أهل العلم فيها، قال: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقارئها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة" على ما في الحديث السابق، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة
حدثنا قتيبة قال: حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في المستحاضة «تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي».
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه، بمعناه، قال أبو عيسى، هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: إن اسمه دينار فلم يعبأ به، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" وهو ما يدل عليه الحديث السابق.
قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا شريك عن أبي اليقظان" عثمان بن عمير الكوفي "عن عدي بن ثابت" أبو اليقظان عثمان بن عمير الكوفي ضعيف، وعدي بن ثابت الأنصاري الكوفي ثقة "عن أبيه" ثابت مجهول "عن جده" أي جد عدي "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في المستحاضة" أي في شأنها «تدع الصلاة أيام أقرائها» يعني أيام حيضها أو أيام طهرها؟ أيام حيضها، وهذا مما يستدل به الحنابلة والحنفية على أن المراد بالأقراء الحِيَض، ويقول الشافعية والمالكية المراد بالأقراء الطهر، الأطهار ولا شك أن القرء مشترك بين الطهر والحيض، وما في حديث الباب «تدع الصلاة أيام أقرائها» من أقوى الأدلة على أن المراد بالأقراء الحِيَض، وما دام مشتركاً ويطلق على هذا ويطلق على هذا فلا بد من مرجح، من أهل العلم من يقول: أن القرء إذا أريد به الحيض جمع على أقراء كما هنا، وإذا أريد به الطهر جُمع على قروء، «دعي الصلاة أيام أقرائك» تدع الصلاة أيام أقرائها، ما قال قروئها، وإذا أريد به الطهر فإنه يجمع على قروء، واللفظ الواحد قد يتعدد جمعه نظراً لاختلاف معانيه، كما أنه قد يتعدد المصدر تبعاً لذلك، تبعاً لاختلاف المعاني، مثل الفعل رأى، الفعل رأى مصدره رؤية بالبصر، ورؤيا في النوم، ورأي في العلم والعقل، وما أشبه ذلك، وعلى كل حال أدلة الفريقين تكاد أن تكون متكافئة، وهنا لا شك في أن المراد الحِيَض، الأقراء الحيض، تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة، يعني معلوم أيامها من السادس إلى الثالث عشر من كل شهر، هذا ما في إشكال، استمر معها الدم سواء تغير لونه أو لم يتغير في اليوم السادس تقف لا تصوم ولا تصلي إلى الثالث عشر تغتسل وتصوم وتصلي، التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ثم بعد فراغها فراغ هذه الأيام تغتسل يعني مرة واحدة وتتوضأ عند كل صلاة، وتتوضأ على ما تقدم عند كل صلاة، وتصوم وتصلي بعد فراغها، بعد تمام أيام الأقراء تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، عند كل صلاة هذا ظرف متعلق بتغتسل وإلا بتتوضأ؟ ويش المانع أن يكون للأمرين؟ تغتسل عند كل صلاة تتوضأ عند كل صلاة؟ وكما أن العطف على نية تكرار العامل يكون على نية تكرار المعمول أيضاً، نعم؟
طالب:.......
ثم قال: «ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي» يعني لو المراد أنها تغتسل عند كل صلاة ما احتجنا إلى أن تتوضأ، ما احتجنا إلى أن تتوضأ لكل صلاة، ولا شك أن مثل هذا يرجح أن الظرف (عند) متعلق بالثاني دون الأول، وإذا كان هناك متعلق تابع لجمل متعددة متعلق سواء كان وصف مؤثر أو ظرف أو جار ومجرور أو استثناء متعقب لجمل متعددة هل يكون عوده إلى الأخيرة فقط أو إلى جميع الجمل؟ مثل آية القذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور] هذا الاستثناء راجع إلى الثلاث الجمل وإلا لا؟ أو إلى الأخيرة فقط؟ أو إلى الأولى والثانية فقط؟ أو إلى الثانية والثالثة فقط؟ يعني رجوعه إلى الأخيرة أمر متفق عليه ما فيه خلاف، ورجوعه إلى الأولى أيضاً متفق عليه أنه لا يرجع إليها، عدم رجوعه إلى الأولى لأنه حق آدمي الجلد ما يسقط بالتوبة، باتفاقهم، الخلاف في قبول الشهادة بعد ذلك، والمسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إذا ارتفع وصف الفسق قبلت شهادته وقد ارتفع وصف الفسق اتفاقاً؛ لأن رد الشهادة مربوط بالفسق، ومنهم من يقول: إن التأبيد في قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النــور] يدل على أنه لا يرتفع بالتوبة، وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي، والحديث فيه أبو اليقظان ذكرنا أنه ضعيف لكن له شواهد.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه بمعناه" نحوه بمعناه ما يحتاج أن يقول: بمعناه، يحتاج أن يقول: بمعناه ويقول: نحوه؟ لأنهم يفرقون بين مثله إذا قالوا: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك بمثله، يفرقون بين قولهم: بمثله وبنحوه، بمثله يعني بلفظه وبنحوه يعني بمعناه، فالتصريح بالمعنى زيادة توكيد، وأخرجه أبو داود وضعفه، وأخرجه ابن ماجه أيضاً "قال أبو عيسى: هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه" ومحمد هذا هو الإمام البخاري "وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين إن اسمه دينار فلم يعبأ به" يعني لم يلتفت إليه "وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها" فالاغتسال في كل صلاة ليس بواجب على المستحاضة، وهو قول الجمهور، وقال بعضهم: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة على ما سيأتي من حديث أم حبيبة، ولكن الراجح قول الجمهور أنه لا يلزمها الغسل إذا اغتسلت مرة واحدة بعد الحكم بطهارتها من الحيض، ومن بعد ذلك يكفيها أن تتوضأ لكل صلاة، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها؟ فقد منعتني الصيام والصلاة، فقال: «أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم» قالت: هو أكثر من ذلك، قال: «فتلجمي» قالت: هو أكثر من ذلك، قال: «فاتخذي ثوباً» قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما فأنت أعلم» فقال: «إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي، وصومي إن قويت على ذلك» فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وهو أعجب الأمرين إلي».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، فإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة، فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره، فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش، وكذا قال أبو عبيد، وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنما تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك فإنها أيام حيض، فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة.
قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد" يعني تقدم أن المستحاضة إذا ذهبت أيام أقرائها لزمها الغسل كغيرها، إذا انتهى حيضها يلزمها الغسل، وأما أمرها بالغسل لكل صلاة فلم يثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان أكمل وأتم، وإنما المطلوب منها أن تتوضأ لكل صلاة، فإذا اختارت أن تغتسل للصلوات فالأرفق بها أن تجمع بين هذه الصلوات جمعاً صُورياً بحيث تأخر الصلاة الأولى إلى أخر وقتها، وتقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، فتصلي الصلاتين في وقتيهما، لكنها تقدم الثانية وتؤخر الأولى حتى لا تحتاج إلى غسل ثاني، ما دامت اختارت لنفسها أن تغتسل لكل صلاة كأم حبيبة.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي" عبد الملك بن عمرو، ثقة، قال: "حدثنا زهير بن محمد" التيمي، لا بأس به "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" الهاشمي، صدوق، تكلم فيه من قبل حفظه "عن إبراهيم بن محمد بن طلحة" التيمي، ثقة "عن عمه عمران بن طلحة" وهو تابعي ثقة "عن أمه حمنة بنت جحش" حمنة هذه كانت تحت طلحة بن عبيد الله، وجاءت منه بعمران "عن أمه حمنة بنت جحش" أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت حمنة: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة" وفي بعض النسخ: "كبيرة" بدل كثيرة، استحاضُ حيضة الأصل أن تقول: استحاضة، لكن حيضة اسم مصدر، والمصدر استحاضة، كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [(17) سورة نوح] اسم مصدر، وهو الذي تقل فيه حروفه عن حروف فعله، وأما المصدر فهو الإنبات كثيرة في الكمية، شديدة في الكيفية "فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره" أستفتيه وأخبره الأصل أن الخبر يكون قبل الاستفتاء، لكن الواو هذه لا تفيد ترتيب، إنما هي لمطلق الجمع وإلا فالأصل أن تقول: أخبره وأستفتيه "فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش -أم المؤمنين- فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني؟" تسأل، فـ(ما) هذه استفهامية "فما تمرني فيها؟" أي في الحيضة حال وجودها "فإنها قد منعتني الصيام والصلاة" لعلمها أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وعلى زعمها أن المستحاضة مثل ذلك، مثل الحائض، قال -عليه الصلاة والسلام-: «أنعت لك الكرسف» أصف لك الكرسف «فإنه يذهب الدم» يعني يشرب الدم ويمنع خروجه، يذهب الدم يعني يشربه ويمنع خروجه، فكأنه غير موجود، الكرسف هو القطن، يقول ابن العربي: وصف لها الكرسف مع قلته عندهن، وترك الصوف مع كثرته، يعني في بلاد العرب القطن لا يوجد، بينما الصوف موجود وكثير، لماذا وصف القطن وترك الصوف مع كثرته؟ يقول: لحكمة لسنا لها يقول ابن العربي، لكن الظاهر أنها واضحة ما تبي، القطن يشرب الصوف ما يشرب، والدم والسائل يتخلل الصوف، يمشي ويخرج بينما القطن لا يتخلله، لا يتخلله، فالمسألة ظاهرة، الأمر الثاني: أن القطن لا يؤذي بخلاف الصوف فإنه يؤذي، الحكمة ظاهرة، وإن قال ابن العربي: لسنا لها، لكنها ظاهرة، قد يخفى الشيء الواضح البين على الكبير، وإلا فابن العربي عنده دقة في الاستنباط قل أن توجد عند غيره، ومع ذلك قال: هذه حكمة لسنا لها.
«أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم» قالت: هو أكثر من ذلك" هو تعني الدم أكثر من أن يقف في وجه كرسف أو قطن أو ما أشبه ذلك "قال: «فتلجمي»" يعني بخرقة تمنع خروج الدم كما يمنع اللجام الدابة، "«فتلجمي» قالت: هو أكثر من ذلك" ما يفيد لا قطن ولا لجام ولا غيره "قال: «فاتخذي ثوباً»" يعني تحت اللجام "قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً" يعني تصب الدم صباً قوياً، والثج: هو الصب بقوة {مَاء ثَجَّاجًا} [(14) سورة النبأ] وأفضل الحج العج والثج، يعني نهر الدم من الهدايا والأضاحي وغيرها "قالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً، فقال -النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما» يعني قدرت على الأمرين «فأنت أعلم» بما تختارين منهما "فقال: «إنما هي" يعني الاستحاضة "ركضة من الشيطان» أصلها الضرب في الأرض، الضرب بالرجل، الركظة الضرب بالرجل كما في جاء في قصة أيوب، «إنما هي ركضة من الشيطان» يعني للتلبيس على المرأة في عباداتها «فتحيَّضي» يعني أجلسي كما تجلس الحائض «ستة أيام أو سبعة أيام» كغالب النساء، غالب السناء تجلس ستة أو سبعة، لكن تنظر إلى أقرب الناس إليها إلى أمها وأخواتها وعماتها وخالاتها فإن كن يجلسن ستة أيام جلست ستة، وإن كن يجلسن سبعة جلست سبعة فتنظر في العدد المناسب لنسائيها وبعضهم يقول: (أو) هذه للشك، ومنهم من يقول: هي للتخيير إن شاء جلست ستة أو سبعة، ويقول النووي: هي للتقسيم، فقسم من النساء يجلس ستة وقسم يجلس سبعة، وعلى هذا تجلس ما يجلسه أقرب نسائها إليها «في علم الله -أي من أمرك من الست أو السبع- ثم اغتسلي بعد انقضائها فإذا رأيت -يعني علمت- أنك قد طهرت واستنقأت» طهرت أيضاً وإن كان أصله غير مهموز استنقيتي ويجوز الهمز هنا، وإن قال بعضهم: إنه لحن شاذ، لكن الهمز معروف حتى في القراءة: "النبيئون" نعم؟ إيه الهمز معروف عند العرب، نعم، «فصلي أربعاً وعشرين ليلة» يعني إن جلست ست «أو ثلاثاً وعشرين ليلة» إن جلست سبع، وأيامها ليس المراد بذلك اليالي فقط «ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين» في بعض النسخ بحذف النون في جميع هذه الكلمات، تطهري، وتصلي، تؤخري، تعجلي، تغتسلي، بحذف النون «وتجمعين بين الصلاتين ففعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين وكذلك ففعلي وصومي» يعني في هذه المدة «إن قويت على ذلك» لماذا؟ لأن خروج الدم يضعف البدن عن الصيام، يعني كما قيل نظيره في الحجامة «إن قويت على ذلك» فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وهو أعجب الأمرين إلي» أعجب الأمرين إليه، هذا الأمر الثاني هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، والأمر الأول اللي هو الوضوء لكل صلاة، والأمر الثاني: الجمع بين الصلاتين، وتغتسل ثلاث مرات، بدلاً من خمس، يعني الجمع بين الصلاتين بغسل واحد هذا أعجب الأمرين، ومنهم من يقول: إن الاغتسال لكل صلاة هو الأمر الثاني، وعلى كل حال الشيء المرجح أنه لا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة، وإنما تتوضأ لكل صلاة كمن به حدث دائم، وإن جمعت واغتسلت لكل صلاتين فهذه هو الأعجب إليه -عليه الصلاة والسلام-.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه، وفي إسناده ابن عقيل، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، لكنه في مرتبة الحسن "ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة" ومثل هذا يحصل من هؤلاء الثقات هل هو عمر أو عمران؟ كما حصل من مالك -رحمه الله- حينما قال: عمر بن عثمان وغيره يقول: عمرو بن عثمان.
.................................... |
| ومالك سمى ابن عثمان عمر |
"قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح" قال: "وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة"، يخف فتجلس على تمييزها، تجلس عادتها على تمييزها إذا كانت مميزة، إذا كانت ذات تمييز "فالحكم لها" يعني الحكم العادة بالتمييز على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وفي حديثها: "فإن دم الحيض أسود يعرف"، "وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض -يعني معتادة- فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي" يعني إذا كانت معتادة عملت بالعادة، إذا كانت مميزة عملت بالتمييز، إذا كانت معتادة ومميزة في آن واحد واتفقت العادة مع التمييز فيه إشكال وإلا ما في إشكال؟ ما في إشكال، لكن الإشكال لو اختلفت العادة مع التمييز، عادتها ستة أيام فجاء في ثلاثة أيام أسود يعرف له رائحة، وهو الذي كان يأتيها قبل ذلك، ثم تغير لونه في الثلاثة الأخيرة، وصار كغيره من أيام الاستحاضة، يعني إذا اختلفت العادة مع التمييز فمنهم من يرجح التمييز؛ لأنه هو الذي يحدد الفرق بين العادة وغيرها، وأما بقية الأيام من غير تمييز فلا فرق بين الخامس والسادس والسابع والثامن ما في فرق بينما هناك فرق بين الأول والثاني والثالث وما بعدها من أيام وما قبلها من أيام، فعلى هذا يعمل بالتمييز على هذا القول، ولا شك أن التمييز قرينة قوية على أن هذه عادتها؛ لأن هذا لونه قبل الاستحاضة "وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي" يعني إذا كانت معتادة تعمل بعادتها "وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره" يعني ليست معتادة ولا ذات تمييز، مالها عادة معينة بأن كانت عادتها مضطربة أو كانت مبتدئة، ولا تمييز لها يعني لا يختلف لون الدم عندها "فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش" يعني فترجع إلى عادة غالب نسائها ستة أو سبعة، ومحصل القول أو حاصل قول أحمد وإسحاق إن كانت معتادة رجعت إلى عادتها سواء كانت مميزة أو غير مميزة هم يقدمون العادة، وإن كانت غير معتادة عملت بالتمييز، وإن كانت غير معتادة ولا مميزة عملت بعادة غالب نسائها، ورجح بعضهم التمييز على العادة، ومنع أبو حنيفة التمييز مطلقاً، يعني ما له قيمة اختلاف الدم عنده، ولا شك أنه جاء به ما يدل عليه.
"وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك" فإنها أيام حيض "فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة"
"قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم -وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه-: أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة" وفيه حديث لكنه ضعيف جداً "وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد" هذا قول الجمهور، واستدل لهذا القول بحديث: «تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي» تمكث إحداكن شطر دهرها ولا تصلي يعني خمسة عشر يوماً هذا نصف الدهر، لكن هذا الحديث لا يثبت، وإذا عرف ضعف الأحاديث من الجانبين، إذا عرف ضعف الأحاديث من الجانبين، لا أحاديث الحنفية ولا أحاديث الجمهور فيرجع في مثل هذا كغيره من المسائل أو من النصوص المطلقة، المسائل والأحكام المطلقة في النصوص يرجع فيها إلى العرف والعادة، فإذا نُظر لأقل حيض يقع في الوجود إذا وجد هذا جعل الأقل، وإذا وجد مدة أكثر حيض في الوجود رُجع إليه، لكن بعض النساء لا تحيض في الشهرين إلا مرة، هل نقول: إن أقل الحيض في الشهرين مرة أو في الثلاثة الأشهر مرة؟ أو أن ما يخرج عن الحيض في كل شهر نادر جداً لا يعلق عليه أحكام؟ فيجعل حيضها في كل شهر، لكن أقل الحيض عند هؤلاء نظراً للعرف يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وإن وجد من تحيض ستة عشر أو سبعة عشر، لكن هذا في غاية الندرة، فلا يلتفت إليه.
سم.
إيه كمِّل هذا الباب.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنه- أنها قالت: استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدعُ الصلاة؟ فقال: «لا، إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي» فكانت تغتسل لكل صلاة.
قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي.
قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة، وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة" تقدم أن المرجح أنها تغتسل وجوباً عند انقضاء عادتها سواء كانت معتادة أو مميزة أو عاملة بعدة غالب نسائها، على ما جاء في الأحاديث السابقة، وما جاء أنها تغتسل عند كل صلاة، جاء في هذا الحديث، لكن ليس فيه أمر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما فيه أن أم حبيبة تغتسل عند كل صلاة اجتهادًا منها، أو فهماً منها مما لم يفهمه غيرها.
قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة" ابن شهاب يروي الحديث عن عروة، وأحياناً يرويه عن عمرة، وأحياناً يرويه عن عروة وعمرة، وليس هذا بقادح ولا باضطراب، وإنما هو يرويه على الأوجه الثلاثة، فالوجه الأول: عن عروة عن عائشة أنها قالت: استفتت أم حبيبة ابنة جحش أخت حمنة وكانت أم حبيبة هذه تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة تحت طلحة، وأختهما زينب أم المؤمنين تحت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت تحت زيد بن حارثة، وبنات جحش الثلاث قيل: إنهن كلهن مبتليات بالاستحاضة، مبتليات بالاستحاضة، بما فيهن زينب أم المؤمنين، وقد ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة، فإن صح أن بنات جحش مستحاضات فهي زينب، ومنهم من يقول: سودة،.. فهي زينب، وقد عد العلماء المستحاضات في عصره -صلى الله عليه وسلم- فبلغن عشر نسوة "استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض" بالبناء للمفعول؛ لأنه من فعل الشيطان بخلاف الحيض فهو مكتوب على بنات آدم "فلا أطهر" يعني مدة طويلة، تستحيض بعضهن سبع سنين مستحاضة مسكينة، وهذا ابتلاء من الله -جل وعلا- كغيره من المصائب تؤجر عليه، ويكفر به من سيئاتها "أفادع" أتركوا الصلاة "أفأدع مادامت الاستحاضة؟ فقال: «لا إنما ذلك عرق» يعني دم عرق انفجر «فاغتسلي ثم صلي حتى يأتي وقت عادتك» فكانت أم حبيبة تغتسل لكل صلاة.
والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما "قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي" يعني اجتهاد منها هي فلا يجب على غيرها.
"قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة" هذا الوجه الثاني، الأول الزهري عن عروة، والوجه الثاني الزهري عن عمرة "عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة" وبه قال ابن عمر وابن الزبير والجمهور على أنه لا يجب الغسل إلا مرة واحدة عند انقضاء حيضها، وروي عن علي وابن عباس أنها تغتسل كل يوم غسلاً واحداً، يعني جاء في الحديث: "من الطهر إلى الطهر"، "تغتسل من الطهر إلى الطهر"، ورواه بعضهم: "من الظهر إلى الظهر"، وقال بعضهم: "من الظهر" هذا تصحيف، والأصل: "من الطهر وإلى الطهر" وقال بعضهم: لا من الظهر إلى الظهر ليس بتصحيف، يعني ويش المانع من أن تغتسل في اليوم مرة واحدة، وقال بذلك علي وابن عباس أنها تغتسل غسلاً واحداً، وقال الحسن وسعيد: إنها تغتسل الظهر؛ لأن الظهر أرفق بها؛ لأنه وقت دفء بخلاف غيره من الأوقات، من الظهر إلى الظهر، والمرجح أنه لا يلزمها إلا الغسل الأول بعد انقضاء عادتها "وروى الأوزاعي" يعني الوجه الثالث "عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة" كليهما، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"التوفيق بين هذه الأمور سهل ويسير، يعني لو خصص لطلب العلم وقت لا يشغل عن حاجة الأهل ومطالب الأهل، والمركز أيضاً له وقت، وغالباً أن المراكز في أخر النهار، وليخصص طلب العلم في أول النهار.
يقرأ قبل ذلك مختصر علوم الحديث للحافظ ابن كثير ينفعه ويفيده، ويكون كالمرقاة لألفية العراقي.
العمل شرط عند أهل العلم، والمراد جنسه شرط صحة، والمراد جنسه كما قرر ذلك شيخ الإسلام، وسئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- في بعض المناسبات عمن قال: إنه شرط كمال قال: هذا قول المرجئة.
هذا الحديث مخرج في السنن لكنه لا يصل إلى درجة الصحة، فيه كلام لأهل العلم، والأقرب أنه حسن.
حكم هذا العمل إن كان التصوير لذوات الأرواح فهو محرم، وجاءت به النصوص الصحيحة الصريحة.
أرجو الإجابة والإفادة لأنني محرج عند نصيحة الشباب؟
لا، لا تحرج عند إسداء النصيحة لهم، ولهم أيضاً من يقتدون به ويعملون بقوله، لكن أنت عليك أن تنكر على ما تقرر عندك، وما تدين الله به.
إيش ينتقض الوضوء؟ ينتقض وضوء من؟ نعم لا ينتقض الوضوء إنما على القول بنجاسته يتنجس ثوب أمه وليس بأشد من بوله يكفي النضح في هذه الحالة.
لا شك أن الغسلة الواحدة مجزئة كافية وهي كاملة أيضاً لثبوتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي أدنى الكمال، وأعلاه الثلاث.
المأموم إذا كان لا يعلم ببطلان صلاة إمامه فإن بطلان صلاة إمامه لا يؤثر عليه، لكن إذا علم ببطلان صلاة إمامه لا يجوز له متابعته، وإن تابعه فصلاته باطلة.
هذا واحد من الإخوان خرّج الحديث.
يقول: حديث: «لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب ولا صورة ولا جنب» يقول: لم يأتِ هذا المعنى عدم دخول الملائكة الذي فيه جنب إلا في هذا الحديث، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من عدة من الصحابة أبي طلحة وأبي هريرة وعائشة ولم يذكروا فيه لفظ: «ولا جنب» ولم تأتِ هذه اللفظة إلا من حديث عبد الله بن لجين عن أبيه عن علي -رضي الله عنه- عند أبي داود والنسائي وأحمد وابن حبان وغيرهم؟ وعبد الله بن لجين قال عنه البخاري: فيه نظر، قال ابن عدي بعد أن ساق بعض أخباره عن علي قال: أخباره فيها نظر، وقال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وأما أبو لجين بن سلمة الحضرمي قال عنه الذهبي: لا يعرف، وقال ابن حبان عنه: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، ولم يروِ عنه سواء ابنه عبد الله.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند كلامه على ترجمة البخاري: باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل، قيل: أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن علي مرفوعاً: «إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ولا جنب» رواه أبو داود وغيره، وفيه لجين بضم النون الحضرمي ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول، لكن وثقه العجلي، وصحح ابن حبان والحاكم حديثه.
على كل حال الحديث يعني قابل للتحسين، يعني وإن لم يكن على شرط البخاري، ولم يرَ البخاري صحته لكنه مما خرجه أبو داود وسكت عنه فهو صالح على ما سيأتي في درس المصطلح -إن شاء الله تعالى-.
التصفيق من خصائص النساء، الرجل يسبح، إذا نابه شيء حتى في صلاته يسبح، وأما المرأة فتصفق، وليس التصفيق من أفعال الرجال، وفي قوله -جل وعلا-: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] قالوا: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.