الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (04)
... وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
"ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله."
نعم هذا لا شك أنه نقص في العقل شخص يبذر ويزرع وقبل حصول النتائج حصول الثمرة يترك يقول هذا زرع سيأخذ وقتاً إذًا نتركه نعم أسوأ منه من يتلف ما فعل {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [سورة النحل:92] فالذي يفسد ما يعمل هذا أسوأ ممن يترك فالذي يدعو الله عز وجل ويلح في الدعاء ثم بعد ذلك يستحسر ادع الله أن يصرف عنك ما بك والله يا أخي دعوت دعوت ما أجابني مثل هذا مانع من ترتب أثر الدعاء عليه لكن أسوأ منه الذي يصاب بنكسه نسأل الله العافية أنتم تقولون أو الله سبحانه وتعالى يقول {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] ما استجاب هذا قد يوجد نسأل الله العافية كمن يتلف ما بذر فالاستعجال والاستحسار سببه الجهل جاهل وما يدريك لعل الله سبحانه وتعالى أن يرفعك بهذا الدعاء في الدنيا والآخرة وما يدريك لعل الله سبحانه وتعالى مدخر لك منزلة في الآخرة لا تنال هذه المنزلة إلا بالإلحاح وكثرة الدعاء والاستمرار عليه لأن الدعاء لا سيما مع حضور القلب والانكسار بين يدي الله عز وجل من أعلى منازل العبودية فأنت تتعبد الله عز وجل بأحب العبادات إليه فلم العجلة؟! أنت تطلب شيء قد يكون يسير والله سبحانه وتعالى يدخر لك أمرا عظيما في الدنيا أو في الآخرة لكن زد في الدعاء وأقبل إلى ربك وما يدريك لعل الله سبحانه وتعالى في تأخير الإجابة يصرف عنك من البلاء أضعاف أضعاف ما رجوته وأمَّلته والله المستعان.
"وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي»."
نعم هذه العجلة هي الاستحسار كما جاء في بعض النصوص في صحيح مسلم وغيره.
"وفي صحيح مسلم عنه «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل» قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال يقول: «قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء». وفي مسند أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل» قالوا: يا رسول الله كيف يستعجل؟ قال: «يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي»."
الناس في الأمور المحسوسة يقيسون العقول بها في الأمور المحسوسة والظاهرة لكن قد يحصل يصدر من بعض من يوصف بالعقل والحلم تصرفات هي أشد من تصرفات هؤلاء في الأمور المحسوسة الآن ماذا يحكم على شخص بنى بيتا ثم هدمه؟ يحكمون عليه بالجنون لكن ماذا يحكمون على شخص تصدق بصدقة ثم مَنَّ بها؟ وهذا أعظم صلى صلاة ثم وأبطل ثوابها عمل أعمالا أمثال الجبال وأهدر ثوابها هذا هو المفلس الحقيقي يعني إذا كان يملك خمسمائة ألف وشيَّد بها بناء ثم هدمه قالوا مفلس أفلس المسكين أو انجن سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- «مَن المفلس؟» من لا درهم له ولا متاع هذا في العرف صحيح قال «لا، المفلس من يأتي بأعمال» وفي رواية «أمثال الجبال من صلاة وصيام وصدقة وغيرها ثم يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته إن كفت هذه الحسنات وإلا أخذ من سيئاته وألقيت عليه» لو أن المقاييس شرعية عندنا ومطردة هذا المفلس الحقيقي إذا عملت عمل وأتقنته ورجوت ثوابه لا تفسد هذا العمل لا تبطل هذا العمل يا أخي حرصت على زيادة الحسنات لا توزع هذه الحسنات وفي الغالب أن هذه الحسنات التي تعبت عليها إنما يقتسمها من تحب؟ في الغالب لا، من تكره وهذه الحسنات إنما يقتسمها من تكره ولذا اغتاب شخصٌ الحسن البصري فاشترى طبقا من تمر وأهداه إليه كيف؟! والله يا أخي أهديت لنا حسنات ولا نجد ما نكافئك به إلا مثل هذا يا أخي {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ} [سورة النحل:126] إن اغتابك تغتابه؟! لا، ما له داعي خل حسناتك موفورة لك وإلا ما فيه شك أن مثل المظلوم يأخذ مظالمه بقدر مظلمته لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم لكن إذا ادخرها في الآخرة أفضل له.
"وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة، وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر."
على الخلاف على الخلاف في ساعة الجمعة هل هي من صعود الإمام حتى تقضى الصلاة أو هي في آخر ساعة بعد العصر نعم أكثر أهل العلم على أنها آخر ساعة بعد العصر والقول الثاني أيضا له وجهه وله أدلته ووجود الأحاديث التي تدل على هذا وعلى هذا سببه إخفاء هذه الساعة كإخفاء ليلة القدر ليجتهد الناس ويستغلوا جل الوقت في عبادة الله عز وجل هذه أوقات الإجابة الستة التي ذكرها إذا توافرت شروط الدعاء وآدابه وانتفت الموانع ووجدت في هذه الأوقات فالغالب أنه لا يُرَد.
طالب: .........
هذا عند الأذان يشرع الدعاء وبعده إلى الإقامة يشرع الدعاء بين الأذان والإقامة الدعوة لا ترد يدعو الإنسان.
طالب: ..........
ما هو؟
طالب: ..........
عند الأذان أي دعوة تختارها لنفسك.
"وآخر ساعة بعد العصر، وصادف خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب، وذلا له، وتضرعا، ورقة."
مثل هذه الأمور يندر وجودها في أصحاء الأبدان تجد الإنسان مادام صحيح البدن وإن دعا دعا بقلب غافل لاهٍ ومثل هؤلاء من أنفع الأمور لهم الأمراض الأمراض البدنية من أنفع الأمور لهم في دينهم ودنياهم صادق خشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب نشوف كثير من الناس تجده في حال الصحة إن دعا على قلة تجد ما يحضر من قلبه شيء لكن إذا أصيب الإنسان في ماله أو في بدنه أو في ولده يأتي الانكسار والخشوع والتضرع والتذلل والإلحاح فيقرب الإنسان من ربه ويتعرف على الله عز وجل فتجده يخبت وينكسر ويذل وينطرح بين يدي ربه عز وجل فيحصل له أضعاف ما أمَّله فالأمراض والمصائب إضافة إلى كونها مكفرات للذنوب هي أيضا من أنفع ما يصل الإنسان بربه عز وجل.
"واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنَّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده."
كأن حال المسلمين أو لسان حال كثير منهم يقول الهدف والغاية هي الدنيا فإذا أصيب في دنيا في ماله في بدنه في ولده وجدت هذه الأمور لكن إذا أصيب بقلبه وأهل العلم يقررون أن مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان وكم من ممسوخ يعيش بين الناس ممسوخ قلبه كم من واحد من طلاب العلم إذا عاصت عليه مسألة وأشكلت عليه اتصف بهذه الصفات لتنكشف لا يتصف جل المسلمين بهذه الصفات إلا إذا أصيب في دنياه ولا شك أن هذا من إيثار الدنيا على الدين وإلا فكم من إشكال يحصل وكم من مصيبة وكارثة تحصل للإسلام والمسلمين تجد الإنسان إذا دعا لا يحضر القلب لأن المسألة لا تعنيه على وجه الخصوص لكن لو نزلت به نازلة تخصه اجتمعت هذه الآداب وتوافرت الشروط. شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إذا أشكل عليه مسألة استغفر مرارا يكرر الاستغفار «ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا» لكن أين نحن من الاستغفار الفاتحة فيها أسرار عجيبة لمن فهمها وتدبرها كم حلَّت من إشكال في أمور الدين والدنيا وابن القيم رحمه الله تعالى يجلي ذلك ويصوره بدقة في مدارج السالكين ويذكر أنه استعملها واستشفى بها من أدواء القلوب والأبدان الشيء الكثير أبو سعيد لما قرأ على اللديغ برأ فورًا فنحن في غفلة من هذه الأمور وهمنا المأكل والمشرب والملبس والمسكن وين راح ووين جاء والاستراحات واللقاءات التي غالبها لا فائدة فيها والله المستعان.
"وقدم بين يدي دعائه صدقة فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم."
نشوف الوقت.. نشوف الوقت.. حضرت الإقامة؟
طالب: ............
يكفي هذا.. والله أعلم.