كتاب أبي سليمان الخطابي (معالم السنن) على اختصاره من أنفس الشروح؛ لإمامة مؤلفه، ورسوخ قدمه، وكتابه (معالم السنن) هذا أجود من كتابه (أعلام السنن)؛ لأن هذا الكتاب ألَّفه أصالةً للسنن لشرحها وخدمتها، أما (أعلام السنن) فألفه كالتكملة لهذا الكتاب. ومنهجه في مسائل الاعتقاد في كتابه (معالم السنن) فيه خلط وخبط عجيب، سلك فيه مسلك الخلف في التأويل، لكن الذي نقله عنه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في الجزء الخامس من (الفتاوى) صفحة 58 و59 بواسطة رسالة الخطابي (الغنية عن الكلام وأهله)، نقل عنه ما يخالف ما ذكرناه عنه آنفًا من التأويل، ولعله رجع عن مسلكه السابق، فيقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- نقلًا عن الخطابي: (فأما ما سألت عنه من الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنة فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا بذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، وإنما القصد في سلوك الطريق المستقيم بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي والجافي والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويُحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أن إثبات الباري –سبحانه- إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجودٍ لا إثبات تحديدٍ وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: إن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وعلى هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات)، هذا كله كلام الخطابي –رحمه الله- مما نقله عنه شيخ الإسلام –رحمه الله- ولعله رجع عما في كتبه هذه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة.