شرح كتاب التوحيد - 46
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام المجدد –رحمه الله تعالى-: "بابٌ من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود:15] الآيتين.
وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا اِنْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنْ اِسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ».
فيه مسائل:
الأولى: إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة.
الثانية: تفسير آية هود.
الثالثة: تسمية الإنسان المسلم عبد الدينار والدرهم والخميصة.
الرابعة: تفسير ذلك بأنه «إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ».
الخامسة قوله: «تعس وانتكس».
السادسة قوله: «وإذا شيك فلا انتقش».
السابعة: الثناء على المجاهد الموصوف بتلك الصفات".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- في كتاب التوحيد: "بابٌ من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا" الشرك أعم من أن يكون الأصغر أو الأكبر، أعم من أن يكون الأكبر أو الأصغر؛ لأنه إذا كانت الإرادة منتفية تمامًا عن إرادة وجه الله –جلَّ وعلا- ومُنصبة بتمامها في جميع أعماله على أمور الدنيا، فهذا -نسأل الله العافية- خلا قلبه من محبة الله، وقد تكون هذه الإرادة أقل من هذا المستوى فتكون مؤثرة في عمله، وتكون من نوع الشرك الأصغر.
"إرادة الإنسان" الإرادة القصد، الإنسان فاعل هذه الإرادة، فهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، من إضافة المصدر إلى الفاعل، وقد يُضاف المصدر إلى الفاعل، وقد يُضاف المصدر إلى المفعول، بعمله الذي يُراد به في الأصل وجه الله الذي يُراد به وجه الله والدار الآخرة.
"بعمله الدنيا" ولا يُريد بهذا العمل الذي يُظهره للناس وجه الله والدار الآخرة، وإنما يُريد به الدنيا؛ ولذا جاء الذم في حديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات»، لماذا ذُمَّ من هاجر من أجل امرأةٍ أو دنيا؟
طالب: لأنه أظهر إرادة الآخرة.
لأنه أظهر إرادة الآخرة وهو في حقيقة الأمر يُريد الدنيا «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» قد يقول قائل: أنا بحثت عن زوجة، ماتت زوجته، وبحث في بلده ما وجد من يُزوجه، فانتقل إلى بلدٍ آخر يُريد زوجة، هل يُذم؟
طالب: لا.
والسياق في الحديث سياق ذم أم مدح؟ ذم، لماذا يُذَم وقد هاجر لأمرٍ واضح، بل هو شرعي ومُرغبٌ فيه شرعًا، ومن سُنن المرسلين هاجر ليتزوج، أو ضاقت به الدنيا في بلده فانتقل إلى بلدٍ آخر؛ ليطلب الدنيا التجارة مثلاً، هل يُذم مثل هذا؟ ما يُذم، لكن ما وجه الذم في هاتين الصورتين؟ لو يُظهر للناس أنه يُريد الآخرة، قلنا في مناسبات: أنه لو جاء شخص قبل أذان المغرب يوم الاثنين بربع ساعة، فرش السماط، ووضع التمر والماء والقهوة. فُتح باب المسجد، وكل من دخل تفضل يا أبا فلان، في هذا الوقت الأكل في المسجد مباح أم مُحرَّم؟
طالب: مباح.
مباح ما فيه إشكال أن يأكل في المسجد، وكونه يجلس في هذا الوقت وينتظر حتى يُؤذِّن المؤذن يعني لو أكل قبل الأذان انتفى المحظور، لكن انتظر إلى أن أذَّن المؤذِّن وهو ما صام، يُذم أم ما يُذم؟ يُذم؛ لأنه يُظهر للناس أنه صائم، وإلا الأصل أن الأكل في المسجد مباح ولا فيه أدنى إشكال، لكن كونه يعمد إلى هذا الوقت يموه على الناس أنه صائم، حتى لو جاء أحد من الباب الثاني البعيد تفضل با أبا فلان حتى ما يفوت أحد، وهو ما صام يُذم أم ما يُذم؟ يُذم؛ لأنه يُظهر للناس أنه صائم وهو في الحقيقة ليس بصائم، وإلا فأصل العمل مُباح.
هذا الذي هاجر من أجل المرأة في الأصل لا يُذم، بل قد يُؤجر، لماذا؟ لأنه يُريد أن يُحقق مطلبًا شرعيًا وهو النكاح، يُعف نفسه ويُعف الزوجة التي يُريد أن يتزوجها، ويمتثل ما أُمر به شرعًا من فعل ما شرعه الله على سائر الرسل، ومن سُنن المرسلين «لكني أصوم وأفطر، وآكل اللحم وأتزوج النساء».
طالب:........
لا..لا المسألة على الذي فرش السماط هذا.
طالب:........
الذي يضعه، وقصد هذا الوقت، وأتى بما يفعله الصوام بدقة، وانتظر مسك التمر بيده حتى إذا قال المؤذن: الله أكبر، قال: بسم الله، ماذا يعني هذا؟ لماذا لم يأكل قبل ربع ساعة؟! يعني لو أكل قبل الأذان انتهى الإشكال ما فيه تمويه، لكن انتظر حتى أذَّن المؤذِّن، وإلا فالأصل الأكل ما فيه شيء، هذا يُظهر للناس أنه صائم، وذاك يُظهر للناس أنه هاجر لله ورسوله، وهو ما هاجر إلا من أجل هذه المرأة، أو ما هاجر إلا من أجل هذه الدنيا، الأصل في العمل أنه مباح ما فيه شيء، إن لم يترجَّح جانب الثواب فيه، إذا نوى نوايا أخرى قصد بهذه المرأة ما يُقصد من المقاصد الشرعية، وقصد في كسب الدنيا أن يُعف نفسه عن الناس، وامتثال {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]، وأيضًا قصد الإحسان إلى الناس، يُؤجر على هذا، لكن الإشكال في كونه يموه على الناس أنه هاجر من أجل وجه الله، والدار الآخرة، وهو في الحقيقة لا يُريد ذلك، وإنما يُريد الدنيا.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
الزواج ماذا فيه؟
طالب:........
بأي وجه؟ وبأي وسيلة؟
طالب:........
هاجر لمن؟
طالب:........
ما يُؤجر، الآن هو مذموم، السياق في الحديث سياق ذم في مقابل «من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» يعني أجرًا وثوابًا ونيةً وقصدًا هجرته إلى الله ورسوله، بالمقابل «إذا هاجر لامرأةٍ يتزوجها أو دنيا يُصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه» والسياق في مقابل الجملة الأولى سياق ذم، ولكن الأصل أنه ما فيه شيء، الهجرة من أجل الدنيا إذا ضاقت بك الدنيا ما أحد يلومك، بل قد تُؤمر بذلك أو ما وجدت زوجة تذهب تبحث عن زوجة ما فيه إشكال.
لكن الإشكال في أن تُظهر للناس أنك هاجرت إلى الله ورسوله، ما هاجرت إلا من أجل الهجرة ذاتها.
تُظهر للناس تقول: والله إني في بلدي ما استطعت أن آخذ راحتي في التعبد وفي الدعوة، وفي طلب العلم، وفي كذا وكذا، وأنت ما لك أي هدف من هذه الأمور، إلا لتتزوج أو تطلب الدنيا.
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بابٌ من الشرك إرادة الإنسان بعمله".
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم.
طالب:........
"بعمله" الأصل.
طالب:........
لا، بعمله الذي يُراد به وجه الله.
طالب:........
نعم.
طالب:........
أين؟
طالب:........
نعم، لكن القصد إرادة وجه الله، يُظهر للناس أنه صائم.
هل نقول: "بعمله" مفرد مضاف، فيعُم جميع أعماله؛ لأن المفرد المضاف يعُم أو نقول: "بعمله" ولو بواحد من أعماله، ويكون نصيبه من الشرك بقدر نصيبه في هذا العمل؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم؛ لأن الشرك لا يقبل التجزئة، وبعد "من الشرك" تبعيض، "من" للتبعيض.
"وقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود:15] الآيتين" ما معنى الآيتين؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
أكمل الآيتين أو اقرأ الآيتين؛ ولذلك هي منصوبة، مثل الحديث، تقول: الحديثَ، يعني: أكمل الحديث أو اقرأ الحديث، وعلى هذا إذا قال لك المؤلف: الحديث في كتابٍ مصنَّف، المؤلف ما أكمل الحديث، وقال لك: الحديث، المؤلف ما أكمل الآية، أو قال لك: الآيتين أو الآيات، هل من حقك أن تضيف تبعًا لهذا الأمر المضمر أن تُضيف بقية الحديث أو بقية الآية؟
طالب: لا.
النُّسخ تختلف، بعض النُّسخ فيها إكمال.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
لا، ما هي مسألة نقاط ولا غيره؛ لأن بعض النُّسخ فيها تكميل.
طالب:........
نعم.
طالب:........
انظر ماذا يقول لك في الحاشية؟ في لام إلى قوله: {وَزِينَتَهَا} [هود:15] {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:15] الآيتين.
وفي طاء وخاء وفاء وضاد إلى قوله: {وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُون} [هود:15] الآية الأولى.
وفي ألف وحاء إلى قوله: {وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُون * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هود:16] بعض الآية الثانية وفي نسخة إلى قوله {وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون}[هود:16] يعني أكمل الآيتين.
دعنا من اختلاف النّسخ، لو جزمنا أن الشيخ ما أكمل الآيتين، وقال لك: "الآيتين" وأنت تفهم أن معنى قوله الآيتين أكمل الآيتين، إكمالهما قراءة، وإكمال الحديث قراءة هذا ما فيه أدنى إشكال، وهو امتثالٌ للأمر، لكن إكمالهما كتابة مُخل بالأمانة العلمية، أو معك تفويض من المؤلف؟
طالب: مُخل.
نعم.
طالب:........
نعم؛ لأن بعض الشراح يتصرفون.
طالب:........
نعم.
هو معناه أكمل الآيتين، معك تفويض من المؤلف أنك تُكمل الآيتين، لكن هل تكملهما قراءة؟ هذا ما فيه إشكال، تُكملهما كتابة وتزيد في الكتاب الذي وضعه المؤلف على ما وضعه عليه؟
طالب:........
كيف مُشترط؟ ما عنده كل هذا.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
يعني يُزاد في الشرح ما يُزاد في المتن؟ في الشرح وليس في المتن؛ لأن الإذن بالزيادة يفتح مجالًا لمن يأتي بعد، وهذا يزيد، وذاك يزيد، ثم هذا يحذف، وهذا يُنقص. تُمسخ الكتب بهذه الطريقة، الأصل أن تبقى الكتب على ما تركها مؤلفوها؛ لأنه أحيانًا يكون في الكتاب الأصلي خطأ، لا يحتمل الصواب، نُصحح أم ما نُصحح؟
طالب:......
ماذا؟
طالب:........
نُصحح في الأصل أم في الحاشية؟
طالب: في الحاشية.
نعم.
طالب: في الحاشية.
إذا كان الخطأ في آية، فأهل العلم قالوا قاطبة: يُصحح.
طالب:........
نعم.
طالب:........
في الأصل يُصحح إذا كان في آية، وليس لهذا الخطأ وجهًا في قراءةٍ أخرى مثلاً.
طالب:........
نعم.
طالب:........
لا..لا، أحيانًا يصير اختصارًا للوقت، وأحيانًا يكون اختصارًا للورق، وأحيانًا اختصارًا...ظروفهم تختلف عن ظروفنا، لكن عندنا إذا صار عندنا كملت الآيتين والآية في كل بابٍ من الأبواب وزاد عندك ملزمة في الكتاب، والأصل الآيات محفوظة، سواءً بالقوة أو بالفعل، بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل، والحديث كذلك المصادر موجودة، وبإمكانك أن تُكمل.
لكن يأتيك من يجهل، فيأتي إلى حديث «إنما الأعمال بالنيات» في الموضع الأول من صحيح البخاري، ويقول: فيه سقط «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» يقول: فيه سقط، ما السقط؟ «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» البخاري ما ذكر هذه الجملة في الموضع الأول، واعتذروا عنه، فيجيء واحد من طلاب العلم، وقال: فيه سقط ويُلحق، لا، بعض الطلاب عندهم نهم، وعندهم هجومٌ من غير تروٍّ، وبهذا يحصل التحريف في كتب أهل العلم، بل يجب أن تبقى كما هي.
إذا كان الخطأ –مثل ما قلنا-: في آية يُصحح في الأصل إن لم يكن هناك وجه من قراءةٍ أخرى أو نحوها.
طالب:........
نعم.
طالب:........
لا هو لا بد أن يعتمد أصلاً يمشي عليه لا يزيد ولا ينقص، إذا درس النُّسخ، ووجد هذا الأصل بالفعل هو الأصل، نُسخة المؤلف أو نسخة مقروءة على المؤلف، ونُسخة صححها المؤلف هذا غير؛ لأنه مثلاً تفسير ابن كثير الآن موجود له أكثر من مائة نسخة خطية، أكثر من مائة نسخة خطية، وأردنا أن نحقق تفسير ابن كثير وجاءك من جمع هذه المائة وزاد من هذه، وزاد من هذه، ونقص من هذا، ماذا يصير؟ يعني عليك أن تنتقي النُّسخ الموثقة المعتمدة عند أهل العلم، والتي عليها خطوط أهل العلم، والأقرب إلى المؤلف، والباقي تشير إليه في الحاشية، وليس كل شيءٍ يُشار إليه مع كثرة النُّسخ؛ لأنه بدل الكتاب ما هو أربعة مجلدات خمس مجلدات يصير خمسين مُجلدًا من هذه الحواشي.
وفائدة القارئ قد تكون أقل من التعب الذي تُعب عليه، لكن بالتجربة بعض المُحققين، وقد يكون من الكبار يجتهد ويضع في الأصل كلمة ويُشير في الحاشية إلى أنه في نسخةٍ كذا، ثم مع قراءة السياق وكذا يتبين الذي في الحاشية أصح، أصح وأقرب إلى السياق مما أثبته، وهذا موجود وأعمال البشر كلها على هذه الطريق، لكن مُقله مستكثر.
على كل حال الذي دعاني إلى هذا الكلام أن واحدًا من الشراح أكمل الآيتين واعتذر، قال: أكملت الآيتين والأصل ما فيه إكمال، ولعل الأمر أن يكون خيرًا.
مثل هذا الإكمال مادام عندك إذن من المؤلف أن تُكمل، عندك إذن فليس الخلل كبيرًا، ليس الخلل بكبير، لكن الأصل أن تفعل كما فعل، وتُكمل بنفسك، بعض الكتب في الأسانيد ما فيها ترضٍّ عن الصحابة، أو ما فيها صلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- كما قالوا عن الإمام أحمد: أنه يُصلي على النبي –عليه الصلاة والسلام- في نفسه، وبعضهم يترك الصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- ليعود إليها فيما بعد؛ لأنه في مجلس الإملاء ما يلحق، وتُرك تكمل أم ما تكمل؟
طالب:........
لماذا؟ لأنه من باب الدعاء لا من باب الرواية، وهذا يختلف عن هذا.
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم.
طالب:........
في الأربعين عن أبي حفصٍ عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- في كل الرواة في الموضع الأول يذكر الكُنية والنَّسب كاملًا، وعن الحسن بن علي سبط رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ترجع للأصل الذي أُخذ منه الحديث ما فيه.
طالب:........
هذا تقصد؟
طالب:........
لا..لا، هذا موضَّح كالذيل على الكتاب، زيادة ابن رجب على أحاديث النووي هذا من باب التكميل؛ لأن هذه الأحاديث قواعد جوامع ورأى ابن رجب –رحمه الله- أن يُكمل هذه الأحاديث بأحاديث لا تقل عنها أهمية، ومُبين أنها من زيادة ابن رجب ما فيه إشكال، يعني كالذيل.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
أنا ما أسمع، أبا عبد الرحمن، ماذا يقول؟
طالب:........
قاطبة على أنه يُصحح في أصل الكتاب ما لم يكن هناك وجه في القراءة يعتمدها المؤلف وأنت ما تدري عنه، مثلاً كثير من نُسخ الصحيح الموثقة {يَرْفَعِ اللّهُ} [المجادلة:11] والذي في المصاحف {يَرْفَعِ اللّهُ} [المجادلة:11] نُسخ مقروءة على أئمة، نقول: هذه قراءة البخاري ونتركها على أصلها أو نُصحح؟
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
هل أنت أحطت بكل شيء؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم، لكن القرآن أمره واضح وصريح، والاختلاف فيه يسير، وحماية القرآن وصيانته أمرٌ مقرر في الشرع، لكن إذا كان الخطأ في حديث، فهل يُصحح في الأصل ويُشار إلى أن هناك خطأً أو يبقى الخطأ في الأصل ويُشار إلى الصواب في الحاشية؟ قولان لأهل العلم، وهما قولان لأهل الحديث فيما قرروه في كتابة الحديث وضبطه من كتب علوم الحديث؛ لأنه قد تكون رواية، وقد يكون هذا أصل الرواية وإن كان خطأً يعني حديث مقلوب تُصححه، وفي أصل روايته هكذا؟
طالب:........
«حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» في صحيح مسلم، تريد أن تُصحح؟
طالب:........
إذا عزاه لمصدر فالتصحيح من ذلك المصدر؛ لأنه آخذه من هذا الكتاب.
طالب:........
نعم.
طالب:........
تتحرى هل وجد في مصدرٍ آخر أو شيء.
طالب:........
في الحاشية نعم، يعني لو في صحيح مسلم «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» يقولون: هذا حديث مقلوب، والأصل «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»؛ لأن الإنفاق الأصل فيه باليمين، وأنا قلت: يُمكن توجيهه على وجهٍ يصح؛ لأن هذا سياقه سياق إخفاء الصدقة، والمسألة مُفترضة في رجلٍ مُكثر من الصدقة، ومُخفٍ لصدقته، مثلاً وهو جالس في المسجد، أو قُل: في الحرم مثلاً والسؤال عن يمينه أو عن شماله، وهذا يُعطيه بيده اليمنى، وهذا يُعطيه بيده اليُسرى حتى ما يُرى، ما يطلعون لهؤلاء، ما الذي يمنع؟ ما فيه ما يمنع.
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم.
طالب:........
الرواية تبقى كما هي، ولا يُتَصرَّف في كتب أهل العلم، تبقى كما هي، والذي يُصحح في حاشية، والذي يُصحح في شرع هذا الأمر إليه، ثم قد يأتي من يُصوِّب ما خُطِّئ فيُوجهه.
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُون} [هود:15] يعني: لا يُنقصون مما يستحقونه في الدنيا على أعمالهم التي عملوها من أجل الدنيا ما يُبخسون من نصيبهم شيء، يُوفون فيها في الدنيا، لكن في الآخرة {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هود:16]؛ لأنهم استوفوا في الدنيا كل ما يستحقونه، ماذا يبقى؟ {وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} [هود:16] {حَبِطَ} يعني: بطل وذهب ضياعًا وخسرانًا عليهم {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون} [هود:16].
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [هود:15] سؤال مُقلق لكثيرٍ من طلبة العلم، وكثيرٌ منهم لم يجد له حلاًّ، قبل أن تُوجد هذه الدراسات النظامية، وطلاب العلم عند المشايخ في المساجد لا يترقبون شيئًا، ولا ينتظرون شيئًا.
طالب:........
النية خالصة، لكن جاءت الدراسات النظامية، وينجح من سنة لسنة، ومن مرحلة إلى مرحلة، وقدامك المستقبل والوظائف، يعني الإخلاص عزيز، وكثيرٌ منهم يقولون: جاهدنا أنفسنا، جئنا لهذه الكليات فيها علم شرعي، ونطلب العلم الشرعي، لكن أمامنا المستقبل يتراءى لنا في كل لحظة، وما من شهادات تُمكننا من العمل المُكسب المُدر من أمور الدنيا، وحاولنا، جاهدنا نُريد الإخلاص وعجزنا، نترك الدراسة؟ الوعيد شديد.
يعني بعض الناس؛ لقوة إيمانه تَغلِب عليه هذه الحالة فيترك الدراسة. الوعيد شديد، كيف أضع هَم الدنيا بأمور الآخرة؟ المسؤول وقد لا يكون يُعاني هذه المعاناة يتصور الوضع، لكن السائل يُعاني أشد، والمسؤول يُريد أن يُسدد ويُقارب، وأن يكون هذا الذي تحرَّج من هذا الموقف يكون أنفع من غيره للأمة، وتكون القرائن تدل على أنه أنفع، وأنه صاحب دين، وعنده نوع إخلاص وخوف من الله –جلَّ وعلا- يقول له: الترك ليس بعلاج، إنما تابع وجاهد نفسك، وإذا علم الله منك صدق المجاهدة أعانك على صدق الإخلاص.
وقديمًا بعض السلف قال: طلبنا العلم للدنيا، فأبى إلا أن يكون للآخرة، والواقع يشهد أنه كلما تقدمت السِّن وزاد التحصيل عند طالب العلم يكون أقرب إلى الإخلاص؛ لأنه في نشوة الطلب في بدايته قد لا يكون عنده ولا مثقال ذرة من إخلاص، وهذا مُشاهد أن تنظر إلى هذا الطالب في الطلب في الكلية وأول ما يتخرج ويتعين معيدًا أو ملازم قاضٍ تجده شيئًا عند نفسه، لكن اصبر عليه كم سنة، ويتزود من العلم، ويرسخ في علمه تتغير حاله، تتغير حاله وهذا الشيء مُشاهد، والله المستعان.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب: من نيته تحصيل الدنيا وطلب العلم؟
هذا تشريك هذا، هذا تشريك في العبادة.
طالب:........
نعم، واضح تشريك، والتشريك ذكر القرطبي في تفسير سورة الماعون مسائل دقيقة في التشريك، حتى قال: إن المالكية يمنعون من إطالة الركوع من أجل الداخل، لمَّا الإمام يسمع الداخل ويُطيل الركوع؛ ليُدرك الركعة، قال: هذا تشريك؛ لأن الأصل أن أصل العبادة القدر الذي هو مقرر عند الإمام في الأصل أنه يُسبح ثلاث تسبيحات، خمس تسبيحات، سبع تسبيحات، لكن زاد إلى عشر هذه الثلاث ما وضعها؟ الجمهور يقولون: لا، هذا من باب الإحسان على الداخل، وكما جاز النقص من الصلاة، كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يدخل الصلاة يُريد أن يُطيلها فيُخففها؛ من أجل ما يسمع من بُكاء الصبي مراعاةً لقلب أمه، فلتكن الزيادة من أجل مراعاة هذا الداخل إحسانًا إليه من هذا النوع ما فيه شيء.
ولا شك أن هذه المسائل الدقيقة تحتاج إلى معالجة في القلب، تحتاج ما هي بسهلة.
ثُم تأتي المسائل الفرعية الفقهية والأصولية، شخص....
في مسألة انتظار الداخل عرفنا أنها من باب الإحسان إلى هذا الداخل عند الجمهور، ولا أثر لها في الصلاة، وقلب الإمام نظيف من التشريك، والملحوظ في مثل هذا الصنيع هو الإحسان إلى هذا الداخل، وهو كونه يُدرك الركعة.
هذا الشخص، ما الذي صار؟ الإمام الذي بدلاً من أن يُسبح ثلاث تسبيحات سبَّح سبع تسبيحات وزاد في الوقت ما زاد هذا الوقت المزيد، هناك قاعدة عند أهل العلم في القدر الزائد على الواجب، القدر الزائد على الواجب قالوا: إن كان متميزًا بنفسه فهو مندوب، وإن كان غير متميز بنفسه فهو داخلٌ في الواجب، فهذا الزائد من الإمام يدخل في الواجب أو يدخل في المندوب؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
هو من جنسه، لكن هو قدرٌ زائد على الواجب، الأصل أن ما زاد على الواجب سُنَّة مندوب، ويمثلون في كتب الأصول كمن أدى دينارًا عن عشرين، من كان عنده عشرون دينارًا، فزكاته نصف دينار، هذا أدى دينارًا كاملًا، هل الدينار كله واجب أو نصفه واجب ونصفه مندوب؟
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
كله واجب؟
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
قالوا: الزيادة غير متميزة، أنت إذا أردت أن تدفع صدقة الفطر الواجب عليك صاع، فأتيت بكيس ودفعته إلى فقير، أو قسَّمت هذا الكيس إلى آصع ووضعت كل صاعٍ في كيس صار القدر الواجب واحدًا والبقية ندبًا؛ لأنها متميزة.
هذا الداخل الذي دخل وأدرك الإمام في القدر المندوب الزائد، وقلنا: لا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، ماذا يكون إدراكه للركعة؟
طالب: غير مجزئ.
ماذا؟
طالب: غير مُجزئ على القاعدة.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
لأنها غير متميزة، زيادة غير متميزة فداخلة في الواجب.
طالب:........
نعم.
طالب:........
خلاص انتهى الإشكال قلنا: زيادة غير متميزة، وحتى على أصل الحنابلة واجبة ما يتأثر.
"وفي الصحيح" الشيخ كثيرًا ما يقول: في الصحيح والمراد به: البخاري، وأحيانًا يقول: في الصحيح، ويُريد مسلمًا، وأحيانًا يقول: في الصحيح، والمراد: جنس الصحيحين، جنس الصحيح وهو يشمل البخاري ومسلمًا.
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ»" «تَعِسَ» بمعنى: خسر، والتعاسة ضد السعادة، فبدلاً من أن يكون سعيدًا يكون تعيسًا شقيًّا.
«عَبْدُ الدِّينَارِ» جعله عبدًا للدينار؛ لأنه يُقدم حب الدينار على ما يُحبه الله ورسوله، وليس عبدًا لله حقيقةً؛ لأن العبودية تُصرِّف القلب على مراد المعبود، وهذا قلبه متصرفٌ على ما يوافق هذا الكسب كسب الدينار، والدينار معروف أنه من الذهب. «تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ» من الفضة، والدينار صرفه اثنا عشر درهمًا في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- ولذا جاء القطع في السرقة بربع دينار، وقطع في مجنٍ قيمته ثلاثة دراهم، فالدينار يُعادل اثني عشر درهمًا، وأنه قد يزيد فيصل إلى خمسة عشر أو أحيانًا عشرين يكون الذهب فيه شُح، والفضة فيها يُسر، تكون موجودة فيزيد الصرف، أو العكس احتاج الناس إلى الفضة والذهب متوافر فيكون بعشرة أو أقل، وأنتم...
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
كيف؟
طالب:........
يعني ما رأيك قطع في مجنٍ قيمته ثلاثة دراهم، ولا يُقطع إلا في ربع دينارٍ فصاعدًا؟ الصرف الدينار اثنا عشر درهمًا، والدية من الذهب ألف، ومن الفضة اثنا عشر ألفًا.
طالب:........
عشرين ومائتي مثقال.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
نعم، لكن كم النسبة؟
طالب:........
نعم، أنا أقول: الصرف ما هو بثابت، ليس بثابت، أنت تنظر إلى مثلاً قيمة العملات اليوم هل هي ثابتة بعضها لبعض؟
طالب: لا.
قد يزيد هذا، وقد ينقص هذا، لكن الصرف في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- في القطع نسبة واحد إلى اثني عشر.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ما الأصل؟
طالب:........
على خلاف بين أهل العلم الأصل الذهب أو الفضة أو كلاهما أصل.
طالب:........
نعم.
طالب:........
هذا الخلاف موجود إلى يومنا هذا، والخلل موجود، هل الأصل الذهب أو الفضة أو كل ما جاء به نص فهو أصل؟
«تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ» الصنف الأول في عبادة المال، والثاني في عبادة ما يُسمى بالأثاث، والناس لكل قومٍ وارث، بعض الناس المال عنده يُوجهه ويُسيره، وبعض الناس الأثاث تجد في بعض الجهات تغيير الأثاث سنويًّا، وليس من النوع الرخيص، فهو لا يأتي بفراش بسط تبسطه وخلاص وإذا صار بعد سنة تغيره، لا، الأثاث اليوم مُكلِف، الناس يؤثثون بالملايين، وبعد سنة يغير ولو ما جلس عليه، ويهتم لهذا ويصرف وقته وجهده وولاءه وعداءه من أجل هذا.
«تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ» أو لباس يهتم بمظهره، أو يكون فراشًا يهتم به ويقدمه على مرضاة الله –جلَّ وعلا-، طيب غير هذه الأمور مثلاً طالب علم له عناية بالكتب مثلاً وذُكِر له تركة في ناحية من نواحي البلد، ويخشى أن تفوته، ركب السيارة فاتته الصلاة، ماذا تقول؟
طالب:........
نعم.
طالب: مشكلة.
ماذا؟
طالب: مشكلة.
ماذا؟
طالب: مذموم.
مذموم؟
طالب:........
لا، أحيانًا تُترك الصلاة لا لشيء، لكن فقط يُريد أن يُصلي قدام، والعادة جرت –سبحان الله العظيم- أن الإنسان إذا ركب السيارة بعد الأذان وقال: قدام..قدام تفوته.
على كل حال ينبغي أن يكون الهوى تبعًا لِما جاء به الله ورسوله، لا يُؤثِر شيئًا على محبوبات النفس، على ما جاء عن الله ورسوله، والنظر الدقيق في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، وفيهم الذي انتظر أباه حتى يُفيق –يستيقظ- واللبن في يده، والصبية يتاضغون، فشُكر له هذا العمل وفُرِّج عنه بسببه، لو نظرنا إلى المسألة عقليًّا أو فقهيًّا حتى، حتى فقهيًّا، عقليًّا ماذا يقول؟ يقول: اقسم هذا الإناء، أعطِ نصفه للذين يتاضغون من الجوع، واترك لأبيك نصفه، هذا من حيث العقل، ومن حيث الفقه النفقة المُقدمة نفقة الأبوين أو الأولاد؟
طالب: الأولاد.
الزوجة والأولاد مُقدمة، هذا من حيث الفقه، لكن لمَّا قدَّم ما أراده الله –جلَّ وعلا- من البر والإحسان إلى الوالدين على ما تهواه نفسه، وإن كان في عبادة غُفر له بسبب ذلك.
المسألة التي حصلت في سنة سبعة عشر لمَّا حصل الحريق عنده في الخيمة أبوه ومعه طفلان حصل حريق حمل الطفلين وهرب بهما، وترك الوالد يحترق من هذا الباب، وإلا ترك الطفلين بعده سهل؟ لكن لو حمل الوالد وترك الطفلين صار هواه تبعًا لمحبوب الله لو جرد نفسه من هواها، وهذه من المسائل المضايق.
«إِنْ أُعْطِيَ رَضِي» هذا حال كثير من الناس، هذا حال كثيرٍ من الناس تجده إن أُعطي من أبيه أو من مديره أو من ولي الأمر الإمام الأعظم إذا زاد الرواتب رضي الناس، وتنازلوا عن بعض الأمور، وإذا نُقِصت الرواتب غضبوا.
«إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ» وكلٌّ له من نصوص الشرع ما يخصه، فالولي عليه ما يخصه من نصوص الشرع، وأن يعدل بين الناس، وأن يُوسع عليهم بقدر ما وسع الله عليه، والناس إذا حصل لهم شيءٌ من العطاء لا شك أنه يسرهم هذا ويوسع عليهم أمور دنياهم، لكن ما يرتبون على هذا العطاء أو المنع شيئًا يضر بدينهم أو بدنياهم، بعض الناس أبدًا يدور مع العطاء «إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ»، فهذا وصفه «إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ» بعض الناس ولاؤه للعطاء فقط، ولاؤه للعطاء إذا فُقد هذا العطاء فُقد الولاء، وهذا لا شك أنه مُحرَّم، ومُقتضى البيعة الشرعية بايعنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وأن نقوم ونقول بالحق لا نخاف في الله لومة لائم. في العسر، في الشح ما أعطاك ولي الأمر تنقض البيعة أو أعطاك تزيد في الولاء؟ لا، بالنظر إلى بايعنا رسول الله– صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره.
أمور الدنيا أنت أدِّ الذي عليك، واسأل الله –جلَّ وعلا- الذي لك.
وليس مثل هذه النصوص بمبررٍ لمنع ما يستحقه الناس من بيت المال أبدًا، هذا عليه ما يخصه أو له ما يخصه من النصوص، وهذا له ما يخصه من نصوص، وأنت عليك أن تؤدي ما عليك، وأن تسأل الله -جلَّ وعلا- الذي لك، ولا يكون دورانك على العطاء والمنع.
«إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ» «تَعِسَ» دعاءٌ عليه أو إخبارٌ عنه «وَانْتَكَسَ» تردت أحواله كأنه انتكس على رأسه.
«وَإِذَا شِيكَ فَلَا اِنْتَقَشَ» إذا أصابته شوكة لا يستطيع إخراجها، وهذا إما خبر وهو موجود تحقيق هذه الدعوة أو هذا الخبر مصداق هذا الخبر موجود، وقد رأيت رجلاً من أحذق الناس وأذكاهم، لكنه وقته كله مشغولٌ بدنياه، ويلهث وراءها، ويترك بعض الأمور التي أوجب الله عليه من أجلها، أصابته شوكة يدعو فلانًا أو علانًا أخرِجها، هو ما ينقصه شيء.
«وَإِذَا شِيكَ فَلَا اِنْتَقَشَ» وهذا من مصداق ما جاء في الخبر بالحرف.
«طُوبَى لِعَبْدٍ» «طُوبَى» قالوا: شجرة في الجنة أو نعيم الجنة عمومًا أو على وجه الخصوص شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام.
«طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ» الأول مهتمٌّ بدنياه، والثاني الممدوح مهتمٌّ بآخرته في الجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، لنيل الشهادة في سبيل الله «طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ» خطامه «فِي سَبِيلِ اللَّهِ» لتكون كلمة الله هي العليا.
«أَشْعَثَ رَأْسُهُ» ما عنده فراغ ولا وقت يسرِّح شعره، ليس لديه فراغ ولا وقت، إنما هو في الجهاد في الكر والفر.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
ماذا فيها؟
طالب:........
طوبى لمثل هذا مثل اللي عندنا.
طالب:........
يعني أن تحصل لك الاستظلال بهذه الشجرة ما فيه شك.
«أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ» «أَشْعَثَ» وصف لعبدٍ مجرور بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف.
«مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ» وهو أيضًا وصف لعبد مجرور، وهو مصروف مجرور بالكسرة الظاهرة.
«إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ» أينما وُجِّه يتوجه لا يقول: أنا ما أصير وراء الناس أو أحرس الناس وهم نائمون، أنا فلان بن فلان أنا لازم أصير في المقدمة لابد أُولَّى على عمل يليق بي هذا ما عنده هذا.
«إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ» يعني في آخر الناس «كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنْ اِسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ» يعني ليس له في موازين أهل الدنيا شأن.
«إِنْ اِسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» شأنه ضعيف عند الناس، لكن منزلته عند الله– جلَّ وعلا- عُليا.
قال –رحمه الله-: "فيه مسائل:
الأولى: إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة.
الثانية: تفسير سورة هود" وهذا تقدَّم.
"الثالثة: تسمية الإنسان المسلم عبد الدينار والدرهم" لأن هذه العبودية لا تُخرجه من الملة، وإنما بقدرها "والدرهم والخميصة والخميلة".
"الرابعة: تفسير ذلك بأنه" يعني الضابط "بأنه «إِنْ أُعْطِيَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ»".
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
نعم، نوع من العبودية.
"الخامسة قوله: «تعس وانتكس»" هل هو دعاء أو خبر؟
"السادسة قوله: «وإذا شيك فلا انتقش»" كذلك.
"السابعة: الثناء على المجاهد" والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام «وإذا تباعيتم بالعِينة، وأخذتم بأذناب البقر» يعني: رضيتم بالزرع «وتركتم الجهاد في سبيل الله ضرب الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا».
"الثناء على المجاهد الموصوف بتلك الصفات" «طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ...» بهذه الصفات التي تدل على إخلاصه وطلبه للآخرة، وعزوفه عن الدنيا.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"