قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في بيان معنى الإيمان بالله وبما وصف به نفسه: (ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ).
التكييفُ: اعتقادُ أن صفاتِه تعالى على كيفيَّةِ كذا، أو السؤال عنها بكيفَ؛ لأن اللفظ الذي وردت به الصفة له معنًى وله كيفيةٌ، والناس في هذا أقسام خمسة:
الأول: من ينفي اللفظ بالكلية من غير تأويل، وهذا أشد الأقسام، وفاعله يكفر؛ لأن هذه محادَّةٌ ومُصادَمةٌ وإنكارٌ لما ثبَتَ بالضرورةِ من دينِ الإسلامِ.
الثاني: من يُؤَوِّلُ اللفظ تأويلًا غيرَ سائغٍ، كما هو حالُ بعضِ طوائفِ المبتدعةِ، وبدعتُهم مُغلَّظَةٌ عندَ أهلِ العلمِ. ومثال ذلك: أن يقول المبتدع في معنى قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] أي: استولى. فيؤوِّل اللفظ تأويلًا غيرَ سائغٍ فيحرّف المعنى، وهو في الحقيقة معطّل، ولكي يقبل تعطيله ولا يعد محادة لله -تعالى- كما لو أنكر المعنى، أتى بهذا المعنى البعيد، فعطَّلَ المعنى الحقيقيّ، ثم أثبَتَ غيرَه مما لا يريدُه اللهُ، فهو مُعطِّلٌ ومُحرِّفٌ. ولذلك فأهلُ العلمِ كفَّروا الجهميَّةَ؛ لأن تأويلَهم كلا تأويل، فوجودُه مثلُ عدمِه.
الثالثُ: من يُثبِتُ اللفظَ ولا يُحرِّفُه ولكن لا يَعْتَقِدُ له معنًى، بل يقولُ: هذا مُتشابِهٌ لا نعرِفُ له معنًى. وهذا يُسمَّى عندَ أهلِ العلمِ بالتفويض.
الرابعُ: أن يُقَرَّ باللفظِ كما جاءَ، مع اعتقادِ أن له معنًى يَليقُ باللهِ، وهذا هو الصوابُ، وهو منهجُ أهلِ السنةِ والجماعةِ.
الخامسُ: كالرابعِ يقرُّ باللفظِ والمعنى، ولكن بعدَ ذلك يطلبُ الكيفيةَ، فيعبر عن كيفية اللفظ، ويسأل عنه بـ(كيف)، فهذا هو التكييفُ. ومثاله: قول المبتدع: كيف استوى الله على العرش؟، فإذا أجيب بأنه استوى كذا، أو كما يستوي فلان، صاحب التشبيهُ التكييفَ في هذه الحال. ولذا جاء في جوابِ الإمامِ مالكٍ وأمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنها- وغيرِهما: الاستواءُ معلومٌ -يعني: معلوم المعنى فليس بطلاسمَ ولا هو من لغةٍ أخرى غريبةٍ-، والكَيْفُ مجهولٌ. فمَن دخَلَ في التكييفِ خرَجَ عن دائرةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ.