تعليق على تفسير سورة البقرة (35)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
قال الإمام ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-:
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [سورة البقرة:102] أَيْ: فَيَتَعَلَّمُ النَّاسُ مِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ مَا يَتَصَرَّفُونَ فِيمَا يَتَصَرَّفُونَ مِنَ الْأَفَاعِيلُ الْمَذْمُومَةِ، مَا إِنَّهُمْ ليفَرِّقُون بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخُلْطَةِ وَالِائْتِلَافِ. وَهَذَا مِنْ صَنِيعِ الشَّيَاطِينِ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِ الشَّيْطَانَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي النَّاسِ، فَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا زِلْتُ بِفُلَانٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ إِبْلِيسُ: لَا وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ»، قَالَ: «فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ وَيَلْتَزِمُهُ، وَيَقُولُ: نِعْم أَنْتَ».
ورجَّح شَيْخُنا، أبو الحَجَاج المِزي فَتْح النون، وَرَاجَعته، فثبت على ذلك، والمشهور عند النُحاة: الكسر".
نِعْمَ.
"واحتج به بعضهم على جواز كون فاعل: «نِعْمَ» مُضْمَرًا، وَهُوَ قَليل".
طالب: ....
أنت الذي فعلت، ولا يمنع أن يمدحه ب(نِعْمَ)، فالمسألة محتملة.
"وَسَبَبُ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالسِّحْرِ: مَا يُخَيَّلُ إِلَى الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْآخَرِ مِنْ سُوءِ مَنْظَرٍ، أَوْ خُلُقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ عُقَدٍ أَوْ بَغْضه، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْفُرْقَةِ.
وَالْمَرْءُ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّجُلِ، وَتَأْنِيثُهُ امْرَأَةٌ، وَيُثَنَّى كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَا يُجْمَعَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِلَّا بِقَضَاءِ اللَّهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِلَّا بِتَخْلِيَةِ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَرَادَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} قَالَ: نَعَم، مَنْ شَاءَ اللَّهُ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَشَأِ لَمْ يُسَلَّطْ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضُرَّ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَضُرُّ هَذَا السِّحْرُ إِلَّا مَنْ دَخَلَ فِيهِ".
وهذا الضرر اللاحق بالمسحور هو من جنس المصائب، إما أن يكون بسبب ذنوبٍ ارتكبها، أو رفع درجات له. أو رفع درجات، من جنس المصائب.
طالب: ...
لا، السحر ما يضر إلا من تعاطاه.
"وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} أَيْ: يَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ نَفْعٌ يُوَازِي ضَرَرُهُ.
{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}"
لأنه قد يقول قائل: إن الساحر ينتفع بما يُعطى من أموال، وطالب السحر ينتفع بتحقيق ما يحققه له السحر، لكن هذا النفع لا شيء بالنسبة للضرر العظيم المترتب عليه، من الشرك الأكبر المُخْرِج من الملة. فقد يقول قائل: إن الساحر ينتفع يأخذ أجرة، قد تكون كثيرة، وكذلك الطالب من الساحر قد ينتفع بتحقيق غرضه، يخطب امرأة فترفضه، فيذهب إلى ساحر، فيأتي بها إليه، يكون تحقق غرضه، وهذا فيه نوع نفع، لكنه كلا شيء بالنسبة للضرر العظيم المُترتب على السحر، وإن لم يكن فيه إلا الشرك، نسأل الله العافية. ولذلك قالوا في قوله- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ نفَّس عن مسلمٍ كُربةً من كرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة»، الجملة الأولى: «من ستر على مسلمٍ، ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن نفَّس عن مسلمٍ كُربةً، نفَّس الله عنه كُربةً من كُرب يوم القيامة»، ما قال: من كُرب الدنيا والآخرة؛ لأن كُرَب الدنيا كلا شيء بالنسبة إلى كُرَب الآخرة.
طالب: ...
إذا زال عقله، نعم. العقل هو مناط التكليف.
طالب: ...
على حسب ما قرره أهل العلم في المُغْمَى عليه، إذا زاد على ثلاثة أيام هو في حُكم المجنون.
"{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}، أَيْ: وَلَقَدْ عَلِمَ الْيَهُودُ الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا بِالسِّحْرِ عَنْ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ، أَنَّهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: مِنْ نَصِيبٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ: مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حُجَةٍ عِنْدِ اللَّهِ، وَقَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ لَهُ دِينٌ".
في النسخة التي معنا: جهة، مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ جِهَةٍ عِنْدِ اللَّهِ. ما علَّق عليها الشيخ؟
طالب: وقع في سائر الأصول: جهة، وما أثبته من تفسير الطبري، ووقع في تفسير عبد الرزاق: جُنَّة.
مِنْ جِهَةٍ عِنْدِ اللَّهِ، عندنا في هذه النسخة.
طالب: ...
هذه الآية.
طالب: مُفسرة بنفسها.
نفسها، ما أتى بشيء.
"وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ لَهُ دِينٌ. وَقَالَ سَعْيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}"
المعروف عند أكثر المفسرين: ما له من حظٍ ولا نصيب في الآخرة.
"قَالَ: وَلَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْكِتَابِ فِيمَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَنَّ السَّاحِرَ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:102-103]، يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَبِئْسَ} الْبَدِيلُ مَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ مِنَ السِّحْرِ عِوَضًا عَنِ الْإِيمَانِ، وَمُتَابَعَةِ الرُّسُلِ لَوْ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا وُعِظُوا بِهِ {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} أَيْ: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَاتَّقَوُا الْمَحَارِمَ، لَكَانَ مَثُوبَةُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا اسْتَخَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَرَضُوا بِهِ"
اسْتَخَارُوا، يعني: اختاروا.
"كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ} [سورة القصص: 80] .
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَكْفِيرِ السَّاحِرِ، كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقِيلَ: بَلْ لَا يَكْفُرُ، وَلَكِنْ حَده ضَرْبُ عُنُقِهِ، لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ - هُوَ ابن عُيينة - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بِجَالَةَ بْنَ عَبَدَةَ يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. قَالَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا. وَهَكَذَا صَحَّ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا، فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ. قَالَ الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: صَحَّ عَنْ ثَلاثةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَتْلِ السَّاحِرِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ الْأَزْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُة بِالسَّيْفِ»".
طالب: ...
لأن الجارية لها، جاريةً لها. « إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ،... فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ»، يجلدها، وهذه قتلت؛ لأنها جارية لها، مِلك لها.
"ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ يُضعَّف فِي الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ: عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُب مَوْقُوفًا.
قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ، مَرْفُوعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ كَانَ عِنْدَهُ سَاحِرٌ يَلْعَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَ الرَّجُلِ ثُمَّ يَصِيحُ بِهِ فَيَرُدُّ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! يُحْيِي الْمَوْتَى! وَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ صَالِحِي الْمُهَاجِرِينَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ مُشْتَمِلًا عَلَى سَيْفِهِ، وَذَهَبَ يَلْعَبُ لَعِبَهُ ذَلِكَ، فَاخْتَرَطَ الرَّجُلُ سَيْفَهُ فَضَرَبَ عُنُقَ السَّاحِرِ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَادِقًا فليُحي نَفْسَهُ. وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [سورة الْأَنْبِيَاءِ: 3]، فَغَضِبَ الْوَلِيدُ؛ إِذْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فِي ذَلِكَ، فَسَجَنَهُ ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الإمامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ قَالَ: كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ رَجُلٌ يلعب فجاء جُنْدُبُ مُشتملاً عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: أُرَاهُ كَانَ سَاحِرًا، وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قِصَّةَ عُمَرَ، وَحَفْصَةَ عَلَى سِحْر يَكُونُ شِرْكًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ"
طالب: ...
قصة الوليد التي قبلها، الوليد هو الأمير؛ ولذلك سجنه.
طالب: ...
نعم.
طالب: ...
هذه الأحاديث فيها كلام.
طالب: ...
نعم، الأصل ما فيه تنفيذ حد إلا من قِبَل ولي الأمر، وإلا تكون المسألة فوضى. في الصدر الأول، الناس ثقات، ويقفون عند حدود الله، وقد يتساهل بعضهم في ذلك، مثل ما حصل في بعض هذه القصص، وأما بالنسبة للجارية فهي ملكها. كما قال: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، ... فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا».
طالب: ...
لا تؤاخذ به، ما تُقتَل به، لكن مثل ما سجن الوليد بن عقبة.
"حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ السِّحْرِ، قَالَ: وَرُبَّمَا كَفَّرُوا مَنِ اعْتَقَدَ وَجُودَهُ. قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَدْ جَوَّزُوا أَنْ يَقْدِرَ السَّاحِرُ أَنْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ، وَيَقْلِبَ الْإِنْسَانَ حِمَارًا، وَالْحِمَارَ إِنْسَانًا، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ عِنْدَمَا يَقُولُ السَّاحِرُ تِلْكَ الرُّقَى وَالْكَلِمَاتِ المُعَيَّنة، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفَلَكُ وَالنُّجُومُ فَلَا، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَالصَّابِئَةِ، ثُمَّ اسْتُدِلَّ عَلَى وُقُوعِ السِّحْرِ وَأَنَّهُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة:102] وَمِنَ الْأَخْبَارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُحِر، وَأَنَّ السِّحْرَ عَمِل فِيهِ، وَبِقِصَّةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مَعَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَمَا ذَكَرَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنْ إِتْيَانِهَا بَابِلَ وَتَعَلُّمِهَا السِّحْرَ".
قوله: "قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ عِنْدَمَا يَقُولُ السَّاحِرُ"، هذا رأي الأشاعرة في الأسباب، وأن الآثار توجد عند الأسباب لا بها. ولا شك أن السحر سبب في وجود هذه الأشياء، وبه تحصل هذه الأشياء، بتقدير الله -جلَّ وعلا-، وأنها مؤثرة بجعل الله -جلَّ وعلا- الأثر فيها. أما يخلق عندها، مثل ما تقدَّم في دروسٍ سبقت، هذا قول الأشعرية. وكونها مؤثرة بنفسها، هذا قول المعتزلة.
طالب: ...
موجودين، قالوا هذا.
طالب: ...
هذا القلب الحقيقي موجود، وسحر الأبصار هو الغالب، سحروا أعينهم.
"قَالَ: وَمِما يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْحِكَايَاتِ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا:
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي أَنَّ الْعِلْمَ بِالسِّحْرِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ وَلَا مَحْظُورٍ: اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لِذَاتِهِ شَرِيفٌ".
يعني حتى السحر علمٌ شريف؟! هذا كلام باطل. هذا كلامٌ باطل، بل هو قبيح ومحظور، ومؤدٍ إلى عظائم الأمور، من الشرك الأكبر إلى ما دونه. أما ليس بقبيحٍ ولا محظور؛ لأن العلم يُفضَّل على الجهل في الجملة، هذا كلام غير صحيح. الجاهل أفضل من هذا العلم، وأسلم عاقبة.
طالب: ...
هذا.. الرازي.
طالب: ...
الرازي إن صحَّ له كتاب: ((السر المكتوم))، فلا يتكاثر عليه هذا الكلام؛ لأنه جوَّز تعليم السحر وتعلمه وأخذ الأجرة عليه، نسأل الله العافية. لا، هو فيه ما يدلُّ على خلل كبير في اعتقاده، فإن صحَّ الكتاب له، فهو على خطرٍ عظيم، ((السر المكتوم في مخاطبة النجوم)).
طالب: ...
لا، لا، ما هو يرد، يُقرر.
طالب: ...
هو، مخاطبة النجوم، يعني: طلب من النجوم، فيما لا يقدر عليه إلا الله -جلَّ وعلا-، هذا الشرك الأكبر. لكن نقول: لعله لم يثبت؛ لأن حتى شيخ الإسلام يُشكك في نسبته، إن ثبت عنه، أو إن صحَّت نسبته إليه. وإلا فالكتاب خطير، وفي تفسيره أشياء من هذا النوع.
"لِأَنَّ الْعِلْمَ لِذَاتِهِ شَرِيفٌ".
ما العلم الشريف؟ العلم الشريف هو النافع، وأعلاه الموروث عن النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وأدناه ما ينفع في أمور الدنيا، مما يُسمى علمًا. وإن كانت حقيقة العلم الشرعي: هو الموروث، العلماء ورثة الأنبياء، أهل الخشية.
"وَأَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزُّمَرِ: 9]".
يقول الحافظ الذهبي في ترجمة ابن عربي، يقول: والله إن العيش خلف أذناب البقر، خيرٌ من علم ابن عربي وأمثاله.
طالب: ...
يذكرهم، يُبيِّن حالهم، لا على سبيل المدح، وهذا كلامه في الميزان.
"وَلِأَنَّ السِّحْرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ يُعَلَّمُ لمَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ".
هذا الكلام باطل؛ لأن الأمر الخارج عن القدرة إما أن يكون من هذا النوع وهو باطل، أو يكون من الكرامات للأولياء، أو من المعجزات. والفرق بينها: النظر في حال المُدَّعِي، إن ادعى النبوة وحصل له شيءٌ من ذلك فهو نبي؛ لأنه لا يُمكن أن يؤيد بمعجزة مع دعوى النبوة. وإن لم يدعي النبوة، عُرِضَت حاله على كلام الله وكلام رسوله. فإن كانت حاله مستقيمة، قيل: كرامة، وإلا فهي من إعانة الشياطين له، نسأل الله العافية.
شيخ الإسلام له كتاب اسمه: ((الفُرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان))، فيه التفريق بين هذه الأمور.
"وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا وَاجِبٌ، وَمَا يَتَوَقَّفُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ وَاجِبًا، وَمَا يَكُونُ وَاجِبًا فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا وَقَبِيحًا؟!
هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ".
مع الفارق الكبير بين هذا الكلام وبين من يقول: إن التدخين للقاضي واجب، التدخين لا شيء بالنسبة للسحر. قال: إن التدخين للقاضي واجب، لماذا؟ قال: لا يتمكَّن من النظر في القضايا حتى يُدخِّن، يدخن بكت كاملًا، ثمَّ ينظر في القضية!! وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ويمكن أن يجري هذا الكلام على كل من يدعي شيئًا، يعني: كلام باطل، كلام القاضي هذا، وهو من بعض الأقطار المجاورة، كلام باطل بلا شك، لكن هذا أبطل منه، نسأل الله العافية.
ونظيره ما ذكره طنطاوي جوهري في تفسيره عن التصوير، قال: في آية الأنفال: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ} [سورة الأنفال:43] يقول: ما يُمكن أن تُغيِّر الحقيقة والواقع إلا بالتصوير، هو الذي يُصغِّر ويُكبِّر. فهذا دليلٌ على جواز التصوير، ثمَّ يقول: عرضت هذا الاستنباط على شيخٍ من شيوخ الأزهر، فقال: بل هذا يدلُّ على وجوب التصوير! ضلال، نسأل الله العافية، ضلال.
"هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: قولُهُ: "الْعِلْمُ بِالسِّحْرِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ". إِنْ عَنَى بِهِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ عَقْلًا فَمُخَالَفُوهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يَمْنَعُونَ هَذَا. وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبِيحٍ شَرْعًا، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَبْشِيعٌ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ، وَفِي الصَّحِيحِ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». وَفِي السُّنَنِ: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً وَنَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ». وَقَوْلُهُ: وَلَا مَحْظُورَ اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ذَلِكَ".
هو يقول: "اتفق المحققون على ذلك"، "قوله: وَلَا مَحْظُورَ اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ذَلِكَ"، تقدَّم هذا الكلام. دعوى التحقيق هذه يدعيها كثير، حتى المسائل الاجتهادية والفرعية، وإذا استروح الإنسان إلى قول ومال إليه، قال: قال به المحققون وجمعٌ من المحققين، فهي تبع مزاجه. إذا راق له الكلام ومال إليه، قال المحققون، من يقول إنهم محققون؟ هو ما ذكرهم، مجاهيل، مع الإبهام.
طالب: ...
«لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يومًا»، والتصديق كفر.
طالب: ...
الكفر مع التصديق، وهذا لم تُقبَل له صلاة أربعين يومًا، فيحتاج إلى التحرير. ما قال عندكم في التعليق؟
طالب: ...
بدون تصديق كفر؟ ما أظن هذا. ماذا يقول عندك؟
طالب: ذكر رواية التصديق، وذكر.. رواه أحمد وأبو داوود.
حتى لو لم يُذكر في بعض الروايات لكان قيدًا، مذكور في بعض الروايات يكفي، يُحمَل المُطلَق على المُقيَّد.
"اتفق المحققون على ذلك كَيْفَ لَا يَكُونُ مَحْظُورًا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ؟! وَاتِّفَاقُ الْمُحَقِّقِينَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَأَيْنَ نُصُوصُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟"
فضلاً عن الاتفاق، يعني: ما ذكر هو ولا واحد من المعروفين بالتحقيق. ذكره الرازي ومن ينقل عنه، والرازي ليس من أهل التحقيق.
"ثُمَّ إِدْخَالُهُ عِلْمَ السِّحْرِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر:9] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى مَدْحِ العَالِمِين بالعلم الشرعي، ولِمَ قلتَ إِنَّ هَذَا مِنْهُ؟ ثُمَّ تَرَقيه إِلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْمُعْجِزِ إِلَّا بِهِ، ضَعِيفٌ بَلْ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ أَعْظَم مُعْجِزَاتِ رَسُولِنَا، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. ثُمَّ إِنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مُعْجِزٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ السِّحْرِ أَصْلًا ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْن وَأَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتَهُمْ، كَانُوا يَعْلَمُونَ الْمُعْجِزَ".
دعوى الرازي مقلوبة؛ لأنه ما يحصل التخليط وعدم التفريق بين المُعجز، أو المعجزة والسحر وخوارق الشياطين، إلا لمن دخل فيها، فتعلَّمها، حينئذٍ يحصل عليه التخليط. والذي ما يعرفها، المعجزات مثل الشمس عنده.
"وَأَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتَهُمْ، كَانُوا يَعْلَمُونَ الْمُعْجِزَ ويفرّقُون بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ السِّحْرَ وَلَا تَعَلَّمُوهُ وَلَا عَلَّمُوهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ أَنَّ أَنْوَاعَ السِّحْرِ ثَمَانِيَةً:
الْأَوَّلُ: سِحْرُ الكَلدْانيين والكُشْدانيين، الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ الْمُتَحَيِّرَةَ، وَهِيَ السَّيَّارَةُ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدَبّرة الْعَالَمِ، وَأَنَّهَا تَأْتِي بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُمُ الَّذِينَ بَعث الله إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل -عَلِيهِ السَلام- مُبْطِلًا لِمَقَالَتِهِمْ وَرَادًّا لِمَذْهَبِهِمْ، وَقَدِ اسْتَقْصَى فِي كِتَابِ ((السِّرِّ الْمَكْتُومِ، فِي مُخَاطَبَةِ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ)) الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرُهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ تَابَ مِنْهُ. وَقِيلَ: بَلْ صَنَّفَهُ عَلَى وَجْهِ إِظْهَارِ الْفَضِيلَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ. وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ طَرَائِقَهُمْ فِي مُخَاطَبَةِ كُلِّ مِنْ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ، وَكَيْفِيَّةِ مَا يَفْعَلُونَ وَمَا يَلْبَسُونَهُ، وَمَا يَتَنَسَّكُونَ بِهِ".
يعني: من قرأ في هذا الكتاب وتعلَّم هذه الطرائق، عليه وزرها ووزر من عمل بها، نسأل الله العافية.
طالب: ...
على كل حال، الأمر خطيرٌ جدًّا، والكلام الذي ذكره الرازي لا يمشي على أدنى شخصٍ عنده مسكةٌ من دين أو عقل أو فهم عن الشريعة.
طالب: ...
لأنه ما فيه سحر إلا بشرك، فالساحر يدعي الغيب، ويزعم أنه يشفي المريض. تصديقه، ما فيه شك أنه خطر عظيم.
طالب: ...
نعم؛ لأن النص في القرآن، {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [سورة النمل:65].
طالب: ...
نعم، لكن هذا فرع من فروعه، لكن السحر متضمن، لا ينفك عن الشرك الأكبر. لكن يبقى أنه قد يقول: أنا صدقته، وكلامه واقع ومطابق للواقع مئة بالمائة. يقول: أنا ذهبت للساحر وقال لي كذا، مثل ما ذهب بعضهم، حينما صُرف عن زوجته ليلة الدخول، وذهب إلى ساحر، فقال له: أنت دخلت على هذه المرأة في البلد الفلاني وفي المكان الفلاني، في الليلة الفلانية، ودخلت عليكم امرأة هذه صفتها، ومعها طيب، طيبتكم، وهذه القارورة، باقي الطيب. قال له: صَدَقت؛ لأن كلامه مطابق للواقع مئة بالمائة، نقول: كفر، نقول: تصديقه كفر. كفر بالنص، مهما كان؛ لأنه ولو طابق الواقع قلنا: كذب، ولو صدق، قلنا: كذب؛ لأن هذه حقائق شرعية، لا تُطبق عليها الحقائق اللغوية والعُرفية. والثلاثة الذين رأوا الزاني بأم أعينهم، لا يختلفون في ذلك ويحلفون عليه، ويطلقون نسائهم على ذلك، ومع ذلك فأولئك عند الله هم الكاذبون.
طالب: ...
لا، لا، خطر عظيم.
طالب: ما سبب انحياز الرازي للسحر؟
له عند الشافعية، أمر تعلمها أخف من غيرهم. ولذلك في بعض البلدان التي يسود فيها مذهب الإمام الشافعي، والإمام بريءٌ من هذه الأمور، تجد عندهم تهاون في السحر، في تعلمه واقتناء كتبه وما أشبه ذلك. لأن جهات إندونيسيا، وكالجهات، أبدًا، سهل عندهم.
طالب: ...
على أي عذر وعلى أي احتمال، هذا ضلال بلا شك، وخطرٌ عظيم.
طالب: ...
لا يحلُّ السحر إلا ساحر، فالنُشرة بالرقى من كتاب الله والهدايا النبوية، هذه النُشرة الحق، الشرعية. وأما النُشرة وحل السحر بسحرٍ مثله، هذا نفسه.
طالب: ...
يهلك، مصيبة من المصائب. تصور أنه حصل عليه حادث، وعاش معاقًا بقية عمره، ما يصير؟ الله لا يقدر على هذا.
طالب: ادعى بعضهم التواصل مع الجن بدون سحر.
ماذا سيستفيد منهم؟
طالب: ...
لا، الاستفادة منهم من خواص سليمان -عليه السلام-.
طالب: ...
لكن إذا فكه ساحر فهو كفر.
طالب: ...
بدون تقديم شيء، أُلْزِم من قِبَل حاكم، ومن قِبَل من يُلزمه بذلك إلزامًا، لكن ما هو بفاكه إلا بسحر، لن يفكه إلا بسحرٍ مثله.
"قَالَ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي: سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ لَهُ تَأْثِيرٌ، بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْجِسْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَمْدُودًا عَلَى نَهَرٍ أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ: وَكَمَا أَجْمَعَتِ الْأَطِبَّاءُ عَلَى نَهْيِ المَرْعُوف عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الحُمْر، وَالْمَصْرُوعِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْقَوِيَّةِ اللَّمَعَانِ أَوِ الدَّوَرَانِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ خُلِقَتْ مُطِيعة لِلْأَوْهَامِ".
يجيئون في وسائل الإعلام بأنواع يُجزَم بأنها سحر، يأتون بخيطٍ رقيق الذي تُخاط به الثياب، ويربطونه بين جبلين، ويأتي شخص على دباب يمشي مائتين، على هذا الخيط، ويرجع بنفس السرعة للخلف، مَنْ يُصدِّق أن هذه حقيقة؟!. على كل حال، كل هذه أمور أُدْخِلَت على المسلمين وضررها عظيم. يسمونه مُحترفًا، أو سيركًا. يجلس على كرسي، ثمَّ بعد مدة يسيرة يرتفع إلى السقف ويدور بالسقف والكرسي، احتراف هذا!؟
طالب: ...
مشاهدته حرام، من غير إنكار، لا شك في تحريمه.
طالب: ...
هذا الظاهر.
"قَالَ: وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ حَقٌّ.
وَلَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَيْنُ حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ».
قَالَ: فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَنَقُولُ: النَّفْسُ التِي تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ قَدْ تَكُونُ قَوِيَّةً جِدًّا، فَتَسْتَغْنِي فِي هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْآلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ ضَعِيفَةً فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الْآلَاتِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النَّفْسَ إِذَا كَانَتْ مُسْتَعْلِيَةً عَلَى الْبَدَنِ شَدِيدَةَ الِانْجِذَابِ إِلَى عَالَمِ السَّمَاوَاتِ، صَارَتْ كَأَنَّهَا رُوحٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، فَكَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى التَّأْثِيرِ فِي مَوَادِّ هَذَا الْعَالَمِ. وَإِذَا كَانَتْ ضَعِيفَةً شَدِيدَةَ التَّعَلُّقِ بِهَذِهِ اللذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهَا تَأثِيرٌ ألْبَتَّةَ إِلَّا فِي هَذَا الْبَدَنِ.. ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى مُدَاوَاةِ هَذَا الدَّاءِ بِتَقْلِيلِ الْغِذَاءِ، وَالِانْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ والرِيَاضْة".
وُجِد في كتب طبقات الصوفية أن بعضهم ينقطع عن الطعام والشراب أربعين يومًا، ثمَّ يحصل له من الأمور الخارقة، ويرى أشياء لا يراها غيره. يقول الحافظ الذهبي -رَحِمَهُ الله-: هذه هلوسة، الجوع يورث مثل هذه الأمور. نعم، هلوسة.
"قُلْتُ: وَهَذَا الذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ هُوَ التَّصَرُّفُ بِالْحَالِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَارَةً تَكُونُ حَالًا صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً يَتَصَرَّفُ بِهَا فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَتْرُكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مَوَاهِبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَاتٌ لِلصَّالِحِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا سِحْرًا فِي الشَّرْعِ. وَتَارَةً تَكُونُ الْحَالُ فَاسِدَةً لَا يَمْتَثِلُ صَاحِبُهَا مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
يعني: كما قيل في ترجمة البدوي، قالوا: إنه جاء من المغرب إلى مصر، وصعد على سطح مسجد، ومكث أربعين يومًا رافعًا رأسه إلى السماء ولا ينزل من سطح المسجد، أين الصلوات؟! كيف تُدَّعى له الكرامات؟! ولا يبعُد أن يُقال مثل هذا الكلام، لا نستغرب وقد قيل في طبقات الصوفية، مما قرأته أنا، يقول: وكان -رضي الله عنه- لم يترك جريمةً ولا فاحشة ولا مُنكرًا إلا ارتكبها، ولم يُصل لله قط، ولم يصُم يومًا لله -رضي الله عنه وأرضاه-!! يقولون!.
طالب: وكان يمشي عريانًا!.
يمشي، وذكروا أشياء أخس. فواحد -جزاه الله خيرًا- الذي يملك الكتاب قبل، معلق على هذا الكلام، يقول: إذا كان هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على مَنْ؟! نسأل الله العافية. يعني: يصل اللعب بالعقول إلى هذا الحد؟!
"وَتَارَةً تَكُونُ الْحَالُ فَاسِدَةً لَا يَمْتَثِلُ صَاحِبُهَا مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا يَتَصَرَّفُ بِهَا فِي ذَلِكَ. فَهَذِهِ حَالُ الْأَشْقِيَاءِ الْمُخَالَفِينَ لِلشَّرِيعَةِ، وَلَا يَدُلُّ إِعْطَاءُ اللَّهِ إيَّاهم هَذِهِ الْأَحْوَالَ عَلَى مَحَبَّتِهِ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ الدجَّال -لَعَنَهُ اللَّهُ- لَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَادَاتِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، مَعَ أَنَّهُ مَذْمُومٌ شَرْعًا، لَعَنَهُ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ شَابَهَهُ مِنْ مُخَالَفِي الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. وَبَسْطُ هَذَا يَطُولُ جِدًّا، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.
قَالَ: وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ السِّحْرِ: الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ، وَهُمُ الْجِنُّ، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُؤْمِنُونَ، وَكُفَّارٌ، وَهُمُ الشياطينُ. قَالَ: وَاتِّصَالُ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِهَا أَسْهَلُ مِنَ اتِّصَالَهَا بِالْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ".
لقربهم منهم.
"لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالْقُرْبِ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ الصَّنْعَةِ وَأَرْبَابَ التَّجْرِبَةِ شَاهَدُوا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ يَحْصُلُ بِأَعْمَالٍ سَهْلَةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الرُّقَى وَالدَّخَنِ وَالتَّجْرِيدِ. وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَزَائِمِ وَعَمَلِ التَّسْخِيرِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ السِّحْرِ: التَّخَيُّلَاتُ، وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ وَالشَّعْبَذَةُ، وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَصَرَ قَدْ يُخْطِئُ وَيَشْتَغِلُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى ذا الشعبذة الْحَاذِقَ يُظْهِرُ عَمَلَ شَيْءٍ يُذْهِلُ أَذْهَانَ النَّاظِرِينَ بِهِ، وَيَأْخُذُ عُيُونَهُمْ إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَفْرَغَهُمُ الشُّغْلُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ بِالتَّحْدِيقِ وَنَحْوِهِ، عَمِلَ شَيْئًا آخَرَ عَمَلاً بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرَ مَا انْتَظَرُوهُ. فيتعجَّبون مِنْهُ جِدًّا، وَلَوْ أَنَّهُ سَكَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَصْرِفُ الْخَوَاطِرَ إِلَى ضِدِّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَهُ، وَلَمْ تَتَحَرَّكِ النُّفُوسُ وَالْأَوْهَامُ إِلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُ إِخْرَاجَهُ، لَفَطِنَ النَّاظِرُونَ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ.
قَالَ: وَكُلَّمَا كَانَتِ الْأَحْوَالُ التي تُفِيدُ حُسْنَ الْبَصَرِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلَلِ أَشَدَّ، كَانَ العَمَلُ أَحْسَنَ".
العمل، هو ما يكون أحسن، مراده بذلك أنه يكون أدق، يعني في عين الناظر.
"مِثْلَ أَنْ يَجْلِسَ الْمُشَعْبِذُ فِي مَوْضِعٍ مُضِيءٍ جِدًّا، أَوْ مُظْلِمٍ، فَلَا تَقِفُ الْقُوَّةُ الباصِرةُ عَلَى أَحْوَالِهَا بِكَلَالِهَا وَالْحَالَةِ هَذِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ سِحْرَ السَّحَرَةِ بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ بَابِ الشَّعْبَذَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [سورة الْأَعْرَافِ: 116]، وَقَالَ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [سورة طَهَ: 66] قَالُوا: وَلَمْ تَكُنْ تَسْعَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
يقول: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ}.
طالب: لماذا يدخل هذا في السحر؟ الشعبذة؟
لأنها تمويه ودجل على الناس.
طالب: يأخذ حكم السحر؟
سحرة فرعون، هل تقول سحرة أم غير سحرة؟
طالب: السحر الاستعانة بالجن والشياطين ...
لكن انظر، هم سحرة أم غير سحرة؟ سُموا سحرة في القرآن أم لا؟
طالب: لكن لم يحدد عملهم بالضبط.
{يُخَيَّلُ}، لكنه قال: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.
طالب: استعان بجن أو بدونه؟
ممكن، الله أعلم، لكن هذا الحاصل.
طالب: ...
يُعَلَّم.
طالب: ...
ما هو من اللازم أن يَعْلَم، ما هو من اللازم، الأصل ألا يعلم، لكن قد يعلم. لأنه إذا بُثَّت الشياطين في أنحاء الأرض وجابوا له الأخبار، وصل إليه، لا سيما بما كان واقع؛ لأن الواقع يمكن أن يدركوه، نسأل الله العافية.
طالب: ...
هذا الأصل، أن الإنسان ما يعلم. لكن إذا استعانوا بشياطين وجن، وقربوا لهم القرابين، وهم عندهم خفة وسرعة في الانتقال من مكانٍ إلى مكان، وكثرة بحيث يوحي بعضهم إلى بعض، يحصل. ويكذبون العدد الكبير، ويصدقون في مرة.
"النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنَ السِّحْرِ: الْأَعْمَالُ الْعَجِيبَةُ التِي تَظْهَرُ مِنْ تَرْكِيبِ الْآلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ مِنَ النِّسَبِ الْهَنْدَسِيَّةِ، كَفَارِسٍ عَلَى فَرَسٍ فِي يَدِهِ بُوقٌ، كُلَّمَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ ضَرَبَ مَرَةً بِالْبُوقِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ أَحَدٌ. وَمِنْهَا الصُّوَرُ التِي تُصَوِّرها الرومُ وَالْهِنْدُ"
تركيب الآلات المركبة من النسب الهندسية، يعني مثل ما قالوا في أول ما أوجدت الساعة، وأنها تُخبِر بالوقت بدقة، وكُتِبَ فيها: هل هي سحر أو صناعة؟ أنت تقول: صناعة الآن، لكن في أول الأمر الذي ما يدري عن خبرها شيئًا يظنها سحرًا.
وفيه أمير قرية، جيء له بالساعة المنبهة، الخرَّاشية الكبيرة، والناس ما يعرفونها، جيء له بها من الخارج. فجاء شخصان يتداعيان في قضية، والساعة تُركَّب على وقت معين وترن، وهذه الفائدة منها أنها توقَّت على وقت الصلاة وتنبهك. فلما سمع دعواهم، فقال: أنا عندي جهاز، آلة، بعد عشر دقائق تخبرني بما حصل، ودخل البيت وترَّقب عشر دقائق وبدأت ترن، قال: خلاص عرفته، فمن يعترف؟ ما يدرون ما الحاصل، ما يدرون ما هي القضية.
فمثل هذه الأمور التي هي إلى الصناعة أقرب، لكن الآن الصناعة تبهر العقول، وتعدَّت حدود المعقول. يعني ما هي مثل مسألة خرَّاشية، لو فككتها، عرفت كيف تروح وتجيء، وتُقدِّم وتؤخِّر. الآن لو تفتح، لم تجد شيئًا أصلاً، إلكترونيات!
"وَمِنْهَا الصُّوَرُ التِي تُصَوِّرها الرومُ وَالْهِنْدُ، حَتَّى لَا يُفَرِّقَ النَّاظِرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ، حَتَّى يُصَوِّرُونَهَا ضَاحِكَةً وَبَاكِيَةً".
الآن في الصور التي يسمونها العرائس في السوق، تأتي بالأعاجيب، يأتون بها تُشبِه الحقيقة. وتتصرف كما يتصرَّف الإنسان، فإذا صُفقَ لها غنت، رقصت، وإذا اضطجعت أغمضت العينين، وإذا أقعدت فعلت كذا، صفقت. تصرفات، يعني لو جاءت قبل سنين، لم يتردد الناس بأنها من السحر؛ لأن الناس أعداء ما يجهلون، أما لو عرفها الناس على حقيقتها، انتهى الإشكال.
طالب: ...
هذه مضاهاة خلق الله.
"إِلَى أَنْ قَالَ: فَهَذِهِ الْوُجُوهُ مِنْ لَطِيفِ أُمُورِ الْمَخَايِيلِ. قَالَ: وَكَانَ سِحْرُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
قُلْتُ: يَعْنِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى تِلْكَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ، فَحَشَوْهَا زِئْبَقًا فَصَارَتْ تَتَلَوَّى بِسَبَبِ مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ الزِّئْبَقِ، فَيُخَيَّلُ إِلَى الرَّائِي أَنَّهَا تَسْعَى بِاخْتِيَارِهَا.
قَالَ الرَّازِيُّ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَرْكِيبُ صُنْدُوقِ السَّاعَاتِ، وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْبَابِ عِلْمُ جَرِّ الْأَثْقَالِ بِالْآلَاتِ الْخَفِيفَةِ.
قَالَ: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ بَابِ السِّحْرِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَسْبَابًا مَعْلُومَةً مُتَيَّقنة مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَدَرَ عَلَيْهَا".
"مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَدَرَ عَلَيْهَا"، من اطلَّع على هذه الأسباب قدر على هذه الأفعال.
"قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حِيَلُ النَّصَارَى عَلَى عَامَّتِهِمْ، بِمَا يُرُونَهم إِيَّاهُ مِنَ الْأَنْوَارِ، كَقَضِيَّةِ قُمَامة الْكَنِيسَةِ التِي لَهُمْ بِبيتِ الْمَقْدِسِ، وَمَا يَحْتَالُونَ بِهِ مِنْ إِدْخَالِ النَّارِ خِفْيَةً إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَإِشْعَالِ ذَلِكَ الْقِنْدِيلِ بِصَنْعَةٍ لَطِيفَةٍ تَرُوجُ عَلَى الْطغام مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْخَوَاصُّ فَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَتَأَوَّلُونَ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ شَمْلَ أَصْحَابِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ".
حتى ما يتفرق الأتباع.
"فَيَرَوْنَ ذَلِكَ سَائِغًا لَهُمْ. وَفِيهِ شُبَهٌ لِلْجَهَلَةِ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ مُتَعَبَّدِي الكَرّامية الَّذِينَ يَرَوْنَ جَوَازَ وَضْعِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ".
نعم، يرتكبون هذا المحظور، وهذا الدجل والاحتيال؛ من أجل جمع الأتباع. والكرَّامية يضعون الأحاديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليصرفوا الناس من الباطل إلى التعبُّد والزهد، ومن مغازي ابن إسحاق، ومن فقه أبي حنيفة، إلى الكتاب. يُرغبونهم في قراءة القرآن بالأحاديث الموضوعة.
"فَيَدْخُلُونَ فِي عِدَادِ مَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ: «مِنْ كَذَبَ عَلِيَّ مُتَعَمَّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وَقَوْلُهُ: «حَدِّثُوا عَنِّي وَلَا تَكْذِبُوا عَلَيّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِب عَلَيَّ يَلِج النَّارَ».
ثُمَّ ذكر ههنا حِكَايَةً عَنْ بَعْضِ الرُّهْبَانِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ طَائِرٍ حَزِينِ الصَّوْتِ ضَعِيفِ الْحَرَكَةِ، فَإِذَا سَمِعَتْهُ الطُّيُورُ تَرِقّ لَهُ فَتَذْهَبُ فَتُلْقِي فِي وَكْره مِنْ ثَمَرِ الزَّيْتُونِ؛ لِيَتَبَلَّغَ بِهِ. فعَمَد هَذَا الراهبُ إِلَى صَنْعَةِ طَائِرٍ عَلَى شَكْلِهِ، وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ جَعَلَهُ أَجْوَفَ، فَإِذَا دَخَلَتْهُ الرِّيحُ يُسْمَعُ مِنْهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ ذَلِكَ الطَّائِرِ، وَانْقَطَعَ فِي صَوْمَعَةٍ ابْتَنَاهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا عَلَى قَبْرِ بَعْضِ صَالِحِيهِمْ، وَعَلَّقَ ذَلِكَ الطَّائِرَ فِي مَكَانٍ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ زَمَانُ الزَّيْتُونِ فَتَحَ بَابًا مِنْ نَاحِيَةٍ، فَتَدْخُلُ الرِّيحُ إِلَى دَاخِلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، فَيُسْمَعُ صَوْتُهَا كَذَلِكَ الطَّائِرُ فِي شَكْلِهِ أَيْضًا، فَتَأْتِي الطُّيُورُ فَتَحْمِلُ مِنَ الزَّيْتُونِ شَيْئًا كَثِيرًا".
فيأكله هذا الراهب.
"فَلَا تَرَى النَّصَارَى إِلَّا ذَلِكَ الزَّيْتُونَ فِي هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ، وَلَا يَدْرُونَ مَا سَبَبُهُ؟ فَفَتَنَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَوْهَمَ أَنَّ هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
نسأل الله الثبات.