تعليق على تفسير سورة آل عمران (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ} [آل عمران:16-17].
يَصِفُ تبارك وتَعَالَى عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، فَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} [آل عمران:16] أَيْ: بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران:16] أَيْ بِإِيمَانِنَا بِكَ وَبِمَا شَرَعْتَهُ لَنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَتَقْصِيرَنَا مِنْ أَمْرِنَا بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:16].
ثُمَّ قَالَ تعالى: {الصَّابِرِين} [آل عمران:17] أَيْ: فِي قِيَامِهِمْ بِالطَّاعَاتِ وَتَرْكِهِمُ الْمُحَرَّمَاتِ، {وَالصَّادِقِينَ} [آل عمران:17] فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ إِيمَانِهِمْ بِمَا يَلْتَزِمُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، {وَالقَانِتِينَ} [آل عمران:17] وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ، {والْمُنفِقِينَ} [آل عمران:17] أَيْ: مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وصلة الأرحام والقرابات، وَسَدِّ الخَلات، وَمُوَاسَاةِ ذَوِي الْحَاجَاتِ، {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ} [آل عمران:17] دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَقْتَ الْأَسْحَارِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ يَعْقُوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا قَالَ لِبَنِيهِ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يُوسُفَ:98] أَنَّهُ أَخَّرَهُمْ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ينزلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَاءِ الدُّنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر، فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأسْتجيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأغْفِرَ لَهُ؟» الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي ذَلِكَ جُزْءً عَلَى حِدَةٍ فَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ".
يعني بلغت طُرقه إلى حد التواتر، وهذا الحكم مقطوعٌ به عند أهل السُّنَّة والجماعة، النزول الإلهي حين يبقى ثُلث الليل الآخر، ولا يُنكره إلا الجهمية والمعطِّلة الذين يُنكرون النزول.
ولشيخ الإسلام مُصنَّفه في شرح حديث النزول، وبيَّن فيه أشياء تهم طالب العلم في فَهم هذا الحديث، وفيما أُورِد عليه من إشكالات وحلها بطريقةٍ علمية وبنصوصٍ شرعية.
{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} [آل عمران:16] هذا توسل بأفضل الأعمال الذي هو الإيمان بالله –جلَّ وعلا- وما يتطلبه هذا الإيمان من بقية أركانه {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران:16]، قدَّموا بين يدي الطلب –طلب المغفرة والوقاية من عذاب النار- قدَّموا التوسل بهذا العمل الصالح الذي هو أفضل الأعمال بحيث لا تصح الأعمال إلا به.
ثم ذكر من أوصافهم: الصبر، والصدق، والقنوت، والإنفاق، والاستغفار.
الصبر على جميع ما كُلِّفوا به من الأعمال الصالحة، والصبر عن جميع ما نُهوا عنه من الأعمال القبيحة والسيئة، والصبر على أقدار الله المؤلمة.
والصادقين مع أنفسهم ومع الله –جلَّ وعلا- ومع غيرهم من البشر هذه صفتهم بحيث لا يكذبون وليسوا بالمعصومين، لكن هذه الصفة هي الأصل فيهم.
والقانتين القنوت جاء على عدة معانٍ أوصلها الحافظ العراقي في نظمٍ له ذكره ابن حجر في فتح الباري إلى عشرة معاني في نظمٍ نظم فقهاء ليس بنظم متين، لكنه يضبط ما يُراد.
وهنا فسَّره بالطاعة والخضوع، وقد يُفسَّر القنوت بطول القيام وهو من معانيه.
{وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ} [آل عمران:17] الذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله في المصارف التي بيَّنها الله –جلَّ وعلا- فيُقدمونها بين أيديهم وهي حقيقةً أموالهم الحقيقية، فمال المسلم ما قدمه لا ما تركه.
{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17] يعني بعد قيامهم من الليل ما كُتِب لهم من ثُلث الليل فإذا فرغوا من قيامهم شرعوا في الاستغفار، والاستغفار مطلوب خلف كل عبادة، وهنا اعتراف مع قيامهم بما أُمِروا به من قيام الليل، وهو من أشق الأمور على النفوس يُرقعون ما فيه من خلل بالاستغفار، وهذا خلاف ما قد يطرأ على قلوب بعض الناس من أنه إذا قام الليل جال في نفسه شيء من الإعجاب، لكن المطلوب الاستغفار والبراءة من الذنوب الظاهرة والباطنة، الكبيرة والصغيرة.
"وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيلِ قَدْ أوْترَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أولِهِ وأوْسَطِهِ وآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتره إلَى السّحَرِ".
"فَانْتَهَى وِتره إلَى السّحَرِ" وهذه نهاية وقت الوتر قبل طلوع الفجر فيُصلي ما كُتِب له من الليل مثنى مثنى، ثم يُوتر، فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة؛ لئلا يُوتر بعد طلوع الفجر؛ لأنه انتهى وتره إلى السحر، وإن كان يُروى عن بعض السلف أنه يُوتر بعد الأذان والإقامة من صلاة الصبح، لكن هذا قولٌ مُخالف لِما ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام-، فإذا طلع الفجر فلا وتر ولا غيره إلا ركعتي الفجر كما جاء في الحديث، ومن فاته أو نام عن وتره فإنه يقضيه بعد ارتفاع الشمس، وبدلًا من أن يقضيه وترًا يزيد ركعة فيشفع؛ لأنه لا وتر في النهار، و«لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»، وإن كان جاء في الحديث الصحيح: «إن المغربِ وِترُ النَّهارِ»، وهي في حقيقتها تقع في الليل بعد غروب الشمس، ولكن كلما قرب الشيء من الشيء أُضيف إليه، «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ»، ولا شك أن عيد الأضحى في أثناء الشهر، لكن عيد الفطر بعد خروجه بعد نهاية الشهر؛ لكن لقربه من الشهر أُضيف إليه.
"وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ، هَلْ جَاءَ السَّحَر؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، أَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ حَتَّى يُصْبِحَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حُرَيْث بْنِ أَبِي مَطَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا فِي السَّحَرِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وَهَذَا السَّحَرٌ، فَاغْفِرْ لِي. فَنَظَرْتُ فَإِذَا هو ابْنُ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
وَرَوَى ابْنُ مَرْدُويه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ إِذَا صَلَّيْنَا مِنَ اللَّيْلِ أنْ نَسْتَغْفِرَ فِي آخِرِ السَّحَرِ سَبْعِينَ مَرَّةً".
طالب: .............
هو تقديري، ما ورد فيه شيء، لكنه ما بين الفراغ من الوتر إلى طلوع الفجر لاسيما الذي يُوتر في الوقت المطلوب الوتر فيه وهو الثلث الأخير يجثو، ويستغفر، ويعترف بذنبه، ويدعو الله –جلَّ وعلا-، ويُكثر في هذا الوقت من الاستغفار، وهو وقتٌ قصير ما يزيد على ربع ساعة.
"قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ* فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:18-20]".
الآية الأولى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران:18] شهد لنفسه بالوحدانية، والملائكة شهدوا له بذلك.
{وَأُوْلُوا الْعِلْمِ} [آل عمران:18] وهذه من أعظم مناقب العلماء أن عطفهم على نفسه وملائكته، والمقصود بهم أهل العلم المتلقى من كتاب الله وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام- الموروث عن محمدٍ –عليه الصلاة والسلام-، ومع الأسف أن الاصطلاح الحادث والعُرف في كثيرٍ من الأقطار أن العلم يُطلق على التجريبي العلوم الدنيوية، وأما العلوم الشرعية فهي عندهم ليست بعلم، وإنما هي ظنون.
ولم يختلف السلف أن العلم ما قيل: العلم قال الله وقال رسوله، وليس فيه خلاف، ولم يتردد أحد في إطلاق العلم على المتلقى من الوحيين دونما سواه، وما يخدم هذا العلم المتلقى من الوحيين أيضًا يدخل تبعًا فيما يُعين على تحصيل العلم؛ ولذا قال أهل العلم: العلم لا يُحَد، يعني: لا يُعرَّف، العلم لا يُحَد ما يحتاج تعريفًا.
ومع الأسف أنك قد تسمع من أحد ممن يُفتي إذا مر عليه وصية أو وقف (وفي مصارفه لمن يطلب العلم من ذريته) فيحمله على جميع من يدرس سواءً كان العلم شرعيًّا أو غير شرعي، سواءً فيما يُقرِب إلى الله –جلَّ وعلا-، وقد يكون فيه دخنٌ قد يُبعده عن الله –جلَّ وعلا- في الابتعاث مثلًا لبلاد الكفر؛ ليدرس العلوم الدنيوية المحضة، يقول: يدخل في الوصية؛ لأنه يتعلم العلم، وأبوه وجده ما جرى على خواطرهم مثل هذا العلم، ما يُحقق الهدف هدف الواقف أو الموصي مثل هذا؛ لأنه ما دار بخاطره شيء من هذا، وإنما يعرف العلم من خلال من رأى من أهل العلم، ويُريد أن يحث أولاده على أن يكونوا مثل هؤلاء القدوات، والله المستعان.
طالب: ............
على العلم الشرعي قطعًا هذا المراد بالنصوص، هذا الذي جاء النصوص في فضله.
طالب: ............
خلاص يعرفه على مراده، لكن لو نص قال: من يتعلم كذا وكذا من أمور الدنيا أو يكون نجارًا أو يكون صانعًا أو كذا كمن يتعلم الطب والهندسة وغيرهم سيان إذا نص عليهم.
طالب: ............
من كان متبعًا لنبيه وعلى جادته ما المانع؟
طالب: ............
هي أولويات، يعني إذا وُجِد من تفرَّغ فهو لا شك أولى من غيره، وإذا وُجِد من له كسبٌ آخر ويُغنيه عن هذا الوقف أو هذه الوصية فقد لا يدخل.
"شَهِدَ تَعَالَى -وَكَفَى بِهِ شَهِيدًا، وَهُوَ أَصْدَقُ الشَّاهِدِينَ وَأَعْدَلُهُمْ، وَأَصْدَقُ الْقَائِلِينَ- {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران:18] أَيْ: المتفَرد بِالْإِلَهِيَّةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ عَبِيدُهُ وَخَلْقُهُ، وَفُقَرَاءُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزلَ إِلَيْكَ أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النِّسَاءِ:166].
ثُمَّ قَرَنَ شَهَادَةَ مَلَائِكَتِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِشَهَادَتِهِ فَقَالَ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18]، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ".
ابن القيم في (مفتاح دار السعادة) تكلَّم على هذه الآية، وأطال فيها، وأفاض في ذِكر فضائل العلماء ومناقبهم من هذه الآية؛ لأنها في أعظم شهادة لأعظم مشهودٍ له، وأعظم شاهد هو الله –جلَّ وعلا- والملائكة، ثم قُرِن بهم أهل العلم.
"{قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18] مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَذَلِكَ.
{لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران:18] تَأْكِيدٌ لِمَا سَبَقَ، {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] الْعَزِيزُ: الَّذِي لَا يُرَامُ جَنَابُهُ عَظَمَةً وَكِبْرِيَاءً، الْحَكِيمُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قال: حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ عَمْرو الْقُرَشِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بعرفةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] «وأَنَا عَلَى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يَا رَبِّ»".
طالب: ................
نعم أبو سعيد الأنصاري، عندك أبو سعد؟
طالب: ................
هو جبير بن عمرو القرشي يقول المعلِّق عندنا: لا يُدرى من هو، وقال الحافظ في (التعجيل) –تعجيل المنفعة-: وأحسب أن هذا غلط نشأ عن تصحيفٍ في اسمه وتحريفٍ في اسم أبيه، وإنما هو حبيب بن عمر الأنصاري. بدل جبير حبيب، وأبوه بدل ما هو بعمرو، ابن عمر الأنصاري، وأبو سعيد الأنصاري أورده في التعجيل ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا غير أنه قال: الذي في المسند أبو سعد بسكون العين، وكذا ذكر ضبطه شيخنا الحافظ العراقي، وأبو يحيى مولى آل الزبير، ترجمه في التعجيل، وأشار إلى هذا الحديث، ولم يذكر عنه شيئًا.
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) قال: والحديث رواه أحمد في (المسند)، وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد)، وعزاه إلى أحمد، وبنحوه الطبراني، وقالوا: في أسانيدهما مجاهيل. يعني مما ذُكِر من هؤلاء في أسانيدهما مجاهيل.
والتعجيل الذي نقل عنه المُعلِّق اسمه (تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة) يعني الذي ما تجده في التهذيب وفروعه أو الكمال وفروعه تجده في تعجيل المنفعة إذا كان من رواة المسند أو من رواة الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة تجده في هذا الكتاب؛ لأنه في زوائد رجال الأئمة الأربعة.
"وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ حَفْصِ بْنِ ثَابِتٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ} [آل عمران:18] قال: «وأَنَا أشْهَدُ أيْ رَبِّ».
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ وَعَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَمَّار بْنُ عُمَرَ بْنِ الْمُخْتَارِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: غَالِبٌ الْقَطَّانُ قَالَ: أَتَيْتُ الْكُوفَةَ فِي تِجَارَةٍ، فَنَزَلْتُ قَرِيبًا مِنَ الْأَعْمَشِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أردتُ أَنْ أنْحَدِرَ قَامَ فَتَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ، فَمَرَّ بِهَذِهِ الآية: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران:18-19] ثُمَّ قَالَ الْأَعْمَشُ: وَأَنَا أَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللَّهُ بِهِ، وَأَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَهِيَ لِي عِنْدَ اللَّهِ وَدِيعَةٌ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران:19] قَالَهَا مِرَارًا.
قُلْتُ: لَقَدْ سَمِعَ فِيهَا شَيْئًا، فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ فَوَدَّعْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنِّي سمعتك تردد هذه الآية. قال: أو ما بَلَغَكَ مَا فِيهَا؟ قُلْتُ: أَنَا عِنْدَكَ مُنْذُ شَهْرٍ لَمْ تُحَدِّثْنِي. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكَ بِهَا إِلَى سَنَةٍ. فَأَقَمْتُ سَنَةً فَكُنْتُ عَلَى بَابِهِ، فَلَمَّا مَضَتِ السَّنَةُ قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَدْ مَضَتِ السَّنَةُ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُجَاءُ بِصَاحِبِهَا يَوْمَ القِيامَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: عَبْدِي عَهِدَ إلَيَّ، وأنَا أحَقُّ مَن وَفَّى بالْعَهْدِ، أدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ»".
يقول: إسناده ضعيفٌ جدًّا في معجم الطبراني، وعند أبي نُعيم، والعقيلي، فيه ضعفاء شديدو الضعف، بل منهم من هو متهم بالكذب، لكن لو صح لتكلفنا اعتباره.
قال: حدثني، قال: لا أُحدِّثك حتى تمضي علينا سنة، هذا من حزمه يمشي، من يُقال له: اجلس سنة حتى أُحدِّثك نظير ما ذُكِر في التفسير في قول الله –جلَّ وعلا-: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم:54] قال: وعد رجلًا أن ينتظره؛ ليقضي له حاجة، فجلس في المكان سنة ما جاء الرجل، مثل هذه الأمور هي لو ثبتت تكلفنا اعتبارها، لكنها لم ثبت حقيقةً، ولكن الواضح البيِّن أن هناك فرقًا بين نفسيات أولئك الأجيال وبين ما نُشاهده في يومنا.
في يومنا لو ينتظر خمس دقائق، عشر دقائق، ربع ساعة لو تقول له: اجلس ربع ساعة وأجيء لك بحديث سأُحدِّثك بحديث ما سمعته بحياتك، قال: أجده عند غيرك، ولن يجلس.
صحيح لأن نفوس الناس لا تحتمل شيئًا، في السابق الدنيا ملحوق عليها، ولن تطير؛ ولذا تجدهم عندهم من راحة البال وطمأنينة القلب ما لا يوجد في عصرنا، وإذا تأخّر على الموعد خمس دقائق ضاقت به الدنيا، تجده في بيته في مكانٍ مريح، ومجلسٍ وثير، وجوٍ بارد ماتع، ثم يعِد واحدًا أنه سيأتي له إذا صلي العصر لو تأخر ربع ساعة طلع على الشارع عشر مرات لو تأخر.
وسمعت كلامًا للشيخ الطنطاوي –رحمه الله- يقول: لو عوَّدنا ألسنتنا على الذِّكر، وعرفنا مقدار هذا الذِّكر وما رُتِّب عليه من أجور، قلنا: ليته يتأخر زيادة. لكن كله ضياع، يعني هذا من ضياع العمر الذي ما فيه فائدة ينتظر.
والداعي لذلك أنه ذُكِر عن الأعمش أنه قال: أُحدِّثك بعد سنة، وجلس سنة، ولما مضت السنة ذهب وقال: انتهت السنة، وُجِد من الصحابة من ركب مطيته وسافر شهرًا؛ من أجل حديث واحد. وعندنا تُجمَع له الأحاديث لتُقدَّم بين يديه خالصة نقية في الكتب الصحيحة وغيرها، وقد يُجمَع بين هذه الكُتب في كتابٍ واحد وتُقدَّم إليه يصعب عليه أن يقرأ فيها، ولكن انظر إلى أمثال هؤلاء إذا وُجِدت كُتب الأدب وكُتب الرحلات، وكُتب السير الذاتية -التي يُسمونها- يطربون لها، ويمضون فيها الساعات، ولكن الموفَّق من وفقه الله، وهداه إلى الطريق الأقوم، والله المستعان.
طالب: هذا ليس بغريب على الأعمش؟
ماذا فيه؟
طالب بعد سنة؟
أنت تقدر أن تواعد ولدك بعد سنة؟
طالب ..............
أنت أنت ولدك وببيتك وعندك، يقول لك: أريد جوالًا، تقول له: إذا طلعت النتائج.
طالب ..............
لكن لو يقول لك: أريد جوالًا، تقول له: بعد طلوع النتائج وأنت في أول السنة، ففي كل يومٍ يسألك: ما بقي؟
طالب ..............
عسِر؟!
طالب ..............
لا ما عنده عُسر، مروياته طبَّقت الدنيا، من المكثرين في الرواية وفي التلقي وفي الأداء.
طالب ..............
يعني ما المفاضلة بين الحديث وغيره؟
طالب ..............
يجمع ويُقدم على ذلك كله حفظ القرآن، وإن كانت حافظته لا تُسعف، ويخشى أن يضيع عمره قبل أن يُتِم حفظ القرآن فيجمع بينها ويحفظ آيات من القرآن، ويحفظ من السُّنَّة ما يحفظ، ويُضيف إليهما ما يُحتاج إليه من العلوم الأخرى.
لكن هناك من يتشتت إذا فرَّق جهوده هذا حفظ قرآن، وهذا حفظ حديث، وهذا حفظ متون، وهذا نظر في كذا، بعض الناس يتشتت، يُركِّز على شيءٍ واحد، حتى يفرغ منه.
"وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران:19] إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا دِينَ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ أَحَدٍ سِوَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الرُّسُلِ فِيمَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ، حَتَّى خُتِمُوا بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي سَدَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ بَعْدَ بِعْثَتِهِ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدِين عَلَى غَيْرِ شَرِيعَتِهِ، فَلَيْسَ بِمُتَقَبَّلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ:85]، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخْبِرًا بِانْحِصَارِ الدِّينِ الْمُتَقَبَّلِ عِنْدَهُ فِي الْإِسْلَامِ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران:19]".
وذُكِر في النواقض أن من يزعم أنه يسعه الخروج عن ملة محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، هذا إن كان يدَّعي الإسلام فهو مرتد بلا شك، وإن كان لا يدَّعي الإسلام فهو لم يدخل فيه أصلًا.
"وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ: {شَهِدَ اللَّهُ إِنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران:18-19] بِكَسْرِ إِنَّهُ وَفَتْحِ {أنَّ الدِّينَ} أَيْ: شَهِدَ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ وَأُولُو الْعِلْمِ مِنَ الْبَشَرِ بِأَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ.
وَالْجُمْهُورُ قرأوها بِالْكَسْرِ عَلَى الْخَبَرِ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ. وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الْأَوَّلَ إِنَّمَا اخْتَلَفُوا بَعْدَ مَا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران:19] أَيْ: بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَاخْتَلَفُوا فِي الْحَقِّ؛ لِتَحَاسُدِهِمْ وَتَبَاغُضُهِمْ وَتَدَابُرِهِمْ، فَحَمَلَ بَعْضَهُمْ بُغْض البَعْض الْآخَرِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا".
قد لا يكون الداعي البغض للخصم بقدر ما يكون الانتصار للنفس، فتجد بعض الناس يُريد أن يُقرر ما يراه ويفرضه على غيره، ويحكم على ما يقوله غيره بأنه باطل، وأن ما يقوله هو هو الحق؛ انتصارًا للنفس، والله المستعان.
"ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران:19] أَيْ: مَنْ جَحَدَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كتابه {فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران:19] أي: فإن الله سَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ، وَيُحَاسِبُهُ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَيُعَاقِبُهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ كِتَابَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ} [آل عمران:20] أَيْ: جَادَلُوكَ فِي التَّوْحِيدِ، {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران:20] أَيْ: فَقُلْ أَخْلَصْتُ عِبَادَتِي لِلَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ، {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران:20] عَلَى دِينِي، يَقُولُ كَمَقَالَتِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يُوسُفَ: 108].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى آمِرًا لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْعُوَ إِلَى طَرِيقَتِهِ وَدِينِهِ، وَالدُّخُولِ فِي شَرْعِهِ وَمَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ الْكِتَابِيِّينَ، مِنَ الْمِلَّتَيْنِ وَالْأُمِّيِّينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} [آل عمران:20] أَيْ: وَاللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابُهُمْ وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُمْ وَمَآبُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] أَيْ: هُوَ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلَالَةَ، وَهُوَ الَّذِي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ:33]، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ".
في قوله: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} [آل عمران:20]، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [النور:54] يُبلِّغ، والقبول بيد الله –جلَّ وعلا-، وظيفة الرسل وأتباع الرسل من الدعاة والمصلحين هو مجرد تبليغ ما جاء عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام-، والقبول إنما هو لله –جلَّ وعلا-، ولذا قال الله –جلَّ وعلا- لنبيه –عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56].
الرسول –عليه الصلاة والسلام- لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة حرص على أن يقول: لا إله إلا الله، ولم يقلها، واليهودي الذي كان يخدم النبي –عليه الصلاة والسلام- حضره عند وفاته، فعرض عليه الشهادة فقالها، يعني لو كان بيد الرسول –عليه الصلاة والسلام- من الأمر شيء، ويستطيع أن يهدي هداية التوفيق والقبول ما قدَّم أحدًا على عمِّه، «عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ»، الذي خدمه، وخدم دعوته، ودافع عنه، لكن ليس عليه إلا البلاغ- عليه الصلاة والسلام-.
"وَهَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا مَنْ أَصْرَحِ الدَّلَالَاتِ عَلَى عُمُومِ بِعْثَتِهِ -صَلوات اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ دِينِهِ ضَرُورَةً، وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ وَحَدِيثٍ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الْأَعْرَافِ:158]، وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الْفُرْقَانِ:1]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّا ثَبَتَ تَوَاتُرُهُ بِالْوَقَائِعِ الْمُتَعَدِّدَةِ، أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ كُتُبَهُ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ مُلُوكَ الْآفَاقِ، وَطَوَائِفَ بَنِي آدَمَ مِنْ عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، كتابِيِّهم وأمِّيِّهم؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ يَهُوديّ وَلا نَصْرَانِي، ومَاتَ وَلمَ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسلتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ".
«مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ» يعني ممن أدرك بعثته من أمة الدعوة من اليهود والنصارى وغيرهم، لا يسمع به –عليه الصلاة والسلام- ولم يؤمن به إلا دخل النار، وهذا حديث مُخرَّج في الصحيح، في صحيح مسلم.
"وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُعِثْتُ إلَى الأحْمَرِ والأسْودِ» وَقَالَ: «كَانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِه خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّل، قال: حَدَّثَنَا حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَضع لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءه وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا فُلانُ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ، فَسَكَتَ أَبُوهُ، فأعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إلَى أَبيهِ، فَقَالَ أبُوهُ: أطِعْ أَبَا الْقَاسِم، فَقَالَ الْغُلامُ: أشْهَدُ أن لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَخَرَجَ النَّبَيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أخْرَجَهُ بِي مِنِ النَّارِ»، رواه الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ".
هذا اليهودي الأب ممن يعرف صدق النبي –عليه الصلاة والسلام- بأوصافه التي قرأوها في كُتبهم، ومن شفقته على ولده أمره أن يُطيع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان هو في ذلك الوقت لم يستجب، بل بقي على يهوديته، فإن كان قد خُتِم له بخاتمة السعادة وقال: لا إله إلا الله، وإلا فهو من الهالكين، نصح ولده، وغشَّ نفسه.
"قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:21-22].
هَذَا ذَمٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ فِي تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، الَّتِي بَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهَا الرُّسُلُ؛ اسْتِكْبَارًا عَلَيْهِمْ وَعِنَادًا لَهُمْ، وَتَعَاظُمًا عَلَى الْحَقِّ وَاسْتِنْكَافًا عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَمَعَ هَذَا قَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنَ النَّبِيِّينَ حِينَ بَلَّغُوهُمْ عَنِ اللَّهِ شَرْعَهُ، بِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا جَرِيمَةٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ، إِلَّا لِكَوْنِهِمْ دَعَوْهُمْ إِلَى الْحَقِّ، {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:21]، وَهَذَا هُوَ غَايَةُ الْكِبْرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْط النَّاسِ».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْر الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ، نَزِيلُ مَكَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ -يَعْنِي ابْنَ ثَابِتِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّ- قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ، قال: حَدَّثَنا أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِي أَسَدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أبي قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ".
عن قبيصة بدون أبي.
"عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، أي النَّاسِ أَشَدُّ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «رَجلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أوْ مَنْ أَمَرَ بِالمْعْرُوفِ ونَهَى عَنِ المُنْكَر»، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:22] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أبَا عُبَيدَةَ، قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَلاثَةً وأَرْبَعين نَبيًّا، مِنْ أوَّلِ النّهَارِ فِي ساعةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَامَ مِائَة وسَبْعُونَ رَجُلا مِنْ بَني إسْرائيلَ، فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُم بالْمَعْرُوفِ، ونَهَوْهُمْ عَنِ المنكرِ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ النَّهارِ مِنْ ذَلكَ اليَوْمِ، فَهُم الذِينَ ذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-».
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْوَصَّابِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ حُمَيْر، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي أسد، عن مكحولٍ، به.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ نَبِيٍّ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَقَامُوا سُوقَ بَقْلِهِمْ مِنْ آخِرِهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَلِهَذَا لَمَّا أَنْ تَكَبَّرُوا عَنِ الْحَقِّ وَاسْتَكْبَرُوا عَلَى الْخَلْقِ، قَابَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ الْمُهِينِ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21] أَيْ: مُوجِعٍ مُهِينٍ. {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:22]".
"قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ نَبِيٍّ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَقَامُوا سُوقَ بَقْلِهِمْ مِنْ آخِرِهِ" يصل الحد بموت القلوب إلى شيءٍ من هذا؟! نسأل الله العافية، يعني نحن نسمع بعد مدة أن رجلًا قتل أباه أو قتل أمه، أو أحرق أباه، أو فعل ما فعل بولده، هذه أمور عظائم، لكن كيف بقتل الأنبياء والمصلحين، والآمرين بالمعرف والناهين عن المنكر؟! نسأل الله العافية.