تعليق على تفسير سورة آل عمران (16)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
في آخر الدرس الماضي النقل عن ابن أبي حاتم في تفسيره عن مقام إبراهيم في كلام أنه قال: "الْحَجُّ مقام إبراهيم. هكذا رأيته فِي النُّسْخَةِ، وَلَعَلَّهُ: الْحجْرُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ هكذا. وقد صرح بذلك".
فيه تعليق من بعض الإخوان بيَّن فيها ما وجده في النسخ سواءً من نسخ التفسير، أو ابن أبي حاتم، أو غيره. نسمع من الشيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: "وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، وَعَمْرٌو الْأَوْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله: {مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97] قَالَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَلَفْظُ عَمْرو: الْحَجر كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وفي تفسير ابن أبي حاتم المطبوع جاء هذا الأثر عن ابن عباس من طريق عمرو الأودي بلفظ: الحج كله مقام إبراهيم.
وروى ابن أبي حاتم أيضًا من طريق أخرى عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: فيه ءاية بينة؛ الآية البينة التي ذكرها هنا فمقامه هذا الذي في المسجد، ومقام إبراهيم يُعَد كبير، مقامه الحج كله. قال المحقق: طبعة ابن الجوزي لتفسير ابن أبي حاتم في الأصل بلفظ: الحَجر كله. ثم صحَّحه بخط صغير جدًّا، فجعله الحج كله، ويؤكِّد ذلك ما سيأتي في الآثار التالية وما رواه الطبري. انتهى. وهكذا رواه عبد الرزاق وابن المنذر في تفسيريهما عن ابن عباس في قوله تعالى: {مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97] قَالَ: الْحَج كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وأخرج سعيد بن منصور، ومن طريقه ابن المنذر في تفسيره عن مسلم بن خالد بن زنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء قالا: مقام إبراهيم: المسجد الحرام، ومِنى، وعرفة، والمزدلفة.
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره، عن مجاهد في قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] قال: مقامه عرفة وجَمع ومِنى، ولا أعلمه إلا وقد ذَكر مكة.
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، عن مجاهد {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] قال: هو الحج كله. وأخرج الفاكهي، عن مجاهد في قوله تبارك وتعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] قال: الحج كله مصلًّى ومَدْعًى.
وقال الفاكهي أيضًا في (أخبار مكة)، واللفظ له، وابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن قوله عز وجل: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] قال: سمعت ابن عباس –رضي الله عنهما- يقول: {فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97]، ثم انتهى، ثم قال: أما مقام إبراهيم فالذي ذكر هاهنا، فمقامه هذا الذي في المسجد، قال عطاء: ومقام إبراهيم معه كثير، مقام إبراهيم الحج. ثم فسَّر لي عطاء فقال: المعرّف والصلاتان بعرفة".
"المُعرَّف".
أحسن الله إليك، "والمعرَّف والصلاتان بعرفة، والمشعر والصفا والمروة، ورمي الجمار، والطواف بين الصفا والمروة.
قلت: فسَّره ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: لا، ولكن مقام إبراهيم الحج كله. قال: قلت: أسمعتَ ذلك لهذا؟ قال: نعم، سمعتُه منه.
وقال الطبري: ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125]، وفي مقام إبراهيم، فقال بعضهم: مقام إبراهيم هو الحج كله، ذكر من قال ذلك، ثم روى عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: {مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97] قال: الحج كله مقام إبراهيم، وعن مجاهد: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] قال: الحج كله، وعن عطاء قال: الحج كله مقام إبراهيم. ثم قال: وقال آخرون: مقام إبراهيم: عرفة، والمزدلفة، والجمار، ذكر من قال ذلك، ثم روى نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد، ثم قال: وقال آخرون: مقام إبراهيم الحَرم، ذكر من قال ذلك، حُدِّثْتُ عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] قال: الحرم كله مقام إبراهيم. وقال آخرون: مقام إبراهيم: الحَجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه، وضعف عن رفع الحجارة، قال أبو جعفر: فكأن الذين قالوا: تأويل المصلَّى هاهنا المَدْعَى وجهوا المصلى إلى أنه مَفْعَل من قول القائل: صليت بمعنى دعوت، وقائل".
الصلاة اللغوية، وهي بمعنى الدعاء.
"وقائل هذه المقالة هم الذين قالوا: إن مقام إبراهيم هو الحج كله، فكانت معناه في تأويل هذه الآية: واتخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمار وسائر أماكن الحج التي كان إبراهيم يقوم بها مداعي تدعوني عندها، وتأتمُّون بإبراهيم خليلي –عليه السلام- فيها، فإني قد جعلتُه لمن بعده من أوليائي وأهل طاعتي إمامًا يقتدون به وبآثاره، فاقتدوا به.
أما الأثر الثاني الذي أورده ابن كثير، وهو قوله: وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحج مقام إبراهيم. هكذا رأيت في النسخة، ولعله الحَجَر كله مقام إبراهيم، فهكذا وقع في مطبوع تفسير ابن أبي حاتم: الحج مقام إبراهيم، لكن يرجّح ما استظهره ابن كثير في هذا الموضع أن ابن أبي حاتم سبق أن ذكر هذا الأثر بالسَّند نفسه عن سعيد بن جُبير مطوَّلًا في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] بلفظ: الحَجَر مقام إبراهيم، ليَّنه الله، قد جعله رحمة، فكان يقوم عليه، ويناوله إسماعيل الحجارة، ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلفت رجلاه، ونقله ابن كثير في تفسير سورة البقرة إلا أنه وقع عنده بدل قوله: "لينه لله": نبي الله.
وكذلك نقل ابن الجوزي في (زاد المسير)، والسفاريني في (شرح عمدة الأحكام) عن سعيد بن جُبير أن مقام إبراهيم هو الحَجَر".
المقام يُطلَق، ويُراد به مكان القيام، ومكان القيام بالنسبة لإبراهيم –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- مكان خاص، ومكان عام، فالمقام الخاص هو الحَجَر الذي فيه أثر رجليه –عليه الصلاة والسلام-، ومقامه العام مواضع المناسك التي قام فيها إبراهيم –عليه السلام-، ولكن في حَجته –عليه الصلاة والسلام-، وكونه ذهب إلى المقام المعروف (الحَجَر)، وتلا الآية، لا شك أن دخول الحَجَر في الصيغة دخولًا أوليًّا، دخول قطعي، وما عداه مما جاءت به الآثار محتَمِل؛ لأن الصيغة: مقام اسم مكان، والمكان كما يُطلق على الخاص يتناول العام بلا شك، فهذه الأقوال ليس بينها تعارض، ومن أطلق الصلاة، وأراد بها الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود، فمستنده صلاة النبي –عليه الصلاة والسلام- خلف المقام، ومن أطلق الصلاة وأراد بها الصلاة اللغوية التي هي الدعاء هي أعم من ذلك، ويكون الدعاء في جميع المواضع التي وقف فيها إبراهيم –عليه السلام-، وقام فيها، ودعا فيها، فله حظه من النظر، وفي الحديث في إجابة الداعي، والأمر بإجابته، «فمن كان مُفطرًا فليأكل، ومن كان صائمًا فليُصلِّ»، «فليصلِّ»، ما معني يصلي؟
طالب: يدعو
يدعو وينصرف، وإن كان من أهل العلم من يقول: إن الصلاة يصلي ركعتين وينصرف. لكن المقصود هنا الصلاة اللغوية، والصلاة في اللغة معروف أنها الدعاء، والشرع أضاف إلى الدعاء زيادة إضافات وقيود تخصِّص المعنى من المعنى العام الذي هو الدعاء، وهذه طريقة أهل العلم في الحدود، والألفاظ التي تستعمل في اللغة بنوع عموم، وفي الاصطلاح يدخَل لها القيود التي تخصِّصها، والمسألة سهلة، {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125] لا شك أن الحَجَر الذي قام عليه مقام، ولا يماري فيه أحد، ولا شك أن مكان القيام الذي قام به إبراهيم –عليه السلام- يتناوله اللفظ من جهة العموم؛ لأنها صيغة ظَرْف، ظَرْف مكاني، وهذه الأماكن كلها ظروف لقيامه وعبادته، وقيامه بالنسك والدعاء وغير ذلك. والله أعلم.
طالب: "ولو غسل رأسه لاختلفت رجلاه" ما معناها؟
أظنه إسرائيليًّا، أظنه إسرائيليًّا أو مُصَحَّفًا، ذكره، مر بنا.
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
نعم، هذا كلامه، هذا المعنى، الحجر الصلب أُلين لإبراهيم كما أُلين لداود الحديد، وقال أهل العلم: أُلين لأبي داود الحديث كما أُلين لداود الحديد. من هذا النوع؛ لأنه لان في ذلك الوقت وفي تلك اللحظة لو غسل رأسه، وسقط الماء على هذا الحجر الصلب الذي لان بقدرة الله –جل وعلا- لصار مثل الطين، مثل الطين لِلِينه.
نعم.
"وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} [آل عمران:97] يَعْنِي حَرَم مَكَّةَ إِذَا دَخَلَهُ الْخَائِفُ يَأْمَنُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْتُلُ، فَيَضَعُ فِي عُنُقِهِ صُوفَةً، وَيَدْخُلُ الْحَرَمَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ الْمَقْتُولِ، فَلَا يُهَيِّجُهُ حَتَّى يَخْرُجَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} [آل عمران:97]، قَالَ: مَنْ عَاذَ بِالْبَيْتِ أَعَاذَهُ الْبَيْتُ، وَلَكِنْ لَا يُؤْوَى، وَلَا يُطْعَمُ، وَلَا يُسْقَى، فَإِذَا خَرَجَ أُخِذَ بِذَنْبِهِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا} [الْعَنْكَبُوتِ:67]".
على الخلاف بين أهل العلم هل تُقام الحدود في مكة، أو يُضطر للخروج منها بمنْعه من الأكل والشرب والإيواء حتى يخرج، فيُقاد بذنبه؟
"وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ:67] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قُرَيْشٍ:3-4]، وَحَتَّى إِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيمِهَا حُرْمَةُ اصْطِيَادِ صَيْدِهَا، وَتَنْفِيرِهِ عَنْ أَوْكَارِهِ، وَحُرْمَةُ قطع شجرها وَقَلْعِ حَشِيشِهَا كَمَا ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ".
عليه الصلاة والسلام.
"فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»".
يعني لا هجرة بعد الفتح، والمقصود لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام.
"وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله، إلا الإذخر»".
يعني أن اللقطة لا تُملك، بعد مضي الحول لا تُملك كسائر البلدان، وإنما من يلتقطها يستمر في تعريفها، ولا يملكها.
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
ولو كانت.
طالب: ...
ماذا؟
طالب: ...
لا يأخذها، يعطيها الجهات.
"«فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: إِلَّا الْإِذْخَرَ»".
"«لقينهم»"؛ يوقدون فيه النار، «ولبيوتهم»؛ يسقفون بها، ويضعونها بين الأخشاب.
"وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ. وَلَهُمَا وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: عَنْ أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
عليه الصلاة والسلام.
"الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مكة حرَّمها الله، ولم يحرِّمها الناس، فلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يسفك بها دمًا، ولا يعضِد بها شجرة، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
"«فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبلغِ الشَّاهِدُ الغائب». فقيل لأبي شريح: ما قال لك؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَزْيَةٍ".
طالب: بخربة.
جاءت هذه وهذه، بخربة، أو بخزية.
طالب: أحسن الله إليك، الإذخِر، معروف الإذخِر، عندنا ضابطها الإذخَر.
الإذخِر.
طالب: فيه لفظ يا شيخ، ثانٍ غير لقينهم.
ماذا فيه؟
طالب: فيه لفظ ثاني.
عندك؟
طالب: لقبرهم. لا، ما عندي شيء، لكن أسأل.
طالب: لقبورهم.
فيه: لقبورهم، وفيه: لقينهم، وفيه: لبيوتهم. هو يُستعمل؛ يوضع بين اللبِن في القبور؛ لئلا يتسرَّب التراب إلى الميت، وكذلك في سقوف البيوت بين الخشب؛ لئلا ينزل الطِّين من بين الخشب؛ هذا يتلقى. نعم.
"وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لأحدكم أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم- وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا صَحَّحَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ابْنِ بِنْتِ أَزْهَرَ السَّمَّانُ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ مُسْلِمٍ الأعمى مولى بني مخزوم".
طالب: رُزَيق.
رُزَيق؟
"زُرَيق".
طالب: لا، رزيق. ...
ماذا؟
طالب: رزيق.
ماذا عندك؟
طالب: رزيق.
عندنا زريق، زُرَيْقِ بْنِ مُسْلِمٍ. مائتين وستة.
"قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ مُسْلِمٍ الأعمى مولى بني مخزوم، قال: حدثني زياد ابن أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} [آل عمران:97] قَالَ: آمِنًا مِنَ النَّارِ. وَفِي مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُؤَمّلِ، عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
"«مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنَةٍ، وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ، وَخَرَجَ مَغْفُورًا لَهُ»، ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عبد الله بن المؤمّل، وليس بالقوي.
وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] هَذِهِ آيَةُ وُجُوبِ الْحَجِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ قَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [الْبَقَرَةِ:196]، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَدَعَائِمِهِ وَقَوَاعِدِهِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعًا ضَرُورِيًّا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: حدَّثنا يزيد بن هارون، قال: حدَّثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
"«فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إن الله قَدْ فرضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا. فَقَالَ رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
"«لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ. ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَعَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أُمِّيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك.
"«فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ. فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فقال: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. وَرُوِيَ من حديث أسامة بن يزيد".
ابن زيد. "أسامة بن زيد".
"وَرُوِيَ من حديث أسامة بن زيد. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبخْترِيِّ".
"الْبَخْتَرِيِّ".
"عَنْ أَبِي الْبَخْترِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [الْمَائِدَةِ:101]». وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورِ بْنِ وَرْدَانَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ مِنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي عبيدة".
تحسين الترمذي، يقول فيه الحافظ ابن كثير: فيه نظر؛ لأن الخبر انقطاع؛ لأن فيه انقطاعًا، وتعريف الحسن عند الترمذي ما يُخرج المنقطع، وما يُخرج بعض أنواع الضعيف، فهو حسن على طريقته. حتى إن من درس كتاب الترمذي قال: إن جميع ما يقول فيه الترمذي: حسن غريب فهو ضعيف. فعلى هذا لا يُستَدرك عليه.
طالب: شيخنا، أحسن الله إليك، الجميع أو الغالب يعني؟
هو قال: الجميع، لكن الكلام ما هو بصحيح، ما هو باستقراء تام.
وقال الترمذي ما سَلِم |
|
من الشذوذ مع راو ما اتُّهِم |
بكذب ولم يكن فردًا ورد |
|
قلت: وقد حسن بعض ما انفرد |
ولذلك يجمع بين الحسن والغريب. الشروط لتسمية الحديث حسن عند الترمذي السلامة من الشذوذ.
وقال الترمذي ما سلم |
|
من الشذوذ مع راو ما اتُّهم |
يعني لو رُمي بضعف غير الاتهام بالكذب؛ يعني أخف منه؛ يعني مجرد ضعيف، ما هو مُتَّهَم بالكذب يدخل في الحسن عنده. نعم.
"وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي عبيدة، عن أبيه، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا لَعُذِّبْتُمْ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ أنَّ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُتْعَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «بل لأبد أبد».
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ".
مع أن أهل العلم من يرى أن التمتع خاص بالصحابة الذين أمرهم النبي –عليه الصلاة والسلام- بفسخ الحج إلى العمرة، وهو يقول: «مُتْعَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟»، والحديث في الصحيحين «قَالَ: لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «بل لأبد الأبد». نعم.
"وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ وَاقِدِ بْنِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
"قَالَ لِنِسَائِهِ فِي حَجَّتِهِ هَذِهِ: «ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ-يَعْنِي ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ-، وَلَا تَخْرُجْنَ مِنَ الْبُيُوتِ».
وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ فَأَقْسَامٌ:
تَارَةً يَكُونُ الشَّخْصُ مُسْتَطِيعًا بِنَفْسِهِ.
وَتَارَةً بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْأَحْكَامِ".
لكن ليس على سبيل الإلزام، ليس على سبيل الإلزام؛ لأن أمهات المؤمنين حججن بعده –عليه الصلاة والسلام- مع الخلفاء، بعضهن مع عمر –رضي الله عنه-.
"قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حميد، قال: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «قَامَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: مَنِ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»".
العج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: سفك دم الهدي. هذا أفضل ما يُراق في الحج.
"«فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟»" المشترط لوجوب الحج الذي هو الاستطاعة، قال: "«الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»"، قد يوجد الزاد، وتوجد الراحلة، ويكون غير مستطيع ببدنه، يوجد الزاد، وتوجد الراحلة، ويكون المكلَّف لا يستطيع ببدنه، ولا يوجد عنده غير هذا الزاد، وهذه الراحلة، ما عنده مال يُحجّ به عنه، فكل زمان يطرأ فيه ما يطرأ مما يدخل في معنى الاستطاعة، والراحلة معروف أنها في وقتنا هذا هي السيارات والطائرات والبواخر؛ وسائل النقل المختلفة، ما يقال: إنه من كان عنده بعير يلزمه الحج.
"وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يزيد، وهو الخوزي".
"الخُوزِي".
أحسن الله إليك، "وهو الخُوزِي، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، كَذَا قَالَ هَاهُنَا، وَقَالَ فِي كتاب الحج: هذا حديث حسن. لَا يُشَكُّ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثقات سوى الخُوزي هَذَا، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، لَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
"«فَقَالَ لَهُ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ والراحلة»، وهكذا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طرق أخرى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ كُلُّهَا مَرْفُوعَةٌ، وَلَكِنْ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اعْتَنَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ بِجَمْعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أبي قَتَادَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
"«سُئِلَ عن قول الله عز وجل: {مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] فَقِيلَ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخرجَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".
اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
"«{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْملَائِيُّ".
"الْمُلَائِيُّ".
أحسن الله إليك.
"الْمُلَائِيُّ، عَنْ فُضَيْلٍ؛ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ -يَعْنِي الْفَرِيضَةَ-، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ».
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيُّ، عَنْ مِهْرَانَ بْنِ أَبِي صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ»، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ".
كل هذا يدل على أن الحج على الفور، وأنه لا يجوز تأخيره إلا من عذر، وهذا هو المعروف عند أحمد، وجمع من أهل العلم، والجمهور على أنه على التراخي بناءً على أن النبي –عليه الصلاة والسلام- لم يحج إلا بعد فرض الحج بثلاث سنوات.
وعلى القول بأن الحج فُرض سَنة تسع، وحج سَنة عشر، وترك الحج سَنة تسع لما ذُكر من المبررات في تأخيره؛ لئلا يرى العراة ويرى المشركين، -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فالأصل فيه أنه على الفور، وتأخيره –عليه الصلاة والسلام- الحج سَنة تسع، وإنابته لأبي بكر، وحجَّ بالناس سَنة تسع، ومنهم من قال: إن حجة أبي بكر سَنة تسع ليست في وقت الحج الشرعي، وإنما هو في الوقت الذي جرى عليه المشركون في مسألة النسأ؛ يؤخِّرون كل سَنَة شهر، فلما حج النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض»، فوقع الحج في شهر الحج، والمسألة معروفة عند أهل العلم الجمهور، ويبنون ذلك على أن الحج فُرض متقدِّمًا سَنة ست، وعلى هذا تأخيره ثلاث سنوات يدل على أنه على التراخي. والله المستعان.
"وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] قَالَ: مَنْ مَلَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ".
قد تكون الثلاثمائة في وقت كافية، لكن الآن الحملات بعشرة آلاف، خمسة عشر ألفًا، عشرين ألفًا، وهذه المبالغ قد تكون أقل من ثلاثمائة درهم في ذلك الوقت.
"وَعَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ أَنَّهُ قَالَ: السَّبِيلُ: الصِّحَّةُ. وَرَوَى وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ -يَعْنِي الْكَلْبِيَّ-، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] قال: الزاد والبعير.
وقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} [آل عمران:97]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَيْ وَمَنْ جَحَدَ فَرِيضَةَ الْحَجِّ فَقَدْ كَفَرَ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] قَالَتِ الْيَهُودُ: فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ. قَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: فَاخْصَمْهُمْ فَحجَّهُمْ، يَعْنِي فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. فَقَالُوا: لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا. وَأَبَوْا أَنْ يحجوا، قال الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} [آل عمران:97]»، وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن جعفر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود، قال: حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَشَاذُّ بْنُ فَيَّاضٍ، قَالَا: حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني، قال: حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم-: «من مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَحُجَّ بَيْتَ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} [آل عمران:97]».
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ قال: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ فَيَّاضٍ، قال: حَدَّثَنَا هِلَالٌ أَبُو هَاشِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ".
الحارث في السند السابق هو الأعور، الحارث الأعور شديد الضعف.
"وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقطَعِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ".
"الْقُطَعِيِّ"، "الْقُطَعِيِّ".
أحسن الله إليك، "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقُطَعِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَهِلَالٌ مَجْهُولٌ، وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هِلَالٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غنْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، عَنِ الْحَسَنِ البصري قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جدةٌ فَلَمْ يَحُجَّ، فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، مَا هُمْ بمسلمين، ما هم بمسلمين".
يعني هذا من باب التشديد في أمر الحج، وأنه ركن ركين من أركان الإسلام، ومَنْ أقرَّ بوجوبه واعترف بوجوبه ولم يحجّ فعند جمهور أهل العلم أنه مسلِم على خطر عظيم، وأما من أنكر وجوبه فهو كافر بالإجماع، ونُقل عن الإمام مالك أن مَن لم يفعل الأركان الثلاثة غير الشهادتين والصلاة أنه يكفر كفرًا مُخرِجًا عن الملة، ومَروي عن أحمد، رواية عن أحمد، ولكن الجمهور على أن الأركان الثلاثة لا يكفُر تاركها مع إقراره بوجوبها.
والله أعلم.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك محمد.