شد الرحال لا يجوز إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وبيت المقدس -المسجد الأقصى-، وما عدا ذلك لا يجوز شد الرحل إليه ولو كان في مكة. لأن بعض الناس يذهب إلى مكة للاعتكاف في مسجد من المساجد؛ لأن الإمام مؤثر في صلاته. نقول: لا يجوز شد الرحل إلى هذا المسجد. وقد يتحايل ويقول: أنا أذهب للعمرة، ثم بعد ذلك أذهب إلى هذا المسجد. نقول: الأمور بمقاصدها. وكذلك لو قال أحدهم: أنا أذهب إلى المدينة وأشد الرحل من أجل زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، نقول: هذا بدعة ولا يجوز، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» [البخاري: 1189]، ثم يقول: أنا أشد الرحل إلى المسجد، وفي حقيقة أمره وقرارة نفسه أنه يشد الرحل إلى القبر، نقول: لا ينفع مثل هذا الكلام؛ لأن الظاهر أنه إرضاء للمخلوق، والقصد إرضاء الخالق الذي لا يخفى عليه شيء. لكن إذا ذهبت إلى العمرة ثم حينئذٍ لا تحتاج إلى شد رحل، ولزمت مسجد من المساجد التي تعرف أن الإمام قراءته تؤثر فيك فهذا ليس فيه شيء. لكن أن تقصد من الرياض –مثلًا- إلى ذلك الإمام أو إلى ذلك المسجد فلا، فضلًا عن المساجد البدعية، التي بنيت على ما يزعم أنه من آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذه المساجد لما يفضي التزامها والذهاب إليها من التبرك بها والابتداع فيها لا يجوز الذهاب إليها البتة، ولو من غير شد رحل. ولذا قال ابن تيمية: (وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام، كالمسجد الذي تحت الصفا وما في سفح أبي قبيس ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثاره -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه كمسجد المولد وغيره، فليس قصد شيء من ذلك من السنة، ولا استحبه أحد من الأئمة) هذا إذا صحت الدعوى، فضلًا عن كون إثبات هذه الدعوى دونها خرط القتاد. فكثير من الناس يقول هذا المكان هو المولد، وقد بنى ذلك على رؤيا، وليس على عمل وتوارث. أو يقول: هذا المكان الذي جلس فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا كذا وهذ كذا. وكل هذا من وسائل الشرك. وهناك مساجد تقصد لكن من غير شد رحل مثل قباء، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يذهب إلى مسجد قباء ويصلي فيه ركعتين ضحى السبت [البخاري: 1191]، لكن هذا لا يحتاج إلى شد رحل. فيقصد مثل هذا المسجد لهذا الدليل. وأما غيره فلا يقصد لذاته، قد يقصد لأمر عارض لأنه إمامه مؤثر -مثلاً- أو قراءته مؤثرة، أو لأن فيه درس -مثلاً-، أو لأن إمامه يحسن الصلاة أفضل من غيره، فهذه أمور تجعل لهذا مزية، لكن لذات المسجد أو لذات التراب أو لذات الطين أو المدر و الحجر، فلا مزية لمثل هذا.