تعليق على تفسير سورة آل عمران (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ} [آل عمران:38-41].
لَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُ مَرْيَمَ –رضي الله عنها- فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، طَمِعَ حِينَئِذٍ فِي الْوَلَدِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ ضَعُفَ وَوَهَن مِنْهُ الْعَظْمُ، وَاشْتَعَلَ الرأس شَيْبًا، وكَانَتِ امْرَأَتُهُ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرَةً وَعَاقِرًا، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ سَأَلَ رَبَّهُ وَنَادَاهُ نِدَاءً خَفيًّا، وَقَالَ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} [آل عمران:38] أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران:38] أَيْ: وَلَدًا صَالِحًا {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
تقدم في الآيات السابقة أن زكريا كلما دخل على مريم المحراب وجد عندها رزقًا {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:37] فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، لا شك أن هذا خرق للعادة، ولولا الإيمان لما يُصدِّق به أحد، لكنه رأي العين، زكريا بلغ من السِّن مبلغًا كبيرًا إلى حد أن يئس من الولد، وامرأته عاقر، لكن لما رأى أن الله –جلَّ وعلا- يخرق العادة في مثل ما تقدم لمريم –عليها السلام أو رضي الله عنها- قال: "طَمِعَ" في أن يسأل الولد من الله –جلَّ وعلا-، وإن كان في حال استبعاد لا نقول: استحالة، لكنه استبعاد في مثل هذا السِّن والمرأة عاقر يعني عقيمًا لا تلد، ثم بعد ذلك يسأل.
ويُسمَع كثيرًا في حال السجود من بعض من لم يُرزَق الولد {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89] في السجود وإذا سلَّم، فإذا به شيخٌ كبير جدًّا، وتجد زوجته آيسة من سنين طويلة، لكنه الطمع فيما عند الله –جلَّ وعلا- ولا يُقال له: لا تسأل، اسأل، أنت تسأل كريم، نعم جرت العادة أنه لا يُولد في مثل هذا السِّن، لكن الطمع في رحمة الله وفيما عند الله –جلَّ وعلا- لا يُمنَع منه أحد.
زكريا لما رأى هذه الخارقة من خوارق العادات لمريم، وأن فاكهة الشتاء تأتيها في الصيف، وفاكهة الصيف تأتيها في الشتاء طمِع في أمرٍ كان في غاية البُعد، ولكن ما عند الله قريب، وهذا من رحمة الله –جلَّ وعلا- بخلقه، ورحمة الله لا شك أنها قريبٌ من المحسنين، فلا بُد أن يُحسِن المرء؛ ليقوى طمعه فيما عند الله –جلَّ وعلا- أما أن يُسيء فيما بينه وبين ربه، ويطمع فيما عند الله إن أجابه الله –جلَّ وعلا- فلا شك أنه استدراج ليست كرامة، الكرامة للأولياء وليست مثل هذا، والله على كل شيءٍ قدير.
"قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:39] أَيْ: خَاطَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ شِفَاهًا خِطَابًا أَسْمَعَتْهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِحْرَابِ عِبَادَتِهِ، وَمَحَلِّ خَلْوَته، وَمَجْلِسِ مُنَاجَاتِهِ، وَصَلَاتِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا بَشَّرَتْهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران:39] أَيْ: بِوَلَدٍ يُوجَدُ لَكَ مِنْ صُلْبِكَ اسْمُهُ يَحْيَى. قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا سُمِّي يَحْيَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ.
وَقَوْلُهُ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:39] رَوَى العَوْفيّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ والسُّدي وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:39] أَيْ: بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَعَلَى سَنَنِهِ وَمِنْهَاجِهِ".
"وعلى سُنَّته ومنهاجه" عندك سَننه؟
طالب: .............
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] سبيلًا وسُنَّة، الشِّرعة: السُّنَّة، والسبيل: هو المنهاج؛ لأننا نقول: هذا التفسير من ابن عباس على سبيل اللف والنشر غير المرتَّب، يُسمونه المشوش في البلاغة غير مرتَّب -سبيلًا وسُنَّة- شِرعةً ومنهاجًا: سبيلًا وسُنَّة، فهنا المناسب للمنهاج السُّنَّة.
"وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:39] قَالَ: كَانَ يَحْيَى وَعِيسَى ابْنَيْ خَالَةٍ".
كما جاء في قصة المعراج أن النبي –عليه الصلاة والسلام- رأى ابني الخالة عيسى ويحيى.
"وَكَانَتْ أَمُّ يَحْيَى تَقُولُ لِمَرْيَمَ: إِنِّي أَجِدُ الَّذِي فِي بَطْنِي يَسْجُد لِلَّذِي فِي بَطْنِكِ فَذَلِكَ تَصْدِيقُهُ بِعِيسَى: تَصْدِيقُهُ لَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ عِيسَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ عِيسَى، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا".
عندنا أيضًا هنا "وهو أكبر من يحيى -عليهما السلام-" رقم واحد في تاء عيسى -عليه السلام-.
طالب: .............
كل الضمائر تعود ليحيى، وهو أول من صدَّق "وَكَلِمَةُ اللَّهِ عِيسَى، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ يحيى" لا بُد أن تُرى النُّسخ؛ لأنه ما فيه إلا نسخة تاء: عيسى، وعندكم؟
طالب: .............
عندنا في تاء: عيسى "وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ عِيسَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ عِيسَى، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عِيسَى". ماذا عندكم؟
طالب: .............
"وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عِيسَى" هنا في الأزهرية، وفي طبعة أولاد الشيخ: "وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ يحيى".
طالب: .............
هذا إذا كان بعد الولادة، لكن إذا كان كما جاء في الرواية- والله أعلم بها- أنه كان يسجد له وهو في بطن أمه، كلاهما في بطن أمه "كَانَ يَحْيَى وَعِيسَى ابْنَيْ خَالَةٍ، وَكَانَتْ أَمُّ يَحْيَى تَقُولُ لِمَرْيَمَ: إِنِّي أَجِدُ الَّذِي فِي بَطْنِي يَسْجُد لِلَّذِي فِي بَطْنِكِ" معروف أن هذا في شرع من قبلنا كما حصل ليعقوب وأولاده مع يوسف -عليهما السلام-.
طالب: .............
أسلوب التحية نعم بلا شك، يحتاج إلى التثبُّت من كُتب...
طالب: .............
لكن ما يلزم القصص غير مرتبة في القرآن.
طالب: .............
أيهم؟ قال ابن جريج: قال ابن عباس.
الجملة الأولى "كَانَ يَحْيَى وَعِيسَى ابْنَيْ خَالَةٍ" هذا في الصحيح في حديث المعراج "وَكَانَتْ أَمُّ يَحْيَى تَقُولُ" قال ابن جريج ولا عزاه إلى كتاب ولا شيء، والذي في الطبري ماذا فيه بالنسبة لو كان أكبر؟
طالب: أخرجه الطبري بسندٍ ضعيف من طريق سُنيد عن حجاج عن ابن جريج.
طالب: .............
ما الذي في الطبري أكبر من يحيى أم أكبر من عيسى؟
طالب: .............
على ضعفه؛ لأن المسألة مسألة تصحيح عبارة ليست بتصحيح خبر، كمِّل كمِّل ونرى.
"قَوْلُهُ: {وَسَيِّدًا} [آل عمران:39] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ: الْحَليمُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: سَيِّدًا فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ: السَّيِّدُ: الْحَليمُ الْتَّقِي، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ".
وعندنا بعد السيد "الْحَكيمُ الْتَّقِي".
طالب: .............
عندنا الحكيم، والسيادة أقرب إلى الحِلم، الحلم أقرب إلى السيادة، نعم ليس بسهل.
"وَقَالَ عَطِيَّةُ: السَّيِّدُ فِي خُلُقِهِ وَدِينِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الشَّرِيفُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ هو الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-.
وَقَوْلُهُ: {وَحَصُورًا} [آل عمران:39] رُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعَطِيَّةَ العَوْفي أَنَّهُمْ قَالُوا: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: هُوَ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا مَاءَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، قال: أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الحَصُور: الَّذِي لَا يُنْزِلُ الْمَاءَ".
هذا في شرعنا ليس فيه صفة مدح أنه لا يطأ النساء، أو لا يأتي النساء، أو لا يُنزِل الماء، هذه ليست صفة مدح بالنسبة للرجال، فصفة المدح أن توجد هذه الأشياء عنده ولا يستعملها فيما لا يُرضي الله –جلَّ وعلا-، وإن استعملها فيما يُرضي الله كانت حسنات، «وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ».
طالب: .............
على كل حال النص الذي بين أيدينا ليس بصفة مدح، والسياق سياق مدح، قد يقول قائل: إن هذا في شرع من قبلنا أو يقول ما شاء، لكن يشير.
"وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي هَذَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الْبَغْدَادِيُّ، قال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قال: حَدَّثَنَا عبَّاد -يَعْنِي ابْنَ الْعَوَّامِ-عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، عَنِ ابْنِ الْعَاصِ لَا يَدْرِي عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَمْرٌو".
يعني هل هو الأب عمرو بن العاص أو ابنه عبد الله؟
طالب: .............
"حَدَّثَنَا عبَّاد -يَعْنِي ابْنَ الْعَوَّامِ".
طالب: .............
اختلاف النُّسخ ليس مشكلة، لكن الكلام على الصواب، وهذا الذي يغلب على ظني أنه عبَّاد بن العوام.
"عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران:39] قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: «كَانَ ذَكَرُهُ مِثْلَ هَذَا».
"ورواه ابن المنذر في تفسيره: قال: حدثنا أحمد بن داود السمناني"
قبله قال ابن أبي حاتم، يمكن فيه تقديم وتأخير.
طالب: ............
بعده.
قبله وقال ابن أبي حاتم، وبعده قال ابن أبي حاتم، اقرأ ونرى.
"ورواه ابن المنذر في تفسيره: قال: حدثنا أحمد بن داود السمناني قال: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مسهر، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ما من عبد يلقى الله إِلَّا ذَا ذَنْبٍ إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فإن الله يقول: وَسَيِّداً وَحَصُوراً» قال: «وإنما ذكره مثل هدبة الثوب»، وأشار بأنملته.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ".
هذا المقدَّم.
نعم.
"عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا. ثُمَّ قَرَأَ سَعِيدٌ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران:39]، ثم أَخَذَ شَيْئًا من الأرض، فقال: الحصور من كان ذكره مثل ذي. وَأَشَارَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ بِطَرَفِ إِصْبَعِهِ السبابة".
يعني هل الذنوب منحصرة في الفَرج؟ إذا كانت منحصرة في الفَرج ووصفه هكذا فنعم.
طالب ..............
نعم.
طالب: "لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ".
بلى، ماذا عندك؟
طالب: "لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ".
وهنا كذلك "لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ غَيْرَ يَحْيَى".
طالب: لا يلقاه بذنب؟
"لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَا يَلْقَاهُ بِذَنْبٍ" يمكن إلا يلقاه بذنب.
طالب: لا يلقاه بذنب ما يستقيم المعنى.
«ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنبٍ» الرواية الأخرى «إلا يحيى» "إلا يلقاه" ليُطابق الرواية الثانية.
"فهذا موقوفٌ أصح إِسْنَادًا مِنَ الْمَرْفُوعِ، بَلْ وَفِي صِحَّةِ الْمَرْفُوعِ نظر، والله أعلم".
طالب: .............
الأصل "ورواه ابن المنذر في تفسيره قائلًا: حدثنا أحمد بن داود".
"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا عيسى بن حماد وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ بن سليمان العمري".
"المقري".
طالب: العمري؟
المقري، أنا عندي المقري، ما جاء تصحيح أو شيء؟
طالب: ............
حجاج بن سليمان المقري.
طالب: ............
الذي عندكم مُصحح ما هو؟
طالب: العمري.
القمري؟
طالب: العمري بالعين.
العمري تصحيف.
طالب: ............
غلط، حجاج بن سليمان، وهنا حجاج بن سليمان هو الرعيني مُنكر الحديث.
طالب: ............
عندنا ابن سليمان في الحاشية وفي التعليق.
طالب: ............
هذا جاء بخلافٍ رابع الآن، والإشكال أنه حينما تكثر النُّسخ يكثر الاضطراب، ويصعب التوفيق بين هذه النُّسخ، وأعرِف شخصًا يعمل على تفسير ابن كثير من عشرين سنة أو أكثر، ويقول: إنه قد جمع أكثر من مائة نسخة. تزيد أغلاطًا على أغلاط، يُفتَرض أنه يُفارق ويُفاضل بين هذه النُّسخ، ويأخذ أجود هذه النُّسخ وأوثق هذه النُّسخ، ويقارن بينها، أما أن يقارن بأعدادٍ هائلة الكتاب يصير مثل المتن، والباقي حواشٍ، ولو أراد ألف نسخة وجد؛ لأن التفسير معروف ومشهور، وإلى وقتٍ قريب وهو يُنسَخ.
طالب: ............
ليس الإشكال في العمر، لكن مقابلة مائة نسخة يعني... مثل الذي عندنا كم؟ المقري، العمري، القمري، الرعيني.
"عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَلْقَى اللَّهَ بذنب يُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ أَوْ يَرْحَمُهُ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ كَانَ سَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»، ثُمَّ أَهْوَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَذَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فأخذها وقال: «وكان ذكره مثل هذه القذاة»".
النبي –عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق وأشرف الخلق أُعطي قوة ثلاثين، كان يطوف على نسائه التِّسع بغسلٍ واحد.
طالب: ............
إما قيل: إن هذا في شرع من قبلنا وإلا فشرعنا بخلافه قطعًا.
طالب: ............
كونه وسيلة، هو يتكلم عن ذات هذا، وبعدُ إذا كان حصورًا خِلقةً فهل يُمدَح بهذا؟ ليس بمدح؛ لأن المدح على الجمال الاختياري ليس على الجمال الإجباري، يعني ما تمدح فلانًا لأنه طويل، وفلانًا لأنه أبيض، وفلانًا لأنه نحيف، وفلانًا لأنه كذا، ما يُمدَح بهذا، يُمدَح بالاختياري الذي يستطيع أن يفعله ويستطيع أن يتركه.
طالب: ............
لكن قالوا العكس، قالوا: إنه آدر.
طالب: كلام القاضي عياض ينفي هذا الآن.
ننظر كلام القاضي.
طالب: ............
كلهم دعوا بها.
"وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الشِّفَاءِ: اعْلَمْ أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى أَنَّهُ كَانَ حَصُوراً لَيْسَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ هَيُّوبًا أَوْ لَا ذَكَرَ لَهُ، بَلْ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا حُذَّاقُ الْمُفَسِّرِينَ، وَنُقَّادُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا: هَذِهِ نَقِيصَةٌ وَعَيْبٌ، وَلَا تَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ لَا يَأْتِيهَا كَأَنَّهُ حُصِرَ عَنْهَا. وَقِيلَ: مَانِعًا نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ لَهُ شَهْوَةٌ فِي النِّسَاءِ".
قد يُطلق الحصور ويُراد به العيي الذي لا يستطيع أن يتكلم، أو إذا تكلم أُحصِر وأُصيب بالعي، وليست بممدحة هذه.
طالب: ............
"وَقِيلَ: مَانِعًا نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ لَهُ شَهْوَةٌ" المقصود أن الحصر الامتناع والمنع، والمُحصَر من مُنِع من الوصول إلى البيت، فكونه حصورًا بمعنى قد يُساعد على ما قاله المفسرون، لكن وضع وواقع الأنبياء –عليهم السلام- خلاف ذلك؛ لأن الجماع ممدحة، والعجز عنه مذمة، وهذا لا يليق بالأنبياء، والقاضي عياض مثل ما ذكر في (الشفاء): أنه أنكره حُذَّاق المفسرين.
في الغالب أن القرطبي يُشير إلى هذا والرازي بناءً على ما يعتمده من الاعتماد على رأيه وعقله أن مثل هذا ينسفه نسفًا ولو جاء بسندٍ صحيح.
عندك يا خالد تنظر الرازي الذي فيه سورة آل عمران؟
نعم.
"وَقَدْ بَانَ لَكَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى النِّكَاحِ نَقْصٌ، وَإِنَّمَا الْفَضْلُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً، ثم يمنعها إِمَّا بِمُجَاهَدَةٍ كَعِيسَى، أَوْ بِكِفَايَةٍ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- كَيَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ثُمَّ هِيَ في حق من قدر عَلَيْهَا، وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِيهَا، وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنْ ربه درجة عليا، وهي درجة نبينا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي لَمْ يَشْغَلْهُ كَثْرَتُهُنَّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، بَلْ زَادَهُ ذَلِكَ عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن، وإكسابه لَهُنَّ، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُنَّ، بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حُظُوظِ دُنْيَاهُ هُوَ، وَإِنْ كَانَتْ من حُظُوظِ دُنْيَا غَيْرِهِ، فَقَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دنياكم»، هذا لفظه".
«النِّساء والطِّيب» وأما قول من يقول: حُبِّب إليّ من دنياكم ثلاث كما جاء في روايةٍ لا تصح، وجعل الصلاة منها، «وجُعِلَتْ قرةُ عينِي في الصّلاةِ»، وليست من أمور الدنيا.
طالب: ............
نعم.
طالب: ............
دنياكم، ما قال: حُبِّب إليّ من الدنيا التي تشمله وتشمل غيره، قال: «دنياكم».
"والمقصود أنه مدح ليحيى بِأَنَّهُ حَصُورٌ لَيْسَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْقَاذُورَاتِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَزْوِيجِهِ بِالنِّسَاءِ الْحَلَالِ وَغَشَيَانِهِنَّ وَإِيلَادِهِنَّ، بَلْ قَدْ يُفْهَمُ وُجُودُ النَّسْلِ لَهُ مِنْ دُعَاءِ زَكَرِيَّا الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران:39] كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَدًا لَهُ ذُرِّيَّةٌ وَنَسْلٌ وَعَقِبٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: {وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39] هَذِهِ بِشَارَةٌ ثَانِيَةٌ بِنُبُوَّةِ يَحْيَى بَعْدَ الْبِشَارَةِ بِوِلَادَتِهِ، وَهِيَ أَعْلَى مِنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ لِأُمِّ مُوسَى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الْقَصَصِ:7] فَلَمَّا تَحَقَّقَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذِهِ الْبِشَارَةَ أَخَذَ يَتَعَجَّبُ مِنْ وُجُودِ الْوَلَدِ مِنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ} [آل عمران:40] أَيِ الْمَلَكُ: {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران:40] أَيْ: هَكَذَا أمْرُ اللَّهِ عَظِيمٌ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلَا يَتَعَاظَمُهُ أَمْرٌ.
{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} [آل عمران:41] أَيْ: عَلَامَةً أَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى وُجُودِ الْوَلَدِ مِنِّي {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران:41] أَيْ: إِشَارَةً لَا تَسْتَطِيعُ النُّطْقَ، مَعَ أَنَّكَ سَوِيٌّ صَحِيحٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مَرْيَمَ:10]".
يعني حالة كونك سويًّا، وعدم نُطقك ليس من علة، بل أنت سوي ما فيك إشكال، بل هي آية جعلها الله له.
"ثُمَّ أُمِرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَقَالَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ} [آل عمران:41]، وَسَيَأْتِي طَرَفٌ آخَرُ فِي بَسْطِ هَذَا الْمَقَامِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ مَرْيَمَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".
في تفسير الرازي "الصفة الثالثة قوله: {وَحَصُورًا} [آل عمران:39] وفيه مسألتان:
المسألة الأولى في تفسير الحصور، والحصر في اللغة: الحبس يقال: حصره يحصره حصرًا، وحُصِر الرجل: أي اعتقل بطنه، والحصور: الذي يكتم السر ويحبسه، والحصور: الضيق البخيل، وأما المفسرون: فلهم قولان:
أحدهما: أنه كان عاجزًا عن إتيان النساء، ثم منهم من قال: كان ذلك لصغر الآلة، ومنهم من قال: كان ذلك لتعذُّر الإنزال، ومنهم من قال: كان ذلك لعدم القدرة، فعلى هذا الحصور فعول بمعنى مفعول –يعني محصور-، كأنه قال: محصور عنهن، أي: محبوس، ومثله ركوب بمعنى مركوب، وحلوب بمعنى محلوب، وهذا القول عندنا فاسد؛ لأن هذا من صفات النقصان، وذِكر صفة النقصان في معرض المدح لا يجوز، ولأن على هذا التقدير لا يستحق به ثوابًا ولا تعظيمًا"
يعني مثل ما ذكرنا سابقًا إنه إجباري وليس باختياري يُمدَح عليه الإنسان ويُذَم.
"والقول الثاني: وهو اختيار المحققين أنه الذي لا يأتي النساء لا لعجزٍ بل للعفة والزهد؛ وذلك لأن الحصور هو الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها كالأكول الذي يكثر منه الأكل، وكذا الشروب، والظلوم، والغشوم، والمنع إنما يحصل أن لو كان المقتضي قائمًا، فلولا أن القدرة والداعية كانتا موجودتين، وإلا لما كان حاصرًا لنفسه، فضلًا عن أن يكون حصورًا" يعني صيغة مبالغة ليس بحاصر اسم فاعل يحصل منه الأمر أحيانًا، وإنما حصور صيغة مبالغة تدل على الاستمرار.
"وإلا لما كان حاصرًا لنفسه فضلًا عن أن يكون حصورًا؛ لأن الحاجة إلى تكثير الحصر والدفع إنما تحصل عند قوة الرغبة والداعية والقدرة، وعلى هذا الحصور بمعنى الحاصر فعولٌ بمعنى فاعل" يعني حاصر هو الذي فعل، هو الفاعل فاعل الحصر.
ثم بعد ذلك قال: "المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن ترك النكاح أفضل؛ وذلك لأن الله تعالى مدحه بترك النكاح، وذلك يدل على أن ترك النكاح أفضل في تلك الشريعة، وإذا ثبت أن الترك في تلك الشريعة أفضل، وجب أن يكون الأمر كذلك في هذه الشريعة بالنص والمعقول، أما النص فقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]" يعني إذا كان واحد منهم ممن أُمِرنا بالاقتداء به واحد في مقابل البقية الذين تزوجوا وأنجبوا، نقول: هذا أفضل؟ لا.
"وأما المعقول فهو أن الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان، والنسخ على خلاف الأصل" إلى آخر ما قال فيه كلام طويل جدًّا.
طالب: ............
هم من حرَّان بلد إبراهيم –عليه السلام- الصابئة هناك في حرَّان.
طالب: ............
ما أعرف من هم أتباع يحيى، لكنهم هم الذين بُعِث إليهم إبراهيم- عليه السلام-.
"قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران:42-44].
هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا خَاطَبَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مَرْيَمَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ قَدِ اصْطَفَاهَا، أَيِ: اخْتَارَهَا؛ لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهَا وَزَهَادَتِهَا وَشَرَفِهَا وَطهْارِتهَا مِنَ الْأَكْدَارِ وَالْوَسْوَاسِ، وَاصْطَفَاهَا ثَانِيًا مَرَّةً بعد مرة؛ لجلالتها على نساء العالمين.
قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:42]، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكبْن الإبلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، أحْناهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ، ولمَ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ»".
من أجل ألا تدخل في المفاضلة «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكبْن الإبلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ»، يعني لو كانت مما ركب الإبل مريم لدخلت في هذه المفاضلة، لكن مريم بنت عمران لم تركب بعيرًا قط؛ حتى ما تدخل في هذا؛ لئلا يكون نساء قريش خيرًا منها.
"ولَمْ يُخَرِّجُه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، سِوَى مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيد كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ»، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ، بِهِ مِثْلَهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجَوِيْه، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قال: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»، تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ثَابِتٌ البُنَاني يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أرْبَع: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بَنْتُ رَسُولِ اللهِ»، رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا ثَلاث: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبة، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّة، سَمِعْتُ مُرَّة الهَمْداني بِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»".
يبقى من عدا هؤلاء النسوة اللواتي شهد لهم النبي –عليه الصلاة والسلام- بالكمال محفوفاتٌ بالنقص، ناقصات عقلٍ ودين هذا هو الأصل في النساء، ولم يكمل إلا من ذُكِر.
ولا يعني أن كل فردٍ من أفراد الرجال أفضل من كل فردةٍ من أفراد النساء، لا، قد تُوجد امرأة تعدل مائة رجل والعكس أكثر في الرجال الكمال أكثر منه في النساء، ولكن قد يُوجد في النساء العدد الكبير، وهو أقل بكثير من نسبة الرجال، لكن يبقى أن في النساء منهن من يعدل الجمع الغفير من الرجال، والمفاضلة للجنس أو بين الجنس والجنس لا بين الأفراد، وليست المفاضلة بين أفراد، والله المستعان.
"وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ فِي قِصَّةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي كِتَابِنَا: (الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ)، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ: أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ والخشوع والخضوع والسجود والركوع والدؤوب فِي الْعَمَلِ لَهَا".
باقٍ وقت؟
طالب ..............
لأن الكلام في هذا الباب {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران:43] كثير، يعني فيه "ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ".
نقف على هذا.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.