شرح كتاب التوحيد - 04
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي الدرس الماضي في حديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وبحث الصحابة -رضوان الله عليهم- في المراد بهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال الخبر ولم يذكر الأوصاف التي يستوجبون بها هذا، فبحثوا عن هذه الأوصاف؛ علَّهم أن تكون هذه الأوصاف مما يشملهم.
فخرج عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فأخبروه فقال: ((هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون))": في بعض الروايات: ((ولا يرقون)).
يقول ابن حجر: "وقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم: ((ولا يرقون)) بدل: ((ولا يكتوون))، وقد أنكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذه الرواية، وزعم أنها غلط من راويها؛ واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه، فكيف يكون ذلك مطلوب الترك؟ وأيضاً فقد رقى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- ورقى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وأذن لهم في الرقى، وقال: ((من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل)) والنفع مطلوب، قال: وأما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه، وتمام التوكل ينافي ذلك، قال: وإنما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء": هذه خلاصة كلام الشيخ -رحمه الله- في تعليل رواية: ((ولا يرقون)) وهي عند مسلم.
قال ابن حجر: "وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم، واعتمد مسلم على روايته هذه –الزيادة من الثقة مقبولة- وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه، والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي؛ لأنه اعتل بأن الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذلك يقال له،والذي يفعل غيره ذلك به ينبغي أن لا يمكنه منه لأجل تمام التوكل".
يعني إذا منع الاسترقاء فلتمنع الرقية؛ لأن القاعدة: (ما منع أخذه منع دفعه)، وإذا كان أحد الطرفين ممنوعاً فالطرف الآخر أقل الأحوال أن يكون متعاوناً معه على هذا الممنوع، لو كان هذا ممنوعا من الاسترقاء فكيف أعينه على استعمال شيء ممنوع؟ لا يقال: إنه لا يجوز أو حرام، لا، وإنما هو رتب عليه ثواب عظيم -دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب- فأنا أمكنه من فعل شيء مفضول، فأنا أكون عوناً له على ذلك، والقاعدة تقول: (ما منع أخذه منع دفعه).
يخرج عن هذه القاعدة بعض الأشياء: من احتاج إلى شراء شيء ممنوع كشراء مصحف -على القول بمنع بيعه- قالوا: المشتري محتاج، يباح له أن يشتري المصحف، لكن البائع لا يجوز له أن يبيع المصحف وهو آثم.
أحياناً يُحتاج إلى كتاب لا يوجد غيره وهو وقف، محتاج إلى هذا الكتاب في يد أخيك لا يدفعه لك إلا بقيمة، فالآثم هو البائع، والمشتري الحاجة تدفع عنه الإثم، والقاعدة أن ما منع أخذه منع دفعه، والعكس؛ لأن إباحة طرف ومنع الطرف الثاني أقل الأحوال في الطرف المباح أنه متعاون مع هذا الطرف الممنوع، النذر عقده ممنوع مكروه، ومنهم من قال بتحريمه، والوفاء به واجب.
صرح جمع من أهل العلم أن هذا الباب عجين من أبواب العلم، تكون الوسيلة ممنوعة والغاية واجبة، وهنا الرقية مباحة والاسترقاء ممنوع،.
وإذا قلنا بتطبيق هذه القاعدة، الراقي إذا طلب منه الرقية يقول للمسترقي: أنت ممنوع من الاسترقاء فلا أتعاون معك، الرقية في الأصل مباحة، ليس فيها إشكال، لكن طلبها خلاف الأولى، أو أن هذا الراقي يبحث عن المرضى الذين لا يطلبون الرقية، يعني ليست لديهم أدنى مخالفة ولا لخلاف الأولى، فيرقيهم فيكون محسناً عليهم بذلك.
الجواب عن كلام شيخ الإسلام قالوا: "بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده الأئمة، وتغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه، والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي".
الإحسان بالنسبة للراقي..، الراقي ما فيه ميل، هل فيه ميل إلى المخلوق؟ المسترقي فيه ميل، ولا شك أنه يخدش في التوكل، ولولا أنه يخدش في التوكل ما مُدح تركه الذي هو الاسترقاء، لكن الراقي هل عنده ميل بقلبه وحَيْدٌ عن التوكل ولو يسير؟؛ لأنه يقول: "والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي؛ لأنه اعتل بأن الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذا الذي يقال له الذي يفعل غيره به ذلك ينبغي أن لا يمكنه منه لأجل تمام التوكل".
يعني يقول: المسترقي..، لا شك أن الاسترقاء طلب الرقية خلاف الأولى، فينبغي أن تمنع الرقية بطلب وبغير طلب، لأنه إذا قلنا: إن المسترقي فعل خلاف الأولى فالمرقي ولو من غير طلب لا بد أن يوجد في قلبه شيء من ذلك، لا سيما إذا استشرف لذلك واستروحه ومال إليه، وقد يكون تشوفه إلى الرقية أشد من تشوف الطالب، ولذلك حينما يكون التوكل غاية عند الإنسان فلا يطلب من يرقيه، ولا يطلب من يطبه، هذا لا بأس أن دخوله في الحديث لا إشكال فيه، دخوله دخول أولي؛ ((وعلى ربهم يتوكلون)).
لكن بعض الناس يسمع مثل هذا الحديث ولا يطلب من يرقيه، ولا يذهب إلى الطبيب، لكنه يتشكى، يشكو على كل من رآه، أنا مرضت، ووجعت وجعاً شديداً، ولا استرقيت، ولا عالجت، ولا كذا، ولا كذا، وصار يشكو إلى الناس، هذا الاسترقاء أسهل من هذا الصنيع، كونه يطلب من يرقيه أو يطلب من يطبه أسهل من هذا.
الأمر الثاني: أن الرقية من غير طلب بالنسبة للمرقي لا تنافي ما جاء في هذا الحديث من جهة؛ لأنه لم يسترقي لم يطلب من يرقيه.
الأمر الثاني: هل الأكمل أن يرد من أراد أن يرقيه أو لا يرده؟ عائشة رقت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما ردَّها، أو نقول: إن وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذه المضايق يختلف عن وضع غيره؟ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يباشر الأسباب لكنه لا يتصور أن يلتفت إليها بوجه من الوجوه، هناك مضايق أنظار، يعني كون الإنسان يبكي على الميت، ولا يكون في قلبه أدنى اعتراض على القدر، هذا هل يحصل لغير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هل يمكن تحقيقه؟
في غاية من الصعوبة، يعني كأنهما متضادان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بكى، ودمعت عينه، وحزن قلبه، ولم يكن في قلبه أدنى اعتراض على القدر، وبعض الناس يبكي اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وفي قلبه ما في قلبه، لكن الذي لم يستطع أن يوفق بين المقامين لما مات ابنه ضحك.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما مات إبراهيم دمعت عينه، وحزن قلبه، ((وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) وعامة الناس يفعل هذا اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- من وجه، وهو دمع العين، وحزن القلب، لكن ما الذي في القلب من الاعتراض على القدر، ومن يتصور أنه مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-
في عدم الاعتراض؟
هذه من المضايق -مضايق الأنظار- لكن هل يخص النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، فنقول: لا يبكي أحد؛ لأنه لا يمكن أن يحصل البكاء مع عدم الاعتراض؟ الناس ما لهم إلا الظاهر، بكى اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يلام.
الذي ضحك لما مات ابنه خشية من اعتراضه على القدر، نعم بعض الناس يروض نفسه على تمام الرضا، وحينئذ يستوي عنده حصول المصيبة وعدمها، يستويان، بل بعضهم يفضل حصول المصيبة، لماذا؟ لأنها تحت خطاياه، وأما ما يرجى من وراء هذا الذي أصيب به من أمور الدنيا، لا قيمة له عند هؤلاء، ولذلك يقول هنا -كلام دقيق- يقول: "والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي؛ لأنه اعتل بأن الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل": الذي لا يطلب وإن رقي، لكن قد يكون ميله إلى الراقي أشد من ميل من يطلب الرقية، هذا بالنسبة للقلب، والتوكل إنما هو عمل قلبي، يستروح ويشرئب، ويستشرف أن يأتي أحداً من الصالحين فيرقيه لكنه لا يطلب، منطوق الحديث يدل على أنه داخل في السبعين الألف، وأقل الأحوال أنه جاهد نفسه، لكن يبقى أن ما غلط به شيخ الإسلام من تمام التوكل مخدوش بأن بعض من لا يسترقي يميل إلى الراقي، بعضهم أشد من ميل من يسترقي، بعضهم يقول: ارقني، إذا لم يرقه ما صار في نفسه شيء، وبعضهم يستروح ويميل إلى هذا الشخص، وإذا دخل عليه وزاره وهو مريض ثم خرج ولم يرقه حمل في نفسه عليه، وهو ما طلب رقية، أيهما أشد؟ يعني هذا قال له: أرقني جزاك الله خيراً، وإذا لم يرقه ما صار في نفسه عليه شيء، والثاني ما قال: ارقني بصريح اللفظ، لكن استشرف إلى هذه الرقية ثم لما لم تحصل حصل في نفسه عليه شيء، نعم هذه أمور قلبية، والناس إنما يتعاملون مع الظاهر، والسرائر موكولة إلى الله -جل وعلا-.
نعم؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
لاشك، لكن هذه الأمور المنصوص عليها، هذه المنصوص عليها، وإن كانت غير منافية للتوكل، إلا أن تركها من تمام التوكل، يعني قدر زائد على الواجب من التوكل، ولذلك استحق من يتصف بها دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب، نعم؟
طالب:.......
هو لماذا طلب، هو يباشر سبباً، ولا بد أن يعتقد أن الشافي هو الله تعالى، وأن الرقية سبب، لا بد أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية سبب، وأن الشفاء بيد الله تعالى، هذا لا بد منه، لكن لو مال إليه ورأى أو ظن أو توهم أن الشفاء بيده هذا أمر عظيم.
"فكذا الذي يقال له الذي يفعل غيره به ذلك ينبغي أن لا يمكنه منه لأجل تمام التوكل، وليس في وقوع ذلك من جبريل دلالة على المدعى ولا في فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- له أيضا دلالة؛ لأنه في مقام التشريع وتبين الأحكام": يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما يمدح هؤلاء ويفعل خلاف ما مدحهم؛ لأنه مشرِّع، ويكون خلاف الأولى بالنسبة لغيره يكون بالنسبة له هو الأولى؛ لأنه مشرع، فقد ينهى عن شيء ويفعله، لماذا؟ لبيان أن هذا النهي مصروف من التحريم إلى الكراهية، ومع ذلك فالكراهية في حقه بالنسبة له باعتباره مشرعاً هي المشروع.
يقول: "لأنه في مقام التشريع وتبين الأحكام، ويمكن أن يقال إنما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة": يعني لا يرقون ولا يسترقون، بتصحيح اللفظين، "ويمكن أن يقال: إنما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة؛ لأن فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه إليه وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وإنما منع منها ما كان شركاً أو احتمله، ومن ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اعرضوا علي رقاكم، ولا بأس بالرقى ما لم تكن شركا))، ففيه إشارة إلى علة النهي كما تقدم تقرير ذلك واضحاً في كتاب الطب، وقد نقل القرطبي عن غيره أن استعمال الرقى والكي قادح في التوكل بخلاف سائر أنواع الطب، وفرق بين القسمين بأن البرء فيهما أمر موهوم وما عداهما محقق عادة كالأكل والشرب فلا يقدح": يعني إذا كان رقية -وهي أمر معنوي- والكي وإن كان حسياً في الظاهر ومؤلم في البدن، وبعضهم يرى أنه خلاف الأولى؛ لأنه تعجيل للعذاب، إضافة إلى كونه يخدش في التوكل، أيضاً هو كي بنار، فمنعه من هذه الحيثية أيضاً.
الطب المبني على دراسات وعلى علاجات مجربة هذا أمره محسوس كالأكل والشرب، يعني هل يقال: إن الأكل والشرب يقدح في التوكل؟ يعني هل للإنسان أن يتوكل على الله فلا يأكل ولا يشرب بناءً على أنه متوكل على الله، وأن من توكل على الله كفاه لن يموت؟
نقول: الأكل والشرب أمر محسوس لا يقدح في التوكل بحال من الأحوال، كذلك العلاجات والأدوية المجربة المطردة لا تقدح في التوكل؛ لأنها أمور محسوسة كالأكل والشرب بخلاف الرقية.
طالب:.......
ماذا في الكي؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
نعم يقال: علاج، هو في الباب مذكور حديث الكي، ((إن كان في شيء شفاء ففي ثلاث))، هذا واضح، لكن هل معنى الكي وتأثيره في موضع، أنت أحياناً ما تكوي نفس الموضع، تكوي موضعا ويكون الشفاء لموضع آخر، أليس هذا بصحيح؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
إيه، فغير مباشر للمرض، بينما العلاج المركب المجرب المطرد هذا مباشر للمرض نفسه كالأكل والشرب.
قال القرطبي: وهذا فاسد من وجهين: أحدهما أن أكثر أبواب الطب موهوم؛ بدليل أن نسبة النجاح في الأدوية ليست كبيرة، نعم هي سبب، وبعضها يضر وإن كان مجرباً لبعض المرضى، لا سيما إذا نظرنا في كتب الطب القديم، كتب الطب القديم يثبتون من خلال تجربة واحدة، نفع هذا العشب أو هذا النبات مع فلان في مرض كذا، يذكر في الكتاب على أنه علاج لمرض كذا، فكل من يفتح الكتاب ويصاب بهذا المرض يستعمله، وقد يضره؛ لأنهم لا يدرسون الآثار من كل وجه، فالعلاجات المذكورة أشبه ما تكون بالوهمية؛ لأنها جربت في شخص واحد، أما الأدوية -المستحضرات الطبية الحديثة- فهي مجربة على مجموعة من الناس، ونجحت فيهم، وهذا الفرق بينها وبين العلاجات القديمة، قد يجرب علاج قديم مع كل الناس وينجح، ويعرف أن هذا شفاء من كذا، لا سيما إذا كان منصوصا عليه في الأحاديث، فهذا لا إشكال فيه.
مما نص عليه أنه شفاء العسل، لكن هل هو شفاء لكل الناس؟ نعم؟ يصلح لمريض السكر؟ عسل طبيعي؟ هاه؟
طالب:.......
.......... خلاف كلام، خلاف كلام الطبيب.
طالب:.......
هاه؟ هو........... لكن بعض الناس لا شك أنه يتأثر.
طالب:.......
بجميع أنواعه؟
طالب:.......
لكن بجميع أنواع العسل؟
طالب:.......
هو طبيعي، لكن بجميع أنواعه ومركباته؟
طالب:.......
هو وجد من يعالج المرض هذا بالعنب مثلا، وهو من أشد ما يؤثر في هذا المرض، العنب المركز، فوجد من يتعالج به، فكون بعض الأجساد تقبل مثل هذا لا يعني أن جميع الأجساد تقبل، لكن يبقى أن العسل شفاء، ولا يعني أنه شفاء لفلان أنه شفاء لجميع الناس، إنما هناك حالات قد تخرج عن هذه الأمور، نعم؟
طالب:.......
عموماً إذا التفت المخلوق إلى السبب، سواءً كان المعالج أو المعالج خدش في التوكل، لكن يباشر السبب مع الجزم يقيناً بأن الشفاء بيد الله -جل وعلا- وأن هذا مجرد سبب وأنه لولا أن الله جعله سبباً لما فعله، هذا ليس فيه إشكال، إذا التفت أي شخص لأي سبب من الأسباب خدش في توكله، نعم؟
طالب:........
هذا أجله، مسلم -رحمه الله- أكل تمراً ومات.
طالب:.......
إيه قد يكون العسل شفاء بعد التعود عليه؛ بدليل أن مريض البطن الذي شكا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بطن أخيه، قال: ((اسقه عسلاً)) فاستطلق، ((اسقه عسلاً)) فزاد، ((اسقه عسلاً)) فزاد، قال: ((صدق الله وكذب بطن أخيك)) ثم بعد ذلك لما أخذ عليه واعتاد عليه جسمه انتفع به.
يقول القرطبي: وهذا فاسد من وجهين: أحدهما أن أكثر أبواب الطب موهوم، والثاني أن الرقى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة فيما عنده والتبرك بأسمائه، فلو كان ذلك قادحاً في التوكل لقدح الدعاء إذ لا فرق بين الذكر والدعاء، وقد رَقي النبي -صلى الله عليه وسلم- ورُقي وفعله السلف والخلف، فلو كان مانعاً من اللحاق بالسبعين أو قادحاً في التوكل لم يقع من هؤلاء وفيهم من هو أعلم وأفضل ممن عداهم.
وتُعُقِّب بأنه بنى كلامه على أن السبعين المذكورين أرفع رتبة من غيرهم مطلقاً، وليس كذلك لما سأبينه، وجوز أبو طالب بن عطية في "موازنة الأعمال" أن السبعين المذكورين هم المراد بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [(10- 12) سورة الواقعة]، فإن أراد أنهم من جملة السابقين فمسلَّم وإلا فلا، وقد أخرج أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث رفاعة الجهني قال: "أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر حديثاً وفيه ((وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة)) فهذا يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا تستلزم أنهم أفضل من غيرهم، بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم، وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته، وعرف مقامه من الجنة، يشفع في غيره من هو أفضل منه، وسأذكر بعد... إلى آخره.
"((ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون))": فيه أيضاً مسألة السبعين الألف.
وجاء في أحاديث أخرى أكثر من ذلك، فأخرج الترمذي وحسنه الطبراني....
طالب:.......
لأنه قال: ((فزادني مع كل ألف سبعين ألفاً)) مع كل ألف سبعين ألفاً.
ثم قال: وجاء في أحاديث أخرى أكثر من ذلك، فأخرج الترمذي وحسنه الطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة رفعه: ((وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً مع كل ألف سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي)).
وفي صحيح ابن حبان أيضاً والطبراني بسند جيد من حديث عتبة بن عبد نحوه بلفظ: ((ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفاً، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه))، وفيه "فكبر عمر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن السبعين ألفاً يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم، وإني لأرجو أن يكون أدنى أمتي الحثيات)) وأخرجه الحافظ الضياء وقال: لا أعلم له علة. قلت: علته الاختلاف في سنده، فإن الطبراني أخرجه.
ثم أخذ يبين علة الحديث.
((وذلك يستوعب مهاجري أمتي، ويوفي الله بقيتهم من أعرابنا))، وفي رواية لابن أبي عاصم: قال أبو سعيد: "فحسبنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك فبلغ أربعة آلاف ألف وتسعمائة ألف" أربعة ملايين وتسعمائة ألف، يعني من عدا الحثيات.
وقد وقع عند أحمد والطبراني من حديث أبي أيوب نحو حديث عتبة بن عبد وزاد: ((والخبيئة)) بمعجمة ثم موحدة وهمزة وزن عظيمة ((عند ربي)).
وورد من وجه آخر ما يزيد على العدد الذي حسبه أبو سعيد الأنماري، فعند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه بلفظ: ((أعطاني مع كل واحد)) ما هو مع كل ألف، ((مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفاً)) كم؟
طالب:.......
أربعة مليارات وتسعمائة مليون.
وفي سنده راويان أحدهما ضعيف الحفظ والآخر لم يسمَّ... إلى آخر ما جاء في الباب، ابن حجر أطال في شرح الحديث في كتاب الرقاق، أطال فيه.
"(ولا يكتوون))": نعم؟
طالب:.......
إيه هذا وزع ورقة، استعملها بعضهم، أن لكل اسم من الأسماء الحسنى علاج لمرض معين من الأمراض، وهذا التعيين يحتاج إلى توقيف.
طريقة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد يثبت مثل هذا بالتجربة، إذا جرب هذا ووجد نافعاً تكفي فيه التجربة، وعلى كل حال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، وكل هذا مفرع عن كون القرآن شفاء، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء]: و "من": هذه بيانية تقتضي أن جميع القرآن شفاء أو تبعيضية، يعني بعض القرآن شفاء؟ هل هي بيانية وإلا تبعيضية؟
إذا قلنا بيانية جاءك مريض تقرأ عليه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [(1) سورة المسد]، ويشفى، ممكن؟ إذا قلنا بيانية ممكن، ما الذي يمنع؛ لأنه قرآن.
طالب:.......
كيف؟
طالب:........
هو تؤجر عليها في كل حرف عشر حسنات، لكن هل هي شفاء وإلا لا؟ يعني شخص من الأخوة الغيورين دعي للرقية على شخص يعرفه بارتكاب بعض المنكرات، لكن المريض في حالة وأيضاً صاحب هيئة من علية القوم، فقرأ عليه من أواخر سورة الفرقان، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان]، يكرر: {وَلَا يَزْنُونَ}، وينفث عليه، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}، وجاء في آيات تنهى عن بعض ما يرتكبه هذا الشخص، إذا قلنا: (من) بيانية يشفى إن شاء الله.
وإذا قلنا تبعيضية فمن القرآن ما هو شفاء، ومنه ما هو أحكام، ومنه ما هو ببيان العقائد، ومنه ما هو قصص، فتكون "من" تبعيضية، هل نقول: إن القرآن كله أحكام؟ لا، كله قصص ومواعظ؟ لا، فمنه كذا، ومنه كذا، ومنه كذا.
لذا لو أن إنساناً رقى مريضاً بآية وعيد مثلاً: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء]، ورددها عليه مراراً، مثل من قام ليلة يكرر: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة]، يكررها ويبكي، القرآن عظيم وثقيل، كله متساوي، لكن الخلاف في تفضيل بعضه على بعض معروف، وشيخ الإسلام يرى أن سورة الإخلاص أفضل من سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [(1) سورة المسد]، والحديث يدل على ذلك، الدليل يدل على ذلك، نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
النصوص الأخرى، يعني واقع القرآن، يعني بمَا قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- في الرقية، يعني جاء في الرقية الفاتحة، جاء الرقية بالمعوذتين، جاء الرقية بآيات معينة، لكن هل القرآن يقرأ كله على أنه رقية؟
طالب:.......
نعم، حديث أبي سعيد لما قرأ الفاتحة على اللديغ، قال: وما أدراك أنها رقية؟ نعم؟
طالب:.......
يعني آيات مناسبة لهذا المرض، لكن هناك آيات مضادة للحال، يصلح أن تقال في الحال؟ نعم؟
طالب:.......
الرقية بالماء ليس فيها إشكال نعم، ثبتت ليس فيها إشكال.
طالب:.......
ترى صوتك ما هو بواضح.
طالب:.......
طلب الدعاء، لا تنسانا يا أخي من صالح دعائك ليس فيه إشكال، ما فيها أدنى إشكال إن شاء الله تعالى؛ فعمر -رضي الله عنه- طلب من أويس بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يدعو له.
دعونا نكمل الباب يا إخوان.
"((هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون))": الكي جاء النص الصحيح على أن فيه شفاء، مثل الحجامة والعسل، أدوية نبوية شرعية، لكن ترك الاكتواء لا شك أنه من تمام التوكل، من تمام الواجب أو من تمام المستحب؟ المستحب.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كوى سعد بن معاذ، كواه، وهل اكتوى؟ منهم من يقول اكتوى، ونقلوا عن كتاب للطبري أنه اكتوى يوم أحد، لما شُّج -عليه الصلاة والسلام-، ولم يرد في ذلك إلا أن فاطمة أحرقت الحصير فذرت الرماد على الجرح، لا شك هذا فيه نار، لكن ليس هو الكي المعروف، يعني الرماد من أثر النار، لكن ليست النار مباشرة للجرح فيقال له اكتواء، فهذا لا يدل على أنه اكتوى -عليه الصلاة والسلام- لكنه فعل الكي بيده، وكوى بعض أصحابه.
"((ولا يكتوون))": عمران بن حصين كما في صحيح مسلم كان يسلَّم عليه، يسلم عليه أحياناً في مرضه، كانت تسلم عليه الملائكة، فاكتوى فانقطع التسليم، فندم على ذلك فعاد التسليم، وعلى هذا من استرقى أو اكتوى فندم على الاسترقاء والاكتواء يدخل في السبعين أو لا يدخل؟
طالب:........
إيش ..........
طالب:.......
يا أخي إذا أشرك ثم تاب توبة نصوحاً زال الأثر
طالب:.......
هذه منزلة كمال لا تصلح لجميع الناس، وإنما هي لأفراد من الناس، جاءت هذه الأوصاف الأربعة لنيل هذه المنزلة فمن فعلها ثم ندم؟ في قصة عمران ابن حصين أنه كان يسلم عليه فاكتوى فانقطع التسليم، يعني هذا الاكتواء أثر في الحال، ثم بعد ذلك ندم على ما حصل، وهل ندم على انقطاع التسليم، أو ندم على الأمر الذي عوقب من أجله بانقطاع التسليم؟
طالب: الأمر الثاني.
الثاني بلا شك، ندم على الثاني نعم.
طالب:........
لكنه منزلة، منزلة يمكن فوق السبعين، كون الملائكة تسلم عليه عياناً، كونه فوق السبعين؛ لأن السبعين تحصل لمن دونه.
طالب:.......
ما حملناه، لكن أنا أقول: ما دام أنه أثر في هذا ألا يؤثر في هذا؟
طالب:.......
أنا ما قلت هذا لا يفهم مني غير ما أريد، لا، أنا أقول: الكي أثر التسليم، الندم رد التسليم والكي يؤثر في الدخول في السبعين، فهل الندم يرده إلى السبعين، نريد مسألة تنظير يا إخوان، ليست بمسألة تطبيق.
نعم؟
طالب:.......
يعني كونه يحاسب وليس الحساب المراد به الحساب وإنما هو العرض؛ لأن هؤلاء، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الانشقاق]، ((إنما ذلك العرض))، هل هؤلاء يعرضون أو لا يعرضون؟ نعم؟
طالب:........
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} ذلك العرض، إذا قلنا: إن الحساب هو العرض كما فسره النبي -عليه الصلاة والسلام- وهنا لا يحاسبون، إذن لا يعرضون.
طالب:.......
هذا من نوقش، لكن من يحاسب حسابا يسيرا هو مجرد عرض، وليس فيه مناقشة، إنما هو مجرد عرض إجمالي، أما من نوقش ودقق عليه، وحوسب عن كل شيء هذا لا بد أن يعذب؛ ((من نوقش الحساب عذب)) وهنا السبعون الألف مزيتهم أنهم لا يعرضون ولا عرض؛ لأن العرض حساب، وهؤلاء لا يحاسبون، يدخلون الجنة بغير حساب، هذا مقتضى النص.
"((ولا يتطيرون))": التطير، هاه؟
طالب:.......
لا شك أن العلة..، أولاً: مسألة العلاج بالكي، علاج بالنار، وقد نهي عن التعذيب بالنار، الأمر الثاني: أنه مبادرة بهذه النار قبل وقتها لمن يستحقها، فلا ينبغي أن يبادر الإنسان نفسه بالنار، ومع ذلك هو مضاد لتمام التوكل، مثل الاسترقاء.
"((ولا يتطيرون))": الطيرة شرك، أي أنه إذا أراد أمراً من الأمور، إذا أراد أن يسافر فيتطير، فإن جاءت أو مرت الطيور من شماله امتنع، تشاءم وامتنع، وإن مرت عن يمينه تفاءل، ومضى إلى سفره أو إلى أي أمر يريده، وهذا كانت الجاهلية تفعله، كان العرب في الجاهلية يفعلونه.
"((ولا يتطيرون))": والطيرة قد تحصل للإنسان في نفسه، "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل"، ((والطيرة إنما هي ما أمضاك أو ردك))، لكن من وقع في نفسه شيء من هذا، بمعنى أنه لو جاءت البوارح أو السوانح عن يساره وتمنى أن لو كانت عن يمنيه في قلبه، فليمض إلى شأنه، ويتوكل على الله -جل وعلا- وحينئذ لا يقع في المحظور.
"((ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))": ((وعلى ربهم يتوكلون)): هذه الجملة هل هي جملة رابعة مستقلة تشمل جميع أنواع التوكل، يدخل فيها ما تقدم وغيره، فتكون من عطف العام على الخاص، أو أنها مقدرة في كل جملة: "لا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون، لا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون"؟ أو أنها جملة مستقلة تشمل أنواع التوكل غير ما ذكر؟ نعم؟
طالب:.......
الآن الجمل السابقة الثلاث كلها مربوطة في التوكل، ومزاولتها خدش في التوكل.
إذن قال: "((وعلى ربهم يتوكلون))": من باب عطف العام على الخاص ليشمل بقية الأعمال التي تخدش في التوكل، أو نقول: إن هذا الوعد مرتب على انتفاء الثلاثة وكلها مربوطة بالتوكل.
على كل حال هي أربع جمل، فإذا قلنا: إنها مقدرة بعد الثلاث -الرابعة مقدرة بعد الثلاث- لا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون؛ لأن الاسترقاء خدش في التوكل، ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون؛ لأن الاكتواء خدش في التوكل، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون؛ لأن التطير خدش في التوكل، مع أن هذه الأمور متفاوتة، يعني ليس الاسترقاء مثل التطير، وليس الاكتواء مثل التطير؛ لأنها وإن قرنت إلا أن دلالة الاقتران عند أهل العلم ضعيفة، دلالة الاقتران عند أهل العلم ضعيفة.
على كل حال ((على ربهم يتوكلون)): يفوضون أمورهم جميعها، دقيقها وجليلها إلى الله -جل وعلا-، وليس معنى هذا أنهم يعطلون الأسباب؛ لأن الأسباب لا تنافي التوكل، لكن لا يلتفتون إلى هذه الأسباب بما يخدش التوكل.
قال: "فقام عكاشة بن محصن": الأسدي، "فقال يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت منهم))، يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بأن عكاشة بن محصن ممن يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
"ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((أنت منهم))": هل هذا خبر أو دعاء؟ اللفظ لفظ الخبر، لكن في بعض الروايات: ((اللهم اجعله منهم)) دعاء، ولا يمتنع أنه دعا فأخبر أنه منهم فأخبره، فيكون في هذا علم من أعلام النبوة كما قال الشيخ في المسائل على ما سيأتي.
طالب:.......
إيه لكن في بعض الروايات: ((اللهم اجعله منهم)) وهو يقول: ادع الله أن يجعلني منهم، وهنا يقول: قال: ((أنت منهم))، هذه جملة خبرية، يخبر بأن عكاشة من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
وفي رواية قال: ((اللهم اجعله منهم))، ولا يمتنع أنه طلب منه الدعاء، فدعا له، ثم أخبر أنه أجيب دعاؤه، فأخبره أنه منهم، وعلى هذا يكون علم من أعلام النبوة.
أما مجرد الدعاء وإجابة الدعاء هذا يحصل له ولغيره -عليه الصلاة والسلام-، من أمته من هو مستجاب الدعوة، سعد بن أبي وقاص مثلاً مستجاب الدعوة، فإجابة الدعوة ليست من أعلام النبوة وإنما الإخبار بكونه منهم هو العلم من أعلام النبوة.
"ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((سبقك بها عكَّاشة))": يعني لو قال: اللهم اجعله منهم، أو قال: أنت منهم، قام ثالث، ثم قام رابع، ثم قام خامس، ثم قام البقية كلهم، كل يتمنى أن يكون منهم.
"ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((سبقك بها عكاشة))": منهم من قال: إن هذا الرجل منافق وأراد أن يرده بالأسلوب المناسب، ومنهم من قال: إنه ليس بمنافق، لكن خشي أن يطلب بعده من لا يستحق أن يكون منهم فيكون فيه حرج إذا قُبل أحد ورُد آخر، لكن قال: ((سبقك بها عكاشة))؛ ليسد الباب، ويسد الذريعة؛ لئلا يتتابع الناس بالسؤال فيسأل من لا يستحق، ومن ليس أهلاً بذلك.
يقول ابن حجر -رحمه الله-: قوله: ((فقام إليه عكاشة)) بضم المهملة وتشديد الكاف ويجوز تخفيفها يقال: عكش الشعر ويعكش إذا التوى، حكاه القرطبي، وحكى السهيلي أنه من عكش القوم إذا حمل عليهم، وقيل: العكاشة بالتخفيف العنكبوت، ويقال أيضاً لبيت النمل.
ومِحصَن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد، يعني على زنة منبر، ابن حرثان من بني أسد بن خزيمة ومن حلفاء بني أمية.
كان عكاشة من السابقين إلى الإسلام وكان من أجمل الرجال، وكنيته أبو محصن، وهاجر وشهد بدراً وقاتل فيها، وقال ابن إسحاق: بلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خير فارس في العرب عكاشة))، وقال أيضاً: قاتل يوم بدر قتالاً شديداً حتى انقطع سيفه في يده فأعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جزلاً من حطب فقال: ((قاتل بهذا)) فقاتل به فصار في يده سيفاً طويلاً شديد المتن أبيض، فقاتل به حتى فتح الله، فكان ذلك السيف عنده حتى استشهد في قتال الردة مع خالد ابن الوليد سنة اثنتي عشرة -يعني قتله طليحة بن خويلد الأسدي- قتل عكاشة.
"قال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((اللهم اجعله منهم)): يقول: عند البيهقي من طريق محمد بن زياد عنه - وساق مسلم سنده- قال "فدعا"، ووقع في رواية حصين ابن نمير ومحمد بن فضيل قال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: ((نعم))، ويجمع بأنه سأل الدعاء أولاً فدعا له ثم استفهم قيل: أجبت، يعني مثل ما ذكرنا.
قوله: "ثم قام إليه رجل آخر": وقع فيه من الاختلاف هل قال "ادع لي" أو قال "أمنهم أنا" كما وقع في الذي قبله، ووقع في حديث أبي هريرة الذي بعده "رجل من الأنصار"، وجاء من طريق واهية أنه سعد بن عبادة، أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر أحد الضعفاء من طريقين له عن مجاهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من غزاة بني المصطلق، فساق قصة طويلة وفيها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أهل الجنة عشرون ومائة صفٍّ، ثمانون صفاً منها أمتي وأربعون صفاً سائر الأمم، ولي مع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب))، قيل من هم " فذكر الحديث، فقال: ((اللهم اجعل عكاشة منهم))، قال: فاستشهد بعد ذلك.
ثم قام سعد بن عبادة الأنصاري فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم..، الحديث، وهذا مع ضعفه وإرساله يستبعد من جهة جلالة سعد بن عبادة، فإن كان محفوظاً فلعله آخر باسم سيد الخزرج واسم أبيه ونسبته، فإن في الصحابة كذلك آخر له في مسند بقي بن مخلد حديث، وفي الصحابة سعد بن عمارة الأنصاري فلعل اسم أبيه تحرف.
"قال: ((سبقك بها عكاشة))": اتفق جمهور الرواة على ذلك إلا ما وقع عند ابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى من حديث أبي سعيد فزاد: فقام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم وقال في آخره: ((سبقك بها عكاشة وصاحبه)) ((سبقك عكاشة وصاحبه، أما لو قلتم لقلت ولو قلت لوجبت)) وفي سنده عطية وهو ضعيف.
وقد اختلفت أجوبة العلماء في الحكمة في قوله: ((سبقك بها عكاشة)) فأخرج ابن الجوزي في (كشف المشكل) من طريق أبي عمر الزاهد أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب عن ذلك فقال: كان منافقاً، وكذا نقله الدارقطني عن القاضي أبي العباس البرتي -بكسر الموحدة وسكون الراء بعدها مثناة- فقال: كان الثاني منافقاً، وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يسأل في شيء إلا أعطاه، فأجابه بذلك.
وقال: ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل العلم نحو قول ثعلب، وقال ابن ناصر: قول ثعلب أولى من رواية مجاهد؛ لأن سندها واهٍ، واستبعد السهيلي قول ثعلب بما وقع في مسند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة "فقام رجل من خيار المهاجرين" وسنده ضعيف جداً مع كونه مخالفاً لرواية الصحيح أنه من الأنصار.
وقال ابن بطال: معنى قوله: "((سبقك))": أي إلى إحراز هذه الصفات، سبقك إلى إحراز هذه الصفات، وهي التوكل وعدم التطير وما ذكر معه، وعدل عن قوله: "لست منهم أو لست على أخلاقهم"؛ تلطفاً بأصحابه -صلى الله عليه وسلم- وحسن أدبه معهم.
قال ابن الجوزي: يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب، وأما الثاني فيحتمل أن يكون أريد به حسم المادة، فلو قال للثاني: نعم، لأوشك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له، وليس كل الناس يصلح لذلك.
وقال القرطبي: لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة، فلذلك لم يجب إذ لو أجابه لجاز أن يطلب ذلك كل من كان حاضراً فيتسلسل، فسد الباب بقوله ذلك، وهذا أولى من قول من قال: كان منافقاً لوجهين:
أحدهما أن الأصل في الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك إلا بنقل صحيح، والثاني: أنه قلَّ أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح، ويقين بتصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكيف يصدر ذلك من منافق؟ وإلى هذا جنح ابن تيمية، وصحح النووي.........
طالب:.......
لأنه قد يقول قائل: إن المنافق قد يصدر منه هذا؛ لأنه أمر لا يكلف شيئاً، إن حصل وإلا لم يضر، يعني قل أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح، ويقين بتصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكيف يصدر ذلك من منافق؟ وإلى هذا جنح ابن تيمية.
طالب:.......
يستبعد أن يسأل، أصل المنافق في قرارة قلبه غير مصدق بشيء من الدين؛ لأنه يبطن الكفر فكيف يسأل، لكن قد يقول قائل: إن هذا السؤال إن حصل وإلا ما ضر، ادع الله أن يجعلني..، هاه؟
طالب:.......
كيف إيش فيها؟
طالب:.......
يعني هذا يدل على حرصٍ على النجاة، ولا يكون الحرص على النجاة إلا من مصدق.
وصحح النووي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الآخر، وقال السهيلي: الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها -صلى الله عليه وسلم-، واتفق أن الرجل قال بعدما انقضت، ويبينه ما وقع في حديث أبي سعيد " ثم جلسوا ساعة يتحدثون"، وفي رواية ابن إسحاق بعد قوله: ((سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة)) أي انقضى وقتها.
يقول ابن حجر: قلت: فتحصل لنا من كلام هؤلاء الأئمة على خمسة أجوبة والعلم عند الله تعالى، ثم وجدت لقول ثعلب ومن وافقه مستنداً وهو ما أخرجه الطبراني ومحمد بن سنجز في مسنده، وعمر بن شبَّة في (أخبار المدينة)........... في (أخبار المدينة) من طريق نافع مولى حمنة عن أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة أنها خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى البقيع فقال: ((يحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر))، فقام رجل فقال: يا رسول الله، وأنا؟ قال: ((وأنت)). فقام آخر فقال وأنا؟ قال: ((سبقك بها عكاشة)) قال: قلت لها: لمَ لم يقل للآخر؟ فقالت: "أراه كان منافقا"، فإن كان هذا أصلاً ما جزم به من قال: كان منافقاً، فلا يدفع تأويل غيره إذ ليس فيه إلا الظن.
في رواية بالنسبة لهؤلاء السبعين الألف -وهي عند البخاري رحمه الله-: ((يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر))، فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: ((اللهم اجعله منهم))، ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: ((سبقك بها عكاشة)).
في الباب نفسه عن سهل بن سعد قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً أو سبعمائة ألف -شك في أحدهما- متماسكين آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة ووجوههم على ضوء القمر ليلة البدر)).
نعم؟
طالب:.......
أو سبعين ألفاً وواحد، أربعة مليارات وتسعمائة مليون..
طالب:.......
كلامه صحيح قيم، يعني مثل ما قيل في الأسماء الحسنى، وأنها مائة، في الحديث الصحيح: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة)): من أهل العلم من قال: إنها مائة، أخذاً من هذا الحديث، كيف يؤخذ من هذا الحديث أنها مائة وهي تسعة وتسعين مائة إلا واحد؟ بمنطوق الحديث؟
طالب:.......
غير لفظ الجلالة، يعني تسعة وتسعين للفظ الجلالة، فإذا ضم إليها صارت مائة.
أيضاً: هل السبعين الألف غير النبي -عليه الصلاة والسلام- وغير الأنبياء، الأنبياء ليسوا من أمته، معروف هذا، لكن هو -عليه الصلاة والسلام- هل المخاطِب يدخل في خطابه أو لا يدخل؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
مطلقاً؟
طالب:.......
طيب لو اكتوى أو استرقى أبو بكر وعمر؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
لا يلزم أن يكونوا أفضل الأمة، لكن هؤلاء رتب هذا الوعد على هذه الأوصاف، فإذا وجدت هذه الأوصاف دخلوا بغير حساب ولو كانوا في أدنى منازلها، لكنهم في الغالب إذا التزموا بهذه الأمور وبلغوا من التوكل أعلاه فإنهم من أفضل الأمة، نعم؟
طالب:.......
أما الرجاء يرجى، أما الجزم فلا.
يقول الشيخ -رحمه الله- تعالى: "فيه مسائل".
طالب:........
"وما منا" كلام ابن مسعود، وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل، "وما منا إلا": يعني حصل له شيء من ذلك، يعني شيء في القلب لا يعلمه إلا الله.
طالب:.......
وين؟
طالب:.......
كون الإنسان تمر من جهة الشمال عنده هذه الطيور فيتمنى أن لو كانت عن يمينه ولا يحصل له أدنى أثر، هذا يذهبه الله بالتوكل، ولا يعني أنه لم يتطير، صار له أدنى...، نعم؟
طالب:.......
يرقون، يعني هل للإنسان أن يعتذر إذا جاءه أحد يسترقي بناءً على هذا الحديث، يقول: لا والله ادخل في السبعين ألفا، أو نقول: إن اللفظة غير محفوظة والراقي محسن، ومن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل، هاه؟
طالب:.......
لا، لا الكلام على الراقي، يعني إذا كان شيخ الإسلام قطع بأنها غلط، وابن حجر يقول: صحيحة، ما المانع في صحيح مسلم، ولا يوهم الرواة بمثل هذه العلل، هاه؟
طالب:.......
لا، اترك المرقي، الراقي، يعني أنت جالس تقرأ فقال واحد من الإخوان: جزاك الله خيراً احتسب اقرأ علي، ماذا تقول؟ تقول له: والله لست براقيك لكي أدخل في السبعين الألف؟
طالب:.......
ما هي؟
طالب:.......
في الكي أيضاً جاء أحاديث، في الاسترقاء جاء أحاديث، مسألة الإباحة مفروغ منها، لكن هل من يرقي الناس لا يدخل في حديث السبعين ؛ بناء على أن هذه اللفظة ليست محفوظة، أو نقول يدخل لأنه محسن؟
طالب:..........
الذي يباشر الكي، الذي يكوي الناس هل يدخل في السبعين أو لا يدخل؟ قد يفعل خلاف الأولى ويكون في حقه هو الأولى؛ لأنه مُشرِّعٌ-عليه الصلاة والسلام- ولو لم يفعل ما عرفنا الحكم، يعني حث على عمرة رمضان وما اعتمر، فلماذا حث؟ تعدل حجة، وحجة معي ولا يعتمر، نقول نعم، قد يترك ويكون تركه هو الأولى،
طالب:............
يفتن، ناس فتنوا، شخص يقول: إنه مشى على يده سبعين مقعداً، وأحرق سبعين مملكة شياطين، يعني هل هذا قلبه نظيف الذي يقول هذا الكلام؟ وما القصد من هذا الكلام، وقد يشفى على يديه؛ زيادة في فتنته والافتتان به.
الأمور القلبية معضلة، ونحن نغفل عنها كثيراً، ولا نسعى في إصلاحها، ولا نتحسس الخلل فيها لنسعى في علاجها، أبداً ماشيين والقلوب -الله المستعان- كل ما لها تزيد قسوة، والوضع شيء مدرك ومحسوس، يعني الآن يختلف اختلافا كبيرا عما قبل عشرين سنة، وما قبل عشرين سنة يختلف اختلافاً كبيراً عما قبل أربعين سنة.
يعني الأعمال الظاهرة فيها كثرة الآن، وقد تكون أفضل من ذي قبل، لا سيما في أوساط الشباب، يعني أدركنا الناس وعمَّار المساجد هم كبار السن، والشباب يندر أن تجد شاباً يصلي لا سيما النوافل من تراويح ومن تهجد، الآن هم عمار المساجد، لكن هل القلوب قبل أن تفتح الدنيا مثل القلوب بعد أن فتحت؟ والله اختلفت اختلافاً شديداً، وإذا تحدث الإنسان أو فكر في هذه الأمور تمنى أن لو مات قبل عشرين أو ثلاثين سنة؛ لأن القلوب اختلفت، كل إنسان يلمس هذا من نفسه، ووضعنا يختلف وإن كان يعني العلم عليه إقبال، والعمل أيضاً عليه إقبال، والأمور الظاهرة ماشية ولله الحمد، لكن يبقى أن القلوب والمعول عليها {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء]، تغيرت، تجد الواعظ المؤثر في الناس الذي يبكيهم سابقاً تجده الآن مثل الناس، المكاسب والمطاعم والمشارب، كل شيء تغير مع انتفاح الدنيا، والله المستعان.
نعم؟
طالب:.......
ثم.
طالب:.......
خلاص له سبب آخر، هناك سبب آخر من أسباب المغفرة، نعم؟
طالب:.......
يعني من يرقي المسترقي له حال، ومن يرقي المريض الذي لا يسترقي له وضع، هاه؟
طالب:.......
سواءً بطلب أو بغير طلب لا يشمل، لكن القاعدة التي ذكرناها في أول الدرس، وأن ما منع أخذه منع دفعه، تجعل هذا الراقي ينفع المريض بالرقية ولا ينفع المسترقي؛ لأن المريض ما مُنع من الرقية، وإنما مُنع من طلبها، ولذا ينصون على أن من منع من أراد أن يرقيه من غير طلب هذا مخالف لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن عائشة رقت النبي -عليه الصلاة والسلام- وجبريل رقاه.
نأتي إلى المسائل.
يقول: "فيه مسائل:
الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد": معرفة مراتب الناس في التوحيد، من أين؟
طالب:.......
نعم، منهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم من يدخلها بحساب يسير، ومنهم من يدخلها بحساب ومناقشة، يعني بعد ذلك مآله إلى الجنة، ولو نوقش وعذب، وكل هذا بناءً على ما وقر في القلب من تحقيق للتوحيد.
"الثانية: ما معنى تحقيقه": هي التي قلناها في الدرس الماضي أنها تخليصه وتنقيته، أو الإقبال على الله بالكلية بالقلب، وإخلاص جميع أنواع العبادة له.
"الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يكن من المشركين": {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [(120) سورة النحل]، يعني هل هذا يقتضي الثناء بكونه لم يكن من المشركين؟ قد يقول قائل: إن فلانا من عامة الناس لم يكن مشركاً، فهل في هذا مدح؟ يقول: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يكن من المشركين، يعني من يشهد له الرب -جل وعلا- بالبراءة من الشرك مثل من حرص أن لا يكون من المشركين وشهد له الناس بذلك، فهل واقعه كذلك؟
هناك أمور يعني قد تظن أنها يعني مدح لبعض الناس، لكن بعض المقامات ما تصير مدحاً، كان أبو بكر من مناقبه -رضي الله عنه- أنه لا يلتفت في صلاته، قد يقول قائل: والله صبيان المسلمين ما يلتفتون في الصلاة، فكيف يمدح الصديق بكونه لا يلتفت في صلاته؟
طالب:.......
وكان -رضي الله عنه- لا يلتفت في صلاته، هل في هذا ما يمدح به أبو بكر؟
نعم كان الزمان زمان خوف، وكانوا يلتفتون، التفت النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى جهة الشعب، أبو بكر بزيادة يقينه في هذه الظروف الحالكة لا يلتفت في الصلاة.
يعني شخص ترجم لعالم يعلم الناس أكثر من نصف قرن، فذكر من مناقبه -حفظه الله- أنه مأذون أنكحة، وأن المنقبة الثالثة أنه يبتدئ خطبة النكاح بخطبة الحاجة، هذه من مناقبه، لكن من الذي شهد لإبراهيم أنه لم يك من المشركين؟
هو الله -جل وعلا-، ليست شهادة فلان ولا علان، ومن مناقب هذا الشيخ المترَجم، أنه قال فلان، واحد من الشباب ما وصل إلى أن يذكر من طلاب العلم، أنه قال: قال فلان: إنه بقية السلف، هذه المناقب لا شك أنها تزري بمثل هذا الشيخ الذي يعلم الناس أكثر من نصف قرن، ومعروف بفضله وعلمه، لكن لا تقارن هذه بمثل هذه، يعني كون أبو بكر -رضي الله عنه- لا يلتفت في صلاته، يعني صبيان المسلمين لا يلتفتون في صلاتهم، قد يقول قائل مثل هذا الكلام، لكن مع ذلك الظرف ظرف هجوم أعداء، وظرف حرب مع العدو، ومع ذلك لا يلتفت، مقبلاً على صلاته ولا يلتفت، في وقت يجوز فيه الالتفات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- التفت إلى الشعب، وهنا الشهادة والبراءة من الشرك من الله -جل وعلا-، وهنا يأتي تقرير هذه المسألة، ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يكن من المشركين.
"الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك": {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} [(57) سورة المؤمنون] إلى: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} [(59) سورة المؤمنون].
"سادات الأولياء": هل هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف أو الموصوف إلى الصفة؟، يعني ثناؤه على السادات -سادات الأولياء- وأما بقيتهم بقية الأولياء ما يدخلون في الثناء، أو أن الأولياء الموصوفون بكونهم سادة، فيكون من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، الأولياء السادة، والمقصود بهم جميع الأولياء بسلامتهم من الشرك، وإلا من تلبس بشرك يستحق أن يكون من الأولياء؟
في تاريخ لمنطقة سيناء مطبوع في مجلد كبير فيها مقبرة للأولياء الصالحين، ومقبرة تقابلها للأولياء الشياطين، إيش معنى أولياء شياطين؟ وكلهم يعتقد فيهم، وكلهم -نسأل الله العافية- يحصل عندهم من الغلو ما يحصل! هذا تناقض!!
ولذا قوله: "سادات الأولياء": الأولياء كلهم لا بد أن يكونوا سالمين من الشرك وإلا ما استحقوا الولاية.
"الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد": من تحقيق التوحيد؛ لأنه في الترجمة قال: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وهؤلاء الذين تركوا الرقية والكي يدخلون الجنة بغير حساب.
"السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل": يعني جملة متعقبة لجمل، هل هي مرتبطة بالجملة الأخيرة أو تعود إلى جميع الجمل الثلاث؟
طالب:.......
كلها لها علاقة بالتوكل، لكن هل نقول: إن هذه من أفراد التوكل ثم جاءت الجملة الأخيرة بالعموم لتشمل جميع صور التوكل فتكون من باب عطف العام على الخاص، أو أنها مقدرة في الجمل الثلاث؟ نعم؟
طالب:.......
اسمع ماذا أقول: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل، نعم؟
طالب:.......
لا شك أن التوكل يشمل صورا كثيرة جداً، من صوره ما نص عليه من هذه الجمل، لكن هل الوعد خاص بهذه الجمل الثلاث، أو يشمل هذه الجمل الثلاث وغيرها مما يخدش بالتوكل، نعم؟
طالب:.......
هذا الذي أريد تقريره، يعني لو ارتكب شيئاً يخدش في التوكل غير الثلاث، غير الاسترقاء وغير الاكتواء وغير التطير -يخدش في القدر المسنون، وليس في القدر الواجب- يدخل في الحديث أو ما يدخل؟ يعني باشر سبباً أثره في التوكل أعظم من أثر الرقية، غير ما نص عليه، يدخل في السبعين ألف أو ما يدخل؟
إذا قلنا: إن الجملة مستقلة، رابعة مستقلة قلنا: هذا يخرجه الجملة الأخيرة، وإذا قلنا: إن الجامع لتلك الخصال، يعني الجامع لها دون غيرها هو التوكل قلنا: إنه لا يخدش في التوكل إلا الجمل الثلاث.
طالب:.......
ما الصحيح؟
طالب:.......
يعني فقط، يعني لو وجد سبب يخدش في كمال التوكل أكثر مما وجد..
طالب:.......
نعم، لكنه أكثر وأوضح وأظهر مما ذكر من الثلاث.
طالب:.......
لأنها هي الغالب على الناس.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لو سافر شخص على سيارة والسيارة محكمة، ومتينة وجديدة وراسية، نعم، ولما ركب تحسسها وتفقدها ما وجد فيها عيبا إطلاقاً، الكفرات وكل ما تحتاجه، وركب وربط حزام الأمان، ثم جاء بحبال وربط نفسه زيادة، ماذا يقال لهذا؟
طالب:.......
أنا أقول: هل يخدش في السبعين الألف؛ لأنه مخل بقوله: ((وعلى ربهم يتوكلون))، أو نقول: إنه ليس من الثلاثة المنصوص عليها فيدخل؟
طالب:.......
ظاهر الكلام أو ليس بظاهر؟ يعني الإشكال..، دعونا من كلام الأخ، إلى الآن ما بعد استقر شيء، يعني المثال الذي أوردته هل هو أشد من الاسترقاء أو أقل؟ إذا قلنا: إن المسألة الجملة رابعة مستقلة قلنا: يدخل هذا في الخدش، وإذا قلنا: الجملة حاوية للثلاثة فقط، وما عداها من المنصوص عليه لا يخدش، قلنا: هذا ما يدخل، هذا يدخل في السبعين الألف ولا عليه؛ لأنه ما نص عليه، ليس من الثلاثة، نعم.
المؤلف يقول: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل.
طالب:.......
لكن غيرها.
طالب:.......
الظاهر أننا لن نصل إلى نتيجة، ندور في...
طالب:.......
يعني مستقلة؟ إذن كل ما يخدش في التوكل يكون عائقاً عن حصول هذا الوعد.
طالب:.......
التوكل، والعلة طردية يعني تقتضي كلما وجدت هذه العلة...
طالب:.......
يعني لو اقتصر على الثلاثة قلنا: ما يقاس عليها غيرها، ولما أردفها بوصف يشملها مع غيرها، قلنا: إن كل ما يخدش في التوكل يمنع من الدخول في السبعين الألف.
طالب:.......
طالب: وهذه لما ذكرت ذكـرت تعلق قلوب الناس بها.
وعندنا من القواعد المدروسة في كتب الأصول أن الوصف أو الاستثناء أو القيد إذا تعقب جملاً متعددة هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، نقول: لا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، ولا يعود إلى الجملتين الأوليين، أو نقول: إنه قيد لجميع الجمل الثلاث، نعم؟
طالب:.......
إذا قلنا: يعود إلى الجمل الثلاث نتصور أن هناك من يسترقي وهو متوكل، ومثل هذا لا يقدح في دخول السبعين الألف، وهناك من يكتوي وهو متوكل، إذا قلنا: إنها قيد للجمل الثلاث، ولا يكون الخدش إلا مع فقدان هذا القيد.
طالب:.......
اثنتان وعشرون مسألة ونحن في السابعة الآن وبقي خمس أو ست دقائق على الأذان.
طالب:.......
لا ما يؤجل وين نؤجل بد المسألة...
"السابعة: عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل": لم ينالوا ذلك إلا بعمل، لماذا؟ لأنهم لما سمعوا التمسوا ذلك العمل أو تلك الأعمال التي من أجلها يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فتوقعوا لكن لا بد فيه من عمل، هاه؟
طالب:.......
بلا شك، ما قالوا: إن المسلمين كلهم يدخلون بغير حساب ولا عذاب؛ لأن عندهم أصل الإيمان، لا.
"الثامنة: حرصهم على الخير": حرصهم على الخير؛ "ادع الله أن يجعلني منهم": لا شك أن هذا حرص على الخير، ثم قام الذي يليه.
"التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية": بالكمية؛ لأنهم أكثر من غيرهم، وبالكيفية أن فيهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ لأوصاف اختصوا بها.
"العاشرة: فضيلة أصحاب موسى": فضيلة أصحاب موسى لا شك أنه جاء تفضيلهم على العالمين، يعني عالمي زمانهم، لكن هل في الحديث ما يدل على تفضيلهم أو على كثرتهم؟ يدل على كثرتهم، والكثرة تدل على الفضيلة أو لا تدل؟ يعني كثرة الرغبة في الخير عندهم جعلهم يصدقون موسى ويؤمنون به ويتبعونه.
"الحادية عشرة: عرض الأمم عليه -عليه الصلاة والسلام-": عرض الأمم عليه -عليه الصلاة والسلام-، منهم من يقول: في المنام، ومنهم من يقول: في الإسراء، ولا شك أنه غير الإسراء الذي حصل بمكة، الإسراء عرج به إلى السماء غير ما حصل بمكة؛ لأن هذا في المدينة، والذي يظهر أنه في المنام.
"الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها": لماذا؟ لأنه رأى النبي ومعه الرهط، ورأى النبي ومعه الرجل والرجلان، ورأى النبي ليس معه أحد، لكن لو كانت الأمم تحشر جميعاً ما تميز كل نبي مع قومه، إن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها.
"الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء": النبي يأتي وحده، والنبي يأتي ومعه الرجل والرجلان، والنبي يأتي ومعه الرهط، قلة من استجاب حتى بالنسبة للأمة الموسوية ومعه سواد كثير قد سد الأفق الذين لم يستجيبوا أكثر، وقل مثل هذا بالنسبة للأمة المحمدية، الذين لم يستجيبوا أكثر.
"قلة من استجاب للأنبياء": {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [(116) سورة الأنعام].
"الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد يأتي وحده": أن من لم يجبه أحد يأتي وحده، وهل يضيره ذلك؟ لا، ما عليه إلا البلاغ، والقبول بيد الله -جل وعلا-.
"الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة": ثمرة هذا العلم يعني ما تقول والله تحقيق التوحيد الذي يدعيه فلان وفلان، اثنان ثلاثة، عشرة مائة، والباقين كلهم على الضلال، يعني لما ظهرت الدعوة المباركة في هذه البلاد وخالفها من خالفها، كم نسبة من استجاب بالنسبة لمن عارض؟ قلة، ولا واحد من ألف، هل ننظر إلى الكثرة؟ لو كانت هذه الدعوة صحيحة لاستجاب لها علماء الأمصار؛ لأن الأكثر عارضوها؟ ولما كان أتباع هذه الحفنة القليلة؟!
الشيخ -رحمه الله- يقول: "ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة": وحينئذ لا يغتر الإنسان بكثرة الهالكين، ولا يزهد في الخير والحق لقلة التابعين والسالكين.
"السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة": الرخصة في الرقية من العين والحمة ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) كما تقدم.
"السابعة عشرة: عمق علم السلف؛ لقوله: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع": قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا، يعني هذا فيه عمق في العلم، مادام مستنداً إلى حديث لا يمكن أن تصادر قوله، بل وافقه عليه، وأشعره بأنه على حق مادام يتبع دليلاً، لكن أعطه ما عندك من علم يخالف هذا الدليل.
"فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني": ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) هذا الكلام صحيح، لكن الذين لا يسترقون يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، يعني الأول إثبات الرقية، والثاني إثباتها مع كونها مفضولة.
"الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه": بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه، أما إني لم أكن في صلاة، أما ما يفعله الإنسان عليه أن يسعى جاهداً لإخفائه؛ لئلا يخدش هذا في إخلاصه.
طالب:.......
يعني يقول الأخ: إن الرقية من غير طلب لا تقدح، وإنما القادح الاسترقاء وهو طلب الرقية، بخلاف الكي فإنه قادح على أي حال بطلب أو بغير طلب؛ لأن السين والتاء اقترنت بالرقية، وهي للطلب، ولم تقترن بالكي، فدلَّ على أنه يستوي في الكي حصوله بطلب أو بغير طلب؛ لأنه قال: ((ولا يسترقون))، ثم قال: ((ولا يكتوون)).
طالب:.......
ما تجي.
طالب:.......
لكن ((يكتوون)) هذه شاملة لما كان بطلب وبغير طلب.
طالب:........
نعم.
طالب:.......
إيه نعالج هذه المسألة قبل، مسألة في الفرق بين ((يكتوون)) و((يسترقون))، هاه؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
إيه، لكن إذا قيدنا التطير بالتوكل قلنا: إنه يمكن التطير مع التوكل، والقادح إنما هو التطير مع عدم التوكل، إذا قلنا: إن القيد مؤثر في التطير فقط، التطير مؤثر على كل حال، لا يحتاج إلى قيد: ((وعلى ربهم يتوكلون)) يعني الحاجة فيما لا يؤثر في التوكل، أما التطير فهو مؤثر على كل حال.
يقول: "بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه": وهذا من قوله: أما إني لم أكن في صلاة.
إذا أحب الإنسان أن يمدح بما فيه، فعل فعلاً -عملاً من أعماله الصالحة- ويحب أن يمدح، هذا يقدح في إخلاصه أو لا يقدح؟ الجمهور على أنه يقدح، وأنه لا بد في الإخلاص أن يستوي عنده المادح والقادح، وابن القيم في الفوائد يقول: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-" فيستوي عنده المدح والقدح.
الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره في أواخر سورة آل عمران قرر أن حبه للمدح بما يفعل لا يضر ولا يؤثر؛ أخذاً من قوله: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [(188) سورة آل عمران]، فدل على أنهم إذا أحبوا المدح والحمد بما يفعلون أنه لا يضر، يعني في أواخر قبل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(190) سورة آل عمران]، قبيلها، نعم؟
طالب:.......
{وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} [(188) سورة آل عمران]، إذا كانوا بما لم يفعلوا ليسوا بمفازة من العذاب يعني أنهم يعذبون، لكن إذا كان بما فعلوا مفهوم الآية أنه لا يضرهم، ومع ذلكم الإعراض عن حب المدح؛ لأنه مؤثر، على أي وجه كان سواءً بما فعلت..، ولا شك أن هذه من التعجيل، لكن إذا لم تحب وحصل المدح فذلك عاجل بشرى المؤمن.
"التاسعة عشرة: قوله: ((أنت منهم)) علم من أعلام النبوة": وهذا بناءً على أنه خبر، وقد وقع كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- فسار عكاشة ببقية حياته على الجادة حتى قتل شهيداً، ففي هذا علم من أعلام النبوة.
"العشرون: فضيلة عكاشة": لأنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، هذا غاية الفضل.
"الحادية والعشرون: استعمال المعاريض": وفيها مندوحة عن الكذب في قوله: ((سبقك بها عكاشة)) ما قال أنت لست منهم، أو ما تستاهل أو ما تستحق، نعم؟
طالب:.......
على كل حال ما واجهه بما يخدش خاطره، نعم؟
طالب:.......
ماذا به؟
طالب:.......
يعني كونه لم يذكر اسمه، يعني ستراً عليه، هذه جرت عادة الرواة أن لا يتنقلوا الاسم للستر على من تضمن الخبر شيئاً من تنقصه.
"الثانية والعشرون: حسن خلقه -عليه الصلاة والسلام-": وأدب النبي -عليه الصلاة والسلام- الرفيع حينما أخبر عما يريد بأسلوب لا يقدح في نفسية المتكلم؛ لأنه إذا قال له: لست منهم، أو قال أنت ما تستاهل ولا تستحق، هذه منزلة عظيمة ليست لك ولأمثالك، لا، قال: ((سبقك بها عكاشة)).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"