شرح الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (7)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الترغيب في الصلاة:
حدثني يحيى عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى عنه- يقول: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس صلوات في اليوم والليلة)) قال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وصيام شهر رمضان)) قال: هل علي غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) قال: وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) قال: فأدبر الرجل وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلح الرجل إن صدق))
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الترغيب في الصلاة" المراد بالترغيب الحث على فعل الشيء المرغب فيه، ووجه الترغيب في الحديث الأول أن هذه الصلوات الخمس مكتوبة مفروضة، ولا أعظم في الترغيب في الشيء من كونه مفروضًا على المكلف، محذرًا من تركه، رتب على تركه العقوبة، وأيضًا الترغيب في القيام من النوم ظاهر في الحديث الثاني من أجل الصلاة؛ لأن مثل هذا الحديث لا يدرجه -أو مثل هذه الأحاديث- لا يدرجها من يصنف في الترغيب والترهيب؛ لأن مفهوم الترغيب والترهيب عند المتأخرين أخص مما يفهمه المؤلف هنا، قد يقرأ القارئ ترجمة يذكر بعدها أحاديث يظنها هذا القارئ أنها لا مناسبة بينها وبين هذه الترجمة، لكن إذا أمعن النظر وجد ولو من وجه بعيد.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عمه أبي سهيل -بن أبي عامر الأصبحي حليف طلحة بن عبيد الله- عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل" هذا الحديث رواه الإمام البخاري من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن خاله مالك عن عمه عن أبيه عن حليفه، هذا من الطرائف.
يقول طلحة بن عبد الله أحد العشرة يقول: "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" زعم ابن بطال وغيره أنه ضمام بن ثعلبة، وقصته في الصحيحين، وهذه القصة أيضًا في الصحيحين، نعم ضمام جاء يتثبت، سمع هذه الشرائع قبل أن يسلم، فجاء يعرضها على النبي -عليه الصلاة والسلام-، زعم رسولك أنك تقول كذا، آالله بعثك بكذا؟ المقصود أنه جاء يتثبت، يعرض ما سمعه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وهو حجة أهل العلم في جواز الرواية بالعرض.
هذه القصة التي معنا رجلٌ من أهل نجد ثائر الرأس لم يسم، فزعم بعض الشراح منهم ابن بطال لتشابه القصتين من وجه أنها قصةٌ واحدة، وأن الرجل في هذا الحديث هو ضمام بن ثعلبة، والصواب أنه غيره؛ لأن سياق القصتين مختلف، والأسئلة فيها شيء من التباين، وإن اتفقت في بعض الأشياء، فالصواب أنه غيره.
"جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائرُ الرأس" أو ثائرَ الرأس، يجوز فيه الرفع والنصب، الرفع على أنه صفة لرجل، والنصب على أنه حال، الآن رجل معرفة وإلا نكرة؟ نكرة، هل يجوز مجيء الحال من الصاحب النكرة أو لا يجوز؟ وهل الفاعل هنا وهو نكرة بحاجة إلى وصف أو بحاجة إلى معرفة بيان الهيئة؟ النكرة هل هو بحاجة إلى وصف أو بحاجة إلى بيان هيئته؟ بحاجة إلى وصف؛ ولذا يقول أهل العلم: إن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، فالنكرة بحاجة إلى صفة، وهنا "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد" هذا أيضًا صفة، هذا وصفٌ له، فهو نكرةٌ موصوفة، والنكرة الموصوفة نعم لا تكون هذه الصفة تجعلها بمنزلة المعرفة، لكنها لا تبقى على هيئتها نكرة محضة؛ ولذا يجيز بعضهم مجيء الحال من النكرة الموصوفة كما هنا.
"ثائر الرأس" المراد به أن شعره متفرق من ترك الرفاهية، وهذه حال من يأتي من بعيد، حال المسافر ((فذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر)) هذا وصفه، الغالب أن المسافر تختلف هيئته عن هيئة المقيم.
في حديث جبريل: ((إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر)) ما يعرف وليس بمسافر، هذا محل استغراب من الجميع، استغربوا من هذه الشخصية التي طلعت عليهم، لا تُعرف، وليس عليها أثر السفر، فالمسافر له هيئة تخصه وتميزه عن المقيمين.
"يسمع دوي صوته" الدوي: صوتٌ مرتفع متكرر لا يفهم؛ لأنه في الغالب يكون من بُعد "ولا نفقه ما يقول" في بعض الروايات: "نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول" بـ(النون) في الموضعين، وفي بعضها: "يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول" بـ(الياء) في الموضعين، وعلى كل حال الأمر سهل "حتى دنا" يعني من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فإذا هو -هذا الصوت- فإذا هو يسأل عن الإسلام" يسأل عن الإسلام يعني: يسأل عن شرائع الإسلام، هل هو يسأل عن حقيقة الإسلام وتعريف الإسلام؟ لا، يسأل عن شرائع الإسلام بدليل التفصيل.
"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس صلوات في اليوم والليلة)) يعني المطلوب منك خمس صلوات في اليوم والليلة "قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع))" يعني لا يجب في اليوم والليلة إلا خمس صلوات، وبهذا يستدل من يقول بعدم وجوب صلاة غير هذه الصلوات الخمس، فماذا عن صلاة العيد؟ ماذا عن صلاة الكسوف؟ ماذا عن صلاة الجنازة؟ الصلوات كثيرة، صلاة الوتر قيل بوجوبها، وحينئذٍ يحمل هذا الحديث على أن الصلاة الثابتة الدائمة المتكررة في كل يوم خمس صلوات، ولا يمنع أن يزاد على هذه الخمس شيء غير ثابت ولا متكرر، أو يزاد عليها من الواجب ما لا يكون وجوبه كوجوب هذه الصلوات الخمس، خمس صلوات في اليوم والليلة وجوبها على سبيل الفرض والتأكيد بخلاف ما يجب من الصلوات غير الخمس عند من يقول بالوجوب، قال الحنفية بوجوب الوتر ووجوب صلاة العيد، وقال بعضهم بوجوب صلاة الكسوف للأمر بها، وصلاة الجنازة معروفة واجب على الكفاية عند عامة أهل العلم.
"قال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) إلا أن تطوع استثناء منقطع وإلا متصل؟ ما معنى الاستثناء المتصل والمنقطع؟ المتصل من جنس المستثنى به، والمنقطع من غير جنسه، كما تقول: قام القوم إلا زيدًا هذا متصل، وقام القوم إلا حمارًا منقطع، هنا ((لا، إلا أن تطوع)) استثناء متصل وإلا منقطع؟ هل التطوع من جنس ما أوجب الله على المسلم في اليوم والليلة؟ إذًا الاستثناء منقطع، بعضهم يقول: هو استثناء متصل، الخمس مكتوبة مفروضة، وما عداها تطوع فكيف نقول: واجب من أجل أن يكون الاستثناء متصلاً؟ بعضهم قال هذا، قال: إن الاستثناء متصل "قال: ((لا، إلا أن تطوع)) أصلها تتطوع، قال بعضهم: الاستثناء متصل، وهذا التطوع واجب؛ لأنه استثني من الواجب، ومتى يجب من التطوع؟ بالشروع، بمعنى أنه إذا شرع في نافلة لزمه إتمامها، إذا دخل في نافلة تطوع لزمه إتمامها، فيكون في الأصل تطوع لكنه إذا شرع فيه وجب عليه، ولا يجوز له حينئذٍ الخروج منه إلا بعذر، فيكون هذا التطوع واجبًا بالشروع، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلًا.
الشروع في غير الحج والعمرة للأمر بإتمامهما هل هو ملزم أو غير ملزم؟ هل كل العبادات يمكن أن يقال فيها: المتطوع أمير نفسه، إن شاء أتم وإن شاء انصرف، جاء في الصوم ما يدل على ذلك، جاء في الصيام ما يدل على ذلك، لكن الصلاة شرع في صلاة نافلة ثم تذكر شيئًا ليس بذي بال، قال: الصلاة بعدين، نصلي بعدين وقطعها، جاء النهي عن إبطال العمل {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] فهل هذا يتناول ما هو في أصله تطوع أو نقول: إنه ما دام شرع في العبادة لا يجوز له أن يبطلها، وحينئذٍ يكون التطوع هذا واجبًا بالشروع ويشمل جميع العبادات، أما الصيام فجاء فيه ما يدل على أنه يجوز قطعه.
طالب:.......
تغيير النية في ماذا؟ ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) هذا الأصل ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لكن أهل العلم يقولون: إذا قلب المنفرد فرضه نفلًا في وقته المتسع يجوز، يجوز إذا كان هناك غرض صحيح، كبر فاتته الصلاة فكبر منفردًا، ثم سمع أحد دخل المسجد فأراد أن يصلي معه جماعة قلبها إلى نفل وصلى معه؛ لأنه لو صلاها منفردًا صارت هي الفريضة والجماعة نافلة، على هذا القول: كل ما تشرع فيه من نوافل يجب عليك إتمامها على هذا الكلام، لكن القاعدة عند أهل العلم أن المتطوع أمير نفسه، ولا يلزم إلا بالحج والعمرة التي جاء الأمر بإتمامهما.
طالب:.......
حتى الصلاة هو في نفل.
طالب:.......
هذا إذا قلنا: إن النوافل كلها تلزم بالشروع صار متصلاً، استثنى واجبًا من واجب، وإذا قلنا: إنها لا تلزم هذه النوافل بالشروع قلنا: الاستثناء منقطع.
طالب:.......
هو الاستدلال باللفظ تَطَوع أو تطَّوع على أن الاستثناء منقطع، هو الاستدلال به على أن الاستثناء منقطع.
طالب:.......
نعم، لا أزيد عليه فلا أشرع فألزم به، ما يزال يعني الإشكال قائم، لكن واضح من لفظ التطوع أنه يختلف عن الواجب.
"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وصيام شهر رمضان)) قال: هل علي غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) مثله، وعلى هذا لا يجب من الصيام غير رمضان، نعم ما يجب لعارض مما يوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو ارتكاب ما يوجب كفارة بالصيام، هذا أمره يختلف عما وجب في أصل الشرع "وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) نظير ذلك، وبقي الحج لم يذكر، لِمَ لم يذكر الحج؟ لم يفرض بعد، وعلى القول بأنه فرض يجيب بعضهم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف من حاله أنه غير مستطيع.
"قال: فأدبر الرجل وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه" هذا رجلٌ مقتصد، والمقتصد من يفعل الواجبات ويترك المحرمات ولا يتطوع بقدرٍ زائد على الواجبات، هذا يسمى مقتصد، ويقابله السابق: وهو الذي يزيد على الواجبات النوافل، ويزيد على ترك المحرمات المكروهات، هذا سابق، ودونهما الظالم لنفسه الذي قد يترك بعض الواجبات ويفعل بعض المحظورات، وهو في دائرة الإسلام، وهذا الخلل قابل للغفران، والثلاثة الأقسام كلهم من المصطفين، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ} [(32) سورة فاطر] ومنهم ومنهم، كلهم من المصطفين، يعني حتى الظالم لنفسه مصطفى؛ لأن مآله إلى الجنة، وهؤلاء المصطفون الأصناف الثلاثة جزاؤهم {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [(33) سورة فاطر] لا سورة فاطر {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} [(33) سورة فاطر] إذا كان هؤلاء الأصناف الثلاثة بما فيهم الظالم لنفسه يحلون بالذهب، فجنات الفضة لمن؟ ما فيه جنات من ذهب وجنات من فضة؟ لمن جنات الفضة؟ أو أن الحلية غير بناء الجنة؟
نعم، ابن القيم -رحمه الله- له كلامٌ طويل في هذه المسألة ينبغي مراجعته في: (طريق الهجرتين) وهو كتابٌ نفيس لا يستغني طالب علم عن مطالعته ومراجعته وإدامة النظر فيه، فيه كلامٍ طويل له حول هذا.
طالب:.......
مطبوع، طبعة منير فاخرة.
طالب:.......
لا فاخرة طبعة منير، الطبعة السلفية لطريق الهجرتين جيدة، لكن المسألة يبقى مسألة الذوق في اختيار الكتب مسألة ثانية.
"فأدبر الرجل وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلح الرجل إن صدق))" هكذا في الموطأ وفي البخاري أيضًا، وفي مسلم وقع عند مسلم: ((أفلح –وأبيه- إن صدق)) الفلاح: البقاء، والمراد به في الشرع: البقاء في الجنة؛ لأنه هو البقاء الدائم في الخير الدائم، ومن معاني الفلاح الفوز والسعادة، ولا شك أن من فعل ما أُمِر به، وتَرك ما نُهي عنه فإنه مفلح، يعني فائز وباقٍ في النعيم الدائم -إن شاء الله تعالى-.
((أفلح الرجل إن صدق)) وقع عند مسلم: ((أفلح –وأبيه- إن صدق)) أو ((دخل الجنة –وأبيه- إن صدق)) هل نستطيع أن نقول: إن الواو عاطفة؟ هي قسم بلا شك، هي قسمٌ بلا شك، أجيب عن هذا بأن مثل هذا القسم إنما وقع قبل النهي عن الحلف بالآباء، الحلف بغير الله، وأن ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) في رواية: ((كفر وأشرك)) المقصود أن هذا أمرٌ عظيم الحلف بغير الله -عز وجل-، فهذا كان قبل النهي عن الحلف بالآباء، أو أنها -كما يقول بعض الشراح-: كلمة تجري على اللسان ولا يراد معناها، لا يراد بها التعظيم، لكن هذا الجواب ضعيف؛ لأن كل من حلف بغير الله قال: إنه يجري على لسانه ولا يتسنى لأحدٍ الإنكار؛ لأنه يجري على اللسان والذي في القلوب في القلوب.
حكى السهيلي عن بعض مشايخه أن ((وأبيه)) تصحيف أصلها: "والله"، "أفلح والله إن صدق" فقصرت اللامان فتصحفت الكلمة؛ لأن الكتابة قريبة وأبيه قريبة من والله، إلا أن أبيه كلمة قصيرة اللام أطول من ضرس أو سنة الباء والياء، فصارت اللامان فتصورت هكذا.
طيب لفظ الجلالة ما تحته نقط وأبيه تحتها ثلاث نقط.
طالب:.......
نعم قبل النقط، هذا قبل النقط.
المقصود أن الذي نهى عن الحلف بالآباء ((لا تحلفوا بآبائكم)) يخالف نهيه، المشرّع ينبغي أن يكون هو القدوة هو الأسوة، فكيف يقال لما حرم الربا وعصم الدماء في حجة الوداع قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وأول ربًا أضعه ربا العباس)) ربانا، ربا العباس بهذا تكون القدوة، أما ينهى ويكون ما في تعظيم ليس له نفاذ.
طالب:........
يقال بالنسخ؛ لأن هذا حكم من الأحكام ينسخ، هو حكم وإن كان متصل بالعقيدة، يعني مثل ما قيل في العطف، قال: بئس الخطيب..، ومن يعصهما، يعني جمع ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- قيل: إن هذا خاصٌ به -عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذا ما يقبل، النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى الناس بالابتعاد عن مثل هذه الألفاظ الموهمة، على كل حال عندنا نصٌ محكم وهو النهي عن الحلف بالآباء، نصٌ محكم، والاحتمال قائم أن هذا قبل النهي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يعقد الشيطان)) يعقد الشيطان، الشيطان جنس يشمل الشيطان الأكبر الذي هو إبليس، ويحتمل أنه من الشياطين غير إبليس من جنود إبليس، نسأل الله العافية ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم)) أي مؤخر عنقه، وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة آخرها ((أحدكم)) أحدكم: عموم المخاطبين من الصحابة فمن جاء بعدهم ممن يمكن أن يوجه إليه الخطاب فهو شامل، وهو من العام؛ لأنه مفرد مضاف، عام، لكن يراد به الخصوص، فيخص منه الأنبياء، يخص منه من يتناوله قوله -جل وعلا-: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [(42) سورة الحجر] يخص منه أيضًا من قرأ آية الكرسي، من قرأ آية الكرسي لا يقربه شيطان ((إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد)) يضرب بيده على العقدة تأكيدًا وإحكامًا ((يضرب مكان كل عقدة)) إذا عقد انتهى ضرب العقدة من أجل أن تتأكد ((عليك ليلٌ طويل)) وكل إنسان إذا انتبه في أثناء الليل لا سيما مع برودة الجو أو الحرارة وقصر الليل يكاد أن يسمع بهذا الكلام، يكاد أن يسمع مثل هذا الكلام، عليك ليلٌ طويل، ولو لم يكن طويلًا لو بقي... نعم؟
طالب:.......
نعم بعد الأذان أو بقي شيء يسير بحيث لا يدرك إلا شيئًا يسيرًا من الوتر ويقول: عليك ليلٌ طويل، واللذة فيما بقي من الوقت ولو كان يسيرًا أعظم من كل ما مضى، يعني إذا انتبه الإنسان وباقٍ على الوقت نصف ساعة، هذه النصف الساعة هذه هي اللذة والمتعة، والله المستعان، بينما لذة تجار الآخرة بخلاف ذلك، والله المستعان ((عليك ليلٌ طويل فارقد، فإن استيقظ)) خالف هذا الأمر ((استيقظ فذكر الله انحلت عقدة)) واحدة من الثلاث ((فإن توضأ انحلت عقدة -الثانية- فإن صلى انحلت عقده)) بلفظ الجمع، أو انحلت عقدة وهي الثالثة، وتكون العقد انتهت، فإذا صلى انحلت العقد الثلاث، وإن كانت الأولى والثانية قد انحلتا قبل ذلك لكن بقيت الثلاث انحلت ((فأصبح نشيطًا طيب النفس)) مسرورًا بما وفقه الله -جل وعلا- له من الطاعة ((طيب النفس)) يقول ابن حجر: "والذي يظهر أن في صلاة الليل سرًّا فيه طيب النفس" أن في صلاة الليل سرًا في طيب النفس "وإن لم يستحضر الإنسان –المصلي- الثواب" سر مودع في صلاة الليل، كما قال بعضهم: إنها علاجٌ مجرب لبعض الأمراض المستعصية صلاة الليل ((وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)) لترك ما طلب منه من فعل الخير ((خبيث النفس)) وقد جاء النهي عن قول الإنسان: خبثت نفسي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن هذا الشخص أنه خبيث النفس، وفرقٌ بين أن ينسب الإنسان الخبث لنفسه، والخبث: فساد الدين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصف بذلك من هذه حاله؛ للتنفير من هذا العمل.
البخاري -رحمه الله تعالى- خرج الحديث من طريق عبد الله بن يوسف في كتاب التهجد: "باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل" فيها إشكال الترجمة وإلا ما فيها إشكال؟ يعني هل العقد عقد الشيطان على قافية الرأس خاص بالذي لم يصلِّ أو عام للجميع ومن قام وتوضأ انحلت عقدة، ومن ذكر الله انحلت عقدة، ومن توضأ انحلت عقدة، ومن صلى انحلت العقد؟ يعني هل هو خاصٌ بمن لم يصلِّ بالليل؟
يقول: "باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل" هو الإشكال في كون البخاري ربط عقد الشيطان على قافية الرأس بعدم الصلاة، مفهومه أن الذي يصلي بالليل لا يعقد عليه الشيطان أصلًا، ما هو مفهوم الحديث أن كل نائم يعقد على قافيته؛ لأن أحدكم مفرد مضاف يفيد العموم إلا ما استثني، يعقد على الجميع، لكن استمرار هذه العقد لمن لم يصلِّ، لكن من قام فذكر الله انحلت عقدة، من توضأ انحلت عقدة، صلى انحلت العقد، فدل على أن الشيطان يعقد على الجميع من يصلِّ ومن لم يصلِّ، لكن الفرق بينهما أن الذي يصلي تنحل العقد، والذي لا يصلي لا تنحل العقد.
قال ابن التين وغيره: قوله: إذا لم يصلّ مخالفٌ لظاهر حديث الباب؛ لأنه دالٌ على أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصلِّ؛ لأنه دالٌ على أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصلِّ، لكن من صلى تنحل عقده بخلاف من لم يصل.
وأجاب ابن رشيد: بأن مراد البخاري: باب بقاء عقد الشيطان بالنسبة لمن لم يصلِّ، ابن رشيد السبتي الفهري له عناية بتراجم البخاري، وكتابه من أنفع ما كتب في بيان التراجم، والكتاب ناقص ما كمُل، لكنه لو كمل لأغنى عن غيره، أشار إليه ابن حجر ونقل منه كثيرًا، مراده مراد البخاري بـ(باب: بقاء عقد الشيطان) لأن البقاء بالنسبة لمن لم يصلِّ ظاهر، لكن من قام وذكر الله وتوضأ وصلى انتهت العقد، لكنه يعقد عليه قبل ذلك.
طالب:.......
لكنه يبقى خبيث النفس، الشخص الذي ينام إلى طلوع الصبح هذا جاء وصفه بأنه بال الشيطان في أذنه.
طالب:.......
هو تظن أن هذه العقد أثرها أثر المحرمات؟ بدليل أنه استيقظ فذكر الله، الذكر واجب؟ ذكر الله واجب؟ ليس بواجب، انحلت عقدة، فدل على أن هذه العقد تنحل بالتطوع بما فيها الذكر، والوضوء للتطوع، وتنحل كلها بالتطوع، الكلام إلى أن يصبح خبيث النفس لكن إذا صلى الصبح مع الجماعة، وقدم انتهت يا أخي، إذا قرأ آية الكرسي طرد الشيطان، لأنه إذا أصبح طلع عليه الصبح، نعم؟
طالب:.......
صلى أول الليل؟ قلنا: إنه إذا قرأ آية الكرسي لا يقربه شيطان، ومن صلى أول الليل وهذا صنيع الخليفة الصديق يكفيه -إن شاء الله-، لكن هذا مفاده الحث على قيام الليل، لا أن مثل هذا الفعل محرم.
طالب:.......
لا يقربه شيطان، هذه أسباب، والأسباب تترتب عليها آثارها إذا انتفت الموانع، لكن قد يوجد مانع أيضًا من قبول هذه الأسباب، فلا تترتب عليها آثارها.
طالب:.......
أصبح خبيث النفس هذا قبل الصلاة، قبل صلاة الصبح، يعني دخل في الصباح طلع الصبح عليه، لا أصبح يعني دخل في الصباح طلوع الفجر....