شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (19)
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى:
باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار:
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط». قال: فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي إذا سمعت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تضرب له مثلاً.
قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى.
قال أبو عيسى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار" مما غيرت النار، يعني مما مسته من المطبوخ، "باب: ما جاء في الوضوء مما غيرت النار" يعني قلبته من حال إلى حال، من نيئٍ إلى ناضج، ونحو ذلك.
قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر" تقدم أنه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني "قال: حدثنا سفيان" وهو ابن عيينة، وإن جاء في بعض النسخ الثوري، لكنه معروف من حديث ابن أبي عمر عن ابن عيينة، والقاعدة: أنه إذا كان بين المؤلفين من أصحاب الكتب الستة وبين سفيان واحد فقط فهو ابن عيينة، وإن كان بينهما اثنين فالمراد به الثوري غالباً، وقد ينزل المؤلف فيروي عن سفيان بن عيينة بواسطة اثنين، وقد يعلو سنده فيروي عن سفيان وهو متقدم، سفيان الثوري، بواسطة واحد، لكن هذا قليل نادر، والجادة أنه إذا كان بين الإمام المصنف من أصحاب الكتب الستة واحد فقط، فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة، وإذا كان الواسطة اثنين فالذي يغلب على الظن أنه الثوري، وذكرنا مراراً أن الحافظ الذهبي -رحمه الله- ذكر قواعد وضوابط في آخر المجلد السابع من السير، للتفريق بين السفيانين والحمادين وغيرهما.
"قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، حديثه حسن، فيه شيء من الكلام لأهل العلم بسبب حفظه وضبطه، وإلا فهو عدل لا إشكال فيه من حيث العدالة، لكن حفظه فيه شيء، وحديثه إذا توبع عليه يرتقي إلى الصحيح لغيره، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
والحسن المشهور بالعدالة |
| والصدق راويه إذا أتى له |
محمد بن عمرو هذا هو، حديثه من قبيل الحسن يرتقي إلى الصحيح بالمتابعة.
"عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قيل: اسمه: عبد الله، وقيل: اسمه: إسماعيل، وهو ممن اشتهر بالكنية، فضاع اسمه كغيره، العادة أن الإنسان إذا اشتهر بشيء ضاع ما عداه، وهذا معروف في القديم والحديث، كثير من الناس يكون من أصدقاء والده شخص اشتهر بأبي محمد أو أبي علي، أو أبي سعيد، أو أبي زيد، أولاد هذا الشخص ما يعرفون اسمه، وين راح أبو علي؟ وين جاء أبو علي؟ ما عمره ذكر باسمه، ومعاصر من أصدقاء أبيه، بعض المعاصرين الآن تتردد أسماؤهم في الصحف يومياً ومع ذلك لا تعرف أسماؤهم، حتى لأقرب الناس، أو لمن قرب منهم؛ لأنهم اشتهروا بالكنى مثلاً، وأبو سلمة ممن اشتهر بذلك فضاع اسمه، وأقرب وأوضح مثال على ذلك أبو هريرة اشتهر في الكنية فاختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً كما قال ابن عبد البر -رحمه الله-، ثقة مكثر، من الطبقة الثالثة، توفي سنة أربعة وتسعين، وأربعة وتسعين هذه سنة الفقهاء، التي توفي فيها الفقهاء السبعة، ومنهم أبو سلمة على قول.
"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الوضوء مما مست النار»" يعني الوضوء واجب أو لازم مما مست النار، وفي رواية مسلم بالأمر: «توضئوا مما مست النار» «ولو من ثور أقط» الثور القطعة، والأقط هو اللبن المجفف المستحجر، ويختلف الناس في تسميته، هذا اسمه الفصيح، بعض الناس يسمونه بجل، بقل، يسمونه بجل، حتى عندنا ذا، نعم يسمونه في جهة أخرى مضير في جهة الوشم وما والاه هناك، نعم، المقصود أنه هو الأقط، وجاء ذكره في حديث الفطرة، زكاة الفطر من رمضان، وأيضاً له ذكر في كثير..، في نصوص كثيرة.
"قال: فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة أنتوضأ من الدهن؟" الدهن مسته النار؛ لأنه شحم يصفى "أنتوضأ من الدهن أنتوضأ؟ أنتوضأ من الحميم؟" الماء الحار الذي مسته النار، نتوضأ منه؟ "فقال أبو هريرة: يا ابن أخي" خاطبه بذلك لصغر سنه، فإذا كان أحدهما كبير والثاني صغير فالصغير يقول: يا عم، كما قالت خديجة أم المؤمنين لورقة بن نوفل: يا عم، والكبير يقول للصغير: يا ابن أخي، والخطاب بمثل هذا يُذكر بالصلة والأخوة، ومع الأسف تجد بعض الناس يقول لأبيه: يا أبا فلان، أو لعمه يا أبا فلان، ما يقول: يا عم، وهذا يوحي بانقطاع الصلة بينهم، التي تربط بينهم.
"يا ابن أخي إذا سمعت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تضرب له مثلاً" يعني بل اعمل به، واسكت عن ضرب المثل له، وبادر بالامتثال، ابن عباس -رضي الله عنهما- حينما قال لأبي هريرة معتمداً على نصوص، يستدل بها على عدم الوضوء مما مست النار، فهو لا يعارض الحديث برأيه، ابن عباس لا يعارض الحديث باجتهاده ورأيه، وإنما يستدرك على أبي هريرة ظناً منه أن هذا اجتهاد من أبي هريرة أو فهم يعارضه فهم ابن عباس، فيعارضه بفهمه يقول: أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ وإلا فابن عباس من أحرص الناس على الاتِّباع والمبادرة والإنكار على من يعارض السنن، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر" هو لا يعارض بقول أبي بكر وعمر فضلاً عن رأيه واجتهاده، لكنه فهم أن هذا اجتهاد من أبي هريرة، ولو نسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون مرده فهم أبي هريرة لما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهم أن الوضوء مما مست النار، وعارضه بفهمه لما فهمه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من ترك الوضوء مما مست النار، وسيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.
"فقال أبو هريرة: يا ابن أخي إذا سمعت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تضرب له مثلاً" لأن بعض الناس إذا سمع الخبر ينظر يقول: هذه المسألة التي اشتمل عليها الخبر نظير المسألة الأخرى التي جاء فيها كذا باجتهاده، والكلام من صريح قوله -عليه الصلاة والسلام- هذا لا يمكن التنظير فيه، فضلاً عن أن يقول كما قال بعض الشراح: في هذا الحصر نظر، يعني في حديث: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» قال بعض الشراح: في هذا الحصر نظر، من الذي قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة»؟ الذي لا ينطق عن الهوى في الحديث الصحيح، الذي لا كلام لأحد فيه، قال: في هذا الحصر نظر، فالتنظير في مثل هذا لا شك أنه سوء أدب، وإن كان يعي ما يقول فالأمر خطير جداً؛ لأنه معارضة لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان سبب المعارضة ظن المعارض أن هذا من فهم الراوي، وأن المسألة تقبل النقاش، وعندي من الفهم ما يعارض به هذا الفهم، فالمسألة أوسع كما في حديث الباب.
"قال أبو عيسى -رحمه الله-: وفي الباب عن أم حبيبة" وهو مخرج في المسند وسنن أبي داود والنسائي، فيه أيضاً عن "أم سلمة" وهو مخرج عند أحمد في المسند والطبراني، وفيه عن "زيد بن ثابت" عند مسلم، "وأبي طلحة" عند الإمام أحمد والطحاوي والطبراني "وأبي أيوب" عند النسائي والطبراني، ومن حديث "أبي موسى" عند أحمد والطبراني أيضاً.
"قال أبو عيسى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار" عملاً بحديث الباب "وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار" وسيأتي في الحديث اللاحق ما يدل على النسخ على أن العلماء اختلفوا في التوفيق بين هذا الحديث والذي يليه هل هو من باب النسخ فلا وضوء مطلقاً؟ أو هو من باب الصرف من التحريم إلى الكراهة فيستحب الوضوء مما غيرت النار؟ لأن الأمر به ثابت «توضئوا مما مست النار» في صحيح مسلم.
يقول الحازمي في (الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار) وهذا كتاب من أفضل كتب الناسخ والمنسوخ بالنسبة للسنة، يعني طالب العلم لزاماً عليه أن يقرأ هذا الكتاب؛ لأن معرفة الناسخ والمنسوخ من أهم الأمور لطالب العلم، فقد يعمل بحديث منسوخ والعبرة بالمتأخر، ولذا وقف علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- على قاص فقال له: "أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت"؛ لأن النسخ معروف في النصوص {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا} [(106) سورة البقرة] فالنسخ ثابت بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ولا عبرة بمن ينفيه كاليهود ويزعمون أنه يدل على البداء، كما يقولون، يعني بدا لله -ظهر له-، ويقول به أيضاً الرافضة وأبو مسلم الأصفهاني، ومن المعاصرين من كتب في التفسير تفسير القرآن للقرآن اسمه: عبد الكريم الخطيب، قال من عناوين الجزء الأول من تفسيره: النسخ ولا نسخ في القرآن، ولا شك أن هذا مخالفة لما اتفق عليه سلف هذه الأمة وأئمتها.
قولهم: إنه يدل على البداء وأن الله -جل وعلا- بدا له أي ظهر له أمراً كان خافياً عليه، الله -جل وعلا- يعلم السر وأخفى، يعلم ما كان وما يكون، وإنما النسخ من أجل مصلحة المكلف فقد يكون الحكم في هذا الوقت أنفع له، ثم تغييره في وقت آخر أنفع له، وفيه أيضاً امتحان واختبار وابتلاء للمكلفين إذا نقلوا من حال إلى حال ينظر كيف امتثالهم للأوامر والنواهي، في حديث الثلاثة في الصحيح الثلاثة: الأقرع والأعمى والأبرص «ثم بدا لله أن يختبرهم» واللفظة ثابتة في الصحيح، وهذه اللفظة تفسر بما جاء في الصحيح أيضاً «ثم أراد الله أن يختبرهم» فقوله: بدا يفسر بـ(أراد) كما في الرواية الأخرى الصحيحة.
يقول الحازمي في الاعتبار: اختلف أهل العلم في هذا الباب فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار، منهم ابن عمر وأبو طلحة وأنس وأبو موسى عائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز، نقلوا عنه بالأسانيد الثابتة أن عمر بن عبد العزيز يتوضأ من السكر، وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن، وذهب أكثر أهل العلم كما قال الإمام الترمذي -رحمه الله- وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار، ورأوه آخر الأمرين، يعني كما سيأتي في حديث جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ورأوه آخر الأمرين من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم، وسالم والقاسم بن محمد والإمام مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
على كل حال هو قول الجمهور ترك الوضوء مما مست النار، والقول الذي يقابله الوضوء من جميع ما مست النار، يعني القول في لحم الإبل على جهة الخصوص يأتي بعد هذا، لكن الخلاف هنا فيما مست النار، هل جميع ما مست النار يتوضأ منه أو لا يتوضأ منه؟ فالخلاف في العموم، نعم؟
طالب:........
نعم؟
طالب:........
إي في مقابل النص، إنكار القياس في ما يقابل النص، وهذا قول عامة أهل العلم.
طالب:........
كيف؟
طالب:......
يقول: إذا جاءك الخبر، إذا سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نعم فهو في مقابل النص، لا شك أنه فاسد الاعتبار، وهذا قول جميع أهل العلم، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار:
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابراً قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف فأتته بعلالة من علالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ".
قال: وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو بن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة.
قال أبو عيسى: ولا يصح حديث أبي بكر في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مِصك عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، هكذا روى الحفاظ، وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس وغير واحد عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكروا فيه عن أبي بكر الصديق، وهذا أصح.
قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار" الحديث الأول: فيه الوضوء مما غيرت النار، والثاني: فيه ترك الوضوء مما غيرت النار فدل على أن الفعل المتعقب للترك أنه متقدم، والترك إنما يكون لفعل متقدم، فالمتروك هو الأول والمصير إليه هو الثاني.
يقول -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر" العدني الذي مر في الحديث السابق "قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل" بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد، صدوق في حديثه لين، من الرابعة، مات بعد الأربعين، يعني ومائة، صدوق في حديثه لين، حديثه من قبيل الحسن "سمع جابراً قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر، محمد بن المنكدر" بن عبد الله التيمي ثقة فاضل من الثالثة، وهو متابع لعبد الله بن محمد بن عقيل متابعة صحيحة ما فيها إشكال، فيرتقي حديث ابن عقيل إلى الصحيح.
قال: "وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل" فدخل على امرأة من الأنصار يعني مثل هذا الخبر يطير به أهل الأهواء والأغراض الفاسدة الذين يرون أو يريدون ويخططون لتضييع المرأة، ويوردون مثل هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل على امرأة من الأنصار، والذي حرره وحققه جمع من أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا حجاب عنه من قبل النساء، لا حجاب عنه -عليه الصلاة والسلام-، أنه لا يجب الحجاب عنه من قبل النساء.
"فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل" وهذا لعلمها أن زوجها يأذن لها في مثل ذلك، بل يفرح، والمرأة إذا دلت القرائن عندها على التصرف في مال زوجها أنه لا تثريب عليها ولا إثم عليها "فذبحت له شاة فأكل -عليه الصلاة والسلام-، وأتته بقناع" يقولون: هو الطبق الذي يؤكل عليه "بقناع من رطب فأكل منه -عليه الصلاة والسلام-، ثم توضأ -للظهر- وصلى، ثم انصرف فأتته بعلالة" البقية من السابق، من اللحم السابق "بعلالة من علالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ" ومعلوم أن اللحم لا يؤكل إلا بعد أن تمسه النار، مطبوخ، فدل هذا الحديث على أن الأمر بالوضوء مما مست النار منسوخ، فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار ليس بواجب بل منسوخ، وإن أمكن أن يصرف الأمر السابق من الوجوب إلى الاستحباب فقد قال بهذا بعض العلماء، وبعضهم يرى أنه منسوخ، فإذا توضأ من لحم الغنم مثلاً بناءً على ما سئل عنه -عليه الصلاة والسلام- أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: «إن شئت» قال: أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: «نعم» على ما سيأتي، فقوله: «إن شئت» دليل على الاستحباب أو الإباحة؟ نعم مرده إلى المشيئة يدل على الإباحة، لكن هذه الإباحة في مقابل المنع من الإسراف وتضييع الماء، يعني عندنا الأصل أن اللفظ دلالته ظاهرة في الإباحة «إن شئت» لأنه رد الأمر إلى مشيئته، فإن شاء فعل وإن شاء ترك، لكن إذا كان هذا في مقابل يعني في مقابل المنع من الإسراف وتضييع الماء، فهل يرجع مثل هذه المشيئة إلى التجديد أو أن هذا مما يتوضأ منه، لكن لا على سبيل الوجوب، يعني لو أن أمراً لا علاقة له بالأكل والشرب، سأل واحد قال: أتوضأ إذا ذهبت إلى المحل -إلى الدكان- فقيل له: إن شئت، ولا داعي لهذا الوضوء البتة، فرده إلى مشيئته، هل نقول: هذا إباحة أو أنه تجديد لغير عبادة أو أنه ليبقى الإنسان على طهارة؟
طالب:.......
نعم، يعني بقاء الإنسان على طهارة باستمرار لا شك أنه هو الأولى، فهذه المشيئة مردها على أن..، المسألة فيها غاية الدقة ترى، المسألة دقيقة؛ لأن قوله: «إن شئت» يعني هل تتوضأ وضوء شرعي مباح؟ يعني هل يمكن أن يوجد الإنسان وضوءاً شرعياً مباحاً مستوي الطرفين إن شاء تركه وإن شاء فعله؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، يعني مسألة التجديد ذهب بحثها، لكن الآن أكل لحم غنم قال: «إن شئت» توضأ من لحم الغنم قال: إن شئت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من لحم الشاة ولم يتوضأ، فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان على وضوء، صلى به الظهر، ثم أكل من لحم الشاة، من علالة لحم الشاة، الذي بقي منها، ولم يتوضأ، الكلام ويش هو عليه؟ هل قوله: «إن شئت» إباحة وإلا استحباب في مقابل المنع من تضييع الماء والإسراف فيه؟ لأن مسألة مستوي الطرفين لا بد لها من مرجح، إما أن تفعل أو لا تفعل، يعني هل وجد ما يوجب الوضوء؟ لا، ما وجد؛ لأنه قال: «إن شئت» فما دام رده إلى مشيئته فلا وجوب، نعم. لكن هل وجد ما يستحب منه الوضوء؟ اللي هو الأكل مما مسته النار، عملاً بحديث الباب السابق، استصحاباً له إلا أن الوجوب المفهوم من الأمر صرف إلى الاستحباب بهذا الحديث، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك ما أمره به للدلالة على أنه لا على سبيل الوجوب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث أتي بالعلالة من علالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ، وفي هذا دليل على أن ما جاء في الحديث السابق إما منسوخ كما هو قول أكثر أهل العلم، أو مصروف من الوجوب إلى الاستحباب، فيبقى أن من أكل لحم غنم يستحب له أن يتوضأ؛ لأنه مما مسته النار، وجاء الأمر به.
كونه -عليه الصلاة والسلام- صلى ولم يتوضأ لا يعني أنه لا يستحب، وقوله: «إن شئت» ورده إلى المشيئة دليل على أنه لا يأثم بترك الوضوء، وأن الأمر فيه سعة، لا يعني أنه مستوي الطرفين على القول الآخر، وكثير من الأوامر والنواهي تصرف من الوجوب والتحريم بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وكونه يفعل خلاف المستحب أو يفعل المكروه الذي صرف إليه النهي هذا في حقه هو الأفضل؛ لأنه مشرع، والنص تشريع، وصرفه للأمر من الوجوب إلى الاستحباب هذا تشريع، كما أن صرفه النهي من التحريم إلى الكراهة تشريع.
"قال: وفي الباب عن أبي بكر" عند أبي يعلى والبزار، وفيه كلام الترمذي من قوله: لا يصح على ما سيأتي بيانه "وابن عباس" في الصحيحين "وأبي هريرة" عند ابن حبان وابن خزيمة والبزار وأبي يعلى "وابن مسعود" عند أحمد وأبي يعلى "وأبي رافع" عند مسلم وأحمد في المسند "وأم الحكم" أو أم حكيم كما جاء في بعض الروايات عند أحمد في المسند والطبراني "وعن عمرو بن أمية" عند الشيخين "وأم عامر" عند الإمام أحمد في المسند والطبراني "وسويد بن النعمان" في الصحيحين "وأم سلمة" عند أحمد والطبراني.
على كل حال الأحاديث متظافرة على أنه لا يتوضأ مما مست النار، وأن هذا آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام-.
"قال أبو عيسى: ولا يصح حديث أبي بكر" الذي أشار إليه في الباب عن أبي بكر الصديق "حديث أبي بكر في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مِصَك، وعامة أهل العلم على تضعيفه" هذا ضعفه عامة أهل العلم "عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "هكذا روى الحفاظ، وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس وغير واحد عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكروا فيه عن أبي بكر الصديق وهذا أصح".
ويريد بذلك كله أن يعل حديث أبي بكر -رضي الله عنه-.
"قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" فالبخاري في صحيحه قال: وأكل أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- لحماً فلم يتوضئوا، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكره البخاري في صحيحه عن أبي بكر وعمر، وعثمان أنهم أكلوا لحماً فلم يتوضئوا "من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار" رأوه الرؤيا هنا من الرأي، يعني اعتقدوه؛ لأن الرؤية تأتي...، يأتي الفعل رأى بالبصر، رأى كذا ببصره، ورآه أيضاً بعقله ورأيه، ورآه أيضاً رؤيا في المنام، المقصود أنه هنا من باب الاعتقاد والرأي "وهذا آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول" قال: كأن، فأتى به على صيغة التشبيه، لا على صيغة الجزم، ما قال: وهذا الحديث ناسخ، قال: كأن هذا الحديث ناسخ للأول، فدل على أن القول بأنه صارف، صارف للحديث الأول من الوجوب إلى الاستحباب فيبقى الاستحباب، استحباب الوضوء عن كل ما مسته النار "وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار" والحديث الثاني بدل من الحديث الأول، يعني ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء، يعني إعادة المعرفة معرفة تدل على أنه هو عينه عين الأول، فالحديث معرف بـ(أل) وحديث الوضوء معرف بالإضافة فهو هو نفسه، فبدل، حديث الوضوء مما مست النار، وكان الزهري يرى الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة، الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة، يعني عكس ما يراه الأكثر.
حديث الباب: النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من علالة الشاة فلم يتوضأ، نعم؟
طالب:.......
أكل من علالة الشاة فصلى العصر ولم يتوضأ، يرى الزهري أن هذا هو المتقدم، وأن الأمر بالوضوء مما مست النار هو المتأخر، فيرى أن الحكم الأمر بالوضوء هو المتأخر فيكون ناسخاً لأحاديث الإباحة؛ لأن الإباحة سابقة، كيف الإباحة سابقة؟ يعني عندنا نصان متعارضان، متعارضان إذا عرفنا التاريخ فلا إشكال، المتأخر ينسخ المتقدم، لكن عندنا حديث يدل على الإباحة، وحديث يدل على المنع، ولا نعرف المتقدم من المتأخر، لو جهلنا التاريخ لكان كلام الزهري متجه، كلامه متجه، كيف؟ لأن الأكل من لحم الشاة من عُلالة الشاة والصلاة من دون وضوء جاري على البراءة الأصلية، على الإباحة الأصلية، وحديث: الأمر بالوضوء مما مست النار ناقل عن البراءة الأصلية، وحينئذٍ يكون أقوى، أو ينضوي الأمر تحت قاعدة أخرى: التأسيس أولى من التأكيد، فكونه -عليه الصلاة والسلام- يصلي بدون وضوء بعد أن أكل من علالة الشاة هذا ماشي على البراءة الأصلية ومؤكد لها، وحديث: الأمر بالوضوء مما مست النار مؤسس لحكم جديد، والتأسيس أولى من التأكيد عند التعارض، هذا إذا لم نعرف التاريخ، كيف عرفنا التاريخ أن الترك هو المتأخر؟ من قول جابر -رضي الله عنه-: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ولولا هذا لقلنا: إن رأي الزهري وجيه؛ لأن الصلاة بدون وضوء مما مست النار مؤكد وجارٍ على الإباحة الأصلية، وعلى الأصل، والأمر بالوضوء ناقل عن هذا الأصل ومؤسس لحكم جديد.
وكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة؛ لأن الإباحة سابقة، واعترض عليه بحديث جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار".
وقال النووي: كان الخلاف معروفاً بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أن لا وضوء مما مست النار، إلا ما استثني من لحوم الإبل.
وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، واختار هذا المجد في المنتقى، فلا يكون فيه نسخ، وإنما يكون فيه صرف، ويبقى الأمر على الاستحباب، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل:
حدثنا هنَّاد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: «توضئوا منها» وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: «لا تتوضئوا منها».
قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير.
قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، وهو قول أحمد وإسحاق، وروى عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة الجهني، وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه، وقال: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أسيد بن حضير، والصحيح عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث البراء وحديث جابر بن سمرة، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم أنهم لم يروا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة.
يعني ما تقدم ذكره من الأمر ثم العدول عنه بالنسبة للوضوء مما مست النار على جهة العموم، وفي الباب في لحوم الإبل على سبيل الخصوص.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل" قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد" وهو ابن السري "قال: حدثنا أبو معاوية" محمد بن خازم الضرير أحد الأئمة، ثقة من الثقات الأثبات "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن عبد الله بن عبد الله الرازي" عبد الله بن عبد الله الهاشمي مولاهم الرازي الكوفي القاضي وثقه أحمد "عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة، من الثانية، تابعي "عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: «توضئوا منها»" أمر صريح «توضئوا منها» وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: «لا تتوضئوا منها».
وفي الرواية الأخرى: أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: «إن شئت» أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: «نعم» ففي الغنم رده إلى مشيئته، وفي الإبل لا خيرة في ذلك، نعم، وهنا قال: «لا تتوضئوا منها».
"قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة" مخرج في صحيح مسلم "وأسيد بن حضير" وأخرجه ابن ماجه "وابن عمر" أخرجه ابن ماجه أيضاً، لكنه لا يثبت في الباب إلا حديث البراء وحديث جابر بن سمرة، ففي الباب حديثان صحيحان في الأمر بالوضوء من لحم الإبل.
"قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير" يعني بدلاً من البراء بن عازب، فخالف الحجاج بن أرطأة الأعمش، يعني حديث الباب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، ورواه الحجاج بن أرطأة، وهو معروف بضعفه وسوء حفظه، فذكره عن أسيد بن حضير، ولا شك أن رواية الأعمش مقدمة، ولذا قال: حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب "والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب" لأن الأعمش أوثق وأحفظ من الحجاج.
يقول الحافظ ابن حجر في التلخيص: قال ابن خزيمة في صحيحه: لم أرَ خلافاً بين علماء الحديث أن هذا الخبر -أي حديث البراء- صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه، وذكر الترمذي -هذا كلام الحافظ في التلخيص- يقول: ذكر الترمذي الخلاف فيه على ابن أبي ليلى هل هو عن البراء أو عن ذي الغرة أو عن أسيد بن حضير، وصحح أنه عن البراء، وكذا ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه، وصحح في ذلك حديث البراء.
المقصود أن المسألة -أعني الأمر بالوضوء من لحم الإبل- فيه حديثان صحيحان، وهما: حديث البراء حديث الباب، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم "وهو قول أحمد وإسحاق، وروى عبيدة الضبي" عبيدة بن المعتب الضبي أبو عبد الرحمن الكوفي، ضعيف علق له البخاري "عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة الجهني" وهذا مخرج في زوائد عبد الله على مسند أبيه، ومداره على عبيدة الضبي، وفيه ما سمعت من الضعف "وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه" أخطأ فيه الحجاج في مقامين: المقام الأول: "قال فيه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه" والخطأ الثاني: قوله: عن أسيد بن حضير، والصحيح عن عبد الله بن عبد الله الرازي لا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والصواب في الشق الثاني عن البراء بن عازب لا عن أسيد بن حضير.
"قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان" أي في باب الوضوء من لحوم الإبل "صح فيه حديثان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وذكر "حديث البراء -حديث الباب- وحديث جابر بن سمرة" عند مسلم "وهو قول أحمد وإسحاق" يعني القول بموجب ذلك، وهو وجوب الوضوء من لحوم الإبل، وأنه ناقض من نواقض الوضوء "وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم أنهم لم يروا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة".
يقول النووي -رحمه الله-: اختلف العلماء في أكل لحم الجزور، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي، هذا قول الجمهور بلا شك، يعني قول الأكثر أنه لا ينقض.
وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة والبيهقي، يعني كثير من أصحاب الشافعي -رحمه الله- ذهبوا إلى أن لحم الإبل ينقض الوضوء.
وحكي عن أصحاب الحديث مطلقاً، يعني هو لازم لكل من يعتمد على الحديث؛ لأنه صح فيه، صح فيه حديثان، فلا مناص ولا مفر من العمل بهما.
قوله: حكي عن أصحاب الحديث، يعني إذا كان مالك والشافعي لا يرون نقض الوضوء من لحم الإبل فكيف ينسب هذا العمل إلى أهل الحديث؟ يعني أهل الحديث من أهل العناية به والتفقه فيه من غير المتبوعين، يعني من غير المتبوعين.
وحكي عن أصحاب الحديث مطلقاً، وحكي عن جماعة من الصحابة احتجاجاً بحديث البراء وجابر بن سمرة.
يقول النووي: وهذا المذهب أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على خلافه، ومذهبه أعني الشافعي النووي شافعي المذهب، لكنه رجح أن الأكل من لحم الإبل ناقض من نواقض الوضوء، وخرج عن ربقة التقليد اتباعاً للحديث، وهذا كثير عنده -رحمه الله- ومثله ابن المنذر والبيهقي وكثير من الشافعية ميلهم إلى الحديث، وهم في ذلك يتبعون إمامهم؛ لأنه أثر عنه أنه قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ولو صح كذا لقلت به، فإذا صح عند أتباعه كانوا تابعين لإمامهم ولو خالفوه، باعتبار أنه لو صح الخبر عنده لعمل به، وما دام صح عندهم فأصولهم تقتضي العمل به وإن لم يقل به الإمام.
وعلى كل حال المرجح في هذه المسألة أن الأكل من لحم الإبل ناقض للوضوء لهذين الحديثين، وما جاء في لحم الإبل خاص، وما جاء من قوله -من قول جابر-: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار" عام.
وأيضاً الأمر بالوضوء من لحم الإبل منطوق، ومعارضه من عموم حديث: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار" مفهوم، والمفهوم لا يعارض المنطوق، وبهذا يترجح القول بأن أكل لحم الإبل ناقض، لكن لو كان الشخص ممن لا يرى النقض من أتباع مالك أو الشافعي أو أبي حنيفة، وصار إماماً ويأكل لحم الإبل ويؤم الناس فهل يقتدي به من يرى النقض؟ نعم يقتدي به؛ لأنه يقتدي بأئمة تبرأ الذمة بتقليدهم، ولهم مستند ولهم معتمد فقولهم له حظ من النظر وإن كان مرجوحاً، ففي مثل هذا تصح إمامته، ويصلي خلفه من يرى النقض بلحم الإبل، ولا شك أن المسائل مختلفة، يعني من يعمل بحكم لا دليل له عليه هذا ما يصلي خلفه من يرى الحكم بمقتضى الدليل، ولذا في رسالة الشيخ عبد الله بن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة يقول: ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يرى الطمأنينة، لكن لو اطمأن الحنفي صلينا وراءه، لكن حنفي ولا يرى الطمأنينة ركن فينقر الصلاة هذا ما نصلي وراءه؛ لأن الطمأنينة عندنا ركن، ودلالة الحديث -حديث المسيء- عليها واضحة وظاهرة، لكن الدلالة على الجهر بالبسملة أو عدم الجهر فيها أدلة لكل من الفريقين، وإن كان الأرجح عدم الجهر بالبسملة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"هو مخير من وجه، وبين له الطريق، وهدي الصراط المستقيم، هداية الدلالة والإرشاد، ومع ذلك فهو مسير باعتبار أن خيرته تابعة لخيرة الله ورسوله، فله مشيئة، وله إرادة، لكنها خاضعة وتابعة لمشيئة الله -جل وعلا-.
الإشكال أن بعض الكلام في السؤال يدل على أن الشخص بعيد عن فهم هذه الأمور؛ لأنه لم يسمعها من قبل، أو لم يكن متدرجاً في العلم بحيث يتأهل لفهم هذه الأمور، وعلى كل حال كلمة ثقة تعني مرتبة الراوي من حيث القبول، ومن الطبقة الثانية، لا يقال من المرتبة الثانية من الطبقة الثانية التي هي عبارة عن مثل ما ذكرنا سابقاً أن المراد بالطبقة القوم المتشابهون في السن، والأخذ عن الشيوخ، والمشاركة في الشيوخ، فهم قوم متشابهون متقاربون في السن، وقلنا: إنه في تعبيرنا أقرب ما يقال فيهم أنهم الزملاء.
لا سيما في زمن تقاعس فيه أهل الخير وطلبة العلم عن الإنكار.
أفضل طبعات الصحيح هي الطبعة التركية، الطبعة العامرة في ثمانية أجزاء.
لم يرد في ذلك دليل إنما الوارد «أتسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «أجب، لا أجد لك رخصة».
هذا الكلام ليس بصحيح، أولاً: وصفك لنفسك بأنك مستقيم مع أنك تزاول المحرمات، هذا الوصف ليس بصحيح، إنما أنت مسلم مقارف للذنوب، عليك أن تتوب إلى الله -جل وعلا-، وأن تقلع عما أنت عليه من معاصي، أما كونك مستقيم فلا، الاستقامة لزوم الجادة الالتزام بالأوامر والنواهي، وكونك تترك الاستقامة إيش معنى الاستقامة التي أنت عليها؟ قلنا: أنك مسلم، لكنك مسرف على نفسك بارتكاب هذه المحرمات، وقولك: أنك سوف تترك هذه الاستقامة معناه أنك تزيد في المعاصي، وهذا ليس بحل، الحل أن تتوب إلى الله -جل وعلا-، وأن تقلع فوراً عما تزاوله من معاصي، وأن تندم على ما فات، وأن تعزم ألا تعود.
الأولى الاقتصار على ألفاظ النداء، لكن إذا وجد من يدعو إلى الصلاة في غير مكان الأذان وبغير صيغه، فهذا من الأمر بالمعروف، لكن يبقى أن خروجك من المسجد بعد الأذان معصية، قال بعض التابعين كما في الموطأ عن الإمام مالك: كانوا يرون أنه لا يخرج من المسجد بعد الأذان إلا منافق، فعليك أن لا تخرج من المسجد بعد الأذان، نعم إن ناديت ونبهت إلى الصلاة قبل دخول المسجد هذا المطلوب.
إذا كان الجنب لا يجوز له أن يمكث في المسجد فمن باب أولى مزاولة هذا في المسجد، لا يجوز بحال مثل هذا الأمر، امتهان للمسجد، وبعض من يسكن في مرافق المسجد أحياناً يزاول مثل هذا الأمر، أحياناً يكون السكن لإمام المسجد أو لمؤذن المسجد أو حارس المسجد يكون حكمه حكم المسجد؛ لأنه يفتح على المسجد، وحينئذٍ لا يجوز له أن يفعل فيه شيئاً مما يخل بكرامة المسجد؛ لأن له أحكام المسجد، أما إذا كان يفتح على خارج المسجد فهذا أمره أخف.