شرح أبواب الصلاة من سنن الترمذي (08)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صلاة الوسطى صلاة العصر» هذا حديث حسن صحيح.
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «صلاة الوسطى صلاة العصر».
وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة وأبي هاشم بن عتبة.
قال محمد: قال علي بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه.
حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم.
وقال زيد بن ثابت وعائشة: "صلاة الوسطى صلاة الظهر" وقال ابن عباس وابن عمر: "صلاة الوسطى صلاة الصبح".
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب.
وأخبرني محمد بن إسماعيل عن علي بن عبد الله عن قريش بن أنس بهذا الحديث.
قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح، واحتج بهذا الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في صلاة الوسطى" يعني التي أشير إليها في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] "باب: ما جاء في صلاة الوسطى" وبعض النسخ: "في الصلاة الوسطى أنها العصر" وهذا قول جمهور أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم "وقد قيل: إنها الظهر" وسيأتي القائل بذلك في كلام الترمذي -رحمه الله تعالى-.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صلاة الوسطى صلاة العصر»" هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم، ومع ثبوته مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعين القول بأن الصلاة الوسطى هي العصر، ولا ينظر إلى غيره، وإن كان قائله من الصحابة ومن غيرهم من الأئمة، فالعبرة بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلتفت إلى أحد مع قوله كائناً من كان.
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن سعيد" هو ابن أبي عروبة، وإن قال الشارح المباركفوري أنه ابن المسيب، لكنه وهم في ذلك، وكتب الأطراف تدل على هذا أنه سعيد بن أبي عروبة، "عن قتادة عن الحسن" البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، عن الحسن البصري "عن سمرة بن جندب" الصحابي "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «صلاة الوسطى صلاة العصر»" وهذا الحديث من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختلف في رواية الحسن عن سمرة أهل العلم، فمنهم من يقول: إنه لم يسمع منه شيئاً، ومنهم من يقول: سمع منه مطلقاً كما سيأتي في كلام علي ابن المديني الذي نقله الترمذي بواسطة البخاري، ومنهم من يقول: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط، وفي صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي ابن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فقال: سمعته من سمرة، وسيذكره الترمذي -رحمه الله- فيما بعد موصولاً عنده، وعند البخاري معلق، فدل على أنه سمع منه حديث العقيقة، وإذا ثبت سماعه لحديث واحد عند أهل العلم اطّرد، لكن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- مشكلته في التدليس كبيرة، فقد يقول: حدثنا فلان ويريد بذلك أنه حدث أهل البلد وهو فيهم، هذا مما يجعل أهل العلم يتوقفون في سماعه من سمرة وإن صرح بسماعه منه حديث العقيقة، ولذا أكثر أهل العلم على أن الحسن لم يسمع منه إلا هذا الحديث، والبخاري تبعاً لشيخه علي بن المديني فيما نقله عنه أنه سمع منه مطلقاً، وهذه هي الجادة أنه إذا سمع منه حديث يكفي، إذا ثبت سماعه له فإنه يثبت له سماعه في كل ما يُصرح فيه بالسماع إذا كان مدلساً، وإذا انتفت تهمة التدليس عنه لا يلزم أن يصرح أيضاً، ولو أتى بصيغة عن.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «صلاة الوسطى صلاة العصر»" لأنها تقع بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل، الصبح والظهر من صلوات النهار، والمغرب والعشاء من صلاة الليل، والعصر بينهما، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي" عند البخاري ومسلم "وعبد الله بن مسعود" الذي تقدم قبل هذا الحديث، "وزيد بن ثابت" سيأتي عند الترمذي في التفسير، ورواه أحمد وأبو داود، لكن قالا: هي الظهر، يعني ما جاء عن زيد بن ثابت أنها الظهر، وسيأتي في التفسير من جامع الترمذي أنها العصر، فيكون لزيد في المسألة قولان "وعائشة" عند مسلم وأبي داود والنسائي "وحفصة" عند مالك في الموطأ "وأبي هريرة" عند البيهقي، "وأبي هاشم بن عتبة" يقول المعلق: حديث أبي هاشم بن عتبة ذكره ابن حجر في الإصابة من طريق كهيل بن حرملة، قال: قدم أبو هريرة دمشق فنزل على أبي كلثوم الدوسي، فأتيناه فتذاكرنا الصلاة الوسطى فاختلفنا فيها، فقال أبو هريرة: اختلفنا فيها كما اختلفتم، ونحن بفناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة، فقام فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان جريئاً عليه، ثم خرج إلينا فأخبرنا أنها العصر، وذكره السيوطي في الدر المنثور بنحوه، ونسبه ابن حجر لأبي داود والترمذي والنسائي والبغوي والحاكم، والحاكم أبي أحمد، ونسبه السيوطي لابن سعد والبزار وابن جرير والطبراني والبغوي، قال أحمد شاكر: وقد بحثت عنه في أبي داود والترمذي والنسائي فلم أجده.
ويؤيد ذلك أن الحافظ الهيثمي ذكره في مجمع الزوائد، وقال: رواه الطبراني في الكبير والبزار، وقال: لا نعلم روى أبو هاشم بن عتبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث وحديثاً آخر، قلت: ورجاله موثقون، فلو كان مروياً في أحد الكتب الستة كما زعم الحافظ ابن حجر لما ذكره الهيثمي في الزوائد؛ لأن مجْمع الزوائد في زوائد المعاجم والمسانيد على الكتب الستة، فلو كان الحديث موجوداً في السنن كما قال أحمد شاكر لما أخرجه الهيثمي في الزوائد.
"قال أبو عيسى: قال محمد: قال علي بن عبد الله" محمد هو ابن إسماعيل البخاري، وعلي بن عبد الله هو شيخه علي بن المديني "حديث الحسن عن سمرة بن جندب حديث صحيح، وقد سمع منه"، "قال أبو عيسى: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن" علي بن المديني يقول: صحيح، والترمذي يقول: حسن في هذا الموضع مع أنه صححه في كتاب التفسير، يعني خرجه في كتاب التفسير وصححه.
قال: "وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم" يقول النووي في المجموع: هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، يعني كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، وإليه ذهب أحمد وأبو حنيفة.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: هو المذهب الذي يتعين المصير إليه، ولا يرتاب في صحته، وعليه تدل النصوص الصحيحة الصريحة، يؤيد ذلك ما جاء في التشديد في صلاة العصر: «من فاتته العصر» «من ترك العصر» «من صلى البردين» «من حافظ على صلاة في أول النهار وصلاة في آخره».. إلى آخره، المقصود أن صلاة العصر لها شأن عظيم، مما يدل على عطفها على الصلاة عموماً {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصلاة الوسطى} [(238) سورة البقرة] وهي داخلة في الصلوات إلا أنها هذا من باب عطف الخاص على العام للعناية بشأن الخاص والاهتمام به.
"وقال زيد بن ثابت وعائشة: "صلاة الوسطى صلاة الظهر" ورواه عن زيد بن ثابت أحمد وأبو داود عنه.
"وقال ابن عباس وابن عمر: "صلاة الوسطى صلاة الصبح" صلاة الوسطى صلاة الصبح لأنها مثل العصر، بعد صلاتين ليلتين وقبل صلاتين نهاريتين، يعني كما قيل في صلاة العصر، وجاء فيها من النصوص نظير ما جاء في صلاة العصر، المقصود أن قول ابن عباس وابن عمر الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، وهو مذهب الشافعي ومالك، ومع ذلك لا يقاوم ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنها صلاة العصر.
قال بعضهم: هي المغرب لأنها وسطى، لماذا؟ بالنسبة لعدد الركعات ليست رباعية ولا ثنائية، ثلاثية متوسطة بين الصبح وبين الظهر والعصر والعشاء، وقيل: العشاء، وجاء فيها ما جاء في صلاة الصبح من أنها أثقل الصلاة على المنافقين، وقيل: أخفاها الله كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة ليجتهد الناس في الصلوات كلها، ما من صلاة إلا وقد قيل: إنها هي الوسطى، ولكن النصوص الصحيحة الصريحة كما قال النووي وغيره تدل على أنها العصر.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب"
هذا تصريح من الحسن أنه سمع من سمرة حديث العقيقة، فلا إشكال في هذا؛ لأنه صحيح، سمع من سمرة حديث العقيقة، والسن يحتمل، لكن مع ذلك هل يُطرد القول بسماعه منه لأنه ثبت سماعه منه لهذا الحديث؟ أو يقال: إنه لم يسمع منه إلا هذا الحديث؟ أو يقال: لم يسمع منه مطلقاً لأن البخاري أورد الخبر تعليق؟ وصله الترمذي، على كال حال "قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- قال: حدثنا علي بن عبد الله" يعني شيخه ابن المديني "عن قريش بن أنس بهذا الحديث، قال محمد: قال عليٌ: وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث" وقال شعبة: لم يسمع الحسن من سمرة شيئاً، واختاره ابن حبان، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقيل: سمع منه مطلقاً كما سمعنا في كلام علي بن المديني، وقيل: سمع منه حديث العقيقة فقط، قاله النسائي والدارقطني والبزار، واختاره عبد الحق، لكن من أثبت كعلي بن المديني والبخاري قالوا: إنه مقدم على من نفى، ولعله اختيار الترمذي؛ فإنه صحح أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، ويبقى أنه إن صرّح الحسن بالسماع منه قُبل وإلا فلا؛ لأن الحسن مدلس، وتدليسه شديد فلا تقبل عنعنته مع هذا الاختلاف، فلا بد أن يصرح.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة قال: أخبرنا أبو العالية عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب، وكان من أحبهم إلي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي، ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية -رضي الله عنهم-.
حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح.
قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء: حديث عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى» وحديث علي: «القضاة ثلاثة».
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر" جاء النهي عن الصلاة في هذين الوقتين في هذا الحديث حديث عمر وهو مروي عن جمع من الصحابة يشير إليهم الترمذي بقوله: وفي الباب ممن سيأتي ذكره، وجاء أيضاً النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في حديث عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" فعندنا وقتان وفي حديث عقبة ثلاثة، فتكون الأوقات خمسة، ومنهم من يجعلها ستة فيجعل ما قبل صلاة الصبح وقت، وما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وقت، ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت ثالث، ومن وقوفها في كبد السماء حتى تزول رابع، ومن صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب خامس، ومن ذلك الوقت إلى أن تغرب وقت سادس، لماذا؟ لأنه اختلف في بداية وقت النهي بالنسبة للصبح هل هو من طلوع الصبح أو من صلاة الصبح؟ مع أنهم يتفقون على أن وقت النهي بالنسبة للعصر إنما يبدأ من صلاة العصر، لا من وقت العصر، فيتطوع المرء بما شاء بين أذان صلاة العصر وبين إقامتها، وقد جاء الحث على أربع ركعات قبل صلاة العصر، فالنهي هل يبدأ من طلوع الصبح إذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، أو يبدأ من صلاة الفجر وحينئذٍ يتطوع الإنسان بما شاء حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح بدأ وقت النهي، وجاء في الحديث: «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» وجاء أيضاً بالإجمال كما هنا، قال: "نهى عن الصلاة بعد الفجر" ويحتمل أن يكون بعد طلوعه وبين أداء صلاة الفجر.
فالمسألة كما سمعتم والأكثر على أن الأوقات خمسة، من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس هذا واحد، ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الصبح الفريضة، ومعلوم أن الفرائض لا تدخل على خلاف سيأتي مع الحنفية وركعتا الفجر مستثناة.
طيب لماذا لا نقول: إن أوقات النهي ثلاثة؟ من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس، ولا نفصل هذا إلى وقتين أو ثلاثة، وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس ثلاثة، وكلما قلت الأقسام كان الحصر والضبط أقرب، لماذا؟ لأن هذه الأوقات متفاوتة، منها الأوقات الموسعة التي النهي فيها أخف من الأوقات الثلاثة المضيقة بدليل أنه لا يقتصر على النهي عن الصلاة، بل دفن الموتى ممنوع في حديث عقبة بن عامر فهي أوقات قصيرة ثلاثة مضيقة، والنهي فيها أشد من الوقتين الموسعين.
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان" أبو المغيرة الثقفي الواسطي ثقة "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "قال: أخبرنا أبو العالية" رفيع بن مهران الرياحي ثقة، وسيأتي في كلام الإمام الترمذي أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وهذا واحد منها على ما سيأتي، "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب"، قال: حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر "وكان من أحبهم إليَّ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الفجر" يعني بعد صلاة الفجر، أو بعد دخول وقتها سوى ركعتي الفجر على ما قرر عند أهل العلم، وإن كان المرجح أنه بعد طلوع الفجر، النهي يبدأ من بعد طلوع الفجر، فلا صلاة إلا ركعتي الفجر "حتى تطلع الشمس" وهذا الوقت موسع، ومن طلوعها حتى ترتفع هذا وقت مضيق "وعن الصلاة بعد" صلاة "العصر" أي بعد العصر يعني بعد صلاتها بالاتفاق "حتى تغرب الشمس".
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" عند أبي داود "وابن مسعود" عند الطحاوي "وأبي سعيد" عند البخاري ومسلم "وعقبة بن عامر" عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم "وأبي هريرة" عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند الشيخين أيضاً "وسمرة بن جندب" قال الشارح: لم يقف على من أخرجه، "وعبد الله بن عمرو" عند الطبراني "ومعاذ ابن عفراء" وهذا ذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه "والصنابحي" عند أحمد في المسند وعند النسائي وعند مالك في الموطأ، قال: "ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-" فخبره مرسل "وسلمة بن الأكوع" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وزيد بن ثابت" عند الطبراني "وعائشة" عند أبي داود "وكعب بن مرة" عند الطبراني أيضاً "وأبي أمامة" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وعمرو بن عبسة" عند أحمد في المسند، وعند الإمام مسلم وأبي داود "ويعلى بن أمية" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "ومعاوية" عند البخاري وغيرهم من الصحابة، كثير من الصحابة رووا أحاديث النهي.
"قال أبو عيسى: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، "وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح" قال: بعد صلاة الصبح مع أن الحديث محتمل للصلاة وللوقت "حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح" «فليصلها إذا ذكرها» يعني في أي وقت، والفرائض مستثناة من أحاديث النهي، يقول: قول أكثر الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كراهية الصلاة في هذه الأوقات مطلقاً، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والشافعية، يعني هو قول الجمهور، وذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقاً، وروي عن بعض الصحابة، فلعل هؤلاء لم يبلغهم النهي أو حملوه على التنزيه، ومنهم من قال بأن أحاديث النهي منسوخة، كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، ومنهم من رأى المنع من الصلاة في هذه الأوقات فرضها ونفلها، ومنهم من جوز فعل ذوات الأسباب في هذه الأوقات دون غيرها.
قول داود لا عبرة به مع ثبوت هذه الأحاديث، أنه تجوز الصلاة فيها مطلقاً، وقول من يقول بالمنع مطلقاً حتى الفرائض أيضاً مردود بما جاء من السنة الصحيحة الصريحة في استثناء الفرائض من قوله: «من أدرك ركعة من صلاة الصبح» «من أدرك ركعة من صلاة العصر» يعني في شدة وقت النهي، فقولهم مردود بهذه الأحاديث، يبقى أن النهي في النوافل، القول بشمول النهي لجميع النوافل سواءً كانت نوافل مطلقة أو ذات سبب هو قول الحنفية والمالكية والشافعية، فلا يتطوع الإنسان بأي صلاة كانت ولو كانت ذات سبب، وأدلتهم أحاديث النهي، ويفرق الشافعية بين ما له سبب وما لا سبب له، فتحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له، وأما ما له سبب فلا يدخل في النهي، ويستدلون إذا استدل الجمهور بعموم أحاديث النهي استدل الشافعية بعموم أحاديث ذوات الأسباب، مثل: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» ومثل ما جاء من الصلوات الخاصة مثل الاستخارة، مثل ركعتي الوضوء، يعني في أي وقت كان، مثل ركعتي الطواف، وغيرها من الصلوات.
فإذا قال الجمهور أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة والخاص مقدم على العام «فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» يعني في غير وقت النهي، فمثل هذا عام يخص بأحاديث النهي، قال الشافعية ومن يقول بقولهم كشيخ الإسلام بعكس هذا الكلام، قالوا: إن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة؛ لأنه يُسمع من بعض من يفتي أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة وانتهى الإشكال، يعني مثل ما يقول الشافعية، لكن هل يُسلم هذا؟ إذا قالوا هؤلاء هذا الكلام قال غيرهم كلام بمستواه، قالوا: إن أحاديث ذوات الأسباب عامة في كل وقت، وأحاديث النهي خاصة بهذه الصلوات، يعني عندنا عموم وخصوص في الطرفين، أحاديث النهي عامة في الأوقات، عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات خاصة بالصلوات عكس أحاديث النهي، وإذا قال هؤلاء كذا قال هؤلاء كذا، والنظران متساويان، فلا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، النظران من حيث القواعد متساويان؛ لأننا نسمع من يقول: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، ويمرر المسألة كأنها لا شيء، وهي من عُضل المسائل، من أعظم المسائل إشكالاً، وتجده يأتي قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويكبر ويصلي مرتاح، كأنه يصلي الضحى، بناءً على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة والخاص مقدم على العام، طيب القول الثاني؟ عكس ما تقول، أحاديث ذوات الأسباب في أي وقت تدخل المسجد صلي ركعتين إلا في أوقات النهي، أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، يعني مقابلة تامة بين القولين، مع أن القول بالمنع هو رأي الجمهور، ولم يقل بذوات الأسباب إلا الشافعية ويرجحه شيخ الإسلام، ونجد كثير من الناس يرتاح لهذا القول، لماذا؟ لأن شيخ الإسلام رجحه، و
إذا قالت حذام فصدقوها |
| فإن القول ما قالت حذام |
بغض النظر عن النظر في النصوص وتطبيق القواعد العلمية عليها، نجلس هكذا؟ بعض العلماء يقول: لا تدخل في وقت النهي، لا تدخل المسجد؛ لئلا تقع في حرج، إن صليت خالفت حديث النهي، وإن ما صليت خالفت حديث: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس» بعضهم يقول: ادخل المسجد واذكر الله وسبح وهلل وبإمكانك تقرأ قرآن لكن لا تجلس؛ لئلا تقع في حرج، وهذا يدل على إيش؟ على أن هذه المسألة من أدق وأعقد المسائل، ليست المسألة سهلة، كما نرى ونشاهد من بعض طلاب العلم بل من أهل العلم يجلس، يدخل وهو مرتاح، يصلي ركعتين في الأوقات المضيقة، لماذا؟ لأنه رأى رأي الشافعية، ورجحه شيخ الإسلام وانتهت المسألة، لا، طيب، ماذا...؟ كيف نصنع؟ نقول: لا تدخل المسجد؟ أو إذا دخلت لا تجلس؟ مع أن النصوص في الطرفين صحيحة، والنظر إلى هذه النصوص في كفتي ميزان متعادلة، والتعادل هو الذي يوجد الحرج، يعني إن رجحت إحدى الكفتين انتفى الحرج، ماذا يقول الجمهور؟ يقول الجمهور: نُرجح قولنا بأن الحظر يعني المنع مقدم على الإباحة، بل مقدم على الأمر، لماذا؟ لأن النهي أشد من الأمر، ومخالفة النهي أشد من مخالفة الأمر، كيف؟ «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ما في خيار النهي، بينما الأمر فيه شيء من الاستثناء، قد يقول قائل: إن هذا الكلام لا يتجه إلى مثل شيخ الإسلام، لماذا؟ لأنه يرى أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، فلا يتجه إليه مثل هذا الكلام، كيف ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور؟ قال: نعم؛ لأن معصية آدم ارتكاب محظور ومعصية إبليس ترك مأمور ومعصية إبليس أعظم، ورجّح هذا الكلام بعض أهل العلم، لكن الأكثر على العكس أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، وعلى كل حال القول بهذا أو ذاك على الإطلاق ليس بوجيه، نعم عند التكافؤ ممكن، لكن إذا نظرنا إلى كل مسألة بمفردها في تعارض الأمر والحظر ينظر إلى قوة الأمر مع قوة الحظر وحينئذٍ يرجح الأقوى، فمثلاً أيهما أعظم حلق اللحية أو عدم الصبغ؟ تغيير الشيب؟ نعم؟
طالب:.........
كيف؟
طالب:.........
لا، ما هو بالسواد، لا، أقول: تغيير الشيب، «غيروه» أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن نغير الشيب، أو حلق اللحية لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن حلقها؟
طالب:.........
أعظم؟
طالب:.........
نقول هنا: ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، لماذا؟ لأننا نظرنا إلى كل واحد على حِدة.
لكن لو كان هذا المأمور عظيم مثل الصلاة مثلاً مُنعت من الصلاة حتى تأكل شيء من الربا، تتعامل بمعاملة ربوية، ماذا نقول؟ اترك الصلاة؟ أيهما أعظم الآن؟ نقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ لأن ترك الصلاة كفر، وهكذا ينظر إلى كل مسألة على حدة، والأصل الحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» والمقرر عند الجمهور أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، فأنت إذا دخلت المسجد وصليت ركعتين ارتكبت محظور، صليت في أوقات النهي وفعلت مأمور، لكن لو جلست ما صليت تركت مأمور ولم ترتكب محظور، قالوا: الحظر مقدم على الإباحة فيرجح من هذه الحيثية.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر، فأورد الأحاديث، أحاديث النهي عن الصلاة، فأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: صلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، لأنه طاف بعد الصبح وما صلى الركعتين إلا بذي طوى، لما خرج وقت النهي، فالإمام البخاري ماذا يرجح؟ يرجح أننا لا نفعل شيئاً من السنن ولو كانت ذا سبب مثل ركعتي الطواف.
وجاء في حديث جابر في المسند عند أحمد قال: "لم يكونوا يطوفون بعد الصبح وبعد العصر" لكن أقول: لا مانع من الطواف، لكن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقت النهي مثل ما فعل عمر، لا إشكال في هذا لأنهم لم يكونوا يطوفون لئلا يصلوا في هذا الوقت؛ لأن الممنوع الصلاة ما هو بالطواف، وجاء في حديث يستدل به من يقول بفعل ذوات الأسباب: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» ولذا جاء بعض استثناء مكة -على ما سيأتي- عند بعض العلماء.
نعود إلى أصل المسألة، المسألة فيها ما سمعتم، وهي شائكة ودقيقة ومعضلة من عضل المسائل، ليست بالسهلة كما يراها بعض الناس، والجمهور على أنه لا يتطوع بشيء ولو كان له سبب، في مقابل الشافعية الذين يستثنون ذوات الأسباب، وكان المعمول به هو قول الجمهور، إلى أن اطلع الناس على الأقوال، وشهر قول شيخ الإسلام، وقلده الناس، ووجد من يشهر شيخ الإسلام، واختيارات شيخ الإسلام فصاروا يصلون في هذه الأوقات، وإلا كان الناس أبداً، رأينا من يحرف الناس إذا كبر العصر ليصلي تحية المسجد، وكان عمر يضرب الناس إذا صلوا بعد العصر.
الحظر مقدم على الإباحة، بل على الأمر كما جاء في الحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ورجح به كثير من أهل العلم أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، بهذا يرجح الجمهور قولهم، ومن يرجحه ممن يقلدهم، طيب الشافعية لهم مرجحات وإلا ما لهم مرجحات؟ لهم مرجحات من هذه المرجحات....
طالب:..........
هاه؟
طالب:..........
حديث إيش؟
طالب:........
ويش هو؟
طالب:........
لا، لا هذا ما ينفع، هذا دليل، نريد شيء يرجح هذا الدليل.
طالب:........
هذا دليل للمسألة، نريد ما يرجح هذه الأدلة على الأدلة الأخرى، إحنا عرفنا أن لهم أدلة، نحن لا نبحث الآن في الأدلة، نريد مرجح خارجي؛ لأنه إذا كان التعارض من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي، لا نرجح بنفس الأدلة، نعم؟
طالب:..........
كيف؟
طالب:..........
لا، لا، الجلوس المراد به الأمر، إحداث صلاة، لو انسدح، لو اضطجع ويش يصير؟
طالب:..........
لكن هو نهي عن الجلوس لو اضطجع؟ أو المراد إيجاد صلاة؟ المراد إيجاد صلاة في هذا الوقت تحية للمسجد، ولذا لا يكفي أن يصلي ركعة واحدة.
المقصود أنه لا بد من مرجح خارجي؛ لأن الخلاف من باب العموم والخصوص الوجهي الذي هو من أعقد ما يبحث في مسائل الأصول، وعرفنا أن الجمهور رجحوا بترجيح الحظر على الإباحة، هذه قاعدة معروفة ويقول بها الشافعية في كثير من المسائل، نعم؟
طالب:........
هذا من أدلتهم، من الأدلة، الأدلة لا نبحث فيها الآن، نريد مرجح خارجي، نعم؟
طالب:........
ويش فيه؟
طالب:.........
هذا من الأدلة لا أريد أدلة، الأدلة انتهينا منها، هؤلاء لهم أدلة وهؤلاء لهم أدلة، الآن في حال التعارض إذا كان من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي غير هذه الأدلة، لا نريد أفراد الأدلة التي يستدل بها الجمهور أو يستدل بها الشافعية، انتهينا من مسألة الأدلة، نريد مرجح خارجي، نريد قاعدة يستند إليها أهل العلم في الترجيح في مثل هذه المسائل المعضلة، نعم؟
طالب: يقولون: العموم إذا دخل التخصيص أضعفه.
نعم، قالوا: إن عموم أحاديث النهي غير محفوظ، بمعنى أنه دخله مخصصات «لا صلاة بعد العصر» و«لا صلاة بعد الصبح» و"ثلاث ساعات كان ينهانا" هل يشمل الفرائض أو هذه الأحاديث مخصصة بالفرائض؟ مخصصة بالفرائض، إذاً العموم غير محفوظ، وإذا خصت بالفرائض تخص بذوات الأسباب؛ لأن العموم إذا خصص ضعف، بينما عموم ذوات الأسباب قالوا: محفوظ، محفوظ ما دخله مخصصات، فيكون عموم ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وأولئك يرجحون بالقاعدة المتفق عليها حتى مع الشافعية أن الحظر مقدم، واحد جلس وهو مأمور بصلاة ركعتين، والآخر صلى وهو منهي عن الصلاة، قالوا: النهي أشد «فأتوا منه ما استطعتم» أنا لا أستطيع أن أصلي ركعتين في هذا الوقت، وقد نهيت من قبل الشارع عنها، يعني ما هو معنى عدم الاستطاعة أنك لا تقدر على أداء ركعتين؛ لأن عدم الاستطاعة الشرعية أشد من عدم الاستطاعة البدنية، إذا كنت ممنوع شرعاً منها.
وعلى كل حال المسألة مثل ما ذكرنا والأدلة متكافئة، والذي أميل إليه وأرجحه أن الوقتين الموسعين أمرهما سهل؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، بل إنما خشية أن يستمر الإنسان فيصلي حتى يدخل الوقت المضيق الذي الأمر فيه أشد، النهي فيه أغلظ في الثلاثة الأوقات المغلظة؛ لأن العلة واضحة الشمس تطلع بين قرني شيطان، تغرب بين قرني شيطان، إذا وقفت سجد لها الكفار، إذا طلعت سجد...، من أجل هذا نهينا، فإذا جاءت الثلاثة فأمسك عن الصلاة أياً كان سببها إلا الفريضة التي جاء فيها: «من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» هذه مستثناة، ما تدخل في هذا على ما سيأتي، يأتي بحثها، فالأوقات الثلاثة المضيقة وهي قصيرة، يعني لا تزيد في الغالب في أطول الأوقات على ربع ساعة.
طالب:.........
حين يقوم قائم الظهيرة وإيش فيه؟
وقت تسجر فيه جهنم، هذه العلة، حتى قيل: إن الشيطان يتراءى لها إذا قامت مثل طلوعها وغروبها.
المقصود أن الأوقات الثلاثة المضيقة يجتنب فيها المسلم الصلاة أياً كانت إلا الفرائض، وأما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما أسهل، ولذا جاء في الحديث الذي يليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، وأقر من تصدق على هذا بعد صلاة الصبح، وأقر من صلى ركعتي الصبح بعدها، فالأمر فيهما أوسع، بينما الأوقات المضيقة التي جاءت في حديث عقبة بن عامر أمرها شديد، ووقتها قصير، يعني لو انتظر الإنسان ما تأثر، نعم؟
طالب:........
لا، الجمعة ما في تسجير لجهنم، ولذلك تتابع الصحابة -رضوان الله عليهم- على الصلاة في هذا الوقت حتى يدخل الإمام.
"قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث" الترمذي يريد أن يبين أن حديث الباب موصول؛ لأنه من رواية قتادة عن أبي العالية، لم يسمع منه إلا ثلاثة أحاديث منها حديث عمر "حديث عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى»" والحديث في البخاري، وفي رواية: «لا تفضلوني على يونس بن متى» وذلك لما يخشى على من سمع قصة يونس أن يقع في نفسه شيء من التنقص له، قصة يونس مذكورة في القرآن، فإذا سمعها بعض الجهال قد يقع في نفسه شيء أن مثل هذه التصرفات لا ينبغي أن تحصل من نبي، فنهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تفضيله على يونس "وحديث علي: «القضاة ثلاثة»".
يقول الشيخ أحمد شاكر: حديث علي هذا لم أجده مع كثرة البحث عنه، ولكن في معناه حديث بريدة، وسيأتي في الترمذي -إن شاء الله تعالى-.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر
حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما".
وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى، -رضي الله عنهم-.
حديث ابن عباس حديث حسن، وقد روى غير واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى بعد العصر ركعتين، وهذا خلاف ما روي عنه أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما.
وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس، وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات، روي عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين، وروي عنها عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، إلا ما استثني من ذلك مثل الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس بعد الطواف، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخصة في ذلك، وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح، وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر" لما ذكر أحاديث النهي ذكر ما يخالف وما يظن أن فيه مخالفة لأحاديث النهي كعادته، يعني أنه يذكر الباب الأول ثم يذكر ما يضاده في باب ثان يليه.
قال -رحمه الله-:
"حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير" هو ابن عبد الحميد الضبي، ثقة من ثقات الرواة "عن عطاء بن السائب" الثقفي الكوفي، وهو صدوق اختلط في آخر عمره "عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله" يعني جاءه مال من جهة البحرين فانشغل بتوزيعه، مع وفد من عبد القيس من تلك الجهات فانشغل بهم عن الركعتين بعد الظهر، فقضاهما "فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما" يعني ما صلاهما بعد ذلك، في صحيح البخاري من حديث أم سلمة أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى الركعتين وقال: «شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر» فهذا هو السبب، في الحديث: "فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما" يعني لم يرجع إليهما فلم يصلهما أخرى بعد ذلك وإنما صلاهما قضاءاً لأنه شغل عنهما.
وعلى أي حال قضاء الفوائت من السنن عند أهل العلم تنتهي بخروج وقتها، وبعد وقتها تكون سنة فات محلها، فإن كان تركها تفريطاً فمثل هذا لا يقضيها، إن تركها مشغولاً عنها، شغل عنها فمن أهل العلم من يرى أنها تقضى ولو فات وقتها، تقضى ولو فات وقتها، هذا بالنسبة للرواتب، النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته فلم يخل به، صلى هاتين الركعتين؛ لأنه شغل عنهما، ولو تركهما لكان إخلالاً بما اعتاده -عليه الصلاة والسلام- وليس من عادته، قال: ثم لم يعد إليهما أو لهما.
"وفي الباب عن عائشة وأم سلمة -سيأتي ذكرها- وميمونة" عند أحمد والطبراني "وأبي موسى" عند الإمام أحمد "قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن" وأخرجه ابن حبان في صحيحه لكن قال ابن حجر: إنه من رواية جرير بن عبد الحميد عن عطاء وقد سمع منه بعد الاختلاط فضُعّف بسبب هذا، وإن حسنه الترمذي.
قال: "وقد روى غير واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى بعد العصر ركعتين" يعني ما جاء في هاتين الركعتين من الروايات كثير، وفيه نوع اختلاف واضطراب، فمن مثبت ومن نافٍ، ومن نفى معه الأصل، وهو النهي عن الصلاة في هذا الوقت، ومن أثبت رجحه بعض العلماء بأن المثبت مقدم على النافي، وأن النافي غاية ما عنده أنه لم يطلع، والمثبت اطلع، فعنده زيادة علم "وهذا خلاف ما روي عنه أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" ولا شك أن النهي من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الركعتين بعد العصر من فعله، وفعله لا يعارض قوله؛ لأنه إذا اختلف القول مع الفعل قدم القول بالنسبة للأمة، وحمل الفعل على أنه من خصوصياته -عليه الصلاة والسلام-، وقد قيل بأن صلاة الركعتين بعد العصر من خصائصه على ما سيأتي "وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما" لم يعد لهما، هذا نافي، مع أنه وجد من يثبت، والقاعدة عند أهل العلم أن المثبت مقدم على النافي، نقول: صلاة الركعتين بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- ثابتة، ما فيها إشكال، لكنها من خصائصه؛ لأن الذي يخصنا هو القول، فعله إذا لم يعارض الفعل حجة، وهو القدوة وهو الأسوة، لكن إذا تعارض قوله مع فعله ففعله يحمل على أنه خاص به، وقوله بالنسبة لأمته ظاهر.
"وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس" رواه أحمد في المسند.
يقول الشيخ أحمد شاكر: حديث زيد بن ثابت في المسند ونصه: حدثنا حسن بن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن هبيرة قال: سمعت قبيصة بن ذؤيب يقول: إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى عندها ركعتين بعد العصر فكانوا يصلونها، قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة، إنما كان ذلك لأن أناساً من الأعراب أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئاً فصلاهما بعد العصر يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة بعد العصر.
وهذا الحديث خرجه أحمد، وليس في شيء من الكتب الستة.
يقول الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، على أن فيه ابن لهيعة وهو مضعف عند الجمهور، والشيخ أحمد شاكر يقويه.
"وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات" أي مختلفة، بعضها يدل على الجواز، وبعضها يدل على منع الصلاة بعد العصر "روي عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين" وهذا مخرج في الصحيح، وتقدم من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعد لهما، وإذا كانت الصلاة في البيت قدم قول عائشة؛ لأنها تطلع من فعله في بيته -عليه الصلاة والسلام- ما لا يطلع عليه ابن عباس ولا غيره "وروي عنها -عن عائشة- عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس" وهذا يدل على عدم الجواز، يعني هذا من أدلة المنع، ولذا قال بعضهم: إن صلاة الركعتين من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أدلة...، قال بعضهم: إن صلاة الركعتين من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وقد بينا هذا في مسائل كثيرة يتعارض فيها القول مع الفعل، لكن منها ما لا يمكن حمله على الخصوصية.
النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط تقدم، وتقدم أن ابن عمر رآه قبل أن يقبض بعام في بيت حفصة يستقبل الشام ويستدبر الكعبة، قالوا: هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، نقول: مثل هذا لا يمكن أن يقال: إنه من الخصائص، لماذا؟ لأن عدم الاستقبال والاستدبار كله من باب تعظيم الكعبة، وتعظيم الشعائر من تقوى القلوب، ولا يمكن أن يقال: إن الأمة أليق بها أن تعظم الشعائر أكثر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقول بالتفريق بين البنيان والفضاء أرجح من القول بأن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم بيانه.
أيضاً: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لجرهد: «غط فخذك، فإن الفخذ عورة» وفي الصحيح حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه، قالوا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
تغطية الفخذ والاحتشام وعدم إبداء شيء مما يستحيى من كشفه أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا؟ هو أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يمكن أن يقال: هذا من خصائصه، إلا لو كان العكس، لقلنا: هذا أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهناك أشياء إذا تعارض فيها القول والفعل قلنا: القول لعامة المسلمين، لعموم المسلمين والفعل خاص به، وقد يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، يفعل الفعل مخالفاً القول لبيان الجواز، أو لأن هذا النهي للكراهة، أو ترك هذا الواجب لبيان أنه للاستحباب لا للوجوب.
على كل حال الأحاديث في هذا كثيرة، وفيها ما يدل على الجواز وعلى عدمه، لكن ما جاء في ما يخص الأمة شيء يدل على الجواز إلا من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو يحتمل الخصوصية، وقد قيل به.
قال: "والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم" اجتمع في بعض النسخ: أجمع عليه أكثر أهل العلم، وهذا فيه شيء من التنافر؛ لأن الإجماع قول الكل لا قول الأكثر، إلا على رأي الطبري كما هو معروف، اجتمع أو أجمع عليه أكثر أهل العلم، يقول الحافظ العراقي:
أجمع جمهور أئمة الأثر |
| ................................... |
هذا الكلام فيه تنافر، كيف يقال: أجمع وجمهور؟ وهنا يقول: "والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم" يعني إذا قلنا: اجتمع أسهل من قولنا: أجمع "اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني من ذلك، من الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس" لكن هل في هذا نص خاص بعد العصر أو فيه العموم؟ حديث جبير بن مطعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» وهذا أيضاً عموم، يعامل معاملة النصوص العامة التي تقدمت.
الإمام يخطب يوم الجمعة ونرى من يطوف بالبيت فهل الطائف ممن يلزم باستماع الخطبة أو أنه ليس ممن جاء للخطبة فلا يلزم بها؟ يعني لو أن الإنسان سمع وهو بيته خطبة، نقول: يلزمك السكوت، النساء يلزمهن السكوت لاستماع الخطبة؟ لا، ليسوا ممن يخاطب بهذه الخطبة، فهل الذي يطوف بالبيت نراهم ما نقول: يجب منعهم وإلزامهم بالإنصات أو نقول: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار يشمل حتى الطواف أثناء الخطبة؟ لأننا نرى من يطوف وقت الخطبة، فهل يمنعون أو لا يمنعون؟ ما دام دخلوا المسجد يلزمهم الإنصات؛ لأنه في حيز المسجد، أو نقول: إنهم ما جاءوا للخطبة وفي الغالب هم مسافرون لا يلزمهم جمعة فلا نلزمهم باستماع الخطبة؟ إذا كان الإنسان مقيم تلزمه الجمعة ويلزمه الإنصات، هل له أن يطوف في هذا الوقت؟ أو نقول: هذا الحديث مخصوص في مثل هذا الوقت؟ فليخص في أوقات النهي المضيقة، يعني شخص من أهل مكة مقيم جاء إلى المسجد الحرام فذهب إلى المطاف والإمام يخطب وطاف وتحرك وتصرف وكبر وذكر وهلل، تبعاً للطواف ولا أنصت للخطبة، هل نقول: إنه لا يمنع بناءً على حديث جبير بن مطعم؟ وتلزمه الجمعة؟ دعونا من مسافر لا تلزمه الجمعة احتمال ظاهر، لكن مقيم تلزمه الجمعة، هاه؟
طالب:........
بلا شك يمنع هذا، فيكون حديث جبير بن مطعم مخصوص في مثل هذه الساعة، فيكون عمومه أيضاً ضعف بالمخصص، وعلى كل حال الأوقات الثلاثة المضيقة لا تزيد على ربع ساعة، فمثلها يتقيها الإنسان بقدر الإمكان، وما دامت المسألة كذلك، والأدلة فيها من التعارض ما سمعتم فلا تثريب، يعني الإنسان إذا اقتنع برأي، إما إن كان من باب المشورة يشير على شخص رآه يصلي هذا شيء، لكن يمنعه والمسألة فيها ما سمعتم؟! ليس لأحد أن يمنع، وإذا جلس أحد ليس لأحد أن ينكر عليه؛ لأن له أصل ومعه أدلة، وقول قوي في...، يعني قوته مكافئة للقول الآخر، فقد روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخصة في ذلك.
"وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" احتجاجاً بما ذكره الترمذي بالنسبة لركعتي الطواف، استثنيت بما ذكر من كلام الترمذي ودليله حديث جبير بن مطعم.
"وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح" وذكرنا أن البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الصلاة بعد العصر وبعد الصبح، وأورد أحاديث النهي وبعد الترجمة قال: وصلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، مما يدل على أنه يكره الصلاة حتى بمكة بعد الصبح وبعد العصر.
قال: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة" واحتجوا بعموم النهي، بعموم أحاديث النهي، وحديث جبير بن مطعم مخصوص بما ذكرنا من الطواف في وقت الخطبة لصلاة الجمعة.
بقي على باب الأذان أربعة أحاديث، باب الأذان حقيقة أحاديثه طويلة جداً ومترابطة، نعم...
الأذان فيه ستة وعشرون حديثاً مترابطة كلها في أحكام الأذان والإقامة، فلعلنا في الغد نأخذ ما بقي من الأبواب ونقف على باب الأذان، ويكون بعد غدٍ خالصاً للكتاب الثاني لأنه يضيق عليه الوقت، ومخصص له نصف ساعة، وبالأمس ما بقي له وقت واليوم كذلك، ولعلنا غداً نكمل إلى باب الأذان، ويكون يوم الأربعاء خاص بالكتاب الثاني؛ لئلا ندخل في باب الأذان نأخذ منه أربعة أحاديث أو خمسة ثم بعد ذلك أحكام مترابطة وبعضها يعني بعضها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما قبله وما بعده، فلا نستطيع أن نقف على موقف غير مناسب، فيكون غداً نكمل هذه الأربعة الأحاديث ونقف على باب الأذان، وبعد غدٍ -إن شاء الله- يكون الدرس كله لتنقيح الأنظار، وأما في الأسبوع القادم ففي كتاب الصيام من تقريب الأسانيد للحافظ العراقي، كما هو مقتضى الإعلان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"الجمهور على أنها معنوية وليست حسية، ومن أهل العلم من يرى أنها حسية، بمعنى أنه لو سلمت عليه أو مسست شيئاً من بدنه بشيء رطب أنه يتنجس، لكن قول عامة أهل العلم أنها معنوية وليست حسية.
على كل حال الأمور بمقاصدها إذا كنت تستطيع أن تؤثر فيهم فجالسهم وادعهم إلى الحق، ومن دل إلى هدى فله مثل أجر فاعله و«لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» أما إذا كنت لا تستطيع التأثير فيهم، وتخشى على نفسك التأثر بهم فإن مثل هذا لا يجوز لك بحال أن تجالسهم.
عبد الله بن شقيق يقول: "كانوا لا يرون شيئاً من العمل تركه كفر إلا الصلاة" كانوا ويقصد بذلك الصحابة، وقد يتجوز في مثل هذا بنقله عن من وقف عليه من كلامه منهم، ولا يلزم من ذلك أن يصرح الجميع، مع أنه قد لا ينقل عن شخص وهو غير موافق، المقصود أن أهل العلم الذين يقولون بكفر تارك الصلاة يذكرون هذا أنه نوع من نقل الإجماع، والذين قالوا بعدم كفره لهم أدلتهم، وأنه يُخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، المقصود أن المسألة خلافية، لكن الراجح من أقوال أهل العلم أنه كفر أكبر مخرج من الملة «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة».
لا شك أن مثل هذا الإجماع ملزم بالنسبة لمن أخلَّ ببعض الشروط، أما من زاد بعض الشروط من أجل الاحتياط للسنة فإن مثل هذا لا يلزمه لوجود الاحتياط من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فلو قال قائل: أنا هذا الصحيح، هذا الحديث اكتملت فيه شروط الصحيح، لكن عمر -رضي الله عنه- رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له غيره، وكان الباعث على ذلك الاحتياط للسنة، كما هو الباعث لعمر -رضي الله عنه-، يعني لو جاءك شخص بخبر، وأوجست في نفسك خيفة من هذا الخبر، وإن كان ناقله ثقة، وطلبت مزيد التثبت فإنك لا تلام على هذا، كما صنع عمر -رضي الله عنه-، ولا يعني هذا أن يكون في ذلك ذريعة لأهل البدع الذين يردون السنن تشبثاً بقول عمر وبصنيع عمر وباحتياط عمر.
جمهور أهل العلم يصححون الخبر المعنعن بالشرط المعروف، بعدم الوصف بالتدليس مع المعاصرة عند مسلم، أو اللقاء عند الإمام البخاري، مع أن العمل عند أكثر أهل العلم على طريقة مسلم، لكن قول البخاري فيه مزيد احتياط للسنة، فلا يلام البخاري على مزيد هذا الاحتياط، طيب لو قال: النحاة كلهم أجمعوا على أنه يجب رفع الفاعل هل معنى هذا أن من نصبه يأثم؟ وجوب اصطلاحي، كما يقول بعضهم في وجوب التجويد، وأهله متفقون عليه أنه يجب، وصرّح بعضهم بأن التأثيم إنما هو عند الفقهاء، يعني هذا وجوب اصطلاحي لا يلزم منه الإثم، ودليل ذلك أن من الصحابة من قرأ القرآن في ركعة، هل نقول: إن هذا رتل وجود من قرأ في ركعة؟
وجاء في المسند وسنن الدارمي: «يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق في درج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذاً كان أو ترتيلاً» وإسناده جيد حسن عند أحمد والدارمي، فدل على جواز قراءة الهذ، وأنها محصِّلة لأجر الحروف، وأما أجر التجويد والتدبر فقدر زائد على ذلك، يعني يفوق ذلك بمراحل، لكن لا يعني أن من قرأه هذَّاً كما فعله بعض الصحابة حينما ختمه في ركعة أنه يأثم بهذا، وإن أوجبوا التجويد.
ابن الجزري يقول:
..........................
من لم يجود القرآن آثم
لكن هذا التأثيم صرّح كثير من علماء القراءات والتجويد أن التأثيم هذا عند الفقهاء الذين لهم الأحكام.
إحداث قول ثالث هل يعد خرقاً للإجماع أو لا؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم في كتب الأصول باعتبار أن هذا الذي أحدث قولاً ثالثاً خالف ما عليه من مضى، ومنهم من يقول: إن هذا لا يعد خرق للإجماع لوجود الخلاف، والملزم من الإجماع هو ما يتفق عليه جميع المجتهدين، وإذا اختلف المجتهدون كان ذلك فيه مندوحة لمن أراد أن يتأمل في النصوص ويخرج بقول متوسط بين القولين أو يزيد قيداً على أحد هذه الأقوال، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، ولا شك أن الذي يوجد قول لم يسبق إليه فإن كان من أهل العلم الذين لهم عناية بالنصوص وعُرفوا بذلك، ولديهم خبرة ودربة في التعامل مع النصوص على طريقة السلف أنه رب مبلغ أوعى من سامع، أما أن يأتي شخص لا في العير ولا في النفير، لا يحسن الوضوء ثم بعد ذلك يفهم من النصوص ما يفهم، ويقال: إن هم رجال ونحن رجال، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا تلاعب بالنصوص.
لكن القول بما أشير إليه هنا وهو قول معروف عند أهل العلم أن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر، هذا يترتب عليه تأخير الصلوات عن وقتها، والوقت شرط لصحة الصلاة، وصلاة الخوف على الصفة التي جاءت بها السنة في ستة مواطن أو سبعة كما صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلل متطرق للصلاة بلا شك، وصلاة الخوف تشتمل على كثير من الأمور التي تبطل الصلاة في حال الأمن، وهنا يتجاذب المسألة النظران، هل يتجاوز عن الوقت ويقال: تؤخر الصلوات وتؤدى كما أمر الله؟ تؤخر عن أوقاتها يصلي أوقات، أربعة أوقات، خمسة أوقات، يوم يومين ثلاثة إلى أن يحصل الأمن في حال الحضر، ولا تصلى صلاة الخوف على شيء من الخلل في الأركان، واشتمالها على شيء من المبطلات، أو نقول: إن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن غزوة الخندق فتشرع صلاة الخوف في وقتها جماعة على شيء من الخلل الذي جاءت به النصوص؟ وهو بالنسبة لصلاة الخوف وإن كان خللاً بالنسبة للأمن إلا أنه في الخوف كمال، محافظة على الوقت، ومحافظة على الجماعة، ولا شك أن صلاة الخوف من أقوى الأدلة على وجوب صلاة الجماعة، يعني تجاوز فيها عن أمور كثيرة، مع أنه يمكن أن يصلي الناس فرادى ويضبطون صلاتهم على الوجه المأمور به محافظة على الجماعة، لا سيما في هذا الموطن، الذي تظهر فيه هيبة المسلمين ضد الأعداء أمر لا بد منه.
وعلى كل حال المسألة خلافية، فمن قال: إن صلاة ذات الرقاع متقدمة على الخندق، قال: إن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر ولو ترتب على ذلك تأخير الصلاة عن وقتها كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
ومن قال: إن غزوة ذات الرقاع متأخرة قال: إن ما حصل بغزوة الخندق منسوخ، والقولان لا شك أنهما متعادلان؛ لأن هذا فيه خلل في الوقت، وهذا خلل في ذات الصلاة.
معلوم أن الهداية نوعان: هداية توفيق وقبول، وهداية دلالة وإرشاد، أما ثمود هداهم الله هداية الدلالة والإرشاد لكنهم ما قبلوا، وهذه لله -جل وعلا- ولنبيه ولكتابه، ولمن يخلف نبيه في الدعوة إلى الله على بصيرة، هؤلاء لهم هداية الدلالة والإرشاد، لكن هداية التوفيق والقبول ليست إلا لله -جل وعلا-.
ذكرت أنني متوقف في هذه المسألة، وأنني لم أدرك ماتتحقق به البينية المشترطة لصحة السعي، وليس لمن حاله كحالي يجزم بشيء، والمسألة ليست اجتهادية، حكم السعي يُدرك من خلال النصوص لكن الموقع هل يدرك من خلال النصوص؟ ما يمكن أن يدرك إلا بمعرفة ما تتحقق به البينية وتواريخ مكة كلها مختلفة، والبحوث التي قدمت فيها تعارض وتباين كبير، يوجد شيء من الاضطراب في الحكم.
جاء في الحديث الصحيح القدسي: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» يعني لأنه سر بين العبد وبين ربه، أما كونه يدخله الرياء يدخله الرياء، يدخله الرياء إلا أنه قد يكون العبد صائماً في وقت ما ثم بعد ذلك يفطر بحيث لا يطلع عليه إلا الله -جل وعلا-؛ لأن الصيام يكون بالنية، ومن نوى الإفطار أفطر، فقد يأكل في خفية من الناس لا يعلم به أحد، ويظن أنه صائم، وأما كونه يدخله الرياء ويصوم من أجل أن يقال: صائم، هذا لا شك أنه يحصل، من أجل أن يقال: إنه صائم، وقد يقوم ليقال: إنه قائم، فأما الاختصاص فلأنه سر بين العبد وبين ربه؛ لأنه قد يتيسر له الفطر ومع ذلك يستمر في صيامه مما يجعل الأمر فيه شيء من الخفاء على كثير من الناس، وقد يصوم الأيام ولا يعلم به، فلا شك أن هذا أمر خفي، أما كونه يمكن أن يدخله الرياء فهو ممكن.
وقوله: إن العبادة كلها يمكن أن تصرف لمخلوق إلا الصوم إن أراد بصرفها أنها تفعل عن أحد من المخلوقين نيابة عنه فجاء النهي عن الصلاة «لا يصلِّ أحد عن أحد» وجاء أيضاً في الصيام: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» فهذا الكلام ليس بمطرد، لا في العمل الباطن ولا في العمل الظاهر.
وهذه الصفحة (331) أمامي، يقول: "وقال ابن بطال على حديث الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، قبله كلام لابن حجر يقول: بوب الترمذي على حديث باب: ما جاء في السهو عن وقت العصر حمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب منه أهله وماله، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد؛ لاجتماع فقدان الثواب، وحصول الإثم، وقال ابن عبد البر: "في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا، وأن قليل العمل خير من كثير منها، يعني قليل العمل بما يتعلق بأمر الآخرة يترتب عليه ثواب من الله -جل وعلا- خير من كثير منها يعني من الدنيا.
وقال ابن بطال: "لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث؛ لأن الله تعالى قال: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] فلا يوجد حديث فيه تكييف ومحافظة غير هذا، يعني الأمر المطلق بالمحافظة على الصلاة، بالمحافظة عليها لا يؤخذ منه فعلها في وقتها، لكن في هذا الحديث مع المحافظة عليها الثابت بالكتاب والسنة فيه أن المحافظة تكون عليها في وقتها؛ لأن الذي تفوته صلاة العصر يفوِّتها عن وقتها هذا كأنه وتر أهله وماله، وفي معناه بل أشد منه حديث: «من ترك العصر فقد حبط عمله» هذا الذي يظهر من كلام ابن بطال.
أولاً: مسألة الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام من أوجب الواجبات، ولم يعذر فيها إلا العاجز، ولم يُصرح بحيلة في القرآن إلا في هذا الموطن {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [(98) سورة النساء] فتجب الهجرة ولو بحيلة، هذا إذا كان ممن وجد في بلاد الكفار بغير طوعه ولا اختياره يجب عليه أن يهاجر إلا إذا عجز، فكيف ينتقل من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار؟! يعني بعض أهل العلم يرخص إذا كانت الدراسة من النوع الذي لا يوجد في بلاد المسلمين والمسلمون بحاجة إليها، يرخص في مثل هذا بعض أهل العلم، والذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- أننا لسنا بحاجة إلى الكفار بأي حال من الأحوال، الآن كل شيء موجود عندنا -ولله الحمد-، ولا شك أن التأثر موجود، يتأثرون بالأخلاق، يتأثرون بالأعمال الظاهرة، يتأثرون بالعقائد، يتشبهون بهم شاءوا أم أبوا، والخطر عليهم عظيم، وعلى أولادهم وذراريهم أعظم، وإذا استطاع الشخص بما عنده من علم ودين أن يحافظ على شيء لا أقول على كل شيء، يحافظ على شيء مما عنده من العلم والدين فإنه لن يستطيع أن يحافظ على من تحت يده ممن ولي عليه، وكم من الذراري -من ذراري المسلمين- ممن التحق باليهود والنصارى بسبب هذه الأسفار.
أولاً: الفائتة يجب قضاؤها فوراً، «فليصلها إذا ذكرها» يعني بمجرد ذكرها يصليها «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها».
يقول: ومتى ينتهي الوقت مثل النائم إذا قام من نومه وفاتته صلاة متى ينتهي وقت الصلاة بحقه؟
إذا قام وفي الوقت بقية، إذا قام من نومه وفي الوقت بقية ينتهي بانتهاء الوقت، وأما إذا قام وقد انتهى الوقت فإن وقتها بالنسبة له يبدأ من استيقاظه، ومن ذكره إذا نسي.
التصوير الذي عمت به البلوى الآن، وصار الناس يقتدون بمن صور من أهل العلم، ومن لا يراه من أنواع التصوير، لا شك أنه هوّن من أمره كثيراً، حتى أنه الآن يوجد من غير نكير في أقدس البقاع، بحيث يترك بعض الناس الصلاة من أجل أن يصور، لا شك أن هذه مصيبة لكن ما دام من أهل العلم من تساهل في هذا الباب وقلده بعض العوام فإن هذا لا سيما إذا قلد من تبرأ الذمة بتقليده لأن..، يعني وجد يعني في الواقع من صور وتبرأ الذمة بتقليده يعني من كبار أهل العلم والعمل، لا نقول: إنهم لا عبرة بهم، لا، بهم عبرة، شئنا أم أبينا، يعني لو خالفناهم في الرأي إلا أنهم أهل وعمل، صوروا ومنهم أهل تحري، ومع ذلك العبرة بما دل عليه الدليل، والعامي فرضه التقليد، إذا قلد من تبرأ ذمته بتقليده سواءً كان في الصلاة أو في الصيام أو في غيرها من العبادات أو المعاملات أو هذه الأمور الحادثة لا يلام هذا العامي، لكن الذي يلام من يقصر ممن لديه أهلية النظر والاستدلال، هذا الذي يلام، وتجده من أشد الناس ثم يحصل له ظرف، أو تخطر له خاطرة فيتساهل، يقول: المسألة خلافية، وكثير من الناس صوروا، لا تبرأ ذمتك بقولك: إن الناس صوروا.
أما وجودك في هذه المناسبة مع وجود هذا المنكر الذي تتجاذبه وجهات النظر، ولا سيما إذا ترتب على ذلك قطيعة وما أشبه ذلك فعليك أن تحضر من باب الصلة ولا تتعرض للتصوير.
(إن) هنا نافية، يعني والله ما صليتها، {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [(159) سورة النساء] يعني ما من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى -عليه السلام-.
الطواف عبادة من العبادات لا تصرف إلا لله -جل وعلا-، في مكان واحد وهو حول بيته الشريف، ولا يجوز ما عدا ذلك، وصرفه لغير الله شرك، هذا الأصل في الحكم، لكن من يفعل ينظر في حاله هل جهله مطبق؟ وما بلغه حكم؟ وما نبه على ذلك؟ ولا بين له المسألة؟ هذا له حكم في مسألة العذر بالجهل، لكن بعض الناس يبين له الحكم، لكنه لا يرتدع لعدم اقتناعه بمن بيّن، ولما في قلبه من رواسب سابقة عن مذهب معين مع ثقته بشيوخه الذين رآهم يفعلون هذا ويفتون به، نقول: هذا إذا بلغته الحجة لا يعذر، ولو وجد المانع من قبول الحجة، المقصود بلوغ الحجة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] الذي لم تبلغه الحجة يعذر بجهله، لكن من بلغته الحجة ولو وجد المانع من قبول الحجة بأن يكون مقتدياً بشيخ من هؤلاء الذين يفتون بجواز ذلك أو يفعلونه، فإن هذا لا يكفي، وقد يوجد المانع من قبول الحجة باعتبار أن هناك وقفة أو ردة فعل من هذا المنكِر، أو من مذهب هذا المنكِر.
كثير من المسلمين في الأقطار عندهم بالنسبة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ردة فعل، وحُذروا منها، وشوهت في قلوبهم فصاروا لا يقبلون أي شيء ممن ينتسب إلى هذه الدعوة، هذا لا شك أنه ليس بعذر.
وكيف نتعامل مع من يأخذ تراباً من قبر الميت يقول: يتبرك به؟
لا شك أن مثل هذه بدعة، بدعة منكرة، وبلغ الأمر في بعض بقاع المسلمين أن يوجد ضريح كبير جداً يسمونه ضريح الشعرة، مدفون فيه شعرة، للشيخ عبد القادر الجيلاني، وهناك السَدنة، والتراب يباع، والماء له جراية من تحت هذا الضريح، يدخل ماء عادي ثم يخرج ماء مبارك يباع بأغلى الأثمان، والله المستعان، ولا شك أن هذه غربة، إذا وصل الأمر والخلل في التوحيد إلى هذا الحد هذه هي الغربة.