تعليق على تفسير سورة النساء من أضواء البيان (13)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:
"وأول وقت صلاة المغرب غروب الشمس أي غيبوبة قرصها بإجماع المسلمين، وفي حديث جابر وابن عباس في إمامة جبريل: فصلى المغرب حين وجبت الشمس، وفي حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب، أخرجه الشيخانِ والإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع إلا النسائي، والأحاديث في ذلك كثيرة، واختُلف في آخر وقتها -أعني المغرب- فقال بعض العلماء: ليس لها إلا وقت واحد، وهو قدر ما تصلى فيه من أول وقتها مع مراعاة الإتيان بشروطها، وبه قال الشافعي، وهو مشهور مذهب مالك، وحجة أهل هذا القول أن جبريل صلاها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الليلة الثانية في وقت صلاته لها في الأولى، قالوا: فلو كان لها وقت آخر لأخرها في الثانية إليه، كما فعل في جميع الصلوات غيرها."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الصلاة الثالثة من الصلوات الخمس صلاة المغرب، فالأولى هي الظهر، والثانية العصر، والثالثة المغرب، والرابعة العشاء، والأخيرة الفجر، ولذا كانت تسمى الظهر الأولى؛ لأن جبريل أَمَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- أول ما أَمَّه في صلاة الظهر انتهى الكلام في صلاتي العشي الظهر والعصر، وأما صلاة المغرب فأول وقتها مغيب الشمس، غروب الشمس، وهذا بالإجماع، ولم تختلف فيه الأدلة كما اختلفت في غيره، وآخره هو عند الإمام الشافعي ومشهور مذهب مالك أنها ليس لها إلا وقت واحد من غروب الشمس بقدر ما تصلى فيه ويُسعى في شروطها، تتوافر شروطها بحيث يتوضأ، ويستتر، وبقية الشروط، ثم يصلي قدر ثلاث ركعات، ثم يخرج وقتها بقدر ما تصلى فيه، لكن هل الراتبة في ضمن الوقت أو تستثنى وتكون داخلة في الوقت؟ لأنهم قالوا: وهو قدر ما تُصلى فيه، أظن التوابع مثل الشروط تلك في أولها، وهذه في آخرها.
الشافعي ومشهور مذهب مالك أنه ليس لها إلا وقت واحد، يعني بقدر ربع ساعة من غروب الشمس، وينتهي وقتها، ولا شك أن في هذا حرجًا وتضييقًا، وحجتهم في ذلك أن جبريل -عليه السلام- صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- المغرب في اليوم الثاني في نفس الوقت الذي صلاها فيه في اليوم الأول بعد أن سقط قرص الشمس، وأكثر أهل العلم على أن لها وقتين كسائر الصلوات، وأن وقتها يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ويذكر عن بعض الحنفية أن المراد بالشفق الأبيض وليس الأحمر، وجاء عن ابن عمر وغيره الشفق: الحمرة، أن الشفق الحمرة، وابن عمر عربي من أقحاح العرب، ويعرف المراد بما يرد في النصوص إلى مغيب الشفق الأحمر، ثم بعد ذلك يدخل وقت صلاة العشاء.
كمِّل.. والتحقيق.. الذي عندك..
"والتحقيق أن وقت المغرب يمتد ما لم يغب الشفق، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو المتقدِّم عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق» الحديث، والمراد بثور الشفق ثورانه وانتشاره ومعظمه، وفي القاموس أنه حمرة الشفق الثائرة فيه، وفي حديث أبي موسى المتقدم عند أحمد ومسلم، وحديث بريدة المتقدم عند أحمد ومسلم وأصاحب السنن الأربعة: ثم أخَّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، وفي لفظ: فصلى المغرب قبل سقوط الشفق.
والجواب عن حديث إمامة جبريل، حيث صلى المغرب في اليومين في وقت واحد من ثلاثة أوجه: الأول أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جارٍ في كل الصلوات ما سوى الظهر، والثاني أنه متقدِّم في أول الأمر بمكة، وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في آخر الأمر بالمدينة، فوجب اعتمادها، والثالث أن هذه الأحاديثُ أصح.."
الأحاديثَ.
"أن هذه الأحاديثَ أصح إسنادًا من حديث بيان جبريل، فوجب تقديمها.."
لأنها في صحيح مسلم، وحديث إمامة جبريل ليس في واحد من الصحيحين، وهو متقدِّم في أول بداية فرض الصلاة وبيان الأوقات.
طالب: ........
الظهر ما له وقت اختيار واضطرار.
طالب: ........
ليس لها وقت اضطرار، يعني تمتد ما لم يحضر وقت العصر، ما هي مثل العصر إلى اصفرار الشمس أو إلى مصير ظل الشيء مثليه أو غيرها من الصلوات.
"والثالث أن هذه الأحاديث أصح إسنادًا من حديث بيان جبريل، فوجب تقديمها، قاله الشوكاني -رحمه الله-.
ولا خلاف بين العلماء في أفضلية تقديم صلاة المغرب عند أول وقتها، ومذهب الإمام مالك- رحمه الله- امتداد الوقت الضروري بالمغرب بالاشتراك مع العشاء إلى الفجر."
إما أن يضيق الوقت بحيث لا يزيد على ربع ساعة، وإما أن يمتد الوقت إلى أكثر من عشر ساعات من الليل كله في مذهب مالك -رحمه الله-، يعني مشهور مذهب مالك أنها ليس لها إلا وقت واحد، وهنا امتداد الوقت الضروري للمغرب بالاشتراك مع العشاء إلى الفجر، حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط في حديث عبد الله بن عمرو، وسيأتي الكلام في وقت العشاء.
"وقال البيهقي في السنن الكبرى: رَوَينا عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف.."
ابن الصلاح يقول في مثل هذا: رُوِّيْنا.
"في المرأة تطهر قبل طلوع الفجر صلَّت المغرب والعشاء، والظاهر أن حجة هذا القول بامتداد وقت الضرورة للمغرب إلى طلوع الفجر كما هو مذهب مالك.."
لأنها تُصلَّى الصلاة إذا طهرت المرأة أو أدرك الصبي تُصلَّى وما يُجمَع إليها؛ لأن الوقتين في بعض الأحيان في السفر وغيره في وقت العذر وقتهما واحد.
طالب: ........
يعني رَوَينا، ابن الصلاح يقول: رُوِّينا، يعني ما رَوَينا بأنفسنا عنه، وهنا يقول: رُوِّينا عن ابن عباس؛ لأن السند منقطع، ما رواه البيهقي مباشرة عنه يقول: رُوِّينا، وبعضهم يقول: رَوَينا يعني بالإسناد الثابت في الأصل في الكتاب الأصلي، والخطب سهل، يعني ما فيه إشكال، إن شاء الله.
"ما ثبت في الصحيح من أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر، فقد روى الشيخانُ في صحيحيهما."
الشيخانِ.. الشيخانِ..
"فقد روى الشيخانِ في صحيحيهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ومعناه أنه يصلي السبع جميعًا في وقت واحد، والثماني كذلك، كما بينته رواية البخاري في باب وقت المغرب عن ابن عباس قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعًا جميعًا وثمانيًا جميعًا. وفي لفظ لمسلم وأحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه: جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
وبه تعلم أن قول مالك في الموطأ لعل ذلك لعلة المطر غير صحيح، وفي لفظ أكثر الروايات: من غير خوف ولا سفر، وقد قدمنا أن هذا الجمع يجب حمله على الجمع الصوري؛ لما تقرر في الأصول من أن الجمع واجب إذا أمكن، وبهذا الحمل تنتظم الأحاديث ولا يكون بينها خلاف، ومما يدل على أن الحمل المذكور متعيِّن ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعًا، أخَّر الظهر وعجَّل العصر، وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء."
الحنفية حملوا ما ورد في الجمع في غير عرفة ومزدلفة على الجمع الصوري، حملوه على الجمع الصوري، فرد عليهم الجمهور بأن الصلاة بالتوقيت، كل صلاة في وقتها أيسر من الجمع الصوري، أيسر من الجمع الصوري، وهنا يحملون الحديث الوارد في ذلك من حديث ابن عباس على الجمع الصوري ويقولون: إنه متعيِّن، لماذا قالوا به هنا، وردوا بالمشقة الشديدة هناك؟
لذلك وردت به أحاديث لا معارِض لها، الجمع الحقيقي بالتقديم أو بالتأخير وردت به السنة، ولا معارض لها فلا داعي لحمل الأحاديث على ما فيه مشقة، هو ما فيه شك أن ملاحظة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات فيه مشقة لاسيما على عامة الناس الذين ما يدركون هذا، لكن في هذه الصورة أنت أمام أمر واقع، حديث معارِض لنصوص كثيرة، كيف تحمله؟ كيف تجيب عنه تقول: جمع حقيقي؟ تبقى المعارَضة، تقول: ما فيه جمع، الحديث صحيح، فلا بد من حمله على الجمع الصوري؛ لئلا يقول قائل، وقد سمعته في الدرس الماضي أن الجمع الصوري فيه مشقة عظيمة، هو فيه مشقة عظيمة من أجل التوفيق بين الأحاديث الواردة في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر، وبين الأحاديث التي تُلزِم بأداء الصلاة في كل صلاة في وقتها، وورد في ذلك الوعيد الشديد على من جمع من غير عذر، فلا بد من حمله على هذه الصورة.
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ........
هو الكلام على ماذا؟ على تقدير الحرج، وأراد ألا يُحْرِج أمته أو لا يُحَرِّج أمته، إذا وجد الحرج وهو المشقة الشديدة التي تشق.. الخارجة عن المشقة العادية؛ لأن كل التكاليف بمشقة، لكن إذا وجد مشقة خارجة عن المعتاد يفعل ويُطبَّق عليه، يعني الآن لو خرجت من بيتك قبل أذان العصر أو قبل أذان المغرب بنصف ساعة، وسرت بهذه الطرق المزدحمة، ومكثت في السيارة ساعتين إلى أن خرج الوقت، ماذا تصنع؟ ليس لك إلا أن تجمع، وعليه يتنزل حديث ابن عباس، لكن لتوجيه كلام الشيخ، وهو في الأمور العادية يعني في الأمور العادية من غير اضطرار، ومادام الحديث معللاً بنفي الحرج فيُحمَل على الصور التي فيها حرج، فيُحمَل على الصور التي فيها حرج.
"فهذا ابن عباس راوي حديث الجمع قد صرَّح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري.."
قدَّم هذه وأخَّر هذه.
"فرواية النسائي هذه صريحة في محل النزاع مبينة للإجمال الواقع في الجمع المذكور، وقد تقرر في الأصول أن البيان بما سنده دون سند المبيَّن.."
لأن حديث النسائي أقل رتبة وثبوتًا من حديث الصحيح الذي فيه الجمع والتفسير توضيح المعنى وترجيح أحد المعنيين اللذَين يحتملهما النص يصلح بما دون ذلك، وهذه المسألة قررها ابن القيم في تحفة المودود في أحكام المولود في تفسير، أظن في تفسير آية النساء {أَلاَّ تَعُولُواْ} [سورة النساء:3] فهي محتملة من العَيْلَة أي الفقر، أو تعول يكثر عيالكم، وللشافعي كلام في هذا الباب، وجاء في خبر أن المراد بها خلاف ما ذهب إليه الإمام الشافعي، وهو فيه ضعف، وابن القيم يرى أنه يمكن أن يرجَّح بين المعنيين المحتملين بالخبر، ولو كان فيه نوع ضعف، فضلاً عن أن يكون أقل رتبة من المبيَّن كما أشار إليه المؤلف.
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ........
نعم؛ لأنها جاءت بنص.
طالب: ........
لا، شف..
طالب: ........
أخَّر الظهر وعجَّل العصر ماذا معناه؟
طالب: ........
لا، ما لها قيمة، ما يصير أخَّر.. عجَّل العصر.
طالب: ........
الأصل أنه في وقته من أجل أن يحصل الجمع وكل صلاة في وقتها، هو المسألة كل الكلام هذا؛ لئلا يتناقض الحديث مع الأحاديث الأخرى التي تدل على التوقيت، وتحرم الجمع من غير عذر.
"وقد تقرر في الأصول أن البيان بما سنده دون سند المبيَّن جائز عند جماهير الأصوليين، وكذلك المحدِّثون، وأشار إليه في مراقي السعود بقوله في مبحث البيان وبيَّن.."
القاصر.
"
وبين القاصر من حيث السند |
|
أو الدلاة على ما يعتمد |
ويؤيده ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال: يا أبا الشعثاء، أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظنه، وأبو الشعثاء هو راوي الحديث، هو راوي الحديث عن ابن عباس، والراوي أدرى بما روى من غيره؛ لأنه قد يعلم من سياق الكلام قرائن لا يعلمها الغائب، فإن قيل: ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أيوب السِّختياني.."
السَّختياني.
"أن أيوب السَّختَياني.."
السَّختِي..
"السِّختِياني.."
السَّختِياني بفتح السين.
"السَّختِياني قال لأبي الشعثاء: لعل ذلك الجمع.."
تعرف السَّختيان ما هي؟
بلد.. بلد..
ماذا؟
بلد؟
لا، الجلود يسمونها سختيان، والاسم مستعمل إلى الآن.
"فإن قيل: ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أيوب السَّختِياني قال لأبي الشعثاء: لعل ذلك الجمع في ليلة مطيرة، فقال أبو الشعثاء: عسى.."
رحم الله السائل والمسؤول، والمطر منفي في الرواية الصحيحة، المطر منفي في الرواية الصحيحة، فلا داعي لهذا السؤال ولا لجوابه.
"فالظاهر في الجواب -والله تعالى أعلم- أنا لم ندع جزم أبي الشعثاء بذلك ورواية الشيخين عنه بالظن، والظن لا ينافي احتمال النقيض، وذلك النقيض المحتمَل هو مراده بعسى، والله تعالى أعلم."
وعرفنا أن هذا النقيض منتفٍ بالرواية الصحيحة التي فيها التنصيص على قوله: ولا مطر.
"ومما يؤيد حمل الجمع المذكور على الجمع الصوري أن ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهم- كلاهما ممن رُوي عنه الجمع المذكور بالمدينة، مع أن كلاًّ منهما روي عنه ما يدل على أن المراد بالجمع المذكور الجمع الصوري، أما ابن مسعود فقد رواه عنه الطبراني، كما ذكره ابن حجر في فتح الباري، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: رواه الطبراني عن ابن مسعود في الكبير والأوسط، كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد بلفظ: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: «صنعت لئلا.. لئلا تُحَرِّج أمتي»."
لا.
تُحَرَّج؟ لئلا تُحَرَّج؟
الفعل الماضي حَرَج، والمضارع يَحْرُج، لئلا تَحْرُج.
"«صنعت ذلك لئلا تَحْرُج أمتي» مع أن ابن مسعود روى عنه ذلك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي أنه قال: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغربَ و
العشاء.."
المغربِ.
"جمع بين المغربِ والعشاء بالمزدلفة، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها، فنفي ابن مسعود للجمع المذكور يدل على أن الجمع المروي عنه الجمع الصوري؛ لأن كلاًّ من الصلاة.."
طيب والجمع بعرفة والجمع بعرفة ما حصل؟
طالب: بلى حصل.
مثله.
"لأن كلاًّ من الصلاتين في وقتها.."
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ........
مبالغة في التبكير، يحمل على المبالغة في التبكير لا أنه صلى قبل طلوع الفجر.
"وإلا لكان قوله متناقضًا، والجمع واجب متى ما أمكن، وأما ابن عمر فقد روي عنه الجمع المذكور بالمدينة.. فقد رَوَى عنه الجمع المذكور بالمدينة عبد الرزاق، كما قاله الشوكاني أيضًا، مع أنه روى عنه ابن جرير أنه قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يؤخِّر الظهر ويعجِّل العصر فيجمع بينهما، ويؤخِّر المغرب ويعجِّل العشاء فيجمع بينهما. قاله الشوكاني أيضًا، وهذا هو الجمع الصوري، فهذه الروايات معيِّنة للمراد بلفظ جمع.
واعلم أن لفظة جمع فعل في سياق الإثبات، وقد قرر أئمة الأصول أن الفعل المثبَت لا يكون عامًّا في أقسامه، قال ابن الحاجب في مختصره الأصولي في مبحث العام ما نصه: الفعل المثبت لا يكون عامًّا في أقسامه، مثل صلى داخل الكعبة، فلا يعمّ الفرض والنفل، إلى أن قال: وكان يجمع بين الصلاتين لا يعمّ وقتيهما، وأما تكرر الفعل فمستفاد من قول الراوي: كان يجمع كقولهم: كان حاتم يكرم الضيف إلى آخره، قال شارحه.."
يدل على التكرار والاستمرار مع أنها جاءت في نصوص، كان في نصوص ما فيها تكرار، لكن الأصل فيها التكرار.
"قال شارح العضد ما نصه: وإذا قال: كان يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فلا يعم جمعهما بالتقديم في وقت الأولى، والتأخير في وقت الثانية، وعمومه في الزمان لا يدل عليه أيضًا، وربما تَوَهَّم ذلك.."
تُوُهِّم.
"تُوُهِّم ذلك من قوله: كان يفعل، فإنه يُفهَم منه التكرار، كما إذا قيل: كان حاتم يكرم الضيف، وهو ليس مما ذكرناه في شيء؛ لأنه لا يُفهَم من الفعل وهو يجمع، بل من قول الراوي: وهو كان، حتى لو قال: جمع لزال التوهم. انتهى محل الغرض منه بلفظه بحذف يسير لما لا حاجة إليه في المراد عندنا.
فقوله: حتى لو قال: جمع زال التوهُّم، يدل على أن قول ابن عباس في الحديث المذكور: جمع لا يتوهم فيه العموم، وإذًا فلا تتعين صورة من صور الجمع إلا بدليل منفصل، وقد قدمنا الدليل على أن المراد الجمع الصوري. وقال صاحب جمع الجوامع عاطفًا على ما لا يفيد العموم ما نصه: والفعل المثبِت ونحو.."
المثبَت.
"والفعل المثبَت ونحو كان يجمع في السفر، قال شارحه صاحب الضياء اللامع ما نصه: ونحو كان يجمع في السفر أي بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لا عموم له أيضًا؛ لأنه فعل في سياق الثبوت، فلا يعم جمعهما بالتقديم في وقت الأولى والتأخير في وقت الثانية، بهذا فسر.."
لأن جمع التقديم حصل فيه نزاع بين العلماء، ومنعه الأوزاعي وجمع من أهل العلم، ولو كانت تفيد العموم.. الفعل المثبَت لو كان يفيد العموم ما حصل النزاع؛ لأنهم عرب يفهمون.
"بهذا فسَّر الرهوني كلام ابن الحاجب إلى أن قال: وإنما خص المصنف هذا الفعل الأخير بالذكر مع كونه فعلاً في سياق الثبوت؛ لأن في كان معنى زائد وهو اقتضاؤها مع المضارع التكرار عرفًا، فيتوهَّم منه العموم، نحو: كان حاتم يكرم الضيفان، وبهذا صرح الفهري والرهوني، وذكر ولي الدين عن الإمام في المحصول أنها لا تقتضي التكرار لا عرفًا ولا لغة.. ولا لغة، قال ولي الدين.."
المراد بولي الدين أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، وهو شافعي، والإمام المقصود به عند الشافعية الرازي.
"قال ولي الدين: والفعل في سياق الثبوت لا يعم كالنكرة المثبِتة."
المثبَتة.
"كالنكرة المثبَتة."
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ........
نعم، له مؤلفات في الأصول وفي شروحه يتعرض للقواعد الأصولية باستفاضة.
"قال ولي الدين: والفعل في سياق الثبوت لا يعم كالنكرة المثبَتة إلا أن تكون في معرِض الامتنان كقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [سورة الفرقان:48]. انتهى من الضياء اللامع لابن حَلُوْلُوْ."
حَلَوْلَوْ..
حَلَوْلَوْ..
ما عمرك سمعت من يقول: حلي يا حلَولَو؟!
ما سمعته يا شيخ؟!
بلى سمعت.
خلاص..
النكرة في سياق الامتنان معروف أنه في سياق الإثبات لا تعم، لكن قالوا: في سياق الامتنان تعم، ومثلوا لها بما ذكره الشيخ {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [سورة الفرقان:48] ومثلوا لها بقوله -جل وعلا- في سورة الرحمن: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [سورة الرحمن:68] في المفاضلة بين الجنتين الأوليين والأخريين قال بعضهم: مما تفضل به الجنتان الأوليان أنه قيل فيهما: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [سورة الرحمن:52]، وفي الأخريين قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [سورة الرحمن:68] نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، مع أنها ذكرت الآية مثالاً للنكرة في سياق الامتنان، وأنها تفيد العموم، فاستحضار القواعد يسعف وإلا فالحافظ ابن كثير قال: نكرة في سياق الإثبات فلا عموم لها.
طالب: ........
ما هو فقط لا، بقي.... لكن هذا منها مما يفيده العموم إذا كانت في سياق امتنان.
طالب: ........
لا لا لا.
"قال مقيده -عفا الله عنه-: وجه كون الفعل في سياق الثبوت لا يعم هو أن الفعل ينحل عند النحويين وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن وينحل.."
نعم؛ لأن الأصل المصدر.
............................ |
|
وكونه أصلاً لهذين انتخب |
أصل للفعل، وما اشتُق منه من المصدر اسم الفاعل واسم المفعول وغيرهما من المشتقات والفعل أصلها المصدر كما قال ابن مالك:
............................ |
|
وكونه أصلاً لهذين انتخب |
يعني هو المختار وهو الصحيح عنده، فالفعل ينحل عن أمرين مأخوذ من مصدر، كما قال وأصل ذلك.. وينحل عند جماعة.. عن مصدر وزمن، فضرب يدل على الضرب، لكنه زمن قد مضى، يعني ينحل عن أمرين المصدر والزمن، فإذا قلت: ضرب يدل على الضرب، ويدل على أنه في زمن الماضي، ويضرب يدل على الضرب الذي هو مصدره، ويدل على أنه في الزمان الحال أو الاستقبال، وهكذا.
طالب: .............
ماذا؟
طالب: .............
الكوفيون يقولون: الفعل هو الأصل، الفعل هو الأصل، وقواميس ومعاجم اللغة كلها مبنية موادها على الأفعال.
"وينحل عند جماعة البلاغيين عن مصدر وزمن ونسبة، فالمصدر كامن في معناه إجماعًا، والمصدر الكامن فيه لم يتعرف بمعرف فهو نكرة في المعنى، ومعلوم أن النكرة لا تعم في الإثبات، وعلى هذا جماهير العلماء، وما زعمه بعضهم من أن الجمع الصوري لم يرد في لسان الشارع ولا أهل عصره فهو مردود بما قدمنا عن ابن عباس عند النسائي، وابن عمر عند عبد الرزاق.."
يعني بهذا اللفظ: جمع صوري قد لا يرد، لكن حقيقته صوري.
"وبما رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححاه والشافعي وابن ماجه والدارقطني والحاكم من حديث حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها وهي مستحاضة: «فإن قويْتِ على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حتى تطهري وتصلين الظهر والعصر جمعًا، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الصبح» قال: وهذا أعجب الأمرين إلي، ومما يدل على أن الجمع المذكور في حديث ابن عباس جمع صوري ما رواه النسائي من طريق عمرو بن هَرِم عن أبي الشعثاء.."
عمرو.. عمرو ابن.. عندنا ابن هشام، ما أدري والله!
ابن هشام؟
من طريق عمرو بن هشام.. أخرجه.. عند النسائي.
طالب: .............
هَرِم؟ في الأصل؟ أخرجته من الجهاز؟ لأن أبا عبد الرحمن يشتغل.. هَرِم؟
طالب: .............
ماذا؟
طالب: .............
هرم؟ يصحح..
"ما رواه النسائي من طريق عمرو بن هَرِم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فعل ذلك من شغل، وفيه رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة، وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء، وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه. انتهى من فتح الباري.."
لا يكون هذا عادة وديدنًا، لكن إذا وجد عارض تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، ولا يجوز إخراجها عن وقتها بحال في مثل هذه الأعذار، لكن يتجاوَز بها إلى أن تبدو النجوم، وإلا فالأصل أن صلاة المغرب في أول وقتها، وكونها تؤخر إلى أن تشتبك النجوم هذا ورد فيه الذم، وأنه معتمد في المذاهب البدعية كما هو عند الرافضة وغيرهم لا يفطرون من صيامهم حتى تشتبك النجوم، ولا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم، وهذا من تعمد مخالفتهم للسنة، والله أعلم.
"وما ذكره الخطابي وابن حجر في الفتح من أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي» في حديث ابن عباس وابن مسعود المتقدمَين يقدح في حمله على الجمع الصوري؛ لأن القصد إليه لا يخلو من حرج، وأنه أضيق من الإتيان بكل صلاة في وقتها".
يعني كما رد به الجمهور على الحنفية حينما قالوا: المراد بأحاديث الجمع ما عدا عرفة ومزدلفة الجمع الصوري، أظن هذا حرجًا عظيمًا صلاة كل صلاة في وقتها أيسر من ملاحظة ومراعاة أواخر الأوقات وأوائلها، لكن حمله في صورة واحدة؛ ليرتفع التناقض عن أحاديث صحيحة، هذا لا يضر.
"لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما يصعب إدراكه على الخاصة، فضلاً عن العامة، يجاب عنه بما أجاب به العلامة الشوكاني في نيل الأوطار، وهو أن الشارع -صلى الله عليه وسلم- قد عرَّف أمته أوائل الأوقات وأواخرها، وبالغ في التعريف والبيان حتى إنه عيَّنها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة فضلاً عن الخاصة، والتخفيف.."
أولاً تلتبس على عامة الناس بلا شك، ميزه بعلامات وملاحظة أواخر وأوائل الأوقات بدقة قد يخرج الوقت والإنسان يراقب؛ لأن المسألة في غاية الدقة، المسألة عشر دقائق تصلي بها صلاتين لو تتأخر قليلاً خرج الوقت. الله المستعان.
طالب: .............
لا لا، المشقة موجودة، لكن ارتكب هذا الجمع مع ما فيه من مشقة من أجل أن يرتفع التناقض عن أحاديث صحيحة في الصحيحين، بل في الصحيح ... حديث ابن عباس في مسلم، وجاء في بعض طرق البخاري، لكن رواه الترمذي في علله، في علل الجامع: ليس في كتابي حديث اتُّفق على ترك العمل به إلا حديثين الأول حديث ابن عباس: جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر، والحديث الثاني حديث معاوية في قتل الشارب بعد الرابعة أو الثالثة على الخلاف في الروايات، مع أنه جمعت أحاديث قد تبلغ العشرين كلها اتفق الأئمة على عدم العمل بها، وهو لا بد أن يوجَد معارِض ولو لم يطلع عليه من قال هذا الكلام أو منسوخة كما قيل في حديث معاوية وبعض الأحاديث التي جاءت في هذه الصفة.
طالب: .............
أين؟
طالب: .............
لا، الدليل عموم العلة، أراد ألا يحرج أمته.
طالب: .............
هذا وجه من وجوه الجمع لرفع الاختلاف بين الأحاديث، ولو عملنا بمقتضى العلة المنصوصة؛ لأن العلة المنصوصة يدور معها الحكم عند أهل العلم، ولو قلنا بمقتضى العلة عموم العلة لقلنا بأنه إذا وجد الحرج، فما المانع مثل السفر والمطر.
طالب: .............
نعم العلة منصوصة، لكن إذا جاء عن صحابي في تفسير الحديث، وهذا فهمه، وهو راوي الحديث، ما الذي يمنع من أن نقول به إذا تيسَّر وإذا ما تيسَّر جمع..؟
طالب: .............
لا، مادامت العلة منصوصة فندور مع العلة، لكن خشية أن يتوسع الناس في معنى الحرج وتنقيح المناط فيما يتعلق بالحرج.. فبالنسبة لعامة الناس، بعض الناس يتساهل في هذه الأمور فيما يتعلق بدينه تساهلًا كبيرًا ويتسع خطوه فيه، الماء عنده قريب جدًّا ويقول: خلاص ما عندنا ماء، والبادية في البراري يتيممون، كثير منهم يتيمم باستمرار، باعتبار أنه ما عندهم ماء، والماء قريب أو عنده ماء كثير يخشى أن ينتهي عن إبله وعن ماشيته وعن كذا، وقالوا لنا عن بعض بلاد المغرب، بعض بلاد المغرب -والله أعلم بصحة المقولة- أن الطلاب وهم في الدرس وعندهم شيخهم يتمسحون ببعض الأشياء، موجود؟
طالب: .............
ذكروا عن بعض جهات الشناقطة.
طالب: .............
المقصود أنهم يتمسحون وعندهم بعد شيء من الاسترخاء، تجد الواحد منسدح بالدرس.. ويغط غطيطًا وينام فقط يمسح الفرش ويقوم يصلي، التساهل موجود عند كثير من الناس، وبعضهم يزيد، يعني ما هو مسألة توسط واعتدال، لا، يزيد على المشقة مشقة والخير في الوسط.
طالب: .............
العلة تسقط مثل ما يقال في الجمع الحقيقي أن ما يتعلق.. حتى الأذكار في الصلاة الأولى تصير فات محلها.
طالب: .............
لا، إذا خرج وقتها انتهى وقتها، سنة فات محلها، ويذكر عن بعض السلف أنه يجمع الفوائت من النوافل ويصليها بالليل.
"والتخفيف في تأخير إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها، وفعل الأخرى في أول وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أول وقتها، كما كان ديدنه -صلى الله عليه وسلم- حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله، ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين دفعة والخروج إليهما مرة.."
يعني وضوء واحد وخروج مرة واحدة إلى محل الصلاة لا شك أنه أسهل من أن يتوضأ مرتين ويخرج مرتين، لذلك الجمع في المطر يعني ما فيه شك من أنه من أجل ألا يحرج الناس ويخرجوا مرتين مع المشقة، وقل مثل هذا في تأخير الصلاة في شدة الحر، إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر، يعني ما هو معناه أنك تبرد لك ساعة ثم ترجع لبيتك، ثم تطلع لصلاة العصر مرة ثانية، هم يريدون أن تطلع مرة واحدة؛ من أجل شدة الحر وإلا لم يتحقق الهدف.
"ولا يشك منصف أن عمل الصلاتين دفعة والخروج إليهما مرة.. أخف من صلاة كل منهما في أول وقتها، وممن ذهب إلى أن المراد بالجمع المذكور الجمع الصوري ابن الماجشون والطحاوي وإمام الحرمين والقرطبي، وقواه ابن سِيْد الناس."
سَيِّد.
"ابن سيِّد الناس."
تعرف السِّيْد من هو؟ السيِّد معروف، لكن السِّيْد ابن السِّيْد البطليوسي..
طالب: .............
السِّيْد الذئب، السِّيْد الذئب.
"بما قدمنا عن أبي الشعثاء، ومال إليه بعض الميل النووي في شرح المهذب في باب المواقيت من كتاب الصلاة، فإن قيل: الجمع الصوري الذي حملتم عليه حديث ابن عباس هو فعل كل واحدة من الصلاتين المجموعتين في وقتها، وهذا ليس برخصة، بل هو عزيمة، فأي فائدة إذًا في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لئلا تحرج أمتي»، مع كون الأحاديث المعيِّنة للأوقات تشمل الجمع الصوري؟ وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلا من باب الاطراح لفائدته وإلغاء مضمونه، فالجواب هو ما أجاب به العلامة الشوكاني -رحمه الله- أيضًا، وهو أنه لا شك أن.."
عند أهل العلم شيء يقال له: التأسيس، وشيء يقال له: التأكيد، والتأسيس عندهم أولى من التأكيد، التأسيس عندهم أولى من التأكيد، متى يكون الحديث حديث ابن عباس مؤسسًا لحكم جديد، ومتى يكون مؤكدًا لأحكام سابقة؟
طالب: .............
الجمع الحقيقي مع وجود الحرج مؤسِّس لحكم جديد، مؤسِّس، ما في النصوص ما يشمل هذه الصورة.
طالب: .............
لكن مع وجود الحرج مع وجود العلة، لكن إذا قلنا: إنه جمع صوري صار مؤكِّدًا لأحاديث التوقيت، ولا شك أن التأسيس عندهم أولى من التأكيد.
"وهو أنه لا شك أن الأقوال الصادرة منه -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث توقيت الصلوات شاملة للجمع الصوري كما ذكره المعترِض، فلا يصح أن يكون رفع الحرج منسوبًا إليها، بل هو منسوب إلى الأفعال ليس إلا، لما عرَّفناك من أنه -صلى الله عليه وسلم- ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين، فربما ظن ظان أن فعل الصلاة في أول وقتها متحتم؛ لملازمته -صلى الله عليه وسلم- لذلك طول عمره، فكان في جمعه جمعًا صوريًّا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل، وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر منه بالأقوال.."
لأنها هي الظاهرة لهم، هي الظاهرة لهم، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقال: «خذوا عني مناسككم».
"ولهذا امتنع الصحابة -رضي الله عنهم- من نحر بدنهم يوم الحديبية بعد أن أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بالنحر حتى دخل -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة مغمومًا، فأشارت عليه بأن ينحر، ويدعو الحلاق يحلق له، ففعل، فنحروا جميعًا، وكادوا يهلكون غمًّا من شدة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق، ومما يؤيد أن الجمع المتنازَع فيه لا يجوز لغير عذر ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر»، وفي إسناده حنش بن قيس، وهو ضعيف، ومما يدل على ذلك أيضًا ما قاله الترمذي في آخر سننه في كتاب العلل منه، ولفظه جميع ما في كتابي هذا من الحديث معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر إلى آخره."
يعني والحديث الثاني حديث معاوية في قتل الشارب في المرة الرابعة بعد الثلاث إذا شرب ثلاثًا، ثم إذا شرب فاقتلوه، ومعروف الجمهور على أنه منسوخ، على أنه منسوخ، وإلا فهو صحيح ما فيه إشكال على أنه منسوخ، وقال بعضهم: إنه محكَم، وهو حد يجب تطبيقه. وهذا قال به ابن حزم، وهو رأي السيوطي والشيخ أحمد شاكر يرجحه، وأما شيخ الإسلام وابن القيم فيرون أنه تعزير وليس بحد إذا تتابع الناس على شرب الخمر ولم يرتدعوا بالحد، فالمدمن يُقتَل.
"وبه تعلم أن الترمذي يقول: إنه لم يذهب أحد من أهل العلم إلى العمل بهذا الحديث في جمع التقديم أو التأخير، فلم يبق إلا الجمع الصوري، فيتعين.
قال مقيده -عفا الله عنه-: روي عن جماعة من أهل العلم أنهم أجازوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقًا، لكن بشرط ألا يُتخذ ذلك عادة، منهم ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، قاله ابن حجر وغيره، وحجتهم ما تقدم في الحديث من قوله: «لئلا تحرج أمتي»، وقد عرفت مما سبق أن الأدلة تعيِّن حمل ذلك على الجمع الصوري كما ذكر، والعلم عند الله تعالى.
تنبيه.."
قف على التنبيه.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.