تعليق على تفسير سورة البقرة (33)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:
"ذكر الحديث الوارد في ذلك إن صح سنده ورفعه وبيان الكلام عليه، قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده.."
في البداية والترجمة..
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في ترجمة المسألة وهي ذكر الحديث الوارد وذكر حديثًا مرفوعًا يرويه ابن عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن التشكيك إن صح سنده ورفْعه، السند قد يصح لكن رفعه المرجَّح أنه من كلام ابن عمر غير مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هو مما تلقاه عن بعض الأحبار؛ لأنه منكر، لا تصح نسبته إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-.
"قال: حدثنا يحيى بن أبي بَكير.."
بُكير.
"يحيى بن أبي بُكير قال: حدثنا زهير بن محمد.."
طالب: ..........
ماذا يقول؟
طالب: ..........
والصواب؟
طالب: ..........
لا ابن أبي كثير ولا ابن بكير.
"قال: حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن آدم -عليه السلام- لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي ربِّ، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال: إني أعلم ما لا تعلمون»."
يعني على ما تقدم في تفسير الآية.
"«قالوا ربنا..»"
لحظة لحظة..
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
المقصود أن..
طالب: ..........
نعم، لكنه مع ذلك الخبر فيه أولاً علته في زهير بن محمد، والمتن منكر.
"«قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان، قالوا: ربنا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: لا والله، لا نشرك بالله شيئًا أبدًا، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: لا والله لا نقتله أبدًا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا أبيتماه عليَّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا»، وهكذا رواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بُكير به، وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا، وهو الأنصاري السلمي مولاهم المديني الحذاء، وروى عن ابن عباس وأبي أمامة بن سهل بن حنيف ونافع وعبد الله بن كعب بن مالك."
يعني هو تابعي روى عن جمع من الصحابة عن ابن عباس وأبي أمامة.
"وروى عنه ابنه عبد السلام وبكر بن مضر وزهير بن محمد وسعيد بن سلمة وعبد الله بن لهيعة وعمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب، وروى له أبو داود.."
فارتفعت عنه جهالة العين، ارتفعت عنه جهالة العين برواية أكثر من واحد.
"وروى له أبو داود وابن ماجه، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ولم يحكِ فيه شيئًا من هذا ولا هذا."
لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، مجرد ذكر اسمه ومن روى عنه ومن روى هو عنه، فارتفعت عنه جهالة العين، وبقيت جهالة الحال، ومثل هذا يسميه أهل العلم مجهول الحال أو مستورًا، أو مستورًا لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، إذًا هو مجهول الحال، يعني عرفت عينه برواية اثنين فأكثر، وبقيت جهالة حاله؛ لأنه لم يعدَّل ولم يجرح، بقيت حاله مجهولة، وهذا خلاف من يقول وهذه مسألة طويلة؛ لأن من يذكره البخاري في التاريخ أو ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولا يذكران فيه جرحًا ولا تعديلاً من أهل العلم من يقول: هو ثقة، وأحمد شاكر في كثير من المواضع من تحقيقاته يقول: ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو ثقة، وأحيانًا يقول: هذه أمارة توثيقه، ولكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل يقول: بيِّضت لرجال ذكرتهم؛ لأني لم أقف فيهم على كلام لأهل العلم، هذا يدل على أنه لا يعرف حالهم، ومازالوا في حيِّز الجهالة.
"وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.."
قال: ولم يحكِ فيه شيئًا من هذا ولا هذا، فهو مستور الحال، الشيخ علَّق على هذا محمد رشيد رضا قال: قال ابن حبان: كان يخطئ ويخالِف، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، كذا في تهذيب التهذيب كونه يخطئ ويخالف، أيضًا زيادة في سوء حاله إضافة إلى الجهالة، وهنا مسألة يحسن ذكرها في هذا المقام وهي أن جهالة الراوي هل هي جرح بحد ذاتها إذا قيل عنه: مجهول أو أنها عدم علم بحاله؟
طالب: ..........
طيب الجهالة من مراتب الجرح عند ابن حجر تصير عدم علم بحاله؟ يعني إذا وجد راوٍ مجهول في سند، هل نحكم عليه بالضعف أو نتوقف؟
طالب: ..........
لا، لكن أريد أن تجاوب.
أقول: هل الجهالة جهالة الراوي هل هي جرح في الراوي بحيث إذا ذكر في سند نقول: إن الحديث ضعيف؛ لأن فيه راويًا مجهولاً، أو نقول: هي عدم علم بحاله، والحافظ ابن حجر في مراتب الجرح ذكر الجهالة، ذكر المجهول في طبقات أو في مراتب التجريح، مع أنه في النخبة وشرحها يقول: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحًا أو جهالة، هذا يختلف مع قوله في التقريب جعلها قسيمًا للجرح والتعديل وليست من التجريح، وابن أبي حاتم كثيرًا ما يسأل أباه عن كثير من الرواة، يعني المجهول عند أبي حاتم أكثر من ألف وخمسمائة راوٍ، الذي ينص على جهالتهم، لكن قال في كثير منهم: مجهول أي لا أعرفه، ولذلك حكم على بعض الصحابة بالجهالة، فهي عدم علم بحاله عنده، مع أن ابن حجر وضع الجهالة في مراتب التجريح، والفائدة من الخلاف أننا نضعف السند أو نضعف الحديث مباشرة إذا قلنا: جرح، أو نتوقف إذا قلنا: عدم علم بحاله.
طالب: ..........
المعمول به عند المتأخرين الذين اعتمدوا التقريب على رأسهم الشيخ ابن باز والألباني وغيرهم الذين اعتمدوا التقريب: جرح على طول، لكن الأئمة الكبار ما يعتبرونه إذا ما عرفه قال: مجهول، ولذلك قال: مجهول أي لا أعرفه، يقوله أبو حاتم، ويمكن أن يعرفه غيره، ولذلك قال في بعض الصحابة: مجهول، بل قال في واحد منهم نسيته الآن من السابقين الأولين: مجهول، ويعني بذلك قلة الرواية.
طالب: ..........
ما معنى هذا الكلام؟
طالب: ..........
نعم، جمع الروايات، لكن هل جمع روايات من قالوا فيه مجهول وخرجت عنده نتيجة بأن ما عنده خطأ؟ هذا يحتاج لاستقراء تام، ولذلك هو بين الأمرين، إما أن نقول جرح كما جنح إليه ابن حجر في التقريب، أو نقول: قسيم للجرح، كما ذكره ابن حجر نفسه في شرح النخبة أو عدم معرفة بعلم الراوي يبقى أنه بين العدالة والتجريح مادام ما ذكر فيه شيء.
طالب: ..........
لا لا، يتوقف فيه حتى يوجد تعديل، أما القول بأنه ثقة أو هذه أمارة توثيق هذا الكلام ما هو بصحيح، ولا يمشي مع كلام أهل العلم، هذا من تساهل من يقول به.
"وروي له متابِع من وجه آخر عن نافع كما قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد قال: حدثنا هشام بن علي بن هشام قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا سعيد بن سلمة قال: حدثنا موسى بن سِرجس.."
سَرجَس.
ابن سِرجَس..
سَرجَس.. مثل عبد الله بن سَرجَس..
"حدثنا موسى بن سَرجَس عن نافع عن ابن عمر سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول، فذكره بطوله، وقال أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-: حدثنا القاسم قال: أخبرنا الحسين وهو سنيد بن داود صاحب التفسير قال: أخبرنا الفرج.."
الحسين وهو سنيد، يعني اسمه الحسين، ولقبه سنيد؟
أخبرنا الحسين وهو سنيد.
يعني لقبه يصير صاحب التفسير معروف مشهور عند أهل العلم.
"قال: أخبرنا الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل قال: يا نافع، انظر طلعت الحمراء؟ قلت: لا، مرتين أو ثلاثًا ثم قلت: قد طلعت، قال: لا مرحبًا بها ولا أهلاً، قلت: سبحان الله نجم مسخّر سامع مطيع قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن الملائكة قالت: يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم، قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك، قال: فاختاروا ملكين منكم، قال: فلم يألوا جهدًا أن يختاروا فاختاروا هاروت وماروت، وهذان أيضًا غريبان جدًّا، وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت فقل لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلاً وليس بيني وبينكم رسول، انزلا لا تشركا بي شيئًا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه.
رواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به، ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصام عن مؤمل عن سفيان الثوري به، ورواه ابن جرير أيضًا قال: حدثني المثنى قال: حدثنا المعلا وهو ابن أسد قال: حدثنا عبد العزيز بن مختار عن موسى بن عقبة قال: حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدِّث عن كعب الأحبار فذكره، فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل. والله أعلم."
يعني ما ذكره المؤلف ابن كثير -رحمه الله- أن سالمًا أثبت في عبد الله بن عمر من نافع هذا قول الجمهور، وأن سالمًا أجل من نافع حتى قالوا: إن نافعًا لم يكن يحدث بحضرة سالم، وهو مقدَّم عليه، وإن كان نافع ثقة ثبتًا لا مطعن فيه، ولم يتكلم فيه أحد، لكن عند الترجيح يرجَّح سالم عليه.
يقول المعلِّق الشيخ محمد رشيد رضا بعد قوله: ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل، يقول: من المحقق أن هذه القصة لم تُذكر في كتبهم المقدسة، فإن لم تكن وُضعت في زمن روايتها فهي من كتبهم الخرافية، ورحم الله ابن كثير الذي بيَّن لنا أن الحكاية خرافة إسرائيلية، وأن الحديث المرفوع لا يثبت.
على كل حال المرفوع كما قال لم يثبت، وبقي أنه قد يصح إلى ابن عمر، ولكن يكون مما تلقاه ابن عمر من أهل الكتاب وعُرف بعض الصحابة بالتلقي عن أهل الكتاب، ولاسيما كعب الأحبار، ولذا قالوا في الصحابي إن ما يرويه مما لا مجال للرأي فيه حُكمه الرفع إلا إذا عُرف بالنقل عن أهل الكتاب.
"ذكر الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين- رضي الله عنهم أجمعين- قال ابن جرير: حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عمير بن سعيد قال: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت فراوداها عن نفسها فأبت عليهما إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به أحد يُعرَج به إلى السماء، فعلماها، فتكلمت به فعرجت إلى السماء فمسخت كوكبًا، وهذا الإسناد رجاله ثقات، وهو غريب جدًّا، وقال ابن أبي حاتم.."
والنكارة في لفظه ظاهرة.
"قال: حدثنا الفضل بن شاذان قال: حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا أبو معاوية عن ابن أبي خالد عن عمير بن.."
قال: أخبرنا أو حدثنا فيه اختلاف كثير بين النسخ في صيغة الأداء بعضها أخبرنا وبعضها حدثنا أبو معاوية..
عن ابن أبي خالد..
أخبرنا أبو معاوية..
حدثنا أبو معاوية عن ابن أبي..
ما فيه إشكال الصيغة ما علينا منها أبو معاوية أو معاوية؟
طالب: ..........
نعم أبو معاوية مَن أبو معاوية؟ محمد بن خازم..
طالب: ..........
لعله.. عن خالد أم أبي خالد؟
ابن أبي خالد..
نعم.
"عن عمير بن سعيد عن علي -رضي الله عنه- قال: هما ملكان من ملائكة السماء، يعني وما أنزل على الملكين، ورواه الحافظ أبو بكر ابن مردويه في تفسيره بسنده عن مغيث عن مولاه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي مرفوعًا."
مغيث، ويقال في اسمه مُعَتِّب.
"وهذا لا يثبت من هذا الوجه، ثم رواه من طريقين آخرين عن جابر عن أبي الطفيل عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله الزهرة، فإنها هي التي فتنت الملَكين هاروت وماروت»، وهذا أيضًا لا يصح، وهو منكر جدًّا. والله أعلم."
وهذا مما يؤخذ على الحافظ ابن كثير -رحمه الله- مع أنه من أئمة المحدثين ومن كبار الحفاظ يستظهر المسند على طوله، ومع ذلك حشد الإسرائيليات في تفسيره، لو أنه لم يذكرها لكان أحرى به وأجدر؛ لأنه محدِّث، يعني ما يعترض أو ينتقد بعض المفسرين الذين لا يد لهم في الحديث؛ لضعفهم وضعف بضاعتهم في هذا الباب، لكن من مثل ابن كثير يستكثر مع أنه لا يذكر شيئًا إلا بسنده، ومن أسند فقد أحال، وعندهم في المتقدمين أن من يذكر السند تبرأ ذمته به، لكن بعد ذلك حينما بعد العهد وضعف الناس في هذا الباب، وصاروا يتلقفون الأخبار ممن جاء بها، ولا يعرفون الرواة والضعيف منها والثقة، ولا يعرفون المقبول من المردود، حتى إنه وصل الأمر إلى أن يوجد من لا يفرق بين الصحيح والموضوع.
يعني في قصة ذكرها العلماء في كتب المصطلح قالوا: إن الحافظ العراقي سئل عن حديث فقال: كذب، فانبرى له شخص عليه سيما طلب العلم من العجم وقال: كيف تقول: مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالأسانيد؟ فقال العراقي: أحضره لنا جزاك الله خيرًا نرجع عن قولنا إذا أحضرت بالسند المقبول نرجع، فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي بالسند، فتعجبوا من كونه لا يعرف الموضوع، ما يدري ما الموضوع أصلاً. ويوجد الآن بعض الخطباء يلقي على الناس في خطبته الأحاديث التي لم تثبت والتي لا يجوز ذكرها إلا مقرونًا ببيان درجتها بالأسلوب الذي يفهمه السامع، ما يكفي أن يقول حتى بعضهم إذا قيل: ضعيف، قال: ما معنى ضعيف؟!
بعضهم ما يدري ما معنى ضعيف؛ لأنه ما يعرف إلا الضعف الحسي، شايب يقال له حدث بحديث في مجلس فقال له ولده عنده شيء من طلب العلم قال: يا والدي هذا ضعيف، قال: لا تحقر شيئًا، فكم من ضعيف نفع الله به، يعني ضعف البنية، ضعب البدن، لكن ضعف الحديث والنسبة إلى المصطفى -عليه الصلاة والسلام- هذه صعبة «من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين أو الكاذبَين»، أو يَرى سواء رآه هو أو رآه غيره، فالمسألة ليست بالسهلة النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من التثبت فيها، والله المستعان.
طالب: ..........
يحكم ويذكر السند، لكن ما الفائدة أن يورد ويقول إسرائيلي؟ يشغل الطالب القارئ به، ولذلك لما ظهرت هذه المختصرات اشتغل الناس بها وتركوا الأصل، مع أن الأصل لا يعدله شيء من هذه المختصرات.
"وقال ابن جرير: حدثني المثنى بن إبراهيم قال: حدثنا الحجاج بن منهال قال: حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا.."
اصبر اصبر.. أبو عبد الرحمن ما اسمه أبو عثمان النهدي؟
طالب: ..........
قريب عهد.. نعم زين..
طالب: ..........
نعم إن شاء الله ما تنساه.. في درس أمس..
"عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا جميعًا: لما كثر بنو آدم وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال: ربنا لا تمهلهم، فأوحى الله إلى الملائكة إني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم، وأنزلت الشهوة والشيطان في قلوبهم، ولو نزلتم لفعلتم أيضًا، قال: فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصموا، فأوحى الله إليهم أن اختاروا ملكين من أفضلكم، فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يسمونها بيدخت قال: فوقعا بالخطيئة، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا، فلما وقعا في الخطيئة استغفروا لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختاروا عذاب الدنيا، وقال.."
بالمقابل فيما بين ما ذكره الحافظ ابن كثير وغيره من المفسرين وملؤوا كتبهم بالأخبار والآثار الضعيفة والإسرائيلية يقابلهم طائفة أخرى طعنوا في المرويات وإن كانت صحيحة؛ لأنهم عرضوها على عقولهم فوجدوها لا تجري على أصولهم، فطعنوا فيها، وهي صحيحة، المسألة مسألة توسط واعتدال لا نوغل في مثل هذه الأمور التي تخالف العقل والنقل، ولا ننفي ما صح أو ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عن صحابته الكرام، هذا هو المطلوب؛ لأنا نجد من المفسرين من عرض الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين على عقله وطعن فيها، وهذا منهج معروف، ولكل قوم وارث، والعقلانيون منذ أمد بعيد من المعتزلة وغيرهم يعرضون هذه الأخبار على قواعدهم وأصولهم، فإذا اختلفت معها نفوها، فينفون أحاديث الآحاد؛ لأنها لا توافق أصولهم على حد زعمهم، والمطلوب التوسط بين الأمور الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، ولكن مع الأسف أنه وجد في عصرنا من ينتهج منهج العقلانيين ويعرض الأمور الشرعية وهو من أجهل الناس بها على عقله، ونسمع في القنوات ونقرأ في الصحف والمجلات من يتبنى مثل هذا الرأي، والله المستعان.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
هو عمدته، لكن هناك أخبار تخالف ما عندنا من شرعنا، فما يخالف ما في الشرع فلا شك أن هذا مردود، وما له شاهد في الشرع مقبول، وما لا هذا ولا هذا يندرج في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، وفي رواية البزار: «فإن فيهم الأعاجيب»، على كل حال السواليف مقبولة عند الناس، ولذا انتقد بعض الناس المختصرات لما ظهرت قالوا: إنه حذف الإسرائيليات وحذف وحذف قالوا: حذف ما يوسع الصدر؛ لأن فيها أعاجيب بلا شك، لكن مع ذلك إذا عرضت على المحكّ وجد فيها المخالفة الظاهرة للمعقول والمنقول، فمثل هذا لا يجوز التحديث به.
"وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرِّقي.."
الرَّقي.
"الرَّقِّي قال: حدثنا عبيد الله يعني بن عمرو عن زيد بن أبي أَنيسة.."
أُنيسة لكن المخالفات كثيرة في الصيغ كثير عندك حدثنا وعندنا أخبرنا والعكس، وعندنا عبد الله وهو عبيد الله.
"عن زيد بن أبي أُنيسة عن المنهال بن عمرو ويونس ابن.."
المنهال بن عمرو ثقة وضعفه شعبة؛ لأنه سَمع من بيته أو سُمع من بيته صوت الطنبور، والعجيب في المسألة أن ابن حزم ضعفه والسبب في تضعيف شعبة أنه سُمع صوت الطنبور ولا يُدرى هل علم به أو سمع أو هو الذي يسمع أو غيره، ثم يضعفه ابن حزم الذي يبيح الغناء.
طالب: ضعفه لهذا السبب؟ ضعفه لسماع الطنبور ابن حزم؟
لا، قال: هو ضعيف، وما فيه إلا كلام شعبة.
"عن المنهال بن عمرو ويونس بن خباب عن مجاهد قال: كنت نازلاً على عبد الله بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر طلعت الحمراء لا مرحبًا بها ولا أهلاً ولا حياها الله، هي صاحبة الملَكين، قالت الملائكة: يا رب كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك ويفسدون في الأرض؟ قال: إني ابتليتهم، فلعل إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون، قالوا: لا، قال: فاختاروا من خياركم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني مهبطكما إلى الأرض وعاهد إليكما ألا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا، فأهبطا إلى الأرض وألقي عليهما الشبق، وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة، فتعرضت لهما، فراوداها عن نفسها، فقالت: إني على دين لا يصح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله، قالوا: وما دينك؟ قالت: المجوسية، قالا: الشرك هذا شيء لا نقر به، فمكثت عنهما ما شاء الله تعالى، ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها.."
طالب: ..........
ثم تعرضت..
أذن أذن يا أبا عبد الله.
"ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت: ما شئتما غير أن لي زوجًا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح، فإن أقررتما لي بديني وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت، فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء، فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين يبكيان، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا: لو أتينا فلانًا فسألناه فطلب لنا التوبة، فأتياه فقال: رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء.."
يطلب التوبة كيف يطلب التوبة أهل الأرض لأهل السماء؟
"كيف يطلب التوبة أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا: إنا قد ابتلينا، قال: ائتياني يوم الجمعة فأتياه فقال ما.."
أُجبت.
"قال: ما أُجبت فيكما بشيء، ائتياني في الجمعة الثانية فأتياه فقال: اختارا فقد خيرتما إن أحببتما معاناة الدنيا وعذاب الآخرة.."
أحببتما؟ إن اخترتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة.
عندي إن أحببتما..
ما عليه إشارة تحت؟
يقول في (ن) اخترتما..
عندك معاناة؟ معافاة..
معاناة يقول: كذا في الأصول معاناة، وكتب ابن المحب ناسخ (ج) في الحاشية: لعلها معاناة، وهو الصواب كما يدل عليه السياق..
في الأصول كلها ما له وجه، معاناة هذه في أصل من الأصول أو استظهار من المعلِّق؟
كذا في الأصول..
معافاة في الأصول.
معاناة..
ماذا يقول؟
معاناة كذا في الأصول، وكتب ابن المحب في الحاشية: لعلها معاناة.
لعلها كيف يأتي بالترجي وهي في الأصول كلها؟! يصلح؟! لا لا لا لا.. معاناة كذا في الأصول كلها وكتب: لعلها معاناة ما يصلح!
طالب: ..........
ماذا يقول؟
طالب: ..........
طيب في الأصول ماذا؟
طالب: ..........
في الأصول معاناة، وكتب ابن المحب: لعلها معاناة؟! ما يصلح! مستحيل! إذا كان ابن المحب كتب: لعلها معاناة ففي الأصول معافاة قطعًا.. إن اخترتما..
معافاة..
معافاة الدنيا وعذاب الآخرة طيب معاناة الدنيا وعذاب الآخرة تصلح؟! يعني عذاب في الدنيا والآخرة، لا ما يصلح.
"فقال: فقد خيرتما إن أحببتما.."
اخترتما..
"إن اخترتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله فقال أحدهما: إن الدنيا لم يمض منها إلا القليل، وقال الآخر: ويحك إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن، إن عذابًا يفنى ليس كعذاب يبقى، وإننا يوم القيامة على حكم الله، فأخاف أن يعذبنا قال.."
فقال: إننا يوم القيامة على حكم الله ليس كعذاب يبقى ماذا بعده؟
وإننا يوم القيامة على حكم الله..
نعم.
"فأخاف أن يعذبنا، قال: لا، إني أرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة ألا يجمعهما علينا، قال: فاختارا عذاب الدنيا، فجُعلا في بكرات من حديث.."
حديد..
"فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليهما وسافلهما، وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر، وقد تقدم في رواية ابن جرير من حديث معاوية بن صالح عن نافع عنه رفعه، وهذا أثبت وأصح إسنادًا، ثم هو -والله أعلم- من رواية ابن عمر عن كعب كما تقدم بيانه من رواية سالم عن أبيه.
وقوله: إن الزهرة نزلت في صورة امرأة حسناء وكذا في المروي عن علي فيه غرابة جدًّا، وأقرب ما ورد في ذلك ما قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن روّاد قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا الربيع.."
لو تعيد من سطرين، وهذا أثبت وأصح..
"ثم هو والله أعلم.."
وقد تقدم في رواية ابن جرير من حديث معاوية بن صالح عن نافع عنه رفعه وهذا أثبت وأصح إسنادًا..
"ثم هو والله أعلم.."
نعم، من رواية..
"من رواية ابن عمر عن كعب كما تقدم بيانه من رواية سالم عن أبيه. وقوله: إن الزهرة نزلت في صورة امرأة حسناء، وكذا في المروي عن علي فيه غرابة جدًّا.."
منكر، منكر.
"وأقرب ما ورد في ذلك ما قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما وقع الناس من بعد آدم -عليه السلام- فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء: يا رب هذا العالَم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وركبوا الكفر وقتل النفس وأكل المال الحرام والزنا والسرقة وشرب الخمر، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم، فقيل: إنهم في غيب، فلم يعذروهم، فقيل لهم: اختاروا من أفضلكم ملكين آمرهما وأنهاهما، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض، وجَعل لهما شهوات بني آدم، وأمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئًا، ونهيا عن قتل النفس الحرام وأكل المال الحرام وعن الزنا والسرقة وشرب الخمر، فلبثا في الأرض زمانًا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في زمان إدريس -عليه السلام-، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وإنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول، وأراداها على نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها، فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنمًا فقالت: هذا أعبده، فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فغيرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فأرادها على نفسها.."
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: .........
غبرا يعني بقيا..
فغبرا؟
"فذهبا فغبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فأرادها على نفسها ففعلت مثل ذلك، فذهبا ثم أتيا عليها.."
من أول ما طُبع كتاب الحفاظ الذهبي العِبَر في خبر من غَبَر قالوا خطأ صوابه من عَبَر؛ لأن معنى غَبَر بقي ما هو انتهى؟ فرغ؟ الذي انتهى يقال: عَبَر، والباقي يقال له: غَبَر كتبوا ترادّوا في ذلك الوقت بعض المحققين وعلى كل حال غَبَر يعني بقي.
"فذهبا ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها، فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما: اختارا أحد الخلال الثلاث، إما أن تعبدا هذا الصنم، وإما أن تقتلا هذه النفس، وإما أن تشربا هذا الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون هذا شرب الخمر، فشربا الخمر فأخذت فيهما فواقعا المرأة، فخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه، فلما ذهب عنهما السكر وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا، وحيل بينهما وبين ذلك، وكُشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض.."
ليس الخبر كالمعاينة موسى -عليه السلام- لما قيل له: إن قومك عبدوا العجل ما حصل منه مثل ما حصل بعد رؤيتهم ألقى الألواح لما رآهم قبل ذلك بلغه الخبر القطعي، لكنه ما ألقى الألواح حتى رأى، ولذلك جاء في الخبر ويروى مرفوعًا «ليس الخبر كالمعاينة».
"فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فنزل في ذلك {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ} [سورة الشورى:5] فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقالا: أما عذاب الدنيا، فإنه ينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الدنيا، فجعلا ببابل فهما يعذبان، وقد رواه الحاكم في مستدركه مطولاً عن أبي زكريا العنبري عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن راهويه عن حُكَّام.."
حَكَّام.
"عن حَكَّام بن سلْم الرازي وكان ثقة عن أبي جعفر الرازي به ثم قال: صحيح الإسناد.."
أبو جعفر الرازي ما اسمه؟
طالب: ..........
عيسى بن ماهان.
يقول حَكَّام بن سلْم يقول الحافظ ابن كثير: وكان ثقة، والمعلِّق الشيخ محمد رشيد رضا، ولكنه كان يروي الغرائب كما في التقريب وفي تهذيب التهذيب عن أحمد كان يحدِّث عن عنبسة أحاديث غرائب انتهى.
"فهذا أقرب ما روي في شأن الزهرة. والله أعلم."
نقف على هذا لأنه يحتاج...
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
اللهم صل وسلم على البشير النذير.