شرح كتاب التوحيد - 21
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،،،
فنستفتح الدروس العلمية في هذا المسجد المبارك بشرح كتاب التوحيد، والتوحيد كما هو معلوم أصل الأصول وتحقيقه وتخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي كما قال الشراح لكتاب التوحيد، لا شك أنها هي سبب الأمن المطلق في الدنيا والآخرة، كما قال- جل وعلا-: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [سورة النور:55] وهذا هو التوحيد الذي هو تحقيق العبودية لله- جل وعلا- وعدم إشراك شيء معه - جل وعلا-، المقصود أن البداية في هذا الكتاب؛ لأنه كما قلنا: أصل الأصول، والخدش فيه مؤثر يبلغ إلى أن ينافي التوحيد بالكلية، بالشرك الأكبر الذي حرم الله على مرتكبه الجنة، وجعل مأواه النار {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء:48]
فالعناية بالتوحيد علامة التوفيق، عناية المرء بالتوحيد والحرص على تحقيقه والحذر مما يخدشه وسد الذرائع الموصلة إليه كما فعل الإمام المجدد في كتابه المبارك الذي نبدأ في شرحه اليوم، وهذه بداية نسبية وإلا البداية المطلقة حصلت قبل سنتين أو ثلاث على دورات علمية، كثير منكم حضرها، فالبداية اليوم من كتاب الشفاعة، وإدخال الشفاعة في كتاب التوحيد؛ لأنها هي حجة المشركين في عبادتهم لغير الله- جل وعلا-، يزعمون أنهم يعبدونهم ليقربوهم{ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر:3]، هذه الشفاعة يطلبون منهم بعبادتهم إياهم أن يقربوهم إلى الله زلفًا يعني قربًا، وهذا هو الشرك الذي لا يقبل معه عمل، وقد يقول قائل: إن هؤلاء الذين قالوا هذا الكلام انقرضوا وانتهوا في أمم سابقة، وآيات الكتاب والأحاديث النبوية كلها تذكر عنهم ما تذكر من الشرك والوقوع فيه، ونحن أمة توارثنا الإسلام من عهد نبينا–عليه الصلاة والسلام- إلى اليوم، فالتركيز عليه ليس بوارد نقول: لا، لكل قوم وارث، وقراءتنا للآيات النازلة في المشركين إنما هي من أجلنا؛ لنحذر أن نرتكب ما ارتكبوا، ونصنع ما صنعوا، فيكون مآلنا ومصيرنا مثل مآلهم ومصيرهم، والذي يريد الشواهد من واقع الحال ينظر في القنوات التي تدار من قبل طوائف البدع أو القنوات السنية التي ترد على هذه الطوائف، قائل يقول: لماذا لا نقول: يا حسين؟ ولماذا لا نقول: يا علي؟
الله أمرنا بهذا، فكيف نعصي الله- جل وعلا-؟ أمرك بماذا؟ أن تشرك به الشرك الأكبر وقد حذرك منه؟ أمرك أن تقول: يا علي في الملمات وتقول: يا حسين في أحلك الظروف والظلمات؟ أمرك أن تشرك به الشرك الأكبر؟ هذه فرية على الله- جل وعلا- {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:169]
ومع ذلك يقولون: الله أمرنا بها، قل إن الله لا يأمر بماذا؟ بالفحشاء والمنكر، وأفحش الفواحش وأنكر المنكرات الشرك الأكبر، كلامهم في هذا الباب يعني الروافض ومن يقول بقولهم من غلاة المتصوفة ممن يعبدون المشاهد والقبور كلامهم شيء تقشعر منه الجلود، وألّف بعضهم في المشاهد والبناء على القبور، وهو محسوب معدود من أهل الحديث مع الأسف في المشاهد والبناء على القبور ويقول في مقدمته: هل البناء على القبور والمشاهد الموجودة في جميع أقطار المسلمين هل هي سنة متبعة من عهد السلف إلى يومنا هذا توارثها المسلمون جيلاً بعد جيل أو هي بدعة كما يقول القرنيون؟
من القرنيون؟ يعني أهل السنة والجماعة من نجد وغيرها ممن استجاب لدعوة الإمام المجدد، ويسمونهم قرنيين؛ لأن نجدًا قرن الشيطان، وجاء فيه خبر وإن كان المقصود كما قال الشراح "نجد العراق"، على كل حال ليس هو محل البحث هذا لكن أقول: إن هذا الشرك الأكبر موجود، يا علي، يا حسين، يا بدوي، يا فلان، يا علان، يا عيدروس، يا محيي النفوس، يقولون هذا، فالتركيز على هذا الكتاب وقراءة أبوابه وتحليل هذه الأبواب شرحها ونشرها بين الناس من أهم المهمات؛ لأن تصحيح العبادات مطلوب، والعلم الشرعي مطلوب بجميع فروعه وأبوابه وما يعين على فهم الكتاب والسنة في غاية الأهمية، لكن بعضه أهم من بعض، والله المستعان.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا أرحم الراحمين.
قال الإمام المجدد- رحمه الله تعالى-:
"باب الشفاعة وقول الله- عز وجل-: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [سورة الأنعام:51]، وقوله: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [سورة الزمر:43]، وقوله:{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [سورة البقرة:255]، وقوله: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [سورة النجم:26]، وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} الآيتين [سورة سبأ:22].
قال أبو العباس- رحمه الله-: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملكٌ أو قسطٌ منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبيّن أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [سورة الأنبياء:28]
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما انتفاها القرآن، وأخبر النبي– صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يُسمَع، وسل تُعطَ، واشفع تشَفَّع، وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله
وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليكرمه وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي –صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص" انتهى كلامه.
وفيه مسائل:
الأولى/ تفسير الآيات
الثانية/ صفة الشفاعة المنفية
الثالثة/ صفة الشفاعة المثبتة
الرابعة/ ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود
الخامسة/ صفة ما يفعله –صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا يبدأ بالشفاعة أولاً، بل يسجد فإذا أذن الله له شفع
السادسة/ من أسعد الناس بها
السابعة/ أنها لا تكون لمن أشرك بالله
الثامنة/ بيان حقيقتها"
يقول الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بغير حساب وإيانا ووالدينا ومشايخنا وجميع المسلمين: "باب الشفاعة" الباب: هو في الأصل هو ما يدخل معه ويخرج منه، هذا في المحسوسات لما يدخل معه ويخرج منه كهذا الباب الذي أمامنا، هذا الأصل، هو وسيلة ومدخل إلى المسجد يعني الباب المحسوس، الباب المعنوي الذي معنا هو وسيلة ومدخل لهذه المسائل التي ذكرت تحت هذا العنوان، وهو الشفاعة. والشفاعة: من الشفع وهو ضد الوتر، الوِتر والوَتر: الواحد الفرد، الشفع ما يضم إلى هذا الواحد من ثانٍ مثلاً، وسميت الشفاعة شفاعة والشُّفعة في الفقه شُفعة؛ لأن الشافع يضم صوته إلى المشفوع له فيسنده ويعضده ويكون ثانيًا بالنسبة له، وكذلك الشفعة في البيع إذا بيع ما له فيه شفعة فإنه يريد أن يشفع هذا النصيب إلى نصيبه فبدلاً من أن يكون نصيبه واحدًا بعد الشُّفعة يكون شَفعًا.
هذه الشفاعة منها: المثبت وهي ما تضمن الشرطين ما أذن الله فيه للشافع، ورضي فيه عن المشفوع له، فلابد من الإذن، ولا أحد يشفع بغير إذن، ولا يستطيع ولا يملك أحد أن يشفع عند الله إلا بإذن، والمشفوع له لابد أن يكون مَرضيًا، فلا حق فيها لمشرك، قد يقول قائل: الذين يصلون على الجنازة يشفعون «من صلى عليه أربعون شفعهم الله فيه» فهي شفاعة، الصلاة على الميت شفاعة فهل حصل فيها الإذن والاستئذان كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- في الشفاعة العظمى؟ يسجد ويستأذن فيؤذن له، هؤلاء الذين جاؤوا ليصلوا على هذا الميت أو هؤلاء الأموات شفعاء يشفعون لهذا الميت عند الله- جل وعلا- بالدعاء: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله إلى آخره، فإذا بلغ العدد شُفعوا فيه، فمثل هذا لا يحتاج إلى إذن؛ لأنه مأذون فيه بالحديث بقوله –عليه الصلاة والسلام- هذا الأصل في الإذن، ولولا قوله –عليه الصلاة والسلام- وشرعيته بأمر ربه في صلاة الجنازة ما حصلت هذه الشفاعة، فالإذن حاصل قد يكون الإذن حاصلًا، لكن المشفوع له قد يكون فيه خلل، أو قد يكون فيه شرك، ممن يطوفون على القبور، ويعبدون الأموات، يقدم للمسلمين ويصلون عليه فيشفعون له ويدعون له، نقول: هذه الشفاعة لا تترتب عليها آثارها، فالمقصود بالشفاعة التي اشتملت على الشرطين هي الشفاعة المقبولة والمشفعة، المقصود أن بعضهم أورد على الشرطين الصلاة على الجنازة وأنهم شفعاء، الإذن في الأصل حاصل بمشروعية صلاة الجنازة، وأما بالنسبة للرضى عن المشفوع له فقبول هذه الشفاعة متوقف على تحقق الشرط الثاني وهو أن المشفوع له لابد أن يكون مرضيًّا داخلاً في حيز تقبل الشفاعة فيه.
طالب: .........
الشيخ: لكن ذا قُدم، قدموا ناسًا في الحرم ما ندري عنهم، وبعضهم يشترط ويذكر عن الإمام أحمد أنه: اللهم اغفر له وارحمه إن كان ممن يستحق، نقول: لا داعي الشفاعة.. هي تطلب من الله- جل وعلا-، والله لا يغفر لمن أشرك به.
"وقول الله تعالى" باب الخبر محذوف لمبتدأ تقديره هذا باب، والشفاعة مضاف إليه، وقول معطوف على المضاف إليه فهو مجرور مثله، وقول مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه.
عز وجل: لا شك أن الله عزيز وأنه جليل، لكن هل يقال لغيره- عز وجل-؟
ابن القيم- رحمه الله- في جلاء الأفهام قال: إن العرف عند أهل العلم خص هذا اللفظ بالله- جل وعلا- فلا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزًا جليلاً كما خصه –عليه الصلاة والسلام- بالصلاة والسلام، فلا يصلى على غيره على سبيل الاستقلال، فلا نقول: أبو بكر-صلى الله عليه وسلم-، ولا عمر –صلى الله عليه وسلم- إلا على سبيل التبعية له –عليه الصلاة والسلام- ونصلي عليه وعلى آله وأصحابه تبعًا له.
قالوا: وبالنسبة للصحابة الترضي {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الفتح:18]، وهذا عرف عند أهل العلم، وإن كان بعض العلماء يترضون عن بعض الأئمة وبعض كبار التابعين، والأمر في هذا أوسع من الصلاة يقولون: قال أحمد –رضي الله عنه- قال الشافعي –رضي الله عنه-، وإن كان العرف عند الأكثر تخصيص الترضي بالصحابة، والترحم بمن دونهم.
"وقول الله- عز وجل-: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [سورة الأنعام:51] "
وأنذر به الذين يخافون، من الذين يخافون؟ هم المؤمنون المتقون أنذرهم به وإنذارهم مما يضر بهم وتخويفهم وتحذيرهم منه؛ لأنهم في الأصل هم المتبعون وهم المستجيبون بخلاف من عداهم {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات:55]، يعني إذا رأيت كافرًا ما أذكره؟ ما أدعوه للإسلام؟ لكن الأصل أن الذي ينتفع بالذكرى هو المؤمن، ولا يمنع أن يدعى غيره.
وأنذر ربه، ولذلك نذارته –عليه الصلاة والسلام- للجميع، لكن تخصيص الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يخافون من هذا الموقف العظيم هم الذين يستجيبون لمثل هذا الإنذار، بل هم في الأصل مستجيبون، والأمر بإنذارهم من باب التأكيد كما في قوله- جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [سورة النساء:136].
{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [سورة الأنعام:51].
ليس لهم من دونه: يعني دون الله - جل وعلا- ولي ولا شفيع، لا يتخذون أولياء من دون الله ولا شفعاء من دونه، بخلاف من سواهم الذين يقعون في المخالفات ويتخذون الشفعاء من دون الله ويزعمون أنهم يقربوهم إلى الله زلفى.
بعض من تُدَّعَى فيه الولاية مما هو موجود مع الأسف في بعض الأقطار الإسلامية يدعون فيهم الولاية، وهم من أبعد الناس عن الدين فضلاً عن الولاية، وفي طبقات الشعراني ممن سماهم أولياء هم في الحقيقة فجار أهل جرائم وأهل منكرات وفواحش وتخلي عما أمروا به، قد قرأت في ترجمة واحد منهم يقول: وكان –رضي الله عنه- لم يصل لله ركعة، ولم يصم يومًا في سبيل الله، وما ترك منكرًا إلا ارتكبه، وكذا وكذا.. يدّعون الولاية لهم يعني ما تستغرب أن يوجد في كتاب تاريخ سيناء أنه يوجد فيها مقبرة للأولياء الصالحين، ويقابلها مقبرة للأولياء الشياطين، وصور هذه المقبرة وهذه المقبرة، أين العقول؟ أين العقول؟ ما معنى الولاية ولاية الله؟ وبما تنال ولاية الله؟ هل هي بالدعاوى المجردة المقرونة بما يكذبها وما يناقضها؟ البدوي في مصر يحج إليه في العام أكثر من سبعة ملايين، ثلاثة أضعاف الحجاج إلى بيت الله الحرام ويزعمون فيه الولاية، وقالوا في ترجمته: أنه شخص عامي جاء من المغرب، وصعد إلى سطح مسجد أربعين يومًا رافعًا رأسه، أربعين يومًا رافعًا رأسه، أين الصلاة؟ أين الطهارة؟ وبعضهم يتخذ الأربعين منهجًا وطريقة وديدنًا، وأنه إذا خلى أربعين يومًا لا يأكل ولا يشرب ولا يخالط الناس تحصل له الولاية، ويصدر منه أشياء، يقول الحافظ الذهبي: ما يصدر منه هو بعينه هلوسة، من الجوع، مع الأسف أن ما يصدر منه لا يوافقه لا عقل ولا نقل، ثم يقولون: إن هذه الولاية، عقول أخذها باريها كما قيل: أين عقولنا حينما كنا نعبد التمرة فإذا جعنا أكلناها، قال: أخذها باريها فنسأل الله- جل وعلا- الثبات على دينه، ويبصرنا بالحق؛ لنعبد الله على بصيرة، وندعو إلى الله على بصيرة كما كان –عليه الصلاة والسلام-.
"وقوله: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [سورة الزمر:43]" ليس لأحد فيها نصيب، الشفاعة لله- جل وعلا- فهو مالكها المتفرد بها لا يستطيع أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يشفع لأحد إلا لمن رضي عنه، فهي ملكه تحت تصرفه جميعًا بجميع أنواعها، وأنواع الشفاعات كما سيأتي ست.
"وقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [سورة البقرة:255]" استفهام إنكاري أي لا أحد يشفع عند الله- جل وعلا- إلا إذا أذن له، ولا يأذن إلا إذا كان المشفوع له مرضيًّا عند الله- جل وعلا-، {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [سورة البقرة:255] ومثل هذا الاستفهام الإنكاري يتضمن التوبيخ، والرد على من يزعم أن هناك من يشفع ممن وصل إلى مرتبة لا يحتاج فيها إلا الله - جل وعلا-، وأنه رفعت عنه التكاليف؛ لأن عند المتصوفة الغلاة منهم أنه إذا بلغ الشخص إلى مرتبة معينة فما يحتاج أن يصلي وأن يصوم، لماذا يصلي؟ لأنه وصل للمرتبة التي تراد منه، ولا شك أن الوصول إلى هذه المرتبة، ودعوى هذه المرتبة وإسقاط التكاليف عن هذا لا شك أن هذا ضرب من الجنون، فلا ترتفع التكاليف إلا عمن غاب عقله الذي هو مناط التكليف وإلا فالله- جل وعلا- يقول:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر:99] {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }[سورة البقرة:255]، وقوله: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [سورة النجم:26] حتى يتوافر الشرطان: يأذن الله ويرضى، يأذن للشافع ويرضى عن المشفوع له، {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} كم: للتكثير، ولا شك أن الملائكة خلق لا يحصيهم إلا الله- جل وعلا-، وفي حديث الأطيط الذي ضعفه جمع من أهل العلم «أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيها ملك ساجد أو قائم» فهم خلائق لا يحصون، والبيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه إلى قيام الساعة، كم العدد؟ سبعون ألفًا يوميًّا.
{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} الأرض فيها ملائكة أو ما فيها؟
طالب: فيها كثير.
فيها كثير كل واحد من البشر معه ملكان، وكِّل به ملكان «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» فيها خلق كثير من الملائكة، فلماذا الاقتصار على السماوات دون الأرض؟ منهم من يقول التنصيص على (من في السماوات)؛ لقربهم من الله -جل وعلا-؟ والقرب يقتضي الشرف، ولذا حملة العرش أقرب من غيرهم، على كل حال منهم من يقول هذا، والملائكة في الأرض غير مقصودين في هذه الآية، والذي يظهر أن قوله: {فِي السَّمَاوَاتِ} من باب الاكتفاء يعني والأرض، {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [سورة النحل:81] يعني والبرد، لكنه من باب الاكتفاء، يكتفى بواحد ليستدل به على الثاني، وعلى كل حال هم خلق كثير لا يحصيهم إلا الله- جل وعلا- وهم المقربون.
طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، ألا نقول: إن الأصل وجودهم في السماء، ولكنهم نزلوا إلى الأرض لوظائف؟
الشيخ: لكن (في) هو بعض الذين يتعاقبون نعم؟ الملائكة بالليل وملائكة بالنهار يتعاقبون، هؤلاء ينزلون وهؤلاء يصعدون، لكن الذين استقرارهم في السماء {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} بعضهم يقول: إن هؤلاء هم المقصودون بالآية، ومن في الأرض ما يدخلون فيها؛ لأنهم لم يذكروا في الآية، ومنهم من يقول: ولا مانع من أن يكون المقصود الجميع وكلهم لا تغني شفاعتهم، وإذا كانت الشفاعة من الملائكة في السموات لا تغني فشفاعة من في الأرض كذلك إذا قلنا من الاكتفاء أو من باب أولى إذا قلنا: إن هؤلاء المقصودون بالذات {لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء يمكن أن يشفع به ولو قل {شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}
بعد تحقق الشرط الأول وهو إذن الله- جل وعلا- للشافع، ورضاه عن المشفوع له.
"وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ}" يعني أنهم يملكون لكم النفع والضر ادعوهم جربوا هل يستطيعون أن ينفعوهم؟ "{لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ"} هؤلاء الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا فضلاً.. لا يملكون لأنفسهم ولا يدفعون عنها، لا يملكون لها نفعًا، ولا يدفعون عنها الضر، فكيف يملكون لغيرهم؟ الذي لا يستطيع أن ينفع نفسه هل يستطيع أن ينفع غيره؟
طالب: ............
الشيخ: فاقد الشيء لا يعطيه، قد يقول قائل: إن الممنوع من بعض الأشياء مثلاً لاعتلال صحته لا يستطيع أن يستعمله لنفسه، ويستطيع أن ينفع به غيره، لكن الكلام على الأصل أن الذي لا يستطيع أن ينفع نفسه لا يستطيع أن ينفع غيره، هذا الذي لا يستطيع أن ينتفع بما أباح الله له لاعتلال صحته نفعه في تركه {"قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}" قد يقول قائل: إنهم يملكون الأموال الطائلة والآلات الكبيرة والعتاد الكثير، يملكون لكنه ليس بملك مستقل، والمتصرف في الحقيقة هو الله- جل وعلا-، والإنسان يملك المال، لكن هو في الحقيقة مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سورة النور:33] فهو يقول: مالي مالي، لكنه في الحقيقة ليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى، ماله في الحقيقة ما قدمه لنفسه، أيكم مال غيره أحب إليه من ماله؟ قالوا: كلنا مالنا أحب إلينا من أموال غيرنا، قال: مالك ما قدمت، يعني وما تركت مال الوارث يعني ليس بمالك.
"{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} قال أبو العباس" شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد السلام بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني شيخ الإسلام المولود سنة إحدى وستين وست مئة، والمتوفى سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة، اشتهر- رحمه الله- بهذه الكنية وشهرها النقلة عنه لاسيما خواص طلابه، وكثيرًا ما يردد ابن القيم: قال شيخنا أبو العباس، سألت شيخنا أبا العباس، رأيت شيخنا أبا العباس إلى آخره كثير في مصنفاته. ومن الطرائف واحد من الباحثين نقل رأيًا ونسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية من تفسير القرطبي، القرطبي متوفى وعمر شيخ الإسلام عشر سنوات، لماذا؟ لأنه وجد في تفسير القرطبي وذكر لنا شيخنا أبو العباس ثم قال: ورأيت شيخنا أبا العباس قال: هذا ابن تيمية مثل ما يقول ابن القيم، على طالب العلم أن يتحرى الدقة، وينتبه لمثل هذه الأمور.
"قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك" {"لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ"} نفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه" يعني ليس له في الملك شركة، ليس له شركة في هذا الملك، "أو يكون عونًا" وظهيرًا للمالك، إذا كان الشخص لا يملك وليس له شركة في الملك ولم يعن صاحب الملك ويساعده ويكون ظهيرًا له، هل له وجه أن يتصرف في شيء من هذا الملك؟ بقيت الشفاعة ومع ذلك "ولم يبق إلا الشفاعة" كما يقول شيخ الإسلام "فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب"، يعني لو يجيء شخص صاحب مال ومحل يشفع لواحد عنده انتفت الأوصاف الثلاثة لا ملك ولا شركة ولا إعانة؛ لأن المالك يتصرف، والشريك يتصرف، والمعين له يد وله كلمة على من أعانه ما بقي إلا أن يشفع له، أعط هذا أو خفِّض لهذا نسبة من الربح أو شيء يشفع شفاعة وهذه لا تكون إلا بعد الإذن بالنسبة لله- جل وعلا-، وأما المخلوق فيشفع ويجرب إن قبل فبها ونعمت، وإن رُد فلا تثريب، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- «اشفعو تؤجروا» ويقض الله على لسان نبيه ما شاء «اشفعو تؤجروا».
"إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب" يعني تكميل الآية أو الآيتين من سورة سبأ "{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}" وعليها اقتصر الشيخ- رحمه الله- {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} نفى المِلك لا يملكون، "{وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ}" يعني ما لهم معين.. ما منهم معين لله- جل وعلا- ليكون له يد فيشفع بغير إذن، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له "كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [سورة الأنبياء:28] فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون" يعبدونهم طلبًا للشفاعة منهم والقربى من الله- جل وعلا- هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي يعني في الشفاعة العظمى في الموقف "أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده" بمحامد يفتح الله عليه، يسجد لربه فيحمده "لا يبدأ بالشفاعة أولاً" إنما يأتي فيسجد لربه، لا يبدأ بالشفاعة أولاً، "ثم يقال له: ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطَ واشفع تشفع" ارفع رأسك؛ لأنه ساجد ولا يرفعه –عليه الصلاة والسلام- حتى يقال له: ارفع رأسك وقل يسمع: ويسمع مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الأمر أو الطلب، وسل تعطَ: وهذا مثله، واشفع تشفع.
"وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»" معناه أن الذي لا يتوافر فيه شرط الإخلاص ومعه الشرط الثاني الذي هو المتابعة، الذي يقول" لا إله إلا الله ولا يقولها خالصًا من قلبه لا تناله شفاعته –عليه الصلاة والسلام-، وإن قال" لا إله إلا الله، لكن في التعامل في الظاهر وحقن الدم وصيانة المال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» وما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، ولكن الشفاعة هي عند الله- جل وعلا- الذي يعلم ما في القلوب، ويعلم السر وأخفى «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» "فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله".
طالب: ............
الشيخ: لا، الذي يقول: لا إله إلا الله وهو غير مخلص تقبل؟
طالب: ............
الشيخ: لا لا، غير المخلص ما تنفعه الشفاعة إلا إذا كان مخلِّطًا تخليطًا لا يوصله إلى الشرك الأكبر يعني في إطار الشرك الأصغر، لا لا يخلَّد في النار، وإن كان الشرك الأصغر يدخل عند جمع من أهل العلم في قوله- جل وعلا-:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48]، وهنا لا قد يؤخذ منه أن من خُدش إخلاصه أنه لا تناله شفاعة النبي –عليه الصلاة والسلام-، بل لا بد أن يأخذ نصيبه من العذاب إن لم يصل إلى الشرك الأكبر ثم يكون مآله إلى الجنة كما قالوا في آية النساء {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} قالوا: يتناول الأكبر والأصغر، لكن الأكبر يخلد والأصغر يعذب بقدر خلله، ويخرج من النار.
طالب: ...........
الشيخ: كيف؟ معروف أنا سآتي لهذي..
أفعل التفضيل هنا مقتضاها في الأصل عند أهل العلم أن أفعل مقتضاها أن هناك أمرين اشتركا في وصف الذي هو هنا: السعادة، فاق أحدهما الآخر في هذا الوصف فالذي قال: «لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» هو الأسعد، ولا يعني أن من قالها غير متصف بهذا الوصف أن لا يكون سعيدًا، بل ذاك أسعد منه، هذا مقتضى أفعل التفضيل عند أهل العلم إذا استعملوها على بابها، لكنها جاءت في النصوص وفي كلام أهل العلم مستعملة على غير بابها كما في قوله- جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [سورة الفرقان:23] هل في أصحاب النار، أم أصحاب الجنة خيرٌ مستقرًا، في مستقر أهل النار فيه خير لنقول: مستقر أهل الجنة خير منه؟ وهل في مقيل أهل النار حسن لنقول: إن مقيل أهل الجنة أحسن؟ لا، أفعل التفضيل ليست على بابها، وهذا أيضًا مستعمل عند أهل العلم.
طالب: ............
الشيخ: لا، هو إذا كان التخليط والخدش في الإخلاص لا يصل إلى الشرك الأكبر، إذا كان لا يصل إلى الشرك الأكبر فهو يعذب بقدره، إذا كان شركًا أصغر ومآله إلى الجنة؛ لأنه لا يخرج من الملة، فتكون أسعد على بابها، على كل حال أهل العلم يستعملون أفعل كما جاء في آية الفرقان على غير بابها فيقولون: هذا الحديث أصح ما في الباب، أصح مقتضى الصيغة أن هذا الحديث صحيح وفي الباب أحاديث صحيحة، لكنه أصح منها، ولكنهم يستعملون هذه الصيغة ولو لم يكن في الباب ولا حديث صحيح لكن هذا أقواها وإن كان ضعيفًا، ومثله قولهم: أضعف ما في الباب ويقولون: فلان أوثق من فلان، وكلاهما ضعيف، أو يقولون فلان أضعف من فلان وكلاهما ثقة.
على كل حال الاستعمال معروف عند أهل العلم، وجاء في النصوص، هذا إذا قلنا: إن أسعد ليست على بابها؛ لأن الوصف الذي هو السعادة لا ينال من لم يخلص، ولا شك أنه لا ينال من لا يخلص الإخلاص التام الذي يخدش في أصل التوحيد، وأما إذا كان الإخلاص فيه شوب من الرياء أو النظر إلى مراءاة الناس أو ما أشبه ذلك مما هو معدود في حيز الشرك الأصغر فله نوع سعادة، لكن ذاك المخلص الإخلاص التام أسعد منه.
طالب: ...........
الشيخ: لا النصوص هي اللي دلت، النصوص الأخرى هي التي تبين
"فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله لا تكون لمن أشرك بالله"، وهنا
نورد السؤال الذي بعثه أحد الأخوة، وهو يأتي في أنواع الشفاعة لكن هنا مناسب.
يقول- رحمه الله-: فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن، الله ولا تكون لمن أشرك بالله،
أكثر من سؤال قالوا: شفاعة النبي –عليه الصلاة والسلام- لعمه أبي طالب هل أبو طالب مرضيّ عنه عند الله- جل وعلا-؟
وهذا يقول: يورد بعضهم حديث شفاعة النبي –عليه الصلاة والسلام- لأبي طالب استدلالاً على انتفاع الكافر بالشفاعة والدعاء له؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- حرص على إيمان أبي طالب وسيأتي في باب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56] قصة وفاة أبي طالب، وحرص النبي –عليه الصلاة والسلام- وعرض الإسلام عليه في وقت الاحتضار يأتي هذا، لكن الذي يخصنا هنا أنه مات على الكفر، مات على الكفر، وشفع له النبي –عليه الصلاة والسلام- فخفف عنه، هل شفاعته– عليه الصلاة والسلام- أن يخرج من النار؟ لا، لا يؤذن له –عليه الصلاة والسلام- ولا يفعله {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [سورة التوبة:80] {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُم} [سورة المنافقون:6]، {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [سورة التوبة:80] هذا أمر مقطوع به ومجزوم به أن من مات على الكفر أنه خالد مخلد في النار، لكن مسألة التخفيف ويكون في ضحضاحٍ من نار يغلي منه دماغه، في النار، هو ما خرج، لكن لقاء ما بذل في الدفاع عنه –عليه الصلاة والسلام- وفي نصرة دعوته خُفف عنه، من باب المجازاة لما قدم، وليست هذه الشفاعة التي حُرمت على الكافر؛ لأنه حكم بخلوده حُرِّم عليه دخول الجنة، فلا إشكال.
قد يقول قائل: إن أبا طالب وضعه أشد من وضع سائر الكفار. يقول: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» هو مشرك ليس بمنافق، هو مشرك، والدرك الأسفل من النار للمنافقين، ولكن شفاعته -عليه الصلاة والسلام- جعلته مع الكفار تخفيفًا عنه، طيب هو كافر ليس بمنافق، يعني علمه وبلوغ وقيام الحجة عليه أشد من غيره، عرف الحق من قرب وقال في لاميته:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ مِنْ خَيرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا
إذًا ما الذي منعه؟
لَوْلَا المَذَمَّةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ لَوَجَدْتنِي سَمْحـًا بِذَاكَ مُبِينًا
نسأل الله العافية، فالذي قامت عليه الحجة بأجلى صورها يختلف وضعه عمن لم يكن كذلك، لذلك أبو طالب لقربه إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- والاطلاع على أحواله وأحوال دينه وقناعته به.
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ مِنْ خَيرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا المَذَمَّةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ لَوَجَدْتنِي سَمْحـًا بِذَاكَ مُبِينًا
يخشى أن يذم أن يقال: صَبأ، أسلم، ما حمله على ذلك إلا الخرع والجزع، نعوذ بالله من جلساء السوء، ومن سوء العاقبة والخاتمة.
قالوا: "وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليكرمه وينال المقام المحمود".
وحقيقته: حقيقة الأمر، وفي بعض النسخ حقيقتها: يعني حقيقة هذه الشفاعة أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» فيغفر له بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، موحد مخلص، لكن عنده معاصٍ وكبائر، فيغفر له بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليكرمه وينال المقام المحمود.
والمقام المحمود: هو الذي يسأله المسلمون بعد كل أذان للنبي –عليه الصلاة والسلام- "ابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته".
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [سورة الإسراء:79].
هذا المقام المحمود الذي لا مقام فوقه، وإلا فكل مسلم يتهجد بالليل يحمد المقام إذا قام يوم يقوم الناس لرب العالمين.
"فالشفاعة التي نفاها القرن ما كان فيها شرك"؛ لأن الشرك مناقض للإخلاص.
"ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع قد بين النبي –صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص" يعني في حديث أبي هريرة، انتهى كلامه- رحمه الله-.
ثم قال- رحمه الله تعالى-: "فيه مسائل".
وهذه عادته- رحمه الله- يورد مسائل يستثير فيها ذهن القارئ، طالب العلم، ويرجعه إلى ما تقدم مما قرأ وحفظ؛ ليستثير ويستنبط منها الفوائد، وبعضها ظاهر وبعضها فيه نوع خفاء، ولذلك لم ينبر لشرحها إلا القلة، أكثر الشراح يمرونها بدون شرح ولا تعليق إما لوضوحها بحيث لا تخفى على طالب العلم وعلى المتوسط من القراء، وبعضها يقفون دونها حائرين كما حصل نظيره في تراجم البخاري- رحمه الله-، تراجم البخاري فقهه، ومع ذلك بعضها في غاية الظهور مثل ما قال في "باب: قول ما صلينا" فلماذا يترجم البخاري بهذه الترجمة هي فيها إشكال ما صلينا؟ لأن من السلف من كرهها، وإلا فقد قال عمر يوم الخندق: ما صليت يا رسول الله، قال: «والله أنا ما صليت» فيجوز أن يقول الرجل الذي فاتته الصلاة: ما صلينا.
"وبعضها فيها غموض وخفاء يقف أمامه أكثر الشراح حائرين" نظير ما يذكره الإمام المجدد في هذه المسائل.
فيه المسائل "الأولى/ تفسير الآيات" التي ذكرها الشيخ قد مرت.
"الثانية/ صفة الشفاعة المنفية": التي تكون بغير إذنه- جل وعلا- أو عدم رضاه عن المشفوع له.
"والثالثة/ صفة الشفاعة المثبتة": وهي ما توافر فيها الشرطان.
"الرابعة/ ذكر الشفاعة الكبرى": وهي المقام المحمود، الشفاعة الكبرى يشفع فيها النبي –عليه الصلاة والسلام- لأهل الموقف؛ ليفصل بينهم ويقضى بينهم، ويشفع أيضًا –عليه الصلاة والسلام- لأهل الجنة أن يَدخلوا الجنة أو يُدخلوا الجنة، ويشفع لقوم استوجبوا دخول النار فلا يدخلوها، ويشفع لقوم دخلوا النار أن يخرجوا منها، وهذه ليست خاصة به –عليه الصلاة والسلام-، وتواترت بها النصوص، وأنكرها طوائف من المبتدعة لاسيما الخوارج والمعتزلة الذين من رأيهم خلود أهل الكبائر في النار، فهؤلاء إذا دخلوها لا يخرجون منها؛ لأنهم حكموا بالخلود، نسأل الله العافية، إما لكفرهم عند الخوارج، أو لكونهم بين منزلتين عند المعتزلة.
"الخامسة/ صفة ما يفعله –صلى الله عليه وسلم-": وأنه يسجد ويحمد بمحامد يفتح الله بها عليه، وأنه لا يبدأ بالشفاعة أولاً قبل السجود، وإنما يسجد قبل، وأنه لا يبدأ بالشفاعة أولاً، بل يسجد، فإذا أذن الله له، شفع، ارفع رأسك، وسل تعط، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع.
"السادسة/ من أسعد الناس بها" كما في حديث أبي هريرة «من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»، وهذا الإخلاص ينافي كل ما يضاد كلمة التوحيد.
"السابعة/ أنه لا تكون لمن أشرك بالله"؛ لأن من أشرك بالله غير مرضي عند الله- جل وعلا-، وحينئذٍ يكون الشرط الثاني قد تخلف وهو وإن قال: لا إله إلا الله كما هو شأن الغلاة من المبتدعة، تجده يطوف بالقبر ويتمسح به ويقول: لا إله إلا الله مع قوله: يا علي، يا حسين، يا بدوي، يأتي بما يناقض هذه الشهادة.
"الثامنة/ بيان حقيقتها" حقيقة الشفاعة وهي التي مرت في كلام شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
"