الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (03)
"... برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي:
والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض» وله مع البلاء ثلاث مقامات أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه الثاني..."
الدعاء الدعاء إما أن يكون أقوى من البلاء بأن يكون من عبد صادق مع ربه مخلص له طيب المطعم ملح في الدعاء مستحضر غير مستعجل مستجمع لآداب الدعاء يجاهد على انتفاء موانع القبول والاستجابة مثل هذا يكون الدعاء قويًّا فإن كان البلاء أضعف منه دفعه هذا الدعاء.
"وله مع البلاء ثلاث مقامات أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفا."
نعم إذا كان الدعاء أضعف من البلاء الدعاء أضعف من البلاء المقدَّر على هذا الرجل أو على هذا الشخص أو هذه المرأة دعا واقترن به شيء من الموانع الضعيفة التي لا تستقل برده بالكلية ولا تنهض لمقاومة السبب وإن كان ضعيفا فإنه حينئذ يكون الدعاء ضعيف والبلاء أقوى منه فيصاب العبد بهذا البلاء لكن الدعاء سبب للرفع إن كان أقوى ولإضعاف ذلك البلاء إن كان أضعف هذا إذا كان أقوى رد البلاء إن كان أضعف وقع البلاء لكنه لا يضير جهد الداعي عند الله عز وجل على كل حال فيخفَّف هذا البلاء.
"الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه."
يتقاومان بمعنى أن يكونا بمنزلة واحدة أن يكونا في القوة سواء الدعاء قوي والبلاء قوي بمنزلة واحدة وحينئذ يتقاومان أو يكونان ضعيفان أو يكونا ضعيفين وحينئذ يتقاومان لكن إذا رجحت كفة أحدهما على الآخر كما في المقامين السابقين صارت الغلبة للأقوى وعلى كل حال الدعاء عبادة بل جاء الخبر بأنه هو العبادة وجاء بأنه مخ العبادة المقصود أن على المسلم أن يكون لهِجًا بدعاء الله عز وجل رُتبت الإجابة على الدعاء {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [سورة غافر:60] إلى آخره {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً} [سورة الأعراف:55] {ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} [سورة الأعراف:56] المقصود أن على العبد أن يلهج بالدعاء والدعاء نافع على كل حال على كل حال ولو ضعف الدعاء ولو خلَّط الإنسان في مطعمه ومأكله ومشربه على كل حال مثل هذا الدعاء وإن كان ضعيفا وإن كانت الأسباب ضعيفة والموانع قوية إلا أن الله سبحانه وتعالى لا يخيب من رجاه نعم قد يضعف هذا الدعاء بسبب التخليط في المطعم فلا تترتب الآثار التامة عليه وقد يطغى عليه أكل الحرام فلا تترتب عليه الآثار بالكلية لكنه خير من عدمه هو عبادة هو بذاته عبادة.
"وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» وفيه أيضا من حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء»
وفيه أيضا من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»."
الحديث الحديث الذي رواه الحاكم حديث عائشة رضي الله عنها وله ما يشهد له من حديث ابن عمر وحديث ثوبان هذه شواهد له يرتقي بها إلى درجة الحسن وكلها في الحث على الدعاء «لا يغني حذر من قدر» مهما بذلت وفعلت من الأسباب فإنك لن تخرج عما قدره الله عليك «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يصيبوك بشيء لم يقدره عليك الله فإن لا يصيبونك وإن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك لم يستطيعوا أن ينفعوك» إلى آخره فالقدر لا يغني الحذر منه مع أننا مأمورون بفعل الأسباب لكن مع ذلكم إذا قدّر الشيء لا بد من وقوعه لا مفر من القدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل لأنه مع ما قُدر مع البلاء الذي كُتب في اللوح المحفوظ وأظهر للملائكة مما يمكن تغييره مما يمكن تغييره لا ما في علم الله عز وجل فإنه لا يتغير ينفع منه الدعاء على ما تقدم يعتلج مع الدعاء فإن قوي الدعاء رد هذا البلاء وإن قوي البلاء وقع وإلا فيعتلجان وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة هذا إذا تقاوما وصار كل واحد منهما في القوة مثل قوة الثاني حديث ابن عمر الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وهذا جاء في حديث عائشة فعليكم عباد الله بالدعاء وقد جاء الأمر به في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة {ادْعُواْ رَبَّكُمْ} [سورة الأعراف:55] وفيه أيضا من حديث ثوبان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال «لا يرد القدر إلا الدعاء» فإن الدعاء ينفع لا محالة مما نزل ومما لم ينزل على المراتب السابقة «ولا يزيد في العمر إلا البر لا يزيد في العمر إلا البر» «من سره أن ينسأ له في أجله وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه» فالصلة لا شك أنها تزيد في العمر تزيد في العمر على الخلاف بين أهل العلم في الزيادة هل هي حقيقية أو معنوية فمنهم من أهل العلم من يرى أنها زيادة معنوية وأن الأجل إذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر والآجال مضروبة كُتب على الإنسان أجله وهو في بطن أمه لا يزيد ولا ينقص وإنما الزيادة الواردة في الحديث الصحيح ينسأ له في أثره بالبركة فكم من شخص يعيش من العمر الشيء اليسير بالنسبة قصير بالنسبة لغيره ومع ذلك يبارك له في هذا العمر فينتج فيه فيعمل فيه ما يعمله غيره بأضعاف ذلك العمر هذا زيادة معنوية ومنهم من قال الزيادة حسية فقد يكتب للإنسان في اللوح المحفوظ ستين سنة فإن وصل رحمه زيد إلى ثمانين مثلا على حسب قوة هذه الصلة وضعفها والذي يتغير هو ما في علم الملك أما ما في علم الله عز وجل فالذي في علمه لا يتغير كما هو مقرر عند أهل العلم «وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» الذنوب هي أسباب كل مصيبة وكل كارثة سبب للحرمان من الأرزاق الفردية والجماعية ولولا عفو الله جل وعلا ولطفه بعباده ما أمهلهم مع أنهم يعصونه ليل نهار ولذا قال {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة الشورى:30] وقال {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [سورة فاطر:45] والله سبحانه وتعالى يغار أن تنتهك معارمه والمسألة كما ترون وتشاهدون الخبث كثر الخبث كثر وظهر في المجتمعات الإسلامية ولو وجد فيها من وجد من أهل الخير والفضل والصلاح والعبادة والزهد لكن الخبث كثر وفي الحديث الصحيح أنهلك وفينا الصالحون قال «نعم إذا كثر الخبث» فنحن على خطر عظيم فعلينا مراجعة أنفسنا ومن تحت أيدينا ومن نستطيع نفعه من المسملين والله المستعان.
"ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يسأل الله يغضب عليه» وفي صحيح الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد» وذكر الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن الله يحب الملحين في الدعاء» وفي كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال قال مورق ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجلا في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل أن ينجيه."
نعم الله جل وعلا أمر بالدعاء ووعد بالإجابة ورتَّب على الدعاء الثواب العظيم فالدعاء عبادة بحد ذاته سواء أجيب أو لم يُجَب سواء توافرت أسبابه وانتفت موانعه وترتبت آثاره عليه أو لا فهو عبادة والإلحاح في الدعاء إلحاح بهذه العابدة فلا يقف مسلم عن سؤال ربه والله سبحانه وتعالى يغضب إن لم يُسأل.
الله يغضب إن تركت سؤاله |
|
وبني آدم حين يُسأل يغضب |
ابن آدم يغضب من كثرة السؤال ولو تسأله شيئا يسيرا.
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا |
|
إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا |
ولكن الخزائن الإلهية ملأى لا يضيرها نفقة لو اجتمع الأولون والآخرون في صعيد واحد وسألوا الله عز وجل فأعطى كل واحد ما سأل ما نقص ذلك من ملك الله شيئا كما جاء في الحديث الصحيح العظيم حديث أبي ذر إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر وهذا مثال تقريبي وإلا فهو لا ينقصه ألبتة وإذا تصورنا فضل الله عز وجل وعظمته وغناه عن تعذيب خلقه وعباده طمعنا في رحمته آخر من يدخل الجنة ممن يُخرَج من النار يقال له تَمَنَّى فيُعرض عليه أتريد ملك أعظم ملك في الدنيا فيقول نعم فيقال لك هذا ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله فضل الله لا يُحَد لكن المحروم من حُرِم هذا الفضل العظيم تجد الإنسان ينفق الوقت وينفق الجهد وينفق النفس ويذل النفس عند أبواب الناس أعطوه أو منعوه وأبواب الرب مشرعة في كل وقت وفي كل حين وهناك أوقات للإجابة يأتي ذكرها وأدعية جوامع ينبغي للمسلم أن تكون ديدنه لكي يفتح له أبواب الإجابة هنا يقول لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد هذا ترغيب للإلحاح في الدعاء وأن يستغل الإنسان وقته والذكر من الدعاء ولذا جاء في الحديث «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» ولذا على المسلم أن يكون لهجا بذكر الله عز وجل وشكره وأن يكون لسانه لا يزال رطبا بذكر الله عز وجل والجنة قيعان قيعان غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
أوما علمت بأنها القيعان فاغــ |
|
ــرس ما تشاء بذا الزمان الفاني |
وغراسها ...................... |
|
................................. |
إلى آخره في النونية رحمه الله في الحديث الصحيح «إبراهيم عليه السلام يقول يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم بأن الجنة قيعان» هذا أمر لا يكلف شيء لو أن الإنسان يتقلب طول عمره بالذكر والشكر والدعاء والتضرع والمسألة والتلاوة والصلاة والعبادات العامة والخاصة والمتعدية واللازمة ما أدى شيء مما أوجب الله عليه من شكره في مقابل نعمة واحدة من نعمه وفي حديث عائشة أن الله يحب الملحين في الدعاء وهذا شاهد لما تقدم من لم يسأل الله يغضب عليه فالإلحاح في الدعاء له شأن عظيم وطرق الأبواب بالمسألة بالعبادة ولذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى يوشك من طرق الباب أربعين مرة يفتح له إيش أربعين مرة؟ يعني من صلى أربعين ركعة في اليوم والليلة الفرائض سبعة عشر ركعة الرواتب اثنا عشر ركعة والوتر إحدى عشرة هذه أربعين يوشك من يطرق الباب أربعين مرة أن يلج. يقول وفي كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال قال مُورِّق العجلي وهو معروف سيد من سادات المسلمين ما وجدت مثلا للمؤمن إلا رجلا في البحر على خشبة انكسرت به السفينة وتعلق بالخشبة من خشب هذه السفينة وهو في وسط البحر قاموس البحر وهو في قاموس البحر يعني في وسطه يدعو يا رب يا رب يريد النجاة وفي هذا الموطن يخلص ويلح فعلى الإنسان أن يتصور مثل هذا المثل وأن يجعل حياته كهذا الغريق لأن الأمواج تتقاذفه في هذه الحياة ولا يدري بما يختم له فعليه أن يلهج بهذا الدعاء يا رب يا رب لعل الله أن ينجيه وكم في آخر سورة آل عمران من تكرار للفظة الرب؟ كم؟ خمس؟ التي أعقبها بقوله {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [سورة آل عمران:195].
طالب: .........
خمس والا ست لا تتردد موجودة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [سورة آل :190-191] يقول أهل العلم من كرر ربنا خمس مرات حري أن يستجاب له والشاهد ما جاء في آخر آل عمران كررت خمس مرات وفي النهاية قال {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم} [سورة آل عمران:195] إلى آخره.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.