شرح منظومة الزمزمي في علوم القرآن (03)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الناظم -رحمه الله-: العقد الأول: ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكانًا وهو اثنا عشر نوعًا: الأول والثاني المكي والمدني:
مكيه ما قبل هجرة نزل |
|
والمدني ما بعدها وإن تسل |
فالمدني أولتا القرآن مع |
|
أخيرتيه وكذا الحج تبع |
مائدة مع ما تلت أنفال |
|
براءة والرعد والقتال |
وتاليها والحديد النصر |
|
قيامة زلزلة والقدر |
والنور والأحزاب والمجادلة |
|
وسر إلى التحريم وهي داخلة |
وما عدا هذا هو المكي |
|
على الذي صح به المروي |
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد أن أنهى المؤلف الناظم -رحمه الله تعالى- مقدمته شرع في بيان العقود الستة التي رتب عليها منظومته، فذكر العقد الأول؛ وفيه ما يرجع إلى النزول، نزول القرآن زمانًا ومكانًا، فبدأ بالمكان ثم ثنى بالزمان. وما يتعلق بالنزول اثنا عشر نوعًا من الخمسة والخمسين.
الأول والثاني المكي والمدني، واختلف في المراد بالمكي والمدني:
فمنهم من يقول: المكي: ما نزل بمكة، والمدني: ما نزل بالمدينة، وعلى هذا القول يثبت من القرآن ما ليس بمكي ولا مدني، مما نزل خارج مكة والمدينة.
والقول الثاني: أن المكي: ما نزل قبل الهجرة ولو نزل خارج مكة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة ولو نزل بمكة، وهذا هو المرجح عند أهل العلم؛ لأنه هو الذي ينضبط، لأن العبرة بالزمان زمان النزول، وما قبل الهجرة يسمى مكيًّا، وما بعدها يسمى مدنيًّا، لا فائدة كبيرة من معرفة مكان النزول؛ إنما الفائدة في معرفة زمانه، الذي يترتب عليه معرفة المتقدم من المتأخر، وبه يتوصل إلى القول بالنسخ عند التعارض وعدم إمكان الجمع.
يقول -رحمه الله تعالى-: (مكيه)، يعني: مكي القرآن، الكتاب المنزل، مكي كتابنا الذي تقدمت الإشارة إليه.
مكيه ما قبل هجرة نزل |
|
والمدني ما بعدها............... |
يعني: بعد الهجرة، اعتمد القول الراجح وأضرب عن ذكر ما سواه.
(وإن تسل)، تسأل تسهل بحذف الهمز، وجاء به النصوص من الكتاب والسنة: ((سل عما بدا لك))، {سل بني إسرائيل..}[البقرة:211].
(وإن تسل، فالمدني)، يعني: على سبيل التفصيل، التعريف الإجمالي انتهى منه، مكي: ما نزل قبل الهجرة، المدني: ما نزل بعد الهجرة.
(وإن تسل)، عن التفصيل، عن سور القرآن تفصيلًا، فالمدني تسع وعشرون سورة، والمكي خمس وثمانون سورة، يذكر الأقل؛ لأن حصره أيسر، ثم يحيل بالباقي على النوع الثاني.
(فالمدني) وعدة سوره تسع وعشرون.
(أولتا القرآن)، السورتان الواقعتان في أول القرآن، ومقتضى الأولية المطلقة: أن يكون المراد الفاتحة والبقرة، لكن هل هذا هو المقصود؟ لا، يقصد بذلك البقرة وآل عمران، فهذه أولية نسبية وليست مطلقة، مثل أولية مطلقة للفاتحة، وقل مثل هذا في تقسيمهم وتحزبيهم للقرآن، تقسيمه على الأيام السبعة: ((اقرأ القرآن في سبع))، كانوا يحزبون القرآن ثلاثًا، ثم خمسًا، ثم سبعًا، ثم تسعًا، ثم إحدى عشر، ثم ثلاث عشر، ثم حزبًا مفصلاً، فالمراد بالثلاث الأول: البقرة وآل عمران والنساء، وليس المراد بها الفاتحة والبقرة وآل عمران.
فالمدني أولتا القرآن مع |
|
أخيرتيه....................... |
المعوذتين: {قل أعوذ برب الفلق}[الفلق:1]، و{قل أعوذ برب الناس}[الناس:1]، فأولتاه وآخرتاه مدنيتان.
(وكذا الحج تبع)، البقرة وآل عمران والمعوذتان هذه أربع والحج الخامسة (تبع).
(مائدة)، هذه السادسة، يعني: سورة المائدة.
(مع ما تلت)، يعني: النساء، مع السورة التي تلتها المائدة، والسورة التي تلتها المائدة النساء، لو قال المؤلف: الأربع السور: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، ألا يكون أخصر؟ يكون أخصر، والآن فرقها:
فالمدني أولتا القرآن مع |
|
أخيرتيه وكذا الحج تبع |
مائدة مع ما تلت |
|
.................................. |
المائدة والنساء، هذا فيه تشويش في الترتيب، لكن لو ذكر الأربع سور.
(مع ما تلت أنفال)، معطوفة، الأنفال مع حذف حرف العطف، وحذف حرف العطف مع نية العطف معروف في اللغة، وجاء به الحديث: ((تصدق أحدكم بديناره، بدرهمه، بصاعه، بمده..))، نعم، هذا مراد به العطف؛ لكن مع حذف الحرف.
(مع ما تلت أنفال)، أنفال: السورة الثامنة من التسع والعشرين.
(براءة)، معطوف أيضًا مع حذف حرف العطف.
(والرعد والقتال)، البراءة التاسعة، والرعد العاشرة، والقتال التي هي سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- الحادية عشر.
(وتالياها)، تاليا القتال؛ الفتح والحجرات، الثانية عشرة والثالثة عشرة.
(والحديد والنصر)، الحديد الرابعة عشرة، والنصر الخامسة عشرة.
(قيامة)، السادسة عشرة، (قيامة) كذا في النظم تبعًا لأصله، والصواب: "قيمة" وليست "قيامة" لماذا؟ لأن "القيامة" مكية بالإجماع، و"القيمة" مدنية عند الجمهور، {لم يكن الذين كفروا}[البينة:1] هذه مدنية عند الجمهور، أما سورة القيامة: {لا أقسم بيوم القيامة}[القيامة:1] هذه مكية.
والسابعة عشرة: (زلزلة): {إذا زلزلت}[الزلزلة:1]، (والقدر) هي الثامنة عشرة: {إنا أنزلنا في ليلة القدر}[القدر:1].
(والنور) هي التاسعة عشرة، والأحزاب العشرون، والمجادلة الحادية والعشرون.
(وسر إلى التحريم)، سر من المجادلة إلى التحريم، يعني: الجزء الثامن والعشرون كله مدني وإلا مكي؟ مدني، سر من المجادلة إلى التحريم، وفيه الحشر والممتحنة، والصف والجمعة، والمنافقون والتغابن، والطلاق، والتحريم هي التاسعة والعشرون هي الأخيرة، هذا كله مدني.
(وسر إلى التحريم وهي داخلة)، لماذا قال: وهي داخلة؟ للخلاف في دخول الغاية؛ لئلا يقول: إن التحريم ليست داخلة في المُغيّة، ولذلك نص عليها، وهي داخلة في المُغيّة، وهي التاسعة والعشرون.
ولا تخلو هذه السور من خلاف، لكن هذا هو المرجح وهو قول الجمهور، على أن في السور المكية آيات مدنية، وفي السور المدنية بعض الآيات المكية، ويقول أهل العلم: إن الذي لا يعرف المكي من المدني، ولا يعرف الآيات المكية في السور المدنية والعكس، لا يجوز له أن يتعرض لتفسير القرآن، وهذا من الشرائط التي يشترطها أهل العلم فيمن يتصدى للتفسير.
(وهي داخلة، وما عدا هذا هو المكي)، سبق أن قلنا: إن عدد السور المكية خمس وثمانون سورة.
(على الذي صح به المروي)، وهناك خلاف في بعض السور التي ذُكرت في المدني عند بعض أهل العلم إنها مكية، من أهل العلم من يقول: النساء والرعد والحديد والحج والصف والتغابن والقيامة -على حد قوله- والمعوذتان مكيات، القيامة صوبنا أنها القيمة، والأصح والأرجح أنها مدنيات، وبالمقابل من الخمس والثمانين المرجح أنها مكيات، قيل في: الرحمن والإنسان والإخلاص والفاتحة من المدني.
والخلاف في الفاتحة معروف عند أهل العلم، لكن المرجح أنها مكية؛ لأنه جاءت الإشارة إليها في سورة الحجر وهي مكية: {آتيناك سبعًا من المثاني} [الحجر:87] وهي سورة الفاتحة.
ومنهم من يقول: مدنية.
ومنهم من يقول: نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدنية.
ومنهم من يقول: نصفها مكي ونصفها الثاني مدني.
لكن المرجح عند أهل العلم أنها مكية.
الموضوعات التي تتعلق بالنزول هي مجرد تعداد ما فيها شيء يحتاج إلى تحليل أو تحرير، مجرد عدد، لعلنا نمره لنوفر الوقت لما هو أهم منه؛ لأن الإنسان إذا حفظ هذه الأبيات، وعرف السور المكي والمدني، والحضري والسفري إلى آخره، سهل عليه الأمر -إن شاء الله تعالى-، نعم.
أثابكم الله.
النوع الثالث والرابع: الحضري والسفري من آي القرآن:
والسفري كآية التيمم |
|
مائدة بذات جيش فاعلم |
أو هي بالبيداء ثم الفتح في |
|
كراع الغميم يا من يقتفي |
وبمنى {اتقوا} وبعد {يومًا} |
|
و{ترجعون} أول هذا الختما |
ويوم فتح {آمن الرسول} |
|
لآخر السورة يا سؤول |
ويوم بدر سورة الأنفال مع |
|
{هذان خصمان} وما بعد تبع |
إلى {الحميد} ثم {إن عاقبتم |
|
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم} |
بأحد وعرفات رسموا |
|
{اليوم أكملت لكم دينكم} |
وما ذكرنا هاهنا اليسير |
|
والحضري وقوعه كثير |
بعد ذلك ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- النوع الثالث والرابع، وهذه الأنواع التي يذكرها متقابلة، أنواع متقابلة؛ المكي يقابله المدني، الثالث يقابله الرابع، حضري وسفري، والخامس يقابله السادس، وكذا السابع والثامن.
يقول في النوع الثالث والرابع: (الحضري والسفري من آي القرآن)، يعني: ما نزل في الحضر في حال الإقامة، وما نزل في السفر في أسفاره -عليه الصلاة والسلام- للغزو أو للحج أو للعمرة، هذه أسفاره -عليه الصلاة والسلام-، ما كان عنده أسفار نزهة، عنده أسفار عبادة.
(والسفري): منسوب إلى السفر، من الإسفار: وهو البروز والوضوح، منه أسفر الصبح إذا أظهر الأشياء، ومنه السفر لبروز المسافر عن بلده، ومنه السفور لإبراز المرأة شيئًا مما يجب عليها تغطيته.
فالسفري كآية التيمم |
|
مائدة بذات الجيش |
آية التيمم التي في المائدة؛ لأن هناك آية للتيمم في سورة النساء، المقصود بالآية التي نزلت في السفر آية المائدة، نزلت (بذات الجيش): هو موضع وراء ذو الحليفة قرب المدينة.
(بذات جيش فاعلم، أو هي بالبيداء)، في طرفي ذي الحليفة، والتي قالها ابن عمر –رضي الله عنهما-: "بيداؤكم التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؛ لأنه جاء في الأحاديث الصحيحة: ((أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل لما علا على شرف البيداء))، وهي من ذي الحليفة في طرفها.
(مائدة...)،
فالسفري كآية التيمم |
|
مائدة............... |
إعرابها، إعراب مائدة: منصوب بنزع الخافض، يعني: بآية التيمم، كآية التيمم الواقعة في المائدة.
(مائدة بذات جيش فاعلم)، آية التيمم نزلت أثناء قفوله -عليه الصلاة والسلام- من غزوة بني المصطلق، سنة أربع أو خمس أو ست على أقوال، والقصة شهيرة في الصحيح وغيره.
(أو هي بالبيداء، ثم الفتح في)، (ثم الفتح في)، يعني: ثم سورة الفتح، مجرورة عطفًا على آية المجرورة بالكاف.
(في كراع الغميم)، كراع الغميم: طرف الغميم؛ لأن كراع الشيء: طرفه، والغميم: قريب من مكة، بينه وبين مكة نحو ثلاثين ميلًا، وبينه وبين المدينة مائة وسبعين أو أكثر من الأميال، (كراع الغميم) الآن قلنا: كَراع أو كُراع الغميم، كراع مضاف والغميم مضاف إليه، وهنا نون المضاف، هل هذه إضافة؟ مع أن المضاف يجب حذف التنوين منه:
نونًا تلي الأعراب أو تنوين |
|
ممّا تضيف احذف كطور سيناء |
يجب حذفه، وهنا قال: (كراع الغميم)، أو يكون الغميم بدل من كراع، بدل كراع هو الغميم؛ لأنها مضبوطة بكسر الطرفين، كسر مع التنوين (كراعٍ)، ولا بدّ من التنوين، وإلا ينكسر البيت، والغميم: الأصل أنه مضاف إليه، طرف الغميم، كراع الغميم، مضاف ومضاف إليه، فلم لم يحذف التنوين؟ هذه ضرورة شعرية؛ لكن ألا يمكن توجيهه بأن الطرف يطلق عليه الكل، فنقول: كراع الغميم بدل منه، بدل كل من بعض، يجي وإلا ما يجي؟ ما في ضمير، لكن صيانة النظم من المخالفة الظاهرة، وحذف الضمير قد يرد به، في مثل هذه الحالة قد تحوج إليه الضرورة، بخلاف التنوين، التنوين قبيح في المضاف.
(كراع الغميم يا من يقتفي)، يا من يتبع اعرف ما ذكر والحاجة إليه ماسة.
(وبمنى {اتقوا})، (وبمنى): مع حذف التنوين للوزن.
وبمنى {اتقوا} وبعد {يومًا} |
|
و{ترجعون} أول هذا الختما |
يعني: نزل بمنى قول الله -جل وعلا-: {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله}[البقرة:281]، إلى آخر إلى ختم الآية، {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}[البقرة:281]. إلى ختم الآية.
ويوم فتح {آمن الرسول} |
|
لآخر السورة يا سؤول |
نزل يوم الفتح أواخر سورة البقرة: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون}[البقرة:285]، إلى آخر السورة.
(يا سؤول)، يعني: يا من يفترض فيه أنه طالب علم، وحريص على مثل هذه العلوم، ومن شرطه أن يكون سؤولًا لا خجولًا، لكن السيوطي لم يقف على هذا أو لهذا على دليل وإنما قلد فيه.
(ويوم بدر)، يعني: ونزل في يوم بدر.
(سورة الأنفال كلها، مع {هذان خصمان})، مع آية: {هذان خصمان}، (وما بعد تبع، إلى {الحميد})، يعني: إلى قوله -جل وعلا-: {الحميد}، {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من النار..}[الحج:19] إلى آخره، إلى قوله -جل وعلا-: {الحميد}.
ثم آية: {إن عاقبتم فعاقبوا} يعني: إلى آخر سورة النحل، {إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}[النحل:126]، (ثم {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم}) إلى آخر السورة، هذه نزلت متى؟ بأحد، نزلت بأحد، والقصة معروفة: لما مثل المشركون بحمزة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، ذكر أنه -عليه الصلاة والسلام- سوف يمثل بسبعين منهم، فنزل قول الله -جل وعلا-: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم}[النحل:126]، يعني: ما عاقبتم بالمثل، {لهو خير للصابرين} إلى آخر السورة، هذه نزلت بأحد.
(وعرفات)، يعني: نزل بعرفات في حجة الوداع.
(وعرفات رسموا)، يعني: بعرفات في حجة الوداع، كتبوا نزول قوله –تعالى-: {اليوم أكملت لكم دينكم}[المائدة:3].
وفي الصحيح من حديث عمر –رضي الله عنه-: أن اليهود قالوا لعمر -رضي الله تعالى عنه-: "لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيدًا، {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة:3]"، فقال عمر –رضي الله عنه-: "لقد علمت اليوم والمكان الذي نزلت فيه هذه الآية، نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع".
(وعرفات رسموا {اليوم أكملت لكم دينكم})، يعني: كتبوا نزول هذه الآية في ذلك اليوم الشهير.
(وما ذكرنا هاهنا اليسير)، يعني: مما نزل في السفر، (ما ذكرنا هاهنا اليسير)، وسوف يذكر السيوطي في التحبير جميع ما وقف عليه، في كتابه التحبير الذي أوصل فيه أنواع علوم القرآن إلى اثنين ومائة من الأنواع، استوفى الآيات التي نزلت في السفر.
وما ذكرنا هاهنا اليسير |
|
والحضري وقوعه كثير |
لأنه هو الأصل، لأن الأصل الإقامة لا السفر، السفر طارئ تقتضيه الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، وجاء في الحديث الصحيح: ((السفر قطعة من العذاب))، مفاد هذا: ((إذا قضى أحدكم نهمته فليعد)) فليرجع، فالأصل هو الحضر، وعلى هذا أكثر القرآن نزوله في الحضر.
أثابكم الله.
النوع الخامس والسادس: الليلي والنهاري.
وسورة الفتح أتت في الليل |
|
وآية القبلة أي {فوّل} |
وقوله {يا أيها النبي قل} |
|
بعد {لأزواجك} والختم سهل |
أعني التي فيها البنات لا التي |
|
خصت بها أزواجه فأثبت |
وآية {الثلاثة الذين} |
|
أي {خلفوا} بتوبة يقينا |
فهذه بعض لليلي على |
|
أن الكثير بالنهار نزلا |
يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع الخامس والسادس: (الليلي والنهاري)، يعني: ما نزل بالليل وما نزل بالنهار، الأصل النهار؛ لأن الليل سكن، والنزول إنما يكون في حال اليقظة، على الخلاف الذي سيأتي في سورة الكوثر، وإذا كان التنزيل في اليقظة؛ فاليقظة إنما تكون بالنهار والليل سكن. نزل من القرآن آيات بالليل حال يقظته -عليه الصلاة والسلام-، وكانت حاله -عليه الصلاة والسلام- عكس ما عليه الناس اليوم، اليوم وهذه الأيام الليل هو وقت الاستيقاظ والنهار هو وقت النوم، وهذا قلب للسنن الإلهية، النبي -عليه الصلاة والسلام- ((كان يكره الحديث بعدها))، بعد صلاة العشاء، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- ((يكره النوم قبلها))، تبعًا لذلك يكون أكثر القرآن نزولًا إنما هو بالنهار كما أشار إليه الناظم في آخر الفصل، وهذا التقسيم باعتبار الزمان.
يقول -رحمه الله تعالى-:
(وسورة الفتح أتت في الليل)، ومقتضى كلامه أن تكون سورة الفتح كلها نزلت بالليل، لكن الوارد إلى قوله -جل وعلا-: {صراطًا مستقيمًا}، وأنزلت سورة الفتح بعد منصرفه من الحديبية، وسميت الحديبية فتحًا؛ لما ترتب عليها من خير عظيم للدعوة، فصارت هي الفتح الحقيقي: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}[الفتح:1].
ومنهم من يقول: إن الفتح هو فتح مكة، وهو المراد بالآية، والتعبير عنه بالماضي لتحقق وقوعه، كما في قوله -جل وعلا-: {أتى أمر الله}[النحل:1]، والفتح فتح مكة، والسورة نزلت قبل فتح مكة.
ومنهم من يقول: إن الحديبية مقدمة للفتح، ومقدمة الفتح فتح.
على كل حال، مطلع هذه السورة نزل بالليل: ((لقد أنزل علي الليلة قرآنًا))، ثم تلا إلى قوله -جل وعلا-: {صراطًا مستقيمًا}[الفتح:2].
(في الليل وآية القبلة أي {فوّل})، على الخلاف بين العلماء تبعًا لما جاء في الأحاديث في أول صلاة صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة إلى الكعبة، آية القبلة: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}[البقرة:144]، حولت القبلة، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتشوف إلى هذا التحويل، فصلى بعد أن نزلت عليه هذه الآية إلى الكعبة بدلًا من الصلاة إلى بيت المقدس، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هجرته يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا ثم حولت القبلة إلى الكعبة، فمنهم: من رجح أن أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- هي صلاة الصبح، وعلى هذا يكون نزول الآية بالليل وإلا بالنهار؟ بالليل.
ومنهم من يقول: إن أول صلاة صلاها هي صلاة العصر، وأما صلاة الصبح فهي الصلاة في قباء، صلاة أهل قباء الذين مر بهم الصحابي الذي صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك وأخبرهم بأن القبلة حولت إلى الكعبة فاستداروا كما هم، يكون بلوغهم الخبر في وقت أو في أثناء صلاة العصر، وإذا كان هذا بالنسبة لأهل قباء فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها قبل ذلك؛ لأن هذا الصحابي صلاها مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا كان أهل قباء صلوها الصبح، وجاءهم الجائي ممن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبرهم، فيكون صلاها مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العصر، وحينئذ تكون الآية نزلت ليلًا وإلا نهارًا؟ نهارًا، لا يعقل أنها تنزل بالليل ولا يصلي النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الكعبة إلا صلاة العصر، لا يمكن أن يحصل هذا، {فول وجهك}، ثم يصلي إلى بيت المقدس ما يمكن.
(وقوله:{يا أيها النبي قل})، أهل قباء استداروا كما هم بخبر واحد، وكانوا على قبلة مقطوع بها إلى بيت المقدس فتركوا المقطوع به لخبر الواحد، وهذا مما يستدل به على أن خبر الواحد يفيد القطع، ولولا أنه يفيد القطع لما تركوا المقطوع به إلى المظنون، لكن الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يقول: "إن خبر الواحد هذا احتفت به قرائن"، كان الصحابة يتوقعون أن تحول القبلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقلب وجهه في السماء، ويتشوف إلى تحويل القبلة، الصحابة يتوقعون، فهذه قرينة على صدق هذا المخبر، وبهذه القرينة ارتفع إلى إفادة العلم، وارتفع عن إفادة الظن.
وقوله: {يا أيها النبي قل} |
|
بعد {لأزواجك} والختم سهل |
({يا أيها النبي قل لأزواجك})، آية واحدة في القرآن أو أكثر؟ أكثر، منها: {قل لأزواجك إن كنتن}[28] آية التخيير، والثانية التي في أواخر سورة الأحزاب: {قل لأزواجك وبناتك}[الأحزاب:59].
ولما كان الأمر والاحتمال دائرًا بين الآيتين قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
|
|
|
|
أعني التي فيها البنات لا التي |
|
خصت بها أزواجه فأثبتِ |
حدد المراد، ووضح المقصود, وبين أن المراد آية الأحزاب التي في أواخرها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ...}[الأحزاب:59].
ما الدليل على أنها نزلت بالليل؟ القصة, نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخرجن لقضاء الحاجة إلا بالليل, كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث عائشة –رضي الله عنها-, فخرجت سودة بنت زمعة أم المؤمنين –رضي الله عنها- لقضاء حاجتها, وهي لا تخرج إلا بالليل كغيرها من نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-, وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- يريد منع نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- من الخروج ولا في الليل؛ لئلا يتعرض لهن أحد, ثم قال لها لما رآها: "قد عرفناك يا سودة". وسودة امرأة معروفة؛ لتميزها في جسمها, امرأة طوال، وثبطه –ثقيلة-، فعرفها عمر, ويعرفها غير عمر, وهي متحجبة الحجاب الكامل, وتعرف بجسمها, "قد عرفناك يا سودة". تأذت من هذا الكلام فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلت الآية.
أعني التي فيها البنات لا التي |
|
خصت بها أزواجه فأثبتِ |
النساء لا يخرجن إلا بالليل؛ لأن الليل أستر لهن, والظلام يسترهن زيادة على ما يرتدينه من ثياب وجلابيب وخُمر وغير ذلك. بخلاف النساء اليوم, وضع النساء مؤذٍ مقلق, النساء لا يخرجن إلا للحاجة, والبيوت ليس فيها كنف فيضطرون للخروج لقضاء الحاجة, وما عدا ذلك امتثالًا لقوله -جل وعلا-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ...}[الأحزاب:33] ما في خروج إلا لحاجة أو ضرورة, وليس من عادتهن ولا من ديدنهن -كنساء عصرنا- التسكع في الشوارع.
كان النساء كما جاء في الخبر: "لهن حافات الطرق", وأدركنا النساء والأمر على ذلك, قبل ثلاثين سنة كانت النساء على حافات الطرق, ولا يُرى منها شيء, ولا يُدرى عن حجمها؛ أسمينة هي أو نحيفة, مما عليها من الثياب والعبايات السابغة المتينة, وقد تلصق عباءتها بالجدار, وإذا وجدت منعطفًا لاذت به حتى يمر الرجل, والآن الرجال هم الذين يخشون على أنفسهم, لهم حافات الطريق خشية على أنفسهم, فالله المستعان.
وآية الثلاثة الذينا |
|
....................................... |
الألف للإطلاق.
وآية الثلاثة الذينا |
|
أي خلفوا بتوبة......... |
يعني: بسورة التوبة.
(يقينًا): {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ..}[التوبة:118] إلى آخر الآية.
وآية الثلاثة الذينا |
|
أي خلفوا بتوبة يقينًا |
وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع, هؤلاء الذين خٌلفوا عن غزوة تبوك, والأصل أنهم تخلفُوا من غير عذر, وصدقوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه ليس لهم عذر، فتخلفت توبتهم وقبول عذرهم مدة خمسين يومًا, والقصة مشهورة في الصحاح وغيرها.
فهذه الآية نزلت بالليل (يقينًا)؛ لما في الصحيح من حديث كعب قال: "فأنزل الله توبتنا على رسوله -صلى الله عليه وسلم- حين بقي الثلث الآخر من الليل", فنزول آية {الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} كان بالليل.
(فهذه): المذكورات من الآيات.
(بعض لليلي على): هذه الآيات، بعض الآيات التي وردت الأخبار بأنها نزلت في الليل, (فهذه) الآيات المذكورات، (بعض لليلي على): أن الكثير من الآيات نزل بالنهار.
..................................... |
|
على أن الكثير بالنهار نزلَ |
وتقدم أن اليقظة في النهار، والنوم في الليل، والنزول في حال اليقظة.
يقول: قول المؤلف: (مائدة مع ما تلت أنفال), أليس التالي هو الذي بعد المذكور، فيكون المراد: (مع تلت) الأنعام والأنعام مكية, فيكون الأولى ما قبلها مثلًا, (ما تلت), يعني: ما تلته وتبعته هذه السورة؟
اللفظ يحتمل، لكن هذا توجيهه.
يقول: بعض المفسرين يقول عن بعض الآيات: هذه فيها إيقاعات موسيقية, ونغمة الآيات وجرس الآيات.
وتكرر هذا في بعض تفاسير المعاصرين, لكن يجب أن يصان القرآن عن مثل هذه الألفاظ, ومن ذكر هذه الألفاظ لا شك أنه متأثر إما بماض وسابق له, أو ببيئة محيطة له, وإلا من عاش في بيئة محافظة ينفر من كل لفظ لا يليق بالقرآن, لا سيما بعض الجهات وبعض المجتمعات يسمعون الأغاني، ويسمعون الموسيقى ليل نهار -وهم يرون تحريمها-، لكن يسمعونها بكثرة من الفساق من غير نكير, وصار إنكارهم لها خفيفًا, وتداولهم لألفاظها سهل, لكن المجتمعات المحافظة هذه يمكن ما يقول نغمة ولا موسيقى ولا في بيت شعر, جرس البيت, ولا نغمة البيت ولا, أبدًا؛ لأنه ينفر من هذه اللفظة فكيف يقال في كتاب الله -جل وعلا-, ومن أراد شاهد على ذلك: يجد بعض الأخوة -الذين ظاهرهم الصلاح- تجد نغمة جواله موسيقية, ومع ذلك لا ينفر ولا يكترث ولا, أو يسمع هذه النغمة ولا يرفع بذلك رأسًا؛ لأنه جاء من بلاد يسمع فيها ما هو أشد من هذا, فهذا شيء يسير عنده, علمًا بأن بعضهم ينازع بكون هذه موسيقى, لكن كثير من الناس ينفر بطبعه، ينفر من سماع هذه النغمات, فكيف يقال مثل هذا بالنسبة لكتاب الله -جل وعلا-.
يقول: ما رأيكم في اختصار الشيخ الألباني لصحيح البخاري، وهل هو أفضل أم كتاب الزبيدي؟
لا, اختصار الألباني أفضل من اختصار الزبيدي؛ لعنايته بتراجم الإمام البخاري, وأيضًا اختصار الشيخ/ "سعد الشثري"؛ طيب لعنايته بهذه التراجم, لكن يبقى أن الأصل لا يعدله شيء, والاقتصار على المختصرات من أمارات الحرمان.
يقول: ما رأيك بطبعة "البداية والنهاية" التي اعتنى بها الشيخ/ "طارق عوض الله", هل تنصح باقتنائها؟ الشيخ طبع البداية والنهاية؟
طالب: ........
ما أدري والله، ما سمعت، آخر ما رأينا طبعة الشيخ ابن تركي, وهي أفضل من الطبعات السابقة, الطبعات السابقة فيها إسقاط وتحريف وإدخال من بعض النسَّاخ.
يقول: ما رأيكم في مقدمة التفسير للشيخ عبد الرحمن بن القاسم مع شرحها؟
مقدمة نافعة, يستفاد منها -إن شاء الله-.
يقول: إذا أردت أن تعرف وتحفظ {الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} فهم مجموعون في كلمة "مكه", فالميم: مرارة، والكاف: كعب، والهاء: هلال.
وأيضًا أسماء آبائهم جمعوا في كلمة, الربيع: أخذوا منه العين, أمية: أخذوا الهاء, ومالك: أخذوا الكاف, فيجمعون في "مكه" و"عكه", أسماءهم وأسماء آبائهم, طريقة معروفة عند أهل العلم يضبطون بها ما يريدون.
ما رأيكم في تحقيق الشيخ الفقي لكتاب "الإنصاف" للمرداوي؟
فيه أغلاط كثيرة جدًّا.
يقول: ما الفائدة في معرفة أنواع السور من حيث كونها: سفري وحضري، وليلي ونهاري، وصيفي وشتائي, ألا ترى أنها من فضول العلم؟
لكن على طالب العلم أن يعنى بكتاب الله -جل وعلا- وبجميع ما يتعلق به, وإذا ما بقي من تضييع الوقت إلا في هذه الأمور فنعم، الضياع إذا كان هذا هو الضياع.
يقول: هل أواخر سورة آل عمران نزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟
جاء ما يدل على ذلك.
يقول: ما أفضل تحقيق لكتاب تفسير ابن كثير؟
ذكرنا مرارًا أن طبعة مكتبة أولاد الشيخ بمصر هي أصح الطبعات وأكثرها خدمة, وإذا ضم إليها طالب طبعة السلامة طبعة مكتبة طيبة, وطبعة البناء؛ لأن الكتاب جدير بالعناية, وهذه طبعات ما تكلف شيئًا، يعني: مصورات ما تكلف شيئًا, كنا نقول قبل ذلك: لو اعتنى طالب العلم بطبعة الشعب؛ لأنها طبعة محررة ومتقنة إلا أنها على العرضة الأولى من التفسير, الحافظ ابن كثير ألف الكتاب في أول الأمر وكُتب عنه نسخة هي محفوظة بمكتبة الأزهر, أول عرضة, ثم أضاف إليه نقول من تفسير القرطبي والزمخشري والرازي، نقول؛ أحيانًا صفحة، وأحيانًا أكثر، وأحيانًا أقل, هذه النقول لا توجد في النسخة الأزهرية التي طبعت عنها طبعة الشعب, فيضم إلى طبعة الشعب نسخة أخرى توجد فيها هذه النقول, وعلى كل حال الكتاب جدير بالعناية.
يقول: ما رأيكم بسورة المجادِلة والمجادَلة؟
إن نظرنا إلى المرأة فهي مجادِلة وإن نظرنا إلى القصة فهي مجادَلة, وضبطت بهذا وهذا.
هل حصر الزمزمي في منظومته جميع الآيات الليلية والنهارية؟
لا, لم يحصر.
وهل حول... أيش؟ ما كان اتجاه قبلة المسجد الأقصى، وهل حولت إلى الكعبة، ومتى ذلك؟
كيف ما كان اتجاه؟ أو متى الاتجاه إلى قبلة؟ وهل حولت إلى الكعبة ومتى؟ ما كان اتجاه قبلة المسجد الأقصى؟
يعني: المسجد الأقصى قبلته إلى أي جهة؟ مو هذا هو المراد؟
طالب:........
نعم، يعني: هل جهة استقبال الذين يصلون في المسجد الأقصى إلى أين, يعني: قبل التحويل؟
لا, كيف يصلي المسلمون قبل تحويل القبلة؟ هذا كلامه، هذا السؤال والعهدة عليه, وهل فيه مسلمون في ذلك الوقت قبل تحويل القبلة؟ يعني: القبلة حولت في السنة الثانية, ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا, هل في بيت المقدس مسلمون ليقال: أين قبلة...؟ النصارى يصلون إلى جهة المشرق.
ومتى وكيف, حيث أني لم أجد إجابة لهذه الأسئلة؟
يقول: أرجو أن تدلني على كتب أحضِّر منها درس الموطأ والألفية والمنظومة, أيش؟ أيسر الشروحات؟
الموطأ كأن شرح الزرقاني مختصر جدًّا ومناسب للوقت المتلاحق بالنسبة لطالب العلم, وإلا فكتب ابن عبد البر لا يعدلها شيء, لكن لضيق الوقت -ضيق وقت الطلاب-، وتعدد الكتب وتعدد الدروس، يعني: لو اقتصر على الزرقاني فيه خير -إن شاء الله تعالى-, والألفية شرح المؤلف؛ مختصر وواضح ونفيس أيضًا, وأصل في الباب, وشرح الشيخ زكريا, فتح الباقي -زكريا الأنصاري-, فيه تنبيهات ما تعرض لها لا المؤلف ولا السخاوي على طوله, ومن أراد الاستيعاب فكل الصيد في جوف الفراء, في السخاوي.
المنظومة لها شروح لكنها غير موجودة, منظومة الزمزمي لها شروح من قبل: محسن المساوي، وعلوي المالكي, وأيضًا: الفاداني وغيرهم, لها شروح معروفة في الحجاز، هي ما هي بمعروفة عندنا في نجد لكن هي معروفة في الحجاز؛ لأن أكثر من تصدر لشرحها من أهل مكة, مع الأسف أنه ما أعيد تصويرها.
أثابكم الله.
السابع والثامن: الصيفي والشتائي.
صَيْفِيَّةٌ كآَيِةِ الكَلالَـةِ |
|
والشِّتَائِيْ كالعَشْرِ في عَائِشَةِ |
التاسع الفراشي:
كآَيَةِ الثَّلاثـةِ المُقَدَّمَـةْ |
|
في نَوْمِهِ في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ |
يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا |
|
لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا |
يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع السابع والثامن: "الصيفي والشتائي", يعني: ما نزل في فصل الصيف، وما نزل في فصل الشتاء، ومن المعلوم والمعروف أن السنة أربعة فصول, هل معنى هذا: أن القرآن ما ينزل إلا في الصيف والشتاء؟ يعني: ما نزل شيء في الخريف ولا في الربيع؟ ما نزل شيء في الربيع أبدًا؟ الشتاء والصيف ذكر, ذكر ما نزل في الصيف وذكر ما نزل في الشتاء, لكن ما نزل شيء في الربيع ولا في الخريف؟ نعم، الخريف يلحق في الشتاء, يلحق كل فصل بالذي قبله؛ لشهرة الفصلين المذكورين؛ ولذا لا تجد آية منصوص عليها أنها نزلت في الخريف, وأهل العلم يتتبعون ذلك في الآثار.
(صيفيه)، أي: القرآن.
(كآية الكلالة): والكلالة في الفرائض معروفة: من لا والد له ولا ولد, وفي الكلالة آيتان، وكلاهما في سورة النساء, الأولى في أوائلها والثانية في آخرها, فالصيفية منهما الأخيرة، التي في آخر سورة النساء. عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أكثر وألحف وألح في السؤال عن الكلالة, سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الكلالة، وطعن بأصبعه في صدره، وقال: ((ألا تكفيك آية الصيف))، يعني: الآية التي في آخر سورة النساء, وأما الآية التي في أوائلها فهي شتائية كما قال أهل العلم.
(والشتائي): من القرآن.
(كالعشر في عائشة): كالعشر الآيات من سورة النور التي نزلت في قصة عائشة –رضي الله عنها-؛ اتهامها وبراءتها -في قصة الإفك-؛ {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ...}[النور:11] إلى آخر العشر الآيات, حيث نزلت براءتها من السماء, هذه الآيات العشر نزلت في الشتاء, وجاء في قصة الإفك من حديث عائشة –رضي الله عنها- في الصحيح: (أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ الآيات وإن العرق ليتحدر من جبينه في وقت شاتٍ)، فيدل هذا على أن هذه الآيات -في قصتها- نزلت في الشتاء, وإن نازع بعضهم في الدلالة على المراد من هذه الآيات على وجه الخصوص, وأن هذه كانت صفته -عليه الصلاة والسلام- عند نزول الوحي باستمرار في هذه الآيات وغيرها, أنها إذا نزلت تحدر منه العرق؛ سواءً كان في الشتاء أو في الصيف -عليه الصلاة والسلام-؛ لشدة ما يلقى إليه، وثقل ما ينزل عليه -عليه الصلاة والسلام-.
(والنوع التاسع: الفراشي): وهذا له مقابل وإلا ليس له مقابل؟ في نوم غير فراش؟ ينام على غير فراش -عليه الصلاة والسلام-, لكن الفراش عموم ما يفترش, والمراد بذلك: ما نزل في النوم, أو حال التهيؤ له, على الخلاف في سورة الكوثر.
الفراشي من الآيات:
كآية الثلاثة المقدمة |
|
.................................... |
{الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ.. }[التوبة:118], ما دام نزلت في الثلث الأخير من الليل, فتكون في فراشه؛ لأنه في الثلث الأخير, هل هو في فراشه أو حال قيامه للصلاة؟
كآية الثلاثة المقدمة |
|
في نومه في بيت أم سلمة |
يعني: هل هذا يقال في نومه, أو الثلث الأخير ما يلزم منه النوم؟ نعم, جاء ما يدل على أنه في فراش أم سلمة –رضي الله عنها-, وإن جاء ما يعارضه من قول عائشة –رضي الله عنها-: "وأنه ما نزل عليه الوحي إلا وهو في فراشي", يعني: ما نزل عليه الوحي في بيت امرأة من نسائه إلا عند عائشة -رضي الله عنها-, فهو يعارض هذا, وإن كان الإجابة ممكنة: أنه حال اجتماعها به, يعني: ما نزل في بيت أحد من أمهات المؤمنين حال اجتماعها به, قد تكون ليست في البيت كما يقول بعضهم, في الإجابة عن هذا التعارض.
يحلقه النازل مثل الرؤيا |
|
.................................... |
يعني: حال النوم.
يحلقه النازل مثل الرؤيا |
|
.................................... |
كسورة الكوثر, ففي صحيح مسلم: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أغفى إغفاءة في المسجد قال: ((لقد نزلت عليّ آنفًا سورة)) ثم تلاها, ثم تلا سورة الكوثر, لما أغفى إغفاءة.
يحلقه النازل مثل الرؤيا |
|
لكون رؤيا الأنبياء وحيًا |
فلا يقال: إن من القرآن ما نزل في حال النوم, والنوم مظنة لعدم الضبط, فكيف يتلقى القرآن في حال النوم؟ نقول: لا, الأنبياء وضعهم يختلف عن سائر الناس, النبي ينام, تنام عيناه ولا ينام قلبه, ورؤيا الأنبياء وحي, ولا يتلبس بهم الشيطان ولا يتمثل لهم, بعض العلماء يذكر أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام وسأله عن أحاديث فصححها, نعم, قال: هذا حديث صحيح, فهل يثبت بمثل هذا تصحيح, ورؤيا الأنبياء حق, رؤيا النبي -عليه الصلاة والسلام- حق لا يتمثل به الشيطان, لماذا؟ يعني: أن الدين كمل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-, والرؤى لا يثبت بها حكم, لكن قد يقول قائل: صح الخبر بأن الشيطان لا يتمثل به, ((من رآني فقد رآني)), ((رآني رأى الحق)), ((من رآني فسوف يراني)) هذه روايات, لكن الشيطان لا يتمثل به -عليه الصلاة والسلام- فإذا رآه فسأله عن حديث أشكل عليه فقال: حديث صحيح، يثبت التصحيح بهذا؟ أثبته جمع من أهل العلم, والسيوطي منهم, وبعضهم: أبدًا لا يشكل عليه شيء ألبته, لا يشكل عليه شيء, وهذا نوع من التخريف, على حد زعمه: الخط ساخن, إذا أشكل عليه شيء انسدح، اضطجع في فراشه وسمع كل ما يريد, والشيطان يتلاعب بعقول أمثال هؤلاء, وإن لم يصح تمثله بالنبي -عليه الصلاة والسلام-, حتى لو افترضنا أن شخصًا سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن حديث وصححه لا يقبل مثل هذا التصحيح, لماذا؟ لأن حالة النوم من قبل الرائي ليست حالة ضبط, هو رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-, وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- كلامًا, لكن هل نضمن أن هذا نقل الكلام كما قيل؟ النوم ليس بحال ضبط, وهذا جواب سديد عن مثل هذا التخليط.
يقول: كيف يجمع بين ما ذكر من نزول القرآن في النوم، وبين ما ذكر في بداية الدرس من أن النهار هو الأصل في النزول؟
نعم, يبقى الأصل, لكن ألا يأتي شيء في الليل, مع أن ما ذكرنا الليلي؟ جاء الليلي ومنه هذا، نقف على النوع العاشر في أسباب النزول، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم، يبقى الأصل، لكن ألا يأتي شيء في الليل، مع أن ما ذكرنا الليلي؟ جاء الليلي ومنه هذا.