شرح كتاب التوحيد - 41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام المجدد –رحمه الله تعالى-: "باب قول الله تعالى:
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، وقوله: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحجر: 56]. عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن الكبائر، قال: «الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله».
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. رواه عبد الرزاق.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الأعراف.
الثانية: تفسير آية الحجر.
الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله.
الرابعة: شدة الوعيد في القنوط".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف –رحمه الله-: باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} أفأمنوا الضمير يعود على أهل القرى في الآية السابقة والتي قبلها: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى}، {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} فالضمير يعود عليهم، {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ}[الأعراف: 97] الأمن وسعة العيش، كما حصل لأهل هذه القرى المهددَة إذا ضعُف الإيمان فإنهم يتمادون، يعصون الله -جل وعلا- ويتمادون في عصيانهم، فيأمنون من مكر الله، فيأتيهم العذاب بياتًا وهم نائمون، نسأل الله العافية. {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ}، {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأعراف: 98] في هذه الآيات التحذير والتخويف والتشديد من الأمن من مكر الله الذي يبعث على عصيانه وترك أوامره، وفعل ما حرّم الله عليهم، ثم قال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ}، {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} أسبغ عليهم النِّعم، وبسط عليهم الأمن فهم يأكلون ويشربون ويبيتون ويلعبون مع إغداق النِّعم عليهم، والله يزيدهم في النِّعم، وهم يظنون أن زيادة هذه النِّعم عن رضا، ولكنه استدراج كما جاء في الآثار أنه إذا أغدق الله النِّعم على قوم وهم في غيّهم وضلالهم يزدادون إذا أعطى الله عبده ما يحب وازداد في غيّه وضلاله فإنه استدراج، ومكر من الله -جل وعلا-.
فإذا أمن من مكر الله، وهو يوالي عليه النِّعم من الأكل ورغد العيش والشرب والصحة والأمن، الإنسان يكون وجًال خائفًا، عليه أن يؤدي شكر هذه النِّعم وإلا عما قليل ستُسلَب. النعم إذا لم تُشكَر وكُفِرَت فإنها تُسلَب، وشواهد الأحوال والسنن الإلهية ماضية من بداية الخلق إلى يومنا هذا، الأمم التي طغت وتجبرت أملى الله لها ثم لم يهملها، بل أخذها أخذ عزيز مقتدر.
ذكرنا في مناسبات كثيرة ما ذكره المعافى بن عمران في كتابه الجليس الصالح عن الحسن البصري أنه قال: أغدق الله النعم على قومٍ فطغوا حتى استنجوا بالخبز، فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى أكلوا العَذِرة، نسأل الله العافية. {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم: 7].
والداعي والدافع إلى كفر النعم هو الأمن من مكر الله، ولذا عُدّ الأمن من مكر الله من الكبائر، بل من أكبر الكبائر؛ لأن الشخص مع أمنه من مكر الله ما الذي يدعوه ويحدوه إلى العمل بما أمر الله به، وما الذي يمنعه ويردعه عن ترك ما نهى الله عنه؟ بل قد يجرّه ذلك إلى الكفر إذا أمن من مكر الله، قد يجره ذلك إلى الكفر، وهذا الوصف وهو الأمن من مكر الله من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، وهو منافٍ لكمال التوحيد الواجب؛ لأنه في الغالب تأثيره في القلب على طاعة الله وعلى الإخلاص له ظاهر.
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وخسارتهم عاجلة في الدنيا قبل الآخرة، وعقوبتهم مُعجَّلة؛ لأنه قد يأتيهم العذاب بياتًا وهم نائمون، أو يأتيهم العذاب ضحىً وهم يلعبون. والله- جل وعلا- يملي للظالم، يملي للظالم، ويمهله، ويستدرجه، ويغدق عليه، وقد يفتن به بعض المسلمين؛ لأنهم يقولون: لو كان ما يفعله فلان كذا ما زادت عليه النعم، وقبل عقود طاغية من الطغاة ازداد في طغياته وغيّه وضلاله وظلمه، وشأنه في نظر الناس يرتفع، فجاء شخص إلى شيخ من الشيوخ العُبّاد الذي نحسبه والله حسيبه على خير عظيم من العلم والعمل، فقال له: أنت تدعو على فلان لظلمه في كل درس، وحضرت أُناسًا في مجلس يقولون: المسكين فلان يدعو على الرئيس الفلاني وشأنه في ارتفاع، قال: أنت سمعته أو نُقل لك؟ قال: والله سمعته بأذني، قال: ابسط يدك، اليوم الخميس ثم الجمعة ثم السبت ثم الأحد ثم الإثنين، والله ما تغيب شمس الإثنين وهو على قيد الحياة، وقد حصل، مات فجأة يوم الإثنين، وهو في زيارة رسمية لبلد ثانٍ.
يقابل الأمن من مكر الله القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، فهذا تمادى في طرف، وهذا قابله في الطرف الآخر، فهذا ألغى الخوف، وذاك ألغى الرجاء، وكلاهما من العبادات القلبية الواجبة التي لا يستقيم حال المسلم إلا بهما معًا، هذا يقنط من رحمة الله، ثم قد ينتحر ييأس من روح الله ويقول: إنه فعل وفعل من المعاصي ما لا يمكن مغفرته، وتأتي الأسئلة كثيرًا عمن فعل الجرائم وآذى وتعدى ضرره هل له من توبة؟ والذي قتل التسعة والتسعين نفسًا يسأل هل له توبة أم لا؟ فجاء إلى عابد قال له: تسعة وتسعين نفسًا ما يمكن، فكمّل به المئة، ثم سأل عالمًا فقال: ومن يحول دونك ودون التوبة، والله -جل وعلا- فتح الأبواب أبواب الرحمة أمام عباده؟
إذا كان الشرك والقتل والزنى من تاب تاب الله عليه، وإضافة إلى ذلك تُبدّل سيئاتهم حسنات، وأي رحمة أوسع من هذه؟ رحمة أرحم الراحمين {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَوَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان: 68-70] المسألة ليست قبول توبة فقط، هذه الجرائم وهذه المنكرات تُبدَّل حسنات، فما الداعي وما الحامل إلى القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله مع وجود هذا الباب المفتوح الذي هو باب التوبة؟ وهو مفتوح إلى قرب الساعة، إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا تاب الإنسان توبة نصوحًا بشروطها المعروفة عند أهل العلم، وأخلص في توبته، ما الذي يحول أو يمنع رحمة الله من أن تصل إليه؟
الخوف والرجاء، الخوف الذي إذا زاد ولم يكن معه رجاء أدّى إلى القنوط من رحمة الله، والرجاء الذي إذا زاد ولم يكن معه خوف أدّى إلى الأمن من مكر الله، نسأل الله العافية، لا بد من أن يعيش المسلم حياته خائفًا من الله راجيًا له، بين الخوف والرجاء، ويكون كما يقول أهل العلم كجناحي الطائر، الطائر ما يطير بجناح واحد، يطير بالجناحين، والمسلم ما يعيش حياة صحيحة سليمة بدون الخوف والرجاء، والخوف والرجاء معروف أنهما من أنواع العبادة القلبية المفروضة على المسلمين، فلا يزيد أحدهما على الآخر، وبعض أهل العلم يقول: ينبغي أن يكون الإنسان في حال صحته مغلبًا لجانب الخوف، مغلِّبًا ليرتدع عن المنكرات ويفعل الطاعات، في حال الصحة والأمن، ومنهم من يقول: العاصي عليه أن يُغلِّب جانب الخوف والمستقيم الملتزم لأوامر الله والمجتنب لنواهيه المستقيم على دين الله هذا يكون الخوف والرجاء في حقه سواء، وفي حال المرض يُقرِّر أهل العلم أن يُغلَّب جانب الرجاء لماذا؟
طالب:...
ليُحسِّن ظنه بالله، ليُحسِّن ظنه بالله، فيحب لقاءه، فيحب لقاءه، المسلم في حياته عليه أن يحب لقاء الله، لكن محقَّق أنه يكره الموت، كما قد جاء في الحديث الصحيح يكره الموت، بعضهم يكرهه؛ لانقطاعه عن أمور دنياه وملاذّ حياته ومعاشرة أحبابه وأقاربه، وبعضهم يكره الموت على هذه الحالة التي هو عليها، ولو كان مُحسنًا؛ لأنه يرغب في المزيد مما يُقرِّبه إلى الله، فهذا لا شك أنه على خير، لكن الأصل أن المسلم يحب لقاء الله، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.
قال: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن الكبائر، سئل عن الكبائر قال: «الشرك بالله»" ولا شك أنه أكبر الكبائر، الذي لا يُغفَر {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء: 48]، «واليأس من روح الله»؛ لأن هذا إذا يئس من روح الله قال: لماذا أعمل؟ وقنط من رحمة الله بدون جدوى: لماذا أعمل؟! فيحمله ذلك على الانفلات والتمتع بارتكاب المُحرمات على حدّ زعمه؛ لأنه ما فيه فائدة، العمل ما فيه فائدة، يائس وقانط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، وإذا أمِن من مكر الله تمادى في غيّه وطغيانه، ونسي أن الله قد يستدرجه ويملي له ويمهله ولا يهمله، فإذا أخذه لم يفلته.
«والأمن من مكر الله» وهذا الحديث عند البزار والطبراني، وحسّنه جمعٌ من أهل العلم، والهيثمي في المجمع وثّقَ رجاله.
طالب:...
قد تكون فيها دلالة، وقد يكون وُجد الخوف مع وجود المعصية، لكن الأمن من مكر الله يحمل على المعاصي بلا شك.
طالب:...
ماذا؟
طالب: ........
بلا شك يتفاوت الناس فيه تفاوتًا عظيمًا، يتفاوت الناس فيه.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. وهو بمعنى الحديث السابق، الحديث السابق سُئل عن الكبائر، وفي الثاني قال: أكبر الكبائر، سُئل عن الكبائر قال: «الشرك بالله» السؤال مُعاد في الجواب كأنه قال: الكبائر: الشرك بالله، وهذا أسلوب حصر، تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، لكنه حصرٌ إضافي، لا حصرٌ حقيقي، لوجود كبائر منصوص عليها غير ما ذُكِر. كأنه قال: الكبائرُ الشرك بالله، وتعريف جزئي الجملة يدل على الحصر عند أهل العلم فإذا قلت: الشاعر حسّان مثلًا كأنك تقول: لا يوجد غيره؟ لكن هل حصر حقيقي ما يوجد غيره؟ لا، يوجد شعراء كُثر، لكنك حصرت الشعر فيه مبالغة منك في مقدرته الفائقة على الشِعر، وأنه متفوقٌ على غيره حتى كأن غيره غير موجود.
وفي حديث ابن مسعود قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله وهذا لا شك فيه، والأمن من مكر الله لما يؤدي إليه، وكذلك القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله عطف اليأس على القنوط يدّل على المغايرة، هما في الحقيقة متقاربان، لكن ما الفرق بينهما الذي دلّت عليه المغايرة الناشئة عن العطف.
طالب:..
أَعِدْ.
طالب:...
كيف؟
طالب:...
وقوع ماذا؟
طالب:...
نعم؟
طالب:...
نعم.
طالب:...
القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، ما الفرق بينهما؟ لأن العطف يقتضي المغايرة. القنوط واليأس معناهما متقارب.
طالب:...
ألا يمكن أن يقال: القنوط من رحمة الله..
طالب:...
دعنا نشوف المعنى قبل، القنوط من رحمة الله، ماذا قلتك يا شيخ؟
طالب:...
نعم. هذا قبل عمل الطاعة، والثاني بعد عمل المعصية، القنوط من رحمة الله قبل عمل الطاعة، يقول: لماذا أعمل طاعة وأنا ما أنا بأهل لرحمة الله؟ واليأس إذا عمل المعصية يئس من روح الله أن يغفر له هذا الذنب، بعضهم أوجد هذا الفرق، ولو شفنا التحليل اللغوي للفظ القنوط ولفظ اليأس قد يظهر فرق، وفي الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري قد يوجد فرق، ابحث بالجهاز أو شيء.
طالب:..
القنوط أشد اليأس.
طالب:...
من ماذا؟
طالب:...
يقول: اليأس عملٌ قلبي، يجزم بقلبه أن الله لا يغفر له، والقنوط أثر هذا اليأس على البدن، هكذا على الجوارح، هذا كلام ابن الجوزي، وغيره؟
طالب:...
أبو السعادات ابن الأثير ماذا يقول؟
طالب:...
أشد اليأس، طيب، غيره؟
طالب:...
{وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر: 56] في قصة إبراهيم لما بُشر بالولد بعد أن طعن في السِن وامرأته كذلك، وهذا في الغالب في الأسباب الحسِية المعروفة عند الخلق أنه لا ينجب مثل هذا، لكن كيف تردّد وقد بُشر من قِبل الملائكة عن الله -جل وعلا- بعد أن مسّه الكِبر؟ كيف تردد إبراهيم؟ ووُصِفَ فعله بأنه قنوط، لكن القنوط مستند إلى ...
طالب:...
قرائن ودلائل، يعني في واقع الناس لا ينجب مثله، لكن الله -جل وعلا- إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون. وفرق بين أن يُبشَّر بشيء يخصه ويترقبه ويتمناه فيبُشر بما تمنى، قد يتردد في قبول هذه البشرى، لماذا؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
طيب لو بُشر بأن فلانًا ينجب وهو في وضعه كانت ردّته أقل، يعني من حرصه على الشيء قد يتردد في قبوله، أظن المسألة ما هي...
طالب:...
من شدة الفرح، لا لا من شدة الحِرص على الشي،ء من شدة الحرص على الشيء قد لا يُصدق به.
طالب:..
صدمة نعم.
طالب:...
هو الآن عندنا اقتران، العطف يقتضي المغايرة بلا شك.
طالب:...
فيه فروق، أنا أقول راجعوا الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري ماذا يقول؟
طالب: الفرق بين القنوط واليأس: اليأس انقطاع الطمع من الشيء...
انقطاع الطمع من الشيء اليأس، هذا اليأس. والقنوط؟
طالب: والقنوط أخصّ منه، فهو أشد اليأس، ويدل عليه قول سيد الساجدين في دعاء الصحيفة الشريفة السجّادية: تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك، وبمن يأسه من النجاة أوكد من رجائه للخلاص، لا يكون يأسه قنوطًا، وقال الراغب: القنوط اليأس، وقيل هو من الخير، فهو أخص من مطلق اليأس، ويدل عليه قوله تعالى: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر: 53] انتهى.
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}.
طالب:....
ماذا؟
طالب:....
نعم. والقنوط وُصف من اتصف به بالضلال.
طالب:...
هو يطلق على الكفر، الفسق يطلق على الكفر.
طالب:...
أين؟
طالب:...
لا، هذا يعني التماس، التماس، مجرد التماس.
رواه عبد الرزاق قال –رحمه الله-: فيه مسائل: الأولى تفسير آية الأعراف تقدمت.
الثانية: تفسير آية الحجر.
الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن من مكر الله وشدة الوعيد في القنوط؛ لأنهما وُصفا بأنهما من الكبائر، كما وصفا بأنهما من أكبر الكبائر، هذا فيه وعيد شديد فيمن فعل الكبيرة وما هو أكبر منها. الأمم السابقة التي فعلت ما فعلت وأمنت من مكر الله، وأُخذت على غِرّة وغفلة في حال النوم أو في حال اللعب، هذه سُنَّة إلهية، سُنَّة إلهية، ولن تجد لسنَّة الله تبديلًا. هذه السُّنَّة الإلهية مضت في جميع الأمم السابقة التي استحقت الأخذ، ولم يُستثنَ من هذه الأمم إلا قوم يونس، إلا قوم يونس فما السبب؟
طالب:...
إذا رأوا العذاب وآمنوا ينفع؟
طالب: .........
فرعون لما رأى العذاب قال آمنت.
طالب:...
{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ}[يونس: 98] هاه.
طالب:...
نسمع ما جاء في التفسير عن قصة قوم يونس لما آمنوا كشف عنهم العذاب.
طالب: "قال القرطبي –رحمه الله تعالى-: قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ}، قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} قال الأخفش والكسائي: أي فهلا. وفي مصحف أبيٍّ وابن مسعود: "فهلّا"، وأصل لولا في الكلام التحضيض أو الدلالة على منع أمر؛ لوجود غيره. ومفهوم من معنى الآية نفي إيمان أهل القرى ثم استثنى قوم يونس؛ فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وهو بحسب المعنى متصل؛ لأن تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس. والنصب في قوم هو الوجه، وكذلك أدخله سيبويه في "باب ما لا يكون إلا منصوبًا". قال النحاس: إلا قوم يونس نصب؛ لأنه استثناء ليس من الأول، أي لكن قوم يونس".
يعني متى يُنصب المستثنى؟ إذا كان الاستثناء تامًّا موجبًا، إذا كان الاستثناء تامًّا موجبًا نصب، تعين وجب نصب المستثنى.
"هذا قول الكسائي والأخفش والفراء. ويجوز. "إلا قوم يونس" بالرفع، ومن أحسن ما قيل في الرفع ما قال أبو إسحاق الزجَّاج قال: يكون المعنى غير قوم يونس، فلما جاء بإلا أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير كما قال:
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان |
ورُوي في قصة قوم يونس عن جماعة من المفسرين: أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل، وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم يونس -عليه السلام- يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فأبوا، فقيل: إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم، فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل، وقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه، فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم، وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك، فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم، فأصبحوا فلم يجدوه، فتابوا، ودعوا الله ولبسوا المسوح وفرّقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا المظالم في تلك الحالة. وقال ابن مسعود: وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيرُدُّه والعذاب منهم -فيما روي عن ابن عباس- على ثلثي ميل. ورُوي: على ميل. وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرّها بين أكتافهم".
يعني رأوا العذاب. لكن هل هذا ينفع غير قوم يونس بعد رؤية العذاب؟
طالب:...
استثنى.
"وقال ابن جبير: غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب. وقال الطبري: خُصَّ قومُ يونس من بين سائر الأمم بأن تِيب عليهم بعد معاينة العذاب، وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين".
"وقال الزجاج: إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان. قلت: قول الزجاج حسن".
قوله حسن، ولكن ما الذي يفيده الاستثناء؟ ما الذي يفيده الاستثناء؟ ما صار لهم ميزة.
طالب:...
كيف؟
طالب:..
هم آمنوا كشف الله عنهم بسبب إيمانهم بعد أن رأوا العذاب، لكن غيرهم إذا رأى العذاب وآمن ينفع؟
طالب:...
أي شخص أي عاقل يرى عذابًا يؤمن، حتى من في آخر الزمان إذا رأوا الشمس تطلع من مغربها آمنوا، آمن الناس، لكن ينفعهم إيمانهم؟ لا. فرعون قال: آمنت، لما رأى الغرق.
طالب:...
هذا الكلام هل يورد مثله بسندٍ صحيح أو لا؟ ما هم من أهل العناية، أخبار بني إسرائيل.
"قلتُ: قول الزجاج حسن؛ فإن المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون، ولهذا جاء بقصة قوم يونس على إثرِ قصة فرعون؛ لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك، وقوم يونس تابوا قبل ذلك. ويعضد هذا قوله -عليه السلام-: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»".
ما لم يغرغر، نعم.
"والغرغرة الحشرجة، وذلك هو حال التلبس بالموت، وأما قبل ذلك فلا. والله أعلم. وقد رُوي معنى ما قلناه عن ابن مسعود، وأن يونس لما وعدهم العذاب إلى ثلاثة أيام خرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بين الأمهات والأولاد، وهذا يدل على أن توبتهم قبل رؤية علامة العذاب. وسيأتي مسندًا مبينًا في سورة "الصافات" إن شاء الله تعالى. ويكون معنى كشفنا عنهم عذاب الخزي أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم، لا أنهم رأوه عيانًا ولا مخايلة وعلى هذا الإشكال لا تعارض ولا خصوص، والله أعلم.
وبالجملة فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء. وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: إن الحذر لا يرد القدر، وإن الدعاء ليرد القدر. وذلك أن الله تعالى يقول: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. قال علي -رضي الله عنه-: وذلك يوم عاشوراء.
قوله تعالى: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} قيل: إلى أجلهم، قال السدي وقيل: إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار، قاله ابن عباس. انتهى.
اللهم صل على محمد.
وفي الآية هل لقوم يونس ميزة على غيرهم من الأمم أو لا ميزة لهم؟
طالب: ميزة واضحة.
إذًا، مُشكِل.
طالب:...
لكن الذي يقول: ما رأوا عذاب، رأوا علامات العذاب، هذا يمنع من التوبة في الأمم الأخرى؟
طالب:...
الاستثناء يدل على أن حالهم تختلف عن غيرهم.
طالب:...
لا، إذا رأوا علامة العذاب غيرهم لو رأوا علامة العذاب نفعهم.
طالب:...
العموم، الأصل أنه من رأى العذاب لا ينفعه إيمانه.
طالب:...
المقصود أنه: ما سبب الاستثناء لقوم يونس؟
طالب:...
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا تفضلوني على يونس بن متى»، «لا تفضلوني على يونس بن متى»، ما السبب من ورود هذا الحديث الصحيح في البخاري؟ لأن في قصته ما يدعو بعض الجُهّال أن يتنقص من يونس.
طالب:...
لا، هو ذكر في كتب التواريخ وأشياء من القصص الإسرائيلية تجعل الناس يتطاولون عليه.
طالب:...
هو ما صبر، ما صبر يونس على قومه.
طالب:...
ما فيه إشكال، هذا ما فيه إشكال، لكن نريد سبب استثناء قوم يونس، في سيرة يونس عليه السلام ما يجعل الله -جل وعلا- أن يعامل قومه معاملة تختلف عن معاملة غيرهم الذين صبر عليهم أنبياؤهم، وهذا السبب قد يجعل، أو قد يوجد من يتطاول على يونس ويتنقصه بهذا السبب، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في البخاري: «لا تفضلوني على يونس» كما قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطًا قد كان يأوي إلى ركنٍ شديد».
طيب نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ}، فبعض من يقرأ مثل هذا قد يتهم إبراهيم بأنه شكّ، ولذلك قال: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: 260]، فخشية من أن يشك أحد، أو يزعم أن إبراهيم شكّ في قدرة الله -جل وعلا- قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-في الحديث، والحديث في البخاري: «نحن أحق بالشك من إبراهيم».
طالب:...
اقرأها.
طالب: قال ابن كثير –رحمه الله تعالى- في تفسيره: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98].
كشفنا مما يدل على وقوعه، كشف العذاب عنهم يدل على وقوعه.
"يقول تعالى : فهلا كانت قرية آمنت بكمالها من الأمم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل، بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه، أو أكثرهم كما قال تعالى : {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس : 30]، {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات : 52]، {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف : 23].
وفي الحديث الصحيح : «عُرِضَ علي الأنبياء، فجعل النبيُّ يمر ومعه الفئام من الناس، والنبيُّ معه الرجل والنبيُّ معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد» ثم ذكر كثرة أتباع موسى- عليه السلام-، ثم ذكر كثرة أمته -صلوات الله وسلامه عليه-، كثرة سدت الخافقين الشرقي والغربي.
والغرض أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى، إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى، وما كان إيمانهم إلا خوفًا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم، بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به، وتضرعوا لديه. واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله، وكشف عنهم العذاب وأخروا، كما قال تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.
واختلف المفسرون: هل كُشِف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي؟ أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين، أحدهما: إنما كان ذلك في الحياة الدنيا، كما هو مقيد في هذه الآية. والقول الثاني فيهما؛ لقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات : 147 ، 148]، فأطلق عليهم الإيمان، والإيمان منقذ من العذاب الأخروي، وهذا هو الظاهر، والله أعلم.
قال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتَركت، إلا قوم يونس".
تُرِكت.
"فتُرِكت إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة. فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم، قال قتادة: وذُكر أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل. وكذا روي عن ابن مسعود، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف، وكان ابن مسعود يقرؤها : "فهلا كانت قرية آمنت".
وقال أبو عمران، عن أبي الجَلَد".
الجِلْد.
"عن أبي الجِلْد قال: لما نزل بهم العذاب، جعل يدور على رءوسهم كقطع الليل المظلم، فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا: علمنا دعاءً ندعوا به، لعل الله يكشف عنا العذاب، فقال: قولوا: يا حي حين لا حي، يا محيي الموتى لا إله إلا أنت. قال: فكشف عنهم العذاب. وتمام القصة سيأتي مفصلا في سورة الصافات إن شاء الله. انتهى".
اللهم صل على محمد.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
ماذا فيها؟
طالب: انتهى يا شيخ.
طالب:...
مقدمات ما ينفع.
طالب:...
ماذا ؟
طالب:..
لا بد من مزية، استثناؤهم يدل على المزية.
طالب:...
السبب النهي عن تفضيله، وهو أفضل بلا شك، النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل من يونس قطعًا، لكن لئلا يجرؤ بعض السفهاء فيتطاول على يونس بسبب ما قرأ في سيرته؛ لأنه خرج مغاضبًا، وترك قومه وما صبر عليهم، فاصبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالصبر، ولا تكن كصاحب الحوت.
اللهم صل على محمد.
طالب:...
سمعتم كلام أهل العلم. هو المشكلة، العلم قد يبيّن ما ذُكر في سيرة يونس -عليه السلام- مما قد يتطاول به على يونس، ولذلك يُمَر كلام أهل العلم وخلاص وانتهى.
طالب:...
أنتم حريصون. طيب.