شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (5)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح المنظومة الحائية لأبي داود (5)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا |
| فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
هذا البيت في النسخة الدمشقية متأخر، وقبله.
وقل: إنما الإيمان قول ونية |
| وفعل على قول النبي مصرحُ |
هذا الذي يلي بيت الشفاعة، ثم الذي يليه في الدمشقية:
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة |
| بطاعته ينمي وفي الوزن يرجحُ |
ويليه: "ولا تعتقد رأي الخوارج" ثم "ولا تكن مرجياً" ثم "ولا تكن من قوم تلهوا بدينهم" ثم بعده: "ودع عنك آراء الرجال" وختم بآخر الأبيات، فالترتيب -ترتيب الأبيات- في الطبعة التي وزعت يتفق مع ترتيب الشيخ محمد رشيد رضا في طبعته، وأما الطبعة الدمشقية -وهي قبل طبعة المنار- ففيها تقديم وتأخير، وفيها أيضاً إدخال ما ليس منها فيها، ثلاثة أبيات هي من نظم ابن البناء الشارح، وأربعة أبيات ألحقت بها وليست منها، لكنها لم توجد في الدمشقية.
على كل حال هي بلغت على أكثر تقدير أربعين بيتاً، فالمزيد فيها سبعة، ونمشي على الترتيب الذي معنا، وإن كان كان ترتيب الدمشقية أوضح حينما قدم الإيمان، وأنه قول ونية وفعل... إلى آخره، وأعقبه:
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة |
| بطاعته............................ |
... إلى آخره، ثم بعد ذلك: "ولا تعتقد رأي الخوارج" لأنه مرتبط بالإيمان، يعني ترتيب الدمشقية أولى من ترتيب الشيخ رشيد والذي معكم، لكن مع ذلك نمشي على الترتيب الذي بأيديكم، فالبيت رقم (26)
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
|
| ................................... |
الزيادة انتهت عنده.
طالب: في الدمشقية مع الزيادة؟
مع الزيادة، لكن ما هو بالترتيب بالأرقام، الترتيب مشينا على التقديم والتأخير؛ لأنه ما عنده ثمانية وعشرين بالدمشقية، لا، أو تسعة وعشرين بدل سبعة وعشرين، لا، بعد الثلاثة المزيدة، فمثلاً ستة وعشرين رقم ستة وعشرين بحذف الزيادة وهو تسعة وعشرين هنا، وهو في الحقيقة تسعة وعشرين في الدمشقية مع الزيادة، فيكون رقمها اثنين وثلاثين: "وقل إنما الإيمان قول ونية" رقمه اللي هو رقمه تسعة وعشرين هنا، يكون رقمه تسع وعشرين هناك مع الزيادة.
طالب:.......
ما رُقمت، لكنها الخمسة والعشرين البيت اللي فاتت، ماشي معها، مع إدخال الثلاثة الأبيات التي مضت في الصحابة، هنا ستة وعشرين "ولا تكفرن أهل الصلاة" نعم ما هو عندك ستة وعشرين؟ مكانه: "وقل: إنما الإيمان قول ونية" ويليه: "وينقص طوراً" اللي هو ثلاثين عندكم، ويليه: "ولا تعتقد" "ولا تكن مرجياً" ثم يليه: "ولا تكن من قوم تلهوا بدينهم" ويليه: "ودع عنك آراء الرجال وقولهم"... إلى آخره، ثم ختم البيت إلى آخره.
طالب:.......
إيه حتى ترتيبه، كان ترتيبهم أنسب؛ لأنه في أمور مرتبة على الإيمان مع أنه الأنسب منه أيضاً أن يكون: قل إنما الإيمان نعم وينقص طوراً قبل "وبالقدر المقدور" لأن القدر المقدور ركن من أركان الإيمان، وهذا تعريف الإيمان، ينبغي أن يكون قبل، وزيادة ونقصان ينبغي أن تكون قبل، والمسألة ما دامت الأبيات موجودة ولا ارتباط وثيق بين هذه الأبيات إلا من حيث المعنى الإجمالي، لكن لو قدم بعضها على بعض كل بيت يستقل بمعناه، كل بيت يستقل بمعناه الخاص وإن كان المعنى العام يشمل الجميع.
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
|
| ................................... |
المذاهب في هذه المسألة -وهي مسألة الأحكام على الناس- الناس فيها طرفان ووسط، طرف فيه الخوارج والمعتزلة، والطرف الثاني فيه المرجئة، والوسط أهل السنة، الخوارج غلو في الوعيد، ولذا يسمون الوعيدية، غلو في تقرير هذه النصوص، وحملوها على ظاهرها، مما جاء بكفر فاعل بعض المعاصي أو بخروجه أو ((ليس منا)) حملوها على ظاهرها، وطردوا ذلك في كل مرتكب لكبيرة، وحكموا عليه بالكفر، حكموا عليه بالكفر، فكفروا مرتكب الكبيرة، وعمدتهم في هذا نصوص الوعيد، وفيها ما يخدم مذهبهم، وفيها ما فيه رد عليهم، بالمقابل من تشبث وتمسك بنصوص الوعد يعني الوعيدية نظروا إلى نصوص الوعيد، وقطعوا النظر وغضوه عن نصوص الوعد، فهم ألغوا نصوص الوعد، بينما مقابلهم من المرجئة نظروا إلى نصوص الوعد، وألغوا نصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة أعملوا النصوص في الطرفين، ووفقوا للتوسط، الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة، يكفرونه في الدنيا كفر مخرج عن الملة، وهو في الآخرة محكوم عليه بالخلود في النار، وأما المعتزلة فيشتركون معهم في الخلود في النار مع الخوارج، خالد مخلد في النار -نسأل الله السلامة والعافية-، وأما بالنسبة لحكمه في الدنيا يخرجونه من الإيمان، يسلبون عنه الإيمان بالكلية، لكن لا يصفونه بالكفر فهو بالمنزلة بين منزلتين، أهل السنة نظروا إلى نصوص الوعيد، ونظروا أيضاً إلى نصوص الوعد، وعموماً النصوص الشرعية، الأدلة الشرعية علاج، علاج لأمراض وأدواء المجتمعات، فالعالم المعلم والداعية يُعالج أمراض المجتمعات بالنصوص، فإذا كان في مجتمع متشدد أكثر عليهم من نصوص الوعد، ومن سعة رحمة الله -جل وعلا-، وإن كان بالعكس في مجتمع متساهل أكثر من إيراد نصوص الوعيد عليهم، وهذا كله مما يراد به إصلاح الناس والشرع والنصوص جاءت لهذا، والأصل أن ينظر إلى الطرفين فيُحمل هذا على هذا، ولا يكون هناك اضطراب.
"ولا تكفرن أهل الصلاة" أهل الصلاة لا يكفرون، من صلى مسلم حكماً، اللهم إلا أن يأتي بناقض، ولو صلى يعني لو صلى وطاف بقبر ما ينفع، لكن إذا صلى عند أهل العلم مسلم حكماً ما لم يأتِ بناقض، إذا أتى بناقض مع بلوغ الحجة عليه يكفر حينئذٍ، وفي كتب الفقه باب المرتد، و((من بدل دينه فاقتلوه)).
المقصود أن الأصل في المصلي أنه مسلم، ولا يكفر بذنب ما لم يكن هذا الذنب مخرج عن الملة.
"وإن عصوا" يعني بما دون ما يخرج عن الملة.
................................... |
| فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
هذا النهي عن الإكفار إنما هو لأهل الصلاة ، فهل يمتد هذا النهي إلى عدم إكفار من كفره الله ورسوله؟ هل يمتد هذا النهي إلى اليهود والنصارى الذين القرآن وكتب السنة طافحة بتكفيرهم؟ لا، حتى قال أهل العلم: إن من شك في كفر اليهود والنصارى كفر إجماعاً، فالذي لا يكفر هو المصلي.
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
|
| ................................... |
فلا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، أما إذا استحله مما أجمع عليه فمثل هذا يكفر ولو صلى، لو استحل الخمر ولو صلى، استحل الزنا ولو صلى يكفر، وكذلك من حرم المجمع على إباحته فمن حرم الخبز مثلاً يكفر عند أهل العلم، نعم؟
طالب:.......
النواقض غير يا أخي، النواقض نقول: لا يكفر بذنب ما لم يستحله، بذنب، النواقض أمرها معروف.
"وإن عصوا فكلهم يعصي" ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)) ومن المعصوم بعد محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ كل الناس يعصون، لكن من يوفق للتوبة هذا هو السعيد، ومن يحال دونه ودونها فهذا شقي -نسأل الله السلامة والعافية-.
................................... |
| فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
الله -جل وعلا- صاحب العرش يصفح، والعرش معروف أنه سقف للمخلوقات كلها، وهو أعظم المخلوقات، وإثباته ثابت بنصوص الكتاب والسنة، والله -جل وعلا- مستوٍ عليه، وفي آيات سبع ذكر فيها الاستواء، منها: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طـه] خلافاً للمبتدعة الذين يؤولون العرش، ويؤولون الرحمن، ويؤولون الاستواء، هؤلاء شأنهم آخر، هؤلاء مبتدعة، فعلى المسلم أن يثبت أن العرش يستوي عليه الله -جل وعلا- من غير كيف، ومن غير احتياج إليه، يعني ما هو مثل المخلوق -تعالى الله وعز-، المخلوق إذا استوى على شيء على دابة على سقف على شيء فزال هذا السقف ماذا يحصل للمستوي عليه؟ يسقط؛ لأنه محتاج إليه، ومستند إليه، أما الله -جل وعلا- فهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، هو الممسك لهما أن تزولا، فكيف يحتاج إليهما، ويحتاج إلى ما فوقهما؟
................................... |
| فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
ويغفر يغفر الذنوب جميعاً {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [(53) سورة الزمر] ومعلوم أن هذا بالتوبة، وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] هذا من غير التوبة.
................................... |
| فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
مقال الخوارج، رأي الخوارج، عقيدة الخوارج في تكفير الناس، وإخراج الناس من دين الإسلام، هذه جريمة عظيمة؛ لأن أحكام الشخص وهو مسلم تختلف اختلافاً جذرياً عن الحكم عليه بأنه كافر، إخراجه من الإسلام أمر خطير، إذا كان لعن المؤمن كقتله فكيف بإخراجه من دينه؟ كيف بتكفيره؟ الأمر عظيم يا الإخوان، ولا يكفر إلا من ارتكب مكفر معلوم مقرر بالنصوص، بالأدلة، وتقوم عليه الحجة.
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه |
| مقال لمن يهواه.................... |
فالمسألة مسألة هوى، ما هو مقال لمن يعتقده عاملاً بنصوص المسألة مسألة هوى، وهذا هو شأن المبتدعة، كلهم أهل أهواء.
"لمن يهواه يردي ويفضحُ" يرديه في مهاوي النار -نسأل الله السلامة والعافية-، والخلاف في تكفيرهم معروف، يعني: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) من أهل العلم من يقول: الدين الإسلام، فهم كفار على هذا، ومنهم من يقول: الدين التدين، فهم فساق على هذا، والخلاف بين أهل العلم فيهم معروف، وشيخ الإسلام ينقل عن جمهور السلف أنهم لا يكفرونهم، ولا يعاملونهم معاملة الكفار.
"يردي ويفضحُ" ولو استتر الإنسان فلا بد أن يبدو، لا سيما إذا كان من الخوارج الذين لا يعرفون مجاملة ولا يعرفون تقية، ولا يعرفون شيئًا، يفضحه، في أول يوم ينفضح، يوجد من يتقي، يوجد من يدلس على الناس ويلبس عليهم، ويختفي ببدعته، لكن الخوارج لا يمكن أن يختفوا ببدعتهم "ويفضحُ".
ولا تكن مرجياً لعوباً بدينه |
| ................................... |
عكس الخارجي، الخارجي حمل أمره على العزيمة وعلى الشدة، وبالغ في هذا حتى خرج إلى جهة مغايرة لجهة المرجئة، وكل من الخروج والإرجاء من أعظم مطامع الشيطان، فالغلو..، الشيطان يتحسس الشخص يراوده على ترك الصلاة ما يرضى، يراوده على الكفر الصريح ما يرضى، لكن قد يقول له: لكي تضمن لنفسك القدر الكافي زد، الإنسان ما زال يتقرب بالنوافل زيادة على الفرائض لكي يضمن بقاء الفرائض؛ لأنك لا بد أن تحتاط، هذا يقول له: زد على ما شرعه الله لكي تضمن ما شرعه الله لك، لكن الزيادة ابتداع في الدين، وإحداث أمر ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يستطع أن يجره إلى الوراء دفعه إلى الأمام، وكلاهما مذموم، لا مذهب الخوارج، ولا مذهب الإرجاء، وكلاهما خطر عظيم على دين الإنسان، فالخوارج كفرهم جمع من أهل العلم، والمرجئة متفاوتون، فمنهم المرجئة الذين يقتصرون من الإيمان على المعرفة فقط، ولا يلزم نطق، ولا يلزم عمل، ولا يلزم شيء، مجرد ما يعرف مؤمن كامل الإيمان، وهؤلاء الغلاة الجهمية وهؤلاء الذين يقولون: إن إيمان أفسق الناس مثل إيمان جبريل، لا يحتاج إلى نطق، ولا يحتاج إلى عمل، يكفي المعرفة، وعلى مذهبهم إبليس مؤمن، وفرعون مؤمن، وألفوا وكتبوا في إيمان فرعون، هؤلاء الغلاة، منهم -وهم أخف- من يرى أن المعاصي لها أثر، وهي محرمة، وعليها ذنوب، لكن العمل ليس من مسمى الإيمان، فقد يكون المسلم كامل الإيمان وهو ما يعمل أي عمل، وكامل الإيمان، وقد يفعل المحرمات وهو كامل الإيمان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن)) وهؤلاء يقولون: لا، كامل الإيمان، وإيمانه مثل إيمان جبريل، هؤلاء مرجئة، غلاة، ويزعمون أنه كامل الإيمان.
ومن الطرائف ما ذكره أهل العلم أن مرجياً مر بشارب -شارب خمر- فسبه وشتمه، فقال له المرجئ: هذا جزائي أحكم لك بأن إيمانك مثل إيمان جبريل وتشتمني! كامل الإيمان ولو شربت الخمر! لا شك أن مثل هذا ضلال مبين، مثل هذا تضييع للدين، يعني لماذا يعمل الإنسان؟ لماذا يصلي؟ لماذا يصوم؟ لماذا يزكي؟ لماذا يكف شره عن الناس؟ لماذا يتعامل مع نفسه مع أهله مع جيرانه وهو كامل الإيمان بدون هذا كله؟ ولذلك قال الناظم:
ولا تكن مرجياً لعوباً بدينه |
| ................................... |
هذا يضحك على نفسه إذا قال: إنه مؤمن ولا يعمل شيئًا، الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والعمل ركن من أركان الإيمان وشرط، وجنسه شرط صحة على ما قرر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.
ولا تكُ مرجياً لعوباً بدينه |
| ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ |
ما هو بجاد، ليس بجاد، هازل وليس بجاد، كيف يزعم أنه متمسك بالدين وهو لا يصلي، متمسك بالدين وهو لا يصوم ولا يزكي، متمسك بالدين ويرتكب المحرمات، وجاء في ترجمة بعض من تزعم فيهم الولاية في طبقات الصوفية، قال: وكان -رضي الله عنه- لا يصلي، ما سجد لله سجدة، ولا صام ولا يوم، وكان -رضي الله عنه- يفعل ويفعل من المنكرات والفواحش، وكان -رضي الله عنه- جاء واحد معلق بالقلم يقول: إذا كان هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على من؟! ما بقي أحد، إذا كان مثل هذا -رضي الله عنه-.
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه |
| ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ |
هذا تعريف الإيمان عند أهل السنة، وهذه حقيقته الشرعية الإيمان قول وعمل، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.
فالقول يشمل قول اللسان وقول القلب، والنية محلها القلب، والفعل فعل القلب واللسان وفعل الجوارح، فلا بد من الاعتقاد بالقلب، ولا بد من القول والنطق باللسان، ولا بد من العمل بالأركان.
سئل الإمام أحمد عمن يقول: قالوا: إن فلاناً يقول: الإيمان قول وعمل، قال -رحمه الله-: هذا أخبث قول، قول وعمل، هذا أخبث قول، ماذا يريد الإمام أحمد -رحمه الله- بهذا الكلام؟ نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
الاعتقاد لا بد منه، لكن هو سئل عن شخص عرف بالإرجاء، ومن باب المداراة قال: إن الإيمان قول وعمل، وزعم أن العمل عمل القلب، لا عمل الجوارح، فهذا فيه اعتقاد المرجئة، وفيه التلبيس على الناس، هذا الذي دعا الإمام أحمد وهو يعرف هذا الرجل، وأنه من غلاة المرجئة.
منهم -من الطوائف- من يرى أن الإيمان قول فقط، وهذا ينسب إلى الكرامية، وعلى هذا فالمنافقون عندهم مؤمنون إذا كان قولاً فقط من غير اعتقاد، فلا بد من القول والاعتقاد والعمل.
وقل: إنما الإيمان قول ونية |
| وفعل على قول النبي مصرحُ |
جاء حديث ضعيف: ((الإيمان قول عمل)) وجاء عن الصحابة التصريح بأن العمل لا بد منه، وهو منصوص عليه في آيات كثيرة جداً {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [(82) سورة البقرة]
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة |
| بطاعته ينمي...................... |
في الدمشقية: "ينمو" "وفي الوزن يرجحُ" في طبعة الشيخ رشيد رضا: "وينقص توراً" بالتاء، ولعله خطأ مطبعي.
الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والزيادة ثبتت بالآيات الصريحة {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [(2) سورة الأنفال] {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [(124) سورة التوبة] {زَادَهُمْ هُدًى} [(17) سورة محمد] ثمان آيات في القرآن كلها مصرحة بالزيادة، ولم يرد التصريح في القرآن بالنقصان، لكن الإمام مالك -رحمه الله- يقول: ما قبل الزيادة يقبل النقصان، مع أنه جاء في حديث نقصان دين المرأة: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين)) فدل على أن الدين ينقص، وزيادته بالإيمان، بالأعمال الصالحة، زيادته بما يقوي هذا الإيمان من كثرة الذكر وتلاوة القرآن، نعم؟
طالب:.......
إيه؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
يعني ليس بمؤمن كامل الإيمان، وجاء في بعض الأخبار أن الإيمان يظله ويرتفع فوقه، فإذا عاد رجع إليه، المقصود أن هذه من نصوص الوعيد المنفرة عن هذه المعاصي الكبار.
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة |
| بطاعته يمني...................... |
والرواية الأخرى: "ينمو" يعني يزيد، النمو هو الزيادة.
"وفي الوزن يرجحُ" يعني إيمان خفيف، فإذا باشر الأسباب التي تقوي الإيمان وتزيد في الإيمان رجح هذا الإيمان، ووزن إيمان أبي بكر بإيمان غيره فرجح، ووزن إيمان عمر بغيره فرجح لكماله.
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
|
| ................................... |
آراء الرجال في المسائل الشرعية التي فيها النصوص يُذم الرأي، وجاء ذمه كثيراً على ألسنة السلف؛ لأنهم عارضوا به النصوص، حتى قال بعض الأئمة: إنهم أعيتهم النصوص أن يحفظوها، فلجئوا إلى الرأي، فقالوا بآرائهم لما عجزوا عن حفظ النصوص، وإلا فالمعول على الرأي وإلا على النص؟ على النص بلا شك، وآراء الرجال لا شك أنها نابعة عن تعظيمهم، والاقتداء بهم، وأنها تحول بين المرء المسلم -ومع الأسف بعض طلاب العلم- وبين قبول الحق، يعني آراء الرجال أحياناً يقال لزيد من الناس: صنيعك هذا حرام، الإسبال حرام، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) يقول لك: المذهب كراهيته، أقول لك: قال رسول الله وتقول: المذهب؟! ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو مستند إلى رأي أبي بكر وعمر المخالف؛ لما قال ابن عباس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، قال: قال أبو بكر وعمر، يعارض رأي الرسول برأي أبي بكر وعمر، ومن مثل أبي بكر وعمر؟ ومع ذلك يقول ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، هل يقابل هذا بهذا؟ لو الأمة كلها مع أنها معصومة من أن تجمع على ضلالة جاءت بما يخالف ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فالعبرة بما ثبت عنه.
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
|
| ................................... |
ابن القيم -رحمه الله- يقول:
والله ما خوفي الذنوب وإنها |
| لعلى سبيل العفو والغفرانِ |
وكثير من المقلدة أتباع الأئمة تجدهم يقعون في مثل هذا، نعم؟
طالب:.......
بلا شك، وما تقوله من هجمة على الأئمة وعلى كتب الأئمة، بل تطاول الأمر إلى أن أحرق بعض الكتب، هذا رد فعل للتقليد الجامد، والعمل بآراء الرجال المجردة دون أدلة، جاءت ردة الفعل بأن تطرح آراء الرجال وأقوال الرجال وكتب الرجال، ما لها داعي، علينا بالكتاب والسنة فقط، ويوجه الشباب إلى التفقه من الكتاب والسنة، وهذه لا شك أن الدعوى دعوى طيبة وهي الأصل، لكن من يوجه له مثل هذا الكلام هذا تضييع له، هذا تضييع لطالب العلم الذي لم يتأهل أن يتجه للتفقه من الكتاب والسنة؛ لكنه إذا تأهل لمعرفة النصوص، وحفظ النصوص، وعرف كيف يتعامل مع النصوص صار فرضه العمل بالنصوص، خلافاً لمن يقول: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي، قال هذا الكلام بالحرف؛ لأن العمل بظواهر النصوص من أصول الكفر، هذا قيل في حاشية الصاوي على الجلالين عند تفسير قول الله -جل وعلا- في سورة الكهف: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23-24) سورة الكهف] هو ما أدري ويش علاقة هذا الكلام بهذه الآية؟
طالب:.......
غير المتأهل؟
طالب:.......
أنا أتكلم عن غير المتأهل، لا يحمل الكلام على غير مأخذه، غير المتأهل طالب علم مبتدئ يخاطب دورة علمية لطلاب مبتدئين في المتوسط والثانوي، ومن في حكمهم ممن بلغ ما بلغ من السن وما تعلم علم على الجادة، يقال له: استنبط من الكتاب والسنة! ويش يبي يعمل من السنة؟ يبي يبدأ بأي كتاب؟ كيف يوجه هذا الذي يعمل من السنة؟ بأي كتاب يبدأ؟ بالبخاري، طيب إذا كان البخاري فيه أحاديث في أوله منسوخة بأحاديث في آخره، منسوخة بأحاديث في مسلم، مقيدة في حديث في السنن، كيف يعمل مثل هذا؟ كيف يعرف يتعامل مع النصوص حتى لو كان المقيد؟ لو كان الناسخ بعده ما عرف يتعامل، في صحيح مسلم: باب الأمر بقتل الكلاب، قرأ هذا الباب وأخذ المسدس وطلع كلما شاف كلبًا أفرغ في رأسه رصاصة، من الغد، درس الغد مباشرة باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، ويش يسوي هذا، مثل هذا يتفقه من الكتاب والسنة؟ نعم إذا تأهل فرضه الاجتهاد، إذا تأهل لا يجوز له أن يقلد الرجال، أو يترك قال الله وقال رسوله لآراء الرجال، أبداً، إذا تأهل فلا بد من التفريق بين هذا وهذا، وآراء الرجال لا شك أنها لا يمكن أن تعارض بما ثبت عن الله وعن رسوله، نعم أفهام الرجال لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- يستفاد منها، يعني فرق بين أن تعتمد رأي العالم، وبين أن تعتمد فهم العالم لهذا النص، فيكون عمدتك النص، ما هو عمدتك رأي الرجل، لكن أنت قصرت عن فهم هذا النص تستفيد من رأي العالم.
ودع عنك آراء الرجال وقولهم |
| فقول رسول الله أزكى وأشرحُ |
ولا يمكن أن يقدم رأي أحد كائناً من كان على قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولا تكُ من قوم تلهوا بدينهم |
| فتطعن في أهل الحديث وتقدحُ |
هذا شأن الذين يتلاعبون بالأحكام، يتلاعبون بالأوقات، ويتلهون بالقيل والقال عن معاناة النصوص، وفهم النصوص، والعمل بالنصوص، لا يكون لهم رأس مال إلا القيل والقال، فإذا أورد عليهم كلامًا ينقض أقوالهم بالدليل عن أحد من أهل التحقيق طعن فيه، فلان ما يفهم، وقيل لشخص يعني كبير في السن ودكتور في تخصصه قيل له: الشيخ ابن باز يقول كذا، قال: ويش؟ حفظ كم نص، وعلى حد زعمه أن الشيخ ما يعرف كيف يتعامل مع النصوص؛ لأنه ما أوغل في علم الأصول مثل ما أوغل هو، ما هو بمثل هذا هو الذي يطعن في أهل الحديث؟ لماذا؟ لأنه أورد عليه من كلام الشيخ ما يدمغ قوله، فما له من الجواب إلا مثل هذا، ويش يقول؟ يقول: أنا أعرف من الشيخ بثبوت الحديث وعدمه؟ ما يمكن يقول هذا الكلام، ما يمكن إلا أن يقول يصادر، يصادر المعرفة يجعلها له، حفظ كم نص وبعدين؟
هؤلاء الذين اشتغلوا بآراء الرجال وصار معولهم عليها، وتركوا النصوص هذه أجوبتهم، إذا قيل مثلاً لشخص من متعصبة المذاهب: الحكم كذا بدليل قول الله -جل وعلا- كذا، بدليل قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- كذا، قال: لكنه خبر فيما تعم به البلوى، ولم يثبت نقله بطريق ملزم، يعني ما نقله إلا آحاد من الناس، أو قال: زيادة على النص، أو قال: كذا وكذا، هل تُدفع النصوص الصحيحة الصريحة بمثل هذا الكلام؟ بآراء الرجال؟ لا يمكن، وهذه عادة المفاليس إذا أورد عليهم شيء فتوى مبنية على الدليل قال: هذا ما يعرف كيف يتعامل مع النصوص، لكن ما الفائدة من معرفة كيفية التعامل بدون نصوص، افترض أن شخصًا ديدنه وعمدته على أصول الفقه عمره كله، لكن ما حفظ نصوصًا ويش يستفيد؟ يستفيد شيئًا؟ ما يستفيد شيئًا، يعني لو صار مثلاً أمهر الناس في إصلاح الساعات أو السيارات مثلاً، وما فتح محلاً، ولا عرفه الناس، وكل من قال له: فلان صلح السيارة كذا قال: ما يفهم، وبعدين أنت اللي تفهم؟ وبعدين ويش صار؟ ويش سويت؟ فلا بد أن يكون مع معرفته في كيفية التعامل مع النصوص أن يكون عنده نصوص يتعامل بها، ولو كان من أعرف الناس وأبرع الناس في أمور التجارة أو أمور الزراعة أو أمور الصناعة، لكن ما عنده مزرعة ولا عنده مصنع، ولا عنده محل، ويش الفائدة؟
فمثل هذه الأمور التي هي وسائل لفهم النصوص إنما تنفع مع وجود النصوص، نفعها مع وجود النصوص، أما يأتي شخص ما عنده شيء من النصوص، ما عنده شيء، يخرج الحديث في رسالته من مصادر لا تمت للحديث بصلة، ثم يقول لك: إن فلان ما يعرف شيئًا، حفظ حديثين أو ثلاثة وصار..، ومثل هذا في الغالب الذي يقع في أهل الحديث مثل هذا يعاقب -نسأل الله السلامة والعافية- إن سلم من الفتنة في آخر عمره، مثل هذا يعاقب بنسيان ما تعلم، أو بمصيبة، وشواهد الأحوال كثيرة من أول الزمان إلى يومنا هذا، كم إنسان تصدى للأخيار فعوقب، وما يدخر له عند الله -جل وعلا- الله أعلم به.
المقصود أن أهل الحديث هم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة في قول الإمام أحمد "إن لم يكونوا أهل الحديث فمن هم؟ فليكن لسان الإنسان لهجاً بالثناء عليهم لا لذواتهم، إنما ليحملونه من إرث النبوة، فهم ورثة الأنبياء، وليصن الإنسان لسانه عن كل أحد إلا من يخشى أن يتعدى ضرره، ولم يمتثل النصح، فمثل هذا يبين خطؤه المتعدي خوفاً على الناس من أن يلبس عليهم، أو يغتروا به، مثل هذا لا مانع أن يسمى، إذا لم يكن القصد التفكه في عرضه وبقدر الحاجة، لا بد أن يكون الكلام بقدر الحاجة، وأن يكون أيضاً.. أولاً: أن يكون الكلام بقدر الحاجة، وأن يكون القصد بيان الحق، وألا يجدي النصح والمناقشة، إذا أجدى النصح لا يعدل إلى الإعلان، إذا لم يجدِ فيكون الكلام بإنصاف وعدل، وألا يزيد على قدر الحاجة، وأن يكون الهدف الحق وبيانه، والخوف على عموم المسلمين من ضرر هذا الشخص الذي يريد أن يضلهم.
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه |
| ................................... |
العقيدة الصحيحة السليمة، أو هذه المنظومة التي جاءت فيها هذه الأمور العظيمة (إذا) شرط (ما) هذه زائدة، يعني إذا اعتقدت الدهر طول حياتك، وإن كنت على عقيدة غيرها فلا تيأس إنما عليك أن تتوب إلى الله -جل وعلا-، وتعتقد هذه العقيدة، وتبين لمثل هذه الأمور، لا سيما من له كلام ينتشر في الناس، سواءً كان في دروس أو في مناسبات، أو في كتب ومؤلفات، مثل هذا لا بد من البيان {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} [(160) سورة البقرة] لا بد أن يهدم ما كان عليه من باطل، ويسعى في إصلاح من تسبب في ضلالهم، فالإنسان إذا ما اعتقد الدهر ما في هذه المنظومة، وفي غيرها مما لا يحتمله مثل هذه المنظومة المختصرة مما يعتقده أهل السنة والجماعة المتبعون للنصوص.
................................... |
| فأنت على خير تبيت وتصبحُ |
تبيت تنام على خير، وتصبح على خير، تنام على خير، تستيقظ على خير، تمسي على خير تصبح على خير، ما دمت معتقداً لهذه العقيدة السليمة الصافية من المصدر من مصادرها الأصلية؛ لأن العلم الحقيقي إنما مصدره كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"