تعليق على تفسير سورة آل عمران من أضواء البيان (05)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله تعالى-:
قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [سورة آل عمران:146] الآية، هذه الآية الكريمة على قراءة من قرأ قُتِل بالبناء للمفعول يُحتَمل نائب الفاعل فيها أن يكون لفظة ربيون وعليه ليس في قُتِل ضمير أصلاً ويحتمل."
لأن نائب الفاعل ظاهر ربيون، قُتِل ربيون.
"ويحتمل أن يكون نائب الفاعل ضميرًا عائدًا إلى النبي وعليه فمعه."
وكأن من نبي قُتِل ثم يُستأنف الكلام معه ربيون كثير، والشيخ-رحمه الله-يفنِّد القول الثاني وأطال في تقرير هذه المسألة.
"وعليه فمعه خبر مقدَّم وربيون مبتدأ مؤخَّر سوَّغ الابتداء به اعتماده على الظرف قبله ووصفه بما بعده والجملة حالية."
يسوغ الابتداء بالنكرة إذا حصل في مثل هذا الأسلوب التقديم والتأخير أو وصفت النكرة ونحو عندي درهم مثل معه ربيون.
ونحو عندي درهم ولي وطر |
| ملتزم فيه تقدم الخبر |
لأنه لا يجوز أن يتقدم المبتدأ في مثل هذه الصورة وهو نكرة لأنه لا يجوز الابتداء بالنكرة.
"والجملة حالية والرابط الضمير وسوغ إتيان الحال من النكرة التي هي نبي وصفه بالقتل ظلمًا وهذا هو أجود الأعاريب المذكورة في الآية على هذا القول، وبهذين الاحتمالين في نائب الفاعل المذكور يظهر أن في الآية إجمالاً."
والإجمال جاء من أيهما؟ أي التأويلين وأي التقديرين أولى؟
"والآيات القرآنية مبيِّنة أن النبي المقاتَل غير مغلوب."
المقاتِل يعني المأمور بالقتال غير مغلوب.
"أن النبي المقاتِل غير مغلوب بل هو غالب."
يعني على كل حال هو غالب.
" كما صرح تعالى بذلك في قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة:21] وقال قبل هذا: {أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [سورة المجادلة:20] وقال بعده: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحديد:25] وأغلب معاني الغلبة في القرآن."
بعضهم يقول كتب الله لأغلبن أنا ورسلي فالله غالب والرسول غالب، وإن قتل غالب منتصر بمعنى انتصار المبادئ هذا كلام بعضهم، لكن القتل لا شك أن المقتول مغلوب يعني هذه حقيقة الحال، كوننا نلجأ إلى معانٍ أخرى لهذا النصر خلاف الظاهر.
طالب: .........
لا، إذا لم يكن في مقاتلة قُتل أنبياءُ كثر، بنو إسرائيل قتلوا من الأنبياء المئات-نسأل الله العافية-.
"وأغلب."
لحظة.
طالب: .........
نعم لكن النبي مضمون له الغلبة فهل تحصل الغلبة مع القتل أو ما تحصل؟ لاسيما النبي المأمور بالقتال، أما من لم يؤمر بقتال قد يقتل الأنبياء منصوص عليه في القرآن الغلام الذي قتل بإشارة منه ودلالة منه على كيفية قتله وأسلم بسبب ذلك الفئام من الناس هل هو غالب أو مغلوب؟ الشيخ سوف يبين أن المقتول مغلوب على أي حال، لكن هذه الغلبة قد يترتب عليها مصالح كبيرة جدًا كما في هذه الحالة والشيخ طوَّل في هذا.
"وأغلب معاني الغلبة في القرآن الغلبة بالسيف والسنان كقوله {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [سورة الأنفال:65] الآية وقوله {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ} [سورة الأنفال:66] وقوله {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } [سورة الروم:1-4] وقوله: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة:249] وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [سورة آل عمران:12] إلى غير ذلك من الآيات، وبيَّن تعالى أن المقتول ليس بغالب بل هو قسم مقابل للغالب بقوله {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} [سورة النساء:74] فاتضح من هذه الآيات أن القتل ليس واقعًا على النبي المقاتِل؛ لأن الله كتب وقضى له في أزله أنه غالب."
يعني ضمن له الغلبة {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة:21].
"وصرّح بأن المقتول غير غالب."
لأنه مقابل بالغالب {فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} [سورة النساء:74].
"وقد حقق العلماء أن غلبة الأنبياء على قسمين: غلبة بالحجة والبيان وهي ثابتة لجميعهم، وغلبة بالسيف والسنان وهي ثابتة لخصوص الذين أمر منهم بالقتال في سبيل؛ لأن الذي لم يؤمر بالقتال ليس بغالب ولا مغلوب؛ لأنه لم يغالِب في شيء وتصريحه تعالى بأنه كتب أن رسله غالبون شامل لغلبتهم من غالبهم بالسيف كما بينا أن ذلك هو معنى الغلبة في القرآن وشامل أيضا لغلبتهم بالحجة والبيان فهو مبيِّن أن نصر الرسل المذكور في قوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} [سورة غافر:51] الآية، وفي قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ} [سورة الصافات:171-172] أنه نصر غلبة بالسيف والسنان للذين أُمروا منهم بالجهاد؛ لأن الغلبة التي بيّن أنها كتبها لهم أخص من مطلق النصر؛ لأنها نصر خاص، والغلبة لغة القهر، والنصر لغة إعانة المظلوم فيجب بيان هذا الأعم بذلك الأخص وبهذا."
والغلبة لغة القهر في حديث الاستعاذة من غلبة الدين وقهر الرجال هل يؤيد هذا أو يخالفه؟ لكن ما يمنع أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
طالب: .........
أو يغلب نعم.
طالب: .........
في الآية قسيم نعم ما فيه إلا كذا أو كذا.
طالب: .........
لو قال فيُغْلَب ما تمت المقابلة مثل التي يريدها الشيخ في مثل {فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} [سورة النساء:74] فجعل القتل مقابلا وقسيما للغلبة فدل على أن المقتول مغلوب والقاتل غالب هذا مراد الشيخ.
طالب: .........
فيُغلَب أو يَغلِب؟ الغلبة أشمل الغلبة أعم من القتل سواء كان في المغلوب أو في الغالب.
"وبهذا تعلم أن ما قاله الإمام الكبير ابن جرير- رحمه الله- ومن تبعه في تفسير قوله {إِنَّا لَنَنصُرُ} [سورة غافر:51] الآية من أنه لا مانع من قتل الرسول المأمور بالجهاد وأن نصره المنصوص في الآية حينئذٍ يحمل على أحد أمرين: أحدهما أن الله ينصره بعد الموت بأن يسلط على من قتله من ينتقم منه كما فعل بالذين قتلوا يحيى وزكريا وشعياء من تسليط بختنصر عليهم ونحو ذلك، ثانيهما: حمل الرسل في قوله {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} [سورة غافر:51] على خصوص نبينا -صلى الله عليه وسلم- وحده."
أنه لا يجوز.
"أنه لا يجوز حمل القرآن عليه لأمرين، أحدهما: أنه خروج بكتاب الله عن ظاهره المتبادر منه بغير دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع والحكم بأن المقتول من المتقاتلين هو المنصور بعيد جدًا غير معروف في لسان العرب فحمل القرآن عليه بلا دليل غلط ظاهر، وكذلك حمل الرسل على نبينا وحده -صلى الله عليه وسلم- فهو بعيد جدًا أيضًا والآيات الدالة على عموم الوعد بالنصر لجميع الرسل كثيرة لا نزاع فيها."
هذا لفظ القرآن ورسلي ما قال ورسولي.
"ثانيهما: أن الله لم يقتصر في كتابه على مطلق النصر الذي هو في اللغة إعانة المظلوم بل صرّح بأن ذلك النصر المذكور للرسل نصر غلبة بقوله {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة:21] الآية، وقد رأيت معنى الغلبة في القرآن ومر عليك أن الله جعل المقتول قسمًا مقابلاً للغالب في قوله {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} [سورة النساء:74] وصرّح تعالى بأن ما وعد به رسله لا يمكن تبديله بقوله- جل وعلا- {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الأنعام:34] ولا شك أن قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة:21] من كلماته التي صرح بأنها لا مبدل لها وقد نفى- جل وعلا- عن المنصور أن يكون مغلوبًا نفيًا باتًّا بقوله {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} [سورة آل عمران:160] وذكر مقاتل أن سبب نزول قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ} [سورة المجادلة:21] الآية أن بعض الناس قال: أيظن محمد وأصحابه أن يغلبوا الروم وفارس كما غلبوا العرب؟! زاعمًا أن الروم وفارس لا يغلبهم النبي -صلى الله عليه وسلم-لكثرتهم وقوتهم فأنزل الله الآية، وهو يدل على أن الغلبة المذكورة فيها غلبة بالسيف والسنان لأن صورة السبب لا يمكن إخراجها ويدل له."
صورة السبب دخولها كما يقول أهل العلم في النص قطعي لا يمكن إخراجها منه.
"ويدل له قوله قبله: {أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [سورة المجادلة:20] وقوله بعده {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحديد:25] وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب."
يعني في مقدمته.
"أننا نستشهد للبيان بالقراءة السبعية بقراءة شاذة فيشهد للبيان الذي بيَّنا به أن نائب الفاعل ربيون وأن بعض القراء غير السبعة قرأ قُتِّل معه ربيون بالتشديد؛ لأن التكثير المدلول عليه بالتشديد يقتضي أن القتل واقع."
هو الكلام كله لا يرد على القراءة قاتل، على قراءة قاتل لا يرد كل هذا الكلام إنما هو وارد على قراءة قُتِل معه.
"يقتضي أن القتل واقع على الربيين ولهذه القراءة رجح الزمخشري والبيضاوي وابن جنِّي أن نائب الفاعل ربيون ومال إلى ذلك الألوسي في تفسيره مبينًا أن دعوى كون التشديد لا ينافي وقوع القتل على النبي؛ لأن كأيِّن إخبار بعدد كثير أي كثير من أفراد النبي قتل خلاف الظاهر وهو كما قال، قيل قد عرفنا أن نائب الفاعل المذكور محتمل لأمرين وقد ادعيتم أن القرآن دلّ على أنه ربيون لا ضمير النبي لتصريحه بأن الرسل غالبون والمقتول غير غالب ونحن نقول دل القرآن في آيات أخر على أن نائب الفاعل ضمير النبي لتصريحه في آيات كثيرة بقتل بعض الرسل كقوله {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [سورة البقرة:87] وقوله {قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} [سورة آل عمران:183] الآية.."
الشيخ يحمل النبي الذي لا يُغلَب الموعود بالنصر هو الذي أُمر بالقتال وأما من لم يؤمر بقتال فليس هناك في هذه الصورة غالب ولا مغلوب.
"فما ترجيح ما استدللتم به على أن النائب ربيون على ما استدللنا به على أن النائب ضمير النبي فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أن ما استدللنا به أخص مما استدللتم به والأخص مقدَّم على الأعم ولا يتعارَض عام وخاص كما تقرر في الأصول وإيضاحه أن دليلنا في خصوص نبي أُمر بالمبالغة."
بالمغالبة.
بالمغالبة؟
بالمغالبة في شيء.
"أمر بالمغالبة في شيء فنحن نجزم بأنه غالب فيه تصديقًا لربنا في قوله {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة:21] سواء أكانت تلك المغالبة بالحجة والبيان أم بالسيف والسنان ودليلكم فيما هو أعم من هذا؛ لأن الآيات التي دلّت على قتل بعض الرسل لم تدل على أنه في خصوص جهاد بل ظاهرها أنه في غير جهاد كما يوضحه الوجه الثاني: وهو أن جميع الآيات الدالة على أن بعض الرسل قتلهم أعداء الله كلها في قتْل بني إسرائيل أنبياءهم في غير جهاد ومقاتَلة إلا موضع النزاع وحده."
ولذلكم تعرّض النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير الجهاد لمواقف غدر من اليهود لكن الله -جل وعلا- نجّاه منهم ونصره عليهم.
"الثالث: أن ما رجحناه من نائب الفاعل ربيون تتفق عليه آيات القرآن اتفاقًا واضحًا لا لبس فيه على مقتضى اللسان العربي في أفصح لغاته ولم تتصادم منه آيتان حيث حملنا الرسول المقتول على الذي لم يؤمر بالجهاد فقتله إذًا لا إشكال فيه ولا يؤدي إلى معارضة آية واحدة من كتاب الله؛ لأن الله حكَم للرسل بالغلبة والغلبة لا تكون إلا مع مغالبة وهذا لم يؤمر بالمغالبة في شيء، ولو أُمر بها في شيء لغلب فيه، ولو قلنا بأن نائب الفاعل ضمير النبي لصار المعنى أن كثيرًا من الأنبياء المقاتلين قتلوا في ميدان الحرب كما تدل عليه صيغة وكأين المميزة بقوله {مِّن نَّبِيٍّ} [سورة آل عمران:146] وقتل الأعداء هذا العدد الكثير من الأنبياء المقاتلين في ميدان الحرب مناقض مناقضة صريحة لقوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، وقد عرفت معنى الغلبة في القرآن وعرفت أنه تعالى بين أن المقتول غير الغالب كما تقدم وهذا الكتاب العزيز ما أنزل ليضرب بعضه بعضًا ولكن أنزل ليصدق بعضه بعضًا فاتضح أن القرآن دل دلالة واضحة على أن نائب الفاعل ربيون وأنه لم يقتل رسول في جهاد كما جزم به الحسن البصري وسعيد بن جبير والزجاج والفراء وغير واحد وقصدنا في هذا الكتاب البيان بالقرآن لا بأقوال العلماء ولذا لم ننقل أقوال من رجّح ما ذكرنا، وما رجح به بعض العلماء كون نائب."
هذا لا ينفي كون الترجيح وذكر الأقوال موجودة في الكتاب لكن هم الشيخ وقصده الأول أن يفسر القرآن بالقرآن.
"وما رجح به بعض العلماء كون نائب الفاعل ضمير النبي من أن سبب النزول يدل على ذلك؛ لأن سبب نزولها أن الصائح صاح قُتِل محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن قوله {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [سورة آل عمران:144] يدل على ذلك وأن قوله {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة آل عمران:146] يدل على أن الربيين لم يقتلوا لأنهم لو قتلوا لما قال عنهم {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ} [سورة آل عمران:146] الآية، فهو كلام كله ساقط وترجيحات لا معوَّل عليها فالترجيح بسبب النزول فيه أن سبب النزول لو كان يقتضي تعيين ذكر قتل النبي لكانت قراءة الجمهور قاتل بصيغة الماضي من المفاعلة جارية على خلاف المتعين وهو ظاهر السقوط كما ترى والترجيح بقوله {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [سورة آل عمران:144] ظاهر السقوط؛ لأنهما معلقان بأداة الشرط والمعلَّق بها لا يدل على وقوع نسبة أصلاً لا إيجابًا ولا سلبًا حتى يرجح بها غيرها، وإذا نظرنا إلى الواقع في نفس الأمر وجدنا نبيهم في ذلك الوقت لم يقتل ولم يمت والترجيح بقوله {فَمَا وَهَنُواْ} [سورة آل عمران:146]."
لأنهما معلقان بأداة الشرط والمعلَّق بها لا يدل على وقوع نسبة أصلاً.
طالب: .........
لا، ما يرجح به ولا يحكم لأنه معلق بهذا الشرط فوجوده مرتبط بهذا الشرط أما مع عدمه فإنه لا يدل على نفي ولا إثبات.
طالب: .........
تعليقه بالشرط؟ لكنه محمول عند الشيخ على من لم يؤمر بقتال يعني إذا قال لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق فلم تدخل الدار هل يقال إنه يرجح الطلاق أو عدم الطلاق؟ لم يقع.
طالب: .........
لكن ما قُتِل -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: .........
غَلَب باعتبار أن العواقب أفضل من ذي قبل، مثل صلح الحديبية رُد عن دخول مكة لكن العواقب والمترتب على ذلك أفضل بكثير مما لو دخل مكة.
طالب: .........
وهي الفتح.
طالب: .........
لا، لكن {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة:21] الشيخ ربط الآيات بعضها مع بعض {فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} [سورة النساء:74] فالمقتول ليس بغالب وإنما مغلوب والمفترض في الرسول ألا يغلب وحمل ذلك على الرسول المأمور بالقتال لأنه وجد في الواقع أعداد كبيرة من الأنبياء والرسل ممن قتل لكن لا في ساحة الجهاد.
طالب: .........
ما هو؟
طالب: .........
ماذا؟
طالب: .........
يعني يعني لو أردنا أن نعمل سبب النزول هل يفيدنا سبب النزول على قراءة الجمهور؟ {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} [سورة آل عمران:146].
طالب: .........
لا يفيدشيئا.
طالب: .........
طيب.
طالب: .........
من انهزم؟
طالب: .........
لكن ومع ذلك يُحمل على النصر المعنوي ما يلزم منه النصر الحسي في هذه الحالة لئلا تتضارب النصوص، وعلى كل حال قول الشيخ قابل للنقاش.
"والترجيح بقوله {فَمَا وَهَنُواْ} [سورة آل عمران:146] سقوطه كالشمس في رابعة النهار وأعظم دليل قطعي على سقوطه قراءة حمزة والكسائي ولا تقاتلوهم."
لا، ولا تقتلوهم.
ولا تقتلوهم؟
نعم.
"ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى."
يقتلوكم.
"يقتلوكم فيه فإن قتلوكم قتلوهم" كل الأفعال من القتل لا من القتال وهذه القراءة السبعية المتواترة فيها فإن قتلوكم بلا ألف بعد القاف فعل ماض من القتل فاقتلوهم، أفتقولون هذا لا يصح لأن المقتول لا يمكن أن يؤمر بقتل قاتله، بل المعنى قتلوا بعضكم وهو معنى مشهور في اللغة العربية يقولون قتلونا وقتلناهم يعنون وقوع القتل على البعض كما لا يخفى وقد أشرنا إلى هذا البيان في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب والعلم عند الله تعالى."
هو مطبوع مفرد قديمًا وطبع أيضًا مع التفسير في آخره في آخر التكملة.
"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ} [سورة آل عمران:156] إلى قوله: {مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} [سورة آل عمران:156] ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا مات بعض إخوانهم يقولون لو أطاعونا فلم يخرجوا إلى الغزو ما قتلوا ولم يبين هنا هل يقولون لهم ذلك قبل السفر إلى الغزو ليثبطوهم أو لا؟ ونظير هذه الآية قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [سورة آل عمران:168] ولكنه بيَّن في آيات أخر أنهم يقولون لهم ذلك قبل الغزو وليثبطوهم كقوله {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ} [سورة التوبة:81] الآية، وقوله."
هل ذلك قبل أو بعد مع قوله {لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} [سورة آل عمران:156] هم يخبرون عن قتلهم بعد وقوعهم فدل على أنهم يقولون ذلك بعد خروجهم بعد ظهور النتائج وأنهم قتلوا وحمل ذلك على ما قبل وأنهم يقولون ذلك لاحتمال أن يقتلوا هذا ما يراه الشيخ لكن فيه بُعد.
طالب: .........
ليثبطوهم.
طالب: .........
يقولون هذا قبل.
طالب: .........
ويقولون مثل هذا الكلام لو كانوا عندنا ما ماتوا.
طالب: .........
لا شك أنهم ما قُتِلوا، متى قُتِلوا قبل أو بعد؟
طالب: .........
لا يمكن أن يقال قُتِلوا قبل أن يُقتَلوا.
"وقوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [سورة الأحزاب:18] وقوله: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} [سورة النساء:72] إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة آل عمران:157] ذكر في هذه الآية الكريمة أن المقتول في الجهاد والميت كلاهما ينال مغفرة من الله ورحمة خيرًا له مما يجمعه من حطام الدنيا وأوضح وجه ذلك في آية أخرى بيَّن فيها أن الله اشترى منه حياة قصيرة فانية منغَّصة بالمصائب والآلام بحياة أبدية لذيذة لا تنقطع ولا يتأذى صاحبها بشيء واشترى منه مالاً قليلاً فانيًا بملك لا ينفد ولا ينقضي أبدا {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة:111] وقال تعالى."
هذه هي الآية الوحيدة والنص الوحيد الذي قُدِّم فيه النفس على المال في الجهاد بقية النصوص كلها فيها تقديم المال على النفس مما يدل على عظيم أثره.
"وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [سورة الإنسان:20] وبين في آية أخرى أن فضل الله ورحمته خير مما يجمعه أهل الدنيا من حطامها وزاد فيها الأمر بالفرح بفضل الله ورحمته دون حطام الدنيا وهي قوله تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس:58] وتقديم المعمول يؤذن."
الجار والمجرور.
"يؤذن بالحصر أعني قوله {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [سورة يونس:58]."
مثل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [سورة الفاتحة:5] تقديم المعمول يدل على الحصر.
"أي دون غيره فلا يفرحوا بحطام الدنيا الذي يجمعونه قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة الزخرف:32]."
طالب: .........
حذف المعمول للتعميم من أجل أن يسرح الذهن فيه كل مسرح بحيث يحتمل كل الصور.
"قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخْطٍ} [سورة آل عمران:162].."
فاعف عنهم ماذا عندك؟
أفمن اتبع رضوان الله.
عندنا قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [سورة آل عمران:159].
تكررت؟
يأتي هذا بعد عشرة أسطر تقريبًا يمكن فيه تقديم وتأخير.
إلاَّ فاعف عنهم.
عندك؟
إي نعم.
اقرأ.
"قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [سورة آل عمران:159] الآية قد قدمنا في سورة الفاتحة في الكلام على قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [سورة الفاتحة:7] أن الجموع المذكَّرة ونحوها مما يختص جماعة العقلاء من الذكور إذا وردت في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-اخلتف العلماء فيها هل يدخل فيها النساء أو لا يدخلن إلا بدليل على دخولهن وبذلك تعلم أن قوله تعالى {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [سورة آل عمران:159] يحتمل دخول النساء فيه وعدم دخولهن بناء على الاختلاف المذكور ولكنه تعالى بين في موضع آخر أنهن داخلات في جملة من أمر -صلى الله عليه وسلم- بالاستغفار لهم وهو قوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [سورة محمد:19]."
دخول النساء في جمع المذكر مما يدل عليه قوله- جل وعلا- {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [سورة التحريم:12] دخلت وهو جمع مذكَّر للعقلاء.
"قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخْطٍ مِّنَ اللَّهِ} [سورة آل عمران:162] الآية ذكر في هذه الآية أن من اتبع رضوان الله ليس كمن باء بسخط منه."
لأن الاستفهام إنكاري.
"لأن همزة الإنكار بمعنى النفي ولم يذكر هنا صفة من اتبع رضوان الله ولكنه أشار إلى بعضها في موضع آخر وهو قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [سورة آل :173-174] وأشار إلى بعض صفات من باء بسخط من الله بقوله: {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [سورة المائدة:80] وبقوله هنا: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ} [سورة آل عمران:161] الآية، قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم} [سورة آل عمران:165].."
{وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ} [سورة آل عمران:161] داخل فيمن باء بسخط من الله.
"قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [سورة آل عمران:165] ذَكر في هذه الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أحد إنما جاءهم من قِبَل أنفسهم ولم يبين تفصيل ذلك هنا ولكنه فصّله في موضع آخر وهو قوله {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [سورة آل :152] وهذا هو الظاهر في معنى الآية لأن."
خُيِّر ما يُبَيَّن به.
"لأن خير ما يُبيَّن به القرآن، وأما على القول الآخر فلا بيان بالآية وهو أن معنى {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [سورة آل عمران:165] أنهم خُيِّروا يوم بدر بين قتل أسارى بدر وبين أسرهم فاختاروا الفداء على أن يستشهد منهم في العام القابل سبعون قدر أسارى بدر كما رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب وعقده أحمد البدوي الشنقيطي."
لكن عمر-رضي الله عنه وأرضاه-عارَض في فداء الأسارى عارَض ومال إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-ومعه أبو بكر فكيف يُنسَب إلى عمر-رضي الله تعالى عنه-فيما رواه أحمد وابن أبي حاتم أنهم قبلوا الفداء على أن يقتل منهم مثلهم في الغزوة اللاحقة قريب أو بعيد؟ بعيد جدًّا.
طالب: .........
كيف؟
طالب: .........
لا، علموا أولاد الصحابة الكتابة والقراءة وبعضهم مُنَّ عليه.
طالب: .........
هذا العتاب عليه لأنه قَبِل هذا، عتاب على النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه قَبِل ذلك.
طالب: .........
نحتاج إلى الرجوع إلى المصدر.
"وعقده أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي بقوله:
والمسلمون خيروا بين الفدا |
| ......................." |
إتحاف الورى في مغازي خير الورى منظومة وعليها شرح للمشاط مطبوعة في مجلد كبير.
"والمسلمون خيروا بين الفدا |
| وقدرهم في قابل يستشهدا |
وبين قتلهم فمالوا للفدا |
| لأنه على القتال عضدا |
وأنه أدى إلى الشهادة |
| وهي قصارى الفوز والسعادة" |
لا شك أن القتل في سبيل الله شهادة وكرامة لمن يقتل لكن ليس مرضيا ومحبوبا لدى المكلفين يعني المستشهد قد يتمنى أن يقتل لكن أنت هل تتمنى لأخيك أن يستشهد أن يقتل؟ ما تتمنى له أن يقتل ولو كان على خير حال، تتمنى له حياة سعيدة يكتسب فيها أعمال صالحة وبعد ذلك يقتل أو يموت.
"ونظمه هذا للمغازي جل اعتماده فيه على عيون الأثر لابن سِيْد الناس."
سَيِّد الناس.
"لابن سَيِّد الناس اليعمري قال في مقدمته:
أرجوزة على عيون الأثر |
| جل اعتماد نظمها في السير" |
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسِّيَر لابن سَيِّد الناس أبي الفتح اليعمري.
"وذكر شارحه أن الألف في قوله يستشهدا مبدلة من نون التوكيد الخفيفة وأنها في البيت كقوله:
ربَّما في أوفيت في علم |
| ترفعن ثوبي شمالات |
وعلى هذا القول فالمعنى {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [سورة آل عمران:165] حيث اخترتم الفداء واستشهاد قدر الأسارى منكم. قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} [سورة آل عمران:169] الآية، نهى الله تبارك وتعالى في هذه الآية عن ظن الموت بالشهداء وصرَّح بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضلهم يستبشرون."
ولكنها حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها تختلف عن موت سائر الناس من غير الشهداء وتختلف أيضًا عن حياة الأحياء الذين أرواحهم في أبدانهم.
"{يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة آل عمران:170] ولم يبين هنا هل حياتهم هذه في البرزخ يدرك أهل الدنيا حقيقتها أو لا؟ ولكنه بين في سورة البقرة أنهم لا يدركونها بقوله: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} [سورة البقرة:154] لأن نفي الشعور يدل على نفي الإدراك من باب أولى كما هو ظاهر قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [سورة آل عمران:173] الآية قال جماعة من العلماء المراد بالناس القائلين إن الناس قد جمعوا لكم نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزاعة."
وحينئذٍ يكون من العام الذي أُريد به الخصوص.
"كما أخرجه ابن مردويه من حديث أبي رافع ويدل لهذا توحيد المشار إليه في قوله تعالى {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} [سورة آل عمران:175] الآية، قال صاحب الإتقان قال الفارسي: ومما يقوي أن المراد به واحد قوله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} [سورة آل عمران:175] فوقعت الإشارة بقوله ذلكم إلى واحد بعينه."
دعنا من الجمع بالميم ضمير الجمع المقصود ما قال أولئكم، قال ذلكم.
"ولو كان المعنى جمعًا لقال إنما أولئكم الشيطان فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ انتهى منه بلفظه. قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [سورة آل عمران:178] ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم وشدة العذاب وبيَّن في موضع آخر أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النِّعَم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة كقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [سورة الأعراف:94-95]."
ولذا يكثر الحديث في المجالس في كل العصور وفي كل البلدان أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء أنهم يتلذذون بذكر ما حصل لآبائهم وأجدادهم والمساكين لا يعلمون أن هذا قد يكون استدراجا لهم قد مس آباءنا الضراء، قبل سبعين سنة ثمانين سنة كان هناك جوع وكان كذا ويتداولون الأخبار ويتناقلونها ونحن لا نعلم ما مصيرنا لاسيما وأننا ما حمدنا الله وشكرناه على هذه النعم حق شكره، بل كثير من المسملين مع الأسف الشديد كفروا النعم {قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [سورة الأعراف:95].
"وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [سورة الأنعام:42-43] إلى قوله {أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [سورة الأنعام:44] وبين في موضع آخر أن ذلك الاستدراج من كيده المتين وهو قوله {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [سورة الأعراف:182-183] وبين في موضع آخر أن الكفار يغترون بذلك الاستدراج فيظنون أنه من المسارعة لهم في الخيرات وأنهم يوم القيامة يؤتون خيرًا من ذلك الذي أوتوه في الدنيا كقوله تعالى.."
وأنهم إنما أوتوا هذا في الدنيا لكرامتهم على الله، وهذا الادعاء حملهم على أنهم يقولون هذا إذا كان في الدنيا فكرامتنا عنده يوم القيامة أعظم.
طالب: .........
الكيد والمكر والاستهزاء كلها مختلف فيها منهم من يثبتها على ما يليق بجلاله وعظمته وهذا معه النصوص، ومنهم من يقول أنها سيقت من باب المشاكلة
طالب: .........
أين؟
طالب: .........
المشاكلة لا يلزم أن تكون ملفوظة حتى وإن كانت مقدرة مثل ما قالوا في حديث نعمت البدعة قالوا من باب المقابلة طيب أين المقابِل؟ قالوا مقدَّر كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر فقال: نعمت البدعة، هذا منصوص في كتب البلاغة موجود.
"كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [سورة المؤمنون:55-56] وقوله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [سورة مريم:77] وقوله: {وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً} [سورة الكهف:36] وقوله: {وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى} [سورة فصلت:50] وقوله: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً} [سورة سبأ:35] الآية كما تقدم والبأساء الفقر والفاقة، والضراء المرض على قول الجمهور وهما مصدران مؤنثان لفظًا بألف التأنيث الممدودة. قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة آل عمران:186] ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلَون في أموالهم وأنفسهم وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله فإن صبرهم وتقاهم من عزم الأمور أي من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها وقد بيَّن في موضع آخر أن من جملة هذا البلاء الخوف والجزع وأن البلاء.."
الجوع.
الجوع؟
نعم. {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [سورة البقرة:155].
"أن من جملة هذا البلاء الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليه هاهنا بقوله {فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة آل عمران:186] وذلك الموضع هو قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة:155].
وتقديم الخوف على الجوع حمل بعضهم على أن يقول إن الأمن أهم من الأكل والشرب.
"{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [سورة البقرة:155-157].."
الرازي في تفسير الآية يقول: لو أتيت بشاة كسيرة ووضعت عندها الأكل تأكل لكن لو ربطت شاة وأمامها ذئب مربوط ووضعت عندها أكل ما أكلت.
"وبقوله: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [سورة التغابن:11] ويدخل في قوله: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ} [سورة التغابن:9] الصبر عند الصدمة الأولى بل فسره بخصوص ذلك بعض العلماء ويدل على دخوله فيه قوله قبله ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله وبين في موضع آخر أن خصلة الصبر لا يعطاها إلا صحب حظ عظيم وبخت كبير وهو قوله {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [سورة فصلت:35] وبين في موضع آخر أن جزاء الصبر لا حساب له وهو قوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر:10] قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [سورة آل عمران:191] ذكر في هذه الآية أن من جملة ما يقوله أولوا الألباب تنزيه ربهم عن كونه خلق السموات والأرض باطلاً لا لحكمة سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.."
على خلاف ما يردده بعض الكتبة ممَّن ينشرون في وسائل الإعلام المختلفة من انتفاء الحكمة في بعض المخلوقات، ينازعون في الحكمة من وجود الحيات والعقارب كيف يخلقها ثم يأمر بقتلها؟ أين الحكمة من هذا؟! كيف يخلق ولد في بطن أمه تتعب عليه تسعة أشهر ثم يموت فورا أو يولد مشوَّها عبء على نفسه وعلى أهله وعلى مجتمعه، يزعمون انتفاء الحكمة في مثل هذا ولا يعلمون أنه رتب على ذلك من الحكم والأجور ما لا يحيطون به والله المستعان.
"وصرّح في موضع آخر بأن الذين يظنون ذلك من الكفار وهددهم على ذلك الظن السيئ بالويل من النار وهو قوله {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [سورة ص:27] قوله تعالى: {وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} [سورة آل عمران:198] لم يبين هنا ما عنده للأبرار ولكنه بين في موضع آخر أنه النعيم وهو قوله {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [سورة الانفطار:13] وبين في موضع آخر أن من جملة ذلك النعيم الشرب من كأس ممزوجة بالكافور وهي قوله {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} [سورة الإنسان:5]."
والله أعلم اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
"