شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (08)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء:
حدثنا نصر بن علي الجهضمي وبشر بن معاذ العقدي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس.
قال أبو عيسى: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد، وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء، وإن كان ناسياً أو متأولاً أجزأه، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن.
قال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ثفال المري اسمه: ثمامة بن حصين، ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب، منهم من روى هذا الحديث فقال: عن أبي بكر بن حويطب فنسبه إلى جده.
حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال: حدثنا يزيد بن هارون عن يزيد بن عياض عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته بنت سعيد بن زيد عن أبيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء" يعني قول: بسم الله، في بدايته يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي" ثقة ثبت، توفي سنة خمسين ومائتين "وبشر بن معاذ البصري" الضرير العقدي أبو سهل صدوق من العاشرة "قالا: حدثنا بشر بن المفضل" بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت، عابد من الثامنة "عن عبد الرحمن بن حرملة" بن عمر الأسلمي، صدوق ربما أخطأ "عن أبي ثفال المري" ثمامة بن وائل بن حصين مشهور بكنيته مقبول من الخامسة، وقال البخاري: في حديثه نظر، مختلف في تضعيفه وتقويته، ولذا اختار الحافظ أنه مقبول والعادة أن من يصفه بأنه مقبول يكون فيه كلام كثير لأهل العلم، يختلف فيه اختلافاً كثيراً، وإن لم يكن مكثراً من الرواية، مقل من الرواية وليس في حديثه ما يترك حديثه من أجله، لكن قبوله يحتاج إلى متابع فإن توبع فمقبول وإلا فلين، يقول الإمام البخاري: في حديثه نظر، وهذا جرح شديد، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عفيف اللسان في الجرح، عفيف جداً، قد يكذِّبه ابن معين وأبو حاتم وجمع من أهل العلم ثم يقول البخاري: في حديثه نظر، أو فيه نظر، فهذا جرح شديد عند الإمام البخاري، وهو عند غيره غمز يسير، وليس بشديد، وعلى هذا إذا قيل في الراوي: فيه أو في حديثه نظر فإنه شديد الضعف عند الإمام البخاري.
"عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب" المدني، مقبول أيضاً "عن جدته" أسماء بنت سعيد بن زيد بن نفيل، أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، يقال: إن لها صحبة، يعني قال بعض أهل العلم: إنها صحابية، وذكرها الحافظ الذهبي في المجهولات من النساء "عن أبيها" زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة "قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الأصل قالت وإلا قال؟ قال؛ لأنها تروي عن أبيها ويش عندك؟ ويش عندك؟ نعم حتى في طبعة الشيخ أحمد شاكر مع أنه من أهل التحري والعناية يقول: قالت مع أنها تروي عن أبيه، فالأصل أن يقال: قال، والفاعل ضمير مستتر يعود إلى مذكر لا يجوز تأنيثه بحال "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»" هذا الحديث لو صح لكان نصًا على أن التسمية ركن أو شرط من شروط الضوء، كما أنها شرط لصحة التذكية، التسمية شرط لصحة التذكية، فلو صح مثل هذا الحديث لما صح الوضوء إلا بالتسمية، لكن الكلام في الحديث كثير، ولذا الجمهور على عدم وجوبها، ومنهم من يقدِّر على تقدير ثبوته: لا وضوء كامل، فإذا قدرنا: لا وضوء كامل فلا تشترط التسمية، ولا تكون ركناً من أركان الوضوء، وعلى كل حال لو صح لكان الظاهر من اللفظ الاشتراط، لكان الظاهر من اللفظ الاشتراط، لكن الخبر فيه كلام كثير لأهل العلم، ومر بنا ما في بعض رواته من الضعف.
قال الترمذي: "وفي الباب عن عائشة" أخرجه البزار وابن أبي شيبة وابن عدي بسند ضعيف "وأبي سيعد" عند أحمد والدارمي وابن ماجه "وأبي هريرة" عند أحمد وابن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني والحاكم، لكنه ضعيف "وسهل بن سعد" عند ابن ماجه والطبراني "وأنس" عند ابن حبيب عبد الملك بن حبيب في مصنفه، وكلها ضعيفة، يعني جميع ما جاء في الباب لا يثبت بمفرده، جميع الأحاديث الواردة في الباب على كثرتها لا تثبت بمفردها، لكن بمجموعها ولكثرتها يرى بعض أهل العلم أنها لكثرتها تدل على أن للتسمية أصلاً يرجع إليه، ويركن إليه، ويؤنس به.
"قال أبو عيسى: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد" والإمام أحمد يتحدث عن مفردات هذه الأحاديث، وقال البزار: كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي، وقال ابن حجر الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن لها أصلاً، يعني كلام أحمد والبزار نظر إلى المفردات، مفردات هذه الأحاديث، وأنه لا يوجد واحد منها يثبت بنفسه، وكلام ابن حجر يقويها مجتمعة، فاجتماعها وكثرتها تدل على أن لها أصل.
"وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء، وإن كان ناسياً أو متأولاً أجزأه" تركه متعمداً أعاد الوضوء، وإن تركها ناسياً أو متأولاً أجزأه.
قول إسحاق بناءً على أن التسمية ركن وإلا شرط وإلا واجبة؟ واجبة، إذ لو كانت ركناً أو شرطاً ما عذر فيها الناسي، فدل على وجوبها عنده، ولو كانت مستحبة لما أمر بالإعادة بالنسبة للذاكر فهي عنده واجبة ليست بركن ولا شرط، وليست مستحبة فقط، وهذا قول الظاهرية وأحدى الروايتين عن أحمد القول بوجوبها، يوجبونها على العامد دون الناسي، وذهبت الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنها سنة، ذهب جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنها سنة وليست بواجبة، واحْتُج لهم بحديث: «من توضأ وذكر اسم الله كان طهور لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهور لأعضاء وضوئه» لكنه حديث ضعيف جداً، رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر بسند فيه متروك، فلا يثبت به حكم، عرفنا من يقول بالوجوب أحمد وإسحاق وقول أهل الظاهر والأئمة الثلاثة على استحبابها، موقف الأئمة من حديث الباب، الذي لا يثبت الحديث لا يقول بوجوبها، والذي يثبت الحديث قد يقول بوجوبها، وقد يقول باستحبابها، كيف يقول بوجوبها مع ثبوت «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»؟ والأصل أن مثل هذا النفي مثل «إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» «لا تقبل صلاة بغير طهور» أما بالنسبة للحنفية فالقاعدة عندهم أن الزيادة على النص نسخ، يعني لو ثبت الحديث عندهم فهو زيادة على النص في كتاب الله؛ لأنه ليس فيه ذكر للتسمية، فيه ذكر الفروض الأربعة، وليس فيه ذكر للتسمية فهو زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عندهم، والآحاد لا ينسخ القرآن لأنه قطعي، هذا بالنسبة للحنفية، بالنسبة للشافعية والمالكية، إذا اثبتوا الحديث فإما أن يقولوا: لا وضوء كامل وهنا يتجه القول بالسنية أو يقول: إن الحديث لا يثبت والاستحباب إنما هو مجرد استرواح للخروج من الخلاف، خشية أن يثبت الخبر، بعض أهل العلم يميل إلى أنه إذا لم يثبت الخبر الموجب فأقل الأحوال أن يقال بالسنية خروجاً من الخلاف، وعلى كل حال الحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، والإمام البخاري يقول فيما نقله الترمذي عنه "قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن" أي الذي تقدّم حديث الباب، وقال أحمد وإسحاق: أصح حديث في التسمية حديث أبي سعيد، حديث أبي سعيد مُخرج عند أحمد والدارمي وابن ماجه على ما تقدمت الإشارة إليه.
"قال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ثفال المري اسمه: ثمامة بن حصين" نَسَبه المؤلف لجده وإلا فهو ثمامة بن وائل بن حصين "ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب، منهم من روى هذا الحديث فقال: عن أبي بكر بن حويطب فنسبه إلى جده" يعني جد أبيه وإلا فهو رَباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، فنسبته إلى جد أبيه.
قال -رحمه الله-: "حدثنا الحسن بن علي" بن محمد الهذلي "الحلواني" أبو علي الخلال ثقة حافظ، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين "قال: حدثنا يزيد بن هارون" بن زاذان السُّلَمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن، توفي سنة ست ومائتين، فعندنا الحسن بن الحلواني ثقة حافظ، ويزيد بن هارون ثقة أيضاً "عن يزيد بن عياض" الليثي أبو الحكم المدني كذّبه مالك "عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته بنت سعيد بن زيد عن أبيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله".
فهذه متابعة من يزيد بن عياض لمن؟ لعبد الرحمن بن حرملة، نعم يزيد بن عياض يتابع عبد الرحمن بن حرملة، لكن متابعته لا تغني شيئاً، ولا تجدي في هذا الباب؛ لأن ضعفه شديد كذبه مالك، فمثل هذا لا يستفاد من متابعته التقوية، كما هو معروف عند أهل العلم.
يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: قال علمائنا: إن المراد بهذا الحديث: «لا وضوء لمن لم يذكر الله اسم الله عليه» يقول ابن العربي: قال علمائنا: إن المراد بهذا الحديث النية، وليس المراد به التسمية؛ لأن الذكر لمن لم يذكر؛ لأن الذكر يضاد النسيان، والشيئان إنما يتضادان بالمحل الواحد، فمحل النسيان والذكر متفاوت في القلب وذكر القلب هو النية، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ لمن لم يذكر اسم الله عليه ظاهر اللفظ، هو الذي فهمه عامة أهل العلم أن المراد التسمية {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام] يعني الذي ما يقال فيه: بسم الله، هذا الظاهر من اللفظ ولم يختلفوا في وجوب التسمية في التذكية، ولم يقل أحد: إن النية تكفي؛ لأن الذكر يضاد النسيان، نعم النية شرط لصحة الوضوء إلا ما يذكر عن أبي حنيفة أنها ليست بشرط، ويشترطها في التيمم دون الوضوء، النية شرط لصحة الوضوء لحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ودخل في ذلك جميع أبواب الدين.
يقول ابن العربي: يقول علمائنا: إن المراد بهذا الحديث النية؛ لأن الذكر يضاد النسيان والشيئان إنما يتضادان بالشيء الواحد فمحل الذكر والنسيان متفاوت في القلب، وذكر القلب هو النية، يريد أن يخرج الحديث على معنى له ما يشهد له من الأحاديث الصحيحة، وهو حديث: الأعمال بالنيات، فكثرة طرق والأحاديث في هذا الباب.. هي أحاديث لأنها مروية عن جمع من الصحابة كثرتها تدل على أن لها أصلاً، فابن العربي يريد أن يوجه هذه الأحاديث الواردة في الباب مع ما لا يتعارض مع مذهبه الذي لا يوجب التسمية، الذي لا يوجب التسمية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك فيرى ابن العربي أن التسمية كما أنها لا تجب أيضاً لا تستحب، لماذا؟ لأن النص الذي يثبت به الاستحباب هو النص الذي يثبت به الوجوب، فإذا لم نثبته دليلاً على الوجوب حينئذٍ لا يثبت دليلاً على الاستحباب، يعني هل يمكن أن يكون نص واحد يثبت أو لا يثبت؟ أو يستدل به ولا يستدل به في آن واحد؟ هو ما يرى مثل هذا الكلام، يعني إذا لم نقل بوجوب التسمية لثبوت الخبر، فإذا لم نثبت الخبر دليلاً على الوجوب فإننا لا نثبته دليلاً على الاستحباب لأن المناط واحد، المتعلق واحد، الجهة واحدة غير منفكة، يعني ما يكون جهة إثبات وجهة نفي والمناط واحد ما يمكن، لكن الذين قالوا بالاستحباب قالوا: الخروج من الخلاف خشية أن يثبت دليل المخالف مع أن من لم يذكر اسم الله عليه وضوؤه صحيح، فإذا ذكر وسمى الله -جل وعلا- على وضوئه ما تضرر، فإن ثبت الخبر فبها ونعمت وإن لم يثبت فإنه حينئذٍ لا يتضرر، لكن القول بالاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بما يثبت به الوجوب، حينما يقال: هذا الحديث إن لم يدل على الوجوب فأقل ما يستدل به على الاستحباب، يعني التنظير المطابق لمثل هذا القراءة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأسانيد صحيحة لكنها خارجة عن المصحف، هي لا تثبت قرآن، لكن هل يجب العمل بها أو لا يجب؟ هي ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا تأملنا في التطبيق، يعني في التنظير في هذه المسألة على المسألة التي معنا بان لنا الوجه الذي ذهب إليه ابن العربي، ابن العربي يقول: إذا نفينا الحديث ننفيه بالكلية، إيش معنى ننفيه من جهة ونثبته من جهة؟ لأن المتعلَّق واحد هو الثبوت، فإن ثبت دل على الوجوب وإلا فلا، لا وجوب ولا استحباب، هذه القراءة التي ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأسانيد صحيحة وقرأ بها بعض الصحابة مما لم يُثبت في مصحف عثمان، هي لا تثبت قرآن ولا تصح الصلاة بها، لكن هل يعمل بمقتضاها "صيام ثلاثة أيام متتابعة"، "فاقطعوا أيمانهما"؟ يجب العمل بهذه القراءة ونحن لا نثبتها قرآن؟ يعني مرد المسألتين هو الثبوت وعدمه، فإن أثبتنا رتبنا جميع ما يتعلق بالثبوت، وإذا نفينا الثبوت نفينا جميع ما يتعلق بالثبوت، فمن أهل العلم من يقول: إذا لم تثبت قرآن لا يستدل بها لأننا لا يمكن أن نحكم بأنه ثابت من وجه غير ثابت من وجه الثبوت جهة واحدة، فلا نعمل بالقراءة إذا لم نثبتها قرآن هي ما ذُكرت على أساس أنها خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأخبار النبوية إنما رويت على أنها قرآن ولو لم نثبتها قرآن، هذه حجة من يقول: لا يستدل بها ولا يحتج بها، ومن يقول: إنه يحتج بها ويستدل بها يقول: لم نثبتها قرآن؛ لأنه يُطلب لثبوت القرآن أكثر مما يطلب لثبوت السنة، فأقل الأحوال إذا لم تثبت قرآن وأسانيدها صحيحة أقل الأحوال أن تكون في حكم الخبر النبوي، والحكم الشرعي يثبت بالحديث النبوي وبالقراءة التي لا تثبت على أنها قرآن، بعد هذا التنظير نعود إلى كلام ابن العربي، ابن العربي يقول: إذا لم نثبت الوجوب لأننا لا نثبت هذه الأحاديث فالاستحباب أخو الوجوب، الاستحباب أخو الوجوب، وكلاهما يحتاج إلى دليل، والاستحباب والوجوب من الأحكام الشرعية، والأحكام لا تثبت بالضعيف، عامة أهل العلم على أن الأحكام لا تثبت إلا بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، سواء كان صحيحاً أو حسناً، أما الضعيف فلا يثبت به حكم شرعي، يثبتون به الفضائل، الجمهور يثبتون بالضعيف الفضائل، وقد يقول قائل: إن هذه فضائل، فإذا قلنا: إن مثل التسمية فضيلة من الفضائل، وأنها تندرج تحت أصل عام، والضعف ليس بشديد، وعند العمل بها لا يعتقد الثبوت وإنما يعتقد الاحتياط هذه يشترطها أهل العلم للعمل بالضعيف في الفضائل، وقالوا: إن التسمية من الفضائل، لكن إذا قلنا: إن التسمية من الفضائل، وقلنا باستحبابها أتينا على أصل الجمهور بالنقض، لماذا؟ لأن الضعيف لا يثبت به أحكام، والاستحباب حكم شرعي اتفاقاً، ولهذا يذهب جمعٌ من أهل التحقيق أنه لا يثبت بالضعيف ولا الفضائل؛ لأن مؤدى الفضيلة إثبات أجراً مرتب على هذه الفضيلة، وإذا ترتب الأجر على الفعل ولم يترتب الإثم على الترك فهذه حقيقة المستحب، والمستحب والمسنون والمندوب مترادفة لحكم شرعي، وهو ما طلبه الشرع لا على سبيل الإلزام والإيجاب.
قال: وكما لا تجب كذلك لا تُستحب، وقد سئل مالك عن ذلك، سئل مالك عن التسمية على الوضوء، فقال: أتريد أن تذبح؟ إشارة إلى أن التسمية إنما هي مشروعة عند الذبح، لكن التسمية مشروعة عند الذبح وغير الذبح، عند دخول المنزل، وعند إغلاق الباب، وعند الأكل، وعند الشرب، مشروعة في كثير من الأعمال، فليست خاصة بالذبح ليقال: أتريد أن تذبح؟ على كل حال سمعنا ما في الحديث من ضعف وأن جميع ما في الباب لا يثبت به حكم بمفرداته وإن كان مجموع الأحاديث لكثرتها تدل على أن لهذه المسألة أصلاً يجعل لمن قال بالوجوب أو الاستحباب وجه.
الشيخ: أحمد شاكر -رحمه الله- بعدما سمعنا في كلام أهل العلم في أبي ثِفال وقول البخاري: في حديثه نظر، الشيخ -رحمه الله- يقول: إسناد حديث الباب وهو حديث سعيد بن زيد إسناد جيد حسن، فأبو ثفال المري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: في القلب من حديثه هذا، فإنه اختلف فيه عليه، ورباح بن عبد الرحمن قاضي المدينة ذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين، وجدّته هي أسماء بنت سعيد بن زيد، قال الحافظ في التلخيص: قد ذكرت في الصحابة وإن لم يثبت لها صحبة فمثلها لا يسأل عن حالها، مثلها لا يسأل عن حالها يعني هي مختلف في صحبتها أو هي من كبار التابعين، وبنت سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة فمثلها يعني تميل النفس إلى أنها ثقة، بل زاد الحافظ فقال: إن مثلها لا يسأل عن حالها، وقولهم في الراوي: فلان لا يسأل عن مثله في أعلى درجات التوثيق، لكن هل يلزم من كون المرء ذكراً كان أو أنثى نشأ في بيت صالح أن يكون ثقة؟ لا، المسألة مترددة بين كونها صحابية أو من كبار التابعين الذين قرر ابن الصلاح أنهم من الذين تقادم العهد بهم، وأنهم في القرون المفضلة، فمثلهم لو قيل بتوثيقهم لما بعد، وارتفاع الجهالة عنهم بذلك، وإلا فالحافظ الذهبي عدها في المجهولات من النساء.
يقول: وإن لم يثبت لها صحبة فمثلها لا يسأل عن حالها، وقال أيضاً بعد تخريج ما ورد في الباب من الأحاديث: والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله؛ لأنه نظر إلى المجموع، وعلى كل حال المسألة مثل ما ترون فيها الخلاف القوي، فمن ضعّف نظر إلى المفردات، ومن أثبت نظر إلى المجموع، وأما المتابع يزيد بن عياض فهو ضعيف جداً كذبه مالك، ورماه مالك وابن معين وغيرهما بالكذب، يقول أحمد شاكر: وكان الأجدر بالترمذي أن يدع رواية حديثه، وقد سبق أن رواه بإسناد جيد؛ لأن عبد الرحمن بن حرملة راوي الإسناد الأول ثقة فلا حاجة للانتقال بعده إلى راوٍ أخر غير ثقة، يعني وجوده مثل عدمه، الراوي شديد الضعف لا يستفاد منه شيء، لا إثبات أصل ولا تقوية، وعلى كل حال من ذكر التسمية وسمى من باب الاحتياط لا يلام خروجاً من خلاف الأئمة، نعم.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد وجرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا توضأت فانتثر، وإذا استجمرت فأوتر».
قال: وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حجر وأبي هريرة.
قال أبو عيسى: حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح، واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق، فقالت طائفة منهم: إذا تركها في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة، ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء، وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال أحمد: الاستنشاق أوكد من المضمضة.
قال أبو عيسى: وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة، وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك والشافعي في آخرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق" المضمضة في اللغة التحريك، ويراد بها وضع الماء في الفم وتحركيه، وهل المج من مسماها من مسمى المضمضة؟ مسألة خلافية، يعني الأصل في المضمضة أنها وضع الماء في الفم، وإدارة هذا الماء، وتحريكه في الفم، لكن هل من مسمى المضمضة مج الماء وإخراجه من الفم أو يكفي في المضمضة أن يوضع الماء ويحرك في الفم بحيث لو ابتلعه المتوضأ سمي متمضمضاً أو لا؟ خلاف بين أهل اللغة، يعني هل من مسماها المج أو ليس مسماها؟ فعلى القول بأنه من مسمى المضمضة لا تتم المضمضة إلا إذا مج الماء، وإذا قلنا: إنه ليس من مسماها قلنا: إنه إذا ابتلعه كفى، إذا وضعه في فمه وحرّكه ثم ابتلعه يكفيه.
والاستنشاق: هو إدخال الماء في الأنف بالنفس جذبه إلى داخل الأنف بالنفس، والاستنثار: إخراجه من الأنف بالنفس كذلك، فلا بد من إدخال الماء، وبعض الناس لا يتأكد من هذا، بل بعض الناس مجرد ما يضع الماء على طرف أنفه يظن أنه استنشق، وهذا لا يكفي، حتى يبالغ في الاستنشاق الذي جاء به الأمر في حديث لقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً».
قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في المضمضة والاستنشاق"
قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد" وكلاهما تقدم "وجرير" هو ابن عبد الحميد بن قرط الظبي الكوفي، نزيل الري، ثقة، توفي سنة ثمان وثمانين ومائة "عن منصور" بن المعتمر، ثقة ثبت، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة "عن هلال بن يساف" يَساف ويِساف بفتح الياء وكسرها، وبالهمز إساف، الأشجعي مولاهم، ثقة، من أوساط التابعين "عن سلمة بن قيس" الأشجعي صحابي سكن الكوفة "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا توضأت فانتثر»" الانتثار الأصل فيه إخراج الماء بعد الاستنشاق، الانتثار هو من نثر الماء وإخراجه من الأنف بعد الاستنشاق، لكن منهم من يرى أن الانتثار هو الاستنشاق، فيقول ابن العربي: الانتثار هو إدخال الماء في الأنف مأخوذ من النثرة وهو الأنف، يعني إذا أخذناه من النثرة قلنا: هو الاستنشاق، وإذا أخذناه من النثر فهو إخراج الماء لا إدخاله، «إذا توضأت فانتثر» وهذا أمر «وإذا استجمرت فأوتر» يعني إذا استعملت الجمار وهي الحجارة الصغيرة في الاستنجاء فأوتر يعني اقطعه على وتر على ألا يقل العدد عن ثلاث كما تقدم في حديث سلمان، فإذا أنقى بالثلاث فبها ونعمت، وإذا احتاج إلى رابعة فليوتر بخامسة امتثالاً لهذا الأمر «وإذا استجمرت فأوتر» وهذا هو الظاهر من لفظ الحديث، وعلى هذا فهمه عامة أهل العلم، وقال بعضهم: إذا استجمرت إذا استعملت المجمرة في الطيب فأوتر، يعني تطيب منها ثلاثاً، لكن هذا بعيد، فهم بعيد، وليس هو الظاهر من لفظ الخبر، ففي الحديث الأمر بالانتثار، ولا يكون إلا بعد الاستنشاق إن لم يكن هو الاستنشاق على قول ابن العربي وغيره.
"قال: وفي الباب عن عثمان" متفق عليه "ولقيط بن صبرة" رواه أحمد والأربعة "وابن عباس" عند أبي داود وابن ماجه "والمقدام بن معد كرب" عند أبي داود و "وائل بن حجر" عند الطبراني في الكبير والبزار "وأبي هريرة" عند الشيخين، متفق عليه.
"قال أبو عيسى: حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح" وهو مخرّج عند النسائي "واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق، فقالت طائفة منهم: إذا تركهما" يعني المضمضة والاستنشاق "في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة" يعيد الصلاة؛ لأن وضوءه ناقص "ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء، وبه يقول ابن أبي ليلى" يعني المضمضة والاستنشاق واجبان معاً، المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى في الوضوء والغسل "وبهذا يقول ابن أبي ليلى" ابن أبي ليلى عندنا مجموعة مترجم لهم منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة متقن من رواة الصحيح، ومنهم ابنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مُضعّف في الحديث، فأيهما المراد؟ يعني في كتب الفقه التي تذكر المذاهب لا تخلو مسألة عن ذكر لابن أبي ليلى ولا يسمونه، وبهذا يقول: ابن أبي ليلى وفلان وفلان وفلان كما عندنا، وقد بُحث فقه ابن أبي ليلي في رسالة -رسالة دكتوراه- لكنه أشكل على الباحث تعيين أبي ليلى؛ لأن في أكثر من واحد ابن أبي ليلى، فعبد الرحمن الأب ثقة متقن من رجال الكتب، من رجال الصحيحين وغيرهما، وابنه محمد رمي بسوء الحفظ، فأيهما المقصود؟ نعم؟
طالب:........
الابن وإلا الأب؟
طالب:........
الغالب الأب لأنه ثقة.
طالب:........
طيب.
طالب: أقول: في الفقه الابن.
الابن، يقول النووي والذي حل الإشكال يقول في شرح مسلم: وابن أبي ليلى -لما تكلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الحافظ الثقة المتقن المحدث المشهور- قال: وابن أبي ليلى الذي يدور اسمه كثيراً عند الفقهاء هو ابنه محمد، القاضي الفقيه، الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وليس الأب، وأنتم مرَّ بكم من الفقهاء الكبار من لا تقبل روايته، من القراء الكبار من تُكلِّم في حفظه كما تقدم لنا في عاصم بن أبي النجود، فلا يدل هذا على الضعف المطلق، نعم قد تكون الحافظة عند بعض الناس أقل من الفهم، وبعض الناس الحافظة عنده أقوى من الفهم، وهذا يغلب عليه الرواية وذلك تغلب عليه الدراية، وكل يستفاد منه في فنه، وإذا جمع الله للإنسان الأمرين معاً الحفظ والفهم نعمة، إن استغلت فيما يرضي الله -جل وعلا- فهذا شكرها، وإن لم تستغل فكم في أسواق المسلمين من العباقرة الذين لم يستفيدوا من ذكائهم لا في دينهم ولا دنياهم، تجدهم من أكثر الناس حيل ونصب، وحيل تدل على دهاء، لكن ما الفائدة تجدهم أفقر الناس، المقصود أن الحفظ مع الفهم نعمة من نعم الله وهما بعد الإخلاص لله -جل وعلا- وسلوك الطريق والجادة هما من أقوى ما يعين على التحصيل.
"وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك" الإمام المجاهد المعروف الذي جمعت له أبواب الخير "وأحمد" بن حنبل "وإسحاق" بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بن راهويه، واستدلوا بحديث الباب: «إذا توضأت فانتثر» لكنه يدل على الاستنشاق دون المضمضة، والمضمضة جاء ما يدل عليها: «إذا توضأت فمضمض».
"وقال أحمد: الاستنشاق أوكد من المضمضة" نعم لأن الوارد فيه من النصوص أكثر مما ورد في المضمضة، ولو لم يكن فيه إلا حديث: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً».
"قال أبو عيسى: وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة" وهو قول أبي حنفية ومن تبعه فعندهم أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء لحديث: «توضأ كما أمرك الله» فأحاله على الآية، وليس في الآية ذكر المضمضة والاستنشاق، وأيضاً الغسل يُطلب فيه الاستيعاب دون الوضوء، الغسل يطلب فيه استيعاب البدن وهما من البدن دون الوضوء، فأوجبا في الغسل دون الوضوء هذا عندهم، كون المضمضة والاستنشاق لم يذكرا في آية المائدة هل يدل هذا على عدم الوجوب؟ وفي الحديث: «توضأ كما أمرك الله» فأحاله على الآية، الآية ليس فيها تنصيص على المضمضة والاستنشاق، لكن الخلاف في فهم الآية بين أهل العلم كل منهما، كل منهم يستدل بالآية لمذهبه، فالذي يقول: بالوجوب -بوجوب المضمضة والاستنشاق- يقول: إن الفم والأنف من مسمى الوجه الذي جاء الأمر بغسله، من مسمى الوجه الذي جاء الأمر بغسله، والذي يقول: لا يجب لا مضمضة ولا استنشاق يقول: ليسا من مسمى الوجه؛ لأنهما لا تحصل بهما المواجهة، فإذا أردت أن تواجه مخلوقاً من المخلوقين هل تفغر فاك لمواجهته ليكون الفم من مسمى المواجهة؟ هذه حجة من يقول: إن المضمضة والاستنشاق لا تدخلان في الآية، وعلى كل حال جاء ما يدل على وجوبهما من السنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على المضمضة والاستنشاق، وكل من وصف وضوءه -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه تمضمض واستنشق، وهذا بيان للمجمل المأمور به في الآية.
"وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك في آخرة" يعني في آخر أمره.
قال الشارح: ليس لهذا الطائفة دليل صحيح، وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار قاله في النيل.
ابن العربي يقول: اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الطهرين على أربعة أقوال:
الأول: أنهما سنتان في الطهارتين، قاله مالك والشافعي والأوزاعي وربيعة.
والثاني: أنهما واجبتان فيهما قاله أحمد وإسحاق.
والثالث: أن الاستنشاق واجب والمضمضة سنة قاله أبو ثور.
والرابع: أنهما واجبتان في الغسل سنتان في الوضوء قاله الثوري وأبو حنيفة، وعلى كل حال المتجه القول بالوجوب لورود الأمر بهما؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حُفظ عنه أنه توضأ دون مضمضة واستنشاق، وفعله -عليه الصلاة والسلام- بيان للمجمل في آية الوضوء، نعم.
عفا الله عنك.
باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد:
حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن عباس.
قال أبو عيسى: وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب، وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد بن عبد الله ثقة حافظ عند أهل الحديث، وقال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كف واحد يجزئ، وقال بعضهم: تفريقهما أحب إلينا، وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة" أو كف واحد، جاء بهذا وهذا، والكف يُذكر ويؤنث كما قال أبو حاتم، يذكر ويؤنث كما ذكر ذلك أبو حاتم، ومن أبو حاتم؟ نعم؟
طالب:........
ويش هو؟ الرازي؟ أبو حاتم الرازي؟ هذا قصدك؟
طالب:........
غيره.
طالب:........
أبو حاتم بن حبان، غيره.
طالب:........
كل يرجع إليه في فنه، هل هذا من اهتمام أبي حاتم الرازي؟ هل هذا من اهتمام أبي حاتم بن حبان؟ هذا أبو حاتم السجستاني من كبار الأئمة في اللغة، يعني كما ينقل في كتب اللغة كثير كثير يمكن في كل صفحة من صفحات لسان العرب وغيره "قال الليث" الليث من؟ ابن سعد هذا اهتمام ابن سعد؟! لا بد من التحري في مثل هذه الأمور والانتباه لها، يعني واحد ممن يزعم التخصص في السنة مثلاً يقرأ في فتح الباري مثلاً، وفي كل حديث مثلاً يقول الحافظ: رواية أبي ذر، قال أبو ذر، والذي في رواية أبي ذر، ثم يأتي مستغرباً يقول: الذي كنا نحفظه أن أبا هريرة هو أحفظ الصحابة، لكن لما قرأنا في فتح الباري رأينا أن أبا ذر أحفظ بكثير من أبي هريرة، مثل واحد يعلق على صحيح البخاري: قال أبو موسى: "والهرج القتل بلسان الحبشة" فترجم لأبي موسى المديني المتوفي سنة خمسمائة وأربعين، هذا جهل، فلا بد أن ينظر للإنسان وما يحسنه وما يتقنه، قال الليث في لسان العرب وفي كل صفحة نقول: الليث بن سعد؟ أو هنا أبو حاتم الرازي أو غيره قال أبو موسى: ترجم لأبي موسى المديني بعد البخاري بثلاثمائة سنة، والخبر في البخاري وأبو موسى المراد به الراوي أبو موسى الأشعري راوي الحديث، وهنا أبو حاتم السجستاني والليث بن المظفّر إمام من أئمة اللغة، فلا بد من الانتباه لمثل هذه الأمور وإلا يقع الإنسان في الخطأ المضحك، ويتكايس بعضهم يقول في تعريف لُغوي في مسألة يقول: إن لم يكن ابن سعد فلا أدي من هو؟ نعم لا تدري من هو.
قال: "حدثنا يحيى بن موسى" بن عبد ربه الحداني البلخي أبو زكريا لقبه: خت، قد يخلط بعض القراء من مبتدئي الطلبة فيقول: خت هذه لعل المراد خرج له البخاري تعليقاً كما هي رمز لتحفة الأشراف، وأيضاً كتب الرجال إذا خرج البخاري لراوي تعليقاً علم عليه بالعلامة هذه، "خ، ت" خت، وهو لقبه: خت، ثقة مأمون، توفي سنة أربعين ومائتين "قال: حدثنا إبراهيم بن موسى" بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفرّاء الحافظ "الرازي" المتوفى سنة عشرين ومائتين "قال: حدثنا خالد بن عبد الله" بن عبد الرحمن مولاهم الواسطي الطحان، ثقة ثبت "عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن المازني، سِبط عبد الله بن زيد، ثقة "عن أبيه" يحيى بن عمارة "عن عبد الله بن زيد" عن عاصم، عبد الله بن زيد عن عاصم راوي حديث الوضوء، ويروي أحاديث أخرى غير حديث الوضوء، لكنه يختلف عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الآذان، راوي قصة الآذان يختلف عنه، وإن وهم سفيان بن عيينة فجعلهما واحداً، ورد عليه، رد عليه الإمام البخاري في صحيحه وغيره، فهما اثنان عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الآذان "قال عبد الله بن زيد: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد" ولو قرأنا تعليق الشيخ على هذه الجملة يقول الشيخ: في جميع الأصول واحد بالتذكير إلا في (ب) يعني بولاق، فإن فيها واحدة بالتأنيث، وأخشى أن يكون هذا من تصرف المصححين في مطبعة بولاق، ومن المستغرب أن عنوان الباب في كل النسخ بما فيها (ب) التي هي بولاق "من كف واحد" بالتذكير، والكف يذكر ويؤنث كما نقله في عون المعبود عن أبي حاتم السجستاني، ونقل السيد مرتضى في شرح -يعني الزبيدي- في شرح القاموس عن شيخه ابن الطيب الفاسي قال: هي مؤنثة، وتذكيرها غلط غير معروف، وإن جوزه بعضهم تأويلاً، وقال بعض: هي لغة قليلة، فالصواب أنه لا يعرف، وما لم يعرفه ابن الطيب عرفه غيره والعبرة بالأصول الصحيحة، وأطال في تقرير هذه المسألة، وأن الكف يذكر ويؤنث "قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً" قال النووي: فيه حجة صريحة للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون ثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها، وقال الحافظ في الفتح: وهو صريحٌ في الجمع في كل مرة.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن عباس" وهو مخرج عند البخاري والنسائي، ورواه الدارمي وابن حبان والحاكم بإسناد جيد.
"قال أبو عيسى: وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب" حديث عبد الله بن زيد مخرج في الصحيحين، وفيه ما ذكره المؤلف -رحمه الله- فكيف يقول: حديث حسن غريب والحديث مخرج في الصحيحين؟ على كل حال المؤلف ليس بملزم بتقليد أحد، يعني لا يعني أن الحديث في الصحيحين أن الترمذي ملزم بتقليد البخاري أو مسلم، لا هو يقرر بما يعتقد ويدين الله به، يقول: حديث حسن وغريب، وسبب الحكم عليه بالغرابة لأنه تفرد بالزيادة خالد بن عبد الله الطحان "وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف" أي هذا اللفظ "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض واستنشق من كف واحد" هذا الحرف يعني هذه الجملة التي تفرد بها خالد بن عبد الله قال: "وإنما ذكره خالد بن عبد الله عن الطحان، وخالد بن عبد الله ثقة حافظ عند أهل الحديث" يعني ممن يحتمل تفره، فالزيادة مقبولة من مثله، الزيادة من مثله مقبولة، يقول ابن العربي: إذا تفرد الحافظ بزيادة فهي مسألة من أصول الفقه والصحيح قبولها، ووجوب العمل بها كما بيناه هناك، يعني في كتابه في أصول الفقه، وانظر تفصيل القول في ذلك في اختصار علوم الحديث لابن كثير وشرحنا عليه، وإنما استغرب الترمذي هذا الحديث لزيادة خالد هذا الحرف، والغرابة لا تنافي الصحة كما هو معروف في علم المصطلح، فحديث: إنما الأعمال بالنيات غريب وهو مخرج في كتب السنة بما في ذلك الصحيحان، وقد قال الترمذي في كتاب العلل من هذا الكتاب: ورب حديثٍ إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، فهذا وجه صنعه هنا، يعني حكم عليه بأنها غريبة لتفرد خالد بن عبد الله الطحّان، ومعلوم أن الغرابة والغريب من الحديث فيه الصحيح وفيه الحسن وفيه الضعيف، فالغرابة لا تنافي الصحة، وقال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة يجزئ، مع أنه ثابت في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، فقال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة يجزئ، وقال بعضهم تفريقهما أحب إلينا وهذا قول الإمام أبي حنيفة، وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا هذا قول للشافعي، والثاني: ترجيح الوصل، وهو المنصوص عليه في الأم للإمام الشافعي، والتفريق نقله البويطي عن الإمام الشافعي، يقول ابن القيم في زاد المعاد: وكان هديه -صلى الله عليه وسلم- الوصل بين المضمضة والاستنشاق كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً، وفي لفظ: تمضمض واستنثر بثلاث غرفات، فهذا أصح ما روي في المضمضة والاستنشاق، ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة، والوصل بينهما هو مذهب أحمد والشافعي، ومذهب أبي حنيفة الفصل بينهما بأن يتمضمض ثلاثاً بثلاث غرفات، يعني ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات، على كل حال الصور الجائزة في مثل هذا متعددة، منها ما دل عليها حديث الباب ثلاث غرفات في كل غرفةٍ مضمضة واستنشاق من كف واحدة، يغترف بيده يتمضمض ويستنشق في آن واحد ثلاث مرات، أو يتمضمض من كف واحدة ثلاث مرات ويستنشق من كف واحدة ثلاث مرات أو يتمضمض ثلاث مرات بثلاثة أكف ويفعل بالاستنشاق مثل ذلك فيكون ستة أكف للمضمضة والاستنشاق، وتمام القسمة عندهم أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة ثلاثاً ثلاثاً، لكن مثل هذا يحتاج إلى كف كبيرة، يقول: ومذهب أبي حنيفة الفصل بينهما بأن يتمضمض ثلاثاً بثلاث غرفاتٍ ثم يستنشق كذلك لحديث طلحة بن مصرِّف عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "توضأ فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً فأخذ لكل واحدةٍ ماء جديداً" رواه أبو داود وسكت عنه والطبراني، في اسناديهما ليث بن أبي سليم ضعيف، ومصرِّف والد طلحة مجهول، واختلف الأئمة في الفصل والوصل إنما هو في الأفضلية لا في الجواز وعدمه، وعلى كل حال المرجح في المسألة الوصل، وعلى هذا يدل على حديث الصحيحين، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في تخليل اللحية:
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية عن حسان بن بلال قال: رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته، فقيل له أو قال: فقلت له: أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني ولقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلل لحيته؟
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وعائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب.
قال أبو عيسى: وسمعت إسحاق بن منصور يقول: قال أحمد بن حنبل: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال حديث التخليل.
قال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان.
قال أبو عيسى: وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي، وقال أحمد: إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز، وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاده.
حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تخليل اللحية" التخليل المراد به إدخال الماء في خلل شعر اللحية، يعني بين الشعرات، بين الشعر، هذا هو التخليل بين الخلل وهي الفروج التي بين الشعر، ومنه الخلِال الذي يخلل به ما بين الأسنان، ومنه أيضاً الخلل لوجود فجوات وأشياء بين الأمور المتماسكة، واللحية أسم لجمع الشعر على الخدين والذقن.
"باب: ما جاء في تخليل اللحية"
"حدثنا -محمد بن يحيى- بن أبي عمر" العدني تقدم "قال: حدثنا سفيان بن عيينة" أبو محمد الهلالي المكي "عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية" ضعيف، وقد تقدم، وإن روى عنه مالك لكنه ضعيف، وسبق الكلام عنه "عن حسان بن بلال" المزني البصري، وثَّقه ابن المديني "قال: رأيت عمار بن ياسر" بن عامر بن مالك العنسي أبو اليقظان صحابي من السابقين الأولين "رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته" أي أدخل أصابعه في خلال لحيته "فقيل له" أي قيل لعمار "أو قال" حسان بن بلال "فقلت له" أي لعمار "أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني ولقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلل لحيته؟" وهو القدوة، فإذا رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن بد من الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة" سفيان بن عيينة يروي عن عبد الكريم بن أبي المخارق في الطريق الأول، وفي الثاني عن سعيد بن أبي عروبة اليشكري البصري ثقة حافظ "عن قتادة" بن دعامة السدوسي، مكثر من التدليس "عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله" علة الطريق الأول علته عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف، هذا علة الطريق الأول، علة الطريق الثاني ابن أبي عمر ما فيه إشكال، وكذلك سفيان بن عيينة وسيعد بن أبي عروبة وقتادة وحسان كلهم ثقات، لكن الإشكال في التدليس، يقول الحافظ في التلخيص: حسان ثقة لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد، يقول حسان يعني الراوي عن عمار ثقة، لكن الآفة في الطريق الثاني أن ابن عيينة لم يسمعه من سعيد بن أبي عروبة وقتادة لم يسمعه من حسان، فالحديث بالإسنادين ضعيف، الإسناد الأول فيه ضعف عبد الكريم بن أبي المخارق، والثاني فيه الانقطاع في موضعين، يقول ابن حجر: لم يسمعه ابن عيينة من سعيد ولا سمعه قتادة من حسان، ففيه انقطاع باثنين.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان" وهذا سيأتي ذكره قريباً "وعائشة" عند أحمد "وأم سلمة" عند الطبراني والعقيلي والبيهقي "وأنس" عند أبي داود "وابن أبي أوفى" عند أبي عبيد في الطهور "وأبي أيوب" عند ابن ماجه والعقيلي، وفي الباب أحاديث كثيرة جداً ذكرها الزيعلي في نصب الراية، والحافظ ابن حجر في التلخيص، وهذا الحديث يشبه الحديث السابق حديث: التسمية، له طرق كثيرة جداً، وله رواة جمع من الصحابة لكن كلها لا يسلم منها شيء بمفرده.
"قال أبو عيسى: وسمعت إسحاق بن منصور -الكوسج- يقول: قال أحمد بن حنبل: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال" يعني على ضعفه، عبد الكريم بن أبي المخارق ضعف، وفيه أيضاً انقطاع "لم يسمع من حسان بن بلال حديث التخليل" فهو منقطع كالطريق الثاني "وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان" يعني الذي يأتي قريباً، أصح شيء هل يلزم من هذا أن يكون صحيحاً؟ مر بنا مراراً أن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها "أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان" قال ابن أبي حاتم في العلل: سمعت أبي يقول: لم يثبت في تخليل اللحية حديث، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح، لكن كثرة هذه الأحاديث تدل على أن لتخليل اللحية أصلاً فلا أقل من الاستحباب، وإلا فالأصل أن البشرة من المفروض محل الفرض إذا غطيت بالشعر يكفي غسل الشعر دون ما تحته كمسح شعر الرأس.
"قال أبو عيسى: وقال بهذا -يعني تخليل اللحية- أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي، وقال أحمد: إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز" نعم عنده لا يثبت في الباب شيء فإن سها عنه فهو جائز، معناه إن ذكره فليخلل اللحية ليخرج على أقل الأحوال من الخلاف "وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاد" الوضوء، يعني كما تقدم عنه في التسمية سواء.
قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا عبد الرزاق" بن همّام "عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي "عن عامر بن شقيق" الأسدي الكوفي، وهو لين الحديث "عن أبي وائل عن عثمان بن عفان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته" وفي حديث أنس عند أبي داود: "وأخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل لحيته" خلل به لحيته.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" قال الترمذي في علله الكبير: قال محمد بن إسماعيل: أصح شيءٍ في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن، وأشار إليه فيما تقدم: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان، وعلى كل حال الحديث له طرق، ومروي عن جمع من الصحابة، فالاستحباب متجه.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"الانحراف الذي يُقبل لصحة الصلاة لا يجوز اعتماده لقضاء الحاجة، الانحراف اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة لا يكفي للانحراف في قضاء الحاجة.
جاء في الحديث: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» فتغطية الشعر مما يشترط لصحة الصلاة.
هل تكون باطلة وهل تعيدها أم لا؟
على كل حال إذا طال الفصل لا بد من الإعادة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، وهذه عادمة للسترة فنسيانها لا يبرئها من التبعة، فلا بد من الإعادة.
الكذب لا شك أنه معصية، والإنسان لا يزال يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والكذب -نسأل الله العافية- إذا تساهل فيه الإنسان واستمرأه صار لا يتورع على الكذب على..، قد يجره الكذب في حديثه العادي إلى أن يكذب على الله وعلى رسوله كما هو مجرب ومشاهد -نسال الله السلامة والعافية- فالسيئة لا تنتهي عند حد.
قلنا: إن من يحسن قراءة الحروف الفارسية وإن كانت بالعربي فعليه بالطبعة الهندية الأولى، والذي لا يحسن ذلك فعليه بالطبعة السلفية.
نعم ورد النهي وصح به الخبر، ومن شرب قائم فليقء، وشرب النبي -عليه الصلاة والسلام- من شن معلق، وشرب من زمزم قائماً، فمنهم من يقول: إن شربه لبيان الجواز والنهي للكراهة، ومنهم من يقول: ناسخ، ومنهم أنه شرب قائماً لأن المكان غير مناسب للجلوس، وعلى كل حال على الشارب أن يشرب جالساً.
إيش؟ ثلث الليل، ثلث الليل يقسم الليل من غروب الشمس إلى طلوع الصبح على ثلاثة، ثم بعد ذلك يعرف الثلث، وأما خروج وقتها فبالنصف، نصف الليل.
(بصائر ذوي التمييز) هذا لفيروز أبادي صاحب القاموس، هذا كتاب مهم جداً في خدمة كتاب الله -جل وعلا- في شرح مفرداته وتراكيبه وجمله وأشباهه ونظائره، لا يستغني عنه طالب علم.
إذا عطس إنسان وهو وحده نعم يحمد الله -جل وعلا-، فعليه أن يؤدي ما عليه، ولو لم يشمت.
الدعوة في كل وقت فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي بهذا الشرط، إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
نعم يعيد الصلاة.
ذكر اسم الله يعني بالتسمية،
وهل المراد بالباب باب البيت وإلا باب الشارع أو كلاهما؟
على كل باب يغلق، كل باب يغلق يذكر اسم الله عليه.
اللهم صل على محمد.
المضمضة إدخال الماء بالكف في الفم وإدارته ثم مجه وهذا هو الأحوط، وأما بالنسبة للاستنشاق فهو جذب الماء داخل الأنف بالنفس ثم إخراجه منه.
عليه أن يتحرَّى حتى يخرج من عهدة الواجب بيقين
أقسام الولائم ثمان ذكرها أهل العلم بأدلتها فليرجع إلى كلامهم.
إذا كانت لا تضرها فلا بأس بذلك -إن شاء الله تعالى-.
الحديث الصحيح: «إذا سمعتم المؤذن» وهذا ليس بمؤذن إنما هو مسجل، قد يسمع الأذان من خلال الراديو مثلاً في الإذاعة، وأحياناً يكون تسجيل، وأحياناً يكون حي كما يقولون على الهواء، فالحي على الهواء يتابع لأنه بمثابة مكبر الصوت وموصل الصوت، أما ما كان عن تسجيل فهذا لا يتابع.
أنا ما أذكر هذا، أنا لا أذكر أني تكلمت في هذا الموضوع.
أقلها ركعة واحدة، وأكثرها أحدى عشرة.
على كل حال منه ما هو معنوي، ومنه ما هو حسي، ويوجد عقاقير يعالج بها شيء من هذا النوع من المرض، على كل حال منه ما هو حسي يعالج بالعقاقير وقد انتفع كثير من الناس بهذا العلاج، ومنه ما هو مرض معنوي وهمي يزول بالمعاندة للشيطان ومخالفته.
لا مانع من ترتيله أبداً، على ألا يسلك به مسلك كلام الله -جل وعلا-، بأن تستعمل فيه قواعد التجويد، أما تحسين الصوت الذي ينشط السامع لا بأس به.
اتخاذ ذلك عادة وديدن من الأمور المبتدعة.
أما بالنسبة للصغير الذي يباح له شيء من العبث على ألا يضر بها، فقد جاء في الحديث من حديث أنس وأن له أخاً يقال له: أبو عمير قد حبس طيراً يقال له: النغير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يمازحه ويقول: «يا أبا عمير ما فعل النغير» هذا إذا كان لا يتأذى بحبسه، وأما الكبار فهو ضرب من العبث لا يليق بهم، والطيور منها المأكول فمثل هذا لا يحبس إلا لمأكله، وأما بالنسبة ما لا يؤكل فلا خير في اقتنائه، هذا إذا كان حياً أما إذا كان ميتاً فلا يخلو إما أن يكون مُذكى وإما غير مذكى، فإن كان غير مذكى فهو نجس، واجتناب النجاسة واجب، واقتنائه من باب مخالطة النجاسة، وإذا كان مذكى فتذكيته لغير المأكلة أيضاً لا يجوز، وقد نهى عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، وعلى كل حال مثل هذه الأمور من الترف التي ينبغي أن يترفع عنها طالب الآخرة.
هذا المسألة معروفة عند أهل العلم، وفيها حديث أبي هريرة وحديث وائل بن حجر، حديث أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» وحديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" وحديث أبي هريرة مرجح عند أهل العلم على حديث وائل لأن له شاهد من حديث ابن عمر كما يقول الحافظ ابن حجر وغيره، وابن القيم يذهب إلى أن حديث أبي هريرة مقلوب انقلب على الراوي، وأنه بدلاً من أن يقول: وليضع ركبتيه قبل يديه، قال: وليضع يديه قبل ركبتيه، ولا قلب ولا إشكال في الحديث وهو أرجح، والمنهي مشابهة البعير في البروك، والبروك هو النزول على الأرض بقوة، فلا يقال: برك البعير إلا إذا أثار الغبار وفرّق الحصى، فإذا نزل على الأرض بقوة أثار الغبار وفرق الحصى يقال: برك، أما إذا وضع يديه مجرد وضع قبل ركبتيه يقال له: بروك.
ونزل عمر -رضي الله تعالى عنه- لما غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الأسئلة المكروهة عنده -عليه الصلاة والسلام-، برك عمر -رضي الله عنه- على ركبتيه بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في البخاري وغيره، فالبروك هو النزول بقوة، فإذا نزل الإنسان بقوة على الأرض وفرق الحصى وأثار الغبار قال: برك، أما مجرد وضع اليدين قبل الركبتين فهذا لا يقال له: بروك بل هو امتثال للأمر النبوي «وليضع يديه قبل ركبتيه» منهم من يرجح حديث وائل في تقديم الركبتين على اليدين؛ لأنه لم أقل أحد فيه ما قيل في حديث أبي هريرة أنه مقلوب، وشيخ الإسلام يرى أن المسألة مسألة وضع، مجرد وضع برفق وهون، فإذا وضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه فالأمر لا يختلف سيان، فهو مخير بينهما، وكل إنسان يفعل الأرفق به، شريطة أن يكون نزوله على الأرض برفق، سواء قدم اليدين أو قدم الركبتين، أما إذا قدم اليدين ونزل بقوة برك مثلما يبرك البعير، وإذا قدم الركبتين بقوة ونزل على الأرض بقوة وقدم الركبتين أشبه بروك الحمار، وكلاهما منهي عن التشبه به؛ لأن بعض الناس إذا نزل على الأرض وأكثر ما يكون إذا نزل بالركبتين، إذا نزل بقوة تجد البلاط يتخلخل في المسجد.
المؤمن أكمل فمن أتى بجميع شرائع الإسلام وكمُل إيمانه ولم يرتكب المحرمات ولم يصر على الكبائر هذا مؤمن، وإن اقترف شيء من الكبائر انتفى عنه الإيمان المطلق، وإن لم ينتفِ عنه مطلق الإيمان وصار في دائرة الإسلام.
وهل أحدهما أعم من الآخر؟
الإسلام أعم نعم، كل مؤمن مسلم ولا عكس.
المجاملة تشترك مع المداهنة ومع المدارة، كل من المداهنة والمدارة مجاملة، والمداهنة تكون بالتنازل عن شيء مما أوجب الله عليك، أو بفعل شيء مما حرمه الله عليك وهذه لا تجوز بحال {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] أما المدارة فعند الحاجة إليها لا بأس بها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما طُرق عليه الباب وعرف الطارق قال: «بئس أخو العشيرة» فلما دخل عنده وجلس معه انبسط معه في الكلام، وقيل له في ذلك فقال: «إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره» فهذه مدارة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا ترتب عليها تأليف لقلوب بعض الناس تكون مطلوبة حينئذٍ.
مغني يمدح أهل العلم؟! هذا غريب، على كل حال الأناشيد إذا سلمت من الآلات وسلمت ألفاظها من المنع سواء كانت في المدح الزائد والغلو والإطراء، أو الهجاء والذم، أو الفخر، أو التشبيب بالنساء، كل هذا ممنوع شرعاً، لا يجوز سواء كان نثراً أو نظماً، إذا خلا اللفظ من المنع، وأُدي بلحون العرب لا بلحون الأعاجم ولا لحون أهل الفسق وخلا من الآلة فقد أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الجادة عند أهل العلم أن الورقات أول ما يبدأ به في أصول الفقه، ثم بعد ذلك لو اعتمد الطالب (قواعد الأصول ومعاقد الفصول) ثم بعد ذلك (مختصر التحرير) أو (مختصر الروضة) للطوفي، يستفيد طالب العلم كثيراً -إن شاء الله تعالى-.
هذا لا أصل له، الوارد إذا أوى الإنسان إلى فراشه نفث في يديه، جمعهما ونفث فيهما بعد قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثاً، وإذا خشي الإنسان وغلب على ظنه من أناس بأعيانهم يتعوذ بالله من شرهم، وفي السنة ما يدل على ما يقوله، من خاف شراً من أحد.
ما يقطع الصف مثل المنبر، ومثل السواري، ومثل من لا تصح صلاته، من متلبس ببدعة مكفرة، حكمه حكم السواري هذا يقطع الصف، فإن كان لغير حاجة فلا يجوز، وأهل العلم يفتون بالكراهة الشديدة في مثل هذا، يكرهون الصلاة بين السواري، لكن الكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني عند أهل العلم إذا وجد حاجة من زحام شديد فلا مانع من الصلاة بين السواري، ومثلها المنبر المسئول عنه.
تكفيها التوبة، التوبة تهدم ما قبلها، لا سيما مع المشقة الشديدة؛ لأن صلاة سنتين فيها مشقة، فإذا تمت التوبة بشروطها، وندمت على ما فات، وعزمت على أن لا تعود، وأكثرت من النوافل فالتوبة تهدم ما كان قبلها.
على كل حال كل شروح مسلم الموجودة لو جمعت ما جاءت شرح واحد من شروح البخاري، ومسلم شرح بسلسلة متتابعة من الشروح بدأت من (المُعْلم) للمازري، كتاب صغير في ثلاثة أجزاء مطبوع، ثم (إكمال المعلم) للقاضي عياض، ثم (إكمال إكمال المعلم) للأُبي، ثم (مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، هذا الكتب يكمل بعضها بعضاً، النووي أخذ من الشروح السابقة أخذ من القاضي عياض ومن المازري ومن التحرير للأصفهاني وأكثر من النقل عنه، ولأبي العباس القرطبي مختصر لصحيح مسلم شرحه بشرح نافع جداً اسمه: (المُفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم) فإذا جمعت هذه الشروح استفاد طالب العلم منها، ويبقى أن هناك إشكالات لا تحلها جميع هذه الشروح.
أي أكبر من نفوذنا أي معارفهم كثيرة، وهم متوغلون بين عامة الناس، ومتقربون منهم دائماً يسألونهم في أمور الدين، ويأخذون من الفتوى ونحن نفعل ما في جهدنا للرد عليهم، وبيان بطلان فتاواهم؛ لأنهم ليسوا على المنهج الصحيح، فماذا علنيا؟ هل يتم هجرهم في الله؟
نعم المخالف المبتدع الأصل فيه الهجر، أنه يهجر حتى يرتدع ويرعوي.
فإذا تم الهجر سوف يأتي العوام في صفهم ويقولون: أنتم لا تفقهوا شيئاً في الدين، بل أولئك متعلمون أكثر منكم؟
على كل حال إذا خشي الإنسان على نفسه، ودار بعض المدارة لعامة الناس بحيث لا يرتكب محظور ولا يترك واجب، تقدم الكلام في المدارة، والمسألة كما يقرر أهل العلم في الهجر والوصل علاج، إذا كان الأنفع والأجدى هو الأصل على ألا يظن بالإنسان الموافقة للمخالف، يعني مع بيان ما هو عليه من حق، فإذا كان الهجر يزيده في شره ويسلطه على الأخيار فمثل هذا يتقى بقدر الإمكان على ألا يفهم منه الموافقة على البدعة، وإلا فالأصل هجر المبتدع.
العواتق هن البالغات أو المقاربات للبلوغ.