شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلسنا بحاجة إلى أن نبين أهمية العلم بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولسنا بحاجة أن نوضح كون السنة مصدر من مصادر التشريع، أو المصدر الثاني بعد كتاب الله -جل وعلا-، ولسنا بحاجة إلى أن نقول: إلى أن السنة هي المبينة وهي الموضحة للقرآن، ولو السنة ما عرفنا كيف نصلي؟ ولا كيف نزكي؟ ولا كيف نصوم؟ ولا نحج؟ إلا بعد بيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، فمن يعرف أحكام الصلاة من خلال القرآن؟ ومن يعرف أحكام الزكاة من خلال من نزل في هذا القرآن العظيم الذي هو كلام الله؟ وكيف نحج لولا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بين لنا الحج وقال: «خذوا عني مناسككم» فالسنة غنية عن أن يتحدث عنها، والكتابات في هذا الموضوع كثيرة جداً عن المتأخرين، أما المتقدمون فإنهم لا يتعرضون لمثل هذا؛ لأن مثل هذه المسائل لا تثار عندهم، بل هي مما علم بالضرورة من دين الإسلام، لكن لما كثر أصحاب الأغراض والأهداف الذين يريدون هدم الدين احتيج لمثل هذا الكلام لبيان منزلة السنة، فلسنا بحاجة إلى هذه لأننا بين إخوانٍ يتفقون على هذا ويجمعون عليه.
السنة خُدمت منذ أن صدرت من قائلها، وفاعلها، ومقررها -عليه الصلاة والسلام- خدمها الصحابة فحفظوها وضبطوها وأتقنوها، ثم بعد ذلك قاموا بواجب تبليغها إلى من بعدهم، جاء النهي عن كتابتها في أول الأمر «لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب شيئاً عن القرآن فليمحه» في الصحيح من حديث أبي سعيد، وجاء الإذن بكتابتها كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه «اكتبوا لأبي شاه» وقال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما كان أحدٌ أكثر مني حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" وهذا على حد ظنه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وإلا فعبد الله بن عمرو لا يقارب أبا هريرة ولا يدانيه في كثرة المرويات، فأبو هريرة -رضي الله عنه- حافظ الصحابة، بل حافظ الأمة على الإطلاق، حفظ من السنة ما لم يحفظه غيره، أو كانت مقالته هذه قبل أن يبسط رداءه فيدعو له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالحفظ وعدم النسيان، ثم بعد ذلك أتفق الأئمة وهذا من خلال الواقع على جواز الكتابة، وارتفع الخلاف المبني على حديث أبي سعيد، فكتبت السنة ودونت السنن، وأفاد الناس من ذلك خير عظيماً، ويعلل أهل العلم النهي عن الكتابة في أول الأمر لئلا تختلط بالقرآن، فلما أمن ذلك رخص في الكتابة، وبعضهم يقول: لئلا يعتمد الناس على الكتابة وينسون الحفظ؛ لأن الحفظ هو الأصل، والحفظ أمر لا بد منه لطالب العلم الشرعي، ولا يمكن أن يدرك طالب العلم الشرعي ما أراد إلا بالحفظ مع الفهم، فإذا توافر له الأمران الحفظ والفهم ووفق لسلوك الجادة من أول الأمر فقد تيسر له تحصيل العلم إذا أخلص فيه لله -جل وعلا-.
أُذن بالكتابة وأجمع الناس عليها والنتيجة؟ أن ضَعُف الحفظ، وهذه نتيجة حتمية؛ لأن الذي يعتمد على شيء يهتم به ويتعاهده لئلا ينساه، فالناس لما كان اعتمادهم على الحفظ كانت الحوافظ أقوى ولا بديل لها، لكن لما أذن بالكتابة واعتمد الناس عليها، وأجمعوا عليها، وأطبقوا عليها ضَعفت الحافظة؛ لأنه وجد البديل، وجد البديل، وهذا يدركه كل إنسان، كل إنسان يدرك هذا، على سبيل المثال الأرقام التي يُعنى بها الناس ويحتاجونها كانوا يحفظونها، ثم بعد ذلك من كتب الرقم في دليله نسيه، ثم بعد ذلك جاء ما هو أشد من ذلك، صاروا يخزنون الأرقام بالأسماء ويقسم بعضهم أنه لا يعرف رقم أمه؛ لأنه اعتمد على ها التخزين، حتى التخزين لا يخرج فيه الرقم ولا يراه، يضغط رقم مفرد فيتصل على والدته من دون أن يحفظ، وهذا لا شك له أثر على الحفظ، ونريد أن نخلص إلى فائدة وهي أن الإنسان يعتمد على حفظه بالدرجة الأولى، ولا مانع أن يستفيد من كتابه ويدون معلوماته، لكن لا يعتمد على الكتاب، ولا يعتمد على الكتابة، ويمثّل أهل العلم من اعتمد على حفظه ومن اعتمد على كتابه بمن زاده التمر والبر، فالذي زاده التمر يأكل منه متى شاء، لا يحتاج إلى طبخ ولا يحتاج إلى طحن ولا يحتاج إلى خَبز، ولا يحتاج إلى شيء أبداً، مد يدك وكل، بينما من زاده البر أو غيره مما يحتاج إلى طبخ مثل هذا يحتاج إلى أن تنزل، تحتاج إلى أن توقد النار، تحتاج إلى أن تنقي وتطحن، ثم تخبز ثم تطبخ ثم تأكل، هذا ما يمثل به لما في الحفظ وما في الأوراق.
أهل العلم يقسّمون الفقه أو الفقيه إلى قسمين: فقيه بالفعل، وفقيه بالقوة القريبة من الفعل، الفقيه بالفعل الذي فقهه في حافظته بمسائله، بفروعها، بأدلتها، وأما الفقيه بالقوة القريبة من الفعل ما يحفظ مسائل كثيرة وإنما العلم مدون عنده في كتابه، ويستطيع الرجوع إليه في أقرب وقت وأقصر مدة من مظانه، بحيث لا يترك منها شيئاً، وشتان بين شخص إذا سئل عن مسألة أجاب عنها فوراً وبين من يقول: حتى أراجع ، حتى أراجع، فالحفظ الحفظ، وهذا أمر لا يختلف فيه، وأما ما يشاع ويذاع على ألسنة بعض من ينتسب إلى التربية أن الحفظ يبلد الذهن، فهذا يراد منه الصد عن تحصيل العلم الشرعي، فالعلم مبني على قال الله قال رسوله، ولا يمكن أن يؤسس على لا شيء، لا بد من الحفظ، أقول: بعد الإذن بالكتابة ضعفت الحوافظ ممن يعتمد على كتابه، وكثير منهم من الرواة الذين اعتمدوا على الكتب اختلطوا وضاعت علومهم بسبب ضياع كتبهم، والذي علمه في كتابه قد يدس فيه ما ليس منه لا سيما إذا أعاره إلى غير ثقة أو فرط في حفظه، وكم من الرواة من ضعف بسبب هذا، الكتابة لا شك أنها نعمة وحفظت لنا العلم الذي دوِّن في الصحف، لكن الإشكال في الاعتماد عليها، استمر الناس على الكتابة، اتفقوا عليها إلى أن ظهرت المطابع، إلى أن ظهرت المطابع، الكتابة كتابة الكتاب من خلال التجربة تُعادل قرأته عشر مرات، ففيها شيء من المعاناة، والمعاناة تحفر القلب وتُودع فيه العلم، والعلم متين لا يستطاع ولا يدرك براحة الجسم، لما كان الناس يعانون الكتابة وينسخون ما يريدون مطالعته وقراءته وإقراءه فيه شيء من أسباب التحصيل مبذول من قبل طالبه، لما ظهرت المطابع صارت تدفع إلى الناس بالمجلدات عشرات المجلدات والمئات والآلف ومن أيسر الأمور أن يؤسس الإنسان مكتبة كبيرة، لكن ماذا عن محتويات هذه المكتبة؟ وماذا عما في بطون هذه الكتب بالنسبة لطالب العلم؟ لما ظهرت المطابع أفتى علماء الأزهر بعدم جواز طبع الكتب الشرعية، أذنوا في كتب اللغة والتأريخ والأدب، لكن الكتب الشرعية توقفوا فيها، لماذا؟ لأنهم يعرفون الأثر المترتب عليها، وقد وقع ما خشوه وخافوا منه، فصار الطالب -طالب العلم- يملك الألوف من الكتب لكنه بالنسبة للتحصيل لا شيء يذكر، اللهم إلا معرفة الكتب ومعرفة الطباعات والعناوين، لكن ما في أجواف هذه الكتب لا شيء، ويبقى أن الطبع نعمة ووفر ويسر، لكن نعمة متى؟ إذا استغل واستفيد منه، أما أن تشترى الكتب وترص في الدواليب وبعض الناس همه ترتيب الكتب وتنظيف الكتب وتزويق هذه الكتب ونقلها من مكان إلى مكان، يضع التفسير يمين والحديث الذي يليه ثم بعد مدة ينقل هذا في مكان هذا وذا..؛ لأن ما عنده..، ليس عنده لهذه الكتب إلا هذا، ما عود نفسه لأن يفتح الكتاب ويقرأ، الكتب التي تقرأ لا قيمة لها، صار أثر الطباعة على التحصيل ظاهر، فضعف التحصيل عند الكثير؛ لأنه كان في السابق إذا أراد شيئاً كتبه، لكن لما توفرت المطابع وتيسرت الأسباب ضعف التحصيل؛ لأنه ما عليه ألا أن يخرج إلى المكتبة ويشتري ما يريد، ثم بعد ذلك جاء ما هو أيسر من الكتب وأسهل وهي هذه الآلات والحواسب التي من خلال ضغطة زر في ثانية أو أقل من ثانية تحصل على كل ما تريد، تريد أن تخرِّج حديث من عشرين من ثلاثين طريق في لحظة يحضر لك كل ما تريد، وكنتَ إذا أردت أن تخرج حديثاً تحتاج إلى يوم كامل، لكن ما النتيجة؟ النتيجة تضغط الزر مرة ثانية ثم تعود عامياً لا شيء، وإذا خرجت بيدك ثبت عندك العلم، يثبت عندك العلم، والعلم مثلما ذكر الإمام مسلم عن يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم، فهذه الأمور الميسرة بقدر ما هي نعم من نعم الله -جل وعلا- إلا أنها صوارف، فمن استغلها بحق واعتنى بها وأفاد منها، وتعب على تحصيل العلم تعينه وتفيده، أما من اعتمد عليها فلن يتخرج طالب علم فضلاً عن أن يكون عالماً، طالب علم ينبغي أن يتأهل على الجادة ، على الجادة التي بها أخذ أوّل هذه الأمة العلم، علم الكتاب والسنة في الحاسب في الآلة في الجهاز في الكمبيوتر تضغط زر يخرج لك الحديث من عشرين ثلاثين أحياناً من خمسين طريق، وأنت تحتاج إلى الحصول على هذه الخمسين إلى مُدد، كانت الفهارس مرفوضة عند أهل العلم ما في شيء عند أهل العلم يسمى كتاب تخريج، أو دارسة أسانيد، لا، هذه أمور عملية يثبت الطالب جدارته فيها ويتعلمها من خلال العمل والتمرين، أما أن ييسر له الفهارس إذا أراد مسألة من كتاب ما وليكن جامع الترمذي مثلاً الذي هو موضوع حديثنا إذا أراد مسألة يبحث حتى يقف على هذه المسألة، وكم من مسألة يقف عليها في طريقه وهو يبحث عن مسألته، يقف على كثير من المسائل التي هي بعضها أهم من مسألته التي يبحث عنها، لكن إذا أراد مسألة وضغط زر قول فلان في فلان ما يظهر غيره، ابن حبان في كتابه: (الأنواع والتقاسيم) صحيح ابن حبان ألفه على طريقة لا يمكن الكشف عن الحديث إلا بقراءة الكتاب، وهذا مقصد له، ولا أريد من أراد حديثاً أن يذهب إلى موضع ومظنته ويستخرجه حتى يقرأ الكتاب كاملاً، هذه طريقة يربى عليها طالب العلم، ولذا ننصح طلاب العلم ألا يرجعوا إلى الفهارس، ولا إلى المختصرات ولا إلى الآلات، اللهم إلا إذا ضاق عليه الوقت واحتاج حاجة ملحة لشيء بيّن أو معين احتاج إلى..، إذا ضاق عليه الوقت، خطيب بقي له من الوقت خمس دقائق، وعنده حديث لا يعرف درجته ولبحثه يحتاج إلى ساعة، نقول: استفد من الآلة، خذ الحكم وأنت ماشي، لكن إذا رجعت ارجع إلى الكتب، لكي يغرس غرس النخل هذا العلم في قلبك فلا تنساه؛ لأن ما أخذ بسهولة يفقد بسهولة، ما أخذ بسهولة يفقد بلا شك، والذي يمر مرور مثل هذا مسح، هذا ما يفيد، وإلا وأنت في سيارتك وفي طريقك من مسجدك إلى منزلك أو إلى عملك تنظر في الشوارع تجد ألوف من الإعلانات، واللوحات واللافتات وغيرها، لكن كم يثبت في ذهنك منها؟ وفرق بين من يمشي على السيارة هذا مثل الآلة الحاسبة هذا، والذي يمشي بعد على رجليه يحفظ أكثر، مثل الذي يقرأ في كتاب نعم، بينما الذي كتب هذه اللوحات وعلقها حفظها كلها، ليس الهدف من هذا أننا نعنى بمثل هذه اللوحات، لا هذه على حساب غيرها، لكن نعنى بهذا العلم الذي نحن بصدد طلبه، والتشرف بحمله، فلا بد من المعاناة، لا بد من التعب على العلم، التيسير والتسهيل لا يزيد في تحصيل إلا البعد، وثقل المعاناة، الذي عنده آلة تعود عليها لا يمكن أن يرجع إلى كتاب إلا بمعالجة ومجاهدة جديدة لنفسه، مما يعين طالب العلم على التحصيل بالمعاناة التي ذكرناها أن يجمع العلم، وأحياناً قد يحتاج إلى تفريق، وأحياناً يحتاج إلى شرح، إذا كان الكتاب متن، وأحياناً يحتاج إلى اختصار، قد يتعلم بالاختصار، وقد يتعلم بالشرح، وقد يتعلم بالتعليق والحواشي، المقصود أن العلم لا بد له من معاناة، فإذا كان معك كتاب مختصر تريد دراسته فراجع عليه الكتب المطولة، واقرأ عليه الشروح والحواشي واسأل عما يشكل عليك وبهذا يثبت، إذا كان الكتاب مطوّل خذ قلم وخطط عليه واختصر منه، واحذف ما لا تريد مما هو مجرد استطراد وافهم ما بقي وصغه بأسلوبك وتفهم العلم، الطريقة لفهم السنة لفهمها مع حفظها في آن واحد، أن يعمد طالب العلم إلى كتاب يكون محور البحث ومحور العمل، وليكن البخاري مثلاً، يقرأ الحديث الأول وينظر في إسناده ومتنه وترجمته ويربط بينهما، وينظر في الآثار التي ذكرها البخاري حول هذا الحديث، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الموضع الثاني لهذا الحديث، ويقارن بينه وبين الموضع الأول في إسناده، في متنه، في ترجمته، ثم الموضع الثالث والرابع والخامس والسادس السابع.. إلى آخره، ثم ينتهي من الحديث الأول بجميع أطرافه ثم يقارن به في صحيح مسلم، ثم في سنن أبي داود، ثم الترمذي.. إلى آخره، إذا انتهى من صحيح البخاري على هذه الطريقة يكون أحاط بالسنة من خلال الكتب الستة برجالها ومتونها، بأسانيدها، ويحصل له خير كثير، صحيح يحتاج إلى وقت، والعلم يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى وقت، فأهل العلم أحياناً يختصرون، وأحياناً يشرحون، يأتي شخص لكتاب كبير يختصر، ثم يأتي أخر ليشرح هذا المختصر، قد يقول قائل: لماذا يختصر إذا كان يحتاج إلى شرح؟ يحتاج، العلم يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى تقليب من يمين إلى يسار من أجل أن يثبت، أما أن نعتمد على أمور ميسرة لا شك أنها نعم لكن لا بد أن تستغل على الوجه المطلوب، ولا يعتمد عليها، علم الصحابة كان محفوظ، ثم بلغوه وأدوا أمانة التبليغ إلى التابعين، ثم في عصر أتباع التابعين بدأ التدوين، في أخر عصر التابعين، وفي عصر أوائل أتباعهم بدأ التدوين الرسمي للسنة بأمر عمر بن عبد العزيز لابن شهاب الزهري، لما خشي من ضياع السنن أمره أن يدون فدون، وتتابع الناس على ذلك إلى أن جاء العصر الذي حفظت فيه السنة بتدوينها، المرفوع منها والموقوف، الأخبار والآثار في المصنفات القديمة التي أُلفت في القرن الثاني، ومن أشهر هذه المصنفات التي ألفت في هذا القرن موطأ الإمام مالك، موطأ الإمام مالك هذا من أعظم المصنفات القديمة، والتي هي عمدة وأصل من الأصول التي أعتمد عليها أصحاب الكتب الشهيرة، حتى قال الدهلوي في (بستان المحدثين): إن أصل الأصول كتاب مالك، وما عداه من الكتب الستة كلها مستخرجات عليه، لكن هذا الكلام فيه مبالغة، كتاب مالك كتاب عظيم، وأفاد من جاء بعده منه فائدة كبرى، لكن لا يعني أنه لا يوجد في غيره ما لا يوجد فيه، بل هو كتاب إذا نسبناه إلى البخاري مثلاً وجدنا أنه شيء يسير، فضلاً عن الكتب الستة مجتمعة أو مسند أحمد، على كل حال كتاب الإمام مالك صار أصل لهذه الكتب تلقته الأمة بالقبول، وخدموه، وعُنوا به، وكثرت شروحه.
ثم بعد ذلك جاء الإمام الشافعي فصنف كتباً في السنة وعلومها، كالمسند والسنن له أيضاً، ثم تتابع الأئمة على ذلك، فجاء الإمام أحمد -نقتصر على المشاهير؛ لأن العلماء لا يمكن الإحاطة بهم- ثم جاء بعده الإمام أحمد فنصف كتابه: الجامع المسند، الجامع ليس اسماً له لكن وصفه، جامع لأكثر السنة الموجودة المتداولة في الكتب، بحيث بلغ عدة أحاديثه: ثلاثين ألفاً، كانوا يقولون: أربعين ألف، لكنها عند التحرير هي ثلاثون ألفاً، ثم بعد ذلك تلاه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري فصنف كتابه: الجامع الصحيح، ثم بعده مسلم بن الحجاج، وألف صحيحه، ثم تلاهم بعد ذلك الأئمة الثلاثة: أبو داود والترمذي وابن ماجه، ثم ختموا بالنسائي -رحم الله الجميع-.
ومن خلال استعراض أسماء الكتب نجد الكتب في السنة أقسام وأصناف، فمنها الصحاح، ومنها المسانيد، ومنها السنن، ومنها الجوامع، ومنها المصنفات، ومنها الموطئآت، ومنها المعاجم، ومنها المستخرجات، ومنها الأجزاء والفوائد والمشيخات، أصناف وأنواع كثيرة، وكتابنا أعني كتاب الترمذي كتاب جامع، نظير البخاري ومسلم؛ لأنه يجمع جل أبواب الدين، بينما السنن لا تجمع إلا بعض أبواب الدين، المسانيد تجمع الأحاديث لكنها لا تصنفها على الأبواب وإنما تصنفها على أسماء الصحابة، قبل هذا الكتب الموطئآت والمصنفات هي نوع من أنواع السنن مرتبة على الأبواب وتشبه إلى حد كبير السنن، لكنها لا تقتصر على المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما هو صنيع أصحاب السنن، يعني تجمع الآثار وهي كثيرة جداً بالنسبة إلى الأحاديث، بينما السنن إذا وجدت الآثار فهي قليلة، الآثار الموقوفة، تنوعت هذه الكتب، ومنها ما اشترطت الصحة فيه، اشترط المؤلف فيه الصحة كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم هذه اشترط فيها الصحة، لكن منهم من وفّى بشرطه، ومنهم من قصر عن شرطه، ولذا صار كتابه مثل غيره لا بد من النظر فيه في أسانيده ومتونه، بينما البخاري ومسلم لا نحتاج إلى أن نبحث فيهما، كتابان عظيمان صحيحان تلقتهما الأمة بالقبول، بل قرر بعضهم أنه لو حلف شخص بالطلاق أن جميع ما في البخاري ومسلم صحيح لما حنث، بعد هذه الكتب أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم تأتي الكتب الصحاح التي أشترط مؤلفها الصحة لكنهم ما وفوا، قصورا في شرطهم عن شرط الصحيح، وفي تطبيقه أيضاً، في تطبيق ما اشترطوه قصروا، كابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وخذ زيادات الصحيح إذا تُنص |
| صحته أو من مصنف يخص ج |
هؤلاء تساهلوا في اشتراط الصحيح، في شروط الصحيح، وتساهلوا أيضاً في التطبيق، دون هذا الكتب السنن، وهي مظان الحديث الصحيح، كالصحاح المذكورة ففيها الصحيح كثير، وهي أيضاً من مظان الحسن، وفيها من الحسن الشيء الكثير، وفيها أحاديث ضعيفة، وفي كتابنا -كتاب الترمذي- هذا شيء كثير مما حكم أهل العلم بضعفه، والترمذي على وجه الخصوص من بين أصحاب السنن رمي بالتساهل، ما رمي ابن ماجه بالتساهل مثل ما رمي الترمذي، لماذا ؟ لأن ابن ماجه لا ينص على درجة الحديث، ما يقول: هذا حديث صحيح وفيه ما فيه، ابن ماجه في الضعيف أكثر من الترمذي، لكن يبقى أنه ما يصحح، الترمذي ينص على الصحة مع أن الخبر فيه ضعف، ولذا رُمي بالتساهل، خرج لكثير بن عبد الله وصحح له، وعامة أهل العلم على تضعيفه، وصحح أحاديث فيها انقطاع، وفي رواتها من رمي بشيء من التضعيف، فهو من هذه الحيثية متساهل، ونص على تساهله الحافظ الذهبي وغيره، وبعض أهل العلم دافع عنه، واشترط شروطاً طبقها في كتابه وهذا منهجه وهذا اصطلاحه ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن ما معنى رمي الترمذي بالتساهل؟ رمي الترمذي بالتساهل لأنه حكم على أحاديث بالصحة وهي لا تصل إلى درجة الصحيح وهذا التساهل، مثل ما رمي ابن حبان والحاكم وابن خزيمة، ولا يعني هذا قدح في الإمام كلا، الترمذي إمام من أئمة المسلمين، ولا يطعن فيه إلا من في قلبه شيء، إمام متفق على إمامته وجلالته، وأما ما يذكر وينقل عن ابن حزم أنه جهله وقال: من محمد بن عيسى بن سورة أنه جهله؟ فهذا قدح في ابن حزم لا في الترمذي، هذا قصور أو تقصير من ابن حزم، وهذا لا يضير الإمام الترمذي، فهو إمام متفق على إمامته وجلالته، ولا يعني أنه إذا اشترط شرطاً وطبقه في كتابه أنه يطعن فيه، أبداً، بل المسألة مسألة علم والعلم دين، العلم دين، يعني لو وقع الخطأ ينبه عليه ممن قاله كائناً من كان، لكن إذا كان الشخص خطأه يسير بالنسبة إلى ما عنده من صواب، وعرف منه نصر الدين، فمثل هذا يعتذر عنه، وأما إذا عرف عنه بخلاف ذلك فيبين خطأه ولا ينال من شخصه ولا من عرضه، اللهم إلا بقدر ما يحفظ الدين من شره وضرره.
وشيخ الإسلام لما يتحدث عن البدع يشدد في شأنها وفي أمرها ويفندها بقوة، لكن إذا سئل عن الأشخاص أعطاهم حقهم، ووفاهم ما يستحقونه، وأشاد بهم، وأثنى عليهم بقدر ما عندهم من حق، ثم بعد ذلك عقّب على ما عندهم من ضعف، إذا خشي من ضرر شخص بعينه أن يتعدى ضرره، وأن يغتر به صغار الطلاب مثل هذا قد يُقتصر على التنبيه على الخطأ فقط، وتجريد الأخطاء من الكتب مثل هذا..، تجريد الأخطاء تأتي إلى كتاب فتقول: أخطأ فلان، إلى فتح الباري فتقول: أخطأ ابن حجر تطلع لي مجلد ينفر طلاب العلم من هذا الكتاب هذا أمر غير محمود، ولم يفعله السلف، السلف ينبهون عن الأخطاء في مواضعها، لا سميا إذا خُشي تعديها إلى طلاب العلم، وإلا التنفير من كتب العلم بهذه الطريقة هذا أمر غير محمود، وإلا فماذا يبقى لنا إذا نفرنا الطلاب من فتح الباري أو من شرح النووي أو من تفسير القرطبي أو من التفاسير المعتمدة عن أهل العلم؟ نعم ينبه على الخطأ في موضعه، لكن مع ذلك لا يجرد الخطأ بحيث يبرز ويوضح ويظهر مثل من استخرج ضعيف كتاب التوحيد مثلاً، ضعيف كتاب التوحيد هذا ينفر طلاب العلم من كتاب التوحيد، كتاب نفع الله به، ومع ذلك يستخرج ضعيفه هذا ليس بلائق، لكن لا يمنع أن يُخرج الكتاب، ويذكر تحت كل حديث ما يليق به على أن الإمام المجدد -رحمه الله- لا يعتمد على الأحاديث الضعيفة، وإنما يعتمد على ما صدر به الباب من آية وحديث صحيح، أقول: هذه ليست طريقة لبيان الحق ونصر الحق، بقدر ما هي طريق لتنفير الناس من العلم وكتب أهل العلم، نعم إذا كثر الضرر من كتاب وصارت الأمة لا تفقد شيء بفقده وأبرزت أخطاؤه لا مانع، يعني يخشى على طلاب العلم من الضرر والتضرر بتفسير الزمخشري مثلاً، أو تفسير الرازي مثل هذا لا مانع أن ينبه على أن فيهما ضرر كبير، فضلاً عما هو أشد منهما ضرراً، كالفتوحات والفصوص وغيرها لأبن عربي، أما ما كان نفعه أكثر وأخطاؤه مغمورة بالنسبة إليه مثل هذا يكتفى على التعليق على الكتاب في مواضعه ويبين الحق.
الترمذي رماه أهل العلم بالتساهل كالحافظ الذهبي، وهذا لا يضيره أبداً؛ لأننا بين أمرين: إما أن يكون القارئ مبتدئ حكمه حكم العامي، والعامي حكمه التقليد عند أهل العلم، فمثل هذا لا بد أن يسأل عن هذا الحديث هل ثبت أم لم يثبت؟ وهل يعمل به أو لا يعمل به؟ هذا لا بد أن يسأل، وأما المتأهل فلا بد أن ينظر في الأسانيد والمتون، فإذا صحح الترمذي ووجد استدراك على تصحيحه لا مانع من أن يبين هذا الاستدراك لاسيما إذا عورض تصحيحه بتضعيف أحد الأئمة، فمن لديه أهلية النظر مثل هذا ينظر، أما المبتدئ الذي ليست لديه الأهلية هذا حكمه حكم العامي يقتدي بأهل العلم، فيقارن بين تصحيح الترمذي وحكم غيره من الأئمة، فإذا وافقه غيره أخذه وعمل به وإلا توقف.
الترمذي: منسوب إلى ترمذ، المشهور على ألسنة الناس حتى المتقدمين منهم كسر التاء والميم، ومنهم من يفتح التاء ويكسر الميم تَرمِذ، ومنهم من يضمهما تُرمذ، وتِرمذ هذه بلدة في المشرق فيما وراء النهر، وبقربها قُريّة يقال لها: (بوغ) ينسب إليها الترمذي أيضاً فيقال: البوغي وهو أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَورة الترمذي، مترجم في كتب التراجم وكتب الأعلام تراجمه، أفاض أرباب التراجم في ذكرها، ومدحوه بما هو أهله من العلم والعمل، من الحفظ والضبط والإتقان، ووصف -رحمه الله تعالى- بقوة الحافظة، وكان يحفظ لأول مرة، وكتابه شاهد على ذلك، كتابه شاهد على ذلك، يدل على نبوغ، حتى قال بعضهم: إنه أنفع للمتعلم من الصحيحين، أنفع للمتعلم من الصحيحين، لماذا ؟ لأن فيه جميع أنواع علوم الحديث، جميع ما يحتاجه طالب العلم من علوم الحديث ليتمرن عليها، ويتخرج منها موجودة في هذا الكتاب، ففيه المتون، وفيه الأسانيد، وفيه التفريق بين الأحاديث في أحكامها، وفيه التنبيه على علل، وفيه التنبيه على العمل وعدمه عند أهل العلم، وذكر المذاهب، والاختلاف على الرواة، فيه كل ما يحتاجه طالب العلم، بينما الكتب الأخرى كثير من هذا الأبواب لا توجد فيها، لا توجد فيها، فعلى طالب العلم أن يعنى به، وهذا هو سبب اختيار هذا الكتاب لهذه الدورة وما يليها من دورات -إن شاء الله تعالى-.
أبو عيسى ولد سنة تسع ومائتين، يعني بعد وفاة الإمام الشافعي بخمس سنوات، سنة تسع ومائيتين، ومات سنة تسع وسبعين ومائتين، عن سبعين عاماً، كتابه أحد الأصول الخمسة المتفق عليها بين علماء الإسلام، وقد يسميها بعضهم الصحاح الخمسة، وأطلق على كتابه الجامع الصحيح، لكن هذه التسمية فيها تجوُّز؛ لأنه إذا صح أن نسمي البخاري الجامع الصحيح ومسلم الجامع الصحيح بدون تردد فهل نسمي كتاب الترمذي الجامع الصحيح نظير البخاري ومسلم؟ من أهل العلم من قال..، من وصف جامع الترمذي بأنه صحيح، لكن هذا فيه تساهل، فيه سعة في الخطو، الترمذي خرج لضعفاء، خرج لمتهمين، لكن لا يعني أنه لا يستفاد منه، يستفاد منه، ويحكم على كل حديث بما يليق به، لكن يقال مثل هذا الكلام في مقابل من تجاوز ووصف الكتاب بأنه الجامع الصحيح، كما وصف سنن أبي داود بالصحيح، ووصف سنن النسائي بالصحيح، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
ومن عليها أطلق الصحيحا |
| فقد أتى تساهلاً صريحا ج |
لأن فيها أحاديث حسنة كثيرة لا تبلغ درجة الصحة، وفيها الضعيف وهو كثير أيضاً.
ومن عليها أطلق الصحيحا |
| فقد أتى تساهلاً صريحا ج |
هذا الكتاب ثبتت نسبته إلى مؤلفه بالأسانيد المتصلة الموجودة إلى الآن، وما زال يروي بالأسانيد إلى مؤلفه إلى عصرنا هذا، وعني به العلماء عناية فائقة، وشُرح بشروح لا تكاد تحصى، وحظهم من الشروح أكثر من حظ السنن الأخرى، شرح بشروح عظيمة، ممن شرحه ابن سيد الناس أبو الفتح اليعمري في كتابه: (النفح الشذي) وهذا الكتاب طبع منه مجلدان، تُوقف عن طبعه، وما زال العمل جارٍ عليه، ولكن ابن سيد الناس لم يكمل الكتاب فأكمله الحافظ العراقي -رحمه الله-، وأكمل التكملة ابن الحافظ العراقي الولي أبو زرعة، فجاء كتاباً حافلاً عظيماً، ممن شرحه أيضاً الحافظ ابن رجب -رحمة الله عليه-، لكن شرحه مفقود، أما شرح ابن سيد الناس تكملة العراقي موجودة، ومحققة وجاهزة للطبع، لكن شرح ابن رجب مفقود، ما وجد منه إلا قطع يسيرة جداً، منها ما طبع في شرح العلل، وأما الباقي ملزمة أو أقل من ذلك.
ممن شرحه أبو بكر بن العربي في كتاب أسماه: (عارضة الأحوذي) والكتاب مطبوع في ثلاثة عشر جزء مطبوع قديماً من سبعين سنة أو أكثر من سبعين سنة، لكنها طبعة سقيمة لا يعوّل عليها، فيها التصحيف والتحريف والتقديم والتأخير الشيء الكثير، بحيث صار وجودها مثل عدمها، لا يستفيد منها أحد، بل فيها بعض الجمل بغير العربية، فهذا الكتاب نسخ بهذه الطبعة، فيه فوائد وتنابيه وطرائف ونكات، ومع ذلك طبع بهذه الطريقة التي لو كان مخطوطاً لكان أولى، ليعنى الناس بالبحث عنه، والسعي في طبعه، لكنه طبعة جميلة وفاخرة من حيث الإخراج يبقى أنها من حيث العناية والتصحيح في غاية الرداءة، وأثناء طبع الكتاب استعاروا من الشيخ أحمد شاكر نسخته من الترمذي ليصححوا عليها فلما أنهوا طبع المجد الأول عرضوه على الشيخ فبادر بسحب نسخته، سحب نسخته يقول: لئلا أكون طرفاً وسبب في تحريف الكتاب؛ لأنهم جاءوا إلى تعليقات الشيخ بقلمه الجديد الطري فأدخلوها في الكتاب في الترمذي، تخريجات الشيخ أحمد شاكر للأحاديث دخلوها ضمن كلام الترمذي، أحياناً يقولون: رواه أحمد وأبو داود هل يمكن أن يقول الترمذي مثل هذا الكلام؟ أحياناً اختلاف على راوي ذكر فيه كذا وكذا ينبه الشيخ أحمد شاكر يعلق على كتابه فيدخلونها في الكتاب، فخرج الكتاب ممسوخاً لا يستفاد منه، إلا في بعض الفوائد المستقلة؛ لأنه يرتب الفوائد: الأولى الثانية الثالثة، يستفاد منها أحياناً مع حاجة إلى دقة في النباهة والخبرة والدربة على تصحيح الجمل عند أهل العلم، هذا الكتاب فيه فوائد لا سيما ما يتعلق بالاستنباط، وهو أيضاً على مذهب الخلف في تأويل الصفات، هناك شروح أخرى لكثير من علماء الهند، لهم حواشي، ولم تعليقات على الكتاب، ومن أحسنها وأجمعها (تحفة الأحوذي) للمبارك فوري، هذا شرح طيب ومناسب، وفيه نقول نافعة وماتعة، وفيه تخريج للأحاديث، وفيه أيضاً لبيان مواضع الأحاديث التي ينبه عليها الترمذي، في أخر كل باب يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، يخرجها صاحب التحفة، وقد يعجز عن التخريج فيقول: حديث فلان ينظر من أخرجه، وللحافظ العراقي كتاب اسمه: (فتح الباب في تخريج أحاديث ما قال فيه الترمذي: وفي الباب) في تخريج ما قال فيه الترمذي وفي الباب، وللحافظ ابن حجر تخريجات أيضاً على هذا النوع، وما زال الكتاب محل عناية من أهل العلم، ودرس بدراسات كثيرة مستفيضة منها ما هو في مجلد، ومنها ما هو في مجلدين، ومنها ما هو في ثلاثة، المقصود أن الكتاب في جملته محط عناية في نظر كثير من الباحثين، وما زال الكتاب بحاجة إلى خدمة، وكتاب الترمذي على وجه الخصوص يوصي أهل العلم من قديم بالعناية بجمع نسخه الموثقة المقروءة على الأئمة المتصل إسنادها بالأئمة إلى مؤلفيها، وذلكم لاختلاف أحكامه، أحكامه مختلفة على الأحاديث لاختلاف النسخ، ولذلك تجدون حتى عند النووي ومن قبل النووي يقول: قال الترمذي: حسن صحيح، وفي نسخة صحيح فقط، وفي حديث يقال: قال الترمذي: حسن صحيح، وفي نسخة حسن، هذا تباين في الأحكام على الأحاديث، لكن مثل العناية بمثل هذا الأمر إنما نحتاج إليه إذا أردنا أن نقلد الترمذي، لكن إذا أردنا أن ننظر في أسانيده ومتونه ونحكم على كل حديث بما يليق به يسهل الأمر، ابن الصلاح يقول: ينبغي أن تجمع أصول، لا يكفي أصل واحد من كتاب الترمذي وتقابل وتأخذ بما اتفقت عليه هذه النسخ وكلام ابن الصلاح فرع عن كلامه في قَفل باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف؛ لأنه لا يرى التصحيح والتضعيف بالنسبة للمتأخرين، فيعتمد قول الترمذي، لكن متى نعتمد قول الترمذي وأقواله مختلة من نسخة إلى نسخة؟ إلا إذا جمعنا أصول يمكن الاعتماد عليها وأخذنا ما تتفق عليه هذه الأصول، فالتحفة للمبارك فوري لا بأس بها، ترجم للرواة وأكثر التراجم مأخوذة من التقريب، وقد يستفيد من التهذيب هذا عمل جيد في الجملة، لكن أيضاً التقليد في الأحكام على الرواة من خلال التقريب أو غيره من المتأخرين الكاشف أو الخلاصة محل نظر أيضاً كفرع عن الأحكام على الأحاديث، فطالب العلم المتأهل لا يقتصر على التقريب، بل ينظر في أقوال الأئمة ويرجح من خلال قواعد التعارض والترجيح بين الأقوال في الجرح والتعديل بين أقوال الأئمة، ثم بعد ذلك يخرج بالرأي الذي يرتضيه، أما صاحب التحفة فمعوله على التقريب، وهو أيضاً التقريب هذا معول لكثير من العلماء المتأخرين، وقد يقول قائل: إن العمر لا يسعف ولا يستوعب أن ننظر في كل راوٍ من الرواة بجميع ما قال فيه أهل العلم ونخرج بالقول الراجح من هذه الأقوال، ثم بعد ذلك إذا نظرنا في كل حديث خمسة ستة سبعة رواة نحتاج إلى وقت، ثم بعد ذلك متى ننتهي من الحديث؟ ثم بطرقه وشواهده نحتاج إلى أن نرقيه يحتاج إلى عمر، وهذا في حديث واحد وبعده الحديث الثاني إلى نهاية الكتاب نحتاج إلى وقت طويل، فيكتفى بالتقليد لكن يبقى أن المسألة أن النظر يكون قاصر إذا قلدنا، مثل ابن حجر وأقواله أحياناً تختلف، ابن حجر من كتاب إلى كتاب قد يختلف، قد يحكم على راوي في التقريب بأنه صدوق، وفي التخليص صدوق يهم مثلاً، وأحياناً في فتح الباري يقول ثقة، فهذا يجعل طالب العلم لا سيما المتأهل ألا يعتمد على أقوال الرجال لا سميا المتأخرين ينظر في أقوال الأئمة ويخرج بالقول الراجح منها إذا كان متأهلاً، أما غير متأهل فليس له إلا التقليد، أو كان مثلاً مشغول ما في وقت لينظر في جميع ما قيل في جميع الرواة مثل هذا يقلد، كثيراً ما يستعين الكبار بالتقريب، وحينما نقول مثل هذا الكلام ليس معناه أننا نقلل من شأن التقريب لا، معول الشيخ الألباني والشيخ ابن باز فمن دونهما على التقريب، لكن لا يعني أنهم يوافقون التقريب في كل شيء، لا، قد يخالفونه، نقول: طالب العلم المتأهل لا ينبغي له أن يقلد، لا في أحكامه على الرواة، ولا في أحكامه على الأحاديث، عليه أن ينظر ويوازن ويخرج بالقول الراجح الذي يدين الله تعالى به، لكن شريطة أن يتأهل.
معول صاحب التحفة في التراجم على التقريب، ثم بعد ذلك يشرح الحديث من خلال الشروح لكتاب الترمذي ولغيره، فإذا كان الترمذي تفرّد برواية الحديث اقتصر على شروح الترمذي مع كتب الغريب، وقد يستفيد من كتب اللغة، والغريب ومعرفة الغريب من أهم ما يبحث في علوم الحديث، وطالب العلم عليه أن يعنى به من خلال كتبه وأصحابه وأهل العناية به، ولا يجوز له أن يفسر الحديث برأيه، أو يشرح الحديث بما يظهر له، حتى يرجع إلى أقوال أهل العلم في معنى الحديث، قد يقول قائل: أننا نسمع شيوخنا مثلاً يُسألون عن حديث ويجيبون من غير إحالة إلى مرجع، وقد يستروحون ويميلون إلى قول أو إلى رأي يستنبطونه بأنفسهم، نقول: مثل هذا إذا تكونت لديه الملكة والخبرة والدربة في معرفة معاني الأحاديث النبوية لا بأس، أما أن يأتي طالب لا علم له ولا خبرة له بأقوال أهل العلم في شروح الأحاديث في نظائره من الأحاديث مثل هذا توقاه أهل العلم، وتثبتوا فيه، والإمام أحمد يقول: إن هذا العلم -علم غريب الحديث- حري بالتوقي، جدير بالتحري، ويسأل عن حديث فيقول: أنا لا أفسر كلام الله، سألوا أهل الغريب، والإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، ويقول هذا الكلام، والأصمعي يحفظ عشرين أو ما يقرب من عشرين ألف قصيدة، في بعضها ما يشتمل على مائتي بيت، ويُسأل عن السقب فيقول: أنا لا أفسر كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن العرب تزعم أن السقب "اللزيق" طالب علم يقول: أنا عندي كتب اللغة والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي إذا أشكل علي كلمة أذهب إلى القاموس ولسان العرب، أو كتب الغريب فأستفيد منها وأفسر، نقول: لا يا أخي لا يمكن أن تفسر حتى تجمع بين معرفتك باللغة وتضيف إليها معرفتك بالسنة؛ لأن هذه اللفظة معناها كذا هل يناسب السياق الذي من أجله سيق الخبر؟ وهناك بعض الألفاظ التي جاءت على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يكون لها أكثر من حقيقة شرعية، ترد كلمة المفلس مثلاً في كلامه -عليه الصلاة والسلام- فترجع إلى كتب اللغة وكتب الغريب فيفسرون لك المفلس، لكن هل اللفظ مناسب لهذا السياق؟ فضلاً عن كلمات لها عشر معاني مثلاً أو أكثر في كتب اللغة، فيقول أهل العلم: لا يكفي معرفة اللغة لتفسير الحديث وشرح الحديث، قد يقول قائل: وجدنا أحاديث ما شُرحت، ويسأل عنها العالم ويجيب عنها، نقول نعم: هذا العالم من خلال كثرة مراجعته ومداومة النظر في الشروح تكوّنت لدية ملكة وأهلية يستطيع أن يفسر بها كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قيل نظيره في تفسير القرآن، وإلا فالأصل أن الباب مقفل، لا في تفسير كلام الله -جل وعلا-، وقد جاء التحذير من التفسير بالرأي، ومثله تفسير كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد من توقيف في المسألة.
يشرح المبارك فوري من الشروح إما من شروح الترمذي أو من شروح غيره إذا كان الحديث مخرج عند غير الترمذي كالبخاري مثلاً، قد يضعف شرحه في بعض المواضع في الأحاديث التي لم تشرح من قبل، ولذا يصعب على كثير من طلاب العلم أن يتصدوا لتدريس أو إقراء كتاب ما له شروح، فالعناية بالكتب المشروحة التي تداولها أهل العلم أولى، ومع ذلك على طلاب العلم أن يهتموا بالشروح ويقرؤوها ويعرفوا ما فيها، الإشكال أن الشروح مع ما شغل به الناس الآن تحتاج إلى أعمار تحتاج إلى وقت، يعني متى يتسنى لطالب علم أن يقرأ فتح الباري مثلاً أو عمدة القاري أو إرشاد الساري أو شروح مسلم أو شروح الترمذي أو شروح أبي داود؟ تحتاج إلى أعمار، لكنه إذا عود نفسه، ومرن نفسه على القراءة القراءة لا تكلف شيء، ولا تحتاج إلى جهد ولا..، إنما تحتاج إلى قلم يكتب على كل مسألة ما يناسبها، وشرحنا مراراً كيفية مراجعة الشروح والقراءة فيها، وقلنا: إن بعض العلم أتخذ ألوان أخضر وأحمر وأزرق وأسود، ويضع أمام كل فائدة ما يناسبها، فيجعل الأحمر لما يراد حفظه مثلاً، والأخضر لما يراد فهمه، الأزرق لما يحتاج إلى نقله في موضع من المواضع، الأسود لما يحتاج إلى كذا، المقصود أنه إذا أنهى الكتاب رجع إليه، فما يحتاج إلى حفظ يكرره حتى يحفظ، يحتاج إلى حفظ مثل هذا، ما يحتاج إلى فهم يرجع إليه مرة ثانية ويتأمله ويراجع عليه الشروح والكتب الأخرى والمراجع، ويسأل عنه أهل العلم وهكذا، وبهذا يتكون ملكة يستطيع أن يشرح بها أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- دون أن يرجع إلى شروح فيما بعد، أما الشرح الإنشائي، ومثل الكلام الذي لا أول له ولا آخر مثل هذا الذي يعطى بيان ولسان ما يعوزه أن يشرح، لكن الكلام في الشرح الذي ينفع، ويصيب المحز، ويصيب الهدف المطلوب، أما كلام إنشائي يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا وكذا، صحابي جليل حضر الغزوات وبعدين؟ ما ينفع هذا، هذا إنشاء لو طالب ابتدائي قال هذا الكلام ما أعطيناه درجة، ويوجد من يتصدى للشروع لشرح السنة من يجي من يصف من هذا الكلام الإنشائي بما لا يفيد، فعلينا أن نعنى بالدقة من أول الأمر والتحري والتحرير في المتون والأسانيد، ولا نتكلم إلا بشيء نحن على ثقة منه، إذا انتهى من شرح الحديث قال الترمذي: قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، يقول: وأخرجه فلان وفلان وفلان صاحب التحفة يخرج الأحاديث إذا انتهى منها، ثم إذا قال الترمذي: وهو في الباب عن فلان وفلان وفلان، والقصد من إيراد هذه الأسماء، إيجاد شواهد للحديث تدعمه وترقيه؛ لأنه قد يصحح الحديث فيستغرب الناظر كيف قال الترمذي: حسن صحيح وفيه انقطاع؟ صححه بالنظر لشواهده التي أشار إليها، بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان، فهو صحح بالمجموع، ما يذكره في قوله: وفي الباب عن فلان وفلان لا يلزم أن تكون بلفظ الحديث المذكور، ولا يلزم أن يكون بمعناه أيضاً، وإنما يكون قوله: في الباب يعني مما يصلح أن يدون ويذكر في الباب، إما موافق للحديث وهذا هو الكثير والغالب، وقد يذكر وفي الباب مما يشير إليه مما فيه شيء من المعارضة لتطّلع على هذا الحديث، تبحث عن هذا الحديث وتطلع عليه، وتنظر هل يوافق أو يخالف؟ هل يدعم الحديث أو يخالفه؟ المقصود أن الترمذي له مقاصد ومغازي في هذه الإشارات لا توجد عند غيره، وهذه من مزايا الكتاب، والمبارك فوري أشار إلى شيء منها، وخرج بعضها، بل خرج كثير منها، حديث أبي هريرة أخرجه البخاري، حديث أبي سعيد خرجه النسائي وهكذا، وحديث ابن عمر ينظر من أخرجه، ما يلزم أن يطلع على كل شيء، ما يلزم أن يحيط بكل علم، كم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول لمن يستدرك بعده؟! وهذا من نعم الله -جل وعلا- أن العلم ما زال فيه فرصة، ما زال فيه فرصة ومحل الاجتهاد لتعظم الأجور؛ ولتبنى الشخصيات العلمية على هذه الطريقة، وإلا لو كان العلماء الأوائل أحاطوا بكل شيء وما تركوا لنا شيء، معناه ما لنا قيمة، ما للمتأخر قيمة، لكن ترك له فرصة ليُجد ويجتهد ويبحث ويستخرج ويستنبط «ورب مبلغ أوعى من سامع» ليثبت له من الأجر نظير ما ثبت للمتقدمين، لكن شريطة أن يعطي من نفسه، ويبذل لخدمة هذا العلم، لا بد أن يبذل.
فكتاب التحفة يحتاجه طالب العلم، وأما العارضة فقراءتها على هيئتها المطبوعة الآن الفائدة منها قليلة جداً، إلا إنسان له خبرة ومعاناة لأساليب المتقدمين وطرائقهم يمكن أن يمشي معه بعض الفوائد، أما الكتاب بكامله ما يمشي، ومع طالب علم عادي ما يستفيد منه، والكتاب الأصل الذي هو الترمذي لا ينبغي أن يعول عليه في هذه الطبعة؛ لأنها طبعة محرفة ومصحفة، وأدخلوا فيها ما ليس منها.
الكتاب -أعني جامع الترمذي- طبع مراراً، طبع في بولاق الطبعة الأولى سنة ألف ومائتين واثنين وتسعين في مجلدين صغيرين،وهذه من أنفس الطبعات وأدقها وأتقنها، طبع في الهند مراراً، طبعوه الهنود وعلقوا عليه طبعات طيبة، لكن الإشكال أن الطباعات الهندية لا سيما القديمة منها أنها بخط فارسي، نعم الكلام عربي هو يقرأ عربي لكن نوع الخط فارسي، لا يستطيع كثير من صغار طلاب العلم أن يمشوا معه، يشكل معهم بعض الحروف في رسمها الفارسي، وإلا في طبعات وحواشي كثيرة في الطبعات الهندية، والشيخ أحمد شاكر رأى أن الكتاب بحاجة ماسة إلى العناية، ويوجد من طبعة بولاق نسخة للشيخ أحمد الرفاعي المالكي، اعتنى بها وقرأها وأقرأها في الأزهر، وعلق عليها، وصحح في مواضع، وضبط بالشكل بحيث صارت نسخته فريدة، فالشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- اعتنى بهذه النسخة، مع أنه قرأ الكتاب على والده الشيخ: محمد شاكر وضبط منه ما ضبط، وفاته بعض الأشياء، لكن مع طبعة الرفاعي مع نسخة الشيخ الرفاعي تكامل الكتاب، ورأى أنه بحاجة ماسة إلى النشر من جديد؛ لأن الحرف القديم حرف بولاق يعني على أن الترمذي على وجه الخصوص ومسلم حرف جميل، لكن طبعات بولاق بالجملة حرفهم ما يناسب كثير من المتعلمين الآن، الشيخ وقع له مجلد كبير فيه الكتب الستة في مجلد، كل الكتب الستة في مجلد، فيه الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي ستة في مجلد واحد، وهذا المجلد مراجع ومصحح من قبل الشيخ محمد عابد السندي، لما وقعت له هذه النسخة مع وجود نسخ أخرى عنده في مصر من مخطوطات الكتاب ونسخة الشيخ الرفاعي، ونسخته التي قرأها على والده وُجدت الأرضية المناسبة لتحقيق الكتاب، فشرع في تحقيقه وطبع منه بتحقيق الشيخ أحمد شاكر طبع مجلدان فيهما ما يقرب من عُشْر الكتاب أو يزيد قليلاً عن العشر، يعني لو صدر الكتاب كامل يمكن يصير خمسة عشر مجلد بهذه الطريقة، بطريقة الشيخ وتعليقاته، وتنبيهاته على فروق النسخ وتوجيهه لبعض الروايات المتعارضة وتوثيقه وتضعيفه لبعض الرواة كلام جميل جداً، والشيخ مطّلع، الشيخ من أهل الإطلاع الواسع، وتجده يأتي بالفائدة المناسبة لهذا الحديث من كتاب لا يخطر لك على بال، من كتاب من كتب الأدب أو من كتب التواريخ، وهذه ميزة العالم المتفنن أنه يربط بين العلوم، أما العالم المتخصص ما يستطيع أن يصنع مثل هذا، ما في عند الترمذي شروح الترمذي فقط، يعني إن طلع إلى غيره من شروح أهل السنة معقول وسهل عليه، لكن يطلع إلى كتب أخرى، يشرح في حديث وينزع لك بنكتة تاريخية أو أدبية أو شيء من مقروءاته في اللغة، هذا لا يفعله إلا المتفنن، الكتاب طبعة الشيخ أحمد شاكر طبع الجزء الثالث بتحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، لكن أين هذا من هذا؟ محمد فؤاد عبد الباقي بالنسبة للشيخ أحمد شاكر لا شيء، ثم بعد ذلك طبع الرابع والخامس بتحقيق ادِّعاء إبراهيم عطوة عوض، هذا لا شيء تحقيقه مجرد نشر طبع، وليس فيه أدنى مظهر من مظاهر العناية، بل فيه أخطاء كثيرة، هذا الذي جعل طبعة الشيخ: أحمد شاكر لا تنتشر؛ لأنها ناقصة وكملت بتكميل غير مناسب، يعني نظير ما يقال في المجموع للنووي، المجموع أتم النووي تسعة مجلدات في كلام لا نظير له عند أحد في كتب الفقه، وقلنا في مناسبات: إن جامعات الدنيا لو اجتمعت تؤلف مثل المجموع ما استطاعت، ثم بعد ذلك جاء السبكي وكمل ثلاثة أجزاء، لكن أين السبكي من النووي؟ على إمامة السبكي لكن أين هو من النووي؟ ثم جاء المطيعي وغير المطيعي وكمّل وصارت المسألة لا شيء، فيبقى أن الأصل أحمد شاكر في المجلدين البقية لا قيمة لها، يعني إن استفيد من فؤاد عبد الباقي أما البقية فلا يستفاد منه، المجموع يستفاد من التسعة على الوجه المطلوب، وأما البقية فأقل، ثم طبع الكتاب بعد ذلك بتحقيق وتعليق وترقيم وفهرسة دقيقة لعزة عبيد الدعاس، في حمص في عشرة أجزاء، وهذا الطبعة مخدومة، وعليها تعليقات، لكن ما يظهر لهذا المعلق أنه له يد في الصناعة الحديثية يد راسخة، ولذلك تجد تعليقاته تعليقات فقهاء على كتاب حديثي، واستفيد من هذه الطبعة؛ لأنها كاملة ومفهرسة ومخدومة ومرقمة، استُفيد منها بقدر ما فيها من نفع، ثم طبعه بشار عواد معروف، وهو معروف بالعناية بالتحقيق، عنده يعني خبرة في التحقيق، وجمع نسخ واستفاد من التحفة، وطبعته كاملة، ينقصها من الأحاديث ما لم يجده في التحفة بقدر ستين حديث، لكن هذه تدرك من طبعات أخرى، المقصود أن طبعة الشيخ بشار هي أفضل الموجودة الآن باعتبار أنها كاملة، وإلا لو كملت طبعة الشيخ أحمد شاكر ما يدانيها شيء، فالمجلدان اللذان طبعهما الشيخ أحمد شاكر ما لهما نظير، النسخة الكاملة لطبعة بشار طيبة يستفاد منها، على أن الشيخ أحمد شاكر عنده سعة في الخطو في توثيق الرجال وتصحيح الأحاديث، يعني أشد تساهل من الترمذي، وأنا مدون في نسختي أكثر من عشرين راوي وثقهم الشيخ أحمد شاكر عامة أئمة النقد على تضعيفهم، جماهير النقاد على تضعيفهم، ومع ذلك يصر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- إلا أنهم ثقات، هذا ما يمكن أن يقال في هذه المقدمة، وغداً -إن شاء الله- نبدأ بشرح الكتاب، وننظر الآن في الأسئلة..
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم بعض الطلاب يؤثر عليهم، ويشوش عليهم، وبعضهم لا يشوش عليهم، كما أن من أهل العلم من ذكر أنه يقرأ في كتاب أخر ويستمع لما يلقى ولا يؤثر هذا على هذا.
هل تنصح باستخدام المسجل؟
نعم لكن أنتم قد كفيتم التسجيلات، تسجل وتوجد -إن شاء الله- الأشرطة.
نعم هذا المجلد نسخ في اليمن، في سنة ألف ومائتين وعشرين........، وقوبل أيضاً في الوقت نفسه من قبل الشيخ محمد عابد السندي قابله وصححه.
نعم موجودة لوحدها، هي مطبوعة ضمن مجموعة الشيخ حافظ، وكذلك اللؤلؤ والمرجان مطبوع، نعم.
طالب العلم بالطريقة التي شرحناها، طريقة البحث التي شرحناها وجعل كتاب البخاري محور لهذا البحث لا ينتهي من صحيح البخاري إلا وقد حفظ جميع ما في صحيح البخاري، وقد حفظ زوائد مسلم، وحفظ زوائد الكتب؛ لأنه يحتاج في الطريقة إلى خمس سنوات على الأقل، نعم إن فضل أن يحفظ المتون المجردة من خلال المختصرات في أول الأمر في أقرب فرصة، ثم يعود إلى الطريقة التي شرحناها جيد نافع، أما أن يقتصر على مجرد حفظ المتون من غير نظر في الأسانيد، ومن غير نظر في التراجم التي هي في فقه أهل الحديث، والربط بين الأحاديث وبين ما ترجم به الأئمة هذه لا يمكن أن يستغنى عنها.
أقول: لا مانع من أن يُخرَّج الكتاب كامل ويحكم على كل حديث بما يليق به، لا مانع لكن إبراز الأخطاء التي تقلل من أهمية وشأن هذه الكتب، هذا أمر غير محمود لا سيما إذا كان الكتاب مما يعم نفعه مثل كتاب التوحيد.
الجادة أن يحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، أو المحرر.
الطبعة الأولى، الطبعة الهندية الأولى، هذه إن تيسرت هي مصورة، لكن قد يكون في التعامل معها بالنسبة لطلاب العلم شيء من العسر؛ لأن الطلاب تعودوا على الحرف العربي الواضح هذا، لكن هذه مطبوعة على الحجر -يسمونها- بكتابة هندية إن استفاد منها طالب العلم فهي الأصل، ثم بعد ذلك طبع في المكتبات طبعته المكتبة السلفية بالمدينة المنورة في عشرة أجزاء، ومقدمة في جزأين بتحقيق شخص يدعى: عبد الرحمن محمد عثمان، وهذا ليس من أهل العناية، ولا من أهل الخبرة، يقرأ الطبعة الهندية الذي يعجز عنه يصوره تصوير، وهكذا فعل في الكتب التي طبعها في عون المعبود، في الموضوعات لابن الجوزي، في فتح المغيث للسخاوي، وليس بمحقق، وإن قالوا: إنه محقق، وليس من أهل العناية.
نعم عليك زكاة، والدين لا يمنع الزكاة.
معروف هذا الكتاب كتاب مطول للشيخ محمد على آدم في أربعين جزء، كتاب نافع جداً لطالب العلم لا سيما وأن النسائي فقير في هذا الباب، والشيخ -حفظه الله- يسر، جمع المادة كاملة لطالب العلم، بإمكان طالب العلم أن ينظر فيما كتب، ويلخص منه شرح يكون من أنفع ما يكون، الشيخ نعم قصر في التوفيق بين التراجم؛ لأن تراجم النسائي عبارة عن علل، علل الأحاديث والاختلاف على الرواة.
العلاج بالقرآن، العلاج في كتاب الله –عز وجل-، وفي كثرة الذكر {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] قراءة القرآن على الوجه المأمور به كفيلة بالعلاج الناجع لهذا المرض وغيره من الأمراض، لكن علاجه للأمور النفسية واضح وسريع أيضاً، وأثره ظاهر.
وهل هناك تعارض بين الدعاء والذهاب إلى الطبيب النفسي؟
لا، لا تعارض؛ لأن كلها أسباب.
المستخرج يعمد حافظ من علماء الحديث الذين يروون الأحاديث بأسانيدهم إلى كتاب معتمد مثل البخاري أو مسلم أو الترمذي عمل عليه مستخرج، يأتي إلى أحاديث هذا الكتاب فيخرج أحاديث هذا الكتاب بأسانيده هو من غير أن يمر بصاحب الكتاب، هذا يسمونه مستخرج، والمستخرجات كثيرة، وقول: لا يستطاع العلم براحة الجسم، هذا قاله: يحيى بن أبي كثير فيما نقله الإمام مسلم بين أحاديث المواقيت، وهو يسوق أحاديث مواقيت الصلاة، ذكر قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم، والشرّاح ترددوا في سبب الإيراد، إيراد كلام يحيى بن أبي كثير في أحاديث المواقيت، لكن المرجح أن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- أعجبه سياق الرواة لهذه المتون، وهذه الأسانيد بهذه الدقة المتناهية فأراد أن يُشعر القارئ أن هذا ما جاء من فراغ، ولا جاء نتيجة نوم، ولا استراحات ولا رحلات، ولا نزهات، إنما جاء بالتعب، لماذا؟ لأن العلم لا يستطاع براحة الجسم.
الجمهور على أنه إذا مر بميقات ثم تجازوه من دون إحرام لزمه دم إلا أن يرجع إليه هو نفسه، نفس الميقات الذي مر به، ولا يكفيه أن يحرم من ميقات آخر، والإمام مالك -رحمه الله- يقول: يكفي، إذا أحرم من ميقات معتبر لا سيما إذا كان ميقاته هو، يعني جاء من نجد عن طريق المدينة وتجاوز ذو الحليفة وأحرم من السيل يلزمه دم عند الجمهور، وعند الإمام مالك لا يلزمه شيء، والله أعلم.
المطلوب الحمد مع الاسترجاع، الحمد مع الاسترجاع.
سهل عندك الطبعات الجديدة بدءً من الطبعة التي مع فتح الباري التي اعتنى بها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي يذكر أطراف الحديث، ثم جاءت طباعات أخرى فيها الأطراف، ومن أنفع الطباعات التي يعتمد عليها طالب العلم بالنسبة للبخاري الطبعة السلطانية التي صورت أخيراً في أربعة مجلدات كبار، فيها الأطرف يذكر لك مواضع تخريج البخاري هذا الحديث في جميع المواضع، وفيها الإحالة على التحفة، تحفة الأشراف، وفيها من وافق البخاري من الأئمة على تخريج الحديث، وفيها الإحالة على الشروح، برقم الحديث ترجع إلى فتح الباري، في أعلى الصفحة يذكر لك موضع الحديث من عمدة القاري، وموضعه من إرشاد الساري، فهي طبعة نفيسة يستفيد منها طالب العلم.
نعم إذا فرغ من صلاته وصلى بثوب فيه نجاسة فلا يخلو إما أن يكون قد علم هذه النجاسة ثم نسيها أو جهلها أو لا يكون عنده علم بها حتى انتهت صلاته، أما إذا كان لا علم له بها حتى انتهت صلاته فهذا لا إشكال فيه عند أهل العلم، أما إذا كان قد علم بها ثم نسيها أو جهلها عند الحنابلة يعيد، يعيد الصلاة، والمتوجه والمرجح أنها مثل المسألة الأولى، إذا نسيها وصلى بثوب فيها نجاسة فإن هذا لا يضيره -إن شاء الله تعالى- لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم عند أهل العلم.
إذا لم يكن من المحارم فلا يجوز، ما رخص بالنسبة لهؤلاء العجائز التي لا يرجون نكاحاً إلا التساهل في الحجاب، وأن يستعففن خير لهن.
نعم يواصل طلب العلم، ويسلك الطريق، ويلتمس الطريق، ويسأل الله -جل وعلا-، ويثابر، ويردد، ويكرر، ويحفظ -إن شاء الله تعالى-.
ينسب إلى بخارى بلد في المشرق.
على كل حال الترمذي كتابه جامع؛ لأن فيه جُل أبواب الدين، وأما إرداف الجامع بالصحيح فجاء عن بعض أهل العلم كما أشرنا، لكن فيه تساهل، فهو جامع الترمذي، أو سنن الترمذي، يسميه بعضهم: سنن الترمذي.
أنا فصلت قلت: إذا كان الكتاب مما يعظم ضرره ويخشى انتشار شره على الناس لا مانع من إفراد أخطائه.
كم ترك الأول للآخر، هذه شرح لقوله -عليه الصلاة والسلام- «رب مبلغ أوعى من سامع».
ذكرنا في مناسبات كثيرة أن أفضل طبعات فتح الباري طبعة بولاق، لكن قد لا تتيسر لكل أحد فيكتفى بالطبعة السلفية الأولى؛ لأنه طبع سلفية أولى وثانية وثالثة.
مسألة خلافية بين أهل العلم يختلفون في أيهما أفضل؟ طول القيام الذي هو القنوت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] مع طول القراءة، وطول السجود الذي هو أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، أو تكثير عدد الركعات؟ من أهل العلم من يرى أن المنظور له الوقت، قيام الليل حدد بالوقت، في سورة المزمل حدد بالقوت، وحينئذٍ لا يختلف أن يصلي في ساعة عشر ركعات أو عشرين ركعة، لا فرق عندهم عند من يحدد بالوقت، وكأن هذا هو الذي يعضده الدليل، أما من أراد الاقتصار على من أُثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من الأحد عشرة فلينظر مع الكمية إلى الكيفية، ما ينقر لي إحدى عشرة ركعة كل ركعة بدقيقة ويقول: أنا مقتدي لا، مقتدي اقرأ مثل قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وانظر إلى الكمية والكيفية إذا أردت أن تقتدي مع أن العدد غير مراد، فقد ثبت الزيادة على الإحدى عشرة، ثلاثة عشر في الصحيحين، خمسة عشره في المسند، وفي بعض إشارات ما في الصحيح ما يشير إلى شيء من هذا، المقصود أن صلاة الليل مثنى مثنى، لا حد لها، فإذا خشي الصبح يوتر بواحدة توتر له ما قد صلى، يصلى ركعة توتر له ما قد صلى، وإذا تيسر طول القيام مع طول الركوع والسجود فهذا أولى إذا استوعب الوقت الذي يراد، أما أن يقتصر في الركعات ويقول: أنا أقتصر على العدد المأثور ولا ينظر إلى الكيفية هذا ليس بمقتدي، وإذا كان الشخص لا يطيق طول القيام أو يتضايق من طول السجود وأراد أن يكثر من الركعات فعند بعض أهل العلم أن هذا هو الأفضل، يفعل الأرفق به.
ما قلت يا أخي، قلت: إن أبا هريرة حافظ الأمة.
فهل هو حافظ القرآن؟
نعم ذُكر من القراء، أبو هريرة ذُكر من القراء.
طريقة المتأخرين عندهم قواعد منضبطة مضطردة لا تتفاوت ولا تتخلف، إذا قبلوا زيادة الثقة قبلوها باطراد، إذا رجحوا الوصل رجحوه باستمرار، إذا رجحوا الرفع.. إلى آخره، لكن المتقدمين ليس لهم شيء عندهم طرائق ثابتة بحيث يحكمون على جميع الأحاديث بحكم واحد، إنما عندهم القرائن، القرائن تؤيد قبول هذه الزيادة يقبلونها، تؤيد عدم القبول ما يقبلونها، القرائن ترجح الإرسال يرجحون الإرسال على الوصل، وقل مثل هذا في الرفع والوقف، ويأتينا شيء من هذا -إن شاء الله تعالى-.