تعليق على تفسير سورة الأعراف من أضواء البيان (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه ورقة كُتِبت في حُكم أكل الفيل، ما المناسبة؟ كأنها منقولة من حياة الحيوان؛ لأنه الذي يقول مثل هذا الكلام.
الحُكم: يحرم أكل الفيل على المشهور وعلَّله في (الوسيط) بأنه ذو نابٍ مُكادح أي: مُغالب مقاتل، وفي وجهٍ شاذ حكاه الرافعي عن أبي عبد الله البوشنجي، وهو من أئمة أصحابنا –يعني الشافعية- أنه حلال، وقال الإمام أحمد: ليس الفيل من أطعمة المسلمين، وقال الحسن: هو منسوخ.
ما معنى منسوخ؟ ممسوح.
وكرهه أبو حنيفة، ورخَّص في أكله الشعبي.
هذا كلام صاحب حياة الحيوان، وليس هذا موضعه، ما أدري ما الحكمة التي جعلت الأخ يأتي بهذه الورقة في هذا الدرس؟
طالب: ..........
مَن هو؟
طالب: ..........
يأكل الفيل هو.
طالب: ..........
نعم نعرف حُكمه، ما يخالف، لكن هذا وقته، ولا أحد قال بأنه رُجِّح هنا أنه حلال؟
طالب: ..........
أنت الآن على بينة يوم تكلم بهذا الكلام؟ تعرف رأي صاحب السؤال؟
طالب: ..........
أنت قلت: لعله كذا أم جزمت فقط؟ ادرعمت وجزمت.
طالب: ..........
والله، جزوم أنت.
طالب: ..........
خلاص هذا آخر الدروس.
طالب: ..........
لا، مستحيل، طويل، الكلام في الصفات يحتاج إلى ثلاثة دروس، تقول: نتركه، تركناه، الترك ممكن، أما ثلاثة دروس في درس واحد فما يُمكن.
طالب: ..........
هو الموضوع شائك، يعني ليس بموضوعٍ سهل يسلق ويُسمَع.
طالب: ..........
آخر شيء الأسبوع القادم اختبارات، تبدأ الاختبارات.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى- : "قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف:54].
لَمْ يُفَصِّلْ هُنَا ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ فَصَّلَهُ فِي سُورَةِ (فُصِّلَتْ) بِقَوْلِهِ: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:9-12]".
الخلق في ستة أيام، واليوم السابع الذي هو السبت ما ذُكِر فيه شيء من المخلوقات، وليس فيه كما تزعم اليهود أن الله استراح؛ ولذا قال –جلَّ وعلا- ردًّا عليهم: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] يعني: تعب.
وحديث «خلق الله التربة يوم السبت» حديثٌ شاذ عند أهل العلم لا يصح.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الأعراف:54] الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَأَمْثَالُهَا مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] وَنَحْوَ ذَلِكَ أَشْكَلَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِشْكَالًا ضَلَّ بِسَبَبِهِ خَلْقٌ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَصَارَ قَوْمٌ إِلَى التَّعْطِيلِ وَقَوْمٌ إِلَى التَّشْبِيهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَوْضَحَ هَذَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ، وَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ أَيَّ لَبْسٍ وَلَا إِشْكَالٍ، وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ مُتَرَكِّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ".
آيات الصفات بيَّنها الله –جلَّ وعلا- ووضَّح المراد منها، ولم يترك فيها لبسًا ولا خفاءً، كما قال الشيخ –رحمه الله-، ولكن من لم يُرد الله هدايته سلك غير الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه.
الآن الشمس في رابعة النهار، والطريق إلى الهدف واضح، من يذهب لمكة مثلًا يسلك طريقها ويصل، والذي لا يسلك الطريق، بل يترك الطريق، ويسلك المعاكس، أو يحيد يمنةً أو يسرى ولو كانت الشمس طالعة، يصل أم ما يصل؟
لن يصل، وهكذا الأمر فيمن أراد الله هدايته ووفقه لفهم كلام الله وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- وسلِم من الهوى وانحراف الفطرة سلِم من ذلك، فإن الأمر واضحٌ بيِّن، والدليل على ذلك أن عوام المسلمين لا يستشكلون في آيات الصفات شيء؛ ولذا تمنى كثيرٌ من أئمة الكلام من المتكلمين تمنى كثيرٌ منهم أو بعضهم أن يموت على عقيدة العوام؛ لأنهم يفهمون عن الله وعن رسوله مرادهم، ولم ينحرفوا عن الطريق المستقيم، فتمنى بعضهم، بل كثيرٌ منهم أنهم على عقيدة العوام، وبعضهم على عقائد عجائز نيسابور، وبعضهم كذا؛ دليل على أن الأمر لا خفاء فيه.
لكن من لم يُرد الله أن يهديه، وسلك السُّبل المنحرفة عن هدي الله وهدي رسوله، وعن طريقة السلف وعن فهم الصحابة، وسلك سبيل الأوائل، كما يقولون من المتفلسفة وغيرهم، وحكَّم قواعدهم في كلام الله وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- لن يصل إلى الطريق الصحيح، بل مآله إلى الانحراف عن مراد الله وعن مراد رسوله- صلى الله عليه وسلم-.
ومع الأسف أن هذا المسلك الذي جانب الصواب، ولم يعتمد على كتاب الله ورسوله وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام- وفهم سلف الأمة، مع الأسف أنه طغى وكثر وعثى في الناس وانتشر فيهم، ولم يبقَ على المنهج الصحيح إلا القليل النادر، قليلٌ جدًّا، بل مذهب الأشاعرة طبَّق الأرض، ومذهب المعتزلة وقبلهم الجهمية وغيرهم انتشر انتشارًا واسعًا؛ لأمرٍ يُريده الله- جلَّ وعلا-؛ {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:42]؛ لتعظم الأجور لمن يثبت ويصبر ويُنافح ويُجاهد عن كتاب الله وسُنَّة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، وتعظم الأوزار لمن يسلك مسلكًا مخالفًا ويُتَبع فيه؛ ليكون من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، كم على الجهم وأمثال الجهم من أوزار الذين ضلوا بسبب أرائهم وأقوالهم؟ نسأل الله العافية.
جاء شيخ الإسلام –رحمه الله- فوضَّح وجلى الغُمة عن منهج السلف الصالح، وأوضح للناس مراد الله ومراد رسوله من هذه النصوص التي ضل فيها كثيرٌ من الناس، فرجع كثيرٌ من الناس، وبقي كثير، وجاهد –رحمه الله- في الله حق جهاده في هذا الباب وغيره من أبواب الدِّين، وإلى الآن، ولله الحمد والمنة، وكُتب الشيخ وفَهم الشيخ للنصوص على طريقة السلف الصالح يُقرأ ويُقرر ويُعتقد، ولله الحمد والمنة.
والمذاهب الأخرى والأهواء والفِرق كلها لكل قومٍ وارث لا يُجزم بأنه انقطع كل شيء، ثم جاء الشيخ الإمام المجدد، ورسَّخ هذه العقيدة في نفوس الناس، وانتشرت بسبب انتشار دعوته، ولله الحمد والمنَّة.
وبقي من كُتب البدع وأقوال المبتدعة الشيء الكثير، وحُورِبت العقيدة الصحيحة على عهد شيخ الإسلام وحقيقة مؤلفاته، وكذلك مؤلفات الإمام المُجدد، واتُّهِم باتهاماتٍ هو منها بريء، من أجل أيش؟ التنفير عن دعوته وعن العقيدة الصحيحة، وتبنى ذلك من ينتسب إلى العلم في بعض الأقطار، وأُلصِقت بها التُّهم من المناوئين لدعوته، ولكن الحق هو الباقي، والباطل زهوق، والله المستعان.
اقرأ.
"وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ مُتَرَكِّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَنْزِيهُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ مُشَابَهَةِ الْحَوَادِثِ فِي صِفَاتِهِمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا".
كما قال –جلَّ وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].
"وَالثَّانِي: الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِفُ اللَّهَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنَ اللَّهِ: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140]، وَلَا يَصِفُ اللَّهَ بَعْدَ اللَّهِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي قَالَ فِيهِ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4]، فَمِنْ نَفَى عَنِ اللَّهِ وَصْفًا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَاعِمًا أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَعْلَمَ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَا يَلِيقُ بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16].
وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ يُشَابِهُ صِفَاتِ الْخَلْقِ، فَهُوَ مُشَبِّهٌ مُلْحِدٌ ضَالٌّ، وَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ تَنْزِيهِهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ جَامِعٌ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَالتَّنْزِيهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ، سَالِمٌ مِنْ وَرْطَةِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَالْآيَةُ الَّتِي أَوْضَحَ اللَّهُ بِهَا هَذَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ -جَلَّ وَعَلَا- مُمَاثَلَةَ الْحَوَادِثِ بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِنَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ مَعَ الاتِّصَافِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ".
الحوادث جمع حادث، وهو مخلوق، وكلمة المخلوق أو المخلوقات أوضح من كلمة الحوادث؛ لأنها يستشكلها بعض من لا يفهم معناها، وهي تحتمل أكثر من معنى، ولكن المخلوقات يفهمها الخاص والعام، الصغير والكبير، ولكنه اصطلاحٌ جرى على ألسنة الخصوم من أهل الكلام، وأنها حوادث، يتحدثون عن الحوادث، فمن باب التنزُّل مع الخصم، وهو يحمل معنىً يمكن قبوله في هذا الباب لا إشكال في التعبير به، لكن غيره أوضح، والعالِم أو المؤلف أو الخطيب أو الإمام إذا كان فيمن يتبعه أو يسمع له من لا يفهم كلامه لا ينبغي أن يعدل عن الكلام الواضح البيِّن الذي يفهمه الناس كلهم إلى كلامٍ يفهمه بعضهم دون بعض.
وتسمع في دعاء القنوت الدعاء للمظلومين من المسلمين في كذا وكذا من البلدان المعروفة بأسمائها، وفي بلاد الرافدين وخلفه من العوام ألوف منهم عجائز وشيِّاب ما يدرون أيش بلاد الرافدين، ويقولون: آمين، ولو غير العراق كلهم يفهمون، ما الذي يدعوه إلى الانتقال من اللفظ المألوف المعروف للناس كلهم إلى لفظٍ لا يعرفه إلا بعضهم؟ وهم مطالبون بالتأمين خلف الإمام، فيؤمِّنون على لفظٍ لا يدرون ما هو، فمثل هذا العدول من اللفظ المعروف عند الناس كلهم إلى غيره ممن يفهمه بعضهم، ما معنى الحوادث يا أبا رضوان؟
طالب: ..........
تصادم السيارات! له أربعون سنة يطلب العلم، هذا الذي نحذره من العدول من الألفاظ الواضحات التي يفهمها الناس كلهم إلى بعض الألفاظ التي تخفى على كثيرٍ منهم، ما ذنب العجوز التي تقول: آمين، تُؤمِّن لبلاد الرافدين وهي ما تدري ما هي، والله ما تدري ما هي، لا هي ولا شايب، وأكثر الناس ما يعرفون، ما يعرفها إلا طالب علم ولا كل طالب علم بعد يعرفها، الذين طلبوا العلم على طريقةٍ معينة على المشايخ ما تمر عليهم هذه الأمور.
فالتنبيه على مثل هذا طيب، يعني ما تكلف الناس أن يقولوا: آمين، وهو ما يدري ماذا يقول.
طالب: ..........
نعم هو اللفظ المتبادر من اللفظ عند عامة الناس أن الحوادث تصادم السيارات، فهذا الذي يُخشى منه، وإلا فالتعبير موجود في كُتب شيخ الإسلام وغيره، لكن شيخ الإسلام يُخاطب طلاب علم وعلى مستوياتٍ معينة، والله المستعان.
"وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّرَّ فِي تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] دُونَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ، أَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يَتَّصِفُ بِهِمَا جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ، فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِهِمَا، وَلَكِنَّ وَصْفَهُ بِهِمَا عَلَى أَسَاسِ نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ وَصْفِهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ صِفَاتِ خَلْقِهِ؛ وَلِذَا جَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] بُعْدَ قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِيضَاحٌ لِلْحَقِّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ لَا لَبْسَ مَعَهُ وَلَا شُبْهَةَ ألْبَتَّةَ، وَسَنُوضِّحُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِيضَاحًا تَامًّا بِحَسْبِ طَاقَتِنَا، وَبِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- التَّوْفِيقُ".
يعني تفسير هذه الآية في كُتب أهل السُّنَّة من الوضوح مثل الشمس، لكن اقرأ في تفسير الآية في تفاسير المبتدعة، تمسك شيئًا أم لا؟
طالب: ..........
أعرف كلام الرازي، اصبر قليلًا.
ما تمسك شيئًا، يعني كُتب الكلام (شرح المواقف) ثمانية مجلدات، وكلها مبنية على قواعد فلسفية لا تمُت إلى كتاب الله وسُنَّة نبيه بصِلة، بل تحرف عن فهم كلام الله وكلام رسوله.
الرازي الذي يُشير إليه -الشيخ أبو عمر- تقرأ في كلامه من أوله إلى آخره وهو يُنظِّر لهذه الأمور، وكلامه في غاية الصعوبة، ولا تخرج منه بفائدة ولا بطائل. من كان عنده مبادئ وقرأ في المنطق، ودخل في الفلسفة، وقرأ كلام المبتدعة قد يفهم بعض الكلام، لكنه كلامٌ صعب ومزلقٌ خطر، مزلة قدم.
هؤلاء ما الذي أوصلهم إلى هذه الأفكار وهذه المعتقدات التي لا تدخل في عقل سوي؟ يعني مثل ما يُقال: بِشر المريسي حينما يقول في السجود: سبحان ربي الأسفل، المجانين لا يقولون هذا الكلام مع أنه من الذكاء بمكانٍ، متقدم جدًّا، من يقرأ كلام الله ويسمع قوله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وابن عربي يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب، المحادة والمعاندة لكلام الله وكلام رسوله سببه ما هو؟ الحيد عنهما ما حكَّمت الكتاب والسُّنَّة ذهبت إلى غيرهما فحكَّمته عليهما، فعوقِبت بمثل هذه الأمور، وأهل السُّنَّة في راحةٍ تامة من هذه الأمور، وعوامهم الواحد منهم يعدل ألفًا من أولئك في الوصول إلى الحقيقة وإلى مراد الله ومراد رسوله، والله المستعان.
طالب: ..........
وما أكثرها، اقرأ لعبد الرحمن بدوي وغيره، فيه موسوعات فلسفية الآن ملأت الأسواق.
طالب: ..........
هو المسألة أن مشكلتنا على ما يقولون: امتزاج الثقافات، يعني تقرأ للروافض مثلًا أو المعتزلة أو بعض الطوائف تجد في تفاسيرهم عبارات لا تفهمها إلا إذا كان عندك مقدمات لما اعتمدوه من العلوم والروافض من أكثر الناس عناية بالمنطق والفلسفة، ومادمت أنت ما عندك قاعدة، ما تفهم، ولكن كما قال شيخ الإسلام وغيره بالنسبة للمنطق: لا يستفيد منه الغبي، ولا يحتاج إليه الذكي.
شيوخنا -ولله الحمد- ما درسوا هذه الأمور، وفهموا عقيدة السلف الصالح بكل وضوحٍ وسهولة، وأعظم ما كُتِب في هذه العقيدة مما يحتاج إلى إحضار ذهن، مثل التدمرية لشيخ الإسلام تحتاج إلى حصب، ويُمكن أن يفهمها طالب العلم الذي تدرب في كُتب العقيدة من غير نظرٍ في فلسفةٍ ولا منطق ولا غيرهما.
والمنطق يختلف فيه أهل العلم ابن الصلاح والنووي قالوا: يحرُم تعلمه، المنطق فضلًا عن الفلسفة، فقال قومٌ: ينبغي أن يُعلم.
فابنُ الصَّلاح والنواوي حرَّمَا
|
|
وقال قومٌ: ينبغي أن يُعلَمَا
|
لكن أنت لو أقحمت ناشئة المسلمين في هذا العلم، وقررته على هذه الملايين فشقاءٌ محض، كثيرٌ منهم فهمه ضعيف، فالضعيف لا يفهم العلوم الواضحة، ثم تُقحمه في هذه الأمور التي لا يُدركها إلا الأذكياء من الناس، مع أنهم لا حاجة لهم بها.
قال بعضهم: إنه لكامل القريحة، وبعضهم عنده تفصيلات، لكن مثل ما قيل: لا يحتاج إليه الذكي، ولا يستفيد منه الغبي، تعبٌ ليس وراءه أرب.
هناك علوم احتيج فيها، وأُقحِم فيها شيء من علم الكلام، وتوقف فهم بعض مسائلها على هذا المنطق، مثل أصول الفقه مثلًا وكُتب العقائد أُدخِل فيها بعض الاصطلاحات الكلامية فصار يُبرر لبعض الناس أن يتعلم في المنطق؛ ولذا ابن قدامة وضع المقدمة المنطقية في مقدمة كتابه (روضة الناظر)؛ لأنه مما يُحتاج إليه في دراسة المسائل الأصولية.
ويسعى بعضهم الآن إلى تجميد كتب الأصول من شوائب المنطق والكلام وكذا، جزاهم الله خيرًا.
وعلى كل حال المسألة ما هي بمسألة اجتهاد شخصي ولا شيوخنا، ما احتاجوا إلى شيءٍ من ذلك، حتى مسائل الأصول التي لها ارتباط بالمنطق، ويتوقف عليها ما يحتاجونها ولا احتيجت عند سلف الأمة وأئمة الإسلام.
طالب: ..........
لا، الحيوان باعتبار أن الحيوان ما فيه حياة، فيشمل الإنسان، ويفرقون بينه وبين غيره من العجماوات بأنه ناطق، فلفظ حيوان بذاته الآن استعماله العرفي على العجماوات {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت:64]، فإذا استحضرت أن الحيوان أصله في الحياة وهو ما فيه حياة، وقد تكون الحياة الأكمل كما في الآية ما فيه شيء، لكن عوام الناس الذين لا يعرفون إلا هذه الكلمة مرتبطةً بهذه الذوات لو تتبعت مثل هذه الأمور ما انتهت؛ لأن كل بلد له استعمال عُرفي لبعض الألفاظ هو قبيحٌ عند غيره، واحد سمع يقول، سأل شيخ شايب كبير قال: أنت ماذا تشتغل؟ قال: طالب، قال: طالب! وضحك، لماذا؟
طالب: ..........
أنت ما تدري ما هي بعندكم.
طالب: ..........
هي تصلح لكل شيء لمن يطلب أي شيء، لكن الاصطلاح العُرفي عند هذا الشخص في بيئته لا يعرفونها في الزمن السابق إذا قلت: طالب، مثلًا تقول: الناقة مجسِّر فالأتان طالب، فاستصحب هذا ما يعرف غيره، يا ناس لا تلوموه، عامي ما يفهم شيئًا، فما يُمكن أن يُطرد مثل هذا الكلام في كل شيء.
طالب: ..........
هو الاصطلاحات في الجنوب الخبز أو ما أدري أيش، ما يُمكن أن تُلبى جميع الرغبات في هذا الباب، والاصطلاحات معروفة، الاصطلاح العام، والاصطلاح الخاص عند الناس المُتبع في القديم والحديث، لكن الاصطلاحات التي تشتمل على معانٍ قبيحة، ولأصل هذا المعنى أصل في اللغة تُجتنب مع أن اللغة في سعتها مَن يتتبع ألفاظها، ويُريد أن يأخذ بالراجح والصحيح عند جميع الناس هذا مستحيل، ولكل قومٍ اصطلاحهم، ولكل جيلٍ أيضًا أعرافهم، فالمسألة ما يُستفصل فيها بهذه السِّعة، لكن يبقى أن هناك مصطلحات منطقية وفلسفية خاصة بهم، وهناك قواميس تشرح هذه الاصطلاحات، فعند الحاجة إليها لما يمر علينا في كتاب من كُتب العقائد اصطلاح لا نفهمه نرجع فيه إلى كُتب الاختصاص، ويُفهَم وإلا فالأصل أن العناية بالكتب الكلامية، يعني (شرح المواقف) ثماني مجلدات.
طالب: ..........
(شرح المواقف) المواقف كُبر هذا للإيجي، وله شروح كثيرة جدًّا، لكن لا طائل تحت قراءته، ما يُستفاد منه إلا مَن أراد أن يعتقد على طريقته يفهم النصوص على طريقته، فهُم يتدرجون في معارفهم وعلومهم، والنهاية أين يصلون؟ إلى ما وصل إليه أوائلهم.
طالب: ..........
مغري من فهِم، لكن أين اللي يفهم؟ ثم بعد ذلك إذا فهِم المصير إلى أيش؟ المصير إلى الضلال- نسأل الله العافية- مَن قرأ كلام أئمتهم وأساطينهم عرف قدر هذا الكلام، وتحذير السلف في ذم الكلام وأهله وما يؤول إليه -السلامة لا يعدلها شيء- وإلا فقد تحتاج إلى مثل هذه الاصطلاحات في كتب التفسير وفي شروح الحديث وفي علومٍ أخرى.
طالب: ..........
لكن ما يُرضي صاحبك.
طالب: ..........
أنا أعرف أنك تُريد أن تخرج هذه الجملة.
ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ماذا يقول عنه شيخ الإسلام؟ إمام الأئمة، وغير شيخ الإسلام، وتقرأ في التوحيد لابن خزيمة وأنت مرتاح، وكلام واضح، وغيره من كُتب السلف.
طالب: ..........
كل كُتب السلف تقرأ فيها وأنت مرتاح.
طالب: ..........
الرازي في تفسير الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] قال: وقد ألَّف شخصٌ يُدعى محمد بن إسحاق بن خزيمة في أعضاء الله –يقول- كتابًا سمَّاه كتاب التوحيد، وحقيقته أن يُسمى كتاب الشرك –نسأل الله العافية-، ابتُلي ببدع كثيرة الرازي، الآن هو منظِّر لهذه العقائد الفاسدة وهو مع ذلك جابري، ومذهب الجبر الذي لا يدخل في عقول أوساط الناس تبناه، أن الناس كلهم مجبورون على ما يفعلونه، وعلى هذا فالله –جلَّ وعلا- ظالمٌ لهم إذا عذَّبهم، أين عقلك يا رازي؟
أنت تحس أنك لست مجبورًا، هو عنده قناعة وإحساس، كل الناس تحس بهذا أنه إذا أراد أن يقوم يصلي فلا أحد يمنع أنه يستطيع القيام ويذهب ليُصلي ويرجع، وإذا ما أراد أن يقوم؛ لأن له إرادة، هي تابعة لإرادة الله –جلَّ وعلا-، لكنها موجودة، هل هذا مجبورٌ يروح يصلي، وهذا مجبورٌ أن يجلس؟ والله المستعان.
كم الساعة؟ لأنه الأفضل أننا ما نسترسل.
طالب: ..........
نعم، والله.
طالب: ..........
لا لا بالنسبة للدرس؛ لأنه مترابط وطويل.
طالب: ..........
أنت ماذا قلنا عند كتاب التوحيد؟ السبب في ذلك أنه قرأ فيه قبل عشرين سنة المجلد الأول وانقطع، ويطالبنا...
طالب: ..........
أظن أنك أبو عمر..
طالب: ..........
نعم تنزُّل معهم يقولون كذا.
طالب: ..........
اكتفوا بكلام شيخ الإسلام، اكتفوا به، ما احتاج إلى تكرار كلام الباطل ويُحال عليه، التدمرية ما وضَّحت كل شيء وغير التدمرية، و(العقل والنقل)، وعندك (نقض تلبيس الجهمية) هذا فيه كل شيء.
وَكَذَلِكَ التَّأْسِيسُ أَصْبَحَ نَقْضُهُ
|
|
أُعْجُوبَةً لِلْعَالِمِ الرَّبَّانِي
|
ومن العَجِيبِ أنَّهُ بِسِلَاحِهم
|
|
أَرْدَاهُمُ نحو الحَضِيَضِ الدَّانِي
|
كلام! رحمهم الله جميعًا.
طالب: ..........
هو الإنسان يحمد الله –جلَّ وعلا- على أن أوجده في وقت وفي ظرف يُدرك به هذه الأمور، وإلا فما الفرق بينك وبين طالب علم نظيرٍ لك عاش في بلاد كذا وكذا في بلاد غُلاة الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود أو غُلاة الجهمية الذين ينفون ويقولون مثل هذا الكلام، الحمد لله، نحمد الله، ثم نحمد الله، ثم نحمده لا نُحصي ثناءً عليه.
طالب: ..........
في وقت شيخ الإسلام يعني قبل وجود شيخ الإسلام المذهب الأشعري يُطبَّق.
طالب: ..........
وإلى الآن موجود وجود كثرة ومغالبة، والدعوة له قائمة، وحصل لبس على بعض من ينتسب إلى السُّنَّة وضمه إلى أهل السُّنَّة السفاريني في عقيدته (لوامع الأنوار) يقول: أهل السُّنَّة ثلاث فرق، الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، يقول هذا ويقوله غيره، لكن من نظر إلى ما بُني عليه مذهب الأشعرية وما نتج عنه وأثمره عرف أنهم كيف يكون من أهل السُّنَّة وهو يُنكر الصفات إلا سبعًا، يُنكر ما أثبته الله؟ يقول لنفسه: كيف يكون من أهل السُّنَّة؟! الله المستعان.
طالب: ..........
لا تعمم.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
كل أهل السُّنَّة يذبون، أهل السُّنَّة في هذا الباب لا يعني أنهم أهل السُّنَّة في باب الصفات، المعتزلة يذبون عن الصحابة.
طالب: ..........
لا لا، الخير كثير يا أبا عمر حتى المعتزلة يذبون عن الصحابة، الصوفية يذبون عن الصحابة، في كل باب من أبواب الدين فيه موافقون وفيه مخالفون، أنت ترى التعميم هذا خطير.
طالب: ..........
ما لهم إلا حسنة واحدة؟
لا؛ لأن كون الأشاعرة في باب الصفات سلكوا هذا المسلك المخالف لكتاب الله وسُنَّة نبيه لا يعني أن عندهم حملة علم تراهم، في أبواب الدين الأخرى وفي التأليف في العلوم الشرعية متقدمون، يعني كم عند أهل السُّنَّة من تفسير؟ وكم عند الأشاعرة من تفسير؟ وكم عند هؤلاء من شروح الحديث؟
تجد يعني حسنات، لكن مع ذلك هذه السيئة التي لم يوفقوا للقول الصائب فيها عظيمة، وعندي من أعظم ما يُخشى عليهم منه: إن الله –جلَّ وعلا- إذا جاء في صفته التي يعرفونها سجدوا له الذي لا يُثبت صفات كيفيعرف صفات؟! يأتي في صفاتٍ غير التي جاءت عنه في كتابه وسُنَّة نبيه، فيمتنعون من السجود، فإذا جاء في صفته التي يعرفونها الذي لا يُثبت الصفات كيف يعرف الصفات؟!
طالب: ....
أليس بخطر؟ خطر عظيم.
لعلنا نقف على الموضوع؛ لأنه مترابط ومتتابع، والله المستعان.
لكن الطلب الذي طلبه الشيخ في الزيادة تعرف أن النفوس ما تنقاد إلى مثل هذا، وإلا بالإمكان أن نزيد ساعة أو ساعة ونصفًا وننتهي، يعني يصير ثلاثة دروس، لكن هذا صعب، والتخفيف أسهل.
مثل ما نقول في رمضان: في رمضان نُعطِّل الدروس ما فيه ولا درس ولا كلمة ولا محاضرة ولا شيء نتشبَّه بالسلف، لكن أنا تشبَّهت بالسلف بالترك، وفعل أفعال السلف أين هي؟
الله يعفو ويسامح، ما نقول إلا الله يعفو ويسامح.
طالب: ..........
يترك الحديث الإمام مالك في رمضان ما يُحدِّث أبدًا.