أولياء الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الله جل وعلا {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة يونس:62-64] {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [سورة يونس:62] ألا حرف تنبيه، أولياء الله: جمع ولي، وولي الله وأولياء الله جاء تفسيرهم في نفس السياق {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:63] من هم أولياء الله؟ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:63] من جمعوا بين الإيمان والتقوى، الذين جمعوا بين وصفي الإيمان، والإيمان عند أهل الحق من سلف الأمة وأئمتها وأهل السنة: قول وعمل واعتقاد، قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، وجاء تفسيره في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الدِّين فقال «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» من حقق هذه الأركان الستة استكمل الإيمان على ما شُرِح في تعريفه من اعتقاد وقول وعمل، فالإيمان يُنظَر إليه مِن زوايا واعتبارات، فمن جهة يُنظَر إليه بالاعتراف والإذعان والتصديق بالأركان الستة التي أجاب بها النبي -عليه الصلاة والسلام- جبريل لما جاء يسأله عن الدِّين عن الإسلام والإيمان والإحسان، ويُنظَر إليه باعتبار متعلَّقه وهو القلب واللسان والجوارح، وينظر إليه باعتبار الأثر الناشئ عنه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [سورة الأنفال:2] خافت وكثير من المسلمين تمر عليهم آيات الله وآيات الذكر الحكيم ولا تحرك فيهم ساكنا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [سورة الأنفال:2] قد يقرأ الإنسان القرآن من أوله وآخره، كثير من طلاب العلم وأهل العلم يختمون القرآن مرارا في الشهر والعام، والمسلمون يندر منهم من لا يقرأ القرآن في رمضان ومع ذلك لا تجد أثرًا لهذه القراءة وإلا فمثل الآية التي هي محل الدرس {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:62-63] يعني يقرأ الإنسان القرآن وكأنه غير معني به، وكأنه غير مراد يقرأ قصص الأمم السابقة كأنها للتسلية، وكأنه يقرأ في كتاب تاريخ، والله- جل وعلا- يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [سورة يوسف:111] فالقراءة التي لا تترتب عليها آثارها من الخوف والوَجَل من الله- جل وعلا- وزيادة الإيمان، هذه قراءة أثرها ضعيف وأجرها وإن كان أجر الحروف يثبت بمثل هذه القراءة في كل حرف عشر حسنات لكن يبقى أن الأثر الأعظم إنما يترتب على القراءة على الوجه المأمور به، الذي يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- قراءة القرآن على الوجه المأمور به تزيد المؤمن يقينًا وطمأنينة لا يجدها غيره، يعني ولو قرأ القرآن ممن لا يقرؤه على الوجه المأمور به، المقصود أن الإيمان إنما يُنظَر إليه باعتبارات حينما ينظر إلى أركانه الستة لا بد منها، من لم يؤمن بواحد منها ولو آمن بالخمسة هذا كافر- نسأل الله العافية بالإجماع- كافر أيضا من لم يحقق هذا الإيمان بحسب متعلَّقاته من القلب واللسان والجوارح، يعني لو آمن بلسانه ما نفع، لو آمن بقلبه ولم ينطق بلسانه الجمهور على أنه لا يدخل الإسلام حتى يقول لا إله إلا الله ينطق، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» لا بد من النطق؛ ولذا يذكرون في كتب العقائد أن من وقر الإيمان في قلبه ولم ينطق به بلسانه فهو يعامَل في الدنيا معاملة الكفار، لكن في الآخرة هذا أمر بينه وبين ربه، الذي لا يعمل بالجوارح والعمل بالجوارح شرط في صحة الإيمان والمراد جنس العمل {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:63] التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية وذلك يكون بفعل المأمورات وترك المحظورات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم:6] لا بد أن تجعل هناك وقاية بينك وبين عذاب الله لتكون مؤمنًا تقيًّا، والتقوى هي وصيَّة الله للأولين والآخرين، وهي عبارة عن فعل المأمورات واجتناب المحظورات هذا خلاصة ما قاله أهل العلم فيها، فإذا امتثل المسلم المأمورات واجتنب المحظورات كان تقيًّا، وإذا ارتكب شيئًا من المحظورات أو أخل بفعل شيء من المأمورات أخلَّ بشيء من هذه التقوى على قدره وحسبه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة يونس:63-64] البشرى في الحياة الدنيا جاء في تفسيرها أنها الرؤيا الصالحة يراها العبد المؤمن أو تُرى له، وجاء في الحديث الصحيح أنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوَّة، وجاء أيضًا تفسيرها بما جاء في قوله- جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [سورة فصلت:30] لا يخافون مما أمامهم من أهوال يوم القيامة، ولا يحزنون على ما خلفوه وما وراءهم من أهليهم وذويهم وما تركوه من متاع الدنيا، نعم كيف يحزن من بُشِّر تنزلت عليه الملائكة وبشرته وهو في الاحتضار والسياق بعدم الخوف مما أمامه فحينئذ لا يحزن، هو يبشر بالأمرين: بعدم الخوف مما أمامه من الأهوال ولا يحزن على ما خلَّفه من أمور الدنيا {أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة فصلت:30-31] هذا وعد من الله- جل وعلا- لأوليائه المتقين المؤمنين، قد يقول قائل ألا يكفي أحد الوصفين عن الآخر؟ الذين آمنوا وكانوا يتقون، الإيمان كمال وقد يكون المرء مسلمًا بالمعنى الأعم، وأما وصف الإيمان فلا يتحقق إلا لمن كَمُل فيه الوصف، ومن كَمُل فيه الوصف لا يتصور أنه غير تقي، والتقي الذي يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي لا يتصور فيه أن وصف الإيمان لم يتحقق فيه، لكن كثيرًا ما يُذكَر الوصف وإن أمكن الاستغناء عنه من باب الاهتمام به والعناية بشأنه {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران:110] يعني وصف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر زائد يتصف به بعض المسلمين، هو قدر زائد على القدر المشترك بين الناس كلهم الذي يتحقق به الوصف، ثم بعد ذلك يُنَص عليه للاهتمام به والعناية بشأنه لئلا ينسى، أهل العلم يشترطون في قَبول الأعمال الصالحة أن تكون خالصة لله- جل وعلا-، صوابًا على سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول قائل: لماذا نذكر الشرط الأول: أن تكون خالصة يكفينا أن نقول صوابا على سنته وهديه -عليه الصلاة والسلام- لأنه إذا كان صوابا على سنته -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يكون خالصًا، أما إذا لم يكن خالصًا فإنه لن يكون صوابا بحال من الأحوال، نقول مثل هذا يُنَص عليه لئلا يعزب عن البال، يعني لو لم يذكره أهل العلم في كل مناسبة يمكن أن يطبق الإنسان ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- يصلي كما جاء «صلوا كما رأيتموني أصلي» ويطبق الصورة الظاهرة ويقول هذه على سنته -عليه الصلاة والسلام- ويغفل عن الشرط الأول وهو الأهم وهو الإخلاص لله- جل وعلا- {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى} [سورة يونس:62-64] جاء في تفسير أولياء الله عن ابن مسعود وابن عباس وجمع من الصحابة أنهم هم الذين إذا رؤوا ذُكِر الله، هؤلاء هم أولياء الله ومثل هذا الوصف لا يأتي من فراغ، يأتي من التزام وتمسك بالسنة ظاهرًا وباطنًا مع الصدق مع الله- جل وعلا- وإخلاص العبادة له، وإلا مهما كانت الصورة جميلة والباطن مخالِف هذا لا أثر له في الناس، وكذلك من كان له نوع عبادة وعمل لكن صورته الظاهرة مخالفة فإن مثل هذا لا أثر له في الناس، الذين إذا رؤوا ذكر الله، وجاء هذا التفسير مرفوعا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه لا يسلم من مقال {لَهُمُ الْبُشْرَى} [سورة يونس:64] يبشَّرون بالمبشرات كالرؤيا الصالحة، ومثلها أيضًا ما جاء في أن المسلم يعمل العمل الصالح فيحمده الناس عليه وهذا في صحيح مسلم فقال -عليه الصلاة والسلام- «ذلك عاجل بشرى المؤمن » لكن هل للمؤمن أن يستشرف مثل هذه البشرى العاجلة ويتطلَّع إليها، يحب أن يُمدَح، يحب أن يُثنَى عليه بعمله الصالح ليكون من عاجل بشرى المؤمن؟ أو أنه لا يتطلع إلى مثل هذا؟ سلف هذه الأمة وأئمتها وجمهورهم يرون أن المسلم يترك هذا بينه وبين ربه وسواء عليه مُدِح أو ذُم لا يختلف الأمر عنده، ابن القيم -رحمه الله- يقول: إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك ويقينك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله- جل وعلا- كما قال الأعرابي للنبي -عليه الصلاة والسلام- أعطني يا محمد فإن مدحي زين وذمي شين قال: «ذاك الله جل وعلا» وبعض أهل العلم يستنبط من آية آل عمران {يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [سورة آل عمران:188] هذا محل الذم أن يحب أن يحمد بما لم يفعل، ومفهوم الآية أنه إذا أحب أن يُمدَح ويُحمد بما فعل أنه لا يدخل في هذا الذم وهذا استنباط من الآية جيِّد، لكن ينبغي أن يكون قلب العبد معلَّقا بالله- جل وعلا- لا يلتفت إلى المخلوق، نعم إذا اتفقت كلمة الناس على المدح أو على الذم كان له أثر في الحكم عند الله- جل وعلا- لأن الناس شهداء الله في أرضه، لما مُرَّ بجنازة عليه -عليه الصلاة والسلام- فأثنى الناس عليها خيرا قال -عليه الصلاة والسلام- «وجبت» ومُرَّ بأخرى فأثنى عليها الناس شرًّا فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «وجبت» فقيل له ما وجبت؟ قال ذاك أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وذاك أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار وأنتم شهداء الله في أرضه؛ ولذا من مذهب بعض السلف وإن كان قولا مرجوحا أن من اتفقت ألسنة الناس على مدحه من العلماء فإنه يُشهَد له بالجنة كأحمد والسفيانين وابن المبارك وابن المسيب، هؤلاء أئمة اتفق الناس على مدحهم يقول: مثل هؤلاء وجبت له الجنة ويشهد له بالجنة، والذي عليه أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن هذه علامات وقرائن يُرجَى للمحسن الثواب ويخشى على المسيء العقاب، بعض الناس إذا قيل له أن المدير أثنى عليك فضلا عن الوزير أو الأمير، إذا قيل له والله البارحة ذكرت عنده فأثنى عليك خيرا طار فرحًا، يمكن يحاول النوم ولا ينام من الفرح ويغفل عن مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي «أنا مع عبدي إذا ذكرني فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» فعلى الإنسان أن يلزم الذكر ويكون قلبه معلَّقًا مرتبطًا بالله- جل وعلا- المقصود أن الإيمان ليس بدعوى كما قال الحسن ليس الإيمان بالتحيل ولا بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [سورة الأنفال:2] هل قلوبنا تتحرك إذا ذكر الله- جل وعلا- {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [سورة الأنفال:2] يعني من منا من يقرأ القرآن وكأنه هو المخاطَب به وحده ما عليه من غيره؟! تقرأ الآية تأمر تنهى تحذِّر ترغب ترهِّب أنت المخاطَب، لما ذكر الله- جل وعلا- قصص الأمم السابقة، وقال في آخر سورة يوسف ما سمعنا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [سورة يوسف:111] ليست تسلية، قال عمر- رضي الله عنه- مضى القوم ولم يُرَد به سوانا، آيات تتحدث عن فرعون وكم من فرعون بالوصف ومع ذلك يمر بالآيات وكأنها لا تعنيه، تتحدث عن المنافقين وكم من منافق يقرأ القرآن وكأن الأمر لا يعنيه، فإذا استحضرنا هذا وقلنا إن الإنسان مخاطَب بكل حرف من القرآن وأَلزَم ما يكون على الإنسان نجاة نفسه أن يسعى في خلاص نفسه فيتدبر القرآن وينظر في القرآن في الأوامر في النواهي في القصص والمواعظ والعبر والنظر والتفكر في آيات الله، انظر كأنك أنت المخاطَب ولا تقول والله الأمر هذا نزل في فرعون، نزل في هامان، نزل في كذا، انظر إلى هذه الأوصاف التي اتصف بها هؤلاء الذين عوقبوا وعذبوا وتوعدوا بالعذاب الشديد يوم القيامة هل أنت متصف بشيء منها؟ لأن العبرة بالأوصاف لا بالأشخاص، إذا اتصفت بأوصاف المنافقين فلا تقل المنافقون في الدرك الأسفل من النار، عبد الله بن أُبَيّ وجماعته لا، أنت واحد منهم إذا اتصفت بأوصافهم في الدرك الأسفل من النار يعني تحت الكفار- نسأل الله العافية- ولو صليت مع الناس ولو زعمت أنك مسلم وتظاهرت بذلك انظر إلى قلبك فتش قلبك {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [سورة يونس:64] هذا وعد من الله- جل وعلا- والله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، ذلك ما ذُكر هو الفوز العظيم، الفوز النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، يأتي على ألسنة الناس وفي الصحف والجرائد وغيرها فلان فاز بسيارة، الفريق الفلاني فاز على الفريق الثاني، الفوز الحقيقي {مَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [سورة آل عمران:185] هذا الفوز، ليس والله فاز بسيارة، فاز بعمارة، فاز بكأس، فاز بكذا، كل هذا لا شيء، الفوز الحقيقي ما جاء في قوله- جل وعلا- {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [سورة آل عمران:185] هذا الفوز أما الفوز المؤقَّت تستمتع بهذه السيارة، تستمتع بهذه الدار أو بهذا المبلغ من المال، متع الحياة الدنيا التي لا تزن عند الله جناح بعوضة، الدنيا بحذافيرها بملياراتها بعماراتها كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، والإنسان إذا حصل على علاوة أو حصل على شيء أو حصل على مكافأة فرِح لا مانع أن يفرح لأن هذا يعينه على تحقيق الهدف الذي من أجله خُلِق وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- ولذا قال {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77] المسلم المؤمن يحرص على تحقيق ما خلق من أجله وهو تحقيق العبودية لله- جل وعلا- والمتصوَّر فيه أنه يغفل عما عداه حتى يحتاج إلى التنبيه إلى ألا ينسى نصيبه من الدنيا، فهل واقع جماهير المسلمين يحكي هذا؟ أو العكس؟ كأنهم خلقوا للدنيا فيحتاجون إلى أن يقال لهم لا تنس نصيبك من الآخرة هذا واقع كثير من المسلمين، ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، ركعتان في دقيقتين لأن من صفة هاتين الركعتين الخِفَّة، ركعتان خفيفتان تقول عائشة لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ أخف صلاة يمكن أن تصلى ركعتي الفجر في دقيقتين خير من الدنيا وما فيها الدنيا بما تحتويه وبما تشتمله، لكن هل وطَّنَّا أنفسنا على فهم مثل هذا الكلام وتطبيق هذا الكلام في حياتنا؟ مثل ما طبقه سعيد بن المسيب في قصة ابنته الفقيهة المشهورة قصة مشهورة معروفة عند أهل العلم، خطبها ابن الخليفة فجاء السفير فقال يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها ابن الخليفة يريد بنتك، فقال يا هذا إذا كانت الدنيا لا تساوى ولا تعدل عند الله جناح بعوضة فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟ وزوجها طالبا من طلابه فقير لا يجد شيئا ألبتة، هؤلاء هم الذين يعرفون حقيقة الدنيا وقدر الدنيا، أما من يلهث وراء الدنيا ويُذَكَّر يحتاج إلى تذكير إلى الصلاة وكثير من الناس يؤذن المؤذن ويمكثون في محلاتهم ورجال الحسبة يمرون عليهم يذكرونهم الصلاة الصلاة ويستمرون في حوانيتهم إلى أن تقام الصلاة، وبعض الناس يجلس في بيته أو في مسجده حتى تقام الصلاة، ومع الأسف أن بعض الناس يجلس في المسجد حتى يركع الإمام يعني هذا متصوِّر الهدف الذي من أجله خُلِق؟!،  رجل كهل جالس يصلى على الجنائز في كل جنازة قيراط والقيراط مثل جبل أحد من الحسنات، ويقال له يا أخي صل على الجنائز جمع ما يُدرى كم عددها يقول أنا مصلي أمس على واحد، هل هذا يسعى في خلاص نفسه؟! ما نقول يأثم، ليس مرتكبا إثما لكن لا شك أن مثل هذا محروم، الناس يسارعون ويسابقون إلى جنة عرضها السموات والأرض والجنازة الواحدة الصلاة عليها بقيراط من الأجر وجاء تفسيره بأنه مثل الجبل الكبير، في بعض الروايات أنها مثل جبل أحد كم من الأجور وكم من الأشياء التي تفوت المسلم بسبب تفريطه وتكاسله، والسلف منهم من يقول الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يُدعى إليها هذا رجل سوء، ما يأتي إلاَّ بعد الأذان رجل سوء، والذي تفوته تكبيرة الإحرام منهم يعزى، والذي تفوته الصلاة جماعة يعاد، يعني يمرض فيعاد والله المستعان.

ونكتفي بهذا ولعلنا نستعرض الموجود من أسئلة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.