كتاب الحج (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وحبيبنا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه ووالدينا والمسلمين أجمعين-: "بَابُ طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ:

وقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ، قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ؟ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ، قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ، لاَ تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: عَنْكِ، وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ، فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ البَيْتَ، قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ، وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ، قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا.

قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:1-2]".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ" هذه الترجمة المجملة يُبينها ويُوضحها ما تحتها من النصوص، ونظير ذلك ما سبق في كتاب الوضوء من هذا الصحيح "باب وضوء الرجل مع امرأته" ثم ذكر الحديث "كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ على عهد رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضؤون جَمِيعًا" هذا اللفظ الذي بعض الشُّراح يقول: إنه قبل الحجاب، وبعضهم أبدى مناسباتٍ لم تكن مناسبة.

وتنبَّه له الإمام البخاري، فقال: "باب وضوء الرجل مع امرأته".

"كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ" مقابلة جمع بجمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا، الرجال كل رجل مع امرأته؛ لأنه إذا قُوبِل الجمع بالجمع كما في قولهم: ركِب القوم دوابهم، يعني كل واحد ركب دابته، هذا مقتضى القاعدة في اللغة وعند أهل العلم، ما معناه أن الرجال يجتمعون والنساء في مكانٍ واحد يتوضؤون، هذا الكلام ما يقوله عاقل؛ إنما تطبيقًا للقاعدة المعروفة في لغة العرب ومستعملة في النصوص وغيرها مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا، يعني كل فرد مع كل فردة من النساء، يعني كل زوج مع زوجته؛ ولذلك قال الإمام البخاري: "باب طواف الرجل مع امرأته" ترجمة.

هنا يقول: "بَابُ طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ" لا شك أن النساء يطفن بالبيت كما يطوف الرجال، وهن ملزماتٌ بذلك مع مراعاة الأمور الشرعية والاحتياطات المرعية لِما أُمِرن به، وكل أمرٍ يؤدي إلى فتنة فهو ممنوعٌ شرعًا؛ ولذا مُنِع النظر، ومنِع الخروج بالزينة إلى غير ذلك من الأشياء التي مُنِعت؛ احتياطًا للفتنة ودرئها.

"قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ".

"قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ" ما معنى هذا؟

"قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ" أخبرنا يعود على مَن؟

"قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا" يعني؟ أبو عاصم.

"قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ" ابن هشام محمد وأخوه إبراهيم أخوال الخليفة ولاهما محمد على مكة، وإبراهيم على المدينة –أخواله-، والخليفة من هو في ذلك الوقت؟ هشام بن عبد الملك.

"إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ" قال الأمير على مكة: ما يطوف النساء مع الرجال.

"قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ؟ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي". توطئة لقَسمٍ محذوف اللام في جوابه.

"لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ" هذا يترتب عليه إشكال أن النساء يُزاحمن الرجال، ويختلطن بهم في هذه البقعة الطاهرة.

"قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ" يطفن المطاف يستوعب الجميع، لكن هل في مخالطة أو مزاحمة الرجال مع النساء في هذه البقعة في عموم هذه البقعة؟

"قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ" يعني دفع للشبهة التي تُورَد كثيرًا عند إرادة فتح الباب لمثل هذه الأعمال التي تجر إلى الفساد.

"لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ" حَجرة يعني: نائية بعيدة أو بين يكون بينها وبينهم -مِن الرجال- ما يحجزها.

"تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ"، والاستلام يقتضي مخالطة، استلام الحجر يقتضي مخالطة.

"فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ: عَنْكِ، وَأَبَتْ"؛ لأنها تطوف حَجرة يعني بعيدة عن الرجال، فكيف تذهب للاستلام والرجال حول الحجر قريبين منه؟ هذا في رواية أبي ذر والأصيلي ومجموعة من الروايات موجودة.

"وَأَبَتْ" ثم بعد ذلك قال: "يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ" ما يخرجن بزينتهن كما نراه اليوم في المطاف وفي غيره من مواطن العبادة –مع الأسف الشديد- فضلًا عن الأسواق ومحافل الناس.

"يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ" مثل ما قيل: المتشابه يُرَد إلى المُحكَم.

"وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ البَيْتَ" زيادة إيضاح.

"وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ البَيْتَ قُمْنَ" يعني: وقفن ما يدخلن "قُمْنَ" عند الباب "حَتَّى يَدْخُلْنَ، وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ" يقول عطاء: "وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ" القاص الذي يقص ويعظ في مكة.

"وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ" الجبل المعروف في مزدلفة، والذي يقول فيه العرب: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِير. فلا ينصرفون من مزدلفة حتى تطلع الشمس وترتفع وتُشرق من وراء ثبير؛ ولذا أمر النبي –عليه الصلاة والسلام- بمخالفتهم، وأمر بالانصراف قبل طلوع الشمس بعد الإسفار بعد صلاة الصبح والإسفار. 

"وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ" عطاء يقول: "هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ" لعلها من صنع الترك، وقالوا: هي قبةٌ صغيرة، "لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ"، ماذا غير القبة؟

"وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ" يعني قريبين منها جدًّا.

"وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا" يعني رؤية الثوب من بعيد أو أثناء مرور غير مقصود أو التفاتة غير مقصودة يُرى الدرع، مع أنه جاء في بعض الروايات عن عطاء: وكنت صبيًّا، قال: وكنت صبيًّا.

قال: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ" إسماعيل بن أبي أويس وخاله مالك بن أنس.

"عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ –أمها- أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أم سلمة تقول: "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي" يعني من مرض.

"فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» فَطُفْتُ" من وراء الناس، "وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ يُصَلِّي" يعني صلاة الصبح؛ لأنها جاءت في آخر الليل.

"وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:1-2]" يقرأها في صلاة الصبح.

قراءة النبي –عليه الصلاة والسلام- لهذه السورة العظيمة سمعتها أم سلمة، وسمعها جُبير بن مُطعِم قبل أن يُسلِم حين جاء في فداء أسرى بدر، قال: سمعته يقرأ بسورة الطور، فكاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي.

نعم.

"بَابُ الكَلاَمِ فِي الطَّوَافِ:

قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، أَنَّ طَاووُسًا، أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ -أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ- فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «قُدْهُ بِيَدِهِ»".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الكَلاَمِ فِي الطَّوَافِ" يعني جاء الخبر مع ما فيه من كلام لأهل العلم «الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ غير أنَّ اللهَ أباحَ فيهِ الكلامَ»، وهنا في هذا الحديث النبي –عليه الصلاة والسلام- يطوف، فرأى رجلًا ربط رجلًا بسير يجره به، فقطعه النبي –عليه الصلاة والسلام- وهذا فعل وهو يطوف، وقال: «قُدْهُ بِيَدِهِ»، امسك يده.

نحن نرى بعض النساء أو بعض الرجال إذا كان معها صبي تربطه بحبل رأينا ورأى غيرنا وهو موجود، تربطه بحبل؛ لئلا ينفلت، فيضيع، والربط هنا باليد قد يربطه في منتصفه، يربط الحبل في منتصفه، فضلًا عن أن يربطه في عنقه كالدابة، كل هذا لا ينبغي، ولا يجوز، إنما يُقاد باليد.

"قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ"، طاوس بن كيسان الإمام المعروف.

"أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ" حبل، والسير هو ما يُقد من الجلد، يُقد يُسرَّح على هيئة حبال وهو القِد، يُسمونه القِد إذا يبس، هم يقدونه رطبًا، ثم يربطون به ما يُريدون فإذا يبس خلاص انتهى ما يتأثر ولا يتحرك، فيه قوة ومتانة، وهو مُستعمَل ولا يزال يُستعمَل.

"بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ"، يشك الراوي هل حصل بهذا أو بهذا أو بذاك، المقصود أن المعنى لا يتغير، والفائدة من الخبر لا تتأثر باختلاف هذه الأشياء.

"فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" وفي هذا تغيير المنكر باليد لمن له ذلك، ويستطيع ذلك، ولا يترتب على هذا التغيير منكر أعظم منه.

"فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «قُدْهُ بِيَدِهِ» أمسك بيده وقُده بها، اجتمع الفعل والقول، يعني يترتب عليه أمور يعني مع الزحام وهو رابطه بحبل يمكن أن يحول بينهما أحد ويتأثر المربوط لا سيما إذا كان صبيًّا.

طالب: ............

إلا في منكر.

طالب: ............

على حسب ما يترتب عليه، وأصل الفعل مع القول واتلاف الحبل لا شك أنها متضافرة على الوجوب، لكن قد يقول قائل: في وقت السعة الولد نخشى أن... ما تقدر أن تمسكه بيدها وهي تصلي كل الصلوات، قد تقول: إني لا أستطيع، إذا ما تستطيعي صلِّ ببيتك، الربط هذا جاء في هذا الحديث ما يدل على منعه.

طالب: ............

لا، ما هو خاص بالطواف، إن الضرر المترتب عليه موجود في الطواف وموجود في غيره.

قال النووي: "وقطعه –عليه الصلاة والسلام- للسير محمولٌ على أنه لم يُمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه، أو أنه دل على صاحبه فتصرف فيه".

يعني دل من باب الإدلال، وهي الميانة، يعني مان عليه الرسول –عليه الصلاة والسلام- فتصرف فيه.

"وقال غيره: كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل. قلت: وهو بيِّنٌ من سياق حديثي عمرو بن شعيب، وخليفة بن بشر، وقال ابن بطال في هذا الحديث: أنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر، وفيه الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة.

قال ابن المنذر: أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذِكر الله وقراءة القرآن، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم، وحكى ابن التين خلافًا في كراهة الكلام المباح، وعن مالكٍ تقييد الكراهة بالطواف الواجب، قال ابن المنذر: واختلفوا في القراءة". هل يقرأ الطائف أو لا يقرأ؟

اختلفوا في القراءة هل يقرأ الطائف أو لا يقرأ؟

"فكان ابن المبارك يقول: ليس شيءٌ أفضل من قراءة القرآن، وفعله مجاهد، واستحبه الشافعي، وأبو ثور، وقيَّده الكوفيون بالسر" يعني لئلا يؤثر ويشوش على الناس.

"وروي عن عروة والحسن كراهته، وعن عطاءٍ ومالك أنه مُحدَث"؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- هل حُفِظ عنه أنه قرأ القرآن في الطواف؟

"ومالك أنه مُحدَث، وعن مالكٍ: لا بأس به إذا أخفاه ولم يكثر منه، قال ابن المنذر: من أباح القراءة في البوادي والطرق ومنعه في الطواف لا حجة له".

في بعض الروايات ما يدل على أن الرجل المربوط كفيف أعمى، وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر، ولهذا قال له: «قُدْهُ بِيَدِهِ»" انتهى.

قال ابن حجر: ولا يلزم من أمره له بأن يقوده أنه كان ضريرًا، بل يحتمل أنه يكون بمعنىً آخر غير ذلك، والله المستعان.

نعم.

"بَابُ إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ:

قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ -أَوْ غَيْرِهِ-، فَقَطَعَهُ".

هذا الباب مكرر مع الذي قبله.

"بَابُ إِذَا رَأَى" وهناك "الكَلاَمِ فِي الطَّوَافِ" ترجم عليه بالكلام؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- تكلَّم، فقال: «قُدْهُ بِيَدِهِ».

"بَابُ إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ" يُكره، الكراهة لربطه بالسير؛ لأمور:

أولًا: لما يترتب عليه من الضرر والأذى للمربوط.

الأمر الثاني: أنه قد يكون فيه شيءٌ من اعتقاد الجاهلية، ونرى الناس لا سيما من الوافدين يربطون على أيديهم من السيور والحبال أشياء يعتقدون فيها.

"إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ". الخطام، والزمام، والرباط، والسير الذي يُربَط به الشيء كلها بمعنىً واحد.

"أَوْ غَيْرِهِ، فَقَطَعَهُ" هذا مختصر من الحديث الذي قبله.

قال ابن بطال: وإنما قطعه؛ لأن القود بالأزِمة إنما يُفعَل بالبهائم، وهو مُثله.

لا شك أنه فيه ضرر؛ لاحتمال أن يكون لا سيما في الأماكن التي فيها زحام، وإن اشتدت الحاجة إلى ملازمة الرفيق والقرب منه، لكن قد يحول بينه وبينه أحد من الجموع المجتمعة في هذا المكان، فيتضرر.

طالب: ............

الزمام؟

طالب: ............

أشد، أشد؛ لأن انخرام الأنف أسرع من قطع اليد أشد، ولو ربطه في حلقه في رقبته لعرَّضه للهلاك.

نعم.

"بَابُ لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَحُجُّ مُشْرِكٌ:

قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قال: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَان".

طالب: ............

في البخاري هذا أشد؛ لأنه في يده ربط يده إلى إنسان هنا في الحديث الذي معنا ربط يده، ولعل تلك قصة أخرى؛ لأنه ما يجتمع أن يربطه بيده ويربطه بأنفه.

طالب: ............

يُنبَّهون، يُقال لهم: إن النبي –عليه الصلاة والسلام- قطعه، والتي تخشى على ولدها ولا تأمن أن ينفلت منها تصلي بالبيت، وبيتها خيرٌ لها.

طالب: ............

الحبل.

طالب: ............

لا لمجرد الحفظ، يعني تربطه برجله أو وسطه تربطه بسارية أو بشيءٍ بحيث لا يكون بجر وسحب.

طالب: ............

 يُخشى أن يكون وهمًا من الراوي، نطلعه من الفتح.

طالب: ............

الحبل المربوط باليد للقائد والأنف للمقود ما هو صعب ممكن، لو يطلع الحديث من الفتح.

طالب: ............

إذا خُشي منها الضرر تدخل، إذا خُشي منها الضرر بأن كانت الحقيبة ثقيلة أو يُخشى منها الضرر على العنق تدخل.

طالب: ............

الكرسي الذي يجلس عليه الطفل ويُعلَّق على... لا، يختلف، هذا ما يأخذ الحكم، ما فيه ضرر على الطفل.

قال –رحمه الله-: "بَابُ لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَحُجُّ مُشْرِكٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ يُونُسُ".

انظر رقم الحديث ستة آلاف وسبعمائة واثنين، وثلاثة.

طالب: ............

برقم ستة آلاف وسبعمائة واثنين، وستة آلاف وسبعمائة وثلاثة.

قال –رحمه الله-: "بَابُ لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ" كانوا إذا حجّ الرجال والناس، يطوفون عُراة في الجاهلية، بحجة أنهم تركوا هذا الأمر لله.

وجدت ستة آلاف وسبعمائة واثنين؟

هات يا أبا إبراهيم؛ لأنه ما هو مسموعٌ صوتك.

"حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قال: أَخْبَرَنَا هِشَامُ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ" الرواية الأولى ستة آلاف سبعمائة واثنين ما تختلف عن الذي معنا.

"قال: أخبرني سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ، أَنَّ طَاوُوسًا أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- أَنَّ النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ، فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ"، هنا في أنفه، وهذا في كتاب الأيمان والنذور.

"وأما حديث ابن عباس في الذي طاف بزمامٍ وهو الحديث الثالث، فأورده بعلو عن أبي عاصم عن ابن جريج ولفظه، ثم أورده بنزول عن إبراهيم بن موسى، عن هشامٍ عن ابن جريج بلفظ: مر وهو يطوف بالكعبة بإنسانٍ يقود إنسانًا بخزامةٍ في أنفه فقطعها، ثم أمره أن يقوده بيده. والخزامة بكسر المعجمة وتخفيف الزاي حلقةٌ من شعر أو وبر تُجعَل في الحاجز الذي بين منخري البعير يُشَد فيها الزمام؛ ليسهل انقياده إذا كان صعبًا –يعني إذا كان البعير صعبًا يُقاد بمثل هذا- وقد تقدم في باب الكلام في الطواف من كتاب الحج من هذين الوجهين عن ابن جريجٍ، وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود، ووجه إدخاله في أبواب النذر، وأنه عند النسائي..." إلى آخره. ما بيَّن الحافظ.

في مثل هذه الحالة إذا وُجِد الاختلاف في اللفظ في أكثر من رواية في روايتين أو أكثر، فالعلماء لهم مسالك في هذا، منهم من ينظر إلى الأرجح من الروايتين، فيحكم لها بأنها هي المحفوظة والمرجوحة شاذة، ولو كانت في الصحيح.

ومنهم من يجبن عن ذلك ويقول بتعدد القصة.

وتوسَّع بعضهم في مثل هذا حتى في الاختلاف اليسير الذي يمكن احتماله يقول: القصة متعددة، حتى قالوا في قصة صلاة الكسوف، صلاة الكسوف تعددت صفتها، وأنه صلاها –عليه الصلاة والسلام- بركوعين في كل ركعة، وبثلاثة في كل ركعة، وبأربعة في كل ركعة، وبخمسة أيضًا -عند أبي داود- في كل ركعة، قالوا: تعددت القصة، وهذا مسلك النووي وأمثاله ممن يهاب النصوص والصحاح، ويجبن عن تخطئة الرواة الثقات.

وشيخ الإسلام في هذه القضية قضية الكسوف، يقول: القصة مربوطة بوفاة إبراهيم، كلها تقول: لما مات إبراهيم، وإبراهيم والله ما مات إلا مرة واحدة، كم مات إبراهيم!

بعض العلماء يكون عنده من الشجاعة والقوة والقدرة، لكنه لا بُد أن يكون مع ذلك يأوي إلى علم وسعة اطلاع، لا يأتي من فراغ ويُخطِّئ الرواة الثقات فيما يمكن احتماله والجمع بينه وبين ألفاظه، شيخ الإسلام يقول: ما مات إبراهيم إلا مرة واحدة، فالقصة واحدة.

النووي –رحمه الله- قال: ما جاء في صحيح مسلم صلاها بأكثر من ركوعين، ولا نجرؤ أن نُخطِّئ ما في صحيح مسلم، وحمل المسألة على أنها تعددت أسهل، وهي بلا شك أنها مسالك لعلماء أجلاء، وكلٌّ له رأيه ووجهته، والله المستعان.

طالب: ............

يعني كونه إدخاله في كتاب الأيمان والنذور؛ لأنه نذر ذلك كما جاء في بعض الروايات وأشار إلى هذا.     

قال –رحمه الله-: "بَابُ لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَحُجُّ مُشْرِكٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حدثنا يُونُسُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قال: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعَثَهُ" يعني بعث أبا هريرة.

"فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" سنة تسع من الهجرة قبل حجة الوداع أمر النبي وأمَّر أبا بكرٍ أن يحج بالناس، ثم أتبعه بعلي –رضي الله عنه- أبو بكر –رضي الله عنه- بعث أبا هريرة أن يُنادي في الناس.

"الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ"، النبي –عليه الصلاة والسلام- حج حجة الوداع سنة عشر، ولم يحج سنة تسع، بهذا يستدل من يقول: إن الحج ليس على الفور.

الرسول –عليه الصلاة والسلام- أخَّر الحج؛ لئلا يرى ما يكره من العُراة، فأمَّر أبا بكر على الحج سنة تسع؛ ليزول هذا المظهر القبيح الذي لا يُطيقه الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

ومما قيل في ذلك: أن الحج في سنة تسع وافق الشهر الذي قبل ذي الحجة؛ لأنهم كانوا في النسيء يؤخرون شهرًا، وفي السنة التي حج فيها النبي –عليه الصلاة والسلام- «ألا إِنَّ الزَّمَانَ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ»، فوقعت الحجة في وقتها، وهذا مما قيل في ذلك.

طالب: ............

لا، هو على عادة التاريخ، تعرف أن التاريخ ما بعد وُضِع إلى الآن ما فيه تاريخ، التاريخ إنما وُضِع في عهد عمر- رضي الله عنه-.

طالب: ............

هذا مما قيل، لكن أوضح ما يُقال في ذلك أن العراة كانوا يحجون.

ولذا فإن أبا بكرٍ الصديق "بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ" فإن الله –جلَّ وعلا- يقول: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة:28] "أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ".

نعم.

"بَابٌ إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ:

وَقَالَ عَطَاءٌ، فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاَةُ، أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ: إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ. وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-".

يقول الإمام البخاري –رحمه الله-: "بَابٌ إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ" هل ينقطع طوافه؟ يعني وقف من غير قصد، يعني أُقيمت صلاة ووقف، أو دُفِع ثم تمكن من الرجوع إلى مكانه الذي دُفِع عنه أو سلَّم من صلاته فيرجع إلى المكان الذي وصِل إليه قبل ذلك.

"بَابٌ إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ" يعني ما الحكم؟

"وَقَالَ عَطَاءٌ، فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاَةُ، أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ: إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ".

 دليلٌ على أن الطائف يُصلي في أثناء طوافه، وطوافه لا يتأثر ولو كان فريضة، ولكنه يضبط المكان الذي وصل إليه، ومنهم من يقول: يبدأ من أول الشوط، لكن ما فيه ما يدل على ذلك، وأن قطعه لبعض الشوط قبل صلاته طوافٌ صحيح، فيبني عليه.

"يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ، وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-".

 لم يذكر البخاري في الباب حديثًا مرفوعًا إشارةً إلى أنه لم يجد فيه حديثًا على شرطه، وقد أسقط ابن بطال من شرحه ترجمة الباب الذي يليه، فصارت أحاديثه لترجمة "إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ" يعني ما ذكر باب، ثم بعد قوله: "وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، وصلى النبي –صلى الله عليه وسلم- لسبوعه ركعتين" يعني من دون فصل بباب، فصلى ركعتين في هذا الباب.

 وأجاب بأنه يُستفاد منه أنه –عليه الصلاة والسلام- لم يقف، ولا جلس في طوافه، فكانت السُّنَّة فيه الموالاة، لكن إذا اضطُر إلى القطع لصلاةٍ ونحوها فإنه يبني على ما تقدم.

كونه يبني على وتر كما جاء عن بعضهم يقول: وصله عبد الرزاق حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: أن عبد الحمن بن أبي بكرٍ طاف في إمارة عمرو بن سعيد على مكة - يعني في خلافة معاوية- فخرج عمرٌو إلى الصلاة، فقال له عبد الرحمن: أنظرني حتى أنصرف على وتر، فانصرف على ثلاثة أطواف، ثم صلى ثم أتم ما بقي.

لكن إذا دعت الحاجة إلى أن يخرج بعد اثنين أو أربعة أو ستة ينتظر حتى يقطعه على وتر؟ لا يتجه.

طالب: ............

إذا عاد قريبًا يبني.

نعم.

"بَابٌ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ:

وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ؟ فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبُوعًا قَطُّ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قال: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي العُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].

قَالَ: وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَقَالَ: لاَ يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ" السبوع وأسبوع يُطلق اللفظ على ما له أجزاء سبعة كالأسبوع الذي يضم سبعةً من الأيام، والأسبوع والسبوع الذي يضم سبعةً من الأشواط وهكذا.

"وَقَالَ نَافِعٌ، كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ" كل أسبوع ركعتين، والنبي –عليه الصلاة والسلام- لما طاف بالبيت سبعة صلى خلف المقام ركعتين.

وهل تدخل هاتان الركعتان في غيرهما من الفرائض والنوافل؟ يطوف فأُقيمت صلاة الصبح، على القول بالتداخل -ويقول به الشافعية- تكفي صلاة الفجر أو صلى ركعتي الصبح عندهم تكفي، وعند غيرهم أن هذا أمرٌ مقصود معلَّق بعبادةٍ خاصة ومستقلة أنه لا يدخل في غيره كالرواتب.

وهل يجمع الأسابيع ويجمع الصلوات؟ جاء عن عائشة –رضي الله عنها- وجُبير بن مُطعِم أنهم يجمعون يطوف أسبوعًا، ثم يطوف أسبوعًا ثانيًا، وثالثًا، ورابعًا، وخامسًا، ثم يصلي خمس صلوات لكل أسبوعٍ ركعتين، وهكذا.

"وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ؟" وهذا بناءً على أنه إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد فإن الصغرى تدخل في الكبرى، كما لو جاء دخل المسجد وصلاة الصبح مقامة أو أي صلاةٍ مقامة، لا يلزمه أن يصلي ركعتين تحية المسجد، فتدخل في هذه الصلاة المقامة، أو صلى ركعتي الصبح الراتبة تُجزئ عن تحية المسجد.

"إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ؟ فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ"، يعني فعله –عليه الصلاة والسلام- أفضل، فهو القدوة والأسوة.

"لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبُوعًا قَطُّ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ".

ثم قال: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قال: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي العُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ" وهذا هو الشاهد.

"وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]"، يعني ما تمت عمرته حتى طاف بين الصفا والمروة، والطواف ركن من أركان العمرة كما أنه ركنٌ من أركان الحج.

"قَالَ: وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَقَالَ: لاَ يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ"، والطواف بين الصفا والمروة الذي هو السعي ركن من أركان الحج عند جمعٍ من أهل العلم، وهو المعوَّل عليه، والمفتى به، فلا يقرب أهله حتى يأتي بالأركان كلها.

يقول: "المقصود من الترجمة وهو أن القران بين الأسابيع خلاف الأولى من جهة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يفعله، وقد قال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، وهذا قول أكثر الشافعية وأبي يوسف، وعن أبي حنيفة: يُكره، وأجازه الجمهور بغير كراهة، وروى ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن المسور –ليس بجبير- المسور بن مخرمة أنه كان يقرن بين الأسابيع إذا طاف بعد الصبح والعصر، فإذا طلعت الشمس أو غربت صلى لكل أسبوعٍ ركعتين" يقرن بين الأسابيع، ينتظر خروج وقت النهي.

"فإذا طلعت الشمس أو غربت صلى لكل أسبوعٍ ركعتين، وقال بعض الشافعية: إن قلنا: إن ركعتي الطواف واجبتان كقول أبي حنيفة والمالكية، فلا بُد من ركعتين لكل طواف، قال الرافعي: ركعتا الطواف وإن قلنا بوجوبهما، فليستا بشرطٍ في صحة الطواف..." إلى آخر ما قال.

طالب: ............

أعِد، أعِد.

 البخاري يُفرِّق الأحاديث على عادته؛ ليستنبط منها في كل مكانٍ ما يُناسبه من الأحكام، فتجده يُفرِّق الحديث الواحد في مواضع متعددة قد تصل إلى عشرين موضعًا، وفي كل موضع يستنبط من الأحاديث، ولو بعُد أخذه أو مأخذه، ومعروف أن الإمام البخاري مذهبه في تقطيع الأحاديث وتوزيعها على حسب الأبواب المناسبة، وقد يذكر حديثًا يُترجِم عليه بترجمةٍ لا تُفهَم منه، وإنما تُفهَم من بعض الروايات التي خرَّجها غيره، هو له تصرفات غريبة وبديعة ودقيقة- رحمه الله-.

طالب: ............

ما دامت واجبة يُقطَع لصلاة الجنازة وتفوت الجنازة تفوت ولو كان واجبًا.

طالب: ............

أم سلمة نعم، يُصلي ويقرأ في الطور.

طالب: ............

طافت؛ لأنه لا يلزمها جماعة.

نعم.

"بَابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ:

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قال: حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، قال حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قال: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ لَمْ يَقْرَب الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ" النبي –عليه الصلاة والسلام- طاف للقدوم وسعى بعده سعي الحج، ثم لم يطف بعد ذلك حتى رجع من عرفة وطاف للإفاضة، فهل يُكرَه التنفُّل بالطواف بين الطوافين: طواف القدوم وطواف الحج؟

أما بالنسبة للقارن فهذا فعله –عليه الصلاة والسلام-، والمتمتع إذا طاف لعمرته، ثم سعى وحل منها الحِل كله قبل أن يُحرم بالحج فلا إشكال في كونه يُسن له أن يطوف ويُكثر من الطواف، بخلاف القارن الذي سعى لحجِّه بعد طواف القدوم؛ لأن الحج القارن أعماله مرتبطة بعضها ببعض، أما المتمتع فأعمال العمرة منفصلة عن أعمال الحج حتى قالوا: إنه لو اعتمر جاء ليتمتع، ثم حلَّ الحِل كله من عمرته، وأراد أن يرجع إلى بلده ولا يحج من ذلك العام، قالوا: لا يُوجد ما يُلزمه؛ لأنه حلَّ الحِل كله، ولا دخل في الحج إلا عند شيخ الإسلام باعتبار أن عمرة المتمتع مرتبطةٌ بحجِّه؛ لأنه له أن يطوف؛ لأن سعيه للعمرة يكفي عن سعي الحج، يكفيه سعيٌ واحد، فالحج مرتبط بالعمرة، فلا يجوز أن يرجع.

أما من يقول: إنه يحل الحِل كله فلا يُوجد ما يُلزمه بالبقاء للحج؛ لأنه لم يدخل فيه بعد، ولا ارتباط بين العمرة والحج.

"بَابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ:

 قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قال: حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، قال حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قال: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ"، طاف للقدوم، وسعى بعده بين الصفا والمروة، "وَلَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ".

هذا الذي حصل منه –عليه الصلاة والسلام- والأنساك مترابطة بالنسبة للقارن مرتبطٌ بعضها ببعض، فلا يُفرَّق بينها، أما بالنسبة للمتمتع فكما قلنا: العمرة منفصلة، ويحل منها الحِل كله حتى له أن يقرب زوجته وينام معها ويُجامعها؛ لأنه إن انتهى ارتباطه بالعمرة والحج لم يدخل فيه بعد.

طالب: ............

إلى بلده انقطع التمتع، ولو سافر إلى غيره لا ينقطع التمتع.

طالب: ............

إذا حلَّ الحِل كله خلاص انتهى.

طالب: ............

ولو قال.

نعم.

"بَابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ:

 وَصَلَّى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ.

قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قال: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ»، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ" عمر –رضي الله تعالى عنه- طاف بعد صلاة الصبح، فلما فرغ من طوافه خرج وصلى الركعتين بذي طوى، وكأنه ينتظر خروج وقت النهي، وسيأتي الطواف بعد الصبح والعصر هذا الكلام سيأتي مُفصَّلًا، إن شاء الله تعالى.

"قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ" وهي بنت أم سلمة "عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ" عن أمها- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- "قال: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وحَدَّثَنِي" في هذا الموضع أحيانًا يقول البخاري: حاء وحدثني. 

طالب: ............

موجودة هنا؟

طالب: ............

في أي طبعة؟

طالب: ............

التركية.

"وحَدَّثَنِي" السلطانية ما فيها شيء، ولا فيها إشارة.

"وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ" في بعض الروايات وعند أبي ذر: العُشاني، قال في الفتح: قال ابن قرقول: رواه القابسي بمهملةٍ، ثم بمعجمة خفيفة -يعني العُشاني-، وهو وهمٌ صوابه الغساني.

"عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ»، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ"، يعني لم تصلِّ الركعتين حتى خرجت من المسجد.

يقول: "وفيه ردٌّ على من قال: يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل الفراغ من صلاة الصبح، ثم أدركتهم في الصلاة فصلَّت معهم صلاة الصبح، ورأت أنها تُجزئها عن ركعتي الطواف، وإنما لم يبت البخاري الحكم في هذه المسألة؛ لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذرٌ؛ لكون أم سلمة كانت شاكية، ولكون عمر إنما فعل ذلك؛ لكونه طاف بعد الصبح، وكان لا يرى التنفل بعده مطلقًا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحًا بعد باب، واستُدِل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حِلٍّ أو حرم، وهو قول الجمهور، وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم، وعن مالك إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم، قال ابن المنذر‏:‏ ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة، وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها‏".

اقرأ الباب الذي بعده.

"بَابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ:

قال: حَدَّثَنَا آدَمُ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]".

قال –رحمه الله-: "بَابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ"، وتقدم معناه في أبوابٍ متعددة مما سبق أن الصلاة تكون خلف المقام وهما ركعتان اختُلِف في حكم الركعتين ركعتي الطواف، والجمهور على أنهما سُنَّة بحيث لو تركهما لم يلزمه شيء، ولكنه أساء.

ومن أهل العلم من يقول: فريضة واجبة، ومنهم من يقول: إنها تتبع الطواف، فإن كان الطواف مفروضًا كانت الركعتان مفروضتين، وإن كان الطواف مسنونًا كانتا مسنونتين، وهكذا.

وعامة أهل العلم على أنهما سُنَّة، وليستا بفريضة.

وكونهما خلف المقام امتثالًا واقتداءً به –عليه الصلاة والسلام- امتثالًا لقوله –جلَّ وعلا-: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] هذا هو الأصل، وإن فعلهما في غير هذا المكان خلف المقام في أي مكانٍ حتى قال بعض أهل العلم: إنه لو فعلهما في الحِل لجاز ذلك، وبعضهم يقول: إذا خرج من الحرم ذهب مكانهما فلا يُصليهما، ولكن أينما ذكر كما لو نسي الصلاة «فلْيُصلِّها حيث ذكَرها»، ولا مكان لها ولا زمان كما الصلاة المنسية، ولكن لو تعمد الترك على أن يُصليها بعد فلا إشكال في ذلك؛ لأن عمر –رضي الله عنه- تعمد الترك أن يُصليها في المسجد، وصلاها بذي طوى على ما سيأتي.

قال: "قال ابن المنذر: احتملت قراءته، احتملت قراءته أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضًا، لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تُجزئه ركعتا الطواف حيث شاء، إلا شيئًا ذُكِر عن مالك في أنه من صلى ركعتي الطواف الواجب في الحجر يعيد" كصلاة الفريضة في الكعبة.

"وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بذلك مستوفىً في أوائل كتاب الصلاة في ‏ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]".

اقرأ الباب الذي يليه.

"بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ:

 وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى.

قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَامُوا يُصَلُّونَ.

قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عِنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا.

قال: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.

قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلَّا صَلَّاهُمَا".

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ" الطواف مستلزمٌ للصلاة بعده بركعتين، وبعد الصبح والعصر ثبت النهي عن الصلاة في هذين الوقتين، وفي الأوقات الثلاثة التي هي أشد في النهي: لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وفي حديث عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نُصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب.

الوقتان الأولان من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس هذا وقت موسَّع، وبعد صلاة العصر حتى تضيَّف للغروب أيضًا هذا وقت موسَّع يُنهى فيه عن الصلاة فقط.

والأوقات الثلاثة المضيقة التي في حديث عقبة: وقت طلوع الشمس حتى ترتفع، ووقت الزوال حتى تزول حين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، هذه أوقاتٌ مضيقة ثلاثة يُنهى فيها عن الصلاة أيضًا -حاشا المكتوبة، المكتوبة تؤدى في كل وقت-، والتنفُّل في الصلاة يُنهى في هذه الأوقات الخمسة، والثلاثة أضيق؛ ولذا المرجَّح أن الصلاة إذا كانت ذات سبب في الوقتين الموسعين فالأمر فيه سعة؛ لأن عموم النهي دخله الخصوص، فبعد صلاة الصبح قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ يتصدَّق على هذا؟» فهذا خصوص ما يدل على أن ذات السبب لا مانع من فعلها في هذا الوقت الموسَّع، وبعد صلاة العصر النبي –صلى الله عليه وسلم- قضى راتبة الظهر حين شُغِل عنها بعد صلاة العصر كما سياتي في حديث عائشة.

فالأمر في هذين الوقتين أوسع مع أن النهي ثابت، والجمهور على أنها لا تُصلى، النوافل لا تُصلى في هذه الأوقات الخمسة، وهذا قول الجمهور، والشافعية يرون فعل ذوات الأسباب في هذه الأوقات؛ تقديمًا لما جاء فيها من خصوص على النصوص الواردة في النهي، والجمهور يقولون: ما جاء في ذوات الأسباب عموم مخصوصٌ في هذه الأوقات فلا تُصلى في جميع الأوقات ولو كانت ذات سبب، هذا قول الجمهور.

أما الأوقات الثلاثة المضيَّقة فلا وجه لمن فعل فيها شيئًا من النوافل مع التشديد الذي جاء فيها عن النبي –عليه الصلاة والسلام- ولم يدخل هذا العموم خصوص في الوقتين الموسعين دخلهما الخصوص، والعموم إذا دخله مُخصِّص يضعف، أما الأوقات الثلاثة المضيَّقة فما فيها خصوص، ما ورد شيء يُضعفها.

على كل حال نقرأ الباب ونرى.

"بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ:

 وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ" يعني في الوقت الموسَّع، وقلنا: إن مثل هذا فيه سعة؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «مَنْ يتصدَّق على هذا؟» فقام الصحابي وصلى معه وهي له نافلة.

"وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى" ينتظر خروج وقت النهي، صلى الركعتين بذي طوى.

"قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ"، الواعظ، فيه شخص يعظ، فجلسوا إليه، ولم يصلوا الركعتين.

"ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ"، وجاء وقت النهي المضيَّق وقت بزوغ الشمس قاموا يصلون، يعني في الوقت الموسَّع يجلسون إلى المُذكِّر، ثم لما طلعت الشمس وجاء الوقت المضيَّق "قَامُوا يُصَلُّونَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَامُوا يُصَلُّونَ"، يعني لما وصل إلى هذا الوقت ينتظرون إلى أن ترتفع الشمس ويخرج وقت النهي، ما داموا لم يصلوها في الوقت الموسَّع الذي الخلاف فيه محتمل، والمسألة فيها سهلة بعد أن دخل التخصيص للنهي وإلا فالأصل أن الحظر مُقدَّم على الإباحة، وهذه حُجة الجمهور، وأنه لا يُصلى في الأوقات الخمسة شيء من النوافل.

"حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتْ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَامُوا يُصَلُّونَ" طيب ما قبل هذه الساعة؟ تُكره فيها الصلاة أيضًا؛ لأنه جاء النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وإذا طلعت الشمس حتى ترتفع هذا أشد، فهم في الوقت الموسَّع قعدوا إلى المُذكِّر، ولو أنهم صلوا لكان الأمر فيه سعة، أما أن ينتظروا إلى أن يضيق الوقت وتبزغ الشمس قبل أن ترتفع فهذا محل الانتقاد من عائشة- رضي الله عنها-.

"قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-" وهو ابن عمر، "قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عِنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا"، مثل ما جاء في حديث عقبة بن عامر وفيه زيادة: حين يقوم قائم الظهيرة.

"قال: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ"، الذي عندنا في الفتح ضمة عُبيدة، وفي السلطانية: عَبيدة، مكتوب عليها صح، المعروف عَبيدة بن عمرو السلماني، وهل يُشاركه هذا في فتح العين؟ الذي في السلطانية بفتح العين، ومكتوبٌ صح، وهنا لكن ما يُعوَّل على ضبط هذه الطبعة التي في فتح الباري؛ لأن الذي تولى طبعها ما هو من أهل العلم، ما هي مثل السلطانية ثمانية عشر من علماء الأزهر تولوا تصحيحها، ويمكن ابن حجر ضبطها.

الآن ما يجيء إلا معنا إرشاد الساري.

طالب: ..............

انظره بسرعة؛ لأنه سننتهي.

هو الذي لا يترك شيئًا من الألفاظ سواءً كانت في المتون أو الأسانيد إلا ضبطها ما يترك شيئًا ولو تكرر، بخلاف الحافظ ابن حجر –رحمه الله- لا يضبط شيئًا أو يذكر شيئًا من الروايات إلا عند الحاجة.

طالب: ..............

هذا الذي نحن نُريده.

طالب: ..............

ماذا يقول القسطلاني؟

خلاص خلاص يا أبا إبراهيم هذا هو مع الشيخ صالح.

طالب: ..............

المقصود أنه عَبيدة مثل عَبيدة بن عمرو السلماني.

"قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ"، ذكروا في ترجمة عبد العزيز بن رُفيع أنه عُمِّر أكثر من تسعين سنة، بل يُناهز المائة، وكان يتزوج النساء فلا تلبث المرأة أن تطلب الطلاق، لماذا؟

طالب: لضعفٍ أو قوة.

لقوة، الضعف ما يُذكَر في هذا السن؛ لأنه هو الأصل.

طالب: ..............

ما يذكرونه، لكن هذا الرجل ما ذُكِر هذا الخبر عنه يعني الضعف، كل الناس يضعف في التسعين كثر خيره.

طالب: يصير يتزوج.

يتزوج.

على كل حال هذا ما ذُكِر في ترجمته.

"قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ".

طالب: ..............

أظن الكرماني ذكر هذا، عبد العزيز بن رُفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون التحتانية وبالمهملة أتى عليه نيفٌ وتسعون سنة، وكان يتزوج فلا يمكث حتى تقول المرأة: فارقني، يعني من كثرة الجماع.

طالب: ..............

لا، الضعف يُذكَر في هذا السن الضعف؟ يمكن أن يُذكر في ترجمة؟

طالب: ..............

لا لا، نيفًا وتسعين أكثر.

طالب: ..............

فلا يُذكَر؛ لأن هذا على الجادة كونها تهرب منه، وتنشز عنه؛ لضعفه ما يُذكَر في ترجمة شخص.

"قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ" يعني في الوقت الموسَّع.

"قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ" كذلك، "وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلَّا صَلَّاهُمَا"؛ لأنه شُغِل أو نسي راتبة الظهر، وكان عمله يُديمه إذا عمل شيئًا أثبته، فصلاهما في بيته بعد العصر في الوقت الموسَّع، وهذا له خاصة يعني ليس كل واحد تفوته راتبة الظهر يُصليها بعد العصر، سُئل عن ذلك فأفاد أنه من خصائصه –عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا عمِل عملًا أثبته.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.