كتاب الصلاة (31)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجَمَعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالى-:

"بَابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ:

وَقَوْلُ اللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ-: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة: 17، 18].

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلاِبْنِهِ عَلِىٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ، فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِى حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ»، قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ".

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى عَبْدِهِ ورسولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابِهِ أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالى-:

"بَابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ".

والتعاون من أبناء البلد أو أبناء الحي إلى عهدٍ قريب، قبل أن تتبنى الدولة بناء المساجد من بيت المال، وتقاول عليها البنَّائين، كانت الأمور يعملها الناس بأيديهم، والبيوت كذلك، والمساجد يشترك فيها أهل الحي، كما هنا في الحديث، الصحابة اشتركوا في بناء مسجده -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فيتعاونون، يعمل فيه أكثر من شخص، فالأشخاص بقدر الحاجة، ومن يتبرع منهم، وبعضهم يتبرع وبقوة، كما هنا عن عمَّار أنه كان يحمل لبنتين لبنتين، وبعضهم أقل من ذلك، وبعضهم ضعيف الخلقة والبنية، فيكون عمله أقل من ذلك.

وعلى كل حال هؤلاء يبحثون عن الأجر «وَمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»، يدخل في مثل هذا التعاون في البناية الحسيَّة، فيدخل فيه من يشترك في شراء الأرض، وشراء المواد، ويعين البنائين بنفسه أو بماله، كُلُّ هذا داخل، فضل الله واسع، وبعض الناس يتحرج إذا بنى مسجدًا ثم اقتضى النظر بعد مدة هدم هذا المسجد ولم يكن لديه مال يفي بالقدر المطلوب في البناية الثانية فيظن أن أجره انقطع، وأن الباني له هو الثاني وليس الأول، لا، فضل الله واسع، وهو إنما بناه بنيَّة الاستمرار؛ لأنه وقف.

وأورد بعضهم على أن المشرك الذي يعيش في الدنيا سبعين، ثمانين، أو مائة سنة، ويعذَّب خالدًا مخلدًا في النار إلى ما لا نهاية، يقول بعض المعترضين: يقول المفترض أنه يعذب بقدر معصيته سبعين سنة.

أجيب عن هذا من قِبَلِ أهل العلم قالوا: إنه كان ينوي أن يستمر على كفره ولو عُمِّر، طال عمره، هو مُسْتَحِقٌ لهذا بهذه النيَّة، ونقول مثل هذا من بنى مسجدًا ويُقَدَّر عمره بخمسين ستين سنة أو أربعين أو أقل أو أكثر ثم هدم قبل ذلك هو نيَّته أن يستمر إلى يوم القيامة، ليس في نيَّته أنه يعمره لمدة معينة، لا، فهو يؤجر على هذه النيَّة، إن شاء الله تعالى.

"{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ..}[التوبة:17]".

هذه رواية أبي ذر التي اعتمدها ابن حجر، اعتمدها الحافظ ابن حجر، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، وفي رواية غيره، غير أبي ذر قبل قوله: {مَا كَانَ..} قبل الآية "وَقَوْل اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-" وفي آخره يقول إلى قوله: {..الْمُهْتَدِينَ}، وفي بعضها: الآية، يعني تحتاج إلى ذكر الآية، عند إشارة للفرق؟ لأن الآية كاملة ما تحتاج إليها.

طالب: .............

 الإشارة سبعة أين هي؟

طالب: .............

وما معك؟

طالب: .............

ماذا؟

طالب: الإشارة إلى قوله تعالى مساجد الله ....

يعني الآية إنما تذكر حينما يقتصر على بعضها، ويكون معنى الآية في هذه الحالة منصوبة، يعني أكمل الآية، أو اقرأ الآية، أو ما أشبه ذلك، وهنا الآية كاملة، فلا يُحتاج إلى أن يقال: الآية.

طالب: لكن يا شيخ .....

أين؟

طالب: .............

أيِّ الطبعات؟ أين؟ أيّ طبعة؟

طالب: .............

لا لا، الذي عندي هذه إلى المهتدين، كما في النسخة المطبوعة مع الشرح التي على رواية أبي ذر.

طالب: يا شيخ يقول نسخ يقف عند قوله: مساجد الله.

الآية، نعم، يحتاج إليها إذا لم تُكمل الآية، إذا كملت الآية فلا داعي لها.

"{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ..}".

المسجد الحرام عُمِر على عهد قريش، وشارك النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في عمارته، فهم عمَّروه وشاركوا في عمارته، والمراد هنا بالعمارة المنفيَّة العمارة الحسيَّة، بإقامة ما تبنى المساجد من أجله.

طالب: معنويَّة.

معنويَّة نعم.

الطالب: حسيِّة.

أين؟

طالب: .............

لا، هم يعمرونه عمارة حسيَّة، لكن ....

"{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ..}".

كيف يأتي ليعمر مسجد بالصلاة والذكر وهو يشهد على نفسه بالكفر، قد يعمره معنويًّا، سواءً كان كافرًا أصليًّا كما كان في عهد قريش أو كافرًا ببدعته المغلظة التي تخرجه من الملَّة.

"{..أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}[التوبة:17]".

الكافر كفرًا أكبر لا شك أن عمله حابط، وهو خالد مخلد في النار.

"{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ..}".

وهذا للحصر.

"{..مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..}".

"{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..}".

يعمرها عمارة معنويَّة، وقد يشارك أو يبنى العمارة الحسيَّة، فيجتمع الأمران في حقه.

{..مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة:18]".

وعسى- كما قال ابن عبَّاس- من الله واجبة، وفي هذا ما يجعل الإنسان يخاف، التعبير هنا بحرف الترجي مع أنه آمن بالله، واليوم الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، ولم يخشَ إلا الله، هذه تجعل الإنسان يوجل من قبول ما يعمله؛ خشية أن يخالطه شيء مما يقتضي الرد، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ..}[المؤمنون:60]، أتوا من الأعمال الصالحة.

ولذلك كما جاء في الخبر أن عائشة قالت: أهم الذين يزنون ويسرقون؟ إلى آخر ما قالت، قال: لا يا ابنة الصديق، هؤلاء الذين يصومون ويصلون، ويحجون، ويأتون بالأعمال الصالحة ثم يخشون ألَّا يُتقبل منهم، {..وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ..}، يعني خائفة.

قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ".

بن مهران الْحَذَّاءُ.

"عَنْ عِكْرِمَةَ".

مولى ابن عبَّاس.

"قَالَ: قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلاِبْنِهِ عَلِىٍّ".

علي بن عبد الله بن عبَّاس، قال لهما:

"انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ".

ابن عباس الحبر، حبر الأمة وترجمان القرآن، وبحر من بحور العلم، يقول لابنه ومولاه.

"انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ".

ما قال: كُلُّ شيءٍ عندي لا تذهبوا لأحد.

"انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ".

لا شك أنه قد يكون عند المفضول ما قد لا يوجد نظيره عند الفاضل، وهذا من تواضع أهل العلم، وأنه مهما بلغ من المنزلة في العلم والحفظ، فإنه لن يعدو دائرة قول الله -جَلَّ وعلا-: {..وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:85]، ذكر في ترجمة العز بن عبد السلام أنه كان يفتي، وهذه مهنته فقيه، وكان يُحدِّث على قلَّة في بلاد الشام، لما انتقل إلى مصر ترك التحديث، وصار يحضر في حلقة الحافظ المنذري المحدث المعروف، ترك التحديث، صار يحضر مع الطلاب في حلقة المنذري، المنذري رحم الله الجميع لمَّا علم بقدوم العز بن عبد السلام ترك الفتوى، قال: كُفينا، هذا ترك التحديث؛ لأن المنذري أمكن منه في هذا الباب، محدث كبير، وذاك ترك الفتوى؛ لأن العز بن عبد السلام أقوى منه في هذا الجانب، ويعد هذا من تواضع العلماء، بخلاف ما نشاهده ونسمع عنه في بعض الأحيان من المشاحَّة والمشاحنة من بعض من ينتسب إلى العلم، وإن كانوا ليسوا من العلماء المعدودين الراسخين؛ لأن هذا لا يحصل منهم.

"انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِى حَائِطٍ يُصْلِحُهُ".

بستان يعمل فيه بيده.

"يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى".

يعني جمع ساقيه وفخذيه إلى بطنه ولفَّ عليه شيئًا، يكون من وراء ظهره أو بيديه، يحصل الاحتباء باليدين، ويحصل الاحتباء بالثوب ونحوه.

"فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا".

أنشأ هذه من الأفعال التي يقال لها: أفعال الشروع، وعملها أفعال المقاربة والرجاء، والشروع ماذا تصنع؟

طالب: نصب.

الشيخ: نعم، نصب الجزئين، تنصب مفعولين، بخلاف كان، بخلاف إن وأخواتها.

"ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً".

"وَعَمَّارٌ" ابن ياسر "لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ".

"فَرَآهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ".

يعني جاء المضارع بعد الماضي.

"فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ".

يعني جعل وطفق يحدث، ولما مرَّ على ذكر بناء المسجد، أخبره بما كان يفعله، وما يفعله بقيَّةُ الصحابة من حمل لبنة لبنة واحدة، واللبن يختلف أحجامه، بعضه كبير، وعمَّار لبنتين لبنتين، عمَّار بن ياسر وأمه سميَّة.

"فَرَآهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ".

لأن اللبن من الطين، ومن مقتضاه أن يَنْهَلَّ على جسمه بعض الشيء من هذا الطين؛ لأنه تراب مخلوط، متماسك، لكن ما يمنع أن ينهال شيءٌ على حامله، وهذا يتفاوت تفاوت الطين قربًا وبعدًا من الرمل، إذا كان قريبًا من الرمل كان ينهل منه كثير، اللبن من الأسمنت ما ينزل منه شيء إلا إذا كثر فيه الرمل.

"فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «وَيْحَ عَمَّارٍ»".

ويح كلمة توجع وترحم بخلاف ويل، وهي منصوبة، وقد تنون فيجوز فيها الرفع والنصب.

"«وَيْحَ عَمَّار تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ»".

"تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ" الفئة الباغية مَنْ؟

طالب: الخوارج.

لا، ما قتله الخوارج، أهل الشام، أهل الشام وفيهم صحابة أجلاء، لكن بتأويل، لذلك لما قيل لمعاوية- رَضِيَ الله عنه وأرضاه- ماذا تقول في حديث: ويح عمَّار تقتله الفئة الباغية؟ قال: قتله مَنْ أخرجه، هذه فتنة يعني شيء ما يتصوره عقل بين خيار الأمة، ولذلك لا يُستغرب أن يوجد في أيام الفتن أشياء يحار فيها العقل. قتله من أخرجه، قال القائل: أجَلْ، حمزة قتله النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، هو الذي أخرجه لأحد! صحيح؟

طالب: ....

يعني صحيح أن النبي هو الذي قتله؟! على طرد قول معاوية- رضي الله عن الجميع-.

وعلى كل حال، هذه أمور، وما جرى بين الصحابة وما شجر بينهم مذهب أهل السُّنَّة والجماعة أنه لا يُذكر- رضي الله عنهم-، كلهم مجتهدون، المصيب منهم له أجران، والمخطئ منهم له أجر، والله المستعان.

طالب: ....

ماذا؟

الطالب: .... لما قبله.

ما معنى يدعونه؟ هو يدعوهم إلى الجنة للانضام إلى الإمام المقتضي لدخول الجنة، وهم يدعونه إلى الانضمام إليهم، ومن لازمه التخلي عن الإمام المعتبر شرعًا، وهذا مؤدٍ إلى دخول النار وإن لم يكن لازمه حتمًا.

طالب: ......

طالب: ردًّا على معاوية.

الشيخ: معاوية -رضي الله عنه- مع ما أوتي من ذكاء وحنكة يريد أن يرد على هذا القائل، وإلا، الله المستعان، الأمر واضح.

"«يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ»، قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ".

يسمع هذا الحديث الذي قاله الصادق المصدوق مباشرة بدون واسطة، ويجزم بحصوله ووقوعه، ومع ذلك يتعوذ بالله من الفتن، مع أنه يجزم بوقوعه؛ لأن الفتن وإن كان بخروج المرء منها سالمًا، مثل عمَّار فإن الإنسان لا يتمنَّاها، ولا يفرح بها، وإن ضُمنت له السلامة، كما هنا، كذلك لقاء العدو الذي قد تترتب عليه الشهادة «لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ»، لا يتمنى مسألة الفتن أن تقع الفتن وأنت موجود وتخرج منها سالمًا، وتساهم في دفعها وتخفيفها، تقول هذا بنفسك، لكن ما تدري إذا وقعت ماذا يصير؟ ما تدري إذا وقعت كيف يكون الحال؟  

اقرأ.

طالب:.....

الشيخ: ما يتكلمون، أهل السنة والجماعة يكفون عمَّا شجر بين الصحابة؛ لأنه أحفظ للإنسان، لأنه قد يكون عنده من يثيرونه، أو يسترسلون معه، ويسترسل معهم، فيقع في حرج.

طالب: ....

الشيخ: على كل حال أين قتل؟

طالب: ....

توقَّف من ورعه، -رَحِمَهُ اللَّهُ- من ورعه، وقيل أقوال أخرى، لكن هذا أظهر ما يكون؛ لأنه مات قبل النهروان، قبل الخوارج وإلا فمتعين أن يُقال: الفئة الباغية الخوارج، لكنه مات قبل ذلك.

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"قَوْلُهُ: بَابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

{مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله..}[التوبة:17]، كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَزَادَ غَيْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: {مَا كَانَ..} [التوبة:17]، وَقَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَفِي آخِرِهِ إِلَى قَوْلِهِ: {..الْمُهْتَدِينَ}[التوبة:18]، وَذِكْرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَن قَوْله تَعَالَى: {..مَسَاجِد الله..} يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مَوَاضِعُ السُّجُودِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَمَاكِنُ الْمُتَّخَذَةُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِعِمَارَتِهَا بُنْيَانُهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْإِقَامَةُ فِيهَا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصرِي؛ لِأَن ابن عَبَّاسٍ أَقَامَ عَلَى الْبَصْرَةِ أَمِيرًا مُدَّةً وَمَعَهُ مَوْلَاهُ عِكْرِمَةُ.

قَوْلُهُ: "انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ" أَيِ الْخُدْرِيِّ، قَوْلُهُ "فَإِذَا هُوَ" زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا. قَوْلُهُ: "يُصْلِحُهُ" قَالَ فِي الْجِهَادِ يَسْقِيَانِهِ، وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ، وَهَذَا الْأَخُ زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ لِأُمِّهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وُلِدَ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَمَاتَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَيْسَ لِأَبِي سَعِيدٍ أَخٌ شَقِيقٌ، وَلَا أَخٌ مِنْ أَبِيهِ، وَلَا مِنْ أُمِّهِ، إِلَّا قَتَادَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَلَمْ أَقِفْ إِلَى الْآنَ عَلَى اسْمِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعلم لَا يحوى جَمِيعه أحدٌ؛ لِأَن ابن عَبَّاسٍ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ أَمَرَ ابْنَهُ بِالْأَخْذِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِ لِطَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ سَمَاعًا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ابن عَبَّاسٍ. وَفِيهِ مَا كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ مِنَ التَّوَاضُعِ، وَعَدَمِ التَّكَبُّرِ. وَتَعَاهُدِ أَحْوَالِ الْمَعَاشِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ لِأَهْلِ الْفَضْلِ بِفَضْلِهِمْ، وَإِكْرَامِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَتَقْدِيمِ حَوَائِجِهِمْ عَلَى حَوَائِجِ أَنْفُسِهِمْ".

ولذلك ترك العمل في البستان مع أنها حاجته، وحاجة طلبة العلم عليِّ بن عبد الله عبَّاس، وعكرمة الرواية فقدَّم الرواية على عمله في بستانه.

الطالب:

"قَوْلُهُ: "فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى" فِيهِ التَّأَهُّبُ لِإِلْقَاءِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ التَّحْدِيثِ فِي حَالَةِ الْمِهْنَةِ، إِعْظَامًا لِلْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: "حَتَّى أَتَى عَلَى ذِكْرِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ" أَيِ النَّبَوِيِّ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: "حَتَّى إِذَا أَتَى" قَوْلُهُ: "وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ" زَادَ مَعْمَرٌ فِي جَامِعِهِ لَبِنَةً عَنْهُ، وَلَبِنَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَفِيهِ جَوَازُ ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ".

ما لم يحصل بها ضرر، ما لم يحصل بهذه المشقة ضرر، ولو حصل بها ضرر منعت.

"وَفِيهِ جَوَازُ ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ، وَتَوْقِيرِ الرَّئِيسِ وَالْقِيَامِ عَنْهُ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَفَضْلُ بُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ.

 قَوْلُهُ: "فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ" فِيهِ التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي مَوْضِعِ الْمَاضِي، مُبَالَغَةً لِاسْتِحْضَارِ ذَلِكَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، كَأَنَّهُ يُشَاهِدُ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَجَعَلَ يَنْفُضُ.

قَوْلُهُ: "التُّرَابَ عَنْهُ" زَادَ فِي الْجِهَادِ عَنْ رَأْسِهِ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ، وَفِيهِ إِكْرَامُ الْعَامِلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِ، بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ.

قَوْلُهُ "وَيَقُولُ" أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالِ، "وَيْحَ عَمَّارٍ" هِيَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ إِذَا أُضِيفَتْ فَإِنْ لَمْ تُضَفْ جَازَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ مَعَ التَّنْوِينِ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: "يَدْعُوهُمْ" أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَالْمُرَادُ قَتَلَتُهُ كَمَا ثَبَتَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ، إِلى آخره، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَانَ قَتْلُهُ بِصِفِّينَ وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ، وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ، لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي اتِّبَاعِ ظُنُونِهِمْ، فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا، وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةُ إِذْ ذَاكَ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ معذورون للتأويل الَّذِي ظهر لَهُم. وَقَالَ ابن بَطَّالٍ تَبَعًا لِلْمُهَلَّبِ إِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا فِي الْخَوَارِجِ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَمَّارًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَصِحُّ فِي أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْخَوَارِجَ إِنَّمَا خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ قَتْلِ عمَّار، بِلَا خلاف بَين أهل الْعلم بذلك، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ أَمْرِ الْخَوَارِجِ كَانَ عَقِبَ التَّحْكِيمِ، وَكَانَ التَّحْكِيمُ عَقِبَ انْتِهَاءِ الْقِتَالِ بِصِفِّينَ، وَكَانَ قَتْلُ عَمَّارٍ قَبْلَ ذَلِكَ قَطْعًا، فَكَيْفَ يَبْعَثُهُ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ؟

ثَانِيهَا: أَنَّ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَمَّارًا إِنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، بَعَثَهُ يَسْتَنْفِرُهُمْ عَلَى قِتَالِ عَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهَا قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ، وَكَانَ فِيهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ، كَمَنْ كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَأَفْضَلُ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، فَمَا فَرَّ مِنْهُ الْمُهَلَّبُ وَقَعَ فِي مِثْلِهِ مَعَ زِيَادَةِ إِطْلَاقِهِ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَةَ الْخَوَارِجِ، وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ.

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ شَرَحَ عَلَى ظَاهِرِ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّاقِصَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ يَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بعض الشُّرَّاح، لَكِن وَقع فِي رِوَايَة ابن السَّكَنِ وَكَرِيمَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَا ثَبَتَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ قَابَلَهَا عَلَى نُسْخَةِ الْفَرَبْرِيِّ الَّتِي بِخَطِّهِ زِيَادَةٌ تُوَضِّحُ الْمُرَادَ، وَتُفْصِحُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى قَتَلَتِهِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَلَفْظُهُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ الْحَدِيثَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ، وَقَالَ: إِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْهَا أَصْلًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَلَعَلَّهَا لَمْ تَقَعْ لِلْبُخَارِيِّ أَوْ وَقَعَتْ فَحَذَفَهَا عَمْدًا، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَهَا عَمْدًا، وَذَلِكَ لِنُكْتَةٍ خَفِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُدْرَجَةٌ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي بَيَّنَتْ ذَلِكَ لَيْسَتْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَحَمْلِهُمْ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَفِيهِ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ يَا ابن سميَّة تقتلك الفئة الباغية، انتهى.

وابن سُمَيَّةَ هُوَ عَمَّارٌ وَسُمَيَّةُ اسْمُ أُمِّهِ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ عَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي".

الشيخ: من طريق، من طريق.

الطالب: أحسن الله إليك، لا إله إلا الله.

"وَقَدْ عَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْلَمَةَ".

الشيخ: أبي سَلَمَة.

الطالب: لا يا شيخ، يقول تحرَّفت إلى أبي سَلَمَة، بإسقاط الميم من أوله.

الشيخ: أبي مَسْلَمة، نعم.

الطالب: أحسن الله إليك.

"وَقَدْ عَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ فَذَكَرَهُ.

فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى دِقَّةِ فَهْمِهِ، وَتَبَحُّرِهِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى عِلَلِ الْأَحَادِيثِ".

رَحِمَهُ اللَّهُ.

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ أَيْضًا لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ".

الواسطي الطَّحان، نعم.

الطالب: نعم.

"وَهِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا عَمَّارُ أَلَا تَحْمِلُ كَمَا يَحْمِلُ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ مِنَ اللَّهِ الْأَجْرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ زِيَادَةُ مَعْمَرٍ فِيهِ أَيْضًا.

فَائِدَةٌ:

رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ مِنْهُمْ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو رَافِعٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَبُو الْيُسْرِ، وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ، وَكُلُّهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَغَالِبُ طُرُقِهَا صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ، وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ يَطُولُ عَدُّهُمْ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ وَلِعَمَّارٍ، وَرَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي حُرُوبِهِ.

قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْفِتَنِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَرْءُ أَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ فِيهَا بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إِلَى وُقُوع من لَا يرى وُقُوعه.

قَالَ ابن بطال: وَفِيه رد للْحَدِيث الشَّائِع: لاتستعيذوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، فَإِنَّ فِيهَا حَصَادُ الْمُنَافِقِينَ.

قلت وَقد سُئِلَ بن وَهْبٍ قَدِيمًا عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ بَاطِلٌ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفِتَنِ ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهَا، وَمَا يَنْبَغِي مِنَ الْعَمَلِ عِنْدَ وُقُوعِهَا، أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

وهذا الكتاب كتاب الفتن جدير بطالب العلم أن يُعنى به، وأن يقرأه وأن يراجع عليه الشروح.

طالب: ....

من هذا الصحيح؛ من صحيح البخاري.

طالب: ........

الشيخ: يروونه، على حسب ما بلغهم، وفي وقت من الأوقات ما يتصورون أنهم يكونون منها.

طالب: .......ابن عباس أقام مع أصحابه، أقام في بلد.....

الشيخ: يعني في مثل هذا الذي هو أقام أميرًا عليها، ومعه مولاه نافع، فمثل هذا إذا شذ من الإسناد واحد أو اثنان ما هو من أهلها، ومرَّ بها، أو أقام بها فلا يشمله المسمى.

طالب: عكرمة وليس نافع.

الشيخ: عكرمة إيْ، نافع مولى ابن عمر.

قال البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

"بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ:

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى امْرَأَةٍ أَنْ مُرِى غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ.

حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِى غُلاَمًا نَجَّارًا قَالَ، «إِنْ شِئْتِ» فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ".

قال -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

"بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ".

الاستعانة بالنَّجَّار في أعواد المنبر، والنَّجَّار هذا غلام لامرأةٍ من الأنصار سمَّاه بعضهم، قال: ميمون، والصناع في عمل المسجد، وما يحتاج إليه مما يصنع.

قال:

"حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ".

وهو ابن سعيد.

"قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ".

وهو ابن أبي حازم.

"عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ".

وأبو حازم سلمة بن دينار العابد المعروف.

"عَنْ سَهْلٍ".

وهو ابن سعد.

"قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى امْرَأَةٍ أَنْ مُرِى غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ".

أعوادًا يعني منبرًا، وجاء في بعض الروايات أنها هي التي ابتدأت، هي التي ابتدأت وقالت: عندي غلامٌ نجار لو صنع لك منبرًا تجلس عليه، وهي أيضًا مصححة، وبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الرواية إلى هذه المرأة أَنْ مُرِى غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ، فلعلَّها لما قالت هذا الكلام تأخرت، والنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عرف من طيب نفسها أن ابتدأت بهذا الطلب، وأن إجابته لها تكريم وتشريف لها، ولم يكن فيه منَّة.

قال: "مُرِى غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ".

وهي قد طلبت من النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أن يعمل غلامها هذا المنبر. أعواد، وجاء في خطبة الجمعة: على أعواد منبره، فإضافة الأعواد إلى المنبر من إضافة الشيء إلى نفسه، فالمنبر هو الأعواد.

"يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا".

هي المنبر.

طالب: ....

؟

طالب: .....

الشيخ: لا، هي عرضت عليه قبل، فكأنها تأخرت فيه، فأراد أن يذكرها، ما فيه إشكال.

الطالب: ......

الشيخ: اقرأ.

الطالب: والحديث الثاني.

الشيخ: الحديث الثاني، قال:

"حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟".

الحديث الثاني عرضت هي، فيه عرض على النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

"فَإِنَّ لِى غُلاَمًا نَجَّارًا قَالَ: «إِنْ شِئْتِ»، فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ".

الذي عمله الغلام، قوله: "فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ" أي: أمرت بعمله، وهنا يُضاف الفعل إليها مجازًا؛ لأنها هي الآمرة به، ويُضاف إلى الغلام حقيقة.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"قَوْلُهُ بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ.

الصُّنَّاعُ: بِضَمِّ الْمُهْمِلَةِ جَمْعُ صَانِعٍ، وَذِكْرُهُ بَعْدَ النَّجَّارِ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ أَوْ فِي التَّرْجَمَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ، فَقَوْلُهُ: "فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ" يَتَعَلَّقَ بِالنَّجَّارِ، وَقَوْلُهُ: "وَالْمَسْجِدِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّنَّاعِ، أَيْ: وَالِاسْتِعَانَةُ بِالصُّنَّاعِ فِي الْمَسْجِدِ، أَيْ: فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ".

يتجوزون في إطلاق الصناعة على العمل وإن لم يكن مما يُصنع.

الطالب: المهن.

وغير المهن، شرح ديوان فلان صنعه فلان.

الطالب: صنعة البخاري.

والصناعة الحديثية، وصناعة الفقيه، وصناعة كذا من باب التجوز.

"وَحَدِيثُ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلٍ وَجَابِرٍ جَمِيعًا يَتَعَلَّقُ بِالنَّجَّارِ فَقَطْ، وَمِنْهُ تُؤْخَذُ مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ مِنَ الصُّنَّاعِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: بَنَيْتُ الْمَسْجِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يَقُولُ: قَرِّبُوا الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ مَسًّا، وَأَشَدُّكُمْ لَهُ سَبْكًا، رَوَاهُ أَحْمَدُ".

ماهر، ماهر في الخلط؛ خلط الطين، والناس يتفاوتون في هذا، فمنهم الماهر، ومنهم من دونه، ويسمون الماهر المعلم، وكان قبل، أيام الطين سائدًا. ما أدري والله بكم، هل أحد أدركه أم ما أدركه؟ يسمون رئيس العمال.

طالب: ....

عندنا، وما أدري عند غيرنا أم لا.

طالب: أستاذ.

أستاذ، أدركه أبو عبد الله..

يسمونه أستاذًا، وأجرته أضعاف أضعاف من تحته من العمَّال؛ لأن بعضهم سبحان الله العظيم فيه مهارة، والبناء من الطين تجد الاستقامة والاعتدال، والنعومة في الياجة التي يسمونها لياسة وإن كانت من الطين، شيء فيه براعة.

"وَفِي لَفْظٍ لَهُ فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ الطِّينَ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: «دَعُوا الْحَنَفِيِّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ للطين»، وَرَوَاهُ ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُهُ فَقَلَتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَأَنْقُلُ كَمَا يَنْقُلُونَ؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِ اخْلِطْ لَهُمُ الطِّينَ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ».

قَوْلُهُ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز هُوَ ابن أَبِي حَازِمٍ، قَوْلُهُ: إِلَى امْرَأَةٍ تَقَدُّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالسُّطُوحِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى غَلَطِ مَنْ سَمَّاهَا عُلَاثَةَ، وَكَذَا التَّنْبِيهُ عَلَى اسْمِ غُلَامِهَا، وَسَاقَ الْمَتْنَ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْبُيُوعِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَسَنَذْكُرُ فَوَائِدَهُ فِي كِتَابِ الْجُمْعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْله: حَدثنَا خَلاد هُوَ بن يَحْيَى، وَأَيْمَنُ بِوَزْنِ أَفْعَلَ، وَهُوَ الْحَبَشِيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، قَوْلُهُ: أَنَّ امْرَأَةً هِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ.

فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ جَابِرٍ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ حَدِيثِ سَهْلٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا أَنَّهَا ابْتَدَأَتْ بِالْعَرْضِ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهَا يَطْلُبُ ذَلِكَ. أَجَابَ ابن بَطَّالٍ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ابْتَدَأَتْ بِالسُّؤَالِ مُتَبَرِّعَةً بِذَلِكَ، فَلَمَّا حَصَلَ لَهَا الْقَبُولُ أَمْكَنَ أَنْ يُبْطِئَ الْغُلَامُ بِعَمَلِهِ، فَأَرْسَلَ يَسْتَنْجِزُهَا إِتْمَامَهُ؛ لِعِلْمِهِ بِطِيبِ نَفْسِهَا بِمَا بَذَلَتْهُ، قَالَ: وَيُمْكِنُ إِرْسَالُهُ إِلَيْهَا؛ لِيُعَرِّفَهَا بِصِفَةِ مَا يَصْنَعُهُ الْغُلَامُ مِنَ الْأَعْوَادِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْبَرًا.

قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ منبرًا؟ فَلَعَلَّ التَّعْرِيفَ وَقَعَ بِصِفَةٍ لِلْمِنْبَرِ مَخْصُوصَةٍ أَوْ يَحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إِلَيْهَا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ لَهَا: إِنْ شِئْتِ، كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْبُطْءِ، لَا أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ شَرَعَ وَأَبْطَأَ، وَلَا أَنَّهُ جَهِلَ الصِّفَةَ، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي.

قَوْلُهُ: أَلَا أَجْعَلُ لَكَ أَضَافَتِ الْجَعْلَ إِلَى نَفْسِهَا مَجَازًا، قَوْلُهُ: فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَإِنِّي لِي غُلَامٌ نَجَّارٌ، وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْمَتْنَ أَيْضًا، وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ قَبُولُ الْبَذْلِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ سُؤَالٍ".

البَذْل؛ لأن عندكم النسخ البَدَل، مهملة الدال أو لا؟ ما الطبعة التي معك؟

طالب: مصورة.

الشيخ: مصورة من أين؟

الطالب: الثانية.

الشيخ: الثانية ليست بالأولى، السلفية الأولى فيها البَدَل، بالدال المهملة، ولا شك أن المعنى ظاهر، أنه بذل.

"وَفِي الْحَدِيثِ: قَبُولُ الْبَذْلِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَاسْتِنْجَازُ الْوَعْدِ مِمَّنْ يُعْلَمُ مِنْهُ الْإِجَابَةُ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ بِعَمَلِ الْخَيْرِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".