كتاب الحدود من سبل السلام (4)
يقول: هذا شاذ، قال: وقيل: إن هذه الألفاظ مما استُغني فيها بتكسير وتصغير مهمل غير تكسير وتصغير مستعمل، هذا من شذا العرف.
هنا يقول في أدب الكاتب: قال البصريون: تقدير: إنسان فعلان، زيدت الياء في تصغيره، كما زيدت في تصغير ليلة فقالوا: لُلَيلة، فقالوا رويجل.
في تهذيب اللغة قالوا: وتصغير رجل رجيل، وعامتهم يقولون: رويجل، رويجل صدق ورويجل سوء يرجعون إلى الراجل؛ لأن اشتقاقه منه، كما أن العجل من العاجل، والحذر من الحاذر، يقول في مختار الصحاح: تصغير الرجل رجيل ورويجل أيضًا على غير قياس، كأنه تصغير راجل والرُجَلةُ بالضم مصدر الرجُل.
لسان العرب يقول: رجل، الرجل معروف الذكر من نوع الإنسان، خلاف المرأة، وقيل: إنما يكون رجلاً فوق الغلام، وذلك إذا احتلم وشبَّ، وقيل: هو رجلٌ ساعة تلده أمه إلى ما بعد ذلك، وتصغيره رجيل ورويجل على غير قياس، حكاه سيبويه.
في التهذيب: تصغير الرجل رجيل، وعامتهم يقولون: رويجل صدق إلى آخره، مثل ما جاء في تهذيب اللغة.
في أوضح المسالك باب التصغير وله ثلاثة أبنية: فعيل وفعيعل وفعيعيل كفُليس ودُريهم ودنينير، مثل ما ذكرنا أمس.
طالب:...
يقول: هذا من شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن العباد: وقوله: الرويجل: قيل تصغير رجل، ولكنه على خلاف القياس؛ لأن القياس أن الرجل يصغر على رجيل، وإنما الذي يصغر على رويجل هو الراجل، وهو الماشي، وهو ضد الراكب، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة:239]، يعني راكبين أو ماشين على أرجلهم، وقيل: إنه تصغير راجل، وأن المقصود به هذا الرجل الذي ذهب يمشي، هذا الرجل الذي ذهب يمشي، فقوله: أفلح الرويجل أي الذي ذهب يمشي، فهل يأتي مثل هذا في الحديث الذي قُرئ بالأمس؟ يعني نفهم منه أن هذا الرجل الرويجل الضعيف البنية النضو الخلقة الذي لا يتحمل الجلد العادي جاء راكبًا محمولاً أو يمشي على رجليه؟ الغالب أنه محمول، راكب؛ لأن وضعه لا يساعد على أن يمشي؛ لأن قوله: قد أفلح الرويجل الذي ذهب يمشي، لكن الذي عندنا؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
نعوذ بالله من الخذلان، وإلا...
طالب:...
كيف؟
طالب:...
نعم، سياق الحديث، لكن إذا مشى عنده في الحديث الذي يشرحه أفلح الرويجل الذي ذهب يمشي، وعليه فإن كان المقصود به تصغير رجل فهو تصغير على خلاف القياس، وإن كان المراد به تصغير راجل الذي هو الماشي فهو على القياس،
نعم.
"أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال -رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في باب حد القذف:
الْقَذْفُ لُغَةً: الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ، وَفِي الشَّرْعِ: الرَّمْيُ بِوَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ. عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] إلَى آخِرِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ فِي الْعَدَدِ، فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ هُمَا حَسَّانُ وَمِسْطَحٌ وَامْرَأَةٍ هِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَضُرِبُوا الْحَدَّ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ".
في القصة، قصة الإفك مذكورة في سورة النور من كتاب الله -جلّ وعلا-، ومذكورة أيضًا في كتب السُّنَّة بالتفصيل، وهي في البخاري مفصلة، ولا شك أنها ابتلاء من الله -جلّ وعلا- لنبيه ولزوجه، -عليه الصلاة والسلام-، وليست بشرٍ محض كما قال الله -جلّ وعلا- : {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ}[النور:11]، ولذا الإساءة عليه بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- ليست بشرٍ محض، يعني كما يحصل من إساءة الكفار لشخصه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن هذا يسوء المسلم، ولا يجوز أن يرضى به أحد، لا يجوز، بل عليه أن ينتصر لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويغضب له، ولكن مع ذلك لا يجزم أنه شر، وقد يكون خيرًا، والواقع يدل على أنه خير.
فالنتائج- ولله الحمد- حميدة، رفعة لنبيه -عليه الصلاة والسلام- في الدارين، ولفتة لأتباعه -عليه الصلاة والسلام- بالنظر في سيرته وأحواله، فكثيرٌ من الناس ما كان يعرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل هذه الحوادث إلا الاسم، فاستفاد الجميع، وإن كان في الأصل لا يجوز الرضا به بحال، لكن مع ذلك العاقبة حميدة، وصار فيه خير كثير للأمة بمعنى أنهم التفتوا إلى كتب السير، كتب المغازي، كتب الشمائل، كتب الخصائص، يعني التفتوا وقرؤوا، حتى الكفار لما رأوا ردة الفعل من قِبل المسلمين رأوا أن هذا الشخص ليس بشخص عادي، أمم وشعوب وفئام من الناس تنتصر، ماذا عن هذا الشخص؟
فقرؤوا عنه، وكثيرٌ منهم دخل في الإسلام بسبب هذه القراءة، وما سمعه من المسلمين وغير المسلمين في هذا الباب. فلا تحسبوه شرًا لكم، مع أنه لا يجوز الرضا به بحال، ولا يجوز أن يكون خبرًا عاديًّا كما يقدح في زيد من الناس، يعني على الإنسان أن يغضب للنبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما يغضب لنفسه، أكثر مما يغضب لنفسه، وكثيرٌ من المنتسبين تمر به آيات قصة الإفك والأحاديث المفصلة في قصة الإفك، وكأن شيئًا لم يكن، ويقول: انتهت المسألة وبُرِّئت من فوق سبع سماوات، وانتهى الإشكال، لكن ماذا لو تعرَّض أحدٌ لأحد أقربائه بنته أو زوجته، تجد الدنيا تضيق به ذرعًا، فكيف بعرض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يُفدى بالنفس؟! والله المستعان.
طالب:...
نعم، ما فيه، لكنه معروف، الذي يوجب الحد المحرم، ما يحتاج إلى ذكر محرم.
"وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، فِي الْحَدِيثِ ثُبُوتُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَهُوَ ثَابِتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ".
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:4] ثلاثة أحكام مرتبة على القذف: الجلد، ورد الشهادة، والحكم بالفسق، ثم استثني من ذلك الذين تابوا، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[النور:5]، فالتوبة لا تُسقِط الحد بالإجماع، وترفع الفسق بالاتفاق، ويبقى قبول الشهادة محل خلاف بين أهل العلم، بعد التوبة تُقبل شهادته أو لا تُقبل؟ يعني الاستثناء المتعقّب لجُمل متعددة هل يعود إلى الجميع، أو يعود إلى الأخيرة منها؟ هنا كونه يعود إلى الأخيرة هذا محل اتفاق، لكن عوده إلى الجميع محل خلاف، مع أنه لا يعود إلى الجملة الأولى هنا اتفاقًا؛ لأنه حق آدمي لا يسقط بالتوبة.
"وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقَذْفُ لِعَائِشَةَ إلَّا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ جَلَدَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّ الْقَذْفِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَعَدَّ أَعْذَارًا فِي تَرْكِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَدِّهِ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْقَذَفَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: إنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَجْلِدْ أَحَدًا مِنْ الْقَذَفَةِ لِعَائِشَةَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَدْ رُدَّ قَوْلُهُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ مَا يُوجِبُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَحَدُّ الْقَاذِفِ يَثْبُتُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ مَا قَذَفَ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهِ إلَى بَيِّنَةٍ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا مِنْ الْقَذَفَةِ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ مَا ثَبَتَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَأَنَّ مِسْطَحًا مِنْ الْقَذَفَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: 22] الْآيَةَ".
نعم، أبو بكر كان ينفق على مسطح، ينفق عليه، فلما شارك في قصة الإفك أقسم وحلف أبو بكر ألا ينفق عليه، ومع ذلك قال: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: 22]، يعني لا يحلف أولو الفضل كأبي بكر، {مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى}؛ لأن مسطحًا من أقاربه، وكونه قذف لا يعني أنه خرج من الدين، لا يعني أنه خرج من الدين، لكن من قذف بعد نزول البراءة كفر، وهذا معروف عند بعض طوائف البدع، وما زالوا يكررون قصة الإفك، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:...
أين؟
طالب:...
يوجب الحد إما بزنا أو لواط.
طالب:...
التعزير غير الحد، غير حد القذف، المقصود بالحد الثمانين جلدة، ما يكون إلا لمن قذف بما يوجب الحد، لكن إذا قذف بما دونه، وظهرت البراءة أو لم يثبت ما قذف به يُعزَّر.
طالب:...
لا، القذف المراد به في هذا الباب، القذف الفرية، يعني حده ثمانين جلدة.
"وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ لَعَّان فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك». الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ".
أحضر البينة وإلا يلزمك حدٌ في ظهرك، يعني إذا لم يحضر البينة صار قاذفًا.
"وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ: أَوَّلُ لِعَانٍ، قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي سَبَبِ نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ؛ فَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ هَذِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ، وَفِي رواية أُخْرَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ عُوَيْمِر الْعَجْلَانِيِّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ بِنُزُولِهَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ هِلَالٍ، وَصَادَفَ مَجِيءَ عُوَيْمِر الْعَجْلَانِيِّ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ على ذَلِكَ الْأَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إلَّا أَنَّهُ نُسِخَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالْمُلَاعَنَةِ، وَهَذَا مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، وإنْ كَانَتْ آيَة جَلْدِ الْقَذْفِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةُ سَابِقَة نُزُولًا عَلَى آيَةِ اللِّعَانِ، وَإِلَّا فَآيَةُ اللِّعَان إمَّا نَاسِخَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَرَاخِي النُّزُولِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهُ لِقَذْفِ الزَّوْجِ، أَوْ مُخَصِّصَةٌ إنْ لَمْ يَتَرَاخَ النُّزُولُ".
يعني إذا كان نزول حدّ القذف واللعان دفعةً واحدة دون تراخٍ صار بيانًا، وإن كان نزول آيات اللعان بعد نزول حدّ القذف الذي هو في صدر السورة صار نسخًا، صار نسخًا؛ لأن النسخ حقيقته رفع حكم شرعي بحكمٍ شرعيٍ آخر متراخٍ عنه، يعني لا بد أن يكون متأخرًا عنه، وإلا ما يكون نسخًا، ولذلك يختلفون في نسخ الحكم قبل التمكن من فعله، هل يسمى نسخًا أم ما يسمى نسخًا؟
نعم إذا وُجد التراخي هذا يدخل في حيز النسخ، أما إذا نزلت الآيات دفعة واحدة فكيف يقال بالنسخ؟ وهذا مراد الشارح هنا.
طالب:...
كيف؟
طالب:...
على كل حال هو رفع إما كُلي وإما جزئي.
"أو يَكُونَ آيَةُ اللِّعَانِ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْعُمُومِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْخُصُوصُ، وَهُوَ مَنْ عَدَا الْقَاذِفِ لِزَوْجَتِهِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ بِخُصُوصِهِ، كَذَا قِيلَ".
يعني هل هو عامٌّ مخصوص أو عامٌّ اُريد به الخصوص؟
طالب:...
يعني هل يشترط في المُخصِّص أن يكون متراخيًا؟ التخصيص بالاستثناء. نعم، ما يلزم أن يكون متراخيًا.
"وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَزْوَاجَ الْقَاذِفِينَ لِأَزْوَاجِهِمْ بَاقُونَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى شَهَادَةَ الزَّوْجِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ قَائِمَةً مَقَامَ الْأَرْبَعَةِ الشُّهَدَاءِ، وَلِذَا أَسْمَى اللَّهُ أَيْمَانَهُ شَهَادَةً فَقَالَ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6]، فَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْأَيْمَانِ وَجَبَ جَلْدُهُ جَلْدَ الْقَذْفِ".
«البينة أو حدٌّ في ظهرك»، دلّ على أن قاذف الزوجة من ضمن القذفة يحب عليه حدّ القذف، لكن إن حلف الأيمان المطلوبة منه الأربعة، ثم بلعن نفسه كأنه أحضر البينة يرتفع عنه الحد، وإن لم يحلف الأيمان ولم يلعن نفسه فإنه من جُملة القذفة، يجب عليه حد القذف.
طالب:...
إن طالب بحقه فهذه مسألة ثانية، وإن لم يطالب فهذا شيء آخر.
طالب:...
هو الآن إذا قذف قال: فلان مع فلانة، فالحق ثابت للاثنين، لكن إذا قذف زوجته فقط بغض النظر عن الثاني.
طالب:...
يلاعن وينتهي.
طالب:...
يمشي يشير له.
"كما إذَا رَمَى أَجْنَبِيٌّ أَجْنَبِيَّةً وَلَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ جُلِدَ لِلْقَذْفِ، فَالْأَزْوَاجُ بَاقُونَ فِي عُمُومِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، دَاخِلُونَ فِي حُكْمِهِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَيِّنَة، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك»، وَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ اللِّعَانِ؛ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ إذَا فَقَدَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ، وَهُمْ الْأَرْبَعَةُ الشُّهَدَاءُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِوَضَهُمْ الْأَرْبَعَ الْأَيْمَانَ، وَزَادَ الْخَامِسَةَ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّشْدِيدِ، وَجَلْدُ الزَّوْجِ بِالنُّكُولِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَلَمْ يَحْلِفُوا إنْ كَانُوا أَزْوَاجًا لِمَنْ رَمَوْا، وَغَايَتُهُ أَنَّهَا قَيَّدَتْ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ بَعْضَ أَفْرَادِ عُمُومِ الْأُولَى بِقَيْدٍ زَائِدٍ عِوَضًا عَنْ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ إذَا فُقِدَ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".
ظاهر، نعم.
طالب:...
يعني ما هم، يعني ينفي وجوده؟
طالب:...
لا، هو موجود، الذين قال لهم الناس، كل الناس جاؤوا يقولون؟ يعني جاء خبر يخصص هذا؟
طالب:...
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}[آل عمران:173] مثله؟ هذا أصل المتكلم لم يُرِد جميع الناس، فهو أُريد به الخصوص. لكن لو تُصُوِّر أن السامع يفهم أن جميع الناس جاؤوا ثم جاء ما يخصصه يمكن أن نقول: عامٌّ مخصوص.
"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ أَبُو عِمْرَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْقَارِئُ الشَّامِيُّ كَانَ عَالِمًا ثِقَةً حَافِظًا لِمَا رَوَاهُ، فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ التَّابِعِينَ، أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، روى عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَغَيْرِهِ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ أبي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وُلِدَ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمْ أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَمْلُوكَ".
كيف وُلِد كم؟
طالب:...
إحدى وعشرين، كيف أدرك أبا بكر؟ تولى عمر يعني ولد في خلافة عمر، لكن إدراكه لعمر وهو صغير صغير جدًّا.
"ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي الْقَذْفِ إلَّا أَرْبَعِينَ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ".
لكن الذي في الموطأ: أدركت عثمان بن عفان والخلفاء.
"دَلَّ عَلَى أَنَّ رَأْيَ مَنْ ذُكِرَ تَنْصِيفَ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي تَنْصِيفِ حَدِّ الزِّنَى فِي الْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فَكَأَنَّهُمْ قَاسُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ فِي الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ قَاذِفَةً، وَخَصَّصُوا بِالْقِيَاسِ عُمُومَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، ثُمَّ قَاسُوا الْعَبْدَ عَلَى الْأَمَةِ فِي تَنْصِيفِ الْحَدِّ فِي الزِّنَى وَالْقَذْفِ بِجَامِعِ الْمُلْكِ".
يعني مثل ما قاسوا العبد على الأمة في الزنى، وإلا فالأصل أن النصّ في الأمة، قيس عليها العبد، ثم قيس على الزنى القذف.
"وهو عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَمَالِيكِ فِي الْعُمُومَاتِ لَا تَخْصِيصَ، إلَّا أَنَّهُ مَذْهَبٌ مَرْدُودٌ فِي الْأُصُولِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ".
ما دموا مكلفين، ما داموا مكلفين، فدخولهم في النصوص كدخول الأحرار.
طالب:...
يعني في مقابل النص.
طالب:...
طيب، ماذا فيه؟
طالب: ........
نعم.
طالب: ........
يعني لو ورد حديث نصٌّ بخصوصه يدل على أن العبد ما يُنصّف عليه نقول: ما نجوز أن نقيسه على الأمة، لكن ما ورد فيه شيء فيُعمَل فيه القياس.
"وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَنَّهُ لا يُنصَّف حد القذف على العبد؛ لعموم الآية، وكأنهم لا يرون العمل بالقياس، كما هو رَأْيُ الظَّاهِرِيَّةِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقِيَاسَ".
سقط سطر كامل، وذهب ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز إلى أنه..
طالب: لا ينصف حد القذف على العبد؛ لعموم الآية وكأنهم لا يرون العمل بالقياس كما هو رأي الظاهرية.
وذهب ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز إلى أنه، بعد هذا ساقط إلى رأي الظاهرية، سطر كامل.
طالب: ........
ماذا ؟
طالب:...
اقرأه.
"إلَى أَنَّهُ لا يُنصَّف حد القذف على العبد".
لا ينصف حد القذف على العبد.
"لعموم الآية".
لعموم الآية.
"وكأنهم لا يرون العمل بالقياس كما هو رَأْيُ الظَّاهِرِيَّةِ".
نعم.
"والتحقيق أن القياس غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعِلَّةَ فِي إلْحَاقِ الْعَبْدِ بِالْأَمَةِ الْمِلْكَ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ الْعِلَّةُ إلَّا مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ".
لكن الأكثر على أنه من المسالك، يعني إذا سبرنا ونظرنا إلى ما يمكن التعليل به، واستوعبنا هذه العلل التي يمكن أن يُعلّل بها، ثم بعد هذا السبر قسمنا وأثبتنا ما يمكن إثباته، ونفينا ما لا يمكن إثباته فهذا معمولٌ به عند أهل العلم.
"وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِ الْأُنُوثَةِ جُزْءَ الْعِلَّةِ لِنَقْصِ حَدِّ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ يُمْتَهُنَّ وَيُغْلَبْنَ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] أَيْ لَهُنَّ، وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الذُّكُورِ؛ إذْ لَا يُغْلَبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْعَبْدُ بِالْأَمَةِ فِي تَنْصِيفِ حَدِّ الزِّنَا وَلَا الْقَذْفِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ لَا يُنَصَّفُ لَهَا حَدُّ الْقَذْفِ، بَلْ يُحَدُّ لَهَا كَحَدِّ الْحُرَّةِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى تَنْصِيفِهِ فِي حَدِّ الزِّنَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِخِلَافِ دَاوُد وغيره وَأَمَّا فِي الْقَذْفِ فَقَدْ سَمِعْت الْخِلَافَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِه".
والاعتبار بقول داود والاعتاد برأيه مسألة خلافية بين أهل العلم، ومرّ بنا مرارًا قول النووي: ولا يُعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس، الذي هو أحد أركان الاجتهاد، ومنهم من يعتبر بقول داود، لكن الأكثر على أنه لا يُعتّد بخلافه، خلافهم كعدمه.
أبو ثور ذكروا عنه أنه قال: لو قال أحدٌ برجم الرقيق لقلت به، لو قال أحد أو فإن قال أحد برجم الرقيق فأنا معه، أنه يُرجَم.
"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْمَالِكُ فِي الدُّنْيَا إذَا قَذَفَ مَمْلُوكَهُ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ آيَةِ الْقَذْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْإِحْصَانِ الْحُرِّيَّةَ وَلَا التَّزَوُّجَ، وَهُوَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَعَلَى الْمُحْصَنِ وَعَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ أَنَّهُ يُحَدُّ لِقَذْفِهِ مَمْلُوكَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
لأن الحدود كفارات كما جاء به الحديث الصحيح.
"وَلَوْ وَجَبَ حَدُّهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَجِبْ حَدُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إذْ قَدْ وَرَدَ أَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَأَمَّا إذَا قَذَفَ غَيْرُ مَالِكِهِ فَإِنَّهُ أَيْضًا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا أُمُّ الْوَلَدِ، فَفِيهَا خِلَافٌ؛ فَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ أَيْضًا عَلَى قَاذِفِهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا مَمْلُوكَةٌ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا".
يعني باعتبار الحال، والأحكام معلقة باعتبار الحال، ومن قال: تُحَدّ، قال باعتبار المآل، وأن مآلها إلى حرية، ولأن العار الذي قذفت به يلحق ولدها، وهو حر، وعلى كل حال كونها تُحد أو لا تحد لا يمنع من كونها لا تُحد أن يعزر من كون قاذفها لا يُحد أنه لا يعزر تعزيرًا يردعه عن التطاول على أعراض المسلمين، أحرارًا كانوا أو أرقاء.
طالب:...
مثل مالك باعتبار أن عرضه أقل من عرض الحر، ولو كان عرضه مساويًا لعرض الحر لحُدّ مالكه كغيره.
طالب:...
نعم.
طالب: ........
الحديث ما يدل عليه، ما يدل عليه صراحة.
طالب:...
يعني لو أراد، لو أراد ما قالوا من قذف مملوكًا يعني الجميع السيد وغيره.
"وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُحَدُّ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ".
نعم نكتفي بهذا.
اللهم صلِّ على محمد.