كتاب الأيمان والنذور من سبل السلام (1)
نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في كتاب الأيمان والنذور:
"الْأَيْمَانُ بِفَتْحِ (الْهَمْزَةِ) جَمْعُ الْيَمِينِ، وَأَصْلُ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الجارحة، وأطلقه عَلَى الْحَلِفِ.."
التي هي اليد اليمنى في مقابل الشمال، وهي التي يُعقد بها الصفقات.
أحسن الله إليك.
"وأطلقه على الحلف؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ. (وَالنُّذُورُ) جَمْعُ نَذْرٍ، وَأَصْلُهُ الْإِنْذَارُ بِمَعْنَى التَّخْوِيفِ، وَعَرَّفَهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّهُ إيجَابُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحُدُوثِ أَمْرٍ.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النبي.."
يعني إيجاب المكلف على نفسه ما لم يجب عليه بأصل الشرع، وتعليق هذا الموجب بحدوث أمر.
أحسن الله إليك.
"عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ الرَّكْبُ، رُكْبَانُ الْإِبِلِ اسْمُ جَمْعٍ.."
الركب جمع راكب.
أحسن الله إليك.
"الركب جمع راكب".
عندك؟
القارئ: لا، ما عندي يا شيخ.
لا، لا تغير على ما قال، لكن معروف أنَّ الركب جمع راكب، كصحب جمع صاحب، وهكذا. نعم.
"الرَّكْبُ، رُكْبَانُ الْإِبِلِ اسْمُ جَمْعٍ أَوْ جَمْعٌ، وَهُمْ الْعَشَرَةُ فَصَاعِدًا، وَقَدْ يَكُونُ لِلْخَيْلِ. وعُمَرُ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ»."
وجاء التشديد في هذا الباب، وأنَّ من حلف بغير الله فقد أشرك.
أحسن الله إليك.
"لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِهَذَا اللَّفْظِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَحْلِفُ بِغَيْرِهِ نَحْوِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، كَمَا سيَأْتِي."
والذي نفسي بيده، وحُصِرَت المواطن التي أقسهم فيها النبي- عليه الصلاة والسلام- في تقدير ابن القيم، أنَّها في ثمانين موضعًا.
أحسن الله إليك.
"«أَوْ لِيَصْمُتْ» بِضَمِّ (الْمِيمِ)، مِثْلُ قَتَلَ يَقْتُلُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ."
يعني من باب نَصَرَ.
"وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ».
النِّدُّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمِثْلُ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَصْنَامُهُمْ وَأَوْثَانُهُمْ الَّتِي جَعَلُوهَا لِلَّهِ أَمْثَالًا لِعِبَادَتِهِمْ إيَّاهَا، وَحَلِفِهِمْ بِهَا نَحْوُ قَوْلِهِمْ: وَاَللَّاتِ وَالْعُزَّى.
«وَلَا تَحْلِفُوا بِاَللَّهِ إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ»، الْحَدِيثَانِ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ، وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْحَلِفُ بِهَا."
مما يدل على أنَّ مراده بالكراهة كراهية التحريم.
أحسن الله إليك.
"وَقَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ بَيَانُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَلَا بعَتَاقٍ وَلَا نَذْرٍ، وَإِذَا حَلَّفَ الْحَاكِمُ أَحَدًا بِذَلِكَ وَجَبَ عَزْلُهُ."
لأنَّه جاهل، الحاكم إذا حلَّف أحدًا بغير الله- جلَّ وعلا- دلَّ على أنَّه جاهل، فيجب عزله.
أحسن الله إليك.
"وَعِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ، وَمِثْلُهُ لِلْهَادَوِيَّةِ مَا لَمْ يُسَوِّ فِي التَّعْظِيمِ."
نعم، مثل هذا الخلاف في مثل هذا الحكم تجد الأتباع يتبعون مثل هذا الخلاف، والمجتمعات تجد المجتمع الذي إمامه يُشدد في هذا الباب لا تجد من يحلف بغير الله في مثله؛ لأنَّ الناس تبع لأئمتهم، وإذا تساهل الإمام فيما يُنقل عنه تجد المجتمع يتتابعون على هذا من غير نكير، ويسري فيه.
وقل مثل هذا في كثير من المسائل، أو في جميع المسائل، تجد مسائل في مذهب الحنفية أشد من غيرهم، تجد في الأوساط التي يكثر فيها الحنفية لا تجد لمثل هذه المسائل وجودًا، بخلاف المجتمعات الأخرى، وقل مثل هذا في كثير من المسائل، لمَّا تساهل الشافعية والمالكية في مسألة الحلف بغير الله تجد البُلدان التي يكثر فيها أتباع هذين المذهبين يكثر فيهم الحلف بغير الله من غير نكير.
وتجد القادم من البُلدان التي إمامهم يُشدد في هذه المسألة تجده يستغرب وجود مثل هذه الأمور مع أنَّ النص صحيح «من حلف بغير الله فقد أشرك»، ويتتابع الناس عليه بما في ذلك من ينتسب إلى العلم، تجده من أهل العلم يحلف بالنبي، ويحلف بالأمانة، ويحلف بكذا، لماذا؟ لأنَّ الناس في هذا البلد تتابعوا على موروث إمامهم، وأنَّه يكتفي بالكراهة، وأنَّه يكتفي بالكراهة، لكن لو كان مذهبه التحريم فما تجد هذا التساهل عند الأتباع.
أحسن الله إليك.
"قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَاضِحَةٌ فِي التَّحْرِيمِ لِمَا سَمِعْت، وَلِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ.."
يعني ليس مرد هذا إلى تساهل هذا المجتمع بالشرك، لا، إنَّما تساهلهم بسبب ما نُسب لإمامهم وهم أتباع. نعم، لكن من بلغه الحديث الصحيح لا يسوغ له أن يقارنه بقول أحد كائنًا من كان.
أحسن الله إليك.
"قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَاضِحَةٌ فِي التَّحْرِيمِ لِمَا سَمِعْت، وَلِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ كَفَرَ»، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ «كُلُّ يَمِينٍ يُحْلَفُ بِهَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى شِرْكٌ»، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ». وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاَللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّاتِ وَالْعُزَّى قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَانْفُثْ عَنْ يَسَارِك ثَلَاثًا، وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَلَا تَعُدْ»، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وما في معناها تُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ لِتَصْرِيحِهَا بِأَنَّ ذلك شِرْكٌ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلِذَا أَمَرَ النبي- صلى الله عليه وسلم- بِتَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ وَالْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ بِحَدِيثِ «أَفْلَحَ- وَأَبِيهِ- إنْ صَدَقَ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وأُجِيبَ عَنْهُ أَوَّلًا: بِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ رَاوِيهَا: «أَفْلَحَ وَاَللَّهِ إنْ صَدَقَ» وزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَاوِيَهَا صَحَّفَها، أي صحَّفَ لفظة (وَاَللَّهِ) إلَى (أَبِيهِ)."
هذا الذي ذكره السهيلي فقال: إنَّ الصواب في الكلمة في صحيح مسلم، وأنَّه وجد ذلك في نسخ عتيقة قديمة «أفلح والله»، فكأنَّ النُّساخ قصروا في (اللامين)، فأشبهت أبيه في الصورة، فتناقلها من بعدهم على ذلك، وإلا الحديث في صحيح البخاري ما فيه (وأبيه). «أفلح إن صدق». نعم.
"وثانيًا: أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مَخْرَجَ الْقَسَمِ، بَلْ هِيَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ من غير قصد معناها مِثْلُ تَرِبَتْ يَدَاهُ. وَقَوْلُنَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ إشَارَةٌ إلَى تَأْوِيلِ الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ «فَقَدْ أَشْرَكَ» بِمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ: قَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِثْلَ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ كَمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ «الرِّيَاءُ شِرْكٌ» عَلَى ذَلِكَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يدفع الْقَوْلَ بِكُفْرِ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا يَرْفَعُ التَّحْرِيم، كَمَا أَنَّ الرِّيَاءَ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا، وَلَا يُكَفَّرُ مَنْ فَعَلَهُ كَمَا قَالَه ذَلِكَ الْبَعْضُ. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى.."
يعني الأصل إذا قلنا: من حلف بغير الله فقد كفر أو شرك أنَّه خرج من الدين بالكلية؛ ولذا أُمر بأن يقول: لا إله إلا الله، لكن هذا خرج مخرج التغليظ والزجر بحيث لا يعود له مرة ثانية، وإلا فهو بذلك شرك أصغر لا يُخرج به من الدين إلا إذا سوَّى بين المحلوف به وبين الله- جلَّ وعلا- نعم.
أحسن الله إليك.
"وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَقْسَمَ فِي كِتَابِهِ المجيد بِالْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِهِمَا."
الله- جلَّ وعلا- له أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته، لكن غيره من الخلق لا يجوز لهم أن يُقسموا بغير الله- جلَّ وعلا-.
"وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الِاقْتِدَاءُ بِالرَّبِّ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، عَلَى أَنَّهَا كُلَّهَا مُؤَوَّلَةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ. وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّ الْحَلِفَ يَقْتَضِي تَعْظِيمَ المحلوق بِهِ وَمَنْعَ.."
المحلوف، المحلوف به.
"وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّ الْحَلِفَ يَقْتَضِي تَعْظِيمَ المحلوف بِهِ، وَمَنْعَ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ عَزْمِهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ عَظَمَةِ مَنْ حَلَفَ بِهِ، وَحَقِيقَةُ الْعَظَمَةِ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.
وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الدِّينِ أَوْ بِأَنَّهُ يَهُودِيٌّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا». وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ.."
لأنَّها أعظم من أن تُكفَّر، فإذا كانت اليمين بالله- جلَّ وعلا- الغموس التي يُقتطع بها حق مسلم لا كفارة لها، فهذه من باب أولى.
أحسن الله إليك.
طالب: .........
إن كان على حسب الدافع له، على حسب ما وقع في قلبه، فالناس يتفاوتون.
أحسن الله إليك.
"والأظْهَرُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ إذْ الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةٌ فِيمَا أَذِنَ اللَّهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ لَا فِيمَا نَهَى عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِعُ كَفَّارَةً، بَلْ ذَكَرَ أَن يَقُولُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ لَا غَيْرُ."
لكن إذا كان المُدَّعى عليه غير مسلم، وتوجهت إليه اليمين وهو لا يتردد في أن يحلف بالله- جلَّ وعلا- وعنده من يعظمه بحيث لا يُمكن أن يحلف به، عرفنا أنَّه لا يجوز تحليفه بغير الله، وأنَّ القاضي الذي يُحلِّف بغير الله يجب عزله، لكن يُمكن أن يؤتى بصيغة شرعية مضمنة امتهان من يُعظِّمه إن كان كاذبًا فلا مانع من ذلك إذا لم يكن هناك حلف به، مثل ما حصل عند قاضٍ من القضاة، ادُّعِي على شخص ممن يعبد البقر، عنده أمانة، ادَّعى عليه شخص أنَّ عنده أمانة، له مبلغ كذا، فأنكر وتقاضيا إلى قاضٍ مسلم، فادَّعى المُدَّعِي وقال: إن هذا عنده وديعة وأمانة لي مبلغ كذا، عندك بينة؟ قال: لا والله، ما عندي بينة. اتجه إلى المُدَّعى عليه، قال: أبدًا، ليس بصحيح.
هل يقول: البينة على المُدَّعِي، واليمين على من أنكر ويكفي؟ يحلف كما جاء في القسامة، اليهود يحلفون خمسين يمينًا، ولم يرضَ الصحابة بيمين اليهود، المقصود أنَّ هذا القاضي أمر بإحضار سكين، وشحذها ووضعها في يد المُدَّعَى عليه، وأمسك بها فقال: قل ورب البررة مُهلك الفجرة لئن كان صادقًا لأخذن هذه السكين وأذبح البقرة، هو حلف بالله- جلَّ وعلا-، قال: لا لا، البقرة ما يذبح، فلوس يُسلِّم.
طالب: .......
نعم، هذه حيلة، يعني اقتضت امتهان من يُعظِّمه، ولم تقتضِ تعظيمه، وبها استُخرِج الحق من هذا المُنكِر الخبيث، وبهذه الحيلة لا مانع أن يوجد مثل هذه الحيل التي تُستخرج بها الحقوق، وحينئذٍ تكون شرعية، الحيل التي يتوصل بها إلى استخراج الحقوق فعل الواجب، أو ترك المحرم هذه حيل شرعية.
أحسن الله إليك.
"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك»، وَفِي رِوَايَةٍ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ»، أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ."
ما لم يكن ظالمًا، ما لم يكن ظالمًا فالمظلوم له أن يُوري.
أحسن الله إليك.
"دلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ، وَلَا تَنْفَعُ نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا نَوَى بِهَا غَيْرَ مَا أَظْهَرهُ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحَلِّفُ لَهُ الْحَاكِمَ أَوْ الْمُدَّعِي لِلْحَقِّ. وَالْمُرَادُ حَيْثُ كَانَ الْمُحَلِّفُ لَهُ التَّحْلِيفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: «عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك»، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ لِلْمُحَلِّفِ التَّحْلِيفُ، وَهُوَ حَيْثُ كَانَ صَادِقًا فِي دعواه عَلَى الْحَالِفِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَتْ النِّيَّةُ نِيَّةَ الْحَالِفِ. وَاعْتَبَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَلِّفُ الْحَاكِمَ وَإِلَّا كَانَتْ النِّيَّةُ نِيَّةَ الْحَالِفِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا إذَا حُلِّف بِغَيْرِ اسْتِحْلَافٍ.."
حَلَفَ.
أحسن الله إليك.
"وأمَّا إذا حَلَفَ بغير استحلاف وَوَرَّى فَتَنْفَعُهُ وَلَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ حَلَفَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ أَوْ حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرُ نَائِبِهِ وَلَا اعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ نية الْمُحَلِّفِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ فِي دَعْوًى.."
توجهت عليه.
"تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ"؟
نعم.
"فَتَكُونُ النية نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ. أَمَّا إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ فِي دَعْوًى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ تَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ، وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ. اهـ.
قُلْت: وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ تَقْيِيدُ الْحَدِيثِ بِالْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ، بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحْلَفَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ مُطْلَقًا."
وهذا هو الظاهر؛ لأنَّ الحديث ما فيه قيد، ومن قال: إنًّ القيد معتبر باعتبار أنَّه لا حلف إلا عند القضاء، وهو الذي يُلزم بالحلف، فهو معول من قال بذلك من الشافعية.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله.
طالب: ..........
ليس صحيحا حق الظالم، ما يصير صاحب حق الظالم يصير مُدَّعِيًا لكنه ظالم.